كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة11%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53090 / تحميل: 8397
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الوصية في عبيد الله بن عمر فدافع عن ذلك و عللهم،و لو كان هو ولي الدم على ما ذكروا لم يكن له أن يعفو،و أن يبطل حدا من حدود الله تعالى،و أي شماتة للعدو في إقامة حد من حدود الله تعالى،و إنما الشماتة كلها من أعداء الإسلام في تعطيل الحدود،و أي حرج في الجمع بين قتل الإمام و ابنه حتى يقال:كره أن ينتشر الخبر بأن الإمام و ابنه قتلا،و إنما قتل أحدهما ظلما و الآخر عدلا أو أحدهما بغير أمر الله،و الآخر بأمره سبحانه.

و قد روى زياد بن عبد الله البكائي،عن محمد بن إسحاق،عن أبان بن صالح،أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أتى عثمان بعد ما استخلف فكلمه في عبيد الله و لم يكلمه أحد غيره،فقال:اقتل هذا الفاسق الخبيث الذي قتل أميرا مسلما،فقال عثمان:قتلوا أباه بالأمس و أقتله اليوم و إنما هو رجل من أهل الأرض،فلما أبى عليه مر عبيد الله على علي(عليه‌السلام )،فقال له:إيه يا فاسق،أما و الله لئن ظفرت بك يوما من الدهر لأضربن عنقك،فلذلك خرج مع معاوية عليه،و روى القناد عن الحسن بن عيسى،بن زيد،عن أبيه،أن المسلمين لما قال عثمان:إني قد عفوت عن عبيد الله بن عمر قالوا:ليس لك أن تعفو عنه.قال:بلى،إنه ليس لجفينة و الهرمزان قرابة من أهل الإسلام،و أنا ولي أمر المسلمين،و أنا أولى بهما و قد عفوت،فقال علي(عليه‌السلام ):إنه ليس كما تقول،إنما أنت في أمرهما بمنزلة أقصى المسلمين،إنه قتلهما في إمرة غيرك،و قد حكم الوالي الذي قتلا في إمارته بقتله،و لو كان قتلهما في إمارتك لم يكن لك العفو عنه فاتق الله،فإن الله سائلك عن هذا فلما رأى عثمان أن المسلمين قد أبوا إلا قتل عبيد الله أمره،فارتحل إلى الكوفة و أقطعه بها دارا و أرضا،و هي التي يقال لها:كويفة بن عمر فعظم ذلك عند المسلمين و أكبروه و كثر كلامهم فيه.

٦١

و روي عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )أنه قال:ما أمسى عثمان يوم ولي حتى نقموا عليه في أمر عبيد الله بن عمر حيث لم يقتله بالهرمزان،فأما قوله إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يطلبه ليقتله بل ليضع من قدره ف،هو بخلاف ما صرح به(عليه‌السلام )من أنه إن تمكن ليضربن عنقه.و بعد،فإن ولي الدم إذا عفا عنه على ما ادعوا لم يكن لأحد أن يستخف به،و لا يضع من قدره كما ليس له أن يقتله.و أما قوله إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لا يجوز أن يتوعده مع عفو الإمام عنه،فإنما يكون صحيحا لو كان ذلك العفو مؤثرا،و قد بينا أنه غير مؤثر.و أما قوله يجوز أن يكون(عليه‌السلام )رأى أن قتله أقوى في الاجتهاد،و أقرب إلى التشدد في دين الله فلا شك أنه كذلك،و هذا بناء منه على أن كل مجتهد مصيب،و قد بينا أن الأمر بخلاف ذلك،و إذا كان اجتهاد أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يقتضي قتله فهو الذي لا يسوغ خلافه.الطعن الحادي عشر:و هو إجمالي،قالوا:وجدنا أحوال الصحابة دالة على تصديقهم المطاعن فيه و براءتهم منه،و الدليل على ذلك أنهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام لم يدفنوه،و لا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار،بل أسلموه و لم يدفعوا عنه،و لكنهم أعانوا عليه و لم يمنعوا من حصره،و لا من منع الماء عنه و لا من قتله مع تمكنهم من خلاف ذلك،و هذا من أقوى الدلائل على ما قلناه،و لو لم يدل على أمره عندهم إلا ما روي عن علي(عليه‌السلام )أنه قال:الله قتله و أنا معه و أنه كان في أصحابه(عليه‌السلام )من يصرح بأنه قتل

٦٢

عثمان،و مع ذلك لا يقيدهم بل و لا ينكر عليهم و كان أهل الشام يصرحون بأن مع أمير المؤمنين قتلة عثمان،و يجعلون ذلك من أوكد الشبه و لا ينكر ذلك عليهم مع أنا نعلم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لو أراد أن يتعاضد هو و أصحابه على المنع عنه لما وقع في حقه ما وقع،فصار كفه و كف غيره عن ذلك من أدل الدلائل على أنهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث،و أنهم لم يقبلوا منه ما جعله عذرا.و أجاب قاضي القضاة عن هذا،فقال:أما تركه بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن فليس بثابت،و لو صح لكان طعنا على من لزمه القيام به،و قد قال شيخنا أبو عليرحمه‌الله تعالى:إنه لا يمتنع أن يشتغلوا بإبرام البيعة لأمير المؤمنين(عليه‌السلام )خوفا على الإسلام من الفتنة،فيؤخروا دفنه.قال:و بعيد مع حضور قريش و قبائل العرب و سائر بني أمية و مواليهم أن يترك عثمان،و لا يدفن هذه المدة و بعيد أن يكون أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لا يتقدم بدفنه،و لو مات في جواره يهودي أو نصراني،و لم يكن له من يواريه ما تركه أمير المؤمنين ألا يدفن،فكيف يجوز مثل ذلك في عثمان و قد روي أنه دفن في تلك الليلة و هذا هو الأولى.فأما التعلق بأن الصحابة لم تنكر على القوم و لا دفعت عنه فقد سبق القول في ذلك،و الصحيح عن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أنه تبرأ من قتل عثمان،و لعن قتلته في البر و البحر و السهل و الجبل،و إنما كان يجري من جيشه هذا القول منه على جهة المجاز ؛ لأنا نعلم أن جميع من كان يقول نحن قتلناه لم يقتله ؛ لأن في الخبر أن العدد الكثير كانوا يصرحون بذلك،و الذين دخلوا عليه و قتلوه اثنان أو ثلاثة،و إنما كانوا يقصدون بهذا القول،أي:احسبوا أنا قتلناه فما لكم و ذلك أن الإمام هو الذي يقوم بأمر القود،و ليس للخارج عليه أن يطالب بذلك،و لم يكن لأمير المؤمنين(عليه‌السلام )أن يقتل قتلته لو عرفهم ببينة أو إقرار و ميزهم من غيرهم إلا عند مطالبة ولي الدم،و الذين كانوا أولياء

٦٣

الدم لم يكونوا يطالبونه و لا كانت صفتهم صفة من يطالب ؛ لأنهم كانوا كلهم أو بعضهم يدعون أن عليا(عليه‌السلام )ليس بإمام،و لا يحل لولي الدم مع هذا الاعتقاد أن يطالب بالقود،فلذلك لم يقتلهم(عليه‌السلام )هذا لو صح أنه كان يميزهم فكيف و ذلك غير صحيح.

فأما ما روي عنه من قوله(عليه‌السلام ):قتله الله و أنا معه،فإن صح فمعناه مستقيم يريد أن الله أماته و سيميتني و سائر العباد.ثم قال:سائلا نفسه كيف يقول ذلك و عثمان مات مقتولا من جهة المكلفين و أجاب بأنه،و إن قتل فالإماتة من قبل الله تعالى و يجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة لا محالة،فإذا مات صحت الإماتة على طريق الحقيقة.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى هذا الكلام،فقال:أما تضعيفه أن يكون عثمان ترك بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن فليس بحجة ؛ لأن ذلك قد رواه جماعة الرواة و ليس يخالف في مثله أحد يعرف بالرواية،و قد ذكر ذلك الواقدي و غيره و روى أن أهل المدينة منعوا الصلاة عليه حتى حمل بين المغرب و العتمة،و لم يشهد جنازته غير مروان و ثلاثة من مواليه،و لما أحسوا بذلك رموه بالحجارة و ذكروه بأسوإ الذكر،و لم يقع التمكن من دفنه إلا بعد أن أنكر أمير المؤمنين(عليه‌السلام )المنع من دفنه،و أمر أهله بتولي ذلك منه.فأما قوله:إن ذلك إن صح كان طعنا على من لزمه القيام بأمره،فليس الأمر على ما ظنه بل يكون طعنا على عثمان من حيث لا يجوز أن يمنع أهل المدينة،و فيها وجوه الصحابة من دفنه و الصلاة عليه إلا لاعتقاد قبيح أو ؛ لأن أكثرهم و جمهورهم يعتقد ذلك،و هذا طعن لا شبهة فيه و استبعاد صاحب المغني لذلك مع ظهور الرواية به

٦٤

لا يلتفت إليه،فأما أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و استبعاد صاحب المغني منه ألا يتقدم بدفنه،فقد بينا أنه تقدم بذلك بعد مماكسة و مراوضة و أعجب من كل شي‏ء قول صاحب المغني إنهم أخروا دفنه تشاغلا بالبيعة لأمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و أي شغل في البيعة لأمير المؤمنين يمنع من دفنه و الدفن فرض على الكفاية لو قام به البعض و تشاغل الباقون بالبيعة لجاز،و ليس الدفن و لا البيعة أيضا مفتقرة إلى تشاغل جميع أهل المدينة بها.فأما قوله:إنه قد روي أن عثمان دفن تلك الليلة،فما تعرف هذه الرواية،و قد كان يجب أن يسندها و يعزوها إلى راويها أو الكتاب الذي أخذها منه،فالذي ظهر في الرواية هو ما ذكرناه.فأما إحالته على ما تقدم في معنى الإنكار من الصحابة على القوم المجلبين على عثمان،فقد سبق القول في ذلك.فأما روايته عن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )تبرؤه من قتل عثمان،و لعنه قتلته في البر و البحر،و السهل و الجبل،فلا شك في أنه(عليه‌السلام )كان بريئا من قتله،و قد روي عنه(عليه‌السلام )أنه قال:و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت في قتله،و الممالأة هي المعاونة و الموازرة،و قد صدق(عليه‌السلام )في أنه ما قتل و لا وازر على القتل.فأما لعنه قتلته فضعيف في الرواية،و إن كان قد روي فأظهر منه ما رواه الواقدي عن الحكم بن الصلت،عن محمد بن عمار بن ياسر،عن أبيه قال:رأيت عليا(عليه‌السلام )على منبر رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حين قتل،و هو يقول ما أحببت قتله،و لا كرهته،و لا أمرت به و لا نهيت عنه،و قد روى محمد بن سعد،عن عفان بن جرير،بن بشير،عن أبي جلدة أنه سمع عليا

٦٥

(عليه‌السلام )يقول،و هو يخطب فذكر عثمان و قال:و الله الذي لا إله إلا هو ما قتلته،و لا مالأت على قتله و لا ساءني،و روى ابن بشير عن عبيدة السلماني قال:سمعت عليا(عليه‌السلام )يقول من كان سائلي عن دم عثمان،فإن الله قتله و أنا معه،و قد روي هذا اللفظ من طرق كثيرة.و قد روى شعبة عن أبي حمزة الضبعي قال:قلت لابن عباس إن أبي أخبرني أنه سمع عليا يقول ألا من كان سائلي على دم عثمان،فإن الله قتله و أنا معه،فقال:صدق أبوك هل تدري ما معنى قوله:إنما عنى الله قتله و أنا مع الله.قال:فإن قيل كيف يصح الجمع بين معاني هذه الأخبار.قلنا لا تنافي بينها ؛ لأنه(عليه‌السلام )تبرأ من مباشرة قتله و المؤازرة عليه،ثم قال:ما أمرت بذلك،و لا نهيت عنه،يريد أن قاتليه لم يرجعوا إلي،و لم يكن مني قول في ذلك بأمر و لا نهى،فأما قوله الله قتله و أنا معه فيجوز أن يكون المراد به الله حكم بقتله و أوجبه و أنا كذلك ؛ لأن من المعلوم أن الله تعالى لم يقتله على الحقيقة فإضافة القتل إليه لا تكون إلا بمعنى الحكم و الرضا،و ليس يمتنع أن يكون مما حكم الله تعالى به ما لم يتوله بنفسه و لا آزر عليه و لا شايع فيه.فإن قال قائل هذا ينافي ما روي عنه من قوله:ما أحببت قتله و لا كرهته،و كيف يكون من حكم الله،و حكمه أن يقتل و هو لا يحب قتله.قلنا يجوز أن يريد بقوله ما أحببت قتله و لا كرهته أن ذلك لم يكن مني على سبيل التفصيل و لا خطر لي ببال،و إن كان على سبيل الجملة يحب قتل من غلب المسلمين

٦٦

على أمورهم و طالبوه بأن يعتزل ؛ لأنه مستول عليهم بغير حق،فامتنع من ذلك و يكون فائدة هذا الكلام التبرؤ من مباشرة قتله و الأمر به على سبيل التفصيل أو النهي عنه،و يجوز أن يريد أنني ما أحببت قتله إن كانوا تعمدوا القتل،و لم يقع على سبيل الممانعة،و هو غير مقصود و يريد بقوله ما كرهته أني لم أكرهه على كل حال و من كل وجه.فأما لعنه قتلته فقد بينا أنه ليس بظاهر ظهور ما ذكرناه و إن صح فهو،مشروط بوقوع القتل على الوجه المحظور من تعمد له و قصد إليه و غير ذلك،على أن المتولي للقتل على ما صحت به الرواية كنانة بن بشير التجيبي و سودان بن حمران المرادي،و ما منهما من كان غرضه صحيحا في القتل،و لا له أن يقدم عليه فهو ملعون به،فأما محمد بن أبي بكر فما تولى قتله،و إنما روي أنه لما جثا بين يديه قابضا على لحيته قال له:يا ابن أخي،دع لحيتي،فإن أباك لو كان حيا لم يقعد مني هذا المقعد،فقال محمد:أن أبي لو كان حيا،ثم يراك تفعل ما تفعل لأنكره عليك،ثم وجأه بجماعة قداح كانت في يده فحزت في جلده و لم تقطع،و بادره من ذكرناه في قتله بما كان فيه قتله.فأما تأويله قول أمير المؤمنين(عليه‌السلام ):قتله الله و أنا معه،على أن المراد به الله أماته و سيميتني فبعيد من الصواب ؛ لأن لفظة أنا لا تكون كناية عن المفعول و إنما تكون كناية عن الفاعل،و لو أراد ما ذكره لكان يقول:و إياي معه،و ليس له أن يقول إننا نجعل قوله،و أنا معه مبتدأ محذوف الخبر،و يكون تقدير الكلام و أنا معه مقتول و ذلك ؛ لأن هذا ترك للظاهر و إحالة على ما ليس فيه،و الكلام إذا أمكن حمله على معنى يستقل ظاهره به من غير تقدير،و حذف كان أولى مما يتعلق بمحذوف على أنهم إذا جعلوه مبتدأ و قدروا خبرا لم يكونوا بأن يقدروا ما يوافق مذهبهم بأولى من تقدير خلافه،و يجعل بدلا من لفظة المقتول المحذوفة لفظة معين أو ظهير.

٦٧

و إذا تكافأ القولان في التقدير و تعارضا سقطا،و وجب الرجوع إلى ظاهر الخبر على أن عثمان مضى مقتولا،فكيف يقال:إن الله تعالى أماته،و القتل كاف في انتفاء الحياة،و ليس يحتاج معه إلى ناف للحياة يسمى موتا.و قول صاحب المغني يجوز أن يكون ما ناله من الجراح لا يوجب انتفاء الحياة ليس بشي‏ء ؛ لأن المروي أنه ضرب على رأسه بعمود عظيم من حديد،و أن أحد قتلته قال:جلست على صدره فوجأته تسع طعنات علمت أنه مات في ثلاث،و وجأته الست الأخر لما كان في نفسي عليه من الحنق.و بعد فإذا كان جائزا فمن أين علمه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )حتى يقول إن الله أماته و إن الحياة لم تنتف بما فعله القاتلون،و إنما انتفت بشي‏ء زاد على فعلهم من قبل الله تعالى مما لا يعلمه على سبيل التفصيل إلا علام الغيوب سبحانه.و الجواب عن هذه المطاعن على وجهين إجمالا و تفصيلا:أما الوجه الإجمالي،فهو أننا لا ننكر أن عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين،و لكنا ندعي مع ذلك أنها لم تبلغ درجة الفسق،و لا أحبطت ثوابه،و أنها من الصغائر التي وقعت مكفرة،و ذلك لأنا قد علمنا أنه مغفور له،و أنه من أهل الجنة لثلاثة أوجه.أحدها:أنه من أهل بدر،و قد قال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):إن الله اطلع على أهل بدر،فقال:اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم،و لا يقال إن عثمان لم يشهد بدرا ؛ لأنا نقول صدقتم أنه لم يشهدها و لكنه تخلف على رقية ابنة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

٦٨

بالمدينة لمرضها،و ضرب له رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بسهمه و أجره باتفاق سائر الناس.و ثانيها:أنه من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى فيهم:( لَقَدْ رَضِيَ اَللَّهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ ) و لا يقال:إنه لم يشهد البيعة تحت الشجرة ؛ لأنا نقول صدقتم أنه لم يشهدها و لكنه كان رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أرسله إلى أهل مكة،و لأجله كانت بيعة الرضوان حيث أرجف بأن قريشا قتلت عثمان،فقال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):إن كانوا قتلوه لأضرمنها عليهم نارا،ثم جلس تحت الشجرة و بايع الناس على الموت،ثم قال:إن كان عثمان حيا فأنا أبايع عنه،فصفح بشماله على يمينه و قال:شمالي خير من يمين عثمان.روى ذلك جميع أرباب أهل السيرة متفقا عليه.و ثالثها:أنه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنهم من أهل الجنة.و إذا كانت الوجوه الثلاثة دالة على أنه مغفور له،و أن الله تعالى قد رضي عنه و هو من أهل الجنة بطل أن يكون فاسقا ؛ لأن الفاسق يخرج عندنا من الإيمان و يحبط ثوابه و يحكم له بالنار،و لا يغفر له و لا يرضى عنه و لا يرى الجنة و لا يدخلها،فاقتضت هذه الوجوه الصحيحة الثابتة أن يحكم بأن كل ما وقع منه،فهو من باب الصغائر المكفرة توفيقا بين هذه الوجوه و بين روايات الأحداث المذكورة.و أما الوجه التفصيلي:فهو مذكور في كتب أصحابنا المطولة في الإمامة،فليطلب من مظانه،فإنهم قد استقصوا في الجواب عن هذه المطاعن استقصاء لا مزيد عليه

٦٩

بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي(عليه‌السلام )

فأما خبر جرير بن عبد الله البجلي و بعث أمير المؤمنين(عليه‌السلام )إياه إلى معاوية فنحن نذكره نقلا من كتاب صفين لنصر بن مزاحم بن بشار المنقري،و نذكر حال أمير المؤمنين(عليه‌السلام )منذ قدم الكوفة بعد وقعة الجمل،و مراسلته معاوية و غيره،و مراسلة معاوية له و لغيره،و ما كان من ذلك في مبدأ حالتهما إلى أن سار علي(عليه‌السلام )إلى صفين.قال نصر:حدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال:لما قدم علي(عليه‌السلام )الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب العمال،فكتب إلى جرير بن عبد الله البجلي مع زحر بن قيس الجعفي و كان جرير عاملا لعثمان على ثغر همذان،أما بعد:( فإِنَّ اَللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ إِذا أَرادَ اَللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ،و إني أخبرك عن نبإ من سرنا إليه من جموع طلحة و الزبير عند نكثهم بيعتي،و ما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف إني نهضت من المدينة بالمهاجرين و الأنصار،حتى إذا كنت بالعذيب بعثت إلى أهل الكوفة الحسن بن علي،و عبد الله بن عباس،و عمار بن ياسر،و قيس بن عبادة،فاستنفرتهم فأجابوا فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة،فأعذرت في

٧٠

الدعاء و أقلت العثرة و ناشدتهم عهد بيعتهم فأبوا إلا قتالي،فاستعنت الله عليهم فقتل من قتل،و ولوا مدبرين إلى مصرهم و سألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء،فقبلت العافية و رفعت السيف و استعملت عليهم عبد الله بن العباس،و سرت إلى الكوفة و قد بعثت إليك زحر بن قيس فاسأله عما بدا لك و السلام.قال:فلما قرأ جرير الكتاب قام،فقال:أيها الناس،هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و هو المأمون على الدين و الدنيا،و قد كان من أمره و أمر عدوه ما نحمد الله عليه،و قد بايعه الناس الأولون من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان،و لو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها،ألا و إن البقاء في الجماعة و الفناء في الفرقة،و إن عليا حاملكم على الحق ما استقمتم،فإن ملتم أقام ميلكم،فقال الناس:سمعا و طاعة رضينا رضينا.فكتب جرير إلى علي(عليه‌السلام )جواب كتابه بالطاعة.قال نصر:و كان مع علي رجل من طيئ ابن أخت لجرير،فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى خاله جرير و هو:

جرير بن عبد الله لا تردد الهدى

و بايع عليا إنني لك ناصح

فإن عليا خير من وطي‏ء الحصا

سوى أحمد و الموت غاد و رائح

و دع عنك قول الناكثين فإنما

أولاك أبا عمرو كلاب نوابح

و بايع إذا بايعته بنصيحة

و لا يك منها من ضميرك قادح

فإنك إن تطلب بها الدين تعطه

و إن تطلب الدنيا فإنك رابح

٧١

و إن قلت عثمان بن عفان حقه

علي عظيم و الشكور مناصح

فحق علي إذ وليك كحقه

وشكرك ما أوليت في الناس صالح

و إن قلت لا أرضى عليا إمامنا

فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح

أبى الله إلا أنه خير دهره

و أفضل من ضمت عليه الأباطح

قال نصر،ثم إن جريرا قام في أهل همذان خطيبا،فقال:الحمد لله الذي اختار لنفسه الحمد،و تولاه دون خلقه لا شريك له في الحمد،و لا نظير له في المجد،و لا إله إلا الله وحده الدائم القائم إله السماء و الأرض،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالنور الواضح،و الحق الناطق داعيا إلى الخير،و قائدا إلى الهدى،ثم قال:أيها الناس،إن عليا قد كتب إليكم كتابا لا يقال بعده إلا رجيع من القول،و لكن لا بد من رد الكلام إن الناس بايعوا عليا بالمدينة عن غير محاباة له ببيعتهم لعلمه بكتاب الله،و سنن الحق و إن طلحة و الزبير نقضا بيعته على غير محاباة حدثت،و ألبا عليه الناس،ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب،و أخرجا أم المؤمنين فلقيهما،فأعذر في الدعاء و أحسن في البقية،و حمل الناس على ما يعرفون،فهذا عيان ما غاب عنكم و إن سألتم الزيادة زدناكم و لا قوة إلا بالله،ثم قال:

أتانا كتاب علي فلم

ترد الكتاب بأرض العجم

و لم نعص ما فيه لما أتى

و لما نذم و لما نلم

و نحن ولاة على ثغرنا

نضيم العزيز و نحمي الذمم

نساقيهم الموت عند اللقاء

بكأس المنايا و نشفي القرم

٧٢

فصلى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعم

رسول المليك و من بعده

خليفتنا القائم المدعم

عليا عنيت وصي النبي

نجالد عنه غواة الأمم

له الفضل و السبق و المكرمات

و بيت النبوة لا يهتضم

قال نصر:فسر الناس بخطبة جرير و شعره.و قال ابن الأزور القسري في جرير يمدحه بذلك:

لعمر أبيك و الأنباء تنمي

لقد جلى بخطبته جرير

و قال مقالة جدعت رجالا

من الحيين خطبهم كبير

بدا بك قبل أمته علي

و مخك إن رددت الحق رير

أتاك بأمره زحر بن قيس

و زحر بالتي حدثت خبير

فكنت لما أتاك به سميعا

و كدت إليه من فرح تطير

فأنت بما سعدت به ولي

و أنت لما تعد له نصير

و أحرزت الثواب و رب حاد

حدا بالركب ليس له بعير

بيعة الأشعث لعلي

قال نصر:و كتب علي(عليه‌السلام )إلى الأشعث،و كان عامل عثمان على آذربيجان

٧٣

يدعوه إلى البيعة و الطاعة،و كتب جرير بن عبد الله البجلي إلى الأشعث يحضه على طاعة أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و قبول كتابه أما بعد،فإني أتتني بيعة علي فقبلتها،و لم أجد إلى دفعها سبيلا ؛ لأني نظرت فيما غاب عني من أمر عثمان،فلم أجده يلزمني و قد شهد المهاجرون و الأنصار،فكان أوفق أمرهم فيه الوقوف فأقبل بيعته،فإنك لا تنقلب إلى خير منه و اعلم أن بيعة علي خير من مصارع أهل البصرة و السلام.قال نصر:فقبل الأشعث البيعة و سمع و أطاع،و أقبل جرير سائرا من ثغر همذان حتى ورد علي(عليه‌السلام )الكوفة فبايعه،و دخل فيما دخل فيه الناس من طاعته و لزوم أمره.

دعوة علي معاوية إلى البيعة و الطاعة و رد معاوية عليه

قال نصر:فلما أراد علي(عليه‌السلام )أن يبعث إلى معاوية رسولا قال له جرير:ابعثني يا أمير المؤمنين إليه،فإنه لم يزل لي مستخصا و ودا آتيه،فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر و يجامعك على الحق على أن يكون أميرا من أمرائك و عاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله و اتبع ما في كتاب الله و أدعو أهل الشام إلى طاعتك و ولايتك فجلهم قومي و أهل بلادي،و قد رجوت ألا يعصوني.فقال له الأشتر:لا تبعثه و لا تصدقه فو الله إني لأظن هواه هواهم و نيته نيتهم.فقال له علي(عليه‌السلام ):دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا،فبعثه علي(عليه‌السلام )و قال له(عليه‌السلام ):حين أراد أن يبعثه إن حولي من أصحاب رسول الله(صلي الله عليه و آله وسلم)من أهل الرأي،و الدين من قد رأيت،و قد اخترتك عليهم لقول رسول الله فيك

٧٤

إنك من خير ذي يمن ائت معاوية بكتابي،فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون و إلا فانبذ إليه و أعلمه إني لا أرضى به أميرا،و أن العامة لا ترضى به خليفة.فانطلق جرير حتى أتى الشام و نزل بمعاوية فلما دخل عليه حمد الله و أثنى عليه،و قال:أما بعد،يا معاوية،فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين،و أهل المصرين،و أهل الحجاز،و أهل اليمن،و أهل مصر،و أهل العروض،و العروض عمان،و أهل البحرين،و اليمامة فلم يبق إلا هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها،و قد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك و يهديك إلى مبايعة هذا الرجل و دفع إليه كتاب علي(عليه‌السلام )،و فيه أما بعد ،فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام ؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بويعوا عليه ،فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يرد ،و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا ،فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه ،فإن أبى قاتلوه على اتباع سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى ،و يصليه جهنم و ساءت مصيرا ،و إن طلحة و الزبير بايعاني،ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق ،و ظهر أمر الله و هم كارهون ،فادخل فيما دخل فيه المسلمون ،فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء،فإن تعرضت له قاتلتك و استعنت بالله عليك.و قد أكثرت في قتلة عثمان ،فادخل فيما دخل فيه الناس،ثم حاكم القوم إلي أحملك

٧٥

و إياهم على كتاب الله ، فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن و لعمري ، لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان ، و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا يحل لهم الخلافة ، و لا تعرض فيهم الشورى ، و قد أرسلت إليك و إلى من قبلك جرير بن عبد الله البجلي ، و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله فلما قرأ الكتاب قام جرير فخطب ، فقال:الحمد لله المحمود بالعوائد ، و المأمول منه الزوائد المرتجى منه الثواب المستعان على النوائب أحمده ، و أستعينه في الأمور التي تحير دونها الألباب ، و تضمحل عندها الأسباب ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كل شي‏ء هالك إلا وجهه ، له الحكم و إليه ترجعون ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بعد فترة من الرسل الماضية و القرون الخالية ، و أبدان البالية ، و الجبلة الطاغية فبلغ الرسالة و نصح للأمة ، و أدى الحق الذي استودعه الله ، و أمره بأدائه إلى أمته(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )من رسول و مبتعث و منتجب أيها الناس ، إن أمر عثمان قد أعيا من شهده ، فكيف بمن غاب عنه و إن الناس بايعوا عليا غير واتر و لا موتور ، و كان طلحة و الزبير ممن بايعاه ، ثم نكثا بيعته على غير حدث ، ألا و إن هذا الدين لا يحتمل الفتن ألا و إن العرب لا تحتمل الفتن ، و قد كانت بالبصرة أمس روعة ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها ، فلا بقاء للناس

٧٦

و قد بايعت الأمة عليا ، و لو ملكنا و الله الأمور لم نختر لها غيره ، و من خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية ، فيما دخل فيه الناس فإن قلت استعملني عثمان ، ثم لم يعزلني ، فإن هذا قول لو جاز لم يقم لله دين ، و كان لكل امرئ ما في يديه ، و لكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول و جعل الأمور موطأة ينسخ بعضها بعضا ، ثم قعد قال نصر:فقال معاوية:أنظر و تنظر و أستطلع رأي أهل الشام فمضت أيام و أمر معاوية مناديا ينادي الصلاة جامعة ، فلما اجتمع الناس صعد المنبر ، ثم قال:الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا ، و الشرائع للإيمان برهانا يتوقد قبسه في الأرض المقدسة جعلها الله محل الأنبياء و الصالحين من عباده ، فأحلهم أرض الشام و رضيهم لها و رضيها لهم لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ، و مناصحتهم خلفاءه و القوام بأمره ، و الذابين عن دينه و حرماته ، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما و في سبيل الخيرات أعلاما يردع الله بهم الناكثين ، و يجمع بهم ألفة المؤمنين ، و الله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام و تباعد بعد القرب ، اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ، و يخيفون آمننا ، و يريدون إراقة دمائنا ، و إخافة سبلنا ، و قد علم الله أنا لا نريد لهم عقابا ، و لا نهتك لهم حجابا و لا نوطئهم زلقا غير أن الله الحميد كسانا

٧٧

من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى ، و سقط الندى ، و عرف الهدى ، حملهم على ذلك البغي و الحسد ، فنستعين الله عليهم ، أيها الناس ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، و خليفة أمير المؤمنين عثمان بن عفان عليكم ، و أني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط ، و أني ولي عثمان و قد قتل مظلوما ، و الله تعالى يقول:( وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) ، و أنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان فقام أهل الشام بأجمعهم ، فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان و بايعوه على ذلك ، و أوثقوا له على أن يبذلوا بين يديه أموالهم و أنفسهم حتى يدركوا بثأره أو تلتحق أرواحهم بالله قال:نصر فلما أمسى معاوية اغتم بما هو فيه و جنة الليل و عنده أهل بيته ، فقال:

تطاول ليلي و اعترتني وساوسي

لآت أتى بالترهات البسابس

أتاني جرير و الحوادث جمة

بتلك التي فيها اجتداع المعاطس

أكايده و السيف بيني و بينه

و لست لأثواب الدني‏ء بلابس

إن الشام أعطت طاعة يمنية

تواصفها أشياخها في المجالس

فإن يفعلوا أصدم عليا بجبهة

تفت عليه كل رطب و يابس

و إني لأرجو خير ما نال نائل

و ما أنا من ملك العراق بآيس

F قلت الجبهة هاهنا الخيل ، و منه قول النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ليس في الجبهة صدقة ، أي:زكاة

٧٨

قال نصر:فاستحثه جرير بالبيعة ، فقال:يا جرير ، إنها ليست بخلسة و إنه أمر له ما بعده ، فأبلعني ريقي حتى أنظر و دعا ثقاته فأشار عليه أخوه بعمرو بن العاص ، و قال له:إنه من قد عرفت و قد اعتزل عثمان في حياته ، و هو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن يثمن له دينه و قد ذكرنا فيما تقدم خبر استدعائه عمرا و ما شرط له من ولاية مصر ، و استقدامه شرحبيل بن السمط رئيس اليمنية و شيخها و المقدم عليها و تدسيس الرجال إليه ، يغرونه بعلي(عليه‌السلام )، و يشهدون عنده أنه قتل عثمان ، حتى ملئوا صدره و قلبه حقدا و ترة و إحنة على علي(عليه‌السلام )و أصحابه بما لا حاجة إلى إعادته قال نصر:فحدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني ، قال:جاء شرحبيل إلى حصين بن نمير فقال:ابعث إلى جرير فليأتنا ، فبعث حصين بن نمير إلى جرير أن زرنا ، فعندنا شرحبيل فاجتمعا عند حصين ، فتكلم شرحبيل

٧٩

فقال:يا جرير ، أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد ، و أردت أن تخلط الشام بالعراق ، و أطريت عليا و هو قاتل عثمان ، و الله سائلك عما قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير و قال:يا شرحبيل ، أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون ملففا ، و قد اجتمع عليه المهاجرون و الأنصار ، و قوتل على رده طلحة و الزبير و أما قولك إني ألقيك في لهوات الأسد ، ففي لهواتها ألقيت نفسك و أما خلط أهل الشام بأهل العراق فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل و أما قولك:إن عليا قتل عثمان فو الله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد ، و لكنك ملت إلى الدنيا و شي‏ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ ما قالاه إلى معاوية فبعث إلى جرير فزجره قال نصر:و كتب إلى شرحبيل كتاب لا يعرف كاتبه فيه

شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى

فما لك في الدنيا من الدين من بدل

و لا تك كالمجرى إلى شر غاية

فقد خرق السربال و استنوق الجمل

و قل لابن حرب ما لك اليوم خلة

تروم بها ما رمت و اقطع له الأمل

شرحبيل إن الحق قد جد جده

فكن فيه مأمون الأديم من النغل

و أرود و لا تفرط بشي‏ء نخافه

عليك و لا تعجل فلا خير في العجل

٨٠

مقال ابن هند في علي عضيهة

و لله في صدر بن أبي طالب أجل

و ما من علي في ابن عفان سقطة

بقول و لا مالا عليه و لا قتل

و ما كان إلا لازما قعر بيته

إلى أن أتى عثمان في داره الأجل

فمن قال قولا غير هذا فحسبه

من الزور و البهتان بعض الذي احتمل

وصى رسول الله من دون أهله

و من باسمه في فضله يضرب المثل

قال نصر:فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر و فكر ، و قال:هذه نصيحة لي في ديني ، و لا و الله لا أعجل في هذا الأمر بشي‏ء و في نفسي منه حاجة ، و كاد يحول عن نصر معاوية و يتوقف فلفق له معاوية الرجال يدخلون إليه و يخرجون و يعظمون عنده قتل عثمان ، و يرمون به عليا ، و يقيمون الشهادة الباطلة ، و الكتب المختلقة ، حتى أعادوا رأيه و شحذوا عزمه

٨١

قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد بإسناده قال:بعث معاوية إلى شرحبيل بن السمط إنه قد كان من إجابتك إلى الحق ، و ما وقع فيه أجرك على الله و قبله عنك صلحاء الناس ما علمت و إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن الشام و ناد فيهم بأن عليا قتل عثمان و أنه يجب علي المسلمين أن يطلبوا بدمه فسار شرحبيل فبدأ بأهل حمص ، فقام فيهم خطيبا و كان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها ، فقال:أيها الناس ، إن عليا قتل عثمان فغضب له قوم من أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فلقيهم فهزم الجمع و قتل صلحاءهم ، و غلب على الأرض فلم يبق إلا الشام ، و هو واضع سيفه على عاتقه ، ثم خائض غمرات الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا و لا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية ، فجدوا و انهضوا فأجابه الناس كلهم إلا نساكا من أهل حمص ، فإنهم قالوا له:بيوتنا قبورنا و مساجدنا و أنت أعلم بما ترى قال:و جعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا

٨٢

ما أتاهم به فبعث إليه النجاشي بن الحارث و كان له صديقا:

شرحبيل ما للدين فارقت ديننا

و لكن لبغض المالكي جرير

و شحناء دبت بين سعد و بينه

فأصبحت كالحادي بغير بعير

و ما أنت إذ كانت بجيلة عاتبت

قريشا فيا لله بعد نصير

أ تفصل أمرا غبت عنه بشبهة

و قد حار فيه عقل كل بصير

بقول رجال لم يكونوا أئمة

و لا للتي لقوكها بحضور

و ما قول قوم غائبين تقاذفوا

من الغيب ما دلاهم بغرور

و تترك أن الناس أعطوا عهودهم

عليا على أنس به و سرور

إذا قيل هاتوا واحدا يقتدى به

نظيرا له لم يفصحوا بنظير

لعلك أن تشقى الغداة بحربه

فليس الذي قد جئته بصغير

قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة عن الشعبي أن شرحبيل بن السمط ، بن الأسود ، بن جبلة الكندي دخل على معاوية ، فقال له:أنت عامل أمير المؤمنين ، و ابن عمه ، و نحن المؤمنون ، فإن كنت رجلا تجاهد عليا و قتلة عثمان ، حتى ندرك ثارنا أو تذهب أرواحنا استعملناك علينا و إلا عزلناك و استعملنا غيرك ممن نريد ، ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك فقال جرير بن عبد الله و كان حاضرا:مهلا يا شرحبيل ، فإن الله قد حقن الدماء و لم الشعث و جمع أمر الأمة و دنا من هذه الأمة سكون ، فإياك أن تفسد بين الناس

٨٣

و أمسك عن هذا القول قبل أن يشيع ، و يظهر عنك قول لا تستطيع رده ، فقال:لا و الله لا أسرة أبدا ، ثم قام فتكلم به فقال الناس:صدق صدق القول ما قال و الرأي ما رأى فأيس جرير عند ذلك من معاوية ، و من عوام أهل الشام قال نصر:و حدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال:كان معاوية قد أتى جريرا قبل ذلك في منزله ، فقال له:يا جرير إني قد رأيت رأيا قال:هاته قال:اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام و مصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة ، و أسلم له هذا الأمر و اكتب إليه بالخلافة ، فقال جرير:اكتب ما أردت أكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي ، فكتب علي(عليه‌السلام )إلى جرير:أما بعد ، فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة و أن يختار من أمره ما أحب ، و أراد أن يريثك و يبطئك حتى يذوق أهل الشام ، و أن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن أستعمل معاوية على الشام ، و أنا حينئذ بالمدينة فأبيت ذلك عليه و لم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا ، فإن بايعك الرجل و إلا فأقبل و السلام قال نصر:و فشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة:

معاوي إن الشام شامك فاعتصم

بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا

و حام عليها بالصوارم و القنا

و لا تك موهون الذراعين وانيا

و إن عليا ناظر ما تجيبه

فأهد له حربا تشيب النواصيا

٨٤

و إلا فسلم إن في السلم راحة

لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا

و إن كتابا يا ابن حرب كتبته

على طمع يزجى إليك الدواهيا

سألت عليا فيه ما لن تناله

و لو نلته لم يبق إلا لياليا

و سوف ترى منه التي ليس بعدها

بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا

أمثل علي تعتريه بخدعة

و قد كان ما جربت من قبل كافيا

قال و:كتب الوليد بن عقبة إلى معاوية أيضا يوقظه و يشير عليه بالحرب و ألا يكتب جواب جرير:

معاوي إن الملك قد جب غاربه

و أنت بما في كفك اليوم صاحبه

أتاك كتاب من علي بخطه

هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه

فلا ترج عند الواترين مودة

و لا تأمن اليوم الذي أنت راهبه

وحاربه إن حاربت حرب ابن حرة

و إلا فسلم لا تدب عقاربه

فإن عليا غير ساحب ذيله

على خدعة ما سوغ الماء شاربه

و لا قابل ما لا يريد و هذه

يقوم بها يوما عليه نوادبه

فلا تدعن الملك و الأمر مقبل

و تطلب ما أعيت عليك مذاهبه

فإن كنت تنوي أن تجيب كتابه

فقبح ممليه و قبح كاتبه

و إن كنت تنوي أن ترد كتابه

و أنت بأمر لا محالة راكبه

فألق إلى الحي اليمانين كلمة

تنال بها الأمر الذي أنت طالبه

تقول أمير المؤمنين أصابه

عدو و مالأهم عليه أقاربه

أفانين منهم قائل و محرض

بلا ترة كانت و آخر سالبه

٨٥

و كنت أميرا قبل بالشام فيكم

فحسبي و إياكم من الحق واجبه

فجيئوا و من أرسى ثبيرا مكانه

ندافع بحرا لا ترد غواربه

فأقلل و أكثر ما لها اليوم صاحب

سواك فصرح لست ممن تواربه

قال نصر:و خرج جرير يوما يتجسس الأخبار ، فإ ذا هو بغلام يتغنى على قعود له هو يقول:

حكيم و عمار الشجا و محمد

و أشتر و المكشوح جروا الدواهيا

و قد كان فيها للزبير عجاجة

و صاحبه الأدنى أثاروا الدواهيا

فأما علي فاستجار ببيته

فلا آمر فيها و لم يك ناهيا

فقل في جميع الناس ما شئت بعده

فلو قلت أخطأ الناس لم تك خاطيا

و إن قلت عم القوم فيه بفتنة

فحسبك من ذاك الذي كان كافيا

فقولا لأصحاب النبي محمد

و خصا الرجال الأقربين الأدانيا

أيقتل عثمان بن عفان بينكم

على غير شي‏ء ليس إلا تعاميا

فلا نوم حتى نستبيح حريمكم

و نخضب من أهل الشنان العواليا

فقال جرير:يا ابن أخي من أنت ؟ فقال:غلام من قريش و أصلي من ثقيف أنا ابن المغيرة بن الأخنس بن شريق قتل أبي مع عثمان يوم الدار فعجب جرير

٨٦

من شعره و قوله ، و كتب بذلك إلى علي(عليه‌السلام )، فقال علي:و الله ما أخطأ الغلام شيئا قال نصر و في حديث صالح بن صدقة قال:أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس ، و قال علي(عليه‌السلام ):قد وقت لجرير وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا و أبطأ على علي حتى أيس منه قال:و في حديث محمد و صالح بن صدقة قالا:فكتب علي(عليه‌السلام )إلى جرير بعد ذلك إذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، ثم خيره و خذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية ، فإن اختار الحرب فانبذ إليه و إن اختار السلم فخذه ببيعته و السلام قال:فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية ، فأقرأه الكتاب و قال له:يا معاوية ، إنه لا يطبع على قلب إلا بذنب و لا يشرح صدر إلا بتوبة ، و لا أظن قلبك إلا مطبوعا عليه أراك قد وقفت بين الحق و الباطل ، كأنك تنتظر شيئا في يد غيرك فقال معاوية:ألقاك بالفصل في أول مجلس إن شاء الله فلما بايع معاوية أهل الشام بعد أن ذاقهم قال:يا جرير ، الحق بصاحبك و كتب إليه بالحرب و كتب في أسفل الكتاب شعر كعب بن جعيل:

أرى الشام تكره أهل العراق

و أهل العراق لهم كارهونا

٨٧

و قد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم و قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل:إن عليا(عليه‌السلام )لما أراد أن يبعث جريرا إلى معاوية ، قال:و الله يا أمير المؤمنين ، ما أدخرك من نصرتي شيئا و ما أطمع لك في معاوية ، فقال علي(عليه‌السلام )إنما قصدي حجة أقيمها عليه ، فلما أتى جرير معاوية دافعه بالبيعة ، فقال له جرير:إن المنافق لا يصلي حتى لا يجد من الصلاة بدا ، فقال معاوية:إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن فأبلغني ريقي إنه أمر له ما بعده قال و كتب مع جرير إلى علي(عليه‌السلام )جوابا عن كتابه إليه من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب(عليه‌السلام ):أما بعد ، فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك ، و أنت بري‏ء من دم عثمان كنت كأبي بكر و عمر و عثمان ، و لكنك أغريت بعثمان المهاجرين و خذلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل و قوي بك الضعيف ، و قد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان ، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، و لعمري ليس حججك علي كحججك على طلحة و الزبير ؛ لأنهما بايعاك و لم أبايعك ، و ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ؛ لأن أهل البصرة أطاعوك ، و لم يطعك أهل الشام ، فأما شرفك في الإسلام و قرابتك من النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و موضعك من قريش فلست أدفعه

٨٨

ثم كتب في آخر الكتاب شعر كعب بن جعيل الذي أوله:

أرى الشام تكره أهل العراق

و أهل العراق لهم كارهونا

قال أبو العباس المبرد رحمه الله تعالى:فكتب إليه علي(عليه‌السلام )جوابا عن كتابه:هذا من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر بن حرب ، أما بعد ، فإنه أتاني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ، و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان ، و لعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا ، و أصدرت كما أصدروا ، و ما كان الله ليجمعهم على الضلال و لا ليضربهم بالعمى و بعد فما أنت و عثمان إنما أنت رجل من بني أمية و بنو عثمان أولى بمطالبة دمه ، فإن زعمت أنك أقوى على ذلك فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثم حاكم القوم إلي و أما تمييزك بينك و بين طلحة و الزبير و بين أهل الشام و أهل البصرة ، فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا سواء ؛ لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار و لا يستأنف فيها النظر ، و أما شرفي في الإسلام و قرابتي من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و موضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته قال:ثم دعا النجاشي أحد بني الحارث بن كعب ، فقال له:إن ابن جعيل شاعر أهل الشام و أنت شاعر أهل العراق ، فأجب الرجل فقال ، يا أمير المؤمنين ، أسمعني قوله قال:إذن أسمعك شعر شاعر ، ثم أسمعه فقال النجاشي يجيبه:

٨٩

دعا يا معاوي ما لن يكونا

فقد حقق الله ما تحذرونا

أتاكم علي بأهل العراق

و أهل الحجاز فما تصنعونا

على كل جرداء خيفانة

و أشعث نهد يسر العيونا

عليها فوارس مخشية

كأسد العرين حمين العرينا

يرون الطعان خلال العجاج

و ضرب الفوارس في النقع دينا

هم هزموا الجمع جمع الزبير

و طلحة و المعشر الناكثينا

وآلوا يمينا على حلفة

لنهدي إلى الشام حربا زبونا

تشيب النواهد قبل المشيب

و تلقى الحوامل منها الجنينا

فإن تكرهوا الملك ملك العراق

فقد رضي القوم ما تكرهونا

فقل للمضلل من وائل

و من جعل الغث يوما سمينا

جعلتم عليا و أشياعه

نظير ابن هند أما تستحونا

إلى أفضل الناس بعد الرسول

و صنو الرسول من العالمينا

و صهر الرسول و من مثله

إذا كان يوم يشيب القرونا

قلت أبيات كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات و أخبث مقصدا و أدهى و أحسن و زاد نصر بن مزاحم في هذه الرسالة بعد قوله و لا ليضربهم بالعمى و ما ألبت فتلزمني خطيئة الأمر ، و لا قتلت فيجب على القصاص و أما قولك إن

٩٠

أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا من أهل الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون و الأنصار و إلا أتيتك به من قريش الحجاز و أما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان و لا يقين الخبر.و هذه الزيادة التي ذكرها نصر بن مزاحم تقتضي أنه كان في كتاب معاوية إليه ع أن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز و ما وجدنا هذا الكلام في كتابه

أخبار متفرقة

و روى نصر بن مزاحم قال لما قتل عثمان ضربت الركبان إلى الشام بقتله فبينا معاوية يوما إذا أقبل رجل متلفف فكشف عن وجهه و قال لمعاوية يا أمير المؤمنين أ تعرفني قال نعم أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة فأين تريد قال إليك القربان نعي ابن عفان ثم قال :

إن بني عمك عبد المطلب

هم قتلوا شيخكم غير كذب

و أنت أولى الناس بالوثب فثب

و اغضب معاوي للإله و احتسب

و سر بنا سير الجرير المتلئب

و انهض بأهل الشام ترشد و تصب

ثم اهزز الصعدة للشأس الشغب

قال يعني عليا ع قلت المتلئب المستقيم المطرد يقال هذا قياس متلئب أي مستمر مطرد

٩١

و يقال مكان شأس أي غليظ صلب و الشغب الهائج للشر و من رواه للشاسي بالياء فأصله الشاصي بالصاد و هو المرتفع يقال شصا السحاب إذا ارتفع فأبدل الصاد سينا و مراده هنا نسبة علي ع إلى التيه و الترفع عن الناس.قال نصر فقال له معاوية أ فيك مهز فقال نعم فقال أخبر الناس فقال الحجاج يا أمير المؤمنين و لم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها إني كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد القسري مغيثا لعثمان فقدمت أنا و زفر بن الحارث فلقينا رجلا زعم أنه ممن قتل عثمان فقتلناه و إني أخبرك يا أمير المؤمنين إنك لتقوى على علي بدون ما يقوى به عليك لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت و لا يسألون إذا أمرت و إن مع علي قوما يقولون إذا قال و يسألون إذا أمر فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه و اعلم أنه لا يرضى علي إلا بالرضا و إن رضاه سخطك و لست و علي سواء علي لا يرضى بالعراق دون الشام و أنت ترضى بالشام دون العراق.قال نصر فضاق معاوية صدرا بما أتاه و ندم على خذلان عثمان و قال

أتاني أمر فيه للنفس غمة

و فيه بكاء للعيون طويل

و فيه فناء شامل و خزاية

و فيه اجتداع للأنوف أصيل

مصاب أمير المؤمنين و هدة

تكاد لها صم الجبال تزول

فلله عينا من رأى مثل هالك

أصيب بلا ذنب و ذاك جليل

تداعت عليه بالمدينة عصبة

فريقان منهم قاتل و خذول

دعاهم فصموا عنه عند دعائه

و ذاك على ما في النفوس دليل

ندمت على ما كان من تبعي الهوى

و قصري فيه حسرة و عويل

٩٢

سأبغي أبا عمرو بكل مثقف

و بيض لها في الدار عين صليل

تركتك للقوم الذين هم هم

شجاك فما ذا بعد ذاك أقول

فلست مقيما ما حييت ببلدة

أجر بها ذيلي و أنت قتيل

فلا نوم حتى تشجر الخيل بالقنا

و يشفي من القوم الغواة غليل

و نطحنهم طحن الرحى بثفالها

و ذاك بما أسدوا إليك قليل

فأما التي فيها مودة بيننا

فليس إليها ما حييت سبيل

سألقحها حربا عوانا ملحة

و إني بها من عامنا لكفيل

قال نصر و افتخر الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بأمره المؤمنين.قال نصر و حدثنا صالح بن صدقة عن ابن إسحاق عن خالد الخزاعي و غيره ممن لا يتهم أن عثمان لما قتل و أتي معاوية بكتاب علي ع بعزله عن الشام صعد المنبر و نادى في الناس أن يحضروا فحضروا فخطبهم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال يا أهل الشام قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و خليفة عثمان و قد قتل و أنا ابن عمه و وليه و الله تعالى يقول( وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) و أنا أحب أن تعلموني ما في نفوسكم من قتل خليفتكم.

٩٣

فقام مرة بن كعب و في المسجد يومئذ أربعمائة رجل من أصحاب النبي ص أو نحوها فقال و الله لقد قمت مقامي هذا و إني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة لرسول الله ص مني و لكني شهدت رسول الله ص نصف النهار في يوم شديد الحر و هو يقول لتكونن فتنة حاضرة فمر رجل مقنع فقال رسول الله و هذا المقنع يومئذ على الهدى فقمت فأخذت بمنكبه و حسرت عن رأسه فإذا عثمان فأقبلت بوجهه على رسول الله ص و قلت هذا يا رسول الله فقال نعم فأصفق أهل الشام مع معاوية حينئذ و بايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ثم الأمر شورى.و روى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل في كتاب صفين عن أبي بكر بن عبد الله الهذلي أن الوليد بن عقبة كتب إلى معاوية يستبطئه في الطلب بدم عثمان و يحرضه و ينهاه عن قطع الوقت بالمكاتبة

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى

تهدر في دمشق و لا تريم

٩٤

فإنك و الكتاب إلى علي

كدابغة و قد حلم الأديم

لك الويلات أقحمها عليهم

فخير الطالبي الترة الغشوم

قال فكتب معاوية إليه الجواب بيتا من شعر أوس بن حجر:

و مستعجب مما يرى من أناتنا

و لو زبنته الحرب لم يترمرم

و روى ابن ديزيل قال لما عزم علي ع على المسير إلى الشام دعا رجلا فأمره أن يتجهز و يسير إلى دمشق فإذا دخل أناخ راحلته بباب المسجد و لا يلقي من ثياب سفره شيئا فإن الناس إذا رأوه عليه آثار الغربة سألوه فليقل لهم تركت عليا قد نهد إليكم بأهل العراق فانظر ما يكون من أمرهم ففعل الرجل ذلك فاجتمع الناس و سألوه فقال لهم فكثروا عليه يسألونه فأرسل

٩٥

إليه معاوية بالأعور السلمي يسأله فأتاه فسأله فقال له فأتى معاوية فأخبره فنادى الصلاة جامعة ثم قام فخطب الناس و قال لهم إن عليا قد نهد إليكم في أهل العراق فما ترون فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم لا يتكلمون فقام ذو الكلاع الحميري فقال عليك ام‏رأي و علينا ام‏فعال و هي لغة حمير.فنزل و نادى في الناس بالخروج إلى معسكرهم و عاد إلى علي ع فأخبره فنادى الصلاة جامعة ثم قام فخطب الناس فأخبرهم أنه قدم عليه رسول كان بعثه إلى الشام و أخبره أن معاوية قد نهد إلى العراق في أهل الشام فما الرأي.قال فاضطرب أهل المسجد هذا يقول الرأي كذا و هذا يقول الرأي كذا و كثر اللغط و اللجب فلم يفهم علي ع من كلامهم شيئا و لم يدر المصيب من المخطئ فنزل عن المنبر و هو يقول إنا لله و إنا إليه راجعون ذهب بها ابن آكلة الأكباد يعني معاوية.و روى ابن ديزيل عن عقبة بن مكرم عن يونس بن بكير عن الأعمش قال كان أبو مريم صديقا لعلي ع فسمع بما كان فيه علي ع من اختلاف أصحابه عليه فجاءه فلم يرع عليا ع إلا و هو قائم على رأسه بالعراق فقال له أبا مريم ما جاء بك نحوي قال ما جاء بي غيرك عهدي بك لو وليت أمر الأمة كفيتهم ثم سمعت بما أنت فيه من الاختلاف فقال يا أبا مريم إني منيت بشرار خلق الله أريدهم على الأمر الذي هو الرأي فلا يتبعونني.

٩٦

و روى ابن ديزيل عن عبد الله بن عمر عن زيد بن الحباب عن علاء بن جرير العنبري عن الحكم بن عمير الثمالي و كانت أمه بنت أبي سفيان بن حرب قال قال رسول الله ص لأصحابه ذات يوم كيف بك يا أبا بكر إذا وليت قال لا يكون ذلك أبدا قال فكيف بك يا عمر إذا وليت فقال آكل حجرا لقد لقيت إذن شرا قال فكيف بك يا عثمان إذا وليت قال آكل و أطعم و أقسم و لا أظلم قال فكيف بك يا علي إذا وليت قال آكل الفوت و أحمي الجمرة و أقسم التمرة و أخفي الصور قال أي العورة فقال ص أما إنكم كلكم سيلي و سيرى الله أعمالكم ثم قال يا معاوية كيف بك إذا وليت قال الله و رسوله أعلم فقال أنت رأس الحطم و مفتاح الظلم حصبا و حقبا تتخذ الحسن قبيحا و السيئة حسنة يربو فيها الصغير و يهرم فيها الكبير أجلك يسير و ظلمك عظيم.و روى ابن ديزيل أيضا عن عمر بن عون عن هشيم عن أبي فلج عن عمرو بن ميمون قال قال عبد الله بن مسعود كيف أنتم إذا لقيتكم فتنة يهرم فيها الكبير و يربو فيها الصغير تجري بين الناس و يتخذونها سنة فإذا غيرت قيل هذا منكر.و روى ابن ديزيل قال حدثنا الحسن بن الربيع البجلي عن أبي إسحاق الفزاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك في قوله تعالى( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ اَلَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ) قال أكرم الله تعالى نبيه ع أن يريه في أمته ما يكره رفعه إليه و بقيت النقمة.

٩٧

قال ابن ديزيل و حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثنا عمرو بن محمد قال أخبرنا أسباط عن السدي عن أبي المنهال عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص سألت ربي لأمتي ثلاث خلال فأعطاني اثنتين و منعني واحدة سألته ألا تكفر أمتي صفقة واحدة فأعطانيها و سألته ألا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها و سألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.قال ابن ديزيل و حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو معاوية عن عمار بن زريق عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إن الله تعالى قد آمننا أن يظلمنا و لم يؤمنا أن يفتننا أ رأيت إذا أنزلت فتنة كيف أصنع فقال عليك كتاب الله تعالى قال أ فرأيت إن جاء قوم كلهم يدعو إلى كتاب الله تعالى

فقال ابن مسعود سمعت رسول الله ص يقول إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق يعني عمارا.

و روى ابن ديزيل قال حدثنا يحيى بن زكريا قال حدثنا علي بن القاسم عن سعيد بن طارق عن عثمان بن القاسم عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله ص أ لا أدلكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا إن وليكم الله و إن إمامكم علي بن أبي طالب فناصحوه و صدقوه فإن جبريل أخبرني بذلك.فإن قلت هذا نص صريح في الإمامة فما الذي تصنع المعتزلة بذلك.قلت يجوز أن يريد أنه إمامهم في الفتاوي و الأحكام الشرعية لا في الخلافة.و أيضا فإنا قد شرحنا من قول شيوخنا البغداديين ما محصله إن الإمامة كانت لعلي

٩٨

ع إن رغب فيها و نازع عليها و إن أقرها في غيره و سكت عنها تولينا ذلك الغير و قلنا بصحة خلافته و أمير المؤمنين ع لم ينازع الأئمة الثلاثة و لا جرد السيف و لا استنجد بالناس عليهم فدل ذلك على إقراره لهم على ما كانوا فيه فلذلك توليناهم و قلنا فيهم بالطهارة و الخير و الصلاح و لو حاربهم و جرد السيف عليهم و استصرخ العرب على حربهم لقلنا فيهم ما قلناه فيمن عامله هذه المعاملة من التفسيق و التضليل.قال ابن ديزيل و حدثنا عمرو بن الربيع قال حدثنا السري بن شيبان عن عبد الكريم أن عمر بن الخطاب قال لما طعن يا أصحاب محمد تناصحوا فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان.قلت إن محمد بن النعمان المعروف بالمفيد أحد الإمامية قال في بعض كتبه إنما أراد عمر بهذا القول إغراء معاوية و عمرو بن العاص بطلب الخلافة و إطماعهما فيها لأن معاوية كان عامله و أميره على الشام و عمرو بن العاص عامله و أميره على مصر و خاف أن يضعف عثمان عنها و أن تصير إلى علي ع فألقى هذه الكلمة إلى الناس لتنقل إليهما و هما بمصر و الشام فيتغلبا على هذين الإقليمين إن أفضت إلى علي ع.و هذا عندي من باب الاستنباطات التي يوجبها الشنآن و الحنق و عمر كان أتقى لله من أن يخطر له هذا و لكنه من فراسته الصادقة التي كان يعلم بها كثيرا من الأمور المستقبلة كما قال عبد الله بن عباس في وصفه و الله ما كان أوس بن حجر عنى أحدا سواه بقوله

الألمعي الذي يظن بك الظن كان قد رأى و قد سمعا

٩٩

و روى ابن ديزيل عن عفان بن مسلم عن وهب بن خالد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن مرة بن كعب قال ذكر رسول الله ص فتنة فقربها فمر رجل قد تقنع بثوبه فقال ع هذا و أصحابه يومئذ على الحق فقمت إليه فأخذت بمنكبه فقلت هو هذا فقال نعم فإذا هو عثمان بن عفان.قلت هذا الحديث قد رواه كثير من محققي أصحاب الحديث و رواه محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه الكبير بعدة روايات و ليس لقائل أن يقول فهذا الحديث إذا صححتموه كان حجة للسفيانية لأنا نقول الخبر يتضمن أن عثمان و أصحابه على الحق و هذا مذهبنا لأنا نذهب إلى أن عثمان قتل مظلوما و أنه و ناصريه يوم الدار على الحق و أن القوم الذين قتلوه لم يكونوا على الحق فأما معاوية و أهل الشام الذين حاربوا عليا ع بصفين فليسوا بداخلين في الخبر و لا في ألفاظ الخبر لفظ عموم يتعلق به أ لا ترى أنه ليس فيه كل من أظهر الانتصار لعثمان في حياته و بعد وفاته فهو على الحق و إنما خلاصته أنه ستقوم فتنة يكون عثمان فيها و أصحابه على الحق و نحن لا نأبى ذلك بل هو مذهبنا.و روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال لما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله بن عمر و قد رأيت أن أقيمه خطيبا يشهد على علي بقتل عثمان و ينال منه فقال الرأي ما رأيت فبعث إليه فأتاه فقال له معاوية يا ابن أخي إن لك

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351