كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 280
المشاهدات: 37362
تحميل: 6864


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37362 / تحميل: 6864
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاستشلتني،فلما كان الغد قاتلهم إلى الليل،ثم عاودهم القتال فقتل فتدافع أهل البصرة الراية،حتى خافوا العطب إذ لم يكن لهم رئيس،ثم أجمعوا على الحجاج بن رباب الحميري،فأباها فقيل له:ألا ترى رؤساء العرب قد اختاروك من بينهم ؟ فقال:إنها مشئومة لا يأخذها أحد إلا قتل،ثم أخذها فلم يزل يقاتل القوم بدولاب،حتى التقى بعمران بن الحارث الراسبي،و ذلك بعد أن اقتتلوا زهاء شهر فاختلفا ضربتين فخرا ميتين.و قام حارثة بن بدر الغداني بأمر أهل البصرة بعده،و ثبت بإزاء الخوارج يناوشهم القتال مناوشة خفيفة و يزجي الأوقات انتظارا لقدوم أمير من قبل ببة يلي حرب الخوارج،و هذه الحرب تسمى حرب دولاب،و هي من حروب الخوارج المشهورة انتصف فيها الخوارج من المسلمين،و انتصف المسلمون منهم،فلم يكن فيها غالب و لا مغلوب.

عبيد الله بن بشير بن الماحوز اليربوعي

و منهم عبيد الله بن بشير بن الماحوز اليربوعي قام بأمر الخوارج يوم دولاب بعد قتل نافع بن الأزرق،و قام بأمر أهل البصرة عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي ولاه عبد الله بن الزبير ذلك،و لقيه كتابه بالإمارة،و هو يريد الحج،و قد صار إلى بعض الطريق،فرجع فأقام بالبصرة و ولى أخاه عثمان بن عبيد الله بن معمر محاربة الأزارقة،فخرج إليهم في اثني عشر ألفا،فلقيه أهل البصرة الذين كانوا في وجه الأزارقة،و معهم حارثة بن بدر الغداني يقوم بأمرهم عن غير ولاية،و كان ابن الماحوز حينئذ في سوق الأهواز،فلما عبر

١٤١

عثمان إليهم دجيلا نهضت إليه الخوارج،فقال عثمان لحارثه:ما الخوارج إلا ما أرى،فقال حارثة:حسبك بهؤلاء.قال:لا جرم لا أتغدى حتى أناجزهم،فقال حارثة:إن هؤلاء القوم لا يقاتلون بالتعسف،فأبق على نفسك و جندك،فقال:أبيتم يا أهل العراق إلا جبنا،و أنت يا حارثة،ما علمك بالحرب أنت،و الله بغير هذا أعلم يعرض له بالشراب،و كان حارثة بن بدر صاحب شراب ف،غضب حارثة فاعتزل،و حاربهم عثمان يومه إلى أن غربت الشمس،فأجلت الحرب عنه قتيلا،و انهزم الناس،و أخذ حارثة بن بدر الراية،و صاح بالناس:أنا حارثة بن بدر،فثاب إليه قوم فعبر بهم دجيلا،و بلغ قتل عثمان البصرة،فقال شاعر من بني تميم:

مضى ابن عبيس صابرا غير عاجز

و أعقبنا هذا الحجازي عثمان

فأرعد من قبل اللقاء ابن معمر

و أبرق و البرق اليماني خوان

فضحت قريشا غثها و سمينها

و قيل بنو تيم بن مرة عزلان

فلو لا ابن بدر للعراقين لم يقم

بما قام فيه للعراقين إنسان

إذا قيل من حامي الحقيقة أومأت

إليه معد بالأكف و قحطان

و وصل الخبر إلى عبد الله بن الزبير بمكة،فكتب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر بعزله،و ولى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المعروف بالقباع البصرة،فقدمها فكتب إليه حارثة بن بدر يسأله الولاية و المدد،فأراد توليته،فقال له رجل من بكر بن

١٤٢

وائل:إن حارثة ليس بذلك إنما هو صاحب شراب،و كان حارثة مستهترا بالشراب معاقرا للخمر،و فيه يقول رجل من قومه:

ألم تر أن حارثة بن بدر

يصلي و هو أكفر من حمار

ألم تر أن للفتيان حظا

و حظك في البغايا و العقار

فكتب إليه القباع تكفى حربهم إن شاء الله،فأقام حارثة يدافعهم حتى تفرق أصحابه عنه و بقي في خف منهم فأقام بنهر تيري،فعبرت إليه الخوارج فهرب من تخلف معه من أصحابه،و خرج يركض حتى أتى دجيلا،فجلس في سفينة و اتبعه جماعة من أصحابه،فكانوا معه فيها،و وافاه رجل من بني تميم عليه سلاحه و الخوارج وراءه،و قد توسط حارثة دجيلا فصاح به:يا حارثة ليس مثلي يضيع،فقال للملاح:قرب،فقرب إلى جرف و لا فرضة هناك فطفر بسلاحه في السفينة،فساخت بالقوم جميعا و هلك حارثة.و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني الكبير أن حارثة لما عقدوا له الرئاسة،و سلموا إليه الراية،أمرهم بالثبات و قال لهم:إذا فتح الله عليكم،فللعرب زيادة فريضتين،و للموالي زيادة فريضة و ندب الناس،فالتقوا و ليس بأحد منهم طرق قد فشت فيهم الجراحات،و ما تطأ الخيل إلا على القتلى فبينا هم كذلك إذ أقبل جمع

١٤٣

من الشراة من جهة اليمامة يقول المكثر إنهم مائتان،و المقلل إنهم أربعون فاجتمعوا،و هم مريحون مع أصحابهم،فصاروا كوكبة واحدة،فلما رآهم حارثة بن بدر ركض برايته منهزما،و قال لأصحابه:

كرنبوا و دولبوا

أو حيث شئتم فاذهبوا

و قال:

أير الحمار فريضة لعبيدكم

و الخصيتان فريضة الأعراب

قال:كرنبوا،أي:اطلبوا كرنبى،و هي قرية قريبة من الأهواز،و دولبوا اطلبوا دولاب،و هي ضيعة بينها و بين الأهواز أربعة فراسخ.قال:فتتابع الناس على أثره منهزمين و تبعتهم الخوارج،فألقى الناس أنفسهم في الماء،فغرق منهم بدجيل الأهواز خلق كثير.

الزبير بن علي السليطي و ظهور أمر المهلب

و منهم الزبير بن علي السليطي التميمي،كان على مقدمة ابن الماحوز،و كان ابن الماحوز يخاطب بالخلافة،و يخاطب الزبير بالإمارة،و وصل الزبير بعد هلاك حارثة بن بدر،و هرب أصحابه إلى البصرة فخافه الناس خوفا شديدا،و ضج أهل البصرة إلى الأحنف،فأتى القباع فقال:أصلح الله الأمير إن هذا العدو قد غلبنا على سوادنا و فيئنا،فلم يبق إلا أن يحصرنا في بلدنا حتى نموت هزالا.قال:فسموا إلى رجلا يلي الحرب،فقال الأحنف:لا أرى لها رجلا إلا المهلب بن أبي صفرة،فقال:أو هذا رأي

١٤٤

جميع أهل البصرة اجتمعوا إلي في غد لأنظر،و جاء الزبير حتى نزل على البصرة،و عقد الجسر ليعبر إليها،فخرج أكثر أهل البصرة إليه،و انضم إلى الزبير جميع كور الأهواز،و أهلها رغبة و رهبة،فوافاه البصريون في السفن و على الدواب،فاسودت بهم الأرض فقال الزبير لما رآهم:أبى قومنا إلا كفرا و قطع الجسر،و أقام الخوارج بإزائهم،و اجتمع الناس عند القباع،و خافوا الخوارج خوفا شديدا،و كانوا ثلاث فرق سمى قوم المهلب،و سمى قوم مالك بن مسمع،و سمى قوم زياد بن عمرو بن أشرف العتكي،فاختبر القباع ما عند مالك و زياد،فوجدهما متثاقلين عن الحرب،و عاد إليه من أشار بهما،و قالوا:قد رجعنا عن رأينا ما نرى لها إلا المهلب،فوجه إليه القباع فأتاه فقال له:يا أبا سعيد،قد ترى ما قد رهقنا من هذا العدو،و قد أجمع أهل مصرك عليك،و قال له الأحنف:يا أبا سعيد،أنا و الله ما آثرناك،و لكنا لم نر من يقوم مقامك.ثم قال القباع و أومأ إلى الأحنف:أن هذا الشيخ لم يسمك إلا إيثارا للدين و البقيا،و كل من في مصرك ماد عينه إليك راج أن يكشف الله عنه هذه الغمة بك،فقال المهلب:لا حول و لا قوة إلا بالله،إني عند نفسي لدون ما وصفتم،و لست آبى ما دعوتم إليه،لكن لي شروطا أشترطها.قالوا:قل.قال:على أن أنتخب من أحببت.قال الأحنف:ذاك لك.قال:و لي إمرة كل بلد أغلب عليه.قالوا:لك ذلك.قال:و لي في‏ء كل بلد أظفر به.قال الأحنف:ليس ذاك لك و لا لنا،إنما هو في‏ء للمسلمين،فإن سلبتهم إياه كنت عليهم كعدوهم،و لكن لك أن تعطي أصحابك من في‏ء كل بلد تغلب عليه ما أحببت،و تنفق منه على محاربة عدوك،فما فضل عنكم كان للمسلمين،فقال المهلب:لا حول و لا قوة إلا بالله،فمن لي بذلك.قال الأحنف:نحن و أميرك و جماعة أهل مصرك.قال:قد قبلت،فكتبوا بينهم بذلك كتابا،و وضع على يدي الصلت بن حريث بن جابر الجعفي،و انتخب المهلب من جميع الأخماس،فبلغت نخبته اثني عشر ألفا،و نظروا في بيت المال

١٤٥

فلم يكن إلا مائتي ألف درهم فعجزت،فبعث المهلب إلى التجار،فقال:إن تجاراتكم منذ حول قد فسدت بانقطاع مواد الأهواز و فارس عنكم،فهلموا فبايعوني،و اخرجوا معي أوفكم حقوقكم فبايعوه و تاجروه،فأخذ منهم من المال ما أصلح به عسكره،و اتخذ لأصحابه الخفاتين و الرانات المحشوة بالصوف،ثم نهض و كان أكثر أصحابه رجالة حتى إذا صار بحذاء القوم أمر بسفن،فأصلحت و أحضرت فما ارتفع النهار حتى فرغ منها،ثم أمر الناس بالعبور،و أمر عليهم ابنه المغيرة،فخرج الناس فلما قاربوا الشط خاضت إليهم الخوارج فحاربوهم و حاربهم المغيرة،و نضحهم بالسهام حتى تنحوا و صار هو و أصحابه على الشط،فحاربوا الخوارج فكشفوهم و شغلوهم حتى عقد المهلب الجسر،و عبر و الخوارج منهزمون فنهى الناس عن اتباعهم،ففي ذلك يقول شاعر من الأزد:

إن العراق و أهله لم يخبروا

مثل المهلب في الحروب فسلموا

أمضى و أيمن في اللقاء نقيبة

و أقل تهليلا إذا ما أحجموا

و أبلى مع المغيرة يومئذ عطية بن عمرو العنبري من فرسان تميم و شجعانهم،و من شعر عطية:

يدعى رجال للعطاء و إنما

يدعى عطية للطعان الأجرد

و قال فيه شاعر من بني تميم:

و ما فارس إلا عطية فوقه

إذا الحرب أبدت عن نواجذها الفما

به هزم الله الأزارق بعد ما

أباحوا من المصرين حلا و محرما

فأقام المهلب أربعين ليلة يجبي الخراج بكور دجلة،و الخوارج بنهر تيرى،و الزبير بن علي منفرد بعسكره عن عسكر ابن الماحوز،فقضى المهلب التجار و أعطى أصحابه

١٤٦

فأسرع الناس إليه رغبة في مجاهدة العدو،و طمعا في الغنائم و التجارات،فكان فيمن أتاه محمد بن واسع الأزدي و عبد الله بن رباح و معاوية بن قرة المزني،و كان يقول:لو جاءت الديلم من هاهنا و الحرورية من هاهنا لحاربت الحرورية،و جاءه أبو عمران الجوني،و كان يروى عن كعب أن قتيل الحرورية يفضل قتيل غيرهم بعشرة أبواب.ثم أتى المهلب إلى نهر تيرى فتنحوا عنه إلى الأهواز،و أقام المهلب يجبي ما حواليه من الكور،و قد دس الجواسيس إلى عسكر الخوارج يأتونه بأخبارهم و من في عسكرهم،و إذا حشوه ما بين قصاب و حداد و داعر،فخطب المهلب الناس و ذكر لهم ذلك،و قال:أمثل هؤلاء يغلبونكم على فيئكم و لم يزل مقيما حتى فهمهم،و أحكم أمرهم،و قوى أصحابه،و كثرت الفرسان في عسكره،و تتام أصحابه عشرين ألفا.ثم مضى يؤم كور الأهواز فاستخلف أخاه المعارك بن أبي صفرة على نهر تيرى،و جعل المغيرة على مقدمته،فسار حتى قاربهم فناوشهم و ناوشوه،فانكشف عن المغيرة بعض أصحابه،و ثبت المغيرة نفسه بقية يومه و ليلته يوقد النيران،ثم غاداهم،فإذا القوم قد أوقدوا النيران في بقية متاعهم،و ارتحلوا عن سوق الأهواز،فدخلها المغيرة و قد جاءت أوائل خيل المهلب،فأقام بسوق الأهواز و كتب بذلك إلى الحارث القباع كتابا يقول فيه.أما بعد،فإنا مذ خرجنا نؤم العدو في نعم من فضل الله متصلة علينا،و نقم متتابعة عليهم نقدم و يحجمون و نحل،و يرتحلون إلى أن حللنا سوق الأهواز و الحمد لله رب العالمين،الذي من عنده النصر،و هو العزيز الحكيم

١٤٧

فكتب إليه الحارث هنيئا لك أخا الأزد الشرف في الدنيا و الأجر في الآخرة إن شاء الله.فقال المهلب لأصحابه:ما أجفى أهل الحجاز،أما ترونه عرف اسمي و كنيتي و اسم أبي ؟ قالوا:و كان المهلب يبث الأحراس في الأمن كما يبثهم في الخوف و يذكي العيون في الأمصار كما يذكيها في الصحاري،و يأمر أصحابه بالتحرز و يخوفهم البيات،و إن بعد منه العدو،و يقول:احذروا أن تكادوا كما تكيدون،و لا تقولوا هزمناهم و غلبناهم و القوم خائفون وجلون،فإن الضرورة تفتح باب الحيلة.ثم قام فيهم خطيبا فقال:أيها الناس،قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج،و أنهم إن قدروا عليكم فتنوكم في دينكم و سفكوا دماءكم،فقاتلوهم على ما قاتلهم عليه أولكم علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،لقد لقيهم الصابر المحتسب مسلم بن عبيس و العجل المفرط عثمان بن عبيد الله،و المعصي المخالف حارثة بن بدر فقتلوا جميعا و قتلوا فالقوهم بحد و جد،فإنما هم مهنتكم و عبيدكم و عار عليكم،و نقص في أحسابكم و أديانكم أن يغلبكم هؤلاء على فيئكم و يطئوا حريمكم.ثم سار يريدهم و هم بمناذر الصغرى،فوجه عبيد الله بن بشير بن الماحوز رئيس الخوارج رجلا يقال له:واقد مولى لآل أبي صفرة من سبي الجاهلية في خمسين رجلا،فيهم صالح بن مخراق إلى نهر تيرى و بها المعارك بن أبي صفرة،فقتلوه و صلبوه فنمي

١٤٨

الخبر إلى المهلب فوجه ابنه المغيرة،فدخل نهر تيرى و قد خرج واقد منها،فاستنزل عمه فدفنه،و سكن الناس و استخلف بها و رجع إلى أبيه،و قد نزل بسولاف و الخوارج بها،فواقعهم و جعل على بني تميم الحريش بن هلال،فخرج رجل من أصحاب المهلب يقال له:عبد الرحمن الإسكاف،فجعل يحض الناس و يهون أمر الخوارج،و يختال بين الصفين،فقال رجل من الخوارج لأصحابه:يا معشر المهاجرين،هل لكم في قتلة فيها الجنة ؟ فحمل جماعة منهم على الإسكاف فقاتلهم وحده فارسا،ثم كبا به فرسه فقاتلهم راجلا قائما و باركا،ثم كثرت به الجراحات فذبب بسيفه،ثم جعل يحثو في وجوههم التراب و المهلب غير حاضر فقتل،ثم حضر المهلب فأعلم فقال للحريش و لعطية العنبري:أسلمتما سيد أهل العراق لم تعيناه،و لم تستنقذاه حسدا له ؛ لأنه رجل من الموالي و وبخهما.و حمل رجل من الخوارج على رجل من أصحاب المهلب فقلته،فحمل عليه المهلب فطعنه فقتله،و مال الخوارج بأجمعهم على العسكر،فانهزم الناس و قتل منهم سبعون رجلا،و ثبت المهلب و ابنه المغيرة يومئذ و عرف مكانه.و يقال حاص المهلب يومئذ حيصة،و يقول الأزد بل كان يرد المنهزمة و يحمي أدبارهم و بنو تميم تزعم أنه فر،و قال شاعرهم:

بسولاف أضعت دماء قومي

و طرت على مواشكة درور

و قال آخر من بني تميم:

تبعنا الأعور الكذاب طوعا

يزجي كل أربعة حمارا

١٤٩

فيا ندمى على تركي عطائي

معاينة و أطلبه ضمارا

إذا الرحمن يسر لي قفولا

فحرق في قرى سولاف نارا

قوله الأعور الكذاب،يعني به المهلب كانت عينه عارت بسهم أصابها،و سموه الكذاب ؛ لأنه كان فقيها و كان يتأول ما ورد في الأثر من أن كل كذب يكتب كذبا إلا ثلاثة الكذب في الصلح بين رجلين،و كذب الرجل لامرأته بوعد،و كذب الرجل في الحرب بتوعد و تهدد:

قالوا و جاء عنه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إنما أنت رجل فخذل عنا ما استطعت،و قال:إنما الحرب خدعة فكان المهلب ربما صنع الحديث ليشد به من أمر المسلمين ما ضعف،و يضعف به من أمر الخوارج ما اشتد،و كان حي من الأزد يقال لهم الندب إذا رأوا المهلب رائحا إليهم.قالوا:راح ليكذب و فيه يقول رجل منهم:

أنت الفتى كل الفتى

لو كنت تصدق ما تقول

فبات المهلب في ألفين،فلما أصبح رجع بعض المنهزمة،فصاروا في أربعة آلاف فخطب أصحابه،فقال:و الله ما بكم من قلة و ما ذهب عنكم إلا أهل الجبن و الضعف و الطبع و الطمع،فإن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله،فسيروا إلى عدوكم على بركة الله.فقام إليه الحريش بن هلال فقال:أنشدك الله أيها الأمير أن تقاتلهم إلا أن يقاتلوك،فإن في أصحابك جراحا،و قد أثخنتهم هذه الجولة.فقبل منه و مضى المهلب في عشرة،فأشرف على عسكر الخوارج فلم ير منهم أحدا

١٥٠

يتحرك،فقال له الحريش:ارتحل عن هذا المنزل،فارتحل فعبر دجيلا و صار إلى عاقول لا يؤتى إلا من جهة واحدة،فأقام به و أقام الناس ثلاثا مستريحين.و في يقوم سولاف يقول ابن قيس الرقيات:

ألا طرقت من آل مية طارقه

على أنها معشوقة الدل عاشقه

تراءت و أرض السوس بيني و بينها

و رستاق سولاف حمته الأزارقه

إذا نحن شئنا صادفتنا عصابة

حرورية فيها من الموت بارقه

أجازت عيلنا العسكرين كليهما

فباتت لنا دون اللحاف معانقه

فأقام المهلب في ذلك العاقول ثلاثة أيام،ثم ارتحل و الخوارج بسلى،و سلبرى فنزل قريبا منهم،فقال ابن الماحوز لأصحابه:ما تنتظرون بعدوكم،و قد هزمتموهم بالأمس و كسرتم حدهم،فقال له واقد مولى أبي صفرة:يا أمير المؤمنين،إنما تفرق عنهم أهل الضعف و الجبن،و بقي أهل النجدة و القوة،فإن أصبتهم لم يكن ظفرا هينا ؛ لأني أراهم لا يصابون حتى يصيبوا،و إن غلبوا ذهب الدين،فقال أصحابه:نافق واقد،فقال ابن الماحوز:لا تعجلوا على أخيكم فإنه إنما قال هذا نظرا لكم.ثم وجه الزبير بن علي إلى عسكر المهلب لينظر ما حالهم،فأتاهم في مائتين فحزرهم،و رجع و أمر المهلب أصحابه بالتحارس،حتى إذا أصبح ركب إليهم في تعبئة،فالتقوا بسلى و سلبرى،فتصافوا فخرج من الخوارج مائة فارس فركزوا رماحهم بين الصفين و اتكئوا عليها،و أخرج إليهم المهلب أعدادهم،ففعلوا مثل ما فعلوا لا يرعون إلا الصلاة حتى إذا أمسوا رجع كل قوم إلى معسكرهم،ففعلوا هكذا ثلاثة أيام.

١٥١

ثم إن الخوارج تطاردوا لهم في اليوم الثالث،فحمل عليهم هؤلاء الفرسان فجالوا ساعة،ثم إن رجلا من الخوارج حمل على رجل فطعنه،فحمل عليه المهلب فطعنه،فحمل الخوارج بأجمعهم كما صنعوا يوم سولاف،فضعضعوا الناس و فقد المهلب،و ثبت المغيرة في جمع أكثرهم أهل عمان.ثم نجم المهلب في مائة،و قد انغمس كماه في الدم و على رأسه قلنسوة مربعة فوق المغفر محشوة قزا،و قد تمزقت و إن حشوها ليتطاير و هو يلهث،و ذلك في وقت الظهر،فلم يزل يحاربهم حتى أتى الليل و كثر القتلى في الفريقين،فلما كان الغد غاداهم،و قد كان وجه بالأمس رجلا من طاحية بن سود بن مالك بن فهم من الأزد من ثقاته،و أصحابه يرد المنهزمين،فمر به عامر بن مسمع فرده،فقال:إن الأمير أذن لي في الانصراف،فبعث إلى المهلب فأعلمه،فقال:دعه فلا حاجة لي في مثله من أهل الجبن و الضعف،ثم غاداهم المهلب في ثلاثة آلاف،و قد تفرق عنه أكثر الناس،و قال لأصحابه:ما بكم من قلة،أيعجز أحدكم أن يلقي رمحه ثم يتقدم فيأخذه ؟ ففعل ذلك رجل من كندة و اتبعه قوم،ثم قال المهلب لأصحابه:أعدوا مخالي فيها حجارة و ارموا بها في وقت الغفلة،فإنها تصد الفارس و تصرع الراجل ففعلوا،ثم أمر مناديا ينادي في أصحابه يأمرهم بالجد و الصبر و يطمعهم في العدو،ففعل ذلك حتى مر ببني العدوية من بني مالك بن حنظلة،فنادى فيهم فضربوه فدعا المهلب بسيدهم،و هو معاوية بن عمرو فجعل يركله برجله،فقال:أصلح الله الأمير اعفني من أم كيسان و الأزد تسمى الركبة أم كيسان،ثم حمل المهلب و حملوا و اقتتلوا قتالا شديدا،فجهد الخوارج و نادى مناد منهم:ألا إن المهلب قد قتل

١٥٢

فركب المهلب برذونا وردا،و أقبل يركض بين الصفين،و إن إحدى يديه لفي القباء و ما يشعر لها،و هو يصيح:أنا المهلب،فسكن الناس بعد أن كانوا قد ارتاعوا و ظنوا أن أميرهم قد قتل،و كل الناس مع العصر،فصاح المهلب بابنه المغيرة:تقدم،ففعل و صاح بذكوان مولاه:قدم رايتك،ففعل فقال له رجل من ولده:إنك تغرر بنفسك فزبره و زجره،و صاح:يا بني سلمة،آمركم فتعصونني فتقدم،و تقدم الناس فاجتلدوا أشد جلاد حتى إذا كان مع المساء قتل ابن الماحوز،و انصرف الخوارج و لم يشعر المهلب بقتله،فقال لأصحابه:ابغوا لي رجلا جلدا يطوف في القتلى،فأشاروا عليه برجل من جرم،و قالوا:إنا لم نر قط رجلا أشد منه،فجعل يطوف و معه النيران،فجعل إذا مر بجريح من الخوارج،قال:كافر و رب الكعبة فأجهز عليه،و إذا مر بجريح من المسلمين أمر بسقيه و حمله،و أقام المهلب يأمرهم بالاحتراس،حتى إذا كان في نصف الليل وجه رجلا من اليحمد في عشرة،فصاروا إلى عسكر الخوارج،فإذا هم قد تحملوا إلى أرجان،فرجع إلى المهلب فأعلمه،فقال لهم:أنا الساعة أشد خوفا احذروا البيات.و يروى عن شعبة بن الحجاج أن المهلب قال لأصحابه يوما:إن هؤلاء الخوارج قد يئسوا من ناحيتكم إلا من جهة البيات،فإن يكن ذلك فاجعلوا شعاركم حم لا ينصرون،فإن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )كان يأمر بها.و يروى أنه كان شعار أصحاب علي بن أبي طالب(عليه‌السلام ).فلما أصبح القوم غدوا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز قتيلا،ففي ذلك يقول رجل من الخوارج:

١٥٣

بسلى و سلبرى مصارع فتية

كرام و عقرى من كميت و من ورد

و قال آخر:

بسلى و سلبرى جماجم فتية

كرام و صرعى لم توسد خدودها

و قال رجل من موالي المهلب:لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة رميت به رجلا فصرعته،ثم رميت به رجلا فأصبت به أصل أذنه فصرعته،ثم أخذت الحجر و صرعت به ثالثا،و في ذلك يقول رجل من الخوارج:

أتانا بأحجار ليقتلنا بها

و هل يقتل الأبطال ويحك بالحجر

و قال رجل من أصحاب المهلب في يوم سلى و سلبرى،و قتل ابن الماحوز:

و يوم سلى و سلبرى أحاط بهم

منا صواعق لا تبقي و لا تذر

حتى تركنا عبيد الله منجدلا

كما تجدل جذع مال منقعر

و يروى أن رجلا من الخوارج يوم سلى حمل على رجل من أصحاب المهلب فطعنه،فلما خالطه الرمح صاح:يا أمتاه،فصاح به المهلب لا كثر الله منك في المسلمين،فضحك الخارجي و قال:

أمك خير لك مني صاحبا

تسقيك محضا و تعل رائبا

و كان المغيرة بن المهلب إذا نظر إلى الرماح،قد تشاجرت في وجهه نكس على

١٥٤

قربوس السرج،و حمل من تحتها فبرأها بسيفه،و أثر في أصحابها فتحوميت الميمنة من أجله،و كان أشد ما تكون الحرب استعارا أشد ما يكون تبسما،و كان المهلب يقول:ما شهد معي حربا قط إلا رأيت البشرى في وجهه.و قال رجل من الخوارج في هذا اليوم:

فإن تك قتلى يوم سلى تتابعت

فكم غادرت أسيافنا من قماقم

غداة نكر المشرقية فيهم

بسولاف يوم المأزق المتلاحم

فكتب المهلب إلى الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة القباع:أما بعد،فإنا لقينا الأزارقة المارقة بحد،و جد فكانت في الناس جولة،ثم ثاب أهل الحفاظ و الصبر بنيات صادقة و أبدان شداد و سيوف حداد فأعقب الله خير عاقبة،و جاوز بالنعمة مقدار الأمل فصاروا دريئة رماحنا،و ضرائب سيوفنا و قتل الله أميرهم ابن الماحوز،و أرجو أن يكون آخر هذه النعمة كأولها و السلام.فكتب إليه القباع:قد قرأت كتابك يا أخا الأزد،فرأيتك قد وهب لك شرف الدنيا و عزها،و ذخر لك إن شاء الله ثواب الآخرة و أجرها،و رأيتك أوثق حصون المسلمين،و هاد

١٥٥

أركان المشركين و ذا الرئاسة و أخا السياسة،فاستدم الله بشكره يتمم عليكم نعمه و السلام.و كتب إليه أهل البصرة يهنئونه،و لم يكتب إليه الأحنف و لكن قال:اقرءوا،و قولوا:إنا لك على ما فارقتك عليه،فلم يزل يقرأ الكتب و ينظر في تضاعيفها،و يلتمس كتاب الأحنف فلا يراه،فلما لم يره قال لأصحابه:أما كتب أبو بحر،فقال له الرسول:إنه حملني إليك رسالة فأبلغه،فقال:هذا أحب إلي من هذه الكتب.و اجتمعت الخوارج بأرجان،فبايعوا الزبير بن علي،و هو من بني سليط بن يربوع من رهط ابن الماحوز،فرأى فيهم انكسارا شديدا و ضعفا بينا،فقال لهم:اجتمعوا،فاجتمعوا،فحمد الله و أثنى عليه،و صلى على محمد رسوله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،ثم أقبل عليهم،فقال:إن البلاء للمؤمنين تمحيص و أجر،و هو على الكافرين عقوبة و خزي،و إن يصب منكم أمير المؤمنين ف،ما صار إليه خير مما خلف،و قد أصبتم منهم مسلم بن عبيس،و ربيعا الأجذم،و الحجاج بن رباب،و حارثة بن بدر،و أشجيتم المهلب،و قتلتم أخاه المعارك،و الله يقول لإخوانكم المؤمنين:( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ اَلْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ اَلْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ اَلنَّاسِ ) ،فيوم سلى كان لكم بلاء و تمحيصا،و يوم سولاف كان لهم عقوبة و نكالا،فلا تغلبن علي الشكر في حينه و الصبر في وقته،و ثقوا بأنكم المستخلفون في الأرض و العاقبة للمتقين.ثم تحمل للمحاربة نحو المهلب،فنفحهم المهلب نفحة فرجعوا و أكمنوا للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه،فسار المهلب

١٥٦

يوما يطيف بعسكره و يتفقد سواده،فوقف على جبل،فقال إن من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمينا،فبعث المهلب عشرة فوارس فاطلعوا على المائة،فلما علموا بهم قطعوا القنطرة و نجوا و انكشفت الشمس فصاحوا:يا أعداء الله،لو قامت القيامة لجددنا و نحن في جهادكم.ثم يئس الزبير من ناحية المهلب،فضرب إلى ناحية أصبهان،ثم كر راجعا إلى أرجان،و قد جمع جموعا و كان المهلب،يقول:كأني بالزبير و قد جمع لكم،فلا ترهبوهم فتنخب قلوبكم و لا تغفلوا الاحتراس فيطمعوا فيكم فجاءوه من أرجان فلقوه مستعدا آخذا بأفواه الطرق،فحاربهم فظهر عليهم ظهورا بينا،ففي ذلك يقول رجل من بني يربوع:

سقى الله المهلب كل غيث

من الوسمي ينتحر انتحارا

فما وهن المهلب يوم جاءت

عوابس خيلهم تبغي الغوارا

و قال المهلب يومئذ:ما وقفت في مضيق من الحرب إلا رأيت أمامي رجالا من بني الهجيم بن عمرو بن تميم يجالدون،و كان لحاهم أذناب العقاعق،و كانوا صبروا معه في غير مواطن.و قال رجل من أصحاب المهلب من بني تميم:

١٥٧

ألا يا من لصب مستهام

قريح القلب قد مل المزونا

لهان على المهلب ما لقينا

إذا ما راح مسرورا بطينا

يجر السابري و نحن شعث

كأن جلودنا كسيت طحينا

و حمل يومئذ الحارث بن هلال على قيس الإكاف،و كان من أنجد فرسان:الخوارج فطعنه فدق صلبه و قال:

قيس الإكاف غداة الروع يعلمني

ثبت المقام إذا لاقيت أقراني

و قد كان بعض جيش المهلب يوم سلى و سلبرى صاروا إلى البصرة،فذكروا أن المهلب قد أصيب،فهم أهل البصرة بالنقلة إلى البادية حتى ورد كتابه بظفره،فأقام الناس و تراجع من كان ذهب منهم،فعند ذلك قال الأحنف:البصرة بصرة المهلب،و قدم رجل من كندة يعرف بابن أرقم،فنعى ابن عم له،و قال إني رأيت رجلا من الخوارج،و قد مكن رمحه من صلبه،فلم ينشب أن قدم المنعي سالما،فقيل له ذلك،فقال صدق ابن أرقم:لما أحسست برمحه بين كتفي صحت به البقية فرفعه و تلا:( بَقِيَّتُ اَللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ،و وجه المهلب بعقب هذه الوقعة رجلا من الأزد برأس عبيد الله بن بشير بن الماحوز إلى الحارث بن عبد الله،فلما صار بكربج دينار لقيته إخوة عبيد الله حبيب،و عبد الملك و علي بنو بشير بن الماحوز

١٥٨

فقالوا:ما الخبر و هو لا يعرفهم ؟ فقال:قتل الله ابن الماحوز المارق،و هذا رأسه معي فوثبوا عليه،فقتلوه و صلبوه،و دفنوا رأس أخيهم عبيد الله،فلما ولي الحجاج دخل عليه علي بن بشير،و كان وسيما جسيما،فقال:من هذا فخبره فقتله،و وهب ابنه الأزهر،و ابنته لأهل الأزدي المقتول،و كانت زينب بنت بشير لهم مواصلة فوهبوهما لها.قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل:و لم يزل المهلب يقاتل الخوارج في ولاية الحارث القباع حتى عزل،و ولي مصعب بن الزبير،فكتب إلى المهلب أن أقدم علي و استخلف ابنك المغيرة،ففعل بعد أن جمع الناس،و قال لهم:إني قد استخلفت المغيرة عليكم و هو أبو صغيركم رقة و رحمة،و ابن كبيركم طاعة و برا و تبجيلا و أخو مثله مواساة و مناصحة،فلتحسن له طاعتكم،و ليلن له جانبكم،فو الله ما أردت صوابا قط إلا سبقني إليه.ثم مضى إلى مصعب،فكتب مصعب إلى المغيرة بولايته،و كتب إليه أنك إن لم تكن كأبيك،فإنك كاف لما وليت فشمر و ائتزر و جد و اجتهد.ثم شخص المصعب إلى المزار فقتل أحمر بن شميط،ثم أتى الكوفة فقتل المختار،و قال للمهلب:أشر علي برجل أجعله بيني و بين عبد الملك،فقال له:اذكر واحدا من ثلاثة محمد بن عمير بن عطارد الدارمي أو زياد بن عمرو بن الأشرف العتكي أو داود بن قحذم.قال:أو تكفيني أنت ؟ قال:أكفيك إن شاء الله،فشخص فولاه الموصل فخرج إليها،و صار مصعب إلى البصرة لينفر إلى أخيه بمكة،فشاور الناس فيمن يستكفيه

١٥٩

أمر الخوارج،فقال:قوم ول عبد الله بن أبي بكرة،و قال:قوم ول عمر بن عبيد الله بن معمر،و قال:قوم ليس لهم إلا المهلب،فاردده إليهم و بلغت المشورة الخوارج،فأداروا الأمر بينهم،فقال قطري بن الفجاءة المازني و لم يكن أمروه عليهم بعد إن جاءكم عبد الله بن أبي بكرة أتاكم سيد سمح كريم جواد مضيع لعسكره،و إن جاءكم عمر بن عبيد الله أتاكم فارس شجاع بطل جاد يقاتل لدينه،و لملكه و بطبيعة،لم أر مثلها لأحد،فقد شهدته في وقائع فما نودي في القوم لحرب إلا كان أول فارس حتى يشد على قرنه و يضربه و إن رد المهلب،فهو من قد عرفتموه إذا أخذتم بطرف ثوب أخذ بطرفه الآخر يمده إذا أرسلتموه و يرسله إذا مددتموه لا يبدؤكم،إلا أن تبدءوه إلا أن يرى فرصة فينتهزها،فهو الليث المبر و الثعلب الرواغ و البلاء المقيم.فولى مصعب عليهم عمر بن عبيد الله بن معمر ولاه فارس و الخوارج بأرجان يومئذ،و عليهم الزبير بن علي السليطي فشخص إليهم فقاتلهم،و ألح عليهم حتى أخرجهم منها،فألحقهم بأصبهان،فلما بلغ المهلب أن مصعبا ولى حرب الخوارج عمر بن عبيد الله.قال:رماهم بفارس العرب و فتاها فجمع الخوارج له و أعدوا و استعدوا،ثم أتوا سابور،فسار إليهم حتى نزل منهم على أربعة فراسخ،فقال له مالك بن أبي حسان الأزدي:إن المهلب كان يذكي العيون،و يخاف البيات و يرتقب الغفلة،و هو على أبعد من هذه المسافة منهم.فقال عمر:اسكت خلع الله قلبك،أتراك تموت قبل أجلك ؟ و أقام هناك،فلما كان ذات ليلة بيته الخوارج،فخرج إليهم فحاربهم حتى أصبح فلم يظفروا منه بشي‏ء،فأقبل على مالك بن أبي حسان،فقال:كيف رأيت ؟ فقال:قد سلم الله و لم يكونوا

١٦٠