كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة28%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39106 / تحميل: 7700
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

و روى ابن الكلبي عن أبيه عن عبد الرحمن بن السائب،قال:قال الحجاج يوما لعبد الله بن هانئ،و هو رجل من بني أود حي من قحطان،و كان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها،و كان من أنصاره و شيعته،و الله ما كافأتك بعد،ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة سيد بني فزارة أن زوج عبد الله بن هانئ بابنتك،فقال:لا و الله و لا كرامة،فدعا بالسياط فلما رأى الشر.قال:نعم أزوجه،ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية زوج ابنتك من عبد الله بن أود،فقال:و من أود لا و الله لا أزوجه و لا كرامة،فقال:علي بالسيف،فقال:دعني حتى أشاور أهلي،فشاورهم فقالوا:زوجه و لا تعرض نفسك لهذا الفاسق،فزوجه فقال الحجاج لعبد الله:قد زوجتك بنت سيد فزارة و بنت سيد همدان،و عظيم كهلان و ما أود هناك،فقال:لا تقل أصلح الله الأمير ذاك،فإن لنا مناقب ليست لأحد من العرب.قال:و ما هي ؟ قال:ما سب أمير المؤمنين عبد الملك في ناد لنا قط.قال:منقبة و الله.قال:و شهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا ما شهد منا مع أبي تراب إلا رجل واحد،و كان و الله ما علمته امرأ سوء.قال:منقبة و الله.قال:و منا نسوة نذرن إن قتل الحسين بن علي أن تنحر كل واحدة عشر قلائص ففعلن.قال:منقبة و الله.قال:و ما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب و لعنه إلا فعل،و زاد ابنيه حسنا و حسينا،و أمهما فاطمة.قال:منقبة و الله.قال:و ما أحد من العرب له من الصباحة و الملاحة ما لنا،فضحك الحجاج و قال:أما هذه يا أبا هانئ فدعها،و كان عبد الله دميما شديد الأدمة مجدورا في رأسه عجر،مائل الشدق أحول قبيح الوجه شديد الحول.و كان عبد الله بن الزبير يبغض عليا(عليه‌السلام )و ينتقصه و ينال من عرضه.

٦١

و روى عمر بن شبة و ابن الكلبي و الواقدي و غيرهم من رواة السير أنه مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و قال:لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها.و في رواية محمد بن حبيب،و أبي عبيدة معمر بن المثنى،أن له أهيل سوء ينغضون رءوسهم عند ذكره.و روى سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس:ما حديث أسمعه عنك ؟ قال:و ما هو ؟ قال:تأنيبي و ذمي،فقال:إني سمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره،فقال ابن الزبير:إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة،و ذكر تمام الحديث.و روى عمر بن شبة أيضا عن سعيد بن جبير قال:خطب عبد الله بن الزبير،فنال من علي(عليه‌السلام )فبلغ ذلك محمد بن الحنفية فجاء إليه،و هو يخطب فوضع له كرسي فقطع عليه خطبته،و قال:يا معشر العرب،شاهت الوجوه أينتقص علي و أنتم حضور ؟ إن عليا كان يد الله على أعداء الله،و صاعقة من أمره أرسله على الكافرين و الجاحدين لحقه،فقتلهم بكفرهم فشنئوه و أبغضوه،و أضمروا له الشنف و الحسد و ابن عمه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حي بعد لم يمت،فلما نقله الله إلى جواره و أحب له ما عنده،أظهرت له رجال أحقادها،و شفت أضغانها،فمنهم من ابتز حقه،و منهم من ائتمر به ليقتله،و منهم من شتمه و قذفه بالأباطيل،فإن يكن لذريته و ناصري دعوته دولة تنشر عظامهم،و تحفر على أجسادهم و الأبدان منهم يومئذ بالية بعد أن تقتل الأحياء منهم و تذل رقابهم،فيكون الله عز اسمه قد عذبهم بأيدينا،و أخزاهم و نصرنا عليهم،و شفا صدورنا منهم،إنه و الله ما يشتم عليا إلا كافر يسر شتم رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و يخاف أن يبوح به

٦٢

فيكني بشتم علي(عليه‌السلام )عنه،أما إنه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره،و سمع قول رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فيه:(لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق)،(وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)،فعاد ابن الزبير إلى خطبته و قال:عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن أم حنيفة،فقال محمد:يا ابن أم رومان،و ما لي لا أتكلم و هل فاتني من الفواطم إلا واحدة و لم يفتني فخرها ؛ لأنها أم أخوي ؟ أنا ابن فاطمة بنت عمران،بن عائذ بن مخزوم جده رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و أنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و القائمة مقام أمه،أما و الله لو لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد بن عبد العزى عظما إلا هشمته،ثم قام فانصرف.

فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي

و ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافيرحمه‌الله تعالى،و كان من المتحققين بموالاة علي(عليه‌السلام )و المبالغين في تفضيله،و إن كان القول بالتفضيل عاما شائعا في البغداديين من أصحابنا كافة،إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا و أخلصهم فيه اعتقادا،أن معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي(عليه‌السلام )تقتضي الطعن فيه و البراءة منه،و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله،فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير.روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه قال:حدثتني عائشة قالت:كنت عند

٦٣

رسول الله إذ أقبل العباس و علي،فقال:يا عائشة،إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال ديني.و روى عبد الرزاق عن معمر قال:كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي(عليه‌السلام )فسألته عنهما يوما فقال:ما تصنع بهما و بحديثهما،الله أعلم بهما إني لأتهمهما في بني هاشم.قال:فأما الحديث الأول فقد ذكرناه،و أما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته،قالت:كنت عند النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إذ أقبل العباس و علي فقال:يا عائشة،إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا،فنظرت فإذا العباس و علي بن أبي طالب.و أما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص قال:سمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله و صالح المؤمنين،و أما أبو هريرة:فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا(عليه‌السلام )خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فأسخطه،فخطب على المنبر و قال:لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله و ابنة عدو الله أبي جهل،إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها،فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي و ليفعل ما يريد أو كلاما هذا معناه،و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي.قلت:هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسور بن مخرمة الزهري،و قد ذكره المرتضى في كتابه المسمى تنزيه الأنبياء و الأئمة،و ذكر أنه رواية

٦٤

حسين الكرابيسي،و أنه مشهور بالانحراف عن أهل البيت(عليه‌السلام )،و عداوتهم و المناصبة لهم،فلا تقبل روايته.و لشياع هذا الخبر و انتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح بها الرشيد،و يذكر فيها ولد فاطمة(عليه‌السلام )و ينحي عليهم و يذمهم،و قد بالغ حين ذم عليا(عليه‌السلام )،و نال منه و أولها:

سلام على جمل و هيهات من جمل

و يا حبذا جمل و إن صرمت حبلي

يقول فيها:

علي أبوكم كان أفضل منكم

أباه ذوو الشورى و كانوا ذوي الفضل

و ساء رسول الله إذ ساء بنته

بخطبته بنت اللعين أبي جهل

فذم رسول الله صهر أبيكم

على منبر بالمنطق الصادع الفضل

و حكم فيها حاكمين أبوكم

هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

و قد باعها من بعده الحسن ابنه

فقد أبطلت دعواكم الرثة الحبل

و خليتموها و هي في غير أهلها

و طالبتموها حين صارت إلى أهل

و قد روي هذا الخبر على وجوه مختلفة،و فيه زيادات متفاوتة،فمن الناس من يروي فيه مهما ذممنا من صهر،فإنا لم نذم صهر أبي العاص بن الربيع،و من الناس من يروي فيه ألا إن بني المغيرة أرسلوا إلى علي ليزوجوه كريمتهم و غير ذلك.و عندي أن هذا الخبر لو صح لم يكن على أمير المؤمنين فيه غضاضة و لا قدح ؛ لأن

٦٥

الأمة مجمعة على أنه لو نكح ابنة أبي جهل مضافا إلى نكاح فاطمة(عليها‌السلام )لجاز ؛ لأنه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع،فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ؛ لأن هذه القصة كانت بعد فتح مكة،و إسلام أهلها طوعا و كرها و رواة الخبر موافقون على ذلك،فلم يبق إلا أنه إن كان هذا الخبر صحيحا،فإن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لما رأى فاطمة(عليها‌السلام ):قد غارت و أدركها ما يدرك النساء عاتب عليا(عليه‌السلام )عتاب الأهل،و كما يستثبت الوالد رأي الولد و يستعطفه إلى رضا أهله و صلح زوجته،و لعل الواقع كان بعض هذا الكلام فحرف و زيد فيه،و لو تأملت أحوال النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )مع زوجاته،و ما كان يجري بينه و بينهن من الغضب تارة و الصلح أخرى،و السخط تارة و الرضا أخرى،حتى بلغ الأمر إلى الطلاق مرة و إلى الإيلاء مرة،و إلى الهجر و القطيعة مرة،و تدبرت ما ورد في الروايات الصحيحة مما كن يلقينه(عليه‌السلام )به و يسمعنه إياه،لعلمت أن الذي عاب الحسدة و الشائنون عليا(عليه‌السلام )به بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط،و لو لم يكن إلا قصة مارية و ما جرى بين رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و بين تينك الامرأتين من الأحوال و الأقوال،حتى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب و يكتب في المصاحف،و قيل لهما ما لا يقال للإسكندر ملك الدنيا لو كان حيا منابذا لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):( وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) ،ثم أردف بعد ذلك بالوعيد و التخويف:( عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ) الآيات بتمامها،ثم ضرب لهما مثلا امرأة نوح و امرأة لوط اللتين خانتا بعليهما:فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اَللَّهِ شَيْئاًو تمام الآية معلوم،فهل ما روي في الخبر من تعصب فاطمة على علي(عليها‌السلام )

٦٦

و غيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم،إذا قويس إلى هذه الأحوال و غيرها مما كان يجري إلا كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس،و لكن صاحب الهوى و العصبية لا علاج له.ثم نعود إلى حكاية كلام شيخنا أبي جعفر الإسكافيرحمه‌الله تعالى قال أبو جعفر و روى الأعمش قال:لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة،فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه،ثم ضرب صلعته مرارا،و قال:يا أهل العراق،أتزعمون أني أكذب على الله و على رسوله و أحرق نفسي بالنار،و الله لقد سمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:إن لكل نبي حرما و إن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور،فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين،و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها،فلما بلغ معاوية قوله،أجازه و أكرمه و ولاه أمارة المدينة.قلت:أما قوله ما بين عير إلى ثور،فالظاهر أنه غلط من الراوي ؛ لأن ثورا بمكة و هو جبل يقال له:ثور أطحل،و فيه الغار الذي دخله النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و أبو بكر،و إنما قيل أطحل ؛ لأن أطحل بن عبد مناف،بن أد،بن طابخة،بن إلياس،بن مضر،بن نزار،بن عدنان كان يسكنه،و قيل:اسم الجبل أطحل،فأضيف ثور إليه و هو ثور بن عبد مناف،و الصواب ما بين عير إلى أحد.فأما قول أبي هريرة:أن عليا(عليه‌السلام )أحدث في المدينة،فحاش لله كان علي(عليه‌السلام )أتقى لله من ذلك،و الله لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له إلا مثله.قال أبو جعفر و أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي،الرواية ضربه عمر

٦٧

بالدرة،و قال:قد أكثرت من الرواية و أحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).و روى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي قال:كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار.و روى أبو أسامة عن الأعمش قال:كان إبراهيم صحيح الحديث،فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه،فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة،فقال دعني من أبي هريرة إنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه.و قد روي عن علي(عليه‌السلام )أنه قال:ألا إن أكذب الناس أو قال:أكذب الأحياء على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أبو هريرة الدوسي.و روى أبو يوسف قال:قلت لأبي حنيفة:الخبر يجي‏ء عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يخالف قياسنا ما تصنع به ؟ قال:إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به و تركنا الرأي،فقلت:ما تقول في رواية أبي بكر و عمر ؟ فقال:ناهيك بهما،فقلت:علي و عثمان ؟ قال:كذلك،فلما رآني أعد الصحابة قال:و الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا،ثم عد منهم أبا هريرة و أنس بن مالك.و روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم،عن عمر بن عبد الغفار:أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة و يجلس الناس إليه،فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال:يا أبا هريرة،أنشدك الله،أسمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول لعلي بن أبي طالب:(اللهم وال من والاه و عاد من عاداه)؟ فقال:اللهم نعم.قال:فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه ثم قام عنه.

٦٨

وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق و يلعب معهم،و كان يخطب و هو أمير المدينة،فيقول:الحمد لله الذي جعل الدين قياما و أبا هريرة إماما،يضحك الناس بذلك،و كان يمشي و هو أمير المدينة في السوق،فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الأرض و يقول:الطريق،الطريق،قد جاء الأمير يعني نفسه.قلت:قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة،و قوله فيه حجة ؛ لأنه غير متهم عليه.قال أبو جعفر:و كان المغيرة بن شعبة يلعن عليا(عليه‌السلام )لعنا صريحا على منبر الكوفة،و كان بلغه عن علي(عليه‌السلام )في أيام عمر أنه قال:لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بأحجاره،يعني:واقعة الزناء بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة،و نكل زياد عن الشهادة،فكان يبغضه لذاك و لغيره من أحوال اجتمعت في نفسه.قال:و قد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنه كان يأخذه الزمع عند ذكر علي(عليه‌السلام )فيسبه،و يضرب بإحدى يديه على الأخرى و يقول:و ما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه،و قد أراق من دماء المسلمين ما أراق.قال:و قد كان في المحدثين من يبغضه(عليه‌السلام )،و يروي فيه الأحاديث المنكرة منهم حريز بن عثمان كان يبغضه و ينتقصه،و يروي فيه أخبارا مكذوبة،و قد روى

٦٩

المحدثون:أن حريزا رؤي في المنام بعد موته فقيل له:ما فعل الله بك ؟ قال:كاد يغفر لي لو لا بغض علي.قلت:قد روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال:حدثني أبو جعفر بن الجنيد،قال:حدثني إبراهيم بن الجنيد،قال:حدثني محفوظ بن المفضل بن عمر،قال:حدثني أبو البهلول يوسف بن يعقوب،قال:حدثنا حمزة بن حسان و كان مولى لبني أمية،و كان مؤذنا عشرين سنة،و حج غير حجة،و أثنى أبو البهلول عليه خيرا،قال:حضرت حريز بن عثمان و ذكر علي بن أبي طالب فقال:ذاك الذي أحل حرم رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حتى كاد يقع.قال محفوظ:قلت ليحيي بن صالح الوحاظي قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز فما بالك لم تحمل عن حريز ؟ قال:إني أتيته فناولني كتابا،فإذا فيه حدثني فلان عن فلان:إن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،فرددت الكتاب و لم أستحل أن أكتب عنه شيئا.قال أبو بكر:و حدثني أبو جعفر،قال:حدثني إبراهيم،قال:حدثني محمد بن عاصم صاحب الخانات،قال:قال لنا حريز بن عثمان:أنتم يا أهل العراق تحبون علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )و نحن نبغضه.قالوا:لم ؟ قال:لأنه قتل أجدادي.قال محمد بن عاصم:و كان حريز بن عثمان نازلا علينا.قال أبو جعفررحمه‌الله تعالى:و كان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها،و يرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،قال يوما في مجلس معاوية:إن عليا لم ينكحه رسول الله ابنته حبا،و لكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه.

٧٠

قال:و قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى،و يروى أنه لما مات و دفنوه،أقبل رجل راكب ظليما فوقف قريبا منه،ثم قال:

أمن رسم دار من مغيرة تعرف

عليها زواني الإنس و الجن تعزف

فإن كنت قد لاقيت فرعون بعدنا

و هامان فاعلم أن ذا العرش منصف

قال:فطلبوه فغاب عنهم،و لم يروا أحدا فعلموا أنه من الجن.قال:فأما مروان بن الحكم فأحقر و أقل من أن يذكر في الصحابة الذين قد غمصناهم،و أوضحنا سوء رأينا فيهم ؛ لأنه كان مجاهرا بالإلحاد هو و أبوه الحكم بن أبي العاص،و هما الطريدان اللعينان،كان أبوه عدو رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يحكيه في مشيه،و يغمز عليه عينه،و يدلع له لسانه،و يتهكم به و يتهانف عليه هذا،و هو في قبضته و تحت يده و في دار دعوته بالمدينة،و هو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء من ليل أو نهار،فهل يكون هذا إلا من شانئ شديد البغضة و مستحكم العداوة ؟ حتى أفضى أمره إلى أن طرده رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عن المدينة و سيره إلى الطائف.و أما مروان ابنه،فأخبث عقيدة و أعظم إلحادا و كفرا،و هو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين(عليه‌السلام )إلى المدينة،و هو يومئذ أميرها و قد حمل الرأس على يديه فقال:

يا حبذا بردك في اليدين

و حمرة تجري على الخدين

كأنما بت بمسجدين

٧١

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي و قال:يا محمد،يوم بيوم بدر،و هذا القول مشتق من الشعر الذي تمثل به يزيد بن معاوية،و هو شعر ابن الزبعري يوم وصل الرأس إليه.و الخبر مشهور.قلت هكذا قال شيخنا أبو جعفر:و الصحيح أن مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ بل كان أميرها عمرو بن سعيد بن العاص،و لم يحمل إليه الرأس،و إنما كتب إليه عبيد الله بن زياد يبشره بقتل الحسين(عليه‌السلام )،فقرأ كتابه على المنبر و أنشد الرجز المذكور،و أومأ إلى القبر قائلا يوم بيوم بدر،فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار.ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب.قال و روى الواقدي:أن معاوية لما عاد من العراق إلى الشام بعد بيعة الحسن(عليه‌السلام )و اجتماع الناس إليه خطب فقال:أيها الناس،إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لي:إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة فإن فيها الأبدال،و قد اخترتكم فالعنوا أبا تراب،فلعنوه،فلما كان من الغد كتب كتابا،ثم جمعهم فقرأه عليهم،و فيه:هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمدا نبيا،و كان أميا لا يقرأ و لا يكتب،فاصطفى له من أهله وزيرا كاتبا أمينا،فكان الوحي ينزل على محمد و أنا أكتبه،و هو لا يعلم ما أكتب فلم يكن بيني و بين الله أحد من خلقه،فقال له الحاضرون كلهم:صدقت يا أمير المؤمنين.

٧٢

قال أبو جعفر:و قد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب:( وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اَللَّهَ عَلى‏ ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ اَلْخِصامِ وَ إِذا تَوَلَّى سَعى‏ فِي اَلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ اَلْحَرْثَ وَ اَلنَّسْلَ وَ اَللَّهُ لا يُحِبُّ اَلْفَسادَ ) ،و أن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم و هي قوله تعالى:( وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللَّهِ ) فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم،فلم يقبل،فبذل له ثلاثمائة ألف،فلم يقبل،فبذل له أربعمائة ألف،فقبل و روى ذلك.قال:و قد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي(عليه‌السلام )و عاقبوا على ذلك الراوي له،حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه،فيقول:عن أبي زينب.و روى عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال:وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )يوما إلى الليل و أن عنقي هذه ضربت بالسيف.قال:فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة و الاستفاضة و كثرة النقل إلى غاية بعيدة،لانقطع نقلها للخوف و التقية من بني مروان،مع طول المدة و شدة العداوة.و لو لا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث،و لا عرفت له منقبة،ألا ترى أن رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها،و منع الناس أن يذكروه بخير و صلاح لخمل ذكره،و نسي اسمه و صار،و هو موجود معدوما،و هو حي ميتا،هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفررحمه‌الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل.

٧٣

فصل في ذكر المنحرفين عن علي(عليه‌السلام )

و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين:أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين كانوا منحرفين عن علي(عليه‌السلام )قائلين فيه السوء،و منهم من كتم مناقبه و أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة،فمنهم أنس بن مالك،ناشد علي(عليه‌السلام )الناس في رحبة القصر أو قال رحبة الجامع بالكوفة:(أيكم سمع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:(من كنت مولاه فعلي مولاه))،فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها،و أنس بن مالك في القوم لم يقم،فقال له:(يا أنس،ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها ؟)فقال:يا أمير المؤمنين،كبرت و نسيت،فقال:(اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها الغمامة)،قال طلحة بن عمير:فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.و روى عثمان بن مطرف:أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب،فقال:إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة،ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم.و روى أبو إسرائيل،عن الحكم،عن أبي سليمان المؤذن:أن عليا(عليه‌السلام )نشد الناس:من سمع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:(من كنت مولاه فعلي مولاه)؟ فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم فلم يشهد،و كان يعلمها،فدعا علي(عليه‌السلام )عليه بذهاب البصر فعمي،فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كف بصره.قالوا:و كان الأشعث بن قيس الكندي،و جرير بن عبد الله البجلي يبغضانه،و هدم علي(عليه‌السلام )دار جرير بن عبد الله.قال إسماعيل بن جرير:هدم علي دارنا مرتين.

٧٤

و روى الحارث بن حصين:أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين نعاله و قال:احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك،فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما،فلما أرسله علي(عليه‌السلام )إلى معاوية ذهبت الأخرى،ثم فارق عليا و اعتزل الحرب.و روى أهل السيرة:أن الأشعث خطب إلى علي(عليه‌السلام )ابنته فزبره و قال:يا ابن الحائك،أغرك ابن أبي قحافة.و روى أبو بكر الهذلي عن الزهري،عن عبيد الله بن عدي،بن الخيار،بن نوفل،بن عبد مناف قال:قام الأشعث إلى علي(عليه‌السلام )فقال:إن الناس يزعمون أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك،فقال:إنه عهد إلي ما في قراب سيفي لم يعهد إلي غير ذلك،فقال الأشعث:هذه إن قلتها فهي عليك لا لك،دعها ترحل عنك،فقال له:و ما علمك بما علي مما لي،منافق ابن كافر،حائك ابن حائك إني لأجد منك بنة الغزل،ثم التفت إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار فقال:يا عبيد الله إنك لتسمع خلافا و ترى عجبا،ثم أنشد:

أصبحت هزءا لراعي الضأن أتبعه

ما ذا يريبك مني راعي الضأن

و قد ذكرنا في بعض الروايات المتقدمات أن سبب قوله هذه:عليك لا لك أمر آخر،و الروايات تختلف.و روى يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش أن جريرا و الأشعث خرجا إلى جبان الكوفة،فمر بهما ضب يعدو،و هما في ذم علي(عليه‌السلام )،فنادياه:يا أبا حسل،هلم

٧٥

يدك نبايعك بالخلافة،فبلغ عليا(عليه‌السلام )قولهما،فقال:أما إنهما يحشران يوم القيامة و إمامهما ضب.و كان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عنه(عليه‌السلام )روى شريك عن عثمان بن أبي زرعة،عن زيد بن وهب قال:تذاكرنا القيام إذا مرت الجنازة عند علي(عليه‌السلام )،فقال أبو مسعود الأنصاري:قد كنا نقوم،فقال علي(عليه‌السلام ):ذاك و أنتم يومئذ يهود،و روى شعبة عن عبيد بن الحسن عن عبد الرحمن بن معقل،قال:حضرت عليا(عليه‌السلام )و قد سأله رجل عن امرأة توفي عنها زوجها،و هي حامل،فقال:تتربص أبعد الأجلين،فقال رجل:فإن أبا مسعود يقول:وضعها انقضاء عدتها،فقال علي(عليه‌السلام ):إن فروجا لا يعلم،فبلغ قوله أبا مسعود فقال:بلى،و الله إني لأعلم أن الآخر شر.و روى المنهال عن نعيم بن دجاجة قال:كنت جالسا عند علي(عليه‌السلام )إذ جاء أبو مسعود،فقال علي(عليه‌السلام ):جاءكم فروج،فجاء فجلس فقال له علي(عليه‌السلام ):بلغني أنك تفتي الناس،قال:نعم و أخبرهم أن الآخر شر.قال:فهل سمعت من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )شيئا ؟ قال:نعم،سمعته يقول:لا يأتي على الناس سنة مائة و على الأرض عين تطرف.قال:أخطأت استك الحفرة و غلطت في أول ظنك،إنما عنى من حضره يومئذ و هل الرخاء إلا بعد المائة.

٧٦

و روى جماعة من أهل السير:أن عليا(عليه‌السلام )كان يقول عن كعب الأحبار إنه لكذاب،و كان كعب منحرفا عن علي(عليه‌السلام )و كان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفا عنه و عدوا له،و خاض الدماء مع معاوية خوضا،و كان من أمراء يزيد ابنه حتى قتل و هو على حاله.و قد روي أن عمران بن الحصين كان من المنحرفين عنه(عليه‌السلام )،و أن عليا سيره إلى المدائن،و ذلك أنه كان يقول:إن مات علي فلا أدري ما موته،و إن قتل فعسى أني إن قتل رجوت له.و من الناس من يجعل عمران في الشيعة.و كان سمرة بن جندب من شرطة زياد روى عبد الملك بن حكيم عن الحسن قال:جاء رجل من أهل خراسان إلى البصرة،فترك مالا كان معه في بيت المال و أخذ براءة،ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فأخذه سمرة بن جندب،و اتهمه برأي الخوارج،فقدمه فضرب عنقه،و هو يومئذ على شرطة زياد فنظروا فيما معه،فإذا البراءة بخط بيت المال،فقال أبو بكرة:يا سمرة،أما سمعت الله تعالى يقول:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) ،فقال:أخوك أمرني بذلك.و روى الأعمش عن أبي صالح قال:قيل لنا قد قدم رجل من أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فأتيناه،فإذا هو سمرة بن جندب و إذا عند إحدى رجليه خمر،و عند الأخرى ثلج فقلنا:ما هذا ؟ قالوا:به النقرس و إذا قوم قد أتوه،فقالوا:يا سمرة،

٧٧

ما تقول لربك غدا تؤتى بالرجل،فيقال لك هو من الخوارج فتأمر بقتله،ثم تؤتى بآخر فيقال لك:ليس الذي قتلته بخارجي ذاك فتى وجدناه ماضيا في حاجته فشبه علينا،و إنما الخارجي هذا فتأمر بقتل الثاني،فقال سمرة:و أي بأس في ذلك إن كان من أهل الجنة مضى إلى الجنة،و إن كان من أهل النار مضى إلى النار.

و روى واصل مولى أبي عيينة،عن جعفر بن محمد بن علي(عليه‌السلام )،عن آبائه قال:كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار،فكان يؤذيه فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فبعث إلى سمرة فدعاه فقال له:بع نخلك من هذا و خذ ثمنه.قال:لا أفعل.قال:فخذ نخلا مكان نخلك.قال:لا أفعل.قال:فاشتر منه بستانه.قال:لا أفعل.قال:فاترك لي هذا النخل و لك الجنة.قال:لا أفعل.فقال(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )للأنصاري:اذهب فاقطع نخله،فإنه لا حق له فيه.و روى شريك قال:أخبرنا عبد الله بن سعد،عن حجر بن عدي قال:قدمت المدينة فجلست إلى أبي هريرة،فقال:ممن أنت ؟ قلت:من أهل البصرة.قال:ما فعل سمرة بن جندب ؟ قلت:هو حي.قال:ما أحد أحب إلي طول حياة منه.قلت:و لم ذاك ؟ قال:إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لي:و له و لحذيفة بن اليمان آخركم موتا في النار فسبقنا حذيفة،و أنا الآن أتمنى أن أسبقه.قال:فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين.و روى أحمد بن بشير عن مسعر بن كدام،قال:كان سمرة بن جندب أيام مسير

٧٨

الحسين(عليه‌السلام )إلى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد،و كان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين(عليه‌السلام )و قتاله.و من المنحرفين عنه المبغضين له عبد الله بن الزبير و قد ذكرناه آنفا،كان علي ع يقول:(ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فأفسده).و عبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب،و هو الذي زين لعائشة مسيرها إلى البصرة،و كان سبابا فاحشا،يبغض بني هاشم و يلعن و يسب علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و كان علي(عليه‌السلام )يقنت في صلاة الفجر،و في صلاة المغرب،و يلعن معاوية،و عمر،و المغيرة،و الوليد بن عقبة،و أبا الأعور،و الضحاك بن قيس،و بسر بن أرطاة،و حبيب بن مسلمة،و أبا موسى الأشعري،و مروان بن الحكم،و كان هؤلاء يقنتون عليه و يلعنونه.و روى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلمرحمه‌الله تعالى،عن نصر بن عاصم الليثي،عن أبيه قال:أتيت مسجد رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله،فقلت:ما هذا ؟ قالوا:معاوية،قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد،فقال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):لعن الله التابع و المتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه،قالوا:يعني الكبير العجز.و قال:روى العلاء بن حريز القشيري:أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لمعاوية:لتتخذن يا معاوية البدعة سنة و القبح حسنا أكلك كثير و ظلمك عظيم.قال:و روى الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ.قال:قال

٧٩

علي(عليه‌السلام )نحن و آل أبي سفيان قوم تعادوا في الأمر،و الأمر يعود كما بدا.قلت:و قد ذكرنا نحن في تلخيص نقض السفيانية ما فيه كفاية في هذا الباب.و روى صاحب كتاب الغارات:عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله قال:ذكر المغيرة بن شعبة عند علي(عليه‌السلام )و جده مع معاوية قال:و ما المغيرة،إنما كان إسلامه لفجرة و غدرة غدرها بنفر من قومه فتك بهم و ركبها منهم،فهرب منهم فأتى النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،كالعائذ بالإسلام،و الله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعا و لا خشوعا،ألا و إنه يكون من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة يجانبون الحق و يسعرون نيران الحرب و يوازرون الظالمين،ألا إن ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد يبغضون العرب،كأنهم ليسوا منهم و لرب صالح قد كان منهم،فمنهم عروة بن مسعود،و أبو عبيد بن مسعود المستشهد يوم قس الناطف،و إن الصالح في ثقيف لغريب.قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به،و إطباق الناس عليه أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا و يشتمه،و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و نابذه،و قال له:أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا،فقال له علي(عليه‌السلام ):اسكت يا فاسق،فأنزل الله تعالى فيهما:( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) الآيات المتلوة،و سمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )الفاسق،فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

نذره مطلقا، أو بطلانه من أصله لوقيده بذلك الوقت؟ الاقوى هو الاول، وبيان وجهه يستدعي بسطا من الكلام، فنقول: إنه لاإشكال في أنه يتعبر في متعلق النذر من الرجحان، كما أنه يعتبر في متعلق العهد واليمين عدم المرجوحية، فيكون الرجحان من قبيل القيود المعتبرة في المتعلق، ولاإشكال أيضا في اعتبار تقدم المتعلق بجميع ماله من القيود على الحكم، بحيث يؤخذ المتعلق بماله من الشرائط مفروض التحقق حتى يرد الحكم عليه، فكل قيد لايتأتى إلا من قبل الحكم لايعقل أخذه في متعلقه، كمسألة القربة والعلم والجهل وأمثال ذلك مما هو مسطور في الاصول، وحيث كان الرجحان مأخوذا في متعلق النذر فلابد وأن يكون سابقا على النذر، حتى يرد النذر على المتعلق الراجح، ولايكفي الرجحان الجائي من قبل النذر كما يوهمه بعض العبائر، لتوقف صحة النذر على كونه راجحا، فلو توقف الرجحان على النذر يلزم الدور.

وما ورد(١) من صحة نذر بعض المحرمات، كالاحرام قبل الميقات، وكالصوم في السفر، فليس ذلك من باب الاكتفاء بالرجحان الجائي من قبل النذر، ولا من باب تخصيص ما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر بغير هذا المورد، بل ورود الدليل بصحة مثل هذا النذر يكشف عن تقييد الحرام الواقعي من الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات بما إذا لم يتعلق النذر به.

والحاصل: أن النذر من العناوين الطارئة القابلة لتغير الواقع عما هو عليه من المصلحة والمفسدة، كالضرر والاضطرار وأمثال ذلك، فإذا ورد دليل بالخصوص على صحة نذر الحرام فلامحالة يكشف عن تقييد الحرام واقعا بما إذا لم يقع نذر على خلافه، وهذا كما ترى لاربط له بما نحن فيه من عدم إمكان

____________________

(١) الوسائل: ج ١٦، ص ٢٠٣، باب ٢٠ وص ١٩٦ باب ١٣ من أبواب النذور والعهد. [ * ]

١٠١

الاكتفاء بالرجحان الجائي من قبل النذر، ومجرد ورود دليل بالخصوص في بعض الموارد لايمكن تسريته إلى جميع الموارد، إذ يلزمه القول بصحة نذر جميع المحرمات، وهذا كما ترى بديهي البطلان، فالنذر كالشرط فكما أنه لايمكن القول بصحة الشرط المخالف للكتاب بأدلة وجوب الوفاء بالشرط فكذلك لايمكن القول بصحة نذر المرجوح بأدلة وجوب الوفاء بالنذر، فلابد من ورود النذر على الموضوع الراجح، ولا أظن أحدا خالف ما ذكرناه.

نعم هنا أمر آخر وقع التكلم فيه من بعض الاعلام، وهو أنه هل يكفي في صحة النذر الرجحان حال النذر وإن صار مرجوحا حال الفعل، أو لايكفي بل يعتبر بقاء الرجحان إلى حال صدور الفعل؟ ومعنى الرجحان حال النذر هو أن يكون الفعل حال تعلق النذر به راجحا، كما إذا نذر زيارة الحسينعليه‌السلام في كل ليلة جمعة، ثم طرأ في بعض ليالي الجمع ما يقتضي المرحوحية، كما إذا حصلت له الاستطاعه للحج، فربما يقال: إن الفعل حيث كان في زمان صدور النذر راجحا فالنذر انعقد صحييحا لوجود ما اعتبر فيه من رجحان المتعلق، وبعد انقعاد النذر المرجوحية الطارئة غير موجبة لانحلاله، ففي المثال المتقدم الاستطاعة العارضة لاتكون موجبة لانحلال النذر، لانه لم تكن الاستطاعة حين انعقاده، فإذا لم تكن موجبة لانحلاله فلا يكون الشخص مستطيعا للحج، ولم يكن واجبا عليه، لاشتغال ذمته بواجب آخر مقدم عليه سببا.

ومن هنا نقل عن الشيخ صاحب الجواهررحمه‌الله أنه كان عند اشتغاله بكتابة الجواهر، ينذر زيارة الحسينعليه‌السلام ليلة العرفة حتى لايجب عليه الحج لوحصلت له الاستطاعة في الاثناء، وربما أفتى بذلك بعض المتأخرين، هذا. ولكن الظاهر أنه يعتبر في صحة النذر وبقائه من ثبوت الرجحان حال صدور

١٠٢

الفعل، ولايكفي الرجحان حال النذر كما لاتكفي القدرة على المتعلق حال التكليف بل يعتبر القدرة حال العمل، فكما أن كل تكليف مشروط ببقاء القدرة إلى زمان صدور الفعل فكذلك الرجحان في متعلق النذر لابد وأن يكون باقيا حال العمل، وإن كان بينهما فرق من حيث إن اعتبار القدرة عقلي واعتبار الرجحان شرعي، لكن الغرض مجرد التنظير.

والحاصل: أن الرجحان حال النذر لاأثر له في بقائه، بل لو فرض أنه كان حال النذر مرجوحا ولكن حال العمل كان راجحا لكان نذره صحيحا بلا إشكال، ففي المثال المتقدم لامحيص عن القول بانحلال نذره بمجرد طروء الاستطاعة، ويجب عليه الحج لصيرورة زيارة الحسينعليه‌السلام حينئذ مرجوحة، ولايمكن العكس بأن يقال: الحج يصير مرجوحا بعد تعلق النذر بالزيارة، فتصير الزيارة واجبة لسبق سببه ويرتفع حينئذ موضوع الاستطاعة، وذلك لان الكلام بعد في انعقاد النذر بالنسبة إلى الزيارة التي حصلت الاستطاعة قبل مجئ زمانها، ومجرد سبق النذر لايكفي في ذلك بعدما كان بقاؤه مشروطا ببقاء الرجحان، فالرجحان حال النذر مما لاأثر له.

بل يمكن أن يقال: إن الرجحان حال النذر كلمة لامعنى لها، ولايعقل في مثل المثال أن يقال بالرجحان حال النذر، فإنه لاإشكال في أن زيارة عرفة إنما تكون راجحة عند مجئ وقتها، ولايعقل أن يقال: إن زيارة عرفة راجحة قل مجئ وقتها الذي هو وقت النذر، فزيادة عرفة كصلاة الظهر، فكما لايمكن أن يقال: إن صلاة الظهر قبل الزوال راجحة فكذلك لامعنى للقول برجحان زيارة عرفة حين النذر الذي يكون قبل مجئ وقتها، بناء على ما هو الحق من عدم معقولية الواجب المعلق والشرط المتأخر، فلو نذر أحد قبل أشهر الحرم زيارة الحسينعليه‌السلام في يوم عرفة، فانعقاد هذا النذر يكون موقوفا ثبوتا بثبوت

١٠٣

رجحان الزيارة في ظرف وقوعها، فإذا استطاع الشخص قبل ذلك فتكون الزيارة في وقتها مرجوحة لسبق الاستطاعة، فلا يبقى موضوع للنذر، ولامحيص عن انحلاله، فتأمل.

والحاصل: أن النذر كالشرط، فكما لو شرط على المشتري ضيافة زيد في كل شهر مثلا أو في شهر خاص، واتفق ارتداد زيد وكفره في بعض الشهور أو في ذلك الشهر الخاص، بحيث حرم ضيافته إما لوجوب قتله وإما لحرمة موادته كان الشرط ملغى، ولايجب الوفاء به بعموم المؤمنون عند شروطهم(١) . والسر في ذلك أنه يعتبر في الشرط حدوثا وبقاء عدم مخالفته للكتاب، فكذلك لو نذر زيارة الحسينعليه‌السلام في كل شهر أو في شهر خاص، واتفق حصول الاستطاعة في بعض الشهور أو في ذلك الشهر الخاص، بحيث وجب عليه المسير للحج، كان النذر ملغى وينحل قهرا، لاعتبار الرجحان في متعلق النذر حدوثا وبقاء.

فظهر ضعف تعليل بعض الاعلام صحة نذر التطوع في وقت الفريضة بارتفاع مرجوحيتها بنفس النذر، قال: ولايرد أن متعلق النذر لابد أن يكون راجحا، وعلى القول بالمنع لارجحان فيه فلاينعقد نذره، وذلك لان الصلاة من حيث هي راجحة، ومرجوحيتها مقيدة بقيد يرتفع بنفس[ النذر ](٢) ، ولايعتبر في متعلق النذر الرجحان قبله ومع قطع النذر عنه، حتى يقال بعدم تحققه في المقام، انتهي.

وظاهر هذه العبارة لاتستقيم من أنه لاعبرة بالرجحان الجائي من قبل النذر، بل لابد وأن يكون الرجحان متحققا قبله، بل لايعقل ذلك كما عرفت، فتعليل صحة نذر التطوع في وقت الفريضة بهذا غير سديد، بل الاقوى في التعليل هو أن

____________________

(١) الوسائل: ج ١٥ ص ٣٠ باب ٢٠ من أبواب المهور، ح ٤.

(٢) ما بين المعقوفتين لم توجد في النسخة واثبتناه لاقتضاء السياق. [ * ]

١٠٤

يقال: إن ما هو المحرم التطوع في وقت الفريضة بوصف التطوع، وليست ذات صلاة جعفر مثلا محرمة، بل المحرم إنما هو التطوع بصلاة سجعفر وفعلها بداعي الاستحباب والتنفل، وصلاة جعفر بهذا الوصف لم يتعلق النذر بها، بل لايمكن أن يتعلق بها مقيدة بهذا الوصف، لانه يعتبر في متعلق النذر القدرة عليه، وصلاة جعفر بوصف كونها مستحبة غير مقدورة بعد تعلق النذر بها لصيرورتها واجبة، فلو فرض أن أحدا نذر فعل صلاة جعفر بوصف كونها مستحبة، كان نذره باطلا ولاينعقد أصلا، فالنذر دائما يكون متعلقا بذات العمل، وذات صلاة جعفر مع قطع النظر عن استحبابها لم تكن محرمة في وقت الفريضة، بل المحرم إنما هو التطوع بها، فإذا لم تكن ذات العمل منهيا عنه فلا مانع من تعلق النذر به، ويصير بذلك واجبا ويخرج موضوعا عن كونه تطوعا في وقت الفريضة، بل يكون فريضة في وقت فريضة.

فإن قلت: هب أن ذات العمل لم يكن منهيا عنه، إلا أن مجرد ذلك لايكفي في صحة النذر، لما تقدم من اعتبار الرجحان في متعلقه، ولا يكفي مجرد عدم المرجوحية، وذات العمل في وقت الفريضة حيث لم يتعلق به أمر استحبابي ولاوجوبي لايمكن الحكم برجحانه، فإن ذلك يكون رجما بالغيب.

والحاصل: أن رجحان الشئ لابد وأن يستكشف من تعلق الامر، إذ لاطريق لنا إلى معرفته سوى ذلك، وصلاة جعفر في وقت الفريصة بعد ما لم يتعلق بها أمر استحبابي ولاوجوبي حسب الفرض فمن أين يحكم برجحانها حتى يصح نذرها، فتكون واجبة وتخرج موضوعا عن كونها تطوعا في وقت الفريضة، فلامحيص إما عن القول ببطلان النذر وإما عن القول بالاكتفاء بالرجحان الآتي من قبل النذر، وقد تقدم عدم معقولية الثاني، فلابد من الاول وهو بطلان النذر.

قلت: يكفي في إثبات الرجحانية نفس العمومات الدالة على مشروعية صلاة

١٠٥

جعفر في نوعها، وكذا العمومات الدالة على أن الصلاة قربان كل تقي(١) ، ومعراج المؤمن(٢) ، وسقوط الامر بها في وقت الفريضة لايلازم سقوط الرجحانية المستكشفة من تلك العمومات.

والحاصل: أن القدر الثابت إنما هو سقوط الامر بالنوافل في وقت الفريضة، وأما سقوط الرجحان فلم يقم عليه دليل.

مضافا إلى معلومية أن الصلاة المشتملة على الذكر والدعاء لم تكن مرجوحة في حد نفسها بل تكون راجحة، فحينئذ يصح تعلق النذر بها، وبسببه تخرج عن كونها تطوعا في وقت الفريضة. ولايقاس ذلك بما إذا نذر أن يصلي خمس ركعات متصلة، حيث يكون نذره باطلا بالاجماع مع اشتمالها على الدعاء والذكر، وذلك لان الصلاة المشتملة على خمس ركعات لم تكن مشروعة في نوعها، وهذا بخلاف صلاة جعفر وغيرها من النوافل لمشروعيتها في نوعها، وإن سقط أمرها من جهة مزاحمتها لوقت الفريضة فتحصل: أن الرجحان المعتبر في متعلق النذر حاصل في المقام سابقا على النذر ومع قطع النظر عن تعلق النذر به، فلا حاجة إلى الالتزام بتلك المقالة الفاسدة من كفاية الرجحان الجائي من قبل الندر، فتأمل فيما ذكرناه فإنه بعد للنظر فيه مجال، إذ لمانع أن يمنع ثبوت الرجحان بعد تخصيص تلك العمومات الدالة على مشروعية الصلاة بغير وقت الفريضة.

نعم لو كان سقوط الامر بالنوافل في وقت الفريضة من باب المزاحمة لاالتخصيص لكان القول بثبوت الرجحان في محله، إلا أن إثبات ذلك مشكل،

____________________

(١) الكافي: ج ٣ ص ٢٦٥ باب فضل الصلاة، ح ٦.

(٢) الظاهر أن هذا مستفاد من الخبر لا أنه بنفسه خبر مستقل، راجع بحار الانوار: ج ٨٢ ص ٢٤٨. [ * ]

١٠٦

ولايسعنا التكلم في ذلك بأزيد مما ذكرناه، فعليك بالتأمل.

فإن قلت: سلمنا جميع ما ذكرته من تعلق النذر بذات الصلاة لابوصف التطوع، ومن ثبوت الرجحان لها مع قطع النظر عن تعلق النذر بها، إلا أنه لاإشكال في أن الامر بالوفاء بالنذر توصلي لايعتبر في سقوطه قصد التقرب وامتثال الامر، والمفروض أن ذات الصلاة في وقت الفريضة لم تكن مأمورا بها بأمر عبادي، فمن أين تقولون يعتبر في صحة مثل هذه الصلاة المنذورة من قصد التقرب والامر، بحيث لو لم يأت بها بهذا القصد كانت الصلاة باطلة، ولم يبرأ من نذره، مع أنه لم يكن في البين أمر عبادي يقصد؟ والحاصل: أن الامر النذري لو اتحد مع الامر العبادي في المتعلق، بأن تعلق الامر النذري بعين ما تعلق به الامر العبادي، لاكتسب الامر النذري التعبدية من الامر التعبدي لاتحادهما.

وذلك كما لو نذر صلاة الليل، فحيث إن النذر إنما يتعلق بذات صلاة الليل لابوصف كونها مستحبة، وإلا لكان النذر باطلا لعدم القدرة عليه من حيث صيرورة صلالاة الليل بعد النذر واجبة، فلا يمكن إتيانها بوصف كونها مستحبة، فالنذر لامحالة يتعلق بذات صلاة الليل، والمفروض أنه قد تعلق بذات الصلاة أمر استحبابي عبادي، فيتحذ متعلق النذر مع متعلق الامر الاستحبابي، وحيث لايمكن اجتماع الوجوب والاستحباب في متعلق الواحد فلامحالة يكتسب الامر النذري التعبدية من الامرر الاستحبابي وينخلع عما كان عليه من التوصلية، كما أن الامر الاستحبابي يكتسب من الامر النذري الوجوب وينخلع عما كان عليه من الاستحباب، فيتحد الامران ويحصل من ذلك أمر وجوبي عبادي، لكن هذا إنما يكون بعد تعلق الامر العبادي بصلاة الليل.

وأما فيما نحن فيه فالمفروض أنه لم يتعلق بذات صلاة جعفر في وقت الفريضة

١٠٧

أمر عبادي، والامر النذري لايكون إلا توصليا، فمن أين يكتسب التعبدية حتى يكفي قصده في وقوع الصلاة عبادة مقربة؟ قلت: قد علم من مذاق الشارع أن الصلاة وظيفة شرعت لان يتعبد بها، فلو تعلق بها أمر لكان لامر لامحالة عبادي يعتبر في سقوطه من قصد الامتثال، وحيث إن النذر تعلق بصلاة النافلة بذاتها، والمفروض اجتماع هذا النذر لشرائط الصحة من الرجحان وغيره، فلامحالة يتعلق الامر النذري بذات الصلاة، وإذا تعلق بها أمر وإن كان من قبل النذر فلابد وأن يكون عباديا.

وبالجملة: الامر النذري يختلف باختلاف ما تعلق به، فلو تعلق بأمر عبادي بمعنى أنه لو تعلق به أمر لكان أمره عباديا، لكان الامر النذري عباديا لايسقط إلا بقصد الامتثال، ولو تعلق بأمر غير عبادي يكون توصليا لايعتبر في سقوطه ذلك، فتأمل فإن للنظر في ذلك أيضا مجال. هذا كله بناء على حرمة التطوع في وقت الفريضة، وقد عرفت أن الاقوى صحة النذر مطلقا، وجواز فعل المنذور في وقت الفريضة، لصيرورته واجبا سواء كان نذره مطلقا أو قيده بخصوص وقت الفريضة، وإن كان الصحة في المطلق أوضح كما لايخفى وجهه.

وأما لو قلنا بالكراهة من باب أقل الثواب كما هو الشأن في كراهة العبادات فلا ينبغي الاشكال في صحة النذر، لان الكراهة في العبادات تجتمع مع الرجحان والامر كليهما، ويكون جميع أركان النذر متحققا بلا أن يدخله ريب، فتأمل جيدا. ولو آخر نفسه لصلاة الزيارة مثلا في وقت الفريضة فالاقوى أيضا هو الصحة، لصيرورتها بالاجارة واجبة وتخرج عن موضوع التطوع، بل الصحة في الاجارة أوضح منها في النذر، لامكان الاشكال في النذر من حيث الرجحان المعتبر في

١٠٨

متعلقه، ويتوهم أن ذات الصلاة التي هي متعلقة للنذر مع كونها غير مأمور بها لارجحان فيها، وهذا بخلاف الاجارة فإن متعلقها هي الصلاة المأمور بها بالامر المتوجه على المنوب عنه، فهذا الوصف داخل في متعلق الاجارة.

نعم هنا صورة إشكال، وهو أنه يعتبر في متعلق الاجارة أن يكون العمل المستأجر عليه مما يباح على الاجير فعله بحيث لايكون العمل محرما عليه، ووجه اعتبار ذلك واضح، وفي المقام لو كان متعلق الاجارة هو الصلاة بوصف كونها مأمورا بها بالامر الاستحبابي فالاجير لايمكنه فعلها بهذا الوصف، لان المفروض حرمة التطوع في وقت الفريضة، فإذا لم يمكن للاجير فعلها فكيف يصير أجيرا على فعلها؟ هذا مضافا إلى أنه يعتبر في متعلق الاجارة أيضا أن يكون المستأجر قادرا على العمل، بحيث يكون المستأجر مما يمكنه الفعل إذا أراد المباشرة به، فإذا كان الفعل محرما عليه شرعا لما جاز الاجارة عليه، لان فعل الاجير فعل المستأجر ويكون في الحقيقة هو العامل ببدنه التنزيلي، وفي المقام لو وقعت الاجارة في وقت فريضة المستأجر لكان مقتضى القاعدة بطلان الاجارة.

والحاصل: أنه لو وقعت الاجاة في وقت فريضة الاجير لزم الاشكال الاول، ولو وقعت في وقت فريضة المستأجر لزم الاشكال الثاني، ولو وقعت في وقت فريضة كل منهما لزم الاشكالان جميعا، هذا. ولكن يدفع الاول بأن ما يحرم على الاجير إنما هو فعل التطوع لنفسه في وقت فريضة، لافعل ما هو مستحب على الغير في وقت فريضة نفسه بالاجارة، فإن ذلك لامانع عنه في حد نفسه ولادليل على حرمته، نعم التبرع عن الغير فيما يستحب عليه لايخلو عن إشكال، لصدق التطوع في وقت الفريضة على مثل هذا، مع أن ذلك أيضا لايخلو عن نظر، فإن التبرع إنما هو في جهة النيابة لافي نفس الفعل، فالمتبرع

١٠٩

إنما يفعل ما هو مستحب على الغير نيابة عنه بقصد المجانية والقربة، فيثاب على هذا المعنى أي على فعله نيابة لاعلى أصل الفعل، ففعل الصلاة نيابة عن الغير لايدخل في عنوان حرمة التطوع في وقت الفريضة، سواء كان بالتبرع أو بالاجارة، وإن كان بالاجارة أوضح وأبعد عن الاشكال، وأما التبرع فبعد يحتاج إلى مزيد تأمل. ويدفع الثاني بأن ماهو حرام على المستأجر إنما هو المباشرة بالتطوع، وأما لو كان ذلك بالنيابة فلا، ولا ملازمة بين حرمة المباشرة وحرمة النيابة، كما يظهر ذلك من جواز إجارة الحائض الغير للطواف مع حرمة الطواف عليها مباشرة، وكذا اجارة الجنب الغير لدخول المسجد، وغير ذلك من الموارد كما يظهر للمتتبع، فلا إشكال من هذه الجهة أيضا، ولكن مع ذلك بعد في النفس من صحة الاجارة شئ، فتأمل.

المسألة الثانية: لو حصل للمكلف أحد الاعذار المانعة عن التكليف، كالحيص والجنون وأمثال ذلك، فإن مضى من الوقت مقدار فعل الصلاة التامة الاجزاء والشرائط، من الطهارة المائية وتحصيل الساتر وغير ذلك من الشرائط التي كان فاقدا لها قبل الوقت ثم طرأ عليه العذر، فلا إشكال ولاخلاف في وجوب القضاء عليه، كما لااشكال ولاخلاف فيما إذا طرأ عليه العذر في أول الوقت في سقوط القضاء، إنما الاشكال والخلاف فيما إذا مضى من الوقت اقل من ذلك المقدار، فهل يجب عليه القضاء أولا؟ وكذا الكلام بالنسبة إلى آخر الوقت لوزال العذر قبل آخره بمقدار لايتمكن من فعل الفريضة مجتمعة للشرائط والاجزاء، مع تمكنه منها فاقدة للشرائط مع الطهارة المائية، أو بدونها أيضا بحيث لم يكن متمكنا إلا من الصلاة مع الطهارة الترابية فقط دون سائر الشرائط ودون الطهارة المائية، فهل يجب عليه فعلها ولو خالف كان عليه القضاء، أو لايجب إلا إذا زال العذر

١١٠

قبل آخره بمقدار فعل الفريضة مجتمعة لجميع الشرائط؟ ولنقدم الكلام في أول الوقت ثم نعقبه بآخره إذ ربما يكون بينهما تفاوتا بحسب الدليل، فنقول. مقتضى القاعدة أنه لو طرأ عليه أحد الاعذار المسقطة للتكليف قبل مضي مقدار من الوقت يمكنه فعل الفريضة تامة للاجزاء والشرائط هو عدم وجوب القضاء عليه ولا الاداء، إذا علم في أول الوقت بطرو العذر بعد ذلك.

أما عدم وجوب الاداء فلان المفروض عدم تمكنه من فعل الصلاة التامة، ولادليل على سقوط الشرائط بالنسبة إلى مثل هذا الشخص، فإن ما دل على سقوط الشرائط في حال الاضطرار إنما هو مختص بما إذا كان الشخص غير متمكن في حد نفسه من فعل الشرط، لاما إذا كان في حد نفسه متمكنا من فعل الشرط ولكن طرأ عليه ما يوجب سقوط التكليف، كما فيما نحن فيه.

والحاصل: أن العذر عن فعل الشرط في زمان لايكفي في سقوط التكليف عنه مالم يتعذر في جميع الوقت كما هو التحقيق في ذوي الاعذار، بل يحتاج في سقوط التكليف عن الشرط هو ثبوت العذر في تمام الوقت، ولذا لايجوز لذوي الاعذار البدار إلى فعل الصلاة الفاقدة للشرائط ما لم يعلم بعدم زوال العذر، إلا أن يقوم دليل شرعي على تنزيل العذر في زمان منزلة العذر في تمام الوقت، كما لايبعد ثبوت ذلك بالنسبة إلى خصوص الطهارة المائية، حيث يجوز عليه البدار مع الطهارة الترابية وإن لم يعلم باستيعاب العذر لتمام الوقت، على ما يأتي بيانه إن شاء‌الله، وأما ماعدا الطهارة من سائر الشرائط فيحتاج في سقوط التكليف عنها بحسب القاعدة إلى استيعاب العذر لتمام الوقت، ولايكفي العذر في بعض إنما طرأ عليه ما يوجب سقوط التكليف من الحيض والجنون وغير ذلك.

١١١

فإن قلت: أما قلتم إن العذر إذا استوعب تمام الوقت كان التكليف بالنسبة إلى الشرط المعذور فيه ساقطا وكان يجب عليه الصلاة فاقدة لذاك الشرط، فما الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك، فإن الوقت بالنسبة إلى من تحيض عقيب نصف من الزوال هو هذا المقدار من الزمان، والمفروض أن في هذا المقدار من الزمان غير متمكن من الشرائط، فهو كما إذا استوعب عذره تمام الوقت؟ قلت: ليس الامر كذلك، فإن طروء الحيض لايوجب تضييق في الوقت المضروب للصلاة، بل الوقت المضروب إنما هو باق على حاله، غاية الامر أن الشخص غير متمكن من فعل الصلاة في وقتها من جهة عروض المسقط.

والحاصل: أنه فرق بين أن يستوعب العذر تمام الوقت المضروب للصلاة من الزوال إلى الغروب وبين أن يعرض المسقط في أثناء الوقت، فإن عروض المسقط لايجعله آخر الوقت، فلابد في القول بوجوب الادداء على مثل هذا الشخص من قيام دليل بالخصوص على تنزيل العذر في بعض الوقت بمنزلة العذر في تمام الوقت.

والقول بأن وقت هذا الشخص هذا المقدار من الزمان حتى يدخل في موضوع من استوعب عذره تمام الوقت خال عن الدليل، بل هو قياس محض، فتأمل فإنه بعد للتأمل فيه مجال. ثم لاأقل من الشك في كون هذا المقدار من العذر المتعقب بالمسقط موجبا لسقوط التكليف عن الشرط فقط حتى يجب عليه الصلاة الفاقدة، كما إذا استوعب العذر إلى تمام الوقت، فأصالة البراء‌ة محكمة، لان انعدام المشروط عند انعدام شرطه مما لايدخله ريب، والمفروض الشك في شمول تلك الادلة الدالة على سقوط خصوص الشرائط بالنسبة إلى مثل من يعرض المسقط، إذ لاأقل من كون المتيقن منها هو ما إذا لم يكن الشخص في حد نفسه قادرا على الشرط في مجموع

١١٢

الوقت، فبالنسبة إلى مثل هذا شاك في توجه التكليف إليه والاصل البراء‌ة، فالاقوى هو عدم وجوب الاداء على من علم بطرو المسقط قبل تمكنه من فعل الصلاة تامة الاجزاء والشرائط، فتأمل.

ثم على تقدير وجوب الاداء عليه لاوجه لوجوب القضاء عليه لو عصى وخالف، وذلك لان تبعية وجوب القضاء على الاداء إنما هوفيما إذا لم يقم دليل على سقوط القضاء، وفيما نحن فيه قام الدليل على سقوط القضاء، فإن مادل على أن مافوته الحيض والجنون لاقضاء عليه شامل لما نحن فيه، فإن الصلاة التامة الاجزاء والشرائط قد فوته الحيض فلا قضاء لها، والقول بقضاء الصلاة الفاقدة بديهي الفساد بعد تمكن المكلف من الصلاة التامة.

والحاصل: أن الصلاة التامة للشرائط لاقضاء لها من جهة أنها فاتت بسبب الحيض، والادلة ناطقة بعدم وجوب قضاء مافات بالحيض، وقضاء الصلاة الناقصة ضروري الفساد ولم يدعه أحد، ولايقاس ما نحن فيه بما إذا كان مكلفا بالصلاة الناقصة ففوتها عصيانا حيث يجب عليه قضاء الصلاة التامة بلا إشكال، لان التمامية والناقصية إنما هي من حالات المكلف كالجهر والاخفاف تدور مدار حال المكلف من التمكن وعدمه، ففي الوقت حيث لم يكن متمكنا إلا من الناقصة كانت هي الواجبة ليس إلا، وأما في خارج الوقت فحيث إنه متمكن من التامة كانت هي الواجبة أيضا ليس إلا، وذلك لان كون التمامية والناقصية من حالات المكلف مسلم، إلا أن العصيان لم يكن مسقطا للقضاء كما كان الحيض مسقطا له.

والحاصل: أن الفرق بين العصيان والحيض هو قيام الدليل على عدم قضاء مافات بالحيض.

فالاقوى أنه وإن قلنا بوجوب الاداء على من علم بطرو المسقط لايجب عليه القضاء، فتأمل.

هذا كله بالنسبة إلى أول الوقت.

١١٣

وأما آخر الوقت فيمتاز عن أوله أنه إذا أدرك مقدار خمس ركعات مع سائر الشرائط كان يجب عليه الاداء قطعا لقاعدة " من أدرك " وإن خالف كان عليه القضاء أيضا قطعا، وهذا بخلاف أول الوقت، فإنه لابد في وجوب الاداء والقضاء من إدراك ثمان ركعات من سائر الشرائط، لعدم جريان قاعدة " من أدرك " بالنسبة إلى أول الوقت، لاختصاص أدلتها بآخره كما لايخفى.

وأما لو أدرك من آخر الوقت دون ذلك فالكلام فيه الكلام في أوله أداء وقضاء، أما عدم وجوب القضاء عليه لو خالف فلجريان عين ما ذكرناه في أول الوقت فيه أيضا بلا تفاوت، وأما عدم وجوب الاداء عليه، فلانه وإن لم تجر العلة التي ذكرناها في أول الوقت فيه، لان من أفاق في آخر الوقت بمقدار لايمكنه فعل الصلاة مجتمعة للشرائط أو طهرت الحائض كذلك فقد استوعب عذره تمام الوقت، فيكون مشمولا لتلك الادلة الدالة على سقوط الشرائط عند عدم التمكن منها في مجموع الوقت، وإن كان يمكن أن يدعى أن تلك الادلة مقصورة بما إذا كان الشخص غير متمكن من فعل الشرط في حد نفسه في مجموع، لاما إذا كان متمكنا منه وكان جهة عذره من جهة انتفاء ما هو شرط التكليف من العقل والخلو عن الحيض، إلا أن الانصاف أن قصر تلك الادلة بذلك مشكل.

نعم يمكن أن يقال: إن الشرائط المأخوذة في لسان الادلة شرط للتكليف، كالعقل والبلوغ والخلو عن الحيض، لها دخل في الملاك وما هو جهة التكليف من المصالح والمفاسد، فحينئذ الصلاة التامة للشرائط لاملاك لها مع استيعاب الحيض والجنون إلى قريب من آخر الوقت، ولادليل على ثبوت الملاك في الصلاة الناقصة، فلاطريق إلى إثبات وجوب الاداء على مثل هذا، فتأمل فإن هذا أيضا لايتم إلا بعد القول بعدم شمول تلك الادلة الدالة على ثبوت التكليف بالناقص

١١٤

مع عدم التمكن من التام، كقولهعليه‌السلام " الصلاة لاتترك بحال "(١) وأمثال ذلك لما نحن فيه، وعليه لاحاجة إلى هذا البيان، وأما بعد الاعتراف بشمول تلك الادلة له فنفس تلك الادلة تكفي في ثبوت الملاك والتكليف بالناقص، فتأمل فتأمل(٢) فإن المسألة مشكلة، وعلى أي حال على تقدير القول بوجوب الاداء على مثل هذا الشخص لادليل على ثبوت القضاء عليه بالبيان المتقدم في أول الوقت.

ولافرق فيما ذكرنا بين الطهارة المائية وسائر الشرائط، فكما أنه يعتبر في آخر الوقت القدرة على الطهاررة المائية، كما ورد به النص في باب الحيض واعترف به الخصم، كذلك يعتبر القدرة على سائر الشرائط.

بل يمكن أن يستدل على اعتبار القدرة على جميع الشرائط في آخر الوقت بمصححة عبيد بن زرارة: أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة معينة ففرطت فيها حتى تدخل وقت صلاة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة اخرى فليس عليها قضاء(٣) .

بناء على أن يكون المراد من قوله " قامت في تهيئة ذلك " هو القيام في تهيئة مقدمات الصلاة لاخصوص الغسل، وإن كان ربما يأباه صدره، فتأمل. بل يمكن أن يقال بدلالة رواية محمد بن مسلم على اعتبار التمكن من جميع الشرائط في أول الوقت أيضا، فإن فيها عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت: المرأة ترى الطهر عند الظهر، فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر، قال: تصلي العصر وحدها، فإن ضيعت فعليها صلاتان(٤) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٧٥ باب ٣٩ من أبواب المواقيت، ح ٤.

(٢) هكذا في الاصل والظاهر ان الثانية زائدة.

(٣) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٨ باب ٤٩ من أبواب الحيض، ح ١، وفيه اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الاحكام: ج ١ ص ٨٩ باب ١٩ من أبواب الحيض والاستحاضة والنفاس، ح ٢٣. [ * ]

١١٥

بتقريب أن يقال: إن المراد من دخول وقت العصر هو دخول الوقت الاختصاصي لها، فيصير المعنى حينئذ أن المرأة إذا طهرت من حيضها في أول الزوال فقامت تشتغل في شأنها من الغسل وتهيئة سائر الشرائط، فلم يسع وقت صلاة الظهر لجميع ذلك حتى دخل وقت صلاة العصر، فقالعليه‌السلام : لايجب عليها إلا صلاة العصر وحدها، فيستداد منه أنه يعتبر في تكليفها بصلاة الظهر أن يسع الوقت لتهيئة جميع الشرائط التي كانت فاقدة لها، فلو لم يسع الوقت لذلك لم تكن مكلفة بالصلاة.

والاستدلال بهذا أيضا مبني على أن يكون المراد من الاشتغال بشأنها هو الاشتغال بالغسل وسائر الشرائط، لاخصوص الغسل أو هو مع طهارة بدنها من لوث الحيض، وأن يكون المراد من دخول وقت صلاة العصر هو الوقت الاختصاصي لها لا الوقت الفضلي كما هو الظاهر منه، إذ يبعد أن يطول زمان الاشتغال بشأنها إلى الوقت الاختصاصى للعصر مع أنها رأت الطهر في أول الوقت، كما هو الظاهر من قول السائل " رأت الطهر عن الظهر " وعليه يسقط الاستدلال بالرواية بالكلية لعدم العمل بها، بداهة أنه مجرد دخول وقت الفضلي للعصر لايوجب عدم تكليفها بالظهر إلا بناء على القول بأن آخر وقت الاجزائي للظهر هو المثل، فالرواية تنطبق على هذا المذهب، فتأمل فإن الاستدلال بالرواية لما نحن فيه لايخلو عن شئ.

إلا أنه لاحاجة إلى هذه الروايات، فإنا في غنى عنها بعد ما ذكرنا من أن عدم وجوب الاداء والقضاء عليها إنما هو مقتضى القاعدة، فللخصم من إقامة الدليل على الوجوب وهو مفقود، وإن كان ربما يستدل له بإطلاق بعض الاخبار، كخبر ابن الحجاج عن امرأة طمثت بعدما تزول الشمس ولم تصل الظهر، هل

١١٦

عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: نعم(١) .

فإن إطلاق السؤال يعم ما إذا لم يمض من الوقت بمقدار فعل الصلاة التامة، ولكن الانصاف انصرافه إلى مضي ذلك المقدار، فتأمل. ثم إنه لافرق فيما ذكرنا بين الحيض والبلوغ والجنون وغير ذلك من شرائط التكليف. نعم هنا كلام آخر في خصوص البلوغ ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه لو بلغ في اثناء الصلاة أو بعدها في سعة الوقت وقلنا بشرعية عبادة الصبي، فهل يجب عليه الاتمام في الاولى بلا إعادة والاجتزاء في الثانية، أو لايجزي بل يجب عليه إعادة الصلاة فيما إذا بلغ بعد الصلاة واستثنافها فيما إذا بلغ في أثنائها؟ وهنا احتمال آخر وهو إمام الصلاة التي بيده وجوبا أو ندبا ثم إعادتها.

وتنقيح البحث هو أن الكلام في المقام إنما هو بعد الفراغ عن شرعية عبادة الصبي واستحبابه، إذ لاموضوع لهذا البحث بناء على التمرينية، فإنه لاإشكال في عدم الاجتزاء بها، سواء بلغ في الاثناء أو بعد الفراغ، وليس له إتمامها إذابلغ في الاثناء وإن احتمله بعض لفوات موضوع التمرين بالبلوغ، وينقلب موضوع التمرين إلى الوجوب وتصير الصلاة واجبة عليه، فلاسبيل إلى القول بإتمامها تمرينا.

ثم إنه اختلفت كلمات الاصحاب في الحج وفي باب الصلاة والصيام، ففي باب الحج ذهب المشهور إلى أنه لو بلغ الصبي بعد تلبسه بالحج قبل الوقوف بالمشعر أجزأه عن حجة الاسلام، ولايحتاج إلى إعادة الافعال السابقة، وأما في باب الصلاة فقد ذهب المشهور إلى خلاف ذلك، وقالوا: إنه لو بلغ الصبي في

____________________

(١) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٧ باب ٤٨ من أبواب الحيض، ح ٥ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١١٧

الاثناء فلا يعتد بالافعال السابقة ويجب عليه استئنافها.

فقد يتخيل أنه لاوجه لهذا التفصيل مع كون البابين من واد واحد، إلا أن الانصاف أنه ليس كذلك، ويختلف باب الحج عن باب الصلاة، فإن في باب الحج بعد ما لوحظ كل فعل فيه على جهة الاستقلالية، ولذا يحتاج إلى تجديد النية عند كل فعل، وبعد كون حجة الاسلام ليست من الامور القصدية كالظهرية والعصرية، بل هي تدور مدار اجتماع شرائط حجه الاسلام على المكلف، فلو كان واجدا لها يكون حجه حجة الاسلام، وإن كان فاقدا لها لاتكون حجة الاسلام، وبعد ورود النص في أن العبد إذا اعتق قبل الوقوف بالمشعر أجزأه عن حجه الاسلام(١) ، وفهم وحدة المناط بين اشتراط الحرية واشتراط البلوغ وليس ذلك من باب القياس، يكون الاجتزاء بالحج الذي بلغ في أثنائه عن حجة الاسلام على القاعدة، بخلاف باب الصلاة فإن تطبيقه على القاعدة يحتاج إلى مؤنة اخرى سيأتي التعرض لها.

والحاصل: أنه فرق بين باب الحج وبين باب الصلاة، فإن في باب الحج بعد ورود النص الصحيح بأن العبد إذا اعتق قبل الوقوف أجزأ حجه عن حجة الاسلام، وبعد اتحاد المناط في العبد والصبي كما فهمه الاصحاب يكون

الحكم كما ذكره المشهور، فإن ما أوقعه الصبي قبل بلوغه ولو كان على جهة الندبية إلا أنه ندبية البعض لاينافي وجوب الآخر وهو سائر أفعال الحج التي تقع منه بعد البلوغ، لعدم ارتباطية الافعال بعضها مع بعض من هذه الجهة، فمجرد وقوع الاحرام مثلا ندبا لاينافي وقوع الوقوف مثلا وجوبا، وكذا وقوع الاحرام لاعن حجة الاسلام لاينافي وقوع الاحرام عنه بعد ما لم تكن حجة الاسلام من

____________________

(١) الوسائل: ج ٨ ص ٣٥ باب ١٧ من أبواب وجوب الحج، ح ١ و ٤ من كتاب الحج. [ * ]

١١٨

العناوين القصدية، وحينئذ لو قام الدليل على عدم لزوم اجتماع شرائط الوجوب عند أول فعل من أفعال الحج بل يكفي اجتماعها عند الوقوف، كان اللازم هو القول بالصحة والاكتفاء به عن حجة الاسلام كما قاله المشهور.

وهذا بخلاف باب الصلاة، لان المفروض ارتباطية أفعالها بعضها مع بعض، وفقدان النص على كفاية تحقق شرائط الوجوب في بعضها، كان مقتضى القاعدة هو البطلان وعدم الاجتزاء بها إلا بعناية اخرى، وهي أن يقال: إن ما هو الملاك في تكليف البالغ بالصلاة وإلزامه بها هو الموجب لتكليف الغير البالغ بالصلاة استحبابا من دون أن يكون تفاوت بينهما في ذلك، فالمصلحة القائمة بصلاة الظهر لاتختلف بحسب الكمية، سوى أنها في غير البالغ تقتضي الاستحباب وفي البالغ تقتضي الوجوب والالزام.

وحينئذ يمكن أن يقال بأنه لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة بما لايوجب نقض الطهارة لكان اللازم عليه تتميم الصلاة بلاحاجة إلى الاستئناف والاعادة، وكذا لو بلغ بعد الصلاة، أما إذا كان بلوغه بعد الصلاة فواضح، فإن تمام ما هو المصلحة القائمة في صلاة الظهر قد استوفاها، فلايبقى حينئذ موضوع للامر الوجوبي بالصلاة ثانيا، فلو قيل مع ذلك بوجوب الصلاة عليه ثانيا لكان مساوقا للقول بالتكليف بشئ بلا أن يكون هناك ما يوجب التكليف به، وأما إذا بلغ في الاثناء فكذلك أيضا، لان المفروض أنه لم يتبدل حقيقة المأمور به بالبلوغ ولاحقيقة الامر، بل إنما تبدل صفة الامر، لاسقوط أمر عن ملاك وثبوت أمر آخر عن ملاك آخر، فحينئذ الركعتان اللتان أتى بهما إلى الآن بوصف الاستحباب تكون تامة في المصلحة كما إذا كانت واجبة من أول الامر، وعند انضمام الركعتين الاخيرتين إليهما يسقط الامر.

والحاصل: أن مبنى القولين في المسألة من إتمام الصلاة التي بيده إذا بلغ في

١١٩

أثنائها والاكتفاء بها وعدم إعادة الصلاة التي بلغ بعدها، ومن عدم وجوب الاتمام ولزوم الاستئناف إذا بلغ في الاثناء وإعادة الصلاة إذا بلغ بعدها، إنما هو كون الملاك الذى امر لاجله بالصلاة هل هو متحد في البالغ والصبي، ويلزمه وحدة الامر والمأمور به وأن التفاوت إنما هو في صفة الامر من الوجوب والاستحباب، أو تغاير الملاك فيهما وأن المصلحة التي اقتضت أمر الصبي بالصلاة استحبابا مغايرة للمصلحه التي اقتضت أمر البالغ بالصلاة وجوبا، ويلزمه سقوط الامر الاستحبابي عند البلوغ لسقوط ملاكه وثبوت أمر آخر وجوبيا عنده لثبوت ملاكه؟ فلو قلنا بوحدة الملاك وأن التغاير إنما هو في الصفة فقط كان اللازم هو القول بعدم إعادة الصلاة لو بلغ بعدها وإتمام الصلاة إذا بلغ في أثنائها، لاستيفاء الغرض والمصلحة فلا يكون هناك ما يوجب تجدد الامر الوجوبي بالاعادة والاستئناف، ولو قلنا بتغاير الملاك كان اللازم هو إعادة الصلاة واستئنافها، لسقوط ما هو الموجب للاستحباب وثبوت ما هو الموجب للوجوب، ولايمكن القول حينئذ بالاجتزاء بالركعتين اللتين صلاهما استحبابا، لان ملاك الاستحباب لايمكن أن يكون مسقطا لما هو ملاك الوجوب، والامر الوجوبي الذي يتوجه عليه في أثناء الصلاة إنما هو الامر بتمام الصلاة من التكبيرة إلى التسليمة، إذ ليس هناك أمر سوى قوله تعالى: أقيموا الصلاة(١) وأمثال ذلك، والصلاة اسم لمجموع الافعال لاخصوص الركعتين اللتين بلغ عندهما كما هو واضح، هذا.

ولكن الانصاف أنه وإن قلنا بوحدة الملاك كما هو ليس بكل البعيد لايلزمنا القول بسقوط الاعادة لو بلغ بعدها ولزوم إتمام الصلاة التي بلغ في

____________________

(١) الروم: الآية ٣١. [ * ]

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280