كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 50804
تحميل: 7641


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50804 / تحميل: 7641
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

سوى طعن يحار العقل فيه

و ضرب حين تختلط الدماء

و لست بتابع دين ابن هند

طوال الدهر ما أرسى حراء

لقد ذهب العتاب فلا عتاب

و قد ذهب الولاء فلا ولاء

و قولي في حوادث كل خطب

على عمرو و صاحبه العفاء

ألا لله درك يا ابن هند

لقد برح الخفاء فلا خفاء

أتحمون الفرات على رجال

و في أيديهم الأسل الظماء

و في الأعناق أسياف حداد

كأن القوم عندهم نساء

أترجو أن يجاوركم علي

بلا ماء و للأحزاب ماء

دعاهم دعوة فأجاب قوم

كجرب الإبل خالطها الهناء

قال:ثم سار الهمداني في سواد الليل حتى لحق بعلي(عليه‌السلام ).قال:و مكث أصحاب علي(عليه‌السلام )بغير ماء،و اغتم علي(عليه‌السلام )بما فيه أهل العراق.قال نصر و حدثنا محمد بن عبد الله عن الجرجاني قال:لما اغتم علي بما فيه أهل العراق من العطش خرج ليلا قبل رايات مذحج،فإذا رجل ينشد شعرا:

أيمنعنا القوم ماء الفرات

و فينا الرماح و فينا الحجف

و فينا الشوازب مثل الوشيج

و فينا السيوف و فينا الزغف

٣٢١

و فينا علي له سورة

إذا خوفوه الردى لم يخف

و نحن الذين غداة الزبير

و طلحة خضنا غمار التلف

فما بالنا أمس أسد العرين

و ما بالنا اليوم شاء النجف

فما للعراق و ما للحجاز

سوى الشام خصم فصكوا الهدف

و ثوروا عليهم كبزل الجمال

دوين الذميل و فوق القطف

فإما تفوزوا بماء الفرات

و منا و منهم عليه جيف

و إما تموتوا على طاعة

تحل الجنان و تحبو الشرف

و إلا فأنتم عبيد العصا

و عبد العصا مستذل نطف

قال:فحرك ذلك عليا(عليه‌السلام )،ثم مضى إلى رايات كندة فإذا إنسان ينشد إلى جانب منزل الأشعث،و هو يقول:

لئن لم يجل الأشعث اليوم كربة

من الموت فيها للنفوس تعنت

فنشرب من ماء الفرات بسيفه

فهبنا أناسا قبل ذاك فموتوا

فإن أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا

و تنض التي فيها عليك المذلة

٣٢٢

فمن ذا الذي تثني الخناصر باسمه

سواك و من هذا إليه التلفت

و هل من بقاء بعد يوم و ليلة

نظل خفوتا و العدو يصوت

هلموا إلى ماء الفرات و دونه

صدور العوالي و الصفيح المشتت

و أنت امرؤ من عصبة يمنية

و كل امرئ من سنخه حين ينبت

قال:فلما سمع الأشعث قول الرجل قام فأتى عليا(عليه‌السلام )،فقال:يا أمير المؤمنين،أيمنعنا القوم ماء الفرات و أنت فينا و السيوف في أيدينا خل عنا،و عن القوم فو الله لا نرجع حتى نرده أو نموت و مر الأشتر فليعل بخيله و يقف حيث تأمره،فقال علي(عليه‌السلام )ذلك إليكم.فرجع الأشعث فنادى في الناس من كان يريد الماء أو الموت فميعاده موضع كذا،فإني ناهض فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة،و أفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم،فشد عليه سلاحه و نهض بهم حتى كاد يخالط أهل الشام و جعل يلقي رمحه و يقول لأصحابه:بأبي و أمي أنتم تقدموا إليهم قاب رمحي هذا،فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم و حسر عن رأسه،و نادى أنا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء،فنادى أبو الأعور أما و الله حتى لا تأخذنا و إياكم السيوف،فقال الأشعث:

٣٢٣

قد و الله أظنها دنت منا و منكم و كان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي فبعث إليه الأشعث أقحم الخيل،فأقحمها حتى وضعت سنابكها في الفرات،و أخذت أهل الشام السيوف فولوا مدبرين.قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر و زيد بن الحسن قال:فنادى الأشعث عمرو بن العاص،فقال:ويحك يا ابن العاص خل بيننا و بين الماء،فو الله لئن لم تفعل لتأخذنا و إياكم السيوف،فقال:عمرو و الله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف و إياكم فيعلم ربنا أينا أصبر اليوم،فترجل الأشعث و الأشتر و ذوو البصائر من أصحاب علي(عليه‌السلام )و ترجل معهما اثنا عشر ألفا،فحملوا على عمرو و أبي الأعور و من معهما من أهل الشام فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي(عليه‌السلام )سنابكها في الماء.قال نصر فروى عمر بن سعد أن عليا(عليه‌السلام )قال:ذلك اليوم هذا يوم نصرتم فيه بالحمية.قال نصر:و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر،قال:سمعت تميما الناجي يقول سمعت الأشعث يقول حال عمرو بن العاص بيننا و بين الفرات فقلت له:ويحك يا عمرو،أما و الله إن كنت لأظن لك رأيا،فإذا أنت لا عقل لك أترانا نخليك و الماء تربت يداك أما علمت أنا معشر عرب ثكلتك أمك و هبلتك لقد رمت أمرا عظيما،فقال لي عمرو:أما و الله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد و نحكم العقد و نلقاكم

٣٢٤

بصبر و جد فنادى به الأشتر يا ابن العاص،أما و الله لقد نزلنا هذه الفرضة و إنا لنريد القتال على البصائر و الدين،و ما قتالنا سائر اليوم إلا حمية،ثم كبر الأشتر و كبرنا معه و حملنا فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام.قالوا فلقي عمرو بن العاص بعد انقضاء صفين الأشعث،فقال له:يا أخا كندة،أما و الله لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء،و لكن كنت مقهورا على ذلك الرأي فكابرتك بالتهدد و الوعيد و الحرب خدعة.قال نصر:و لقد كان من رأي عمرو التخلية بين أهل العراق و الماء،و رجع معاوية بأخرة إلى قوله بعد اختلاط القوم في الحرب،فإن عمرا فيما روينا أرسل إلى معاوية أن خل بين القوم و بين الماء،أترى القوم يموتون عطشا و هم ينظرون إلى الماء،فأرسل معاوية إلى يزيد بن أسد القسري أن خل بين القوم و بين الماء يا أبا عبد الله،فقال يزيد و كان شديد العثمانية:كلا و الله لنقتلنهم عطشا كما قتلوا أمير المؤمنين.قال فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر،قال:خطب علي(عليه‌السلام )يوم الماء فقال:أما بعد فإن القوم قد بدءوكم بالظلم،و فاتحوكم بالبغي،و استقبلوكم بالعدوان،و قد استطعموكم القتال حيث منعوكم الماء فأقروا على مذلة و تأخير مهلة...الفصل إلى آخره.قال نصر:و كان قد بلغ أهل الشام أن عليا(عليه‌السلام )جعل للناس إن فتح الشام أن يقسم بينهم التبر و الذهب و هما الأحمران،و أن يعطي كلا منهم خمسمائة كما أعطاهم بالبصرة،فنادى ذلك اليوم منادي أهل الشام يا أهل العراق،لما ذا نزلتم بعجاج

٣٢٥

من الأرض نحن أزد شنوءة لا أزد عمان يا أهل العراق:

لا خمس إلا جندل الأحرين

و الخمس قد تجشمك الأمرين

قال نصر:فحدثني عمرو بن شمر عن إسماعيل السدي عن بكر بن تغلب،قال:حدثني من سمع الأشعث يوم الفرات،و قد كان له غناء عظيم من أهل العراق،و قتل رجالا من أهل الشام بيده و هو يقول:و الله إن كنت لكارها قتال أهل الصلاة و لكن معي من هو أقدم مني في الإسلام و أعلم بالكتاب و السنة،فهو الذي يسخي بنفسه.

٣٢٦

قال نصر:و حمل ظبيان بن عمارة التميمي على أهل الشام و هو يقول:

هل لك يا ظبيان من بقاء

في ساكني الأرض بغير ماء

لا و إله الأرض و السماء

فاضرب وجوه الغدر الأعداء

بالسيف عند حمس الهيجاء

حتى يجيبوك إلى السواء

قال:فضربهم و الله حتى خلوا له الماء.قال نصر:و دعا الأشتر بالحارث بن همام النخعي،ثم الصهباني فأعطاه لواءه و قال له:يا حارث،لو لا أني أعلم أنك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك و لم أحبك بكرامتي،فقال:و الله يا مالك،لأسرنك أو لأموتن فاتبعني،ثم تقدم باللواء و ارتجز فقال:

يا أخا الخيرات يا خير النخع

و صاحب النصر إذا عم الفزع

و كاشف الخطب إذا الأمر وقع

ما أنت في الحرب العوان بالجذع

قد جزع القوم و عموا بالجزع

و جرعوا الغيظ و غصوا بالجرع

إن تسقنا الماء فليست بالبدع

أو نعطش اليوم فجند مقتطع

ما شئت خذ منها و ما شئت فدع

فقال الأشتر:ادن مني يا حارث،فدنا منه فقبل رأسه،فقال:لا يتبع رأسه اليوم إلا خير،ثم صاح الأشتر في أصحابه فدتكم نفسي شدوا شدة المحرج الراجي للفرج،فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها،فإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل على نواجذه،فإنه أشد لشئون الرأس،ثم استقبلوا القوم بهامكم.

٣٢٧

قال:و كان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب،و قتل بيده من أهل الشام من فرسانهم و صناديدهم سبعة صالح بن فيروز العكي،و مالك بن أدهم السلماني،و رياح بن عتيك الغساني،و الأجلح بن منصور الكندي،و كان فارس أهل الشام،و إبراهيم بن وضاح الجمحي،و زامل بن عبيد الحزامي،و محمد بن روضة الجمحي.قال نصر:فأول قتيل قتله الأشتر بيده ذلك اليوم صالح بن فيروز ارتجز على الأشتر،و قال له:

يا صاحب الطرف الحصان الأدهم

أقدم إذا شئت علينا أقدم

أنا ابن ذي العز و ذي التكرم

سيد عك كل عك فاعلم

قال:و كان صالح مشهورا بالشدة و البأس،فارتجز عليه الأشتر فقال له:

أنا ابن خير مذحج مركبا

و خيرها نفسا و أما و أبا

آليت لا أرجع حتى أضربا

بسيفي المصقول ضربا معجبا

،ثم شد عليه فقتله فخرج إليه مالك بن أدهم السلماني،و هو من مشهوريهم أيضا فحمل على الأشتر بالرمح،فلما رهقه التوى الأشتر على فرسه و مار السنان فأخطأه،ثم استوى على فرسه و شد على الشامي فقتله طعنا بالرمح،ثم قتل بعده رياح بن عقيل و إبراهيم بن وضاح،ثم برز إليه زامل بن عقيل و كان فارسا،فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه و لم يصب مقتلا،و شد عليه الأشتر بالسيف راجلا فكشف قوائم فرسه،و ارتجز عليه،فقال:

٣٢٨

لا بد من قتلي أو من قتلكا

قتلت منكم أربعا من قبلكا

كلهم كانوا حماة مثلكا

ثم ضربه بالسيف و هما راجلان فقتله،ثم خرج إليه محمد بن روضة،فقال:و هو يضرب في أهل العراق ضربا منكرا:

يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن

يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن

أورث قلبي قتله طول الحزن

أضربكم و لا أرى أبا حسن

فشد عليه الأشتر فقتله و قال:

لا يبعد الله سوى عثمانا

و أنزل الله بكم هوانا

و لا يسلى عنكم الأحزانا

ثم برز إليه الأجلح بن منصور الكندي،و كان من شجعان العرب و فرسانها،و هو على فرس له اسمه لاحق فلما استقبله الأشتر كره لقاءه و استحيا أن يرجع عنه،فتضاربا بسيفيهما فسبقه الأشتر بالضربة فقتله،فقالت أخته ترثيه:

ألا فابكي أخا ثقة

فقد و الله أبكينا

لقتل الماجد القمقام

لا مثل له فينا

أتانا اليوم مقتله

فقد جزت نواصينا

كريم ماجد الجدين

يشفي من أعادينا

شفانا الله من أهل

العراق فقد أبادونا

أما يخشون ربهم

و لم يرعوا له دينا

٣٢٩

قال و بلغ شعرها عليا(عليه‌السلام )،فقال:أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من الجزع،أما إنهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن أيامى حزانى بائسات،قاتل الله معاوية،اللهم حمله آثامهم و أوزارا و أثقالا مع أثقاله،اللهم لا تعف عنه.قال نصر:و حدثنا عمرو بن شمر،عن جابر،عن الشعبي،عن الحارث بن أدهم،و عن صعصعة قال:أقبل الأشتر يوم الماء فضرب بسيفه جمهور أهل الشام حتى كشفهم عن الماء،و هو يقول:

لا تذكروا ما قد مضى وفاتا

و الله ربي الباعث الأمواتا

من بعد ما صاروا كذا رفاتا

لأوردن خيلي الفراتا

شعث النواصي أو يقال ماتا

قال:و كان لواء الأشعث بن قيس مع معاوية بن الحارث،فقال له الأشعث:لله أبوك ليست النخع بخير من كندة قدم لواءك،فإن الحظ لمن سبق فتقدم لواء الأشعث ،و حملت الرجال بعضها على بعض ،و حمل في ذلك اليوم أبو الأعور السلمي ،و حمل الأشتر عليه فلم ينتصف أحدهما من صاحبه ،و حمل شرحبيل بن السمط على الأشعث فكانا كذلك ،و حمل حوشب ذو ظليم على الأشعث أيضا و انفصلا ،و لم ينل أحدهما من صاحبه أمرا فما زالوا كذلك حتى انكشف أهل الشام عن الماء ،و ملك أهل العراق المشرعة.قال نصر:فحدثنا محمد بن عبد الله عن الجرجاني قال:قال عمرو بن العاص لمعاوية:لما ملك أهل العراق الماء ما ظنك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم ؟

٣٣٠

أمس أتراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ما أغنى عنك أن تكشف لهم السوأة،فقال معاوية:دع عنك ما مضى فما ظنك بعلي.قال:ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه و أن الذي جاء له غير الماء.قال:فقال له معاوية قولا أغضبه،فقال عمرو:

أمرتك أمرا فسخفته

و خالفني ابن أبي سرحة

و أغمضت في الرأي إغماضة

و لم تر في الحرب كالفسحة

فكيف رأيت كباش العراق

ألم ينطحوا جمعنا نطحة

فإن ينطحونا غدا مثلها

نكن كالزبيري أو طلحة

أظن لها اليوم ما بعدها

و ميعاد ما بيننا صبحه

و إن أخروها لما بعدها

فقد قدموا الخبط و النفحة

و قد شرب القوم ماء الفرات

و قلدك الأشتر الفضحة

قال نصر:فقال أصحاب علي(عليه‌السلام )له امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك،فقال،لا خلوا بينهم و بينه لا أفعل ما فعله الجاهلون سنعرض عليهم كتاب الله و ندعوهم إلى الهدى،فإن أجابوا و إلا ففي حد السيف ما يغني إن شاء الله.قال:فو الله ما أمسى الناس حتى رأوا سقاتهم و سقاة أهل الشام و رواياهم و روايا أهل الشام يزدحمون على الماء ما يؤذي إنسان إنسانا

٣٣١

52.و من خطبة له(عليه‌السلام )

(و قد تقدم مختارها برواية و نذكر ما نذكره هنا برواية أخرى لتغاير الروايتين:أَلاَ وَ إِنَّ اَلدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَ آذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ وَ تَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَ أَدْبَرَتْ حَذَّاءَ فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا [ سَاكِنِيهَا ] وَ تَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا وَ قَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً وَ كَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ اَلْإِدَاوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ اَلْمَقْلَةِ لَوْ تَمَزَّزَهَا اَلصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ فَأَزْمِعُوا عَبِادَ اَللَّهِ اَلرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ اَلدَّارِ اَلْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا اَلزَّوَالُ وَ لاَ يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا اَلْأَمَلُ وَ لاَ يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا اَلْأَمَدُ فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ اَلْوُلَّهِ اَلْعِجَالِ وَ دَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ اَلْحَمَامِ وَ جَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي اَلرُّهْبَانِ وَ خَرَجْتُمْ إِلَى اَللَّهِ مِنَ اَلْأَمْوَالِ وَ اَلْأَوْلاَدِ اِلْتِمَاسَ اَلْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي اِرْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَ حَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلاً فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَ بِاللَّهِ تَاللَّهِ لَوِ اِنْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ اِنْمِيَاثاً وَ سَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي اَلدُّنْيَا مَا اَلدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ وَ لَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ اَلْعِظَامَ وَ هُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ)

٣٣٢

تصرمت انقطعت و فنيت و آذنت بانقضاء أعلمت بذلك آذنته بكذا،أي:أعلمته و تنكر معروفها جهل منها ما كان معروفا.و الحذاء السريعة الذهاب و رحم حذاء مقطوعة غير موصولة،و من رواه جذاء بالجيم أراد منقطعة الدر و الخير.و تحفر بالفناء سكانها تعجلهم و تسوقهم و أمر الشي‏ء صار مرا و كدر الماء بكسر الدال،و يجوز كدر بضمها و المصدر من الأول كدرا و من الثاني كدورة.و السملة بفتح الميم البقية من الماء تبقى في الإناء،و المقلة بفتح الميم و تسكين القاف حصاة القسم التي تلقى في الماء ليعرف قدر ما يسقى كل واحد منهم،و ذلك عند قلة الماء في المفاوز قال:

قذفوا سيدهم في ورطة

قذفك المقلة وسط المعترك

و التمزز تمصص الشراب قليلا قليلا و الصديان العطشان.و لم ينقع لم يرو و هذا يمكن أن يكون لازما،و يمكن أن يكون متعديا تقول نقع الرجل بالماء،أي:روي و شفى غليله ينقع و نقع الماء الصدى ينقع،أي:سكنه.فأزمعوا الرحيل،أي:اعزموا عليه يقال أزمعت الأمر و لا يجوز أزمعت على الأمر و أجازه الفراء.قوله المقدور على أهلها الزوال،أي:المكتوب قال:

و اعلم بأن ذا الجلال قد قدر

في الصحف الأولى الذي كان سطر

٣٣٣

أي:كتب و الوله العجال النوق الوالهة الفاقدة أولادها الواحدة عجول و الوله ذهاب العقل،و فقد التمييز،و هديل الحمام صوت نوحه و الجؤار صوت مرتفع،و المتبتل المنقطع عن الدنيا،و انماث القلب،أي:ذاب.و قوله،و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم اعتراض في الكلام.و أنعمه منصوب ؛ لأنه مفعول جزت.و في هذا الكلام تلويح و إشارة إلى مذهب البغداديين من أصحابنا في أن الثواب على فعل الطاعة غير واجب ؛ لأنه شكر النعمة فلا يقتضي وجوب ثواب آخر،و هو قوله(عليه‌السلام ):لو انماثت قلوبكم انمياثا...إلى آخر الفصل.و أصحابنا البصريون لا يذهبون إلى ذلك،بل يقولون إن الثواب واجب على الحكيم سبحانه ؛ لأنه قد كلفنا ما يشق علينا،و تكليف المشاق كإنزال المشاق فكما اقتضت الآلام،و المشاق النازلة بنا من جهته سبحانه أعواضا مستحقه عليه تعالى عن إنزالها بنا،كذلك تقتضي التكليفات الشاقة ثوابا مستحقا عليه تعالى عن إلزامه إيانا بها قالوا،فأما ما سلف من نعمه علينا فهو تفضل منه تعالى،و لا يجوز في الحكمة أن يتفضل الحكيم على غيره بأمر من الأمور،ثم يلزمه أفعالا شاقة و يجعلها بإزاء ذلك التفضل إلا إذا كان في تلك الأمور منافع عائدة على ذلك الحكيم،فكان ما سلف من المنافع جاريا مجرى الأجرة كمن يدفع درهما إلى إنسان ليخيط له ثوبا،و البارئ تعالى منزه عن المنافع و نعمه علينا منزهة أن تجري مجرى الأجرة على تكليفنا المشاق.و أيضا فقد يتساوى اثنان من الناس في النعم المنعم بها عليهما،و يختلفان في التكاليف

٣٣٤

فلو كان التكليف لأجل ما مضى من النعم لوجب أن يقدر بحسبها،فإن قيل فعلى ما ذا يحمل كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و فيه إشارة إلى مذهب البغداديين.قيل إنه(عليه‌السلام )،لم يصرح بمذهب البغداديين،و لكنه قال:لو عبدتموه بأقصى ما ينتهي الجهد إليه و ما وفيتم بشكر أنعمه،و هذا حق غير مختلف فيه ؛ لأن نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد بشكرها و إن بالغوا في عبادته و الخضوع له و الإخلاص في طاعته و لا يقتضي صدق هذه القضية،و صحتها صحة مذهب البغداديين في أن الثواب على الله تعالى غير واجب ؛ لأن التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة.

ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا

فأما ما قاله الناس في ذم الدنيا،و غرورها،و حوادثها،و خطوبها،و تنكرها لأهلها،و الشكوى منها،و العتاب لها،و الموعظة بها،و تصرمها و تقلبها فكثير من ذلك قول بعضهم:

هي الدنيا تقول بمل‏ء فيها

حذار حذار من بطشي و فتكي

فلا يغرركم حسن ابتسامي

فقولي مضحك و الفعل مبك

و قال آخر:

تنح عن الدنيا و لا تطلبنها

ولا تخطبن قتالة من تناكح

فليس يفي مرجوها بمخوفها

و مكروهها إما تأملت راجح

لقد قال فيها القائلون فأكثروا

و عندي لها وصف لعمرك صالح

سلاف قصاراها ذعاف و مركب

شهي إذا استلذذته فهو جامح

و شخص جميل يعجب الناس حسنه

و لكن له أفعال سوء قبائح

٣٣٥

و قال أبو الطيب:

أبدا تسترد ما تهب الدنيا

فيا ليت جودها كان بخلا

و هي معشوقه على الغدر لا تحفظ

عهدا و لا تتم وصلا

كل دمع يسيل منها عليها

و بفك اليدين عنها تخلى

شيم الغانيات فيها و لا أدري

لذا أنث اسمها الناس أم لا

و قال آخر:

إنما الدنيا عوار

و العواري مسترده

شدة بعد رخاء

و رخاء بعد شده

و قال محمد بن هانئ المغربي:

و ما الناس إلا ظاعن فمودع

و ثاو قريح الجفن يبكي لراحل

فما الدهر إلا كالزمان الذي مضى

و لا نحن إلا كالقرون الأوائل

نساق من الدنيا إلى غير دائم

و نبكي من الدنيا على غير طائل

فما عاجل نرجوه إلا كآجل

و لا آجل نخشاه إلا كعاجل

و قال ابن المظفر المغربي:

دنياك دار غرور

و نعمة مستعاره

و دار أكل و شرب

و مكسب و تجاره

و رأس مالك نفس

فخف عليها الخساره

٣٣٦

و لا تبعها بأكل

و طيب عرف و شاره

فإن ملك سليمان

لا يفي بشراره

و قال أبو العتاهية:

ألا إنما التقوى هي البر و الكرم

و حبك للدنيا هو الفقر و العدم

و ليس على عبد تقي غضاضة

إذا صحح التقوى و إن حاك أو حجم

و قال أيضا:

تعلقت بآمال

طوال أي آمال

و أقبلت على الدنيا

ملحا أي إقبال

أيا هذا تجهز

لفراق الأهل و المال

فلا بد من الموت

على حال من الحال

و قال أيضا:

سكن يبقى له سكن

ما بهذا يؤذن الزمن

نحن في دار يخبرنا

ببلاها ناطق لسن

دار سوء لم يدم فرح

لامرئ فيها و لا حزن

في سبيل الله أنفسنا

كلنا بالموت مرتهن

كل نفس عند موتتها

حظها من مالها الكفن

إن مال المرء ليس له

منه إلا ذكره الحسن

٣٣٧

و قال أيضا:

ألا إننا كلنا بائد

و أي بني آدم خالد

و بدؤهم كان من ربهم

و كل إلى ربه عائد

فوا عجبا كيف يعصي الإله

أم كيف يجحده الجاحد

و في كل شي‏ء له آية

تدل على أنه الواحد

و قال الرضي الموسوي:

يا آمن الأيام بادر صرفها

و اعلم بأن الطالبين حثاث

خذ من ثرائك ما استطعت فإنما

شركاؤك الأيام و الوراث

لم يقض حق المال إلا معشر

نظروا الزمان يعيث فيه فعاثوا

تحثو على عيب الغني يد الغنى

و الفقر عن عيب الفتى بحاث

المال مال المرء ما بلغت به

الشهوات أو دفعت به الأحداث

ما كان منه فاضلا عن قوته

فليعلمن بأنه ميراث

ما لي إلى الدنيا الدنية حاجة

فليجن ساحر كيدها النفاث

طلقتها ألفا لأحسم داءها

و طلاق من عزم الطلاق ثلاث

و ثباتها مرهوبة و عداتها

مكذوبة و حبالها أنكاث

أم المصائب لا تزال تروعنا

منها ذكور حوادث و إناث

إني لأعجب للذين تمسكوا

بحبائل الدنيا و هن رثاث

كنزوا الكنوز و اعقلوا شهواتهم

فالأرض تشبع و البطون غراث

أ تراهم لم يعلموا أن التقى

أزوادنا و ديارنا الأجداث

٣٣٨

و قال آخر:

هذه الدنيا إذا صرفت

وجهها لم تنفع الحيل

و إذا ما أقبلت لعم

بصرته كيف يفتعل

و إذا ما أدبرت لذكي

غاب عنه السهل و الجبل

فهي كالدولاب دائرة

ترتقي طورا و تستفل

في زمان صار ثعلبة

أسدا و استذاب الحمل

فالذنابى فيه ناصية

و النواصي خشع ذلل

فاصبري يا نفس و احتملي

إن نفس الحر تحتمل

و قال أبو الطيب:

نعد المشرفية و العوالي

و تقتلنا المنون بلا قتال

و نرتبط السوابق مقربات

و ما ينجين من خبب الليالي

و من لم يعشق الدنيا قديما

و لكن لا سبيل إلى الوصال

نصيبك في حياتك من حبيب

نصيبك في منامك من خيال

رماني الدهر بالأرزاء حتى

فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهام

تكسرت النصال على النصال

و هان فما أبالي بالرزايا

لأني ما انتفعت بأن أبالي

يدفن بعضنا بعضا و يمشي

أواخرنا على هام الأوالي

و كم عين مقبلة النواحي

كحيل في الجنادل و الرمال

٣٣٩

و مغض كان لا يغضي لخطب

و بال كان يفكر في الهزال

و قال أبو العتاهية في أرجوزته المشهورة في ذم الدنيا،و فيها أنواع مختلفة من الحكمة:

ما زالت الدنيا لنا دار أذى

ممزوجة الصفو بألوان القذى

الخير و الشر بها أزواج

لذا نتاج و لذا نتاج

من لك بالمحض و ليس محض

يخبث بعض و يطيب بعض

لكل إنسان طبيعتان

خير و شر و هما ضدان

و الخير و الشر إذا ما عدا

بينهما بون بعيد جدا

إنك لو تستنشق الشحيحا

وجدته أنتن شي‏ء ريحا

حسبك مما تبتغيه القوت

ما أكثر القوت لمن يموت

الفقر فيما جاوز الكفافا

من اتقى الله رجا و خافا

هي المقادير فلمني أو فذر

إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر

لكل ما يؤذي و إن قل ألم

ما أطول الليل على من لم ينم

ما انتفع المرء بمثل عقله

و خير ذخر المرء حسن فعله

إن الفساد ضده الصلاح

و رب جد جره المزاح

من جعل النمام عينا هلكا

مبلغك الشر كباغيه لكا

إن الشباب و الفراغ و الجده

مفسدة للمرء أي مفسده

يغنيك عن كل قبيح تركه

قد يوهن الرأي الأصيل شكه

ما عيش من آفته بقاه

نغص عيشا ناعما فناه

٣٤٠