كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 280

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 280
المشاهدات: 37359
تحميل: 6864


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 280 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37359 / تحميل: 6864
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

و روى ابن الكلبي عن أبيه عن عبد الرحمن بن السائب،قال:قال الحجاج يوما لعبد الله بن هانئ،و هو رجل من بني أود حي من قحطان،و كان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها،و كان من أنصاره و شيعته،و الله ما كافأتك بعد،ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة سيد بني فزارة أن زوج عبد الله بن هانئ بابنتك،فقال:لا و الله و لا كرامة،فدعا بالسياط فلما رأى الشر.قال:نعم أزوجه،ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية زوج ابنتك من عبد الله بن أود،فقال:و من أود لا و الله لا أزوجه و لا كرامة،فقال:علي بالسيف،فقال:دعني حتى أشاور أهلي،فشاورهم فقالوا:زوجه و لا تعرض نفسك لهذا الفاسق،فزوجه فقال الحجاج لعبد الله:قد زوجتك بنت سيد فزارة و بنت سيد همدان،و عظيم كهلان و ما أود هناك،فقال:لا تقل أصلح الله الأمير ذاك،فإن لنا مناقب ليست لأحد من العرب.قال:و ما هي ؟ قال:ما سب أمير المؤمنين عبد الملك في ناد لنا قط.قال:منقبة و الله.قال:و شهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا ما شهد منا مع أبي تراب إلا رجل واحد،و كان و الله ما علمته امرأ سوء.قال:منقبة و الله.قال:و منا نسوة نذرن إن قتل الحسين بن علي أن تنحر كل واحدة عشر قلائص ففعلن.قال:منقبة و الله.قال:و ما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب و لعنه إلا فعل،و زاد ابنيه حسنا و حسينا،و أمهما فاطمة.قال:منقبة و الله.قال:و ما أحد من العرب له من الصباحة و الملاحة ما لنا،فضحك الحجاج و قال:أما هذه يا أبا هانئ فدعها،و كان عبد الله دميما شديد الأدمة مجدورا في رأسه عجر،مائل الشدق أحول قبيح الوجه شديد الحول.و كان عبد الله بن الزبير يبغض عليا(عليه‌السلام )و ينتقصه و ينال من عرضه.

٦١

و روى عمر بن شبة و ابن الكلبي و الواقدي و غيرهم من رواة السير أنه مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و قال:لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها.و في رواية محمد بن حبيب،و أبي عبيدة معمر بن المثنى،أن له أهيل سوء ينغضون رءوسهم عند ذكره.و روى سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس:ما حديث أسمعه عنك ؟ قال:و ما هو ؟ قال:تأنيبي و ذمي،فقال:إني سمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره،فقال ابن الزبير:إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة،و ذكر تمام الحديث.و روى عمر بن شبة أيضا عن سعيد بن جبير قال:خطب عبد الله بن الزبير،فنال من علي(عليه‌السلام )فبلغ ذلك محمد بن الحنفية فجاء إليه،و هو يخطب فوضع له كرسي فقطع عليه خطبته،و قال:يا معشر العرب،شاهت الوجوه أينتقص علي و أنتم حضور ؟ إن عليا كان يد الله على أعداء الله،و صاعقة من أمره أرسله على الكافرين و الجاحدين لحقه،فقتلهم بكفرهم فشنئوه و أبغضوه،و أضمروا له الشنف و الحسد و ابن عمه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حي بعد لم يمت،فلما نقله الله إلى جواره و أحب له ما عنده،أظهرت له رجال أحقادها،و شفت أضغانها،فمنهم من ابتز حقه،و منهم من ائتمر به ليقتله،و منهم من شتمه و قذفه بالأباطيل،فإن يكن لذريته و ناصري دعوته دولة تنشر عظامهم،و تحفر على أجسادهم و الأبدان منهم يومئذ بالية بعد أن تقتل الأحياء منهم و تذل رقابهم،فيكون الله عز اسمه قد عذبهم بأيدينا،و أخزاهم و نصرنا عليهم،و شفا صدورنا منهم،إنه و الله ما يشتم عليا إلا كافر يسر شتم رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و يخاف أن يبوح به

٦٢

فيكني بشتم علي(عليه‌السلام )عنه،أما إنه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره،و سمع قول رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فيه:(لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق)،(وَ سَيَعْلَمُ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)،فعاد ابن الزبير إلى خطبته و قال:عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن أم حنيفة،فقال محمد:يا ابن أم رومان،و ما لي لا أتكلم و هل فاتني من الفواطم إلا واحدة و لم يفتني فخرها ؛ لأنها أم أخوي ؟ أنا ابن فاطمة بنت عمران،بن عائذ بن مخزوم جده رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و أنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و القائمة مقام أمه،أما و الله لو لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد بن عبد العزى عظما إلا هشمته،ثم قام فانصرف.

فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي

و ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافيرحمه‌الله تعالى،و كان من المتحققين بموالاة علي(عليه‌السلام )و المبالغين في تفضيله،و إن كان القول بالتفضيل عاما شائعا في البغداديين من أصحابنا كافة،إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا و أخلصهم فيه اعتقادا،أن معاوية وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي(عليه‌السلام )تقتضي الطعن فيه و البراءة منه،و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله،فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير.روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه قال:حدثتني عائشة قالت:كنت عند

٦٣

رسول الله إذ أقبل العباس و علي،فقال:يا عائشة،إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال ديني.و روى عبد الرزاق عن معمر قال:كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي(عليه‌السلام )فسألته عنهما يوما فقال:ما تصنع بهما و بحديثهما،الله أعلم بهما إني لأتهمهما في بني هاشم.قال:فأما الحديث الأول فقد ذكرناه،و أما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته،قالت:كنت عند النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إذ أقبل العباس و علي فقال:يا عائشة،إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا،فنظرت فإذا العباس و علي بن أبي طالب.و أما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص قال:سمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله و صالح المؤمنين،و أما أبو هريرة:فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا(عليه‌السلام )خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فأسخطه،فخطب على المنبر و قال:لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله و ابنة عدو الله أبي جهل،إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها،فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارق ابنتي و ليفعل ما يريد أو كلاما هذا معناه،و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي.قلت:هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسور بن مخرمة الزهري،و قد ذكره المرتضى في كتابه المسمى تنزيه الأنبياء و الأئمة،و ذكر أنه رواية

٦٤

حسين الكرابيسي،و أنه مشهور بالانحراف عن أهل البيت(عليه‌السلام )،و عداوتهم و المناصبة لهم،فلا تقبل روايته.و لشياع هذا الخبر و انتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح بها الرشيد،و يذكر فيها ولد فاطمة(عليه‌السلام )و ينحي عليهم و يذمهم،و قد بالغ حين ذم عليا(عليه‌السلام )،و نال منه و أولها:

سلام على جمل و هيهات من جمل

و يا حبذا جمل و إن صرمت حبلي

يقول فيها:

علي أبوكم كان أفضل منكم

أباه ذوو الشورى و كانوا ذوي الفضل

و ساء رسول الله إذ ساء بنته

بخطبته بنت اللعين أبي جهل

فذم رسول الله صهر أبيكم

على منبر بالمنطق الصادع الفضل

و حكم فيها حاكمين أبوكم

هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

و قد باعها من بعده الحسن ابنه

فقد أبطلت دعواكم الرثة الحبل

و خليتموها و هي في غير أهلها

و طالبتموها حين صارت إلى أهل

و قد روي هذا الخبر على وجوه مختلفة،و فيه زيادات متفاوتة،فمن الناس من يروي فيه مهما ذممنا من صهر،فإنا لم نذم صهر أبي العاص بن الربيع،و من الناس من يروي فيه ألا إن بني المغيرة أرسلوا إلى علي ليزوجوه كريمتهم و غير ذلك.و عندي أن هذا الخبر لو صح لم يكن على أمير المؤمنين فيه غضاضة و لا قدح ؛ لأن

٦٥

الأمة مجمعة على أنه لو نكح ابنة أبي جهل مضافا إلى نكاح فاطمة(عليها‌السلام )لجاز ؛ لأنه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع،فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ؛ لأن هذه القصة كانت بعد فتح مكة،و إسلام أهلها طوعا و كرها و رواة الخبر موافقون على ذلك،فلم يبق إلا أنه إن كان هذا الخبر صحيحا،فإن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لما رأى فاطمة(عليها‌السلام ):قد غارت و أدركها ما يدرك النساء عاتب عليا(عليه‌السلام )عتاب الأهل،و كما يستثبت الوالد رأي الولد و يستعطفه إلى رضا أهله و صلح زوجته،و لعل الواقع كان بعض هذا الكلام فحرف و زيد فيه،و لو تأملت أحوال النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )مع زوجاته،و ما كان يجري بينه و بينهن من الغضب تارة و الصلح أخرى،و السخط تارة و الرضا أخرى،حتى بلغ الأمر إلى الطلاق مرة و إلى الإيلاء مرة،و إلى الهجر و القطيعة مرة،و تدبرت ما ورد في الروايات الصحيحة مما كن يلقينه(عليه‌السلام )به و يسمعنه إياه،لعلمت أن الذي عاب الحسدة و الشائنون عليا(عليه‌السلام )به بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط،و لو لم يكن إلا قصة مارية و ما جرى بين رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و بين تينك الامرأتين من الأحوال و الأقوال،حتى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب و يكتب في المصاحف،و قيل لهما ما لا يقال للإسكندر ملك الدنيا لو كان حيا منابذا لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):( وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اَللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) ،ثم أردف بعد ذلك بالوعيد و التخويف:( عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ) الآيات بتمامها،ثم ضرب لهما مثلا امرأة نوح و امرأة لوط اللتين خانتا بعليهما:فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اَللَّهِ شَيْئاًو تمام الآية معلوم،فهل ما روي في الخبر من تعصب فاطمة على علي(عليها‌السلام )

٦٦

و غيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم،إذا قويس إلى هذه الأحوال و غيرها مما كان يجري إلا كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس،و لكن صاحب الهوى و العصبية لا علاج له.ثم نعود إلى حكاية كلام شيخنا أبي جعفر الإسكافيرحمه‌الله تعالى قال أبو جعفر و روى الأعمش قال:لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة،فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه،ثم ضرب صلعته مرارا،و قال:يا أهل العراق،أتزعمون أني أكذب على الله و على رسوله و أحرق نفسي بالنار،و الله لقد سمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:إن لكل نبي حرما و إن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور،فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين،و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها،فلما بلغ معاوية قوله،أجازه و أكرمه و ولاه أمارة المدينة.قلت:أما قوله ما بين عير إلى ثور،فالظاهر أنه غلط من الراوي ؛ لأن ثورا بمكة و هو جبل يقال له:ثور أطحل،و فيه الغار الذي دخله النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و أبو بكر،و إنما قيل أطحل ؛ لأن أطحل بن عبد مناف،بن أد،بن طابخة،بن إلياس،بن مضر،بن نزار،بن عدنان كان يسكنه،و قيل:اسم الجبل أطحل،فأضيف ثور إليه و هو ثور بن عبد مناف،و الصواب ما بين عير إلى أحد.فأما قول أبي هريرة:أن عليا(عليه‌السلام )أحدث في المدينة،فحاش لله كان علي(عليه‌السلام )أتقى لله من ذلك،و الله لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له إلا مثله.قال أبو جعفر و أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي،الرواية ضربه عمر

٦٧

بالدرة،و قال:قد أكثرت من الرواية و أحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).و روى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي قال:كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار.و روى أبو أسامة عن الأعمش قال:كان إبراهيم صحيح الحديث،فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه،فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة،فقال دعني من أبي هريرة إنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه.و قد روي عن علي(عليه‌السلام )أنه قال:ألا إن أكذب الناس أو قال:أكذب الأحياء على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أبو هريرة الدوسي.و روى أبو يوسف قال:قلت لأبي حنيفة:الخبر يجي‏ء عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يخالف قياسنا ما تصنع به ؟ قال:إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به و تركنا الرأي،فقلت:ما تقول في رواية أبي بكر و عمر ؟ فقال:ناهيك بهما،فقلت:علي و عثمان ؟ قال:كذلك،فلما رآني أعد الصحابة قال:و الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا،ثم عد منهم أبا هريرة و أنس بن مالك.و روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم،عن عمر بن عبد الغفار:أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة و يجلس الناس إليه،فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال:يا أبا هريرة،أنشدك الله،أسمعت رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول لعلي بن أبي طالب:(اللهم وال من والاه و عاد من عاداه)؟ فقال:اللهم نعم.قال:فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه ثم قام عنه.

٦٨

وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق و يلعب معهم،و كان يخطب و هو أمير المدينة،فيقول:الحمد لله الذي جعل الدين قياما و أبا هريرة إماما،يضحك الناس بذلك،و كان يمشي و هو أمير المدينة في السوق،فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الأرض و يقول:الطريق،الطريق،قد جاء الأمير يعني نفسه.قلت:قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة،و قوله فيه حجة ؛ لأنه غير متهم عليه.قال أبو جعفر:و كان المغيرة بن شعبة يلعن عليا(عليه‌السلام )لعنا صريحا على منبر الكوفة،و كان بلغه عن علي(عليه‌السلام )في أيام عمر أنه قال:لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بأحجاره،يعني:واقعة الزناء بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة،و نكل زياد عن الشهادة،فكان يبغضه لذاك و لغيره من أحوال اجتمعت في نفسه.قال:و قد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنه كان يأخذه الزمع عند ذكر علي(عليه‌السلام )فيسبه،و يضرب بإحدى يديه على الأخرى و يقول:و ما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه،و قد أراق من دماء المسلمين ما أراق.قال:و قد كان في المحدثين من يبغضه(عليه‌السلام )،و يروي فيه الأحاديث المنكرة منهم حريز بن عثمان كان يبغضه و ينتقصه،و يروي فيه أخبارا مكذوبة،و قد روى

٦٩

المحدثون:أن حريزا رؤي في المنام بعد موته فقيل له:ما فعل الله بك ؟ قال:كاد يغفر لي لو لا بغض علي.قلت:قد روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال:حدثني أبو جعفر بن الجنيد،قال:حدثني إبراهيم بن الجنيد،قال:حدثني محفوظ بن المفضل بن عمر،قال:حدثني أبو البهلول يوسف بن يعقوب،قال:حدثنا حمزة بن حسان و كان مولى لبني أمية،و كان مؤذنا عشرين سنة،و حج غير حجة،و أثنى أبو البهلول عليه خيرا،قال:حضرت حريز بن عثمان و ذكر علي بن أبي طالب فقال:ذاك الذي أحل حرم رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حتى كاد يقع.قال محفوظ:قلت ليحيي بن صالح الوحاظي قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز فما بالك لم تحمل عن حريز ؟ قال:إني أتيته فناولني كتابا،فإذا فيه حدثني فلان عن فلان:إن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،فرددت الكتاب و لم أستحل أن أكتب عنه شيئا.قال أبو بكر:و حدثني أبو جعفر،قال:حدثني إبراهيم،قال:حدثني محمد بن عاصم صاحب الخانات،قال:قال لنا حريز بن عثمان:أنتم يا أهل العراق تحبون علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )و نحن نبغضه.قالوا:لم ؟ قال:لأنه قتل أجدادي.قال محمد بن عاصم:و كان حريز بن عثمان نازلا علينا.قال أبو جعفررحمه‌الله تعالى:و كان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها،و يرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،قال يوما في مجلس معاوية:إن عليا لم ينكحه رسول الله ابنته حبا،و لكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه.

٧٠

قال:و قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى،و يروى أنه لما مات و دفنوه،أقبل رجل راكب ظليما فوقف قريبا منه،ثم قال:

أمن رسم دار من مغيرة تعرف

عليها زواني الإنس و الجن تعزف

فإن كنت قد لاقيت فرعون بعدنا

و هامان فاعلم أن ذا العرش منصف

قال:فطلبوه فغاب عنهم،و لم يروا أحدا فعلموا أنه من الجن.قال:فأما مروان بن الحكم فأحقر و أقل من أن يذكر في الصحابة الذين قد غمصناهم،و أوضحنا سوء رأينا فيهم ؛ لأنه كان مجاهرا بالإلحاد هو و أبوه الحكم بن أبي العاص،و هما الطريدان اللعينان،كان أبوه عدو رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يحكيه في مشيه،و يغمز عليه عينه،و يدلع له لسانه،و يتهكم به و يتهانف عليه هذا،و هو في قبضته و تحت يده و في دار دعوته بالمدينة،و هو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء من ليل أو نهار،فهل يكون هذا إلا من شانئ شديد البغضة و مستحكم العداوة ؟ حتى أفضى أمره إلى أن طرده رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عن المدينة و سيره إلى الطائف.و أما مروان ابنه،فأخبث عقيدة و أعظم إلحادا و كفرا،و هو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين(عليه‌السلام )إلى المدينة،و هو يومئذ أميرها و قد حمل الرأس على يديه فقال:

يا حبذا بردك في اليدين

و حمرة تجري على الخدين

كأنما بت بمسجدين

٧١

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي و قال:يا محمد،يوم بيوم بدر،و هذا القول مشتق من الشعر الذي تمثل به يزيد بن معاوية،و هو شعر ابن الزبعري يوم وصل الرأس إليه.و الخبر مشهور.قلت هكذا قال شيخنا أبو جعفر:و الصحيح أن مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ بل كان أميرها عمرو بن سعيد بن العاص،و لم يحمل إليه الرأس،و إنما كتب إليه عبيد الله بن زياد يبشره بقتل الحسين(عليه‌السلام )،فقرأ كتابه على المنبر و أنشد الرجز المذكور،و أومأ إلى القبر قائلا يوم بيوم بدر،فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار.ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب.قال و روى الواقدي:أن معاوية لما عاد من العراق إلى الشام بعد بيعة الحسن(عليه‌السلام )و اجتماع الناس إليه خطب فقال:أيها الناس،إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لي:إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة فإن فيها الأبدال،و قد اخترتكم فالعنوا أبا تراب،فلعنوه،فلما كان من الغد كتب كتابا،ثم جمعهم فقرأه عليهم،و فيه:هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمدا نبيا،و كان أميا لا يقرأ و لا يكتب،فاصطفى له من أهله وزيرا كاتبا أمينا،فكان الوحي ينزل على محمد و أنا أكتبه،و هو لا يعلم ما أكتب فلم يكن بيني و بين الله أحد من خلقه،فقال له الحاضرون كلهم:صدقت يا أمير المؤمنين.

٧٢

قال أبو جعفر:و قد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب:( وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اَللَّهَ عَلى‏ ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ اَلْخِصامِ وَ إِذا تَوَلَّى سَعى‏ فِي اَلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ اَلْحَرْثَ وَ اَلنَّسْلَ وَ اَللَّهُ لا يُحِبُّ اَلْفَسادَ ) ،و أن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم و هي قوله تعالى:( وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اَللَّهِ ) فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم،فلم يقبل،فبذل له ثلاثمائة ألف،فلم يقبل،فبذل له أربعمائة ألف،فقبل و روى ذلك.قال:و قد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي(عليه‌السلام )و عاقبوا على ذلك الراوي له،حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه،فيقول:عن أبي زينب.و روى عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال:وددت أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )يوما إلى الليل و أن عنقي هذه ضربت بالسيف.قال:فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة و الاستفاضة و كثرة النقل إلى غاية بعيدة،لانقطع نقلها للخوف و التقية من بني مروان،مع طول المدة و شدة العداوة.و لو لا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث،و لا عرفت له منقبة،ألا ترى أن رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها،و منع الناس أن يذكروه بخير و صلاح لخمل ذكره،و نسي اسمه و صار،و هو موجود معدوما،و هو حي ميتا،هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفررحمه‌الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل.

٧٣

فصل في ذكر المنحرفين عن علي(عليه‌السلام )

و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين:أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين كانوا منحرفين عن علي(عليه‌السلام )قائلين فيه السوء،و منهم من كتم مناقبه و أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة،فمنهم أنس بن مالك،ناشد علي(عليه‌السلام )الناس في رحبة القصر أو قال رحبة الجامع بالكوفة:(أيكم سمع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:(من كنت مولاه فعلي مولاه))،فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها،و أنس بن مالك في القوم لم يقم،فقال له:(يا أنس،ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها ؟)فقال:يا أمير المؤمنين،كبرت و نسيت،فقال:(اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها الغمامة)،قال طلحة بن عمير:فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.و روى عثمان بن مطرف:أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب،فقال:إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة،ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم.و روى أبو إسرائيل،عن الحكم،عن أبي سليمان المؤذن:أن عليا(عليه‌السلام )نشد الناس:من سمع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول:(من كنت مولاه فعلي مولاه)؟ فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم فلم يشهد،و كان يعلمها،فدعا علي(عليه‌السلام )عليه بذهاب البصر فعمي،فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كف بصره.قالوا:و كان الأشعث بن قيس الكندي،و جرير بن عبد الله البجلي يبغضانه،و هدم علي(عليه‌السلام )دار جرير بن عبد الله.قال إسماعيل بن جرير:هدم علي دارنا مرتين.

٧٤

و روى الحارث بن حصين:أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين نعاله و قال:احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك،فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما،فلما أرسله علي(عليه‌السلام )إلى معاوية ذهبت الأخرى،ثم فارق عليا و اعتزل الحرب.و روى أهل السيرة:أن الأشعث خطب إلى علي(عليه‌السلام )ابنته فزبره و قال:يا ابن الحائك،أغرك ابن أبي قحافة.و روى أبو بكر الهذلي عن الزهري،عن عبيد الله بن عدي،بن الخيار،بن نوفل،بن عبد مناف قال:قام الأشعث إلى علي(عليه‌السلام )فقال:إن الناس يزعمون أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك،فقال:إنه عهد إلي ما في قراب سيفي لم يعهد إلي غير ذلك،فقال الأشعث:هذه إن قلتها فهي عليك لا لك،دعها ترحل عنك،فقال له:و ما علمك بما علي مما لي،منافق ابن كافر،حائك ابن حائك إني لأجد منك بنة الغزل،ثم التفت إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار فقال:يا عبيد الله إنك لتسمع خلافا و ترى عجبا،ثم أنشد:

أصبحت هزءا لراعي الضأن أتبعه

ما ذا يريبك مني راعي الضأن

و قد ذكرنا في بعض الروايات المتقدمات أن سبب قوله هذه:عليك لا لك أمر آخر،و الروايات تختلف.و روى يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش أن جريرا و الأشعث خرجا إلى جبان الكوفة،فمر بهما ضب يعدو،و هما في ذم علي(عليه‌السلام )،فنادياه:يا أبا حسل،هلم

٧٥

يدك نبايعك بالخلافة،فبلغ عليا(عليه‌السلام )قولهما،فقال:أما إنهما يحشران يوم القيامة و إمامهما ضب.و كان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عنه(عليه‌السلام )روى شريك عن عثمان بن أبي زرعة،عن زيد بن وهب قال:تذاكرنا القيام إذا مرت الجنازة عند علي(عليه‌السلام )،فقال أبو مسعود الأنصاري:قد كنا نقوم،فقال علي(عليه‌السلام ):ذاك و أنتم يومئذ يهود،و روى شعبة عن عبيد بن الحسن عن عبد الرحمن بن معقل،قال:حضرت عليا(عليه‌السلام )و قد سأله رجل عن امرأة توفي عنها زوجها،و هي حامل،فقال:تتربص أبعد الأجلين،فقال رجل:فإن أبا مسعود يقول:وضعها انقضاء عدتها،فقال علي(عليه‌السلام ):إن فروجا لا يعلم،فبلغ قوله أبا مسعود فقال:بلى،و الله إني لأعلم أن الآخر شر.و روى المنهال عن نعيم بن دجاجة قال:كنت جالسا عند علي(عليه‌السلام )إذ جاء أبو مسعود،فقال علي(عليه‌السلام ):جاءكم فروج،فجاء فجلس فقال له علي(عليه‌السلام ):بلغني أنك تفتي الناس،قال:نعم و أخبرهم أن الآخر شر.قال:فهل سمعت من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )شيئا ؟ قال:نعم،سمعته يقول:لا يأتي على الناس سنة مائة و على الأرض عين تطرف.قال:أخطأت استك الحفرة و غلطت في أول ظنك،إنما عنى من حضره يومئذ و هل الرخاء إلا بعد المائة.

٧٦

و روى جماعة من أهل السير:أن عليا(عليه‌السلام )كان يقول عن كعب الأحبار إنه لكذاب،و كان كعب منحرفا عن علي(عليه‌السلام )و كان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفا عنه و عدوا له،و خاض الدماء مع معاوية خوضا،و كان من أمراء يزيد ابنه حتى قتل و هو على حاله.و قد روي أن عمران بن الحصين كان من المنحرفين عنه(عليه‌السلام )،و أن عليا سيره إلى المدائن،و ذلك أنه كان يقول:إن مات علي فلا أدري ما موته،و إن قتل فعسى أني إن قتل رجوت له.و من الناس من يجعل عمران في الشيعة.و كان سمرة بن جندب من شرطة زياد روى عبد الملك بن حكيم عن الحسن قال:جاء رجل من أهل خراسان إلى البصرة،فترك مالا كان معه في بيت المال و أخذ براءة،ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فأخذه سمرة بن جندب،و اتهمه برأي الخوارج،فقدمه فضرب عنقه،و هو يومئذ على شرطة زياد فنظروا فيما معه،فإذا البراءة بخط بيت المال،فقال أبو بكرة:يا سمرة،أما سمعت الله تعالى يقول:( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اِسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) ،فقال:أخوك أمرني بذلك.و روى الأعمش عن أبي صالح قال:قيل لنا قد قدم رجل من أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فأتيناه،فإذا هو سمرة بن جندب و إذا عند إحدى رجليه خمر،و عند الأخرى ثلج فقلنا:ما هذا ؟ قالوا:به النقرس و إذا قوم قد أتوه،فقالوا:يا سمرة،

٧٧

ما تقول لربك غدا تؤتى بالرجل،فيقال لك هو من الخوارج فتأمر بقتله،ثم تؤتى بآخر فيقال لك:ليس الذي قتلته بخارجي ذاك فتى وجدناه ماضيا في حاجته فشبه علينا،و إنما الخارجي هذا فتأمر بقتل الثاني،فقال سمرة:و أي بأس في ذلك إن كان من أهل الجنة مضى إلى الجنة،و إن كان من أهل النار مضى إلى النار.

و روى واصل مولى أبي عيينة،عن جعفر بن محمد بن علي(عليه‌السلام )،عن آبائه قال:كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار،فكان يؤذيه فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فبعث إلى سمرة فدعاه فقال له:بع نخلك من هذا و خذ ثمنه.قال:لا أفعل.قال:فخذ نخلا مكان نخلك.قال:لا أفعل.قال:فاشتر منه بستانه.قال:لا أفعل.قال:فاترك لي هذا النخل و لك الجنة.قال:لا أفعل.فقال(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )للأنصاري:اذهب فاقطع نخله،فإنه لا حق له فيه.و روى شريك قال:أخبرنا عبد الله بن سعد،عن حجر بن عدي قال:قدمت المدينة فجلست إلى أبي هريرة،فقال:ممن أنت ؟ قلت:من أهل البصرة.قال:ما فعل سمرة بن جندب ؟ قلت:هو حي.قال:ما أحد أحب إلي طول حياة منه.قلت:و لم ذاك ؟ قال:إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لي:و له و لحذيفة بن اليمان آخركم موتا في النار فسبقنا حذيفة،و أنا الآن أتمنى أن أسبقه.قال:فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين.و روى أحمد بن بشير عن مسعر بن كدام،قال:كان سمرة بن جندب أيام مسير

٧٨

الحسين(عليه‌السلام )إلى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد،و كان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين(عليه‌السلام )و قتاله.و من المنحرفين عنه المبغضين له عبد الله بن الزبير و قد ذكرناه آنفا،كان علي ع يقول:(ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فأفسده).و عبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب،و هو الذي زين لعائشة مسيرها إلى البصرة،و كان سبابا فاحشا،يبغض بني هاشم و يلعن و يسب علي بن أبي طالب(عليه‌السلام )،و كان علي(عليه‌السلام )يقنت في صلاة الفجر،و في صلاة المغرب،و يلعن معاوية،و عمر،و المغيرة،و الوليد بن عقبة،و أبا الأعور،و الضحاك بن قيس،و بسر بن أرطاة،و حبيب بن مسلمة،و أبا موسى الأشعري،و مروان بن الحكم،و كان هؤلاء يقنتون عليه و يلعنونه.و روى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلمرحمه‌الله تعالى،عن نصر بن عاصم الليثي،عن أبيه قال:أتيت مسجد رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله،فقلت:ما هذا ؟ قالوا:معاوية،قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد،فقال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):لعن الله التابع و المتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه،قالوا:يعني الكبير العجز.و قال:روى العلاء بن حريز القشيري:أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )قال لمعاوية:لتتخذن يا معاوية البدعة سنة و القبح حسنا أكلك كثير و ظلمك عظيم.قال:و روى الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ.قال:قال

٧٩

علي(عليه‌السلام )نحن و آل أبي سفيان قوم تعادوا في الأمر،و الأمر يعود كما بدا.قلت:و قد ذكرنا نحن في تلخيص نقض السفيانية ما فيه كفاية في هذا الباب.و روى صاحب كتاب الغارات:عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله قال:ذكر المغيرة بن شعبة عند علي(عليه‌السلام )و جده مع معاوية قال:و ما المغيرة،إنما كان إسلامه لفجرة و غدرة غدرها بنفر من قومه فتك بهم و ركبها منهم،فهرب منهم فأتى النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،كالعائذ بالإسلام،و الله ما رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعا و لا خشوعا،ألا و إنه يكون من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة يجانبون الحق و يسعرون نيران الحرب و يوازرون الظالمين،ألا إن ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد يبغضون العرب،كأنهم ليسوا منهم و لرب صالح قد كان منهم،فمنهم عروة بن مسعود،و أبو عبيد بن مسعود المستشهد يوم قس الناطف،و إن الصالح في ثقيف لغريب.قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به،و إطباق الناس عليه أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا و يشتمه،و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و نابذه،و قال له:أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا،فقال له علي(عليه‌السلام ):اسكت يا فاسق،فأنزل الله تعالى فيهما:( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) الآيات المتلوة،و سمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )الفاسق،فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

٨٠