كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 280
المشاهدات: 37373
تحميل: 6864


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37373 / تحميل: 6864
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

كتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الرابع

ابن أبي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين(عليهما‌السلام )للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله الواحد العدل الحكيم،و صلى الله على رسوله الكريم.

تتمة الخطبة الثانية و الخمسين

(وَمِنْهَا فِي ذِكْرِ يَوْمِ اَلنَّحْرِ وَ صِفَةِ اَلْأُضْحِيَّةِ:وَ مِنْ تَمَامِ اَلْأُضْحِيَّةِ اِسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَ سَلاَمَةُ عَيْنِهَا فَإِذَا سَلِمَتِ اَلْأُذُنُ وَ اَلْعَيْنُ سَلِمَتِ اَلْأُضْحِيَّةُ وَ تَمَّتْ وَ لَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ اَلْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى اَلْمَنْسَكِ)،قال الرضيرحمه‌الله و المنسك هاهنا المذبح الأضحية ما يذبح يوم النحر،و ما يجري مجراه أيام التشريق من النعم و استشراف أذنها انتصابها و ارتفاعها أذن شرفاء،أي:منتصبة.و العضباء المكسورة القرن و التي تجر رجلها إلى المنسك كناية عن العرجاء و يجوز المنسك بفتح السين و كسرها.

اختلاف الفقهاء في حكم الأضحية

و اختلف الفقهاء في وجوب الأضحية،فقال أبو حنيفة:هي واجبة على المقيمين من أهل

٣

الأمصار،و يعتبر في وجوبها النصاب و به قال مالك و الثوري إلا أن مالكا لم يعتبر الإقامة.و قال الشافعي الأضحية سنة مؤكدة،و به قال أبو يوسف و محمد و أحمد.و اختلفوا في العمياء،هل تجزئ أم لا ؟ فأكثر الفقهاء على أنها لا تجزئ و كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )في هذا الفصل يقتضي ذلك ؛ لأنه قال:إذا سلمت العين سلمت الأضحية فيقتضي أنه إذا لم تسلم العين لم تسلم الأضحية،و معنى انتفاء سلامة الأضحية انتفاء أجزائها.و حكي عن بعض أهل الظاهر أنه قال:تجزئ العمياء.و قال محمد بن النعمان المعروف بالمفيد رضي الله تعالى عنه أحد فقهاء الشيعة في كتابه المعروف بالمقنعة:إن الصادق(عليه‌السلام )سئل عن الرجل يهدي الهدي أو الأضحية،و هي سمينة فيصيبها مرض أو تفقأ عينها أو تنكسر،فتبلغ يوم النحر و هي حية أ تجزئ عنه،فقال نعم.فأما الأذن،فقال أحمد:لا يجوز التضحية بمقطوعة الأذن و كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يقتضي ذلك،و قال سائر الفقهاء:تجزئ إلا أنه مكروه.و أما العضباء،فأكثر الفقهاء على أنها تجزئ إلا أنه مكروه و كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يقتضي ذلك،و كذلك الحكم في الجلحاء،و هي التي لم يخلق لها قرن و القصماء،و هي التي انكسر غلاف قرنها و الشرفاء،و هي التي انثقبت أذنها من الكي و الخرقاء،و هي التي شقت أذنها طولا.و قال مالك:إن كانت العضباء يخرج من قرنها دم لم تجزئ.و قال أحمد و النخعي:لا تجوز التضحية بالعضباء.

٤

فأما العرجاء التي كنى عنها بقوله تجر رجلها إلى المنسك،فأكثر الفقهاء على أنها لا تجزئ و كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يقتضي أنها تجزئ،و قد نقل أصحاب الشافعي عنه في أحد قوليه أن الأضحية إذا كانت مريضة مرضا يسيرا أجزأت.و قال الماوردي من الشافعية في كتابه المعروف بالحاوي:إن عجزت عن أن تجر رجلها خلقة أجزأت،و إن كان ذلك عن مرض لم تجزئ

٥

53.و من كلام له(عليه‌السلام )في ذكر البيعة

)فَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ اَلْإِبِلِ اَلْهِيمِ يَوْمَ وِرْدِهَا،وَ قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا وَ خُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ وَ قَدْ قَلَّبْتُ هَذَا اَلْأَمْرَ بَطْنَهُ وَ ظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي اَلنَّوْمَ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلاَّ قِتَالُهُمْ أَوِ اَلْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ اَلْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ اَلْعِقَابِ وَ مَوْتَاتُ اَلدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ اَلآْخِرَةِ)،تداكوا ازدحموا و الهيم العطاش و يوم وردها يوم شربها الماء و المثاني الحبال جمع مثناة و مثناة بالفتح و الكسر،و هو الحبل.و جهاد البغاة واجب على الإمام إذا وجد أنصارا،فإذا أخل بذلك أخل بواجب و استحق العقاب.فإن قيل:إنه(عليه‌السلام )قال لم يسعني إلا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمد(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فكيف يكون تارك الواجب جاحدا لما جاء به النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).قيل:إنه في حكم الجاحد ؛ لأنه مخالف و عاص لا سيما على مذهبنا في أن تارك الواجب يخلد في النار و إن لم يجحد النبوة.

٦

بيعة علي و أمر المتخلفين عنها

اختلف الناس في بيعة أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،فالذي عليه أكثر الناس و جمهور أرباب السير أن طلحة و الزبير بايعاه طائعين غير مكرهين،ثم تغيرت عزائمهما و فسدت نياتهما و غدرا به.و قال الزبيريون منهم عبد الله بن مصعب و الزبير بن بكار و شيعتهم،و من وافق قولهم من بني تيم بن مرة أرباب العصبية لطلحة إنهما بايعا مكرهين،و إن الزبير كان يقول بايعت و اللج على قفي و اللج سيف الأشتر و قفي لغة هذلية إذا أضافوا المقصور إلى أنفسهم قلبوا الألف ياء،و أدغموا إحدى الياءين في الأخرى،فيقولون:قد وافق ذلك هوي،أي:هواي و هذه عصي أي عصاي.و ذكر صاحب كتاب الأوائل أن الأشتر جاء إلى علي(عليه‌السلام )حين قتل عثمان،فقال:قم فبايع الناس فقد اجتمعوا لك و رغبوا فيك،و الله لئن نكلت عنها لتعصرن عليها عينيك مرة رابعة،فجاء حتى دخل بئر سكن و اجتمع الناس،و حضر طلحة و الزبير لا يشكان أن الأمر شورى،فقال الأشتر:أتنتظرون أحدا ؟ قم يا طلحة فبايع فتقاعس،فقال:قم يا ابن الصعبة،و سل سيفه،فقام طلحة يجر رجله حتى بايع،فقال قائل:أول من بايعه أشل لا يتم أمره،ثم لا يتم.قال:قم يا زبير،و الله لا ينازع أحد إلا و ضربت قرطة بهذا السيف،فقام الزبير فبايع،ثم انثال الناس عليه فبايعوا.و قيل:أول من بايعه الأشتر ألقى خميصة كانت عليه،و اخترط سيفه و جذب يد علي(عليه‌السلام )فبايعه،و قال للزبير و طلحة:قوما فبايعا و إلا كنتما الليلة عند عثمان،فقاما يعثران في ثيابهما لا يرجوان نجاة حتى صفقا بأيديهما على يده،ثم قام بعدهما البصريون

٧

و أولهم عبد الرحمن بن عديس البلوي فبايعوا و قال له عبد الرحمن:

خذها إليك و اعلمن أبا حسن

أنا نمر الأمر إمرار الرسن

و قد ذكرنا نحن في شرح الفصل الذي فيه أن الزبير أقر بالبيعة،و ادعى الوليجة أن بيعة أمير المؤمنين لم تقع إلا عن رضا جميع أهل المدينة أولهم طلحة و الزبير و ذكرنا في ذلك ما يبطل رواية الزبير.و ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن الأنصار و المهاجرين اجتمعوا في مسجد رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لينظروا من يولونه أمرهم حتى غص المسجد بأهله،فاتفق رأي عمار و أبي الهيثم بن التيهان و رفاعة بن رافع و مالك بن عجلان،و أبي أيوب خالد بن يزيد على إقعاد أمير المؤمنين(عليه‌السلام )في الخلافة،و كان أشدهم تهالكا عليه عمار،فقال لهم:أيها الأنصار قد سار فيكم عثمان بالأمس بما رأيتموه،و أنتم على شرف من الوقوع في مثله إن لم تنظروا لأنفسكم،و إن عليا أولى الناس بهذا الأمر لفضله و سابقته،فقالوا:رضينا به حينئذ،و قالوا بأجمعهم لبقية الناس من الأنصار و المهاجرين:أيها الناس،إنا لن نألوكم خيرا و أنفسنا إن شاء الله،و إن عليا من قد علمتم و ما نعرف مكان أحد أحمل لهذا الأمر منه و لا أولى به،فقال الناس بأجمعهم:قد رضينا و هو عندنا ما ذكرتم و أفضل.و قاموا كلهم فأتوا عليا(عليه‌السلام )فاستخرجوه من داره،و سألوه بسط يده فقبضها فتداكوا عليه تداك الإبل الهيم على وردها حتى كاد بعضهم يقتل بعضا،فلما رأى منهم ما رأى سألهم أن تكون بيعته في المسجد ظاهرة للناس،و قال:إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر.فنهض الناس معه حتى دخل المسجد،فكان أول من بايعه طلحة،فقال قبيصة بن ذؤيب الأسدي:تخوفت ألا يتم له أمره ؛ لأن أول يد بايعته شلاء،ثم بايعه الزبير

٨

و بايعه المسلمون بالمدينة إلا محمد بن مسلمة،و عبد الله بن عمر،و أسامة بن زيد،و سعد بن أبي وقاص،و كعب بن مالك،و حسان بن ثابت،و عبد الله بن سلام.فأمر بإحضار عبد الله بن عمر فقال له:بايع.قال:لا أبايع حتى يبايع جميع الناس،فقال له(عليه‌السلام ):فأعطني حميلا ألا تبرح.قال:و لا أعطيك حميلا،فقال الأشتر:يا أمير المؤمنين،إن هذا قد أمن سوطك و سيفك،فدعني أضرب عنقه،فقال:لست أريد ذلك منه على كره خلوا سبيله،فلما انصرف قال أمير المؤمنين:لقد كان صغيرا و هو سيئ الخلق و هو في كبره أسوأ خلقا.ثم أتي بسعد بن أبي وقاص،فقال له:بايع،فقال:يا أبا الحسن خلني،فإذا لم يبق غيري بايعتك فو الله لا يأتيك من قبلي أمر تكرهه أبدا،فقال:صدق خلوا سبيله.ثم بعث إلى محمد بن مسلمة،فلما أتاه قال له:بايع.قال:إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أمرني إذا اختلف الناس و صاروا هكذا و شبك بين أصابعه أن أخرج بسيفي،فأضرب به عرض أحد،فإذا تقطع أتيت منزلي فكنت فيه لا أبرحه حتى تأتيني يد خاطية أو منية قاضية،فقال له(عليه‌السلام ):فانطلق إذا فكن كما أمرت به.ثم بعث إلى أسامة بن زيد،فلما جاء قال له:بايع،فقال:إني مولاك و لا خلاف مني عليك و ستأتيك بيعتي إذا سكن الناس،فأمره بالانصراف و لم يبعث إلى أحد غيره.

و قيل له:ألا تبعث إلى حسان بن ثابت،و كعب بن مالك،و عبد الله بن سلام،فقال:لا حاجة لنا فيمن لا حاجة له فينا.فأما أصحابنا فإنهم يذكرون في كتبهم أن هؤلاء الرهط إنما اعتذروا بما اعتذروا به

٩

لما ندبهم إلى الشخوص معه لحرب أصحاب الجمل،و أنهم لم يتخلفوا عن البيعة و إنما تخلفوا عن الحرب.

و روى شيخنا أبو الحسينرحمه‌الله تعالى في كتاب الغرر،أنهم لما اعتذروا إليه بهذه الأعذار قال لهم:ما كل مفتون يعاتب،أعندكم شك في بيعتي ؟ قالوا:لا.قال:فإذا بايعتم فقد قاتلتم و أعفاهم من حضور الحرب.فإن قيل:رويتم أنه قال إن كرهني رجل واحد من الناس لم أدخل في هذا الأمر،ثم رويتم أن جماعة من أعيان المسلمين كرهوا و لم يقف مع كراهتهم.قيل:إنما مراده(عليه‌السلام )أنه متى وقع الاختلاف قبل البيعة نفضت يدي عن الأمر و لم أدخل فيه،فأما إذا بويع ثم خالف ناس بعد البيعة فلا يجوز له أن يرجع عن الأمر و يتركه ؛ لأن الإمامة تثبت بالبيعة و إذا ثبتت لم يجز له تركها.و روى أبو مخنف عن ابن عباس،قال لما دخل علي(عليه‌السلام )المسجد و جاء الناس ليبايعوه خفت أن يتكلم بعض أهل الشنئان لعلي(عليه‌السلام )ممن قتل أباه أو أخاه أو ذا قرابته في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فيزهد علي في الأمر و يتركه،فكنت أرصد ذلك و أتخوفه فلم يتكلم أحد حتى بايعه الناس كلهم راضين مسلمين غير مكرهين.لما بايع الناس عليا(عليه‌السلام )،و تخلف عبد الله بن عمر،و كلمه علي(عليه‌السلام )في البيعة،فامتنع عليه أتاه في اليوم الثاني،فقال:إني لك ناصح إن بيعتك لم يرض بها كلهم،فلو نظرت لدينك و رددت الأمر شورى بين المسلمين،فقال علي(عليه‌السلام ):ويحك و هل ما كان عن طلب مني له ألم يبلغك صنيعهم قم عني يا أحمق،ما أنت و هذا الكلام

١٠

فلما خرج أتى عليا في اليوم الثالث آت،فقال:إن ابن عمر قد خرج إلى مكة يفسد الناس عليك،فأمر بالبعث في أثره،فجاءت أم كلثوم ابنته فسألته و ضرعت إليه فيه،و قالت:يا أمير المؤمنين،إنما خرج إلى مكة ليقيم بها،و إنه ليس بصاحب سلطان و لا هو من رجال هذا الشأن و طلبت إليه أن يقبل شفاعتها في أمره ؛ لأنه ابن بعلها فأجابها و كف عن البعثة إليه،و قال:دعوه و ما أراده.

١١

54 و من كلام له(عليه‌السلام )و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين

(أَمَّا قَوْلُكُمْ أَكُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ اَلْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ [ أَ دَخَلْتُ ] إِلَى اَلْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ اَلْمَوْتُ إِلَيَّ وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ اَلشَّامِ فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ اَلْحَرْبَ يَوْماً إِلاَّ وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وَ تَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلاَلِهَا [ ضَلاَلَتِهَا ] وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا)من رواه أكل ذلك بالنصب،فمفعول فعل مقدر،أي:تفعل كل ذلك و كراهية منصوب ؛ لأنه مفعول له و من رواه أكل ذلك بالرفع أجاز في كراهية الرفع و النصب،أما الرفع فإنه يجعل كل مبتدأ و كراهية خبره،و أما النصب فيجعلها مفعولا له كما قلنا في الرواية الأولى،و يجعل خبر المبتدأ محذوفا،و تقديره أكل هذا مفعول أو تفعله كراهية للموت،ثم أقسم إنه لا يبالي أتعرض هو للموت حتى يموت أم جاءه الموت ابتداء من غير أن يتعرض له.و عشا إلى النار يعشو استدل عليها ببصر ضعيف قال:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

١٢

و هذا الكلام استعارة شبه من عساه يلحق به من أهل الشام بمن يعشو ليلا إلى النار و ذلك ؛ لأن بصائر أهل الشام ضعيفة فهم من الاهتداء بهداه(عليه‌السلام )كمن يعشو ببصر ضعيف إلى النار في الليل.قال:ذاك أحب إلي من أن أقتلهم على ضلالهم و إن كنت لو قتلتهم على هذه الحالة لباءوا بآثامهم،أي:رجعوا.قال سبحانه:( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ ) ،أي:ترجع.

من أخبار يوم صفين

لما ملك أمير المؤمنين(عليه‌السلام )الماء بصفين،ثم سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه و المساهمة رجاء أن يعطفوا إليه،و استمالة لقلوبهم،و إظهارا للمعدلة،و حسن السيرة فيهم مكث أياما لا يرسل إلى معاوية،و لا يأتيه من عند معاوية أحد و استبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال،و قالوا:يا أمير المؤمنين،خلفنا ذرارينا و نساءنا بالكوفة،و جئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا،ائذن لنا في القتال،فإن الناس قد قالوا،قال لهم(عليه‌السلام ):ما قالوا،فقال منهم قائل:إن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية للموت،و إن من الناس من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام،فقال(عليه‌السلام ):و متى كنت كارها للحرب قط إن من العجب حبي لها غلاما و يفعا،و كراهيتي لها شيخا بعد نفاد العمر و قرب الوقت،و أما شكي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة،و الله لقد ضربت هذا الأمر ظهرا و بطنا،فما وجدت يسعني إلا القتال أو أن أعصي الله و رسوله،و لكني أستأني بالقوم عسى أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة،فإن

١٣

رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لي يوم خيبر:(لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس)قال نصر بن مزاحم:حدثنا محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال:فبعث علي(عليه‌السلام )إلى معاوية بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري،و سعيد بن قيس الهمداني،و شبث بن الربعي التميمي،فقال:ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز و جل،و إلى الطاعة،و الجماعة،و إلى اتباع أمر الله سبحانه،فقال له شبث:يا أمير المؤمنين،ألا تطمعه في سلطان توليه إياه و منزلة يكون له بها أثره عندك إن هو بايعك،فقال:ائتوه الآن و القوه و احتجوا عليه،و انظروا ما رأيه في هذا.فأتوه فدخلوا عليه فحمد أبو عمرو بن محصن الله و أثنى عليه و قال:أما بعد،يا معاوية،فإن الدنيا عنك زائلة،و إنك راجع إلى الآخرة،و إن الله مجازيك بعملك و محاسبك بما قدمت يداك،و إنني أنشدك الله ألا تفرق جماعة هذه الأمة،و ألا تسفك دماءها بينها،فقطع معاوية عليه الكلام و قال:فهلا أوصيت صاحبك،فقال:سبحان الله إن صاحبي لا يوصى إن صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق الناس بهذا الأمر في الفضل و الدين و السابقة في الإسلام و القرابة من الرسول.قال معاوية:فتقول ما ذا ؟ قال:أدعوك إلى تقوى ربك،و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق،فإنه أسلم لك في دينك و خير لك في عاقبة أمرك.قال:و يطل دم عثمان لا و الرحمن لا أفعل ذلك أبدا

١٤

فذهب سعيد بن قيس يتكلم،فبدره شبث بن الربعي فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا معاوية،قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنه لا يخفى علينا ما تقر و ما تطلب،إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس،و لا شيئا تستميل به أهواءهم و تستخلص به طاعتهم،إلا أن قلت لهم قتل إمامكم مظلوما،فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام رذال،و قد علمنا أنك أبطأت عنه بالنصر،و أحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب،و رب مبتغ أمرا و طالب له يحول الله دونه،و ربما أوتي المتمني أمنيته،و ربما لم يؤتها،و و الله ما لك في واحدة منهما خير،و الله لئن أخطأك ما ترجو أنك لشر العرب حالا،و لئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار،فاتق الله يا معاوية،و دع ما أنت عليه و لا تنازع الأمر أهله.فحمد معاوية الله و أثنى عليه و قال:أما بعد،فإن أول ما عرفت به سفهك و خفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه،ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به،و لقد كذبت و لؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت و ذكرت انصرفوا من عندي،فإنه ليس بيني و بينكم إلا السيف.و غضب فخرج القوم و شبث يقول:أعلينا تهول بالسيف ؟ أما و الله لنجعلنه إليك،فأتوا عليا(عليه‌السلام )فأخبروه بالذي كان من قوله،و ذلك في شهر ربيع الآخر.قال نصر:و خرج قراء أهل العراق و قراء أهل الشام،فعسكروا ناحية صفين ثلاثين ألفا.

١٥

قال:و عسكر علي(عليه‌السلام )على الماء،و عسكر معاوية فوقه على الماء أيضا،و مشت القراء فيما بين علي(عليه‌السلام )و معاوية،منهم:عبيدة السلماني،و علقمة بن قيس النخعي،و عبد الله بن عتبة،و عامر بن عبد القيس،و قد كان في بعض تلك السواحل،فانصرف إلى عسكر علي(عليه‌السلام )فدخلوا على معاوية فقالوا:يا معاوية،ما الذي تطلب ؟ قال:أطلب بدم عثمان.قالوا:ممن تطلب بدم عثمان ؟ قال:أطلبه من علي.قالوا:و علي قتله ؟ قال:نعم هو قتله و آوى قتلته،فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي(عليه‌السلام )فقالوا:إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان،قال:اللهم لكذب فيما قال لم أقتله.فرجعوا إلى معاوية فأخبروه،فقال لهم:إنه إن لم يكن قتله بيده فقد أمر و مالأ فرجعوا إلى علي،فقالوا:إن معاوية يزعم أنك إن لم تكن قلت بيدك فقد أمرت و مالأت على قتل عثمان،فقال:اللهم لكذب فيما قال،فرجعوا إلى معاوية،فقالوا:إن عليا يزعم أنه لم يفعل،فقال معاوية:إن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان،فإنهم في عسكره و جنده و أصحابه و عضده،فرجعوا إلى علي(عليه‌السلام )فقالوا:إن معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو مكنا منهم،فقال لهم:إن القوم تأولوا عليه القرآن و وقعت الفرقة فقتلوه في سلطانه،و ليس على ضربهم قود فخصم علي معاوية.قلت:على ضربهم هاهنا على مثلهم يقال زيد:ضرب عمرو،و من ضربه،أي:مثله و من صنفه و لا أدري لم عدل(عليه‌السلام )عن الحجة بما هو أوضح من هذا الكلام،و هو أن يقول:إن الذين باشروا قتله بأيديهم كانوا اثنين و هما قتيرة بن وهب،و سودان بن حمران،و كلاهما قتل يوم الدار قتلهما عبيد عثمان و الباقون الذين هم جندي و عضدي

١٦

كما تزعمون لم يقتلوا بأيديهم،و إنما أغروا به و حصروه و أجلبوا عليه،و هجموا على داره،كمحمد بن أبي بكر،و الأشتر،و عمرو بن الحمق،و غيرهم،و ليس على مثل هؤلاء قود.قال نصر:فقال لهم معاوية:إن كان الأمر كما تزعمون فلم ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا و لا ممن هاهنا معنا،فقال علي(عليه‌السلام ):إن الناس تبع المهاجرين و الأنصار،و هم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم،و أمراء دينهم فرضوا بي و بايعوني،و لست أستحل أن أدع ضرب معاوية يحكم بيده على الأمة و يركبهم و يشق عصاهم.فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك،فقال:ليس كما يقول،فما بال من هاهنا من المهاجرين و الأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر و يؤامروا فيه.فانصرفوا إلى علي(عليه‌السلام )،فأخبروه بقوله،فقال:ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة ليس في الأرض بدري إلا و قد بايعني،و هو معي أو قد قام و رضي فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم و دينكم.قال نصر:فتراسلوا بذلك ثلاثة أشهر ربيع الآخر و جماديين،و هم مع ذلك يفزعون الفزعة فيما بينهما،فيزحف بعضهم إلى بعض و تحجز القراء بينهم.قال:فزعوا في ثلاثة أشهر خمسا و ثمانين فزعة كل فزعة يزحف بعضهم إلى بعض،و تحجز القراء بينهم لا يكون بينهم قتال.قال نصر:و خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء فدخلا على معاوية و كانا معه،فقالا:يا معاوية،علام تقاتل هذا الرجل،فو الله لهو أقدم منك إسلاما و أحق بهذا

١٧

الأمر،و أقرب من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فعلام تقاتله ؟ فقال:أقاتله على دم عثمان و إنه آوى قتلته،فقولوا له فليقدنا من قتلته،و أنا أول من بايعه من أهل الشام.فانطلقوا إلى علي(عليه‌السلام )فأخبروه بقول معاوية،فقال:إنما يطلب الذين ترون فخرج عشرون ألفا أو أكثر متسربلين الحديد لا يرى منهم إلا الحدق،فقالوا:كلنا قتله،فإن شاءوا فليروموا ذلك منا فرجع أبو أمامة و أبو الدرداء،فلم يشهدا شيئا من القتال.قال نصر حتى إذا كان رجب و خشي معاوية أن يتابع القراء عليا(عليه‌السلام )أخذ في المكر،و أخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا و يكفوا حتى ينظروا.قال:فكتب في سهم من عبد الله الناصح إني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم،ثم رمى بالسهم في عسكر علي(عليه‌السلام )،فوقع السهم في يد رجل،فقرأه ثم أقرأه صاحبه،فلما قرأه،و قرأته الناس،و أقرأه من أقبل و أدبر قالوا:هذا أخ لنا ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية،فلم يزل السهم يقرأ و يرتفع حتى رفع إلى علي(عليه‌السلام )،و قد بعث معاوية مائتي رجل من العملة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور و الزبل يحفرون فيها بحيال عسكر علي(عليه‌السلام )،فقال علي(عليه‌السلام ):ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له و لا يقوى عليه،إنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك،فقالوا له لا ندعهم و الله يحفرون،فقال علي(عليه‌السلام ):لا تكونوا ضعفى ويحكم لا تغلبوني على رأيي،فقالوا:و الله لنرتحلن،فإن شئت فارتحل و إن شئت فأقم فارتحلوا و صعدوا بعسكرهم مليا،و ارتحل علي(عليه‌السلام )في أخريات الناس و هو يقول:

١٨

فلو أني أطعت عصمت قومي

إلى ركن اليمامة أو شمام

و لكني متى أبرمت أمرا

منيت بخلف آراء الطغام

قال:و ارتحل معاوية حتى نزل معسكر علي(عليه‌السلام )الذي كان فيه،فدعا علي(عليه‌السلام )الأشتر فقال:ألم تغلبني على رأيي أنت و الأشعث فدونكما ؟ فقال الأشعث:أنا أكفيك يا أمير المؤمنين،سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك،فجمع كندة فقال لهم:يا معشر كندة،لا تفضحوني اليوم و لا تخزوني،فإني إنما أقارع بكم أهل الشام،فخرجوا معه رجاله يمشون و بيده رمح له يلقيه على الأرض،و يقول:امشوا قيد رمحي هذا فيمشون فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه،و يمشون معه رجاله حتى لقي معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء،و قد جاءه أداني عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة،و انتهى أوائل أهل العراق،فنزلوا و أقبل الأشتر في خيل من أهل العراق فحمل على معاوية و الأشعث يحارب في ناحية أخرى،فانحاز معاوية في بني سليم فرد وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ،ثم نزل و وضع أهل الشام أثقالهم و الأشعث يهدر،و يقول:أرضيتك يا أمير المؤمنين ؟ ثم تمثل بقول طرفة بن العبد:

ففداء لبني سعد على

ما أصاب الناس من خير و شر

ما أقلت قدماي إنهم

نعم الساعون في الحي الشطر

و لقد كنت عليكم عاتبا

فعقبتم بذنوب غير مر

١٩

كنت فيكم كالمغطى رأسه

فانجلى اليوم قناعي و خمر

سادرا أحسب غيي رشدا

فتناهيت و قد صابت بقر

و قال الأشتر:يا أمير المؤمنين،قد غلب الله لك على الماء،فقال علي(عليه‌السلام ):أنتما كما قال الشاعر:

تلاقين قيسا و أشياعه

فيوقد للحرب نارا فنارا

أخو الحرب إن لقحت بازلا

سما للعلا و أجل الخطارا

قال نصر:فكان كل واحد من علي و معاوية يخرج الرجل الشريف في جماعة فيقاتل مثله،و كانوا يكرهون أن يتزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستئصال و الهلاك،فاقتتل الناس ذا الحجة كله،فلما انقضى تداعوا إلى أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل الله أن يجري صلحا أو إجماعا،فكف الناس في المحرم بعضهم عن بعض.قال نصر:حدثنا عمر بن سعد،عن أبي المجاهد،عن المحل بن خليفة،قال:لما توادعوا في المحرم اختلفت الرسل فيما بين الرجلين رجاء الصلح،فأرسل علي(عليه‌السلام )إلى معاوية عدي بن حاتم الطائي،و شبث بن ربعي التميمي،و يزيد بن قيس،و زياد بن خصفة،فلما دخلوا عليه حمد الله تعالى عدي بن حاتم الطائي،و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله فيه كلمتنا و أمتنا و يحقن به دماء

٢٠