كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 280
المشاهدات: 37353
تحميل: 6864


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37353 / تحميل: 6864
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

المسلمين ندعوك إلى أفضل الناس سابقة و أحسنهم في الإسلام آثارا،و قد اجتمع إليه الناس،و قد أرشدهم الله بالذي رأوا و أتوا،فلم يبق أحد غيرك و غير من معك،فانته يا معاوية،من قبل أن يصيبك الله و أصحابك بمثل يوم الجمل.فقال له معاوية:كأنك إنما جئت مهددا،و لم تأت مصلحا هيهات يا عدي،إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان،أما و الله إنك من المجلبين على عثمان،و إنك لمن قتلته،و إني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله.فقال له شبث بن ربعي و زياد بن خصفة،و تنازعا كلاما واحدا:أتيناك فيما يصلحنا و إياك،فأقبلت تضرب لنا الأمثال دع ما لا ينفع من القول و الفعل،و أجبنا فيما يعمنا و إياك نفعه.و تكلم يزيد بن قيس الأرحبي،فقال:إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك و لنؤدي عنك ما سمعنا منك،و لم ندع أن ننصح لك،و أن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة أو أنه راجع بك إلى الألفة و الجماعة إن صاحبنا من قد عرفت،و عرف المسلمون فضله،و لا أظنه يخفى عليك إن أهل الدين و الفضل لا يعدلونك بعلي و لا يميلون بينك و بينه،فاتق الله يا معاوية،و لا تخالف عليا،فإنا و الله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى،و لا أزهد في الدنيا،و لا أجمع لخصال الخير كلها منه.فحمد الله معاوية و أثنى عليه و قال:أما بعد،فإنكم دعوتم إلى الجماعة و الطاعة،فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي،و أما الطاعة لصاحبكم،فإنا لا نراها إن صاحبكم قتل خليفتنا،و فرق جماعتنا و آوى ثأرنا و قتلتنا و صاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن

٢١

لا نرد ذلك عليه،أرأيتم قتلة صاحبنا ؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به و نحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة ؟ فقال له شبث بن ربعي:أيسرك بالله يا معاوية،إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته ؟ قال:و ما يمنعني من ذلك،و الله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما قتلته بعثمان،و لكني كنت أقتله بنائل مولى عثمان.فقال شبث:و إله السماء ما عدلت معدلا و لا،و الذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال،و تضيق الأرض الفضاء عليك برحبها.فقال معاوية:إنه إذا كان ذلك كانت عليك أضيق.ثم رجع القوم عن معاوية،فبعث إلى زياد بن خصفة من بينهم،فأدخل عليه فحمد معاوية الله و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،يا أخا ربيعة،فإن عليا قطع أرحامنا و قتل إمامنا،و آوى قتلة صاحبنا،و إني أسألك النصرة بأسرتك و عشيرتك،و لك علي عهد الله و ميثاقه إذا ظهرت أن أوليك،أي:المصرين أحببت.قال أبو المجاهد:فسمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث.قال:فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله و أثنيت عليه،ثم قلت:أما بعد،فإني لعلى بينة من ربي و بما أنعم علي،فلن أكون ظهيرا للمجرمين،ثم قمت.فقال معاوية لعمرو بن العاص:و كان إلى جانبه ما لهم عضبهم الله ما قلبهم إلا قلب رجل واحد.قال نصر:و حدثنا سليمان بن أبي راشد،عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود

٢٢

قال:بعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهري إلى علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و بعث معه شرحبيل بن السمط،و معن بن يزيد بن الأخنس السلمي،فدخلوا على علي(عليه‌السلام )،فتكلم حبيب بن مسلمة،فحمد الله و أثنى عليه و قال:أما بعد،فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله،و يثيب إلى أمر الله،فاستسقلتم حياته و استبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه،فادفع إلينا قتلة عثمان نقتلهم به،فإن قلت:إنك لم تقتله،فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم.فقال له علي:و ما أنت لا أم لك و الولاية و العزل و الدخول في هذا الأمر،اسكت فإنك لست هناك و لا بأهل لذاك،فقام حبيب بن مسلمة و قال:أما و الله لتريني حيث تكره،فقال له(عليه‌السلام ):و ما أنت و لو أجلبت بخيلك و رجلك،اذهب فصوب و صعد ما بدا لك فلا أبقى الله عليك إن أبقيت.فقال شرحبيل بن السمط:إن كلمتك فلعمري ما كلامي لك إلا نحو كلام صاحبي،فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به،فقال:نعم.قال:فقله،فحمد الله علي(عليه‌السلام )و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،فإن الله سبحانه بعث محمدا(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فأنقذ به من الضلالة و نعش به من الهلكة،و جمع به بعد الفرقة،ثم قبضه الله إليه و قد أدى ما عليه فاستخلف الناس أبا بكر،ثم استخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة و عدلا في الأمة و وجدنا

٢٣

عليهما أن توليا الأمر دوننا،و نحن آل الرسول و أحق بالأمر،فغفرنا ذلك لهما،ثم ولي أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه،فسار إليه ناس فقتلوه،ثم أتاني الناس و أنا معتزل أمرهم،فقالوا لي:بايع،فأبيت عليهم،فقالوا لي:بايع،فإن الأمة لا ترضى إلا بك،و إنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس،فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعا،و خلاف معاوية إياي الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين و لا سلف صدق في الإسلام،طليق ابن طليق،و حزب من الأحزاب،لم يزل لله و لرسوله و للمسلمين عدوا هو و أبوه،حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين،فيا عجبا لكم و لإجلابكم معه و انقيادكم له،و تدعون آل بيت نبيكم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم،و لا خلافهم و لا تعدلوا بهم أحدا من الناس إني أدعوكم إلى كتاب ربكم،و سنة نبيكم،و إماتة الباطل و إحياء معالم الدين أقول قولي هذا و أستغفر الله لنا،و لكل مؤمن و مؤمنة و مسلم و مسلمة،فقال له شرحبيل،و معن بن يزيد:أتشهد أن عثمان قتل مظلوما ؟ فقال لهما:إني لا أقول ذلك.قالا:فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن برآء منه،ثم قاما فانصرفا.

فقال علي(عليه‌السلام ):( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ اَلْمَوْتى‏ وَ لا تُسْمِعُ اَلصُّمَّ اَلدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَ ما أَنْتَ بِهادِي اَلْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ) ،ثم أقبل على أصحابه،فقال:لا يكن هؤلاء في ضلالتهم بأولى بالجد منكم في حقكم و طاعة إمامكم،ثم مكث الناس متوادعين إلى انسلاخ المحرم،فلما انسلخ المحرم،و استقبل الناس صفرا من سنة سبع و ثلاثين بعث علي(عليه‌السلام )نفرا من أصحابه،حتى إذا كانوا

٢٤

من معسكر معاوية،بحيث يسمعونهم الصوت،قام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس:يا أهل الشام،إن أمير المؤمنين عليا و أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقولون لكم:إنا لم نكف عنكم شكا في أمركم،و لا إبقاء عليكم،و إنما كففنا عنكم لخروج المحرم و قد انسلخ،و إنا قد نبذنا إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين.قال:فتحاجز الناس و ثاروا إلى أمرائهم.قال نصر:فأما رواية عمرو بن شمر،عن جابر،عن أبي الزبير،أن نداء مرثد بن الحارث الجشمي كانت صورته:يا أهل الشام،ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد استدمتكم و استأنيت بكم لتراجعوا الحق و تثوبوا إليه،و احتججت عليكم بكتاب الله،و دعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان،و لم تجيبوا إلى حق،و إني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين.قال:فثار الناس إلى أمرائهم و رؤسائهم.قال نصر:و خرج معاوية و عمرو بن العاص يكتبان الكتائب و يعبيان العساكر،و أوقدوا النيران،و جاءوا بالشموع،و بات علي(عليه‌السلام )تلك الليلة كلها يعبئ الناس،و يكتب الكتائب،و يدور في الناس و يحرضهم.

قال نصر:حدثنا عمر بن سعد بإسناده،عن عبد الله بن جندب،عن أبيه:أن عليا(عليه‌السلام )كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه،فيقول:

٢٥

لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم،فهي حجة أخرى لكم عليهم،فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا،و لا تجهزوا على جريح،و لا تكشفوا عورة،و لا تمثلوا بقتيل،فإذا وصلتم إلى رحال القوم،فلا تهتكوا سترا،و لا تدخلوا دارا إلا بإذن،و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم،و لا تهيجوا امرأة،و إن شتمن أعراضكم و تناولن أمراءكم و صلحاءكم،فإنهن ضعاف القوى و الأنفس و العقول،و لقد كنا و إنا لنؤمر بالكف عنهن،و هن مشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد،فيعير بها عقبه من بعده.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،عن إسماعيل بن يزيد،يعني ابن أبي خالد،عن أبي صادق:أن عليا(عليه‌السلام )حرض الناس في حروبه،فقال عباد الله اتقوا الله،و غضوا أبصاركم،و اخفضوا الأصوات،و أقلوا الكلام،و وطنوا أنفسكم على المنازلة،و المجاولة،و المبارزة،و المعانقة،و( فَاثْبُتُوا وَ اُذْكُرُوا اَللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اِصْبِرُوا إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلصَّابِرِينَ ) ،اللهم ألهمهم الصبر،و أنزل عليهم النصر،و أعظم لهم الأجر.قال نصر:و كان ترتيب عسكر علي(عليه‌السلام )بموجب ما رواه لنا عمرو بن شمر،عن جابر،عن محمد بن علي،و زيد بن حسن،و محمد بن عبد المطلب:أنه جعل على الخيل عمار بن ياسر،و على الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي،و دفع اللواء

٢٦

إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري،و جعل على الميمنة الأشعث بن قيس،و على الميسرة عبد الله بن العباس،و جعل على رجالة الميمنة سليمان بن صرد الخزاعي،و على رجالة الميسرة الحارث بن مرة العبدي،و جعل القلب مضر الكوفة و البصرة،و جعل على ميمنة القلب اليمن و على ميسرته ربيعة،و عقد ألوية القبائل فأعطاها قوما منهم بأعيانهم،و جعلهم رؤساءهم و أمراءهم،و جعل على قريش و أسد و كنانة عبد الله بن عباس،و على كندة حجر بن عدي الكندي،و على بكر البصرة الحصين بن المنذر الرقاشي،و على تميم البصرة الأحنف بن قيس،و على خزاعة عمرو بن الحمق،و على بكر الكوفة نعيم بن هبيرة،و على سعد البصرة و ربابها جارية بن قدامة السعدي،و على بجيلة رفاعة بن شداد،و على ذهل الكوفة رويما الشيباني أو يزيد بن رويم،و على عمرو البصرة و حنظلتها أعين بن ضبيعة،و على قضاعة و طيئ عدي بن حاتم الطائي،و على لهازم الكوفة عبد الله بن حجل العجلي،و على تميم الكوفة عمير بن عطارد،و على الأزد و اليمن جندب بن زهير،و على ذهل البصرة خالد بن المعمر السدوسي،و على عمرو الكوفة و حنظلتها شبث بن ربعي،و على همدان سعيد بن قيس،و على لهازم البصرة حريث بن جابر الجعفي،و على سعد الكوفة و ربابها الطفيل أبا صريمة،و على مذحج الأشتر بن الحارث النخعي،و على عبد القيس الكوفة صعصعة بن صوحان،و على عبد القيس البصرة عمرو بن حنظلة،و على قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل البكائي،و على قريش البصرة الحارث بن نوفل الهاشمي،و على قيس البصرة قبيصة بن شداد الهلالي،و على اللفيف من القواصي القاسم بن حنظلة الجهني.و أما معاوية فاستعمل على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب،و على الرجالة مسلم بن عقبة المري،و جعل على الميمنة عبد الله بن عمرو بن العاص،و على الميسرة حبيب

٢٧

بن مسلمة الفهري،و أعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد،و جعل على أهل دمشق و هم القلب الضحاك بن قيس الفهري،و على أهل حمص و هم الميمنة ذا الكلاع الحميري،و على أهل قنسرين و هم في الميمنة أيضا زفر بن الحارث الكلابي،و على أهل الأردن و هم الميسرة سفيان بن عمرو أبا الأعور السلمي،و على أهل فلسطين و هم في الميسرة أيضا مسلمة بن مخلد،و على رجالة أهل دمشق بسر بن أبي أرطاة العامري بن لؤي بن غالب،و على رجالة أهل حمص حوشبا ذا ظليم،و على رجالة قيس طريف بن حابس الألهاني،و على رجالة الأردن عبد الرحمن بن قيس القيني،و على رجالة أهل فلسطين الحارث بن خالد الأزدي،و على رجالة قيس دمشق همام بن قبيصة،و على قضاعة حمص و إيادها بلال بن أبي هبيرة الأزدي و حاتم بن المعتمر الباهلي،و على رجالة الميمنة حابس بن سعيد الطائي و على قضاعة دمشق حسان بن بحدل الكلبي،و على قضاعة عباد بن يزيد الكلبي،و على كندة دمشق حسان بن حوي السكسكي،و على كندة حمص يزيد بن هبيرة السكوني،و على سائر اليمن يزيد بن أسد البجلي،و على حمير و حضرموت اليمان بن غفير،و على قضاعة الأردن حبيش بن دلجة القيني،و على كنانة فلسطين شريكا الكناني،و على مذحج الأردن المخارق بن الحارث الزبيدي،و على جذام فلسطين و لخمها ناتل بن قيس الجذامي،و على همدان الأردن حمزة بن مالك الهمداني،و على الخثعم حمل بن عبد الله الخثعمي،و على غسان الأردن يزيد بن الحارث،و على جميع القواصي القعقاع بن أبرهة الكلاعي أصيب في المبارزة أول يوم تراءت فيه الفئتان.قال نصر:فأما رواية الشعبي التي رواها عنه إسماعيل بن أبي عميرة،فإن عليا

٢٨

(عليه‌السلام )بعث على ميمنته عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي،و على ميسرته عبد الله بن العباس،و على خيل الكوفة الأشتر،و على البصرة سهل بن حنيف،و على رجالة الكوفة عمار بن ياسر،و على رجالة أهل البصرة قيس بن سعد كان قد أقبل من مصر إلى صفين،و جعل معه هاشم بن عتبة،و جعل مسعود بن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة،و أما قراء أهل الكوفة فصاروا إلى عبد الله بن بديل و عمار بن ياسر.قال نصر:و أما ترتيب عسكر الشام فيما رواه لنا عمر بن سعد،عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر،عن القاسم مولى يزيد بن معاوية،فإن معاوية بعث على ميمنته ذا الكلاع،و على ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري،و على مقدمته من يوم أقبل من دمشق أبا الأعور السلمي،و كان على خيل دمشق كلها عمرو بن العاص،و معه خيول أهل الشام بأسرها،و جعل مسلم بن عقبة المري على رجالة دمشق،و الضحاك بن قيس على سائر الرجالة بعد.قال نصر و تبايع رجال من أهل الشام على الموت،و تحالفوا عليه و عقلوا أنفسهم بالعمائم،و كانوا صفوفا خمسة معقلين كانوا يخرجون،فيصطفون أحد عشر صفا،و يخرج أهل العراق فيصطفون أحد عشر صفا أيضا.قال نصر:فخرجوا أول يوم من صفر من سنة سبع و ثلاثين،و هو يوم الأربعاء فاقتتلوا و على من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر،و على أهل الشام حبيب بن مسلمة

٢٩

فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار،ثم تراجعوا و قد انتصف بعضهم من بعض،ثم خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل،و رجال حسن عددها و عدتها،فخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي،فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل،و الرجال على الرجال.ثم انصرفوا و قد صبر القوم بعضهم لبعض و خرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر،و خرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد قتال كان،و جعل عمار يقول:يا أهل الشام،أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله و رسوله،و جاهدهما،و بغى على المسلمين و ظاهر المشركين،فلما أراد الله أن يظهر دينه،و ينصر رسوله أتى إلى النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فأسلم،و هو و الله فيما يرى راهب غير راغب،ثم قبض الله رسوله و إنا و الله لنعرفه بعداوة المسلم،و مودة المجرم ألا و إنه معاوية فقاتلوه و العنوه،فإنه ممن يطفئ نور الله و يظاهر أعداء الله.قال:و كان مع عمار زياد بن النضر على الخيل،فأمره أن يحمل في الخيل فحمل،فصبروا له و شد عمار في الرجالة،فأزال عمرو بن العاص عن موقفه،و بارز يومئذ زياد بن النضر أخا له من بني عامر يعرف بمعاوية بن عمرو العقيلي،و أمهما هند الزبيدية فانصرف كل واحد منهما عن صاحبه بعد المبارزة سالما،و رجع الناس يومهم ذلك.قال نصر:و حدثني أبو عبد الرحمن المسعودي،قال:حدثني يونس بن الأرقم عمن حدثه من شيوخ بكر بن وائل،قال:كنا مع علي(عليه‌السلام )بصفين،فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح،فقال:ناس هذا لواء عقده له رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى علي(عليه‌السلام )،فقال:

٣٠

أتدرون ما أمر هذا اللواء إن عدو الله عمرا أخرج له رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )هذه الشقة ؟ فقال:من يأخذها بما فيها:فقال عمرو:و ما فيها يا رسول الله ؟ قال:فيها ألا تقاتل بها مسلما،و لا تقربها من كافر فأخذها،فقد و الله قربها من المشركين و قاتل بها اليوم المسلمين،و الذي فلق الحبة،و برأ النسمة ما أسلموا،و لكنهم استسلموا و أسروا الكفر،فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه.

و روى نصر،عن أبي عبد الرحمن المسعودي،عن يونس بن الأرقم،عن عوف بن عبد الله،عن عمرو بن هند البجلي،عن أبيه قال:لما نظر علي(عليه‌السلام )إلى رايات معاوية و أهل الشام قال:و الذي فلق الحبة و برأ النسمة،ما أسلموا و لكن استسلموا و أسروا الكفر،فلما وجدوا عليه أعوانا رجعوا إلى عداوتهم لنا إلا أنهم لم يتركوا الصلاة.

و روى نصر،عن عبد العزيز بن سياه،عن حبيب بن أبي ثابت قال:لما كان قتال صفين،قال رجل لعمار:يا أبا اليقظان،ألم يقل رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قاتلوا الناس حتى يسلموا،فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم و أموالهم ؟ قال:بلى و لكن و الله ما أسلموا،و لكن استسلموا و أسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.و روى نصر،عن عبد العزيز،عن حبيب بن أبي ثابت،عن منذر الثوري قال:قال محمد بن الحنفية لما أتاهم رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )من أعلى الوادي و من أسفله

٣١

و ملأ الأودية كتائب يعني يوم فتح مكة استسلموا حتى وجدوا أعوانا.

و روى نصر،عن الحكم بن ظهير،عن إسماعيل،عن الحسن قال:و حدثنا الحكم أيضا،عن عاصم بن أبي النجود،عن زر بن حبيش،عن عبد الله بن مسعود قال:قال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):(إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه)،فقال الحسن:فو الله ما فعلوا و لا أفلحوا.

٣٢

55.و من كلام له(عليه‌السلام )

(وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلاَّ إِيمَاناً وَ تَسْلِيماً وَ مُضِيّاً عَلَى اَللَّقْمِ وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ اَلْأَلَمِ وَ جِدّاً فِي جِهَادِ اَلْعَدُوِّ وَ لَقَدْ كَانَ اَلرَّجُلُ مِنَّا وَ اَلآْخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ اَلْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ اَلْمَنُونِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَأَى اَللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا اَلْكَبْتَ وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا اَلنَّصْرَ حَتَّى اِسْتَقَرَّ اَلْإِسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَ مُتَبَوِّئاً [ مُبَوِّياً ] أَوْطَانَهُ وَ لَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَ لاَ اِخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَ لَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً)،لقم الطريق الجادة الواضحة منها،و المضض لذع الألم و برحاؤه،و التصاول أن يحمل كل واحد من القرنين على صاحبه،و التخالس التسالب و الانتهاب و الكبت الإذلال،و جران البعير مقدم عنقه و تبوأت المنزل نزلته،و يقال لمن أسرف في الأمر لتحتلبن دما،و أصله الناقة يفرط في حلبها،فيحلب الحالب الدم.

٣٣

و هذه ألفاظ مجازية من باب الاستعارة و هي.قوله:استقر الإسلام ملقيا جرانه،أي:ثابتا متمكنا،كالبعير يلقي جرانه على الأرض.و قوله:متبوئا أوطانه جعله،كالجسم المستقر في وطنه و مكانه.و قوله:ما قام للدين عمود جعله كالبيت القائم على العمد.و قوله:و لا اخضر للإيمان عود جعله،كالشجرة ذات الفروع و الأغصان.فأما قتلهم الأقارب في ذات الله،فكثير قتل علي(عليه‌السلام )الجم الغفير من بني عبد مناف،و بني عبد الدار في يوم بدر،و أحد،و هم عشيرته و بنو عمه،و قتل عمر بن الخطاب يوم بدر خاله العاص بن هشام بن المغيرة،و قتل حمزة بن عبد المطلب شيبة بن ربيعة يوم بدر،و هو ابن عمه ؛ لأنهما ابنا عبد مناف،و مثل ذلك كثير مذكور في كتب السيرة.و أما كون الرجل منهم و قرنه يتصاولان و يتخالسان،فإن الحال كذلك كانت بارز علي(عليه‌السلام )الوليد بن عتبة،و بارز طلحة بن أبي طلحة،و بارز عمرو بن عبد ود،و قتل هؤلاء الأقران مبارزة و بارز كثيرا من الأبطال غيرهم و قتلهم،و بارز جماعة من شجعان الصحابة جماعة من المشركين،فمنهم من قتل و منهم من قتل،و كتب المغازي تتضمن تفصيل ذلك.

فتنة عبد الله بن الحضرمي بالبصرة

و هذا الكلام قاله أمير المؤمنين(عليه‌السلام )في قصة ابن الحضرمي،حيث قدم البصرة من قبل معاوية،و استنهض أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أصحابه إلى البصرة فتقاعدوا.قال أبو إسحاق إبراهيم،بن محمد،بن سعيد،بن هلال الثقفي في كتاب الغارات،

٣٤

حدثنا محمد بن يوسف،قال:حدثنا الحسن بن علي الزعفراني،عن محمد بن عبد الله بن عثمان،عن ابن أبي سيف،عن يزيد بن حارثة الأزدي،عن عمرو بن محصن:أن معاوية لما أصاب محمد بن أبي بكر بمصر،و ظهر عليها دعا عبد الله بن عامر الحضرمي،فقال له:سر إلى البصرة،فإن جل أهلها يرون رأينا في عثمان،و يعظمون قتله،و قد قتلوا في الطلب بدمه فهم موتورون حنقون لما أصابهم ودوا لو يجدون من يدعوهم،و يجمعهم و ينهض بهم في الطلب بدم عثمان،و احذر ربيعة و انزل في مضر و تودد الأزد،فإن الأزد كلها معك إلا قليلا منهم،و إنهم إن شاء الله غير مخالفيك.فقال عبد الله بن الحضرمي له:إنا سهم في كنانتك،و أنا من قد جربت،و عدو أهل حربك و ظهيرك على قتلة عثمان،فوجهني إليهم متى شئت،فقال:اخرج غدا إن شاء الله فودعه و خرج من عنده.فلما كان الليل جلس معاوية و أصحابه يتحدثون،فقال لهم معاوية:في أي منزل ينزل القمر الليلة ؟ فقالوا:بسعد الذابح،فكره معاوية ذلك،و أرسل إليه ألا تبرح حتى يأتيك أمري فأقام.و رأى معاوية أن يكتب إلى عمرو بن العاص،و هو يومئذ بمصر عامله عليها يستطلع رأيه في ذلك،فكتب إليه،و قد كان تسمى بإمرة المؤمنين بعد يوم صفين،و بعد تحكيم الحكمين من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص:سلام عليك،أما بعد،فإني قد رأيت رأيا هممت بإمضائه و لم يخذلني عنه

٣٥

إلا استطلاع رأيك،فإن توافقني أحمد الله و أمضه و إن تخالفني،فإني أستخير الله و أستهديه إني نظرت في أمر أهل البصرة،فوجدت معظم أهلها لنا وليا و لعلي و شيعته عدوا،و قد أوقع بهم علي الوقعة التي علمت فأحقاد تلك الدماء ثابتة في صدورهم لا تبرح و لا تريم،و قد علمت أن قتلنا ابن أبي بكر و وقعتنا بأهل مصر قد أطفأت نيران أصحاب علي في الآفاق،و رفعت رءوس أشياعنا أينما كانوا من البلاد،و قد بلغ من كان بالبصرة على مثل رأينا من ذلك ما بلغ الناس،و ليس أحد ممن يرى رأينا أكثر عددا،و لا أضر خلافا على علي من أولئك،فقد رأيت أن أبعث إليهم عبد الله بن عامر الحضرمي،فينزل في مضر و يتودد الأزد و يحذر ربيعة،و يبتغي دم ابن عفان و يذكرهم وقعة علي بهم التي أهلكت صالحي إخوانهم و آبائهم و أبنائهم،فقد رجوت عند ذلك أن يفسد على علي و شيعته ذلك الفرج من الأرض،و متى يؤتوا من خلفهم و أمامهم يضل سعيهم و يبطل كيدهم،فهذا رأيي فما رأيك ؟ فلا تحبس رسولي إلا قدر مضي الساعة التي ينتظر فيها جواب كتابي هذا أرشدنا الله و إياك،و السلام عليك ورحمه‌الله و بركاته.فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية:أما بعد،فقد بلغني رسولك و كتابك فقرأته و فهمت رأيك الذي رأيته فعجبت له،و قلت إن الذي ألقاه في روعك و جعله في نفسك هو الثائر بابن عفان و الطالب بدمه،و إنه لم يك منك و لا منا منذ نهضنا في هذه الحروب و بادينا أهلها،و لا رأى الناس رأيا أضر على عدوك،و لا أسر لوليك من هذا الأمر الذي ألهمته،فامض رأيك مسددا،فقد وجهت الصليب الأريب الناصح غير الظنين و السلام.

٣٦

فلما جاءه كتاب عمرو دعا ابن الحضرمي،و قد كان ظن حين تركه معاوية أياما لا يأمره بالشخوص أن معاوية قد رجع عن إشخاصه إلى ذلك الوجه،فقال:يا ابن الحضرمي،سر على بركة الله إلى أهل البصرة،فانزل في مضر و احذر ربيعة،و تودد الأزد،و انع ابن عفان،و ذكرهم الوقعة التي أهلكتهم،و من لمن سمع و أطاع دنيا لا تفنى و أثرة لا يفقدها حتى يفقدنا أو نفقده.فودعه ثم خرج من عنده،و قد دفع إليه كتابا و أمره إذا قدم أن يقرأه على الناس.قال عمرو بن محصن:فكنت معه حين خرج،فلما خرجنا سرنا ما شاء الله أن نسير فسنح لنا ظبي أعضب عن شمائلنا فنظرت إليه،فو الله لرأيت الكراهية في وجهه،ثم مضينا حتى نزلنا البصرة في بني تميم فسمع بقدومنا أهل البصرة،فجاءنا كل من يرى رأي عثمان فاجتمع إلينا رءوس أهلها،فحمد الله ابن الحضرمي و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،أيها الناس،فإن إمامكم إمام الهدى عثمان بن عفان قتله علي بن أبي طالب ظلما فطلبتم بدمه و قاتلتم من قتله،فجزاكم الله من أهل مصر خيرا،و قد أصيب منكم الملأ الأخيار،و قد جاءكم الله بإخوان لكم لهم بأس يتقى،و عدد لا يحصى،فلقوا عدوكم الذين قتلوكم فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين و رجعوا،و قد نالوا ما طلبوا فمالئوهم و ساعدوهم،و تذكروا ثاركم لتشفوا صدوركم من عدوكم.فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي،فقال:قبح الله ما جئتنا به و ما دعوتنا إليه جئتنا،و الله بمثل ما جاء به صاحباك طلحة و الزبير أتيانا،و قد بايعنا عليا و اجتمعنا له فكلمتنا واحدة،و نحن على سبيل مستقيم،فدعوانا إلى الفرقة،و قاما فينا بزخرف القول حتى ضربنا بعضنا ببعض عدوانا و ظلما،فاقتتلنا على ذلك،و ايم الله ما سلمنا من عظيم،وبال

٣٧

ذلك،و نحن الآن مجمعون على بيعة هذا العبد الصالح الذي أقال العثرة،و عفا عن المسي‏ء و أخذ بيعة غائبنا و شاهدنا،أفتأمرنا الآن أن نختلع أسيافنا من أغمادها،ثم يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا،و تكون له وزيرا و نعدل بهذا الأمر عن علي،و الله ليوم من أيام علي مع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )خير من بلاء معاوية و آل معاوية،لو بقوا في الدنيا ما الدنيا باقية.فقام عبد الله بن خازم السلمي،فقال للضحاك اسكت،فلست بأهل أن تتكلم في أمر العامة،ثم أقبل على ابن الحضرمي فقال:نحن يدك و أنصارك،و القول ما قلت،و قد فهمنا عنك فادعنا أنى شئت،فقال الضحاك لابن خازم:يا ابن السوداء،و الله لا يعز من نصرت،و لا يذل بخذلانك من خذلت فتشاتما.قال صاحب كتاب الغارات و الضحاك هذا هو الذي يقول:

يا أيهذا السائلي عن نسبي

بين ثقيف و هلال منصبي

أمي أسماء و ضحاك أبي

قال و هو القائل في بني العباس:

ما ولدت من ناقة لفحل

في جبل نعلمه و سهل

كستة من بطن أم الفضل

أكرم بها من كهلة و كهل

عم النبي المصطفى ذي الفضل

و خاتم الأنبياء بعد الرسل

قال:فقام عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي،ثم التيمي فقال:عباد الله إنا لم ندعكم إلى الاختلاف و الفرقة،و لا نريد أن تقتتلوا و لا تتنابزوا،و لكنا إنما ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم و توازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم،و أن تلموا شعثكم

٣٨

و تصلحوا ذات بينكم،فمهلا مهلا رحمكم الله استمعوا لهذا الكتاب و أطيعوا الذي يقرأ عليكم.ففضوا كتاب معاوية و إذا فيه من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ كتاب هذا عليه من المؤمنين و المسلمين من أهل البصرة.سلام عليكم أما بعد،فإن سفك الدماء بغير حلها و قتل النفوس التي حرم الله قتلها هلاك موبق و خسران مبين،لا يقبل الله ممن سفكها صرفا و لا عدلا،و قد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان،و سيرته،و حبه للعافية،و معدلته،و سده للثغور،و إعطاءه في الحقوق،و إنصافه للمظلوم،و حبه الضعيف حتى توثب عليه المتوثبون،و تظاهر عليه الظالمون،فقتلوه مسلما محرما ظمآن صائما لم يسفك فيهم دما،و لم يقتل منهم أحدا،و لا يطلبونه بضربة سيف و لا سوط،و إنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه و إلى قتال من قتله،فإنا و إياكم على أمر هدى واضح و سبيل مستقيم إنكم إن جامعتمونا طفئت النائرة،و اجتمعت الكلمة و استقام أمر هذه الأمة،و أقر الظالمون المتوثبون الذين قتلوا إمامهم بغير حق،فأخذوا بجرائرهم،و ما قدمت أيديهم إن لكم أن أعمل فيكم بالكتاب،و أن أعطيكم في السنة عطاءين،و لا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا.فسارعوا إلى ما تدعون إليه رحمكم الله،و قد بعثت إليكم رجلا من الصالحين كان من أمناء خليفتكم المظلوم ابن عفان و عماله و أعوانه على الهدى و الحق،جعلنا الله و إياكم ممن يجيب إلى الحق و يعرفه،و ينكر الباطل و يجحده،و السلام عليكم ورحمه‌الله .قال:فلما قرئ عليهم الكتاب قال معظمهم سمعنا و أطعنا.قال:و روى محمد بن عبد الله بن عثمان،عن علي،عن أبي زهير،عن أبي منقر الشيباني قال:قال الأحنف لما قرئ عليهم كتاب معاوية:أما أنا فلا ناقة لي في هذا و لا جمل و أعتزل أمرهم ذلك.

٣٩

و قال عمرو بن مرجوم من عبد القيس:أيها الناس،الزموا طاعتكم و لا تنكثوا بيعتكم فتقع بكم واقعة،و تصيبكم قارعة،و لا يكن بعدها لكم بقية ألا إني قد نصحت لكم،و لكن لا تحبون الناصحين.قال إبراهيم بن هلال و روى محمد بن عبد الله،عن ابن أبي سيف،عن الأسود بن قيس،عن ثعلبة بن عباد:أن الذي كان سدد لمعاوية رأيه في تسريح ابن الحضرمي كتاب كتبه إليه عباس بن ضحاك العبدي،و هو ممن كان يرى رأي عثمان و يخالف قومه في حبهم عليا(عليه‌السلام )و نصرتهم إياه و كان الكتاب.أما بعد،فقد بلغنا وقعتك بأهل مصر الذين بغوا على إمامهم،و قتلوا خليفتهم طمعا،و بغيا فقرت بذلك العيون،و شفيت بذلك النفوس،و بردت أفئدة أقوام كانوا لقتل عثمان كارهين،و لعدوه مفارقين،و لكم موالين،و بك راضين،فإن رأيت أن تبعث إلينا أميرا طيبا ذكيا ذا عفاف و دين إلى الطلب بدم عثمان فعلت،فإني لا إخال الناس إلا مجمعين عليك،و إن ابن عباس غائب عن المصر و السلام.قال:فلما قرأ معاوية كتابه قال:لا عزمت رأيا سوى ما كتبت به إلي هذا،و كتب إليه جوابه.أما بعد،فقد قرأت كتابك فعرفت نصيحتك و قبلت مشورتك رحمك الله،و سددك اثبت هداك الله على رأيك الرشيد،فكأنك بالرجل الذي سألت قد أتاك،و كأنك بالجيش قد أطل عليك فسررت و حبيت و السلام.قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله قال:حدثني علي بن أبي سيف،عن أبي زهير

٤٠