كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 280
المشاهدات: 37357
تحميل: 6864


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37357 / تحميل: 6864
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

قال:لما نزل ابن الحضرمي في بني تميم أرسل إلى الرءوس فأتوه،فقال لهم أجيبوني إلى الحق و انصروني على هذا الأمر.قال:و إن الأمير بالبصرة يومئذ زياد بن عبيد قد استخلفه عبد الله بن عباس،و قدم على علي(عليه‌السلام )إلى الكوفة يعزيه عن محمد بن أبي بكر قال:فقام إليه ابن ضحاك،فقال:إي،و الذي له أسعى و إياه أخشى،لننصرنك بأسيافنا و أيدينا.و قام المثنى بن مخرمة العبدي،فقال:لا،و الذي لا إله إلا هو لئن لم ترجع إلى مكانك الذي أقبلت منه لنجاهدنك بأسيافنا،و أيدينا،و نبالنا،و أسنة رماحنا،نحن ندع ابن عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و سيد المسلمين و ندخل في طاعة حزب من الأحزاب طاغ،و الله لا يكون ذلك أبدا حتى نسير كتيبة،و نفلق السيوف بالهام.فأقبل ابن الحضرمي على صبرة بن شيمان الأزدي،فقال:يا صبرة،أنت رأس قومك و عظيم من عظماء العرب و أحد الطلبة بدم عثمان،رأينا رأيك و رأيك رأينا،و بلاء القوم عندك في نفسك و عشيرتك ما قد ذقت،و رأيت فانصرني و كن من دوني،فقال له:إن أنت أتيتني فنزلت في داري نصرتك و منعتك،فقال:إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن أنزل في قومه من مضر،فقال:اتبع ما أمرك به.و انصرف من عنده و أقبل الناس إلى ابن الحضرمي و كثر تبعه،ففزع لذلك زياد و هاله و هو في دار الإمارة،فبعث إلى الحضين بن المنذر،و مالك بن مسمع،فدعاهما فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،فإنكم أنصار أمير المؤمنين و شيعته و ثقته،و قد جاءكم هذا الرجل بما قد بلغكم،فأجيروني حتى يأتيني أمر أمير المؤمنين و رأيه.فأما مالك بن مسمع فقال:هذا أمر فيه نظر أرجع إلى من ورائي و أنظر و أستشير في ذلك.و أما الحضين بن المنذر فقال:نعم،نحن فاعلون و لن نخذلك و لن نسلمك.

٤١

فلم ير زياد من القوم ما يطمئن إليه،فبعث إلى صبرة بن شيمان الأزدي فقال:يا ابن شيمان،أنت سيد قومك و أحد عظماء هذا المصر،فإن يكن فيه أحد هو أعظم أهله فأنت ذاك،أفلا تجيرني و تمنعني و تمنع بيت مال المسلمين فإنما أنا أمين عليه ؟ فقال:بلى إن تحملت حتى تنزل في داري منعتك،فقال:إني فاعل.فارتحل ليلا حتى نزل دار صبرة بن شيمان،و كتب إلى عبد الله بن عباس،و لم يكن معاوية ادعى زيادا بعد ؛ لأنه إنما ادعاه بعد وفاة علي(عليه‌السلام ).للأمير عبد الله بن عباس من زياد بن عبيد.سلام عليك،أما بعد،فإن عبد الله بن عامر بن الحضرمي أقبل من قبل معاوية حتى نزل في بني تميم،و نعى ابن عفان و دعا إلى حرب فبايعه جل أهل البصرة،فلما رأيت ذلك استجرت بالأزد بصبرة بن شيمان و قومه لنفسي و لبيت مال المسلمين،و رحلت من قصر الإمارة،فنزلت فيهم،و إن الأزد معي،و شيعة أمير المؤمنين من فرسان القبائل تختلف إلي،و شيعة عثمان تختلف إلى ابن الحضرمي و القصر خال منا و منهم،فارفع ذلك إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه،و أعجل إلي بالذي ترى أن يكون منه فيه،و السلام عليك ورحمه‌الله و بركاته.قال:فرفع ذلك ابن عباس إلى علي(عليه‌السلام )و شاع في الناس بالكوفة ما كان من ذلك،و كانت بنو تميم و قيس و من يرى رأي عثمان قد أمروا ابن الحضرمي أن يسير إلى قصر الإمارة حين خلاه زياد،فلما تهيأ لذلك و دعا أصحابه ركبت الأزد و بعثت إليه و إليهم،إنا و الله لا ندعكم تأتون القصر فتنزلون فيه من لا نرضى،و من نحن له كارهون حتى يأتي رجل لنا و لكم رضا،فأبى أصحاب ابن الحضرمي إلا أن يسيروا إلى القصر،و أبت الأزد إلا أن يمنعوهم،فركب الأحنف،فقال لأصحاب ابن الحضرمي:إنكم و الله

٤٢

ما أنتم أحق بقصر الإمارة من القوم و ما لكم أن تؤمروا عليهم من يكرهونه،فانصرفوا عنهم ففعلوا،ثم جاء إلى الأزد فقال:إنه لم يكن ما تكرهون و لا يؤتى إلا ما تحبون فانصرفوا رحمكم الله ففعلوا.قال إبراهيم:و حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي سيف عن الكلبي:أن ابن الحضرمي لما أتى البصرة و دخلها نزل في بني تميم في دار سنبيل،و دعا بني تميم،و أخلاط مضر،فقال زياد لأبي الأسود الدؤلي:أما ترى ما صغى أهل البصرة إلى معاوية و ما في الأزد لي مطمع ؟ فقال:إن كنت تركتهم لم ينصروك،و إن أصبحت فيهم منعوك.فخرج زياد من ليلته،فأتى صبرة بن شيمان الحداني الأزدي فأجاره،و قال له حين أصبح:يا زياد،إنه ليس حسنا بنا أن تقيم فينا مختفيا أكثر من يومك هذا،فأعد له منبرا و سريرا في مسجد الحدان،و جعل له شرطا،و صلى بهم الجمعة في مسجد الحدان.و غلب ابن الحضرمي على ما يليه من البصرة و جباها،و أجمعت الأزد على زياد،فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا معشر الأزد،إنكم كنتم أعدائي فأصبحتم أوليائي و أولى الناس بي،و إني لو كنت في بني تميم و ابن الحضرمي فيكم لم أطمع فيه أبدا،و أنتم دونه فلا يطمع ابن الحضرمي في و أنتم دوني،و ليس ابن آكلة الأكباد في بقية الأحزاب و أولياء الشيطان بأدنى إلى الغلبة من أمير المؤمنين في المهاجرين و الأنصار،و قد أصبحت فيكم مضمونا و أمانة مؤداة،و قد رأينا وقعتكم يوم الجمل،فاصبروا مع الحق صبركم مع الباطل،فإنكم لا تحمدون إلا على النجدة،و لا تعذرون على الجبن.فقام شيمان أبو صبرة و لم يكن شهد يوم الجمل و كان غائبا فقال:يا معشر الأزد

٤٣

ما أبقت عواقب الجمل عليكم إلا سوء الذكر،و قد كنتم أمس على علي(عليه‌السلام )فكونوا اليوم له،و اعلموا أن إسلامكم له ذل و خذلانكم إياه عار،و أنتم حي مضماركم الصبر و عاقبتكم الوفاء،فإن سار القوم بصاحبهم،فسيروا بصاحبكم و إن استمدوا معاوية،فاستمدوا عليا(عليه‌السلام )و إن وادعوكم فوادعوهم.ثم قام صبرة ابنه فقال:يا معشر الأزد،إنا قلنا يوم الجمل نمنع مصرنا و نطيع أمنا نطلب دم خليفتنا المظلوم،فجددنا في القتال و أقمنا بعد انهزام الناس حتى قتل منا من لا خير فينا بعده،و هذا زياد جاركم اليوم و الجار مضمون،و لسنا نخاف من علي ما نخاف من معاوية،فهبوا لنا أنفسكم و امنعوا جاركم أو فأبلغوه مأمنه.فقالت الأزد:إنما نحن لكم تبع فأجيروه،فضحك زياد و قال:يا صبرة،أتخشون،ألا تقوموا لبني تميم ؟ فقال صبرة:إن جاءونا بالأحنف جئناهم بأبي صبرة و إن جاءونا بالحباب جئت أنا،و إن كان فيهم شباب كثير،فقال زياد:إنما كنت مازحا.فلما رأت بنو تميم أن الأزد قد قامت دون زياد بعثت إليهم أخرجوا صاحبكم،و نحن نخرج صاحبنا،فأي الأميرين غلب علي أو معاوية دخلنا في طاعته و لا نهلك عامتنا.فبعث إليهم أبو صبرة إنما كان هذا يرجى عندنا قبل أن نجيره،و لعمري ما قتل زياد و إخراجه إلا سواء،و إنكم لتعلمون أنا لم نجره إلا كرما فالهوا عن هذا.قال:و روى أبو الكنود أن شبث بن ربعي قال لعلي(عليه‌السلام ):يا أمير المؤمنين،ابعث إلى هذا الحي من تميم،فادعهم إلى طاعتك و لزوم بيعتك و لا تسلط عليهم أزد عمان البعداء البغضاء،فإن واحدا من قومك خير لك من عشرة من غيرهم.

٤٤

فقال له مخنف بن سليم الأزدي:إن البعيد البغيض من عصى الله و خالف أمير المؤمنين و هم قومك،و إن الحبيب القريب من أطاع الله و نصر أمير المؤمنين و هم قومي،و أحدهم خير لأمير المؤمنين من عشرة من قومك.

فقال أمير المؤمنين(عليه‌السلام ):مه،تناهوا أيها الناس،و ليردعكم الإسلام و وقاره عن التباغي و التهاذي،و لتجتمع كلمتكم و الزموا دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره،و كلمة الإخلاص التي هي قوام الدين و حجة الله على الكافرين،و اذكروا إذ كنتم قليلا مشركين متباغضين متفرقين،فألف بينكم بالإسلام فكثرتم و اجتمعتم و تحاببتم،فلا تفرقوا بعد إذ اجتمعتم و لا تتباغضوا بعد إذ تحاببتم،و إذا رأيتم الناس بينهم النائرة،و قد تداعوا إلى العشائر،و القبائل فاقصدوا لهامهم و وجوههم بالسيف حتى يفزعوا إلى الله،و إلى كتابه،و سنة نبيه،فأما تلك الحمية من خطرات الشياطين،فانتهوا عنها لا أبا لكم تفلحوا و تنجحوا،ثم إنه(عليه‌السلام )دعا أعين بن ضبيعة المجاشعي،و قال:يا أعين،ألم يبلغك أن قومك وثبوا على عاملي مع ابن الحضرمي بالبصرة يدعون إلى فراقي و شقاقي،و يساعدون الضلال القاسطين علي،فقال:لا تسأ يا أمير المؤمنين،و لا يكن ما تكره ابعثني إليهم،فأنا لك زعيم بطاعتهم و تفريق جماعتهم،و نفي ابن الحضرمي من البصرة أو قتله قال فاخرج الساعة.فخرج من عنده و مضى حتى قدم البصرة.

٤٥

هذه رواية ابن هلال صاحب كتاب الغارات.و روى الواقدي:أن عليا(عليه‌السلام )استنفر بني تميم أياما لينهض منهم إلى البصرة من يكفيه أمر ابن الحضرمي،و يرد عادية بني تميم الذين أجاروه بها،فلم يجبه أحد فخطبهم و قال:أليس من العجب أن ينصرني الأزد و تخذلني مضر ؟ و أعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي و خلاف تميم البصرة علي،و أن أستنجد بطائفة منها تشخص إلى إخوانها،فتدعوهم إلى الرشاد،فإن أجابت و إلا فالمنابذة و الحرب،فكأني أخاطب صما بكما لا يفقهون حوارا و لا يجيبون نداء كل هذا جبنا عن البأس،و حبا للحياة لقد كنا مع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )نقتل آباءنا و أبناءنا،الفصل إلى آخره.قال:فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقال:أنا إن شاء الله أكفيك يا أمير المؤمنين،هذا الخطب و أتكفل لك بقتل ابن الحضرمي أو إخراجه عن البصرة،فأمره بالتهيؤ للشخوص فشخص حتى قدم البصرة.قال إبراهيم بن هلال:فلما قدمها دخل على زياد و هو بالأزد مقيم،فرحب به و أجلسه إلى جانبه،فأخبره بما قال له علي(عليه‌السلام )،و ما رد عليه،و ما الذي عليه رأيه،فإنه إذ يكلمه جاءه كتاب من علي(عليه‌السلام )فيه

:من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن عبيد،سلام عليك،أما بعد،فإني قد بعثت أعين بن ضبيعة ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فارقب ما يكون منه،فإن فعل و بلغ من ذلك ما يظن به،و كان في ذلك تفريق تلك الأوباش،فهو ما نحب و إن ترامت الأمور بالقوم إلى الشقاق و العصيان

٤٦

فانبذ بمن أطاعك إلى من عصاك فجاهدهم،فإن ظهرت فهو ما ظننت و إلا فطاولهم و ماطلهم،فكان كتائب المسلمين قد أطلت عليك،فقتل الله المفسدين الظالمين و نصر المؤمنين المحقين و السلام.فلما قرأه زياد أقرأه أعين بن ضبيعة فقال له:إني لأرجو أن يكفى هذا الأمر إن شاء الله،ثم خرج من عنده فأتى رحله فجمع إليه رجالا من قومه،فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا قوم،على ما ذا تقتلون أنفسكم و تهريقون دماءكم على الباطل مع السفهاء الأشرار،و إني و الله ما جئتكم حتى عبيت إليكم الجنود،فإن تنيبوا إلى الحق يقبل منكم و يكف عنكم و إن أبيتم،فهو و الله استئصالكم و بواركم.فقالوا:بل نسمع و نطيع فقال:انهضوا الآن على بركة الله عز و جل،فنهض بهم إلى جماعة ابن الحضرمي فخرجوا إليه مع ابن الحضرمي فصافوه،و واقفهم عامة يومه يناشدهم الله و يقول:يا قوم،لا تنكثوا بيعتكم،و لا تخالفوا إمامكم،و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا،فقد رأيتم و جربتم كيف صنع الله بكم عند نكثكم بيعتكم و خلافكم.فكفوا عنه و لم يكن بينه و بينهم قتال،و هم في ذلك يشتمونه و ينالون منه،فانصرف عنهم و هو منهم منتصف،فلما أوى إلى رحله تبعه عشرة نفر يظن الناس أنهم خوارج فضربوه بأسيافهم،و هو على فراشه و لا يظن أن الذي كان يكون فخرج يشتد عريانا،فلحقوه في الطريق فقتلوه،فأراد زياد أن يناهض ابن الحضرمي حين قتل أعين بجماعة من معه من الأزد و غيرهم من شيعة علي(عليه‌السلام )،فأرسل بنو تميم إلى الأزد،و الله ما عرضنا لجاركم إذ أجرتموه،و لا لمال هو له،و لا لأحد ليس على رأينا،فما تريدون

٤٧

إلى حربنا و إلى جارنا ؟ فكان الأزد عند ذلك كرهت قتالهم.فكتب زياد إلى علي(عليه‌السلام ):أما بعد،يا أمير المؤمنين،فإن أعين بن ضبيعة قدم علينا من قبلك بجد و مناصحة و صدق و يقين،فجمع إليه من أطاعه من عشيرته،فحثهم على الطاعة و الجماعة،و حذرهم الخلاف و الفرقة،ثم نهض بمن أقبل معه إلى من أدبر عنه فواقفهم عامة النهار فهال أهل الخلاف تقدمه،و تصدع عن ابن الحضرمي كثير ممن كان يريد نصرته،فكان كذلك حتى أمسى،فأتى في رحله فبيته نفر من هذه الخارجة المارقة،فأصيبرحمه‌الله تعالى،فأردت أن أناهض ابن الحضرمي عند ذلك،فحدث أمر قد أمرت صاحب كتابي هذا أن يذكره لأمير المؤمنين،و قد رأيت إن رأى أمير المؤمنين ما رأيت أن يبعث إليهم جارية بن قدامة،فإنه نافذ البصيرة،و مطاع في العشيرة،شديد على عدو أمير المؤمنين،فإن يقدم يفرق بينهم بإذن الله،و السلام على أمير المؤمنين ورحمه‌الله و بركاته.فلما جاء الكتاب دعا جارية بن قدامة،فقال له:يا ابن قدامة،تمنع الأزد عاملي و بيت مالي،و تشاقني مضر و تنابذني ؟ و بنا ابتدأها الله تعالى بالكرامة،و عرفها الهدى،و تداعوا إلى المعشر الذين حادوا الله و رسوله،و أرادوا إطفاء نور الله سبحانه،حتى علت كلمة الله و هلك الكافرون.فقال:يا أمير المؤمنين،ابعثني إليهم و استعن بالله عليهم.قال:قد بعثتك إليهم و استعنت بالله عليهم.قال إبراهيم:فحدثنا محمد بن عبد الله،قال:حدثني ابن أبي السيف،عن سليمان بن أبي راشد،عن كعب بن قعين،قال:خرجت مع جارية من الكوفة إلى البصرة

٤٨

في خمسين رجلا من بني تميم،ما كان فيهم يماني غيري،و كنت شديد التشيع،فقلت لجارية:إن شئت كنت معك،و إن شئت ملت إلى قومي،فقال:بل معي،فو الله لوددت أن الطير،و البهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس.قال:و روى كعب بن قعين:أن عليا(عليه‌السلام )كتب مع جارية كتابا،و قال:أقرئه على أصحابك.قال:فمضينا معه،فلما دخلنا البصرة بدأ بزياد فرحب به و أجلسه إلى جانبه،و ناجاه ساعة و ساءله،ثم خرج،فكان أفضل ما أوصاه به أن قال:احذر على نفسك و اتق أن تلقى ما لقي صاحبك القادم قبلك.و خرج جارية من عنده،فقام في الأزد فقال:جزاكم الله من حي خيرا ما أعظم غناءكم،و أحسن بلاءكم،و أطوعكم لأميركم لقد عرفتم الحق إذ ضيعه من أنكره،و دعوتم إلى الهدى إذ تركه من لم يعرفه،ثم قرأ عليهم و على من كان معه من شيعة علي(عليه‌السلام )و غيرهم كتاب علي(عليه‌السلام )،فإذا فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين و المسلمين:سلام عليكم،أما بعد،فإن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البينة،و لا يأخذ المذنب عند أول وهلة،و لكنه يقبل التوبة و يستديم الأناة،و يرضي بالإنابة ليكون أعظم للحجة و أبلغ في المعذرة،و قد كان من شقاق جلكم أيها الناس،ما استحققتم أن تعاقبوا عليه،فعفوت عن مجرمكم،و رفعت السيف عن مدبركم،و قبلت من مقبلكم،و أخذت بيعتكم،فإن تفوا ببيعتي،و تقبلوا نصيحتي،و تستقيموا على طاعتي أعمل

٤٩

فيكم بالكتاب و السنة،و قصد الحق و أقم فيكم سبيل الهدى،فو الله ما أعلم أن واليا بعد محمد(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أعلم بذلك مني،و لا أعمل بقولي أقول قولي هذا صادقا غير ذام لمن مضى،و لا منتقصا لأعمالهم،و إن خبطت بكم الأهواء المردية و سفه الرأي الجائر إلى منابذتي تريدون خلافي،فها أنا ذا قربت جيادي و رحلت ركابي و ايم الله لئن ألجأتموني إلى المسير إليكم،لأوقعن بكم وقعة لا يكون يوم الجمل عندها إلا كلعقة لاعق،و إني لظان ألا تجعلوا إن شاء الله على أنفسكم سبيلا،و قد قدمت هذا الكتاب إليكم حجة عليكم،و لن أكتب إليكم من بعده كتابا إن أنتم استغششتم نصيحتي،و نابذتم رسولي حتى أكون أنا الشاخص نحوكم إن شاء الله تعالى و السلام.قال:فلما قرئ الكتاب على الناس قام صبرة بن شيمان،فقال:سمعنا و أطعنا،و نحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب،و لمن سالم سلم إن كفيت،يا جارية،قومك بقومك فذاك،و إن أحببت أن ننصرك نصرناك.و قام وجوه الناس،فتكلموا بمثل ذلك و نحوه،فلم يأذن لأحد منهم أن يسير معه،و مضى نحو بني تميم.فقام زياد في الأزد،فقال:يا معشر الأزد،إن هؤلاء كانوا أمس سلما،فأصبحوا اليوم حربا،و إنكم كنتم حربا،فأصبحتم سلما و إني و الله ما اخترتكم إلا على التجربة،و لا أقمت فيكم إلا على الأمل فما رضيتم أن أجرتموني حتى نصبتم لي منبرا و سريرا،و جعلتم لي شرطا و أعوانا و مناديا،و جمعة فما فقدت بحضرتكم شيئا إلا هذا الدرهم لا أجبيه اليوم،فإن لم أجبه اليوم أجبه غدا إن شاء الله،و اعلموا أن حربكم اليوم معاوية أيسر عليكم في الدنيا و الدين من حربكم أمس عليا،و قد قدم عليكم جارية بن قدامة،و إنما أرسله علي

٥٠

ليصدع أمر قومه،و الله ما هو بالأمير المطاع و لو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين أو لكان لي تبعا،و أنتم الهامة العظمى و الجمرة الحامية فقدموه إلى قومه،فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك.فقام أبو صبرة شيمان،فقال:يا زياد،إني و الله لو شهدت قومي يوم الجمل رجوت ألا يقاتلوا عليا،و قد مضى الأمر بما فيه،و هو يوم بيوم،و أمر بأمر و الله إلى الجزاء بالإحسان أسرع منه إلى الجزاء بالسيئ،و التوبة مع الحق،و العفو مع الندم و لو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدماء و استئناف الأمور،و لكنها جماعة دماؤها حرام و جروحها قصاص،و نحن معك نحب ما أحببت.فعجب زياد من كلامه و قال:ما أظن في الناس مثل هذا.ثم قام صبرة ابنه فقال:إنا و الله ما أصبنا بمصيبة في دين و لا دنيا كما أصبنا أمس يوم الجمل،و إنا لنرجو اليوم أن نمحص ذلك بطاعة الله و طاعة أمير المؤمنين،و أما أنت يا زياد،فو الله ما أدركت أملك فينا و لا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك،و نحن رادوك إليها غدا إن شاء الله تعالى،فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منا،فإنك إلا تفعل لم تأت ما يشبهك،و إنا و الله نخاف من حرب علي في الآخرة ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا،فقدم هواك و أخر هوانا فنحن معك و طوعك.ثم قام خنقر الحماني،فقال:أيها الأمير،إنك لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا لم نرض ذلك لأنفسنا سر بنا إلى القوم إن شئت،و ايم الله ما لقينا قوما قط إلا اكتفينا بعفونا دون جهدنا إلا ما كان أمس.

٥١

قال إبراهيم فأما جارية،فإنه كلم قومه فلم يجيبوه و خرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه و أسمعوه،فأرسل إلى زياد و الأزد يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه،فسارت الأزد بزياد و خرج إليهم ابن الحضرمي،و على خيله عبد الله بن خازم السلمي،فاقتتلوا ساعة و أقبل شريك بن الأعور الحارثي،و كان من شيعة علي(عليه‌السلام )و صديقا لجارية بن قدامة،فقال:ألا أقاتل معك عدوك،فقال:بلى فما لبثت بنو تميم أن هزموهم و اضطروهم إلى دار سنبيل السعدي،فحصروا ابن الحضرمي و حدوه،فأتى رجل من بني تميم و معه عبد الله بن خازم السلمي،فجاءت أمه و هي سوداء حبشية اسمها عجلى،فنادته فأشرف عليها،فقالت:يا بني،انزل إلي فأبى فكشفت رأسها و أبدت قناعها و سألته النزول فأبى،فقالت:و الله لتنزلن أو لأتعرين و أهوت بيدها إلى ثيابها،فلما رأى ذلك نزل فذهبت به و أحاط جارية و زياد بالدار،و قال جارية:علي بالنار،فقالت الأزد:لسنا من الحريق بالنار في شي‏ء و هم قومك،و أنت أعلم،فحرق جارية الدار عليهم،فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي التيمي،و سمي جارية منذ ذلك اليوم محرقا،و سارت الأزد بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة،و معه بيت المال و قالت له هل بقي علينا من جوارك شي‏ء قال لا قالوا فبرئنا منه فقال نعم فانصرفوا عنه،و كتب زياد إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام ):أما بعد،فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره،و أعانه من الأزد ففضه و اضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه،فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما،فقتل ابن الحضرمي و أصحابه منهم من أحرق بالنار،و منهم من ألقي عليه جدار،و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه،و منهم من قتل بالسيف و سلم

٥٢

منهم نفر أنابوا و تابوا،فصفح عنهم و بعدا لمن عصى و غوى و السلام على أمير المؤمنين ورحمه‌الله و بركاته.فلما وصل كتاب زياد،قرأه علي(عليه‌السلام )على الناس،و كان زياد قد أنفذه مع ظبيان بن عمارة،فسر علي(عليه‌السلام )بذلك و سر أصحابه،و أثنى على جارية و على الأزد و ذم البصرة،فقال:إنها أول القرى خرابا،أما غرقا و أما حرقا حتى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة،ثم قال لظبيان:أين منزلك منها ؟ فقال:مكان كذا،فقال:عليك بضواحيها.و قال ابن العرندس الأزدي يذكر تحريق ابن الحضرمي و يعير تميما بذلك:

رددنا زيادا إلى داره

و جار تميم ينادي الشجب

لحا الله قوما شووا جارهم

لعمري لبئس الشواء الشصب

ينادي الخناق و أبناءها

و قد شيطوا رأسها باللهب

و الخناق لقب قوم بني تميم.

٥٣

56.و من كلام له(عليه‌السلام )لأصحابه

(أَمَا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ اَلْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ اَلْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَ يَطْلُبُ مَا لاَ يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَ لَنْ تَقْتُلُوهُ أَلاَ وَ إِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَ اَلْبَرَاءَةِ مِنِّي فَأَمَّا اَلسَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَ لَكُمْ نَجَاةٌ وَ أَمَّا اَلْبَرَاءَةُ فَلاَ تَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى اَلْفِطْرَةِ وَ سَبَقْتُ إِلَى اَلْإِيمَانِ وَ اَلْهِجْرَةِ)،مندحق البطن بارزها و الدحوق من النوق التي يخرج رحمها عند الولادة،و سيظهر سيغلب،و رحب البلعوم واسعه.و كثير من الناس يذهب إلى أنه(عليه‌السلام )عنى زيادا،و كثير منهم يقول:إنه عنى الحجاج،و قال قوم إنه عنى المغيرة بن شعبة و الأشبه عندي أنه عنى معاوية ؛ لأنه كان موصوفا بالنهم و كثرة الأكل،و كان بطينا يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه،و كان معاوية جوادا بالمال و الصلات،و بخيلا على الطعام،يقال:إنه مازح أعرابيا على طعامه،و قد قدم بين يديه خروف فأمعن الأعرابي في أكله،فقال له:ما ذنبه إليك،أنطحك أبوه ؟ فقال الأعرابي:و ما حنوك عليه أأرضعتك أمه.و قال لأعرابي يأكل بين يديه و قد استعظم أكله:ألا أبغيك سكينا ؟ فقال:

٥٤

كل امرئ سكينه في رأسه،فقال:ما اسمك ؟ قال:لقيم.قال:منها أتيت.كان معاوية يأكل فيكثر،ثم يقول:ارفعوا،فو الله ما شبعت و لكن مللت و تعبت.تظاهرت الأخبار أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )دعا على معاوية لما بعث إليه يستدعيه،فوجده يأكل،ثم بعث فوجده يأكل،فقال:اللهم لا تشبع بطنه قال الشاعر:

و صاحب لي بطنه كالهاوية

كأن في أحشائه معاوية

و في هذا الفصل مسائل الأولى في تفسير قوله(عليه‌السلام ):فاقتلوه و لن تقتلوه،فنقول:إنه لا تنافي بين الأمر بالشي‏ء و الإخبار عن أنه لا يقع كما أخبر الحكيم سبحانه عن أن أبا لهب لا يؤمن،و أمره بالإيمان و كما قال تعالى:( فَتَمَنَّوُا اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ،ثم قال:( وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً ) و أكثر التكليفات على هذا المنهاج.

مسألة كلامية في الأمر بالشي‏ء مع العلم بأنه لا يقع

و اعلم أن أهل العدل و المجبرة لم يختلفوا في أنه تعالى قد يأمر بما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عن أنه لا يقع،و إنما اختلفوا هل يصح أن يريد ما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عنه أنه لا يقع،فقال أصحابنا:يصح ذلك،و قال المجبرة لا يصح ؛ لأن إرادة ما يعلم المريد أنه لا يقع قضية متناقضة ؛ لأن تحت قولنا أراد مفهوم أن ذلك المراد مما يمكن حصوله ؛ لأن إرادة المحال ممتنعة و تحت قولنا:إنه يعلم أنه لا يقع مفهوم أن ذلك المراد مما لا يمكن حصوله ؛ لأنا قد

٥٥

فرضنا أنه لا يقع و ما لا يقع لا يمكن حصوله مع فرض كونه لا يقع،فقال لهم:أصحابنا هذا يلزمكم في الأمر ؛ لأنكم قد أجزتم أن يأمر بما يعلم أنه لا يقع،فقالوا في الجواب:نحن عندنا أنه يأمر بما لا يريد،فإذا أمر بما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عن أنه لا يقع كان ذلك الأمر أمرا عاريا عن الإرادة و المحال،إنما نشأ من إرادة ما علم المريد أنه لا يقع و هاهنا لا إرادة.فقيل لهم هب أنكم ذهبتم إلى أن الأمر قد يعرى من الإرادة مع كونه أمرا،ألستم تقولون أن الأمر يدل على الطلب،و الطلب شي‏ء آخر غير الإرادة،و تقولون إن ذلك الطلب قائم بذات البارئ،فنحن نلزمكم في الطلب القائم بذات البارئ الذي لا يجوز أن يعرى الأمر منه ما ألزمتمونا في الإرادة.و نقول لكم كيف يجوز أن يطلب الطالب ما يعلم أنه لا يقع،أليس تحت قولنا طلب مفهوم أن ذلك المطلوب مما يمكن وقوعه،فالحال في الطلب كالحال في الإرادة حذو النعل بالنعل،و لنا في هذا الموضع أبحاث دقيقة ذكرناها في كتبنا الكلامية.

فصل فيما روي من سب معاوية و حزبه لعلي

المسألة الثانية في قوله(عليه‌السلام )يأمركم بسبي و البراءة مني،فنقول:إن معاوية أمر الناس بالعراق و الشام و غيرهما بسب علي(عليه‌السلام )و البراءة منه.و خطب بذلك على منابر الإسلام،و صار ذلك سنة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه،فأزاله و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة:اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك،و صد عن سبيلك

٥٦

فالعنه لعنا وبيلا،و عذبه عذابا أليما،و كتب بذلك إلى الآفاق،فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.و ذكر أبو عثمان أيضا أن هشام بن عبد الملك لما حج خطب بالموسم،فقام إليه إنسان فقال:يا أمير المؤمنين إن هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب،فقال:اكفف فما لهذا جئنا.و ذكر المبرد في الكامل أن خالد بن عبد الله القسري لما كان أمير العراق في خلافة هشام كان يلعن عليا(عليه‌السلام )على المنبر،فيقول:اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )على ابنته،و أبا الحسن و الحسين،ثم يقبل على الناس فيقول هل كنيت.و روى أبو عثمان أيضا أن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية:يا أمير المؤمنين،إنك قد بلغت ما أملت،فلو كففت عن لعن هذا الرجل ؟ فقال:لا،و الله حتى يربو عليه الصغير،و يهرم عليه الكبير،و لا يذكر له ذاكر فضلا.و قال أبو عثمان أيضا:و ما كان عبد الملك مع فضله و أناته و سداده و رجحانه ممن يخفى عليه فضل علي(عليه‌السلام )،و أن لعنه على رءوس الأشهاد،و في أعطاف الخطب،و على صهوات المنابر مما يعود عليه نقصه و يرجع إليه وهنه ؛ لأنهما جميعا من بني عبد مناف،و الأصل واحد و الجرثومة منبت لهما،و شرف علي(عليه‌السلام )و فضله عائد عليه و محسوب له،و لكنه أراد تشييد الملك و تأكيد ما فعله الأسلاف،و أن يقرر في أنفس الناس أن بني هاشم لا حظ لهم في هذا الأمر،و أن سيدهم الذي به يصولون،و بفخره يفخرون

٥٧

هذا حاله و هذا مقداره فيكون من ينتمي إليه،و يدلي به عن الأمر أبعد،و عن الوصول إليه أشحط و أنزح.و روى أهل السيرة أن الوليد بن عبد الملك في خلافته ذكر عليا(عليه‌السلام )،فقال:لعنه الله بالجر كان لص ابن لص.فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه أحد و من نسبته عليا(عليه‌السلام )إلى اللصوصية،و قالوا:ما ندري أيهما أعجب و كان الوليد لحانا.و أمر المغيرة بن شعبة،و هو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية حجر بن عدي أن يقوم في الناس فليلعن عليا(عليه‌السلام )،فأبى ذلك فتوعده،فقام فقال:أيها الناس،إن أميركم أمرني أن ألعن عليا فالعنوه،فقال أهل الكوفة:لعنه الله و أعاد الضمير إلى المغيرة بالنية و القصد.و أراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البراءة من علي(عليه‌السلام )و لعنه،و أن يقتل كل من امتنع من ذلك و يخرب منزله،فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون فمات لارحمه‌الله بعد ثلاثة أيام،و ذلك في خلافة معاوية.و كان الحجاج لعنه الله يلعن عليا(عليه‌السلام )و يأمر بلعنه،و قال له متعرض به يوما و هو راكب:أيها الأمير،إن أهلي عقوني فسموني عليا،فغير اسمي و صلني بما أتبلغ به،فإني فقير،فقال للطف:ما توصلت به قد سميتك كذا،و وليتك العمل الفلاني فاشخص إليه.فأما عمر بن عبد العزيزرضي‌الله‌عنه ،فإنه قال:كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود،فمر بي يوما،و أنا ألعب مع الصبيان و نحن نلعن عليا.

٥٨

فكره ذلك و دخل المسجد فتركت الصبيان و جئت إليه لأدرس عليه وردي،فلما رآني قام فصلى،و أطال في الصلاة شبه المعرض عني حتى أحسست منه بذلك،فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي،فقلت له:ما بال الشيخ،فقال لي:يا بني،أنت اللاعن عليا منذ اليوم ؟ قلت:نعم.قال:فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟ فقلت:يا أبت،و هل كان علي من أهل بدر ؟ فقال:ويحك،و هل كانت بدر كلها إلا له ؟ فقلت:لا أعود،فقال:الله أنك لا تعود ؟ قلت:نعم،فلم ألعنه بعدها،ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة،و أبي يخطب يوم الجمعة،و هو حينئذ أمير المدينة،فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه حتى يأتي إلى لعن علي(عليه‌السلام )فيجمجم،و يعرض له من الفهاهة و الحصر ما الله عالم به،فكنت أعجب من ذلك،فقلت له يوما:يا أبت،أنت أفصح الناس و أخطبهم،فما بالي أراك أفصح خطيب يوم حفلك،حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عليا ؟ فقال:يا بني،إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام و غيرهم،لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد،فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري،فأعطيت الله عهدا لئن كان لي في هذا الأمر نصيب،لأغيرنه،فلما من الله علي بالخلافة أسقطت ذلك و جعلت مكانه:( إِنَّ اَللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي اَلْقُرْبى‏ وَ يَنْهى‏ عَنِ اَلْفَحْشاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ،و كتب به إلى الآفاق فصار سنة.و قال كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر و يذكر قطعه السب:

وليت فلم تشتم عليا و لم تخف

بريا و لم تقبل إساءة مجرم

و كفرت بالعفو الذنوب مع الذي

أتيت فأضحى راضيا كل مسلم

٥٩

ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه

من الأود البادي ثقاف المقوم

و ما زلت تواقا إلى كل غاية

بلغت بها أعلى العلاء المقدم

فلما أتاك الأمر عفوا و لم يكن

لطالب دنيا بعده من تكلم

تركت الذي يفنى لأن كان بائدا

و آثرت ما يبقى برأي مصمم

و قال الرضي أبو الحسنرحمه‌الله تعالى:

يا ابن عبد العزيز لو بكت العين

فتى من أمية لبكيتك

غير أني أقول أنك قد طبت

و إن لم يطب و لم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب و القذف

فلو أمكن الجزاء جزيتك

و لو أني رأيت قبرك لاستحييت

من أن أرى و ما حييتك

و قليل أن لو بذلت دماء

البدن صرفا على الذرا و سقيتك

دير سمعان فيك مأوى أبي حفص

بودي لو أنني آويتك

دير سمعان لا أغبك غيث

خير ميت من آل مروان ميتك

أنت بالذكر بين عيني و قلبي

إن تدانيت منك أو إن نأيتك

و إذا حرك الحشا خاطر منك

توهمت أنني قد رأيتك

و عجيب أني قليت بني مروان

طرا و أنني ما قليتك

قرب العدل منك لما نأى الجور

بهم فاجتويتهم و اجتبيتك

فلو أني ملكت دفعا لما نابك

من طارق الردى لفديتك

٦٠