كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

كتاب شرح نهج البلاغة15%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 260

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45069 / تحميل: 7664
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بن علقمة و أخضر زوج أمهما في جماعة من بني مازن و صاحوا بالناس دعونا و ثارنا فأحجم الناس فتقدم المازنيون فحاربوا الخوارج حتى قتلوهم جميعا لم يفلت منهم أحد إلا عبيدة بن هلال فإنه خرق خصا و نفذ فيه ففي ذلك يقول الفرزدق

لقد أدرك الأوتار غير ذميمة

إذا ذم طلاب الترات الأخاضر

هم جردوا الأسياف يوم ابن أخضر

فنالوا التي ما فوقها نال ثائر

أقادوا به أسدا لها في اقتحامها

إذا برزت نحو الحروب بصائر

ثم هجا كليب بن يربوع رهط جرير بن الخطفى لأنه قتل بحضرة مسجدهم و لم ينصروه فقال في كلمته هذه

كفعل كليب إذ أخلت بجارها

و نصر اللئيم معتم و هو حاضر

و ما لكليب حين تذكر أول

و ما لكليب حين تذكر آخر

قال و كان مقتل عباد بن أخضر و عبيد الله بن زياد بالكوفة و خليفته على البصرة عبيد الله بن أبي بكرة فكتب إليه يأمره ألا يدع أحدا يعرف بهذا الرأي إلا حبسه فجد في طلب من تغيب عنه و جعل يتبعهم و يأخذهم فإذا شفع إليه أحد منهم كفله إلى أن يقدم به على ابن زياد حتى أتوه بعروة بن أدية فأطلقه و قال أنا كفيلك فلما قدم ابن زياد أخذ من في الحبس فقتلهم جميعا و طلب الكفلاء بمن كفلوا به فكل من جاء بصاحبه أطلقه و قتل الخارجي و من لم يأت بمن كفل به منهم قتله ثم قال لابن أبي بكرة هات عروة بن أدية قال لا أقدر عليه قال إذا و الله أقتلك فإنك كفيله فلم يزل يطلبه حتى دل عليه في سرب العلاء بن سوية المنقري فكتب بذلك إلى عبيد الله بن زياد فقرأ عليه كتابه فقال إنا قد أصبناه في شرب

١٠١

العلاء فتهانف به عبيد الله و قال صحفت و لؤمت إنما هو في سرب العلاء و لوددت أنه كان ممن شرب النبيذ فلما أقيم عروة بين يديه قال لم جهزت أخاك علي يعني أبا بلال فقال و الله لقد كنت به ضنينا و كان لي عزا و لقد أردت له ما أريد لنفسي فعزم عزما فمضى عليه و ما أحب لنفسي إلا المقام و ترك الخروج فقال له أ فأنت على رأيه قال كلنا نعبد ربا واحدا قال أما و الله لأمثلن بك قال اختر لنفسك من القصاص ما شئت فأمر به فقطعوا يديه و رجليه ثم قال له كيف ترى قال أفسدت علي دنياي و أفسدت عليك آخرتك فأمر به فصلب على باب داره

أبو الوازع الراسبي

قال أبو العباس و كان أبو الوازع الراسبي من مجتهدي الخوارج و نساكها و كان يذم نفسه و يلومها على القعود و كان شاعرا و كان يفعل ذلك بأصحابه فأتى نافع بن الأزرق و هو في جماعة من أصحابه يصف لهم جور السلطان و فساد العامة و كان نافع ذا لسان عضب و احتجاج و صبر على المنازعة فأتاه أبو الوازع فقال له يا نافع إنك

١٠٢

أعطيت لسانا صارما و قلبا كليلا فلوددت أن صرامة لسانك كانت لقلبك و كلال قلبك كان للسانك أ تحض على الحق و تقعد عنه و تقبح الباطل و تقيم عليه فقال نافع يا أبا الوازع إنما ننتظر الفرص إلى أن تجمع من أصحابك من تنكئ به عدوك فقال أبو الوازع

لسانك لا تنكي به القوم إنما

تنال بكفيك النجاة من الكرب

فجاهد أناسا حاربوا الله و اصطبر

عسى الله أن يجزي غوي بني حرب

يعني معاوية ثم قال و الله لا ألومك و نفسي ألوم و لأغدون غدوة لا أنثني بعدها أبدا ثم مضى فاشترى سيفا و أتى صيقلا كان يذم الخوارج و يدل على عوارتهم فشاوره في السيف فحمده ثم قال اشحذه فشحذه حتى إذا رضيه خبط به الصيقل فقتله و حمل على الناس فهربوا منه حتى أتى مقبرة بني يشكر فدفع عليه رجل حائط ستره فشدخه و أمر ابن زياد بصلبه

عمران بن الحارث الراسبي

قال أبو العباس و من نساكهم الذين قتلوا في الحرب عمران بن الحارث الراسبي قتل يوم دولاب التقى هو و الحجاج بن باب الحميري و كان الأمير يومئذ على أهل البصرة و صاحب رايتهم فاختلفا ضربتين فخرا ميتين فقالت أم عمران ترثيه

الله أيد عمرانا و طهره

و كان يدعو الله في السحر

١٠٣

يدعوه سرا و إعلانا ليرزقه

شهادة بيدي ملحادة غدر

ولى صحابته عن حر ملحمة

و شد عمران كالضرغامة الذكر

قال و ممن قتل من رؤسائهم يوم دولاب نافع بن الأزرق و كان خليفتهم خاطبوه بإمرة المؤمنين فقال رجل منهم يرثيه

شمت ابن بدر و الحوادث جمة

و الجائرون بنافع بن الأزرق

و الموت حتم لا محالة واقع

من لا يصبحه نهارا يطرق

فئن أمير المؤمنين أصابه

ريب المنون فمن يصبه يغلق

و قال قطري بن الفجاءة يذكر يوم دولاب

لعمرك إني في الحياة لزاهد

و في العيش ما لم ألق أم حكيم

من الخفرات البيض لم ير مثلها

شفاء لذي بث و لا لسقيم

١٠٤

لعمرك إني يوم ألطم وجهها

على نائبات الدهر جد لئيم

فلو شهدتنا يوم دولاب شاهدت

طعان فتى في الحرب غير ذميم

غداة طفت علماء بكر بن وائل

و عجنا صدور الخيل نحو تميم

و كان بعبد القيس أول جدنا

و أحلافها من يحصب و سليم

و ظلت شيوخ الأزد في حومة الوغى

تعوم فمن مستنزل و هزيم

فلم أر يوما كان أكثر مقعصا

يمج دما من فائظ و كليم

و ضاربة خدا كريما على فتى

أغر نجيب الأمهات كريم

١٠٥

أصيب بدولاب و لم تك موطنا

له أرض دولاب و أرض حميم

فلو شهدتنا يوم ذاك و خيلنا

تبيح الكفار كل حريم

رأت فتية باعوا الإله نفوسهم

بجنات عدن عنده و نعيم

عبد الله بن يحيى طالب الحق

و من رؤساء الخوارج و كبارهم عبد الله بن يحيى الكندي الملقب طالب الحق و صاحبه المختار بن عوف الأزدي صاحب وقعة قديد و نحن نذكر ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني من قصتهما في كتاب الأغاني مختصرا محذوفا منه ما لا حاجة بنا في هذا الموضع إليه قال أبو الفرج كان عبد الله بن يحيى من حضرموت و كان مجتهدا عابدا و كان يقول قبل أن يخرج لقيني رجل فأطال النظر إلي و قال ممن أنت قلت من كندة فقال من أيهم فقلت من بني شيطان فقال و الله لتملكن و تبلغن وادي القرى و ذلك بعد أن تذهب إحدى عينيك و قد ذهبت و أنا أتخوف ما قال و أستخير الله فرأى باليمن جورا ظاهرا و عسفا شديدا و سيرة في الناس قبيحة فقال لأصحابه إنه لا يحل لنا المقام على ما نرى و لا الصبر عليه و كتب إلى جماعة من الإباضية بالبصرة و غيرها يشاورهم في الخروج فكتبوا إليه إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فافعل

١٠٦

فإن المبادرة بالعمل الصالح أفضل و لست تدري متى يأتي أجلك و لله بقية خير من عباده يبعثهم إذا شاء بنصر دينه و يختص بالشهادة منهم من يشاء و شخص إليه أبو حمزة المختار بن عوف الأزدي و بلج بن عقبة المسعودي في رجال من الإباضية فقدموا عليه حضرموت فحرضوه على الخروج و أتوه بكتب أصحابه يوصونه و يوصون أصحابه إذا خرجتم فلا تغلوا و لا تغدروا و اقتدوا بسلفكم الصالحين و سيروا بسيرتهم فقد علمتم أن الذي أخرجهم على السلطان العيب لأعمالهم فدعا عبد الله أصحابه فبايعوه و قصدوا دار الإمارة و على حضرموت يومئذ إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي فأخذه فحبسه يوما ثم أطلقه فأتى صنعاء و أقام عبد الله بحضرموت و كثر جمعه و سموه طالب الحق و كتب إلى من كان من أصحابه بصنعاء أني قادم عليكم ثم استخلف على حضرموت عبد الله بن سعيد الحضرمي و توجه إلى صنعاء و ذلك في سنة تسع و عشرين و مائة في ألفين و العامل على صنعاء يومئذ القاسم بن عمرو أخو يوسف بن عمرو الثقفي فجرت بينه و بين عبد الله بن يحيى حروب و مناوشات كانت الدولة فيها و النصرة لعبد الله بن يحيى فدخل إلى صنعاء و جمع ما فيها من الخزائن و الأموال فأحرزها فلما استولى على بلاد اليمن خطب فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله و ذكر و حذر ثم قال إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله و سنة نبيه و إجابة من دعا إليهما الإسلام ديننا و محمد نبينا و الكعبة قبلتنا و القرآن إمامنا رضينا بالحلال حلالا لا نبتغي به بدلا و لا نشتري به ثمنا و حرمنا الحرام و نبذناه وراء ظهورنا و لا حول و لا قوة إلا بالله و إلى الله المشتكى و عليه المعول من زنى فهو كافر و من سرق فهو كافر و من شرب الخمر فهو كافر و من شك في أنه كافر فهو كافر ندعوكم إلى فرائض بينات و آيات محكمات

١٠٧

و آثار نقتدي بها و نشهد أن الله صادق فيما وعد و عدل فيما حكم و ندعو إلى توحيد الرب و اليقين بالوعد و الوعيد و أداء الفرائض و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الولاية لأهل ولاية الله و العداوة و لأعداء الله أيها الناس إن من رحمة الله أن جعل في كل فترة بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى و يصبرون على الألم في جنب الله و يقتلون على الحق في سالف الأيام شهداء فما نسيهم ربهم و ما كان ربك نسيا أوصيكم بتقوى الله و حسن القيام على ما وكلتم بالقيام عليه و قابلوا الله حسنا في أمره و زجره أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم قال و أقام عبد الله بن يحيى بصنعاء أشهرا يحسن السيرة في الناس و يلين جانبه لهم و يكف الأذى عنهم و كثر جمعه و أتته الشراة من كل جانب فلما كان في وقت الحج وجه أبا حمزة المختار بن عوف و بلج بن عقبة و أبرهة بن الصباح إلى مكة و الأمير عليهم أبو حمزة في ألف و أمره أن يقيم بمكة إذا صدر الناس و يوجه بلجا إلى الشام فأقبل المختار إلى مكة يوم التروية و عليها و على المدينة عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك في خلافة مروان بن محمد بن مروان و أم عبد الواحد بنت عبد الله بن خالد بن أسيد فكره عبد الواحد قتالهم و فزع الناس منهم حين رأوهم و قد طلعوا عليهم بعرفة و معهم أعلام سود في رءوس الرماح و قالوا لهم ما لكم و ما حالكم فأخبروهم بخلافهم مروان و آل مروان و التبري منهم فراسلهم عبد الواحد في ألا يعطلوا على الناس حجتهم فقال أبو حمزة نحن بحجنا أضن و عليه أشح فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير و أصبحوا من الغد و وقفوا بحيال عبد الواحد بعرفة و دفع عبد الواحد بالناس فلما كانوا بمنى قيل لعبد الواحد قد أخطأت فيهم و لو حملت عليهم الحاج ما كانوا إلا أكلة رأس

١٠٨

و بعث عبد الواحد إلى أبي حمزة عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب و محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان و عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر و عبيد الله بن عمر بن حفص العمري و ربيعة بن عبد الرحمن و رجالا أمثالهم فلما قربوا من أبي حمزة أخذتهم مسالحه فأدخلوا على أبي حمزة فوجدوه جالسا و عليه إزار قطري قد ربطه بحوره في قفاه فلما دنوا تقدم إليه عبد الله بن الحسن العلوي و محمد بن عبد الله العثماني فنسبهما فلما انتسبا له عبس في وجوههما و أظهر الكراهية لهما ثم تقدم إليه بعدهما البكري و العمري فنسبهما فانتسبا له فهش إليهما و تبسم في وجوههما و قال و الله ما خرجنا إلا لنسير سيرة أبويكما فقال له عبد الله بن حسن و الله ما جئناك لتفاخر بين آبائنا و لكن الأمير بعثنا إليك برسالة و هذا ربيعة يخبركها فلما أخبره ربيعة قال له إن الأمير يخاف نقض العهد قال معاذ الله أن ننقض العهد أو نخيس به و الله لا أفعل و لو قطعت رقبتي هذه و لكن إلى أن تنقضي الهدنة بيننا و بينكم فخرجوا من عنده فأبلغوا عبد الواحد فلما كان النفر الأخير نفر عبد الواحد و خلى مكة لأبي حمزة فدخل بغير قتال فقال بعض الشعراء يهجو عبد الواحد

زار الحجيج عصابة قد خالفوا

دين الإله ففر عبد الواحد

ترك الإمارة و المواسم هاربا

و مضى يخبط كالبعير الشارد

فلو أن والده تخير أمه

لصفت خلائقه بعرق الوالد

١٠٩

ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة و دعا بالديوان فضرب على الناس البعث و زادهم في العطاء عشرة عشرة و استعمل على الجيش عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان فخرجوا فلقيتهم جزر منحورة فتشاءم الناس بها فلما كانوا بالعقيق علق لواء عبد العزيز بسمرة فانكسر الرمح فتشاءموا بذلك أيضا ثم ساروا حتى نزلوا قديدا فنزل بها قوم معتزلون ليسوا بأصحاب حرب و أكثرهم تجار أغمار قد خرجوا في المصبغات و الثياب الناعمة و اللهو لا يظنون أن للخوارج شوكة و لا يشكون في أنهم في أيديهم و قال رجل منهم من قريش لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء و لكنهم داهنوا في دين الله و الله لنظفرن و لنسيرن إلى أهل الطائف فلنسبينهم ثم قال من يشتري مني من سبي أهل الطائف قال أبو الفرج فكان هذا الرجل أول المنهزمين فلما وصل المدينة و دخل داره أراد أن يقول لجاريته أغلقي الباب قال لها غاق باق دهشا فلقبه أهل المدينة بعد ذلك غاق باق و لم تفهم الجارية قوله حتى أومأ إليها بيده فأغلقت الباب. قال و كان عبد العزيز يعرض الجيش بذي الحليفة فمر به أمية بن عنبسة بن سعيد بن العاص فرحب به و ضحك إليه ثم مر به عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير فلم يكلمه و لم يلتفت إليه فقال له عمران بن عبد الله بن مطيع و كان ابن خالته أما هما ابنتا عبد الله بن خالد بن أسيد سبحان الله مر بك شيخ من شيوخ قريش فلم تنظر

١١٠

إليه و لم تكلمه و مر بك غلام من بني أمية فضحكت إليه و لاطفته أما و الله لو التقى الجمعان لعلمت أيهما أصبر قال فكان أمية بن عنبة أول من انهزم و ركب فرسه و مضى و قال لغلامه يا مجيب أما و الله لئن أحرزت هذه الأكلب من بني الشراة إني لعاجز و أما عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير فقاتل يومئذ حتى قتل و كان يحمل و يتمثل

و إني إذا ضن الأمير بإذنه

على الإذن من نفسي إذا شئت قادر

و الشعر للأغر بن حماد اليشكري قال فلما بلغ أبا حمزة إقبال أهل المدينة إليه استخلف على مكة أبرهة بن الصباح و شخص إليهم و على مقدمته بلج بن عقبة فلما كان في الليلة التي وافاهم في صبيحتها و أهل المدينة نزول بقديد قال لأصحابه إنكم ملاقو القوم غدا و أميرهم فيما بلغني ابن عثمان أول من خالف سنة الخلفاء و بدل سنة رسول الله ص و قد وضح الصبح لذي عينين فأكثروا ذكر الله و تلاوة القرآن و وطنوا أنفسكم على الموت و صبحهم غداة الخميس لتسع خلون من صفر سنة ثلاثين و مائة قال أبو الفرج و قال عبد العزيز لغلامه في تلك الليلة ابغنا علفا قال هو غال فقال ويحك البواكي علينا غدا أغلى و أرسل أبو حمزة إليهم بلج بن عتبة ليدعوهم فأتاهم في ثلاثين راكبا فذكرهم الله و سألهم أن يكفوا عنهم و قال لهم خلوا سبيلنا إلى الشام لنسير

١١١

إلى من ظلمكم و جار في الحكم عليكم و لا تجعلوا حدنا بكم فإنا لا نريد قتالكم فشتمهم أهل المدينة و قالوا يا أعداء الله أ نحن نخليكم و نترككم تفسدون في الأرض فقالت الخوارج يا أعداء الله أ نحن نفسد في الأرض إنما خرجنا لنكف الفساد و نقاتل من قاتلنا منكم و استأثر بالفي‏ء فانظروا لأنفسكم و اخلعوا من لم يجعل الله له طاعة فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فادخلوا في السلم و عاونوا أهل الحق فناداه عبد العزيز ما تقول في عثمان قال قد برئ منه المسلمون قبلي و إنا متبع آثارهم و مقتد بهم قال ارجع إلى أصحابك فليس بيننا و بينكم إلا السيف فرجع إلى أبي حمزة فأخبره فقال كفوا عنهم و لا تقاتلوهم حتى يبدءوكم بالقتال فواقفوهم و لم يقاتلوهم فرمى رجل من أهل المدينة بسهم في عسكر أبي حمزة فجرح منهم رجلا فقال أبو حمزة شأنكم الآن فقد حل قتالهم فحملوا عليهم فثبت بعضهم لبعض و راية قريش مع إبراهيم بن عبد الله بن مطيع ثم انكشف أهل المدينة فلم يتبعوهم و كان على عامتهم صخر بن الجهم بن حذيفة العدوي فكبر و كبر الناس معه فقاتلوا قليلا ثم انهزموا فلم يبعدوا حتى كبر ثانية فثبت معه ناس و قاتلوا ثم انهزموا هزيمة لم يبق بعدها منهم باقية فقال علي بن الحصين لأبي حمزة اتبع آثار القوم أو دعني أتبعهم فأقتل المدبر و أذفف على الجريح فإن هؤلاء شر علينا من أهل الشام و لو قد جاءك أهل الشام غدا لرأيت من هؤلاء ما تكره قال لا أفعل و لا أخالف سيرة أسلافنا و أخذ جماعة منهم أسرا و أراد إطلاقهم فمنعه علي بن الحصين و قال إن لكل

١١٢

زمان سيرة و هؤلاء لم يؤسروا و هم هراب و إنما أسروا و هم يقاتلون و لو قتلوا في ذلك الوقت لم يحرم قتلهم فهكذا الآن قتلهم حلال و دعا بهم فكان إذا رأى رجلا من قريش قتله و إذا رأى رجلا من الأنصار أطلقه قال أبو الفرج و ذلك لأن قريشا كانوا أكثر الجيش و بهم كانت الشوكة و أتى محمد بن عبد العزيز بن عمرو بن عثمان فنسبه فقال أنا رجل من الأنصار فسأل الأنصار فأقرت بذلك فأطلقه فلما ولى قال و الله إني لأعلم أنه قرشي و لكن قد أطلقته قال و قد بلغت قتلى قديد ألفين و مائتين و ثلاثين رجلا منهم من قريش أربعمائة و خمسون رجلا و من الأنصار ثمانون رجلا و من الموالي و سائر الناس ألف و سبعمائة رجل قال و كان في قتلى قريش من بني أسد بن عبد العزى بن قصي أربعون رجلا قال و قتل يومئذ أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان خرج مقنعا فلم يكلم أحدا و قاتل حتى قتل و دخل بلج المدينة بغير حرب فدخلوا في طاعته و كف عنهم و رجع إلى ملكه و كان على شرطته أبو بكر بن عبد الله بن عمر من آل سراقة فكان أهل المدينة يقولون لعن الله السراقي و لعن الله بلجا العراقي و قالت نائحة أهل المدينة تبكيهم

ما للزمان و ما ليه

أفنت قديد رجاليه

فلأبكين سريرة

و لأبكين علانية

و لأبكين على قديد

بسوء ما أولانيه

و لأعوين إذا خلوت

مع الكلاب العاوية

١١٣

أبو حمزة الشاري

قال أبو الفرج و لما سار عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك إلى الشام و خلف المدينة لبلج أقبل أبو حمزة من مكة حتى دخلها فرقي المنبر فحمد الله و قال يا أهل المدينة سألناكم عن ولاتكم هؤلاء فأسأتم لعمري و الله القول فيهم و سألناكم هل يقتلون بالظن فقلتم نعم و سألناكم هل يستحلون المال الحرام و الفرج الحرام فقلتم نعم فقلنا لكم تعالوا نحن و أنتم فأنشدوا الله وحده أن يتنحوا عنا و عنكم ليختار المسلمون لأنفسهم فقلتم لا نفعل فقلنا لكم تعالوا نحن و أنتم نلقاهم فإن نظهر نحن و أنتم يأت من يقيم لنا كتاب الله و سنة نبيه و يعدل في أحكامكم و يحملكم على سنة نبيكم فأبيتم و قاتلتمونا فقاتلناكم و قتلناكم فأبعدكم الله و أسحقكم يا أهل المدينة مررت بكم في زمن الأحول هشام بن عبد الملك و قد أصابتكم عاهة في ثماركم فركبتم إليه تسألونه أن يضع خراجكم عنكم فكتب بوضعه عن قوم من ذوي اليسار منكم فزاد الغني غنى و الفقير فقرا و قلتم جزاه الله خيرا فلا جزاه خيرا و لا جزاكم قال أبو الفرج فأما خطبتا أبي حمزة المشهورتان اللتان خطب بهما في المدينة فإن إحداهما قوله تعلمون يا أهل المدينة أنا لم نخرج من ديارنا و أموالنا أشرا و لا بطرا و لا عبثا و لا لهوا و لا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه و لا لثأر قديم نيل منا و لكنا لما رأينا مصابيح الحق قد أطفئت و معالم العدل قد عطلت و عنف القائم بالحق و قتل القائم بالقسط ضاقت علينا الأرض بما رحبت و سمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن و حكم القرآن فأجبنا داعي الله( وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي اَلْأَرْضِ )

١١٤

فأقبلنا من قبائل شتى النفر منا على البعير الواحد و عليه زادهم يتعاورون لحافا واحدا قليلون مستضعفون في الأرض فآوانا الله و أيدنا بنصره و أصبحنا و الله المحمود من أهل فضله و نعمته ثم لقينا رجالكم بقديد فدعوناهم إلى طاعة الرحمن و حكم القرآن فدعونا إلى طاعة الشيطان و حكم مروان فشتان لعمر الله ما بين الغي و الرشد ثم أقبلوا يزفون و يهرعون قد ضرب الشيطان فيهم بجرانه و صدق عليهم إبليس ظنه و أقبل أنصار الله عصائب و كتائب بكل مهند ذي رونق فدارت رحانا و استدارت رحاهم بضرب يرتاب منه المبطلون و ايم الله يا أهل المدينة إن تنصروا مروان و آل مروان فيسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا و يشف صدور قوم مؤمنين يا أهل المدينة الناس منا و نحن منهم إلا مشركا عباد وثن أو كافرا من أهل الكتاب أو إماما جائرا يا أهل المدينة من يزعم أن الله تعالى كلف نفسا فوق طاقتها و سألها عما لم يؤتها فهو لنا حرب يا أهل المدينة أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله في كتابه على القوي و الضعيف فجاء تاسع ليس له منها سهم فأخذها جميعا لنفسه مكابرا محاربا لربه ما تقولون فيه و فيمن عاونه على فعله يا أهل المدينة بلغني أنكم تنتقصون أصحابي قلتم هم شباب أحداث و أعراب جفاة ويحكم يا أهل المدينة و هل كان أصحاب رسول الله ص إلا شبابا

١١٥

أحداثا نعم و الله إن أصحابي لشباب مكتهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم ثقيلة عن الباطل أقدامهم قد باعوا أنفسا تموت غدا بأنفس لا تموت أبدا قد خلطوا كلالهم بكلالهم و قيام ليلهم بصيام نهارهم محنية أصلابهم على أجزاء القرآن كلما مروا بآية خوف شهقوا خوفا من النار و كلما مروا بآية رجاء شهقوا شوقا إلى الجنة و إذا نظروا إلى السيوف و قد انتضيت و إلى الرماح و قد أشرعت و إلى السهام و قد فوقت و أرعدت الكتيبة بصواعق الموت استخفوا وعيدها عند وعيد الله و انغمسوا فيها فطوبى لهم و حسن مآب فكم من عين في منقار طائر طالما بكى بها صاحبها من خشية الله و كم من يد قد أبينت عن ساعدها طالما اعتمد عليها صاحبها راكعا و ساجدا في طاعة الله أقول قولي هذا و أستغفر الله و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب و أما الخطبة الثانية فقوله يا أهل المدينة ما لي رأيت رسم الدين فيكم عافيا و آثاره دارسة لا تقبلون عليه عظة و لا تفقهون من أهله حجة قد بليت فيكم جدته و انطمست عنكم سنته ترون معروفه منكرا و المنكر من غيره معروفا فإذا انكشفت لكم العبر و أوضحت لكم النذر عميت عنها أبصاركم و صمت عنها آذانكم ساهين في غمرة لاهين في غفلة تنبسط قلوبكم للباطل إذا نشر و تنقبض عن الحق إذا ذكر مستوحشة من العلم مستأنسة بالجهل كلما وردت عليها موعظة زادتها عن الحق نفورا تحملون قلوبا في صدوركم كالحجارة أو أشد قسوة من الحجارة فهي لا تلين بكتاب الله الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله

١١٦

يا أهل المدينة إنه لا تغني عنكم صحة أبدانكم إذا سقمت قلوبكم قد جعل الله لكل شي‏ء سببا غالبا عليه لينقاد إليه مطيع أمره فجعل القلوب غالبة على الأبدان فإذا مالت القلوب ميلا كانت الأبدان لها تبعا و إن القلوب لا تلين لأهلها إلا بصحتها و لا يصححها إلا المعرفة بالله و قوة النية و نفاذ البصيرة و لو استشعرت تقوى الله قلوبكم لاستعملت في طاعة الله أبدانكم يا أهل المدينة داركم دار الهجرة و مثوى الرسول ص لما نبت به داره و ضاق به قراره و آذاه الأعداء و تجهمت له فنقله الله إليكم بل إلى قوم لعمري لم يكونوا أمثالكم متوازرين مع الحق على الباطل مختارين الأجل على العاجل يصبرون للضراء رجاء ثوابها فنصروا الله و جاهدوا في سبيله و آزروا رسوله ص و اتبعوا النور الذي أنزل معه و آثروا الله على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة فقال الله تعالى لهم و لأمثالهم و لمن اهتدى بهديهم( وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) و أنتم أبناؤهم و من بقي من خلفهم تتركون أن تقتدوا بهم أو تأخذوا بسنتهم عمى القلوب صم الآذان اتبعتم الهوى فأرداكم عن الهدى و أسهاكم عن مواعظ القرآن لا تزجركم فتنزجرون و لا تعظكم فتتعظون و لا توقظكم فتستيقظون لبئس الخلف أنتم من قوم مضوا قبلكم ما سرتم سيرتهم و لا حفظتم وصيتهم و لا احتذيتم مثالهم لو شقت عنهم قبورهم فعرضت عليهم أعمالكم لعجبوا كيف صرف العذاب عنكم أ لا ترون إلى خلافة الله و إمامة المسلمين كيف أضيعت حتى تداولها بنو مروان أهل بيت اللعنة و طرداء رسول الله و قوم من الطلقاء ليسوا من المهاجرين و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان فأكلوا مال الله أكلا و تلعبوا بدين الله لعبا و اتخذوا عباد الله عبيدا يورث الأكبر منهم ذلك الأصغر فيا لها

١١٧

أمة ما أضعفها و أضيعها و مضوا على ذلك من سيئ أعمالهم و استخفافهم بكتاب الله قد نبذوه وراء ظهورهم فالعنوهم لعنهم الله لعنا كما يستحقونه و لقد ولى منهم عمر بن عبد العزيز فاجتهد و لم يكد و عجز عن الذي أظهر حتى مضى لسبيله قال و لم يذكره بخير و لا بشر ثم قال و ولى بعده يزيد بن عبد الملك غلام سفيه ضعيف غير مأمون على شي‏ء من أمور المسلمين لم يبلغ أشده و لم يؤنس رشده و قد قال الله عز و جل( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) و أمر أمة محمد ص و أحكامها و فروجها و دمائها أعظم عند الله من مال اليتيم و إن كان عند الله عظيما غلام مأبون في فرجه و بطنه يأكل الحرام و يشرب الخمر و يلبس بردين قد حيكا من غير حلهما و صرفت أثمانهما في غير وجهها بعد أن ضربت فيهما الأبشار و حلقت فيهما الأشعار استحل ما لم يحله الله لعبد صالح و لا لنبي مرسل فأجلس حبابة عن يمينه و سلامة عن يساره يغنيانه بمزامير الشيطان و يشرب الخمر الصراح المحرمة نصا بعينها حتى إذا أخذت منه مأخذها و خالطت روحه و لحمه و دمه و غلبت سورتها على عقله مزق برديه ثم التفت إليهما فقال أ تأذنان لي بأن أطير نعم فطر إلى النار طر إلى لعنة الله طر إلى حيث لا يردك الله ثم ذكر بني أمية و أعمالهم فقال أصابوا إمرة ضائعة و قوما طغاما جهالا لا يقومون لله بحق و لا يفرقون بين الضلالة و الهدى و يرون أن بني أمية أرباب لهم فملكوا الأمر و تسلطوا فيه تسلط ربوبية بطشهم بطش الجبابرة يحكمون بالهوى و يقتلون على الغضب و يأخذون بالظن و يعطلون الحدود بالشفاعات و يؤمنون الخونة و يعصون ذوي

١١٨

الأمانة و يتناولون الصدقة من غير فرضها و يضعونها غير موضعها فتلك الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل الله فالعنوهم لعنهم الله قال ثم ذكر شيعة آل أبي طالب فقال و أما إخواننا من الشيعة و ليسوا بإخواننا في الدين لكني سمعت الله يقول( يا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا ) فإنها فرقة تظاهرت بكتاب الله و آثرت الفرقة على الله لا يرجعون إلى نظر نافذ في القرآن و لا عقل بالغ في الفقه و لا تفتيش عن حقيقة الثواب قد قلدوا أمورهم أهواءهم و جعلوا دينهم العصبية لحزب لزموه و أطاعوه في جميع ما يقوله لهم غيا كان أو رشدا ضلالة كان أو هدى ينتظرون الدول في رجعة الموتى و يؤمنون بالبعث قبل الساعة و يدعون علم الغيب لمخلوقين لا يعلم واحدهم ما في بيته بل لا يعلم ما ينطوي عليه ثوبه أو يحويه جسمه ينقمون المعاصي على أهلها و يعملون بها و لا يعلمون المخرج منها جفاة في دينهم قليلة عقولهم قد قلدوا أهل بيت من العرب دينهم و زعموا أن موالاتهم لهم تغنيهم عن الأعمال الصالحة و تنجيهم من عقاب الأعمال السيئة قاتلهم الله أنى يؤفكون فأي الفرق يا أهل المدينة تتبعون أم بأي مذاهبهم تقتدون و لقد بلغني مقالكم في أصحابي و ما عبتموه من حداثة أسنانهم ويحكم و هل كان أصحاب رسول الله ص إلا أحداثا نعم إنهم لشباب مكتهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم ثقيلة في الباطل أرجلهم أنضاء عبادة قد نظر الله إليهم في جوف الليل محنية أصلابهم على أجزاء القرآن كلما مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا و كلما مر بآية فيها ذكر النار شهق خوفا كأن زفير جهنم بين أذنيه قد أكلت الأرض جباههم و ركبهم

١١٩

و وصلوا كلال ليلهم بكلال نهارهم مصفرة ألوانهم ناحلة أبدانهم من طول القيام و كثرة الصيام يوفون بعهد الله منجزون لوعد الله قد شروا أنفسهم في طاعة الله حتى إذا التقت الكتيبتان و أبرقت سيوفهما و فوقت سهامهما و أشرعت رماحهما لقوا شبا الأسنة و زجاج السهام و ظبى السيوف بنحورهم و وجوههم و صدورهم فمضى الشاب منهم قدما حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه و اختضبت محاسن وجهه بالدماء و عفر جبينه بالتراب و الثرى و انحطت عليه الطير من السماء و مزقته سباع الأرض فكم من عين في منقار طائر طالما بكى بها صاحبها في جوف الليل من خوف الله و كم من وجه رقيق و جبين عتيق قد فلق بعمد الحديد ثم بكى فقال آه آه على فراق الإخوان رحمة الله تعالى على تلك الأبدان اللهم أدخل أرواحها الجنان قال أبو الفرج و سار أبو حمزة و خلف بالمدينة المفضل الأزدي في جماعة من أصحابه و بعث مروان بن محمد عبد الملك بن عطية السعدي في أربعة آلاف من أهل الشام فيهم فرسان عسكره و وجهوهم لحرب أبي حمزة و عبد الله بن يحيى طالب الحق و أمر ابن عطية بالجد في المسير و أعطى كل رجل من الجيش مائة دينار و فرسا عربيا و بغلا لثقله فخرج ابن عطية حتى إذا كان بالمعلى فكان رجل من أهل وادي القرى يقال له العلاء

١٢٠

بن أفلح أبي الغيث يقول لقيني في ذلك اليوم و أنا غلام رجل من أصحاب ابن عطية فقال لي ما اسمك يا غلام فقلت العلاء فقال ابن من قلت ابن أفلح قال أ عربي أم مولى فقلت مولى قال مولى من قلت مولى أبي الغيث قال فأين نحن قلت بالمعلى قال فأين نحن غدا قلت بغالب قال فما كلمني حتى أردفني خلفه و مضى حتى أدخلني على ابن عطية و قال له أيها الأمير سل الغلام ما اسمه فسأل و أنا أرد عليه القول فسر بذلك و وهب لي دراهم قال أبو الفرج و قدم أبو حمزة و أمامه بلج بن عقبة في ستمائة رجل ليقاتل عبد الملك بن عطية فلقيه بوادي القرى لأيام خلت من جمادى الأولى سنة ثلاثين و مائة فتواقفوا و دعاهم بلج إلى الكتاب و السنة و ذكر بني أمية و ظلمهم فشتمه أهل الشام و قالوا يا أعداء الله أنتم أحق بهذا ممن ذكرتم فحمل بلج و أصحابه عليهم و انكشفت طائفة من أهل الشام و ثبت ابن عطية في عصبة صبروا معه فناداهم يا أهل الشام يا أهل الحفاظ ناضلوا عن دينكم و أميركم و اصبروا و قاتلوا قتالا شديدا فقتل بلج و أكثر أصحابه و انحازت قطعة من أصحابه نحو المائة إلى جبل اعتصموا به فقاتلهم ابن عطية ثلاثة أيام فقتل منهم سبعين رجلا و نجا منهم ثلاثون فرجعوا إلى أبي حمزة و هو بالمدينة و قد اغتموا و جزعوا من ذلك الخبر و قالوا فررنا من الزحف فقال لهم أبو حمزة لا تجزعوا فإنا لكم فئة و إلي تحيزتم و خرج أبو حمزة إلى مكة فدعا عمر بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أهل المدينة إلى قتال المفضل خليفة أبي حمزة على المدينة فلم يجد أحدا لأن القتل قد كان أسرع في الناس و خرج وجوه أهل البلد عنه فاجتمع إلى عمر البربر و الزنوج و أهل السوق و العبيد

١٢١

فقاتل بهم الشراة فقتل المفضل و عامة أصحابه و هرب الباقون فلم يبق منهم أحد فقال في ذلك سهيل مولى زينب بنت الحكم بن أبي العاص

ليت مروان رآنا

يوم الإثنين عشية

إذ غسلنا العار عنا

و انتضينا المشرفية

قال فلما قدم ابن عطية أتاه عمر بن عبد الرحمن فقال له أصلحك الله إني جمعت قضي و قضيضي فقاتلت هؤلاء الشراة فلقبه أهل المدينة قضي و قضيضي قال أبو الفرج و أقام ابن عطية بالمدينة شهرا و أبو حمزة مقيم بمكة ثم توجه إليه فقال علي بن الحصين العبدي لأبي حمزة إني كنت أشرت عليك يوم قديد و قبله أن تقتل الأسرى فلم تفعل حتى قتلوا المفضل و أصحابنا المقيمين معه بالمدينة و أنا أشير عليك الآن أن تضع السيف في أهل مكة فإنهم كفرة فجرة و لو قد قدم ابن عطية لكانوا أشد عليك من أهل المدينة فقال لا أرى ذلك لأنهم قد دخلوا في الطاعة و أقروا بالحكم و وجب لهم حق الولاية فقال إنهم سيغدرون فقال( وَ مَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) و قدم ابن عطية مكة فصير أصحابه فرقتين و لقي الخوارج من وجهين فكان هو بإزاء أبي حمزة في أسفل مكة و جعل طائفة أخرى بالأبطح بإزاء أبرهة بن الصباح فقتل أبرهة كمن له ابن هبار و هو على خيل دمشق فقتله عند بئر ميمون و التقى ابن عطية بأبي حمزة فخرج أهل مكة بأجمعهم مع ابن عطية و تكاثر الناس على أبي حمزة فقتل على فم الشعب و قتلت معه امرأته و هي ترتجز

أنا الجديعاء و بنت الأعلم

من سأل عن اسمي فاسمي مريم

١٢٢

بعت سواري بعضب مخذم

و قتلت الخوارج قتلا ذريعا و أسر منهم أربعمائة فقال لهم ابن عطية ويلكم ما دعاكم إلى الخروج مع هذا فقالوا ضمن لنا الكنة يريدون الجنة فقتلهم كلهم و صلب أبا حمزة و أبرهة بن الصباح على شعب الخيف و دخل علي بن الحصين دارا من دور قريش فأحدق أهل الشام بها فأحرقوها فرمى بنفسه عليهم و قاتل فأسر و قتل و صلب مع أبي حمزة فلم يزالوا مصلوبين حتى أفضى الأمر إلى بني هاشم فأنزلوا في خلافة أبي العباس قال أبو الفرج و ذكر ابن الماجشون أن ابن عطية لما التقى بأبي حمزة قال أبو حمزة لأصحابه لا تقاتلوهم حتى تختبروهم فصاحوا فقالوا يا أهل الشام ما تقولون في القرآن و العمل به فقال ابن عطية نضعه في جوف الجوالق قالوا فما تقولون في اليتيم قالوا نأكل ماله و نفجر بأمه في أشياء بلغني أنهم سئلوا عنها فلما سمعوا كلامهم قاتلوهم حتى أمسوا فصاحت الشراة ويحك يا ابن عطية إن الله جل و عز قد جعل الليل سكنا فاسكن و نسكن فأبى و قاتلهم حتى أفناهم قال و لما خرج أبو حمزة من المدينة خطب فقال يا أهل المدينة إنا خارجون لحرب مروان فإن نظهر عليه نعدل في أحكامكم و نحملكم على سنة نبيكم و إن يكن ما تمنيتم لنا فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

١٢٣

قال و قد كان اتبعه على رأيه قوم من أهل المدينة و بايعوه منهم بشكست النحوي فلما جاءهم قتله وثب الناس على أصحابه فقتلوهم و كان ممن قتلوه بشكست النحوي طلبوه فرقي في درجة دار فلحقوه فأنزلوه و قتلوه و هو يصيح يا عباد الله فيم تقتلونني فقيل فيه

لقد كان بشكست عبد العزيز

من أهل القراءة و المسجد

فبعدا لبشكست عبد العزيز

و أما القرآن فلا تبعد

قال أبو الفرج و حدثني بعض أصحابنا أنه رأى رجلا واقفا على سطح يرمي بالحجارة قوم أبي حمزة بمكة فقيل له ويلك أ تدري من ترمي مع اختلاط الناس فقال و الله ما أبالي من رميت إنما يقع حجري في شام أو شار و الله ما أبالي أيهما قتلت قال أبو الفرج و خرج ابن عطية إلى الطائف و أتى قتل أبي حمزة إلى عبد الله بن يحيى طالب الحق و هو بصنعاء فأقبل في أصحابه يريد حرب ابن عطية فشخص ابن عطية إليه و التقوا فقتل بين الفريقين جمع كثير و ترجل عبد الله بن يحيى في ألف رجل فقاتلوا حتى قتلوا كلهم و قتل عبد الله بن يحيى و بعث ابن عطية رأسه إلى مروان بن محمد و قال أبو صخر الهذلي يذكر ذلك

قتلنا عبيدا و الذي يكتني الكنى

أبا حمزة القارئ المصلي اليمانيا

و أبرهة الكندي خاضت رماحنا

و بلجا منحناه السيوف المواضيا

١٢٤

و ما تركت أسيافنا منذ جردت

لمروان جبارا على الأرض عاصيا

و قال عمرو بن الحصين العنبري يرثي أبا حمزة و غيره من الشراة و هذه القصيدة من مختار شعر العرب

هبت قبيل تبلج الفجر

هند تقول و دمعها يجري

إذ أبصرت عيني و أدمعها

تنهل واكفة على النحر

أنى اعتراك و كنت عهدي لا

سرب الدموع و كنت ذا صبر

أ قذى بعينك لا يفاوقها

أم عائر أم ما لها تذري

أم ذكر إخوان فجعت بهم

سلكوا سبيلهم على قدر

فأجبتها بل ذكر مصرعهم

لا غيره عبراتها تمري

يا رب أسلكني سبيلهم

ذا العرش و اشدد بالتقى أزري

في فتية صبروا نفوسهم

للمشرفية و القنا السمر

تالله ما في الدهر مثلهم

حتى أكون رهينة القبر

أوفى بذمتهم إذا عقدوا

و أعف عند العسر و اليسر

متأهبون لكل صالحة

ناهون من لاقوا عن النكر

صمت إذا حضروا مجالسهم

من غير ماعي بهم يزري

إلا تجيئهم فإنهم

رجف القلوب بحضرة الذكر

١٢٥

متأوهون كأن جمر غضا

للموت بين ضلوعهم يسري

فهم كأن بهم جرى مرض

أو مسهم طرف من السحر

لا ليلهم ليل فيلبسهم

فيه غواشي النوم بالسكر

إلا كرى خلسا و آونة

حذر العقاب فهم على ذعر

كم من أخ لك قد فجعت به

قوام ليلته إلى الفجر

متأوها يتلو قوارع من

آي الكتاب مفزع الصدر

ظمآن وقدة كل هاجرة

تراك لذته على قدر

رفاض ما تهوى النفوس إذا

رغب النفوس دعت إلى المرز

و مبرأ من كل سيئة

عف الهوى ذا مرة شزر

و المصطلي بالحرب يوقدها

بحسامه في فتية زهر

يختاضها بأفل ذي شطب

عضب المضارب ظاهر الأثر

لا شي‏ء يلقاه أسر له

من طعنة في ثغرة النحر

منهارة منه تجيش بما

كانت عواصم جوفه تجري

١٢٦

لخليلك المختار أذك به

من مغتد في الله أو مسري

خواض غمرة كل متلفة

في الله تحت العثير الكدر

نزال ذي النجوات مختضبا

بنجيعه بالطعنة الشزر

و ابن الحصين و هل له شبه

في العرف أنى كان و النكر

بشهامة لم تحن أضلعه

لذوي أحزته على غدر

طلق اللسان بكل محكمة

رآب صدع العظم ذي الكسر

لم ينفكك في جوفه حزن

تغلي حرارته و تستشري

ترقي و آونة يخفضها

بتنفس الصعداء و الزفر

و مخالطي بلج و خالصتي

سهم العدو و جابر الكسر

نكل الخصوم إذا هم شغبوا

و سداد ثلمة عورة الثغر

و الخائض الغمرات يخطر في

وسط الأعادي أيما خطر

بمشطب أو غير ذي شطب

هام العدا بذبابه يفري

و أخيك أبرهة الهجان أخي الحرب

العوان و موقد الجمر

و الضارب الأخدود ليس لها

حد ينهنهها عن السحر

و ولى حكمهم فجعت به

عمرو فوا كبدي على عمرو

قوال محكمة و ذو فهم

عف الهوى متثبت الأمر

و مسيب فاذكر وصيته

لا تنس إما كنت ذا ذكر

١٢٧

فكلاهما قد كان مختشعا

لله ذا تقوى و ذا بر

في مخبتين و لم أسمهم

كانوا ندي و هم أولو نصري

و هم مساعر في الوغي رجح

و خيار من يمشي على العفر

حتى وفوا لله حيث لقوا

بعهود لا كذب و لا غدر

فتخالسوا مهجات أنفسهم

و عداتهم بقواضب بتر

و أسنة أثبتن في لدن

خطية بأكفهم زهر

تحت العجاج و فوقهم خرق

يخفقن من سود و من حمر

فتوقدت نيران حربهم

ما بين أعلى البيت و الحجر

و تصرعت عنهم فوارسهم

لم يغمضوا عينا على وتر

صرعى فخاوية بيوتهم

و خوامع بجسومهم تفري

قال أبو الفرج و أقام ابن عطية بحضرموت بعد ظفره بالخوارج حتى أتاه كتاب مروان يأمره بالتعجيل إلى مكة فيحج بالناس فشخص إلى مكة متعجلا مخفا في تسعة عشر فارسا و ندم مروان على ما كتبه و قال قتلت ابن عطية و سوف يخرج متعجلا مخفا من اليمن ليلحق الحج فيقتله الخوارج فكان كما قال صادفه في طريقه جماعة متلففة فمن كان منهم إباضيا قال ما تنتظر أن ندرك ثأر إخواننا و من لم يكن منهم إباضيا ظن أنه إباضي منهزم من ابن عطية فصمد له سعيد و جمانة ابنا الأخنس

١٢٨

الكنديان في جماعة من قومهما و كانوا على رأي الخوارج فعطف ابن عطية على سعيد فضربه بالسيف و طعنه جمانة فصرعه فنزل إليه سعيد فقعد على صدره فقال له ابن عطية هل لك في أن تكون أكرم العرب أسيرا فقال سعيد يا عدو الله أ تظن الله يهملك أو تطمع في الحياة و قد قتلت طالب الحق و أبا حمزة و بلجا و أبرهة فذبحه و قتل أصحابه أجمعون فهذا يسير مما هو معلوم من حال هذه الطائفة في خشونتها في الدين و تلزمها بناموسه و إن كانت في أصل العقيدة على ضلال و هكذا

قال النبي ص عنهم تستحقر صلاة أحدكم في جنب صلاتهم و صيام أحدكم في جنب صيامهم و معلوم أن معاوية و من بعده من بني أمية لم تكن هذه الطريقة طريقتهم و لا هذه السنة سنتهم و أنهم كانوا أهل دنيا و أصحاب لعب و لهو و انغماس في اللذات و قلة مبالاة بالدين و منهم من هو مرمي بالزندقة و الإلحاد

أخبار متفرقة عن معاوية

و قد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية و لم يقتصروا على تفسيقه و قالوا عنه إنه كان ملحدا لا يعتقد النبوة و نقلوا عنه في فلتات كلامه و سقطات ألفاظه ما يدل على ذلك و روى الزبير بن بكار في الموفقيات و هو غير متهم على معاوية و لا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي ع و الانحراف عنه قال المطرف بن المغيرة بن شعبة دخلت مع أبي على معاوية و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية و عقله و يعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء و رأيته مغتما فانتظرته ساعة و ظننت أنه لأمر حدث

١٢٩

فينا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عند أكفر الناس و أخبثهم قلت و ما ذاك قال قلت له و قد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا فإنك قد كبرت و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه و إن ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل و فعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر و إن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عملي يبقى و أي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا و الله إلا دفنا دفنا و أما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة من لبسه الحرير و شربه في آنية الذهب و الفضة حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء فقال له

إني سمعت رسول الله ص يقول إن الشارب فيها ليجرجر في جوفه نار جهنم و قال معاوية أما أنا فلا أرى بذلك بأسا فقال أبو الدرداء من عذيري من معاوية أنا أخبره عن الرسول ص و هو يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أبدا نقل هذا الخبر المحدثون و الفقهاء في كتبهم في باب الاحتجاج على أن خبر الواحد معمول به في الشرع و هذا الخبر يقدح في عدالته كما يقدح أيضا في عقيدته لأن من قال في مقابلة خبر قد روى عن رسول الله ص أما أنا فلا أرى بأسا فيما حرمه رسول الله ص ليس بصحيح العقيدة و من المعلوم أيضا من حالة استئثاره بمال الفي‏ء و ضربه من لا حد عليه و إسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه و حكمه

١٣٠

برأيه في الرعية و في دين الله و استلحاقه زيادا و هو يعلم قول رسول الله ص الولد للفراش و للعاهر الحجر و قتله حجر بن عدي و أصحابه و لم يجب عليهم القتل و مهانته لأبي ذر الغفاري و جبهه و شتمه و إشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاء لإنكاره عليه و لعنه عليا و حسنا و حسينا و عبد الله بن عباس على منابر الإسلام و عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه و شربه المسكر جهارا و لعبه بالنرد و نومه بين القيان المغنيات و اصطباحه معهن و لعبه بالطنبور بينهن و تطريقه بني أمية للوثوب على مقام رسول الله ص و خلافته حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك و الوليد بن يزيد المفتضحين الفاسقين صاحب حبابة و سلامة و الآخر رامي المصحف بالسهام و صاحب الأشعار في الزندقة و الإلحاد و لا ريب أن الخوارج إنما بري‏ء أهل الدين و الحق منهم لأنهم فارقوا عليا و برئوا منه و ما عدا ذلك من عقائدهم نحو القول بتخليد الفاسق في النار و القول بالخروج على أمراء الجور و غير ذلك من أقاويلهم فإن أصحابنا يقولون بها و يذهبون إليها فلم يبق ما يقتضي البراءة منهم إلا براءتهم من علي و قد كان معاوية يلعنه على رءوس الأشهاد و على المنابر في الجمع و الأعياد في المدينة و مكة و في سائر مدن الإسلام فقد شارك الخوارج في الأمر المكروه منهم و امتازوا عليه بإظهار الدين و التلزم بقوانين الشريعة و الاجتهاد في العبادة و إنكار المنكرات و كانوا أحق بأن ينصروا عليه من أن ينصر عليهم فوضح بذلك قول أمير المؤمنين لا تقاتلوا الخوارج بعدي يعني في ملك معاوية و مما يؤكد هذا المعنى أن عبد الله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاوية بالخوارج و استدعاهم إلى ملكه فقال فيه الشاعر

يا ابن الزبير أ تهوى فتية قتلوا

ظلما أباك و لما تنزع الشكك

ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية

يا طيب ذاك الدم الزاكي الذي سفكوا

فقال ابن الزبير لو شايعني الترك و الديلم على محاربة بني أمية لشايعتهم و انتصرت بهم

١٣١

61 و من كلام له ع لما خوف من الغيلة

وَ إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اَللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي اِنْفَرَجَتْ عَنِّي وَ أَسْلَمَتْنِي فَحِينَئِذٍ لاَ يَطِيشُ اَلسَّهْمُ وَ لاَ يَبْرَأُ اَلْكَلْمُ الغيلة القتل على غير علم و لا شعور و الجنة الدرع و ما يجن به أي يستتر من ترس و غيره و طاش السهم إذا صدف عن الغرض و الكلم الجرح و يعني بالجنة هاهنا الأجل و على هذا المعنى الشعر المنسوب إليه ع

من أي يومي من الموت أفر

أ يوم لم يقدر أم يوم قدر

فيوم لا يقدر لا أرهبه

و يوم قد قدر لا يغني الحذر

و منه قول صاحب الزنج

و إذا تنازعني أقول لها قري

موت يريحك أو صعود المنبر

ما قد قضى سيكون فاصطبري له

و لك الأمان من الذي لم يقدر

و مثله

قد علم المستأخرون في الوهل

أن الفرار لا يزيد في الأجل

و الأصل في هذا كله قوله تعالى( وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً )

١٣٢

و قوله تعالى( فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ ) و قوله سبحانه( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) و في القرآن العزيز كثير من ذلك

اختلاف الناس في الآجال

و اختلف الناس في الآجال فقالت الفلاسفة و الأطباء لا أجل مضروب لأحد من الحيوان كله من البشر و لا من غيرهم و الموت عندهم على ضربين قسري و طبيعي فالقسري الموت بعارض إما من خارج الجسد كالمتردي و الغريق و المقتول و نحو ذلك أو من داخل الجسد كما يعرض من الأمراض القاتلة مثل السل و الاستسقاء و السرسام و نحو ذلك و الموت الطبيعي ما يكون بوقوف القوة الغاذية التي تورد على البدن عوض ما يتحلل منه و هذه القوة المستخدمة للقوى الأربع الجاذبة و الدافعة و الماسكة و الهاضمة و البدن لا يزال في التحلل دائما من الحركات الخارجية و من الأفكار و الهموم و ملاقاة الشمس و الريح و العوارض الطارئة و من الجوع و العطش و القوة الغاذية تورد على البدن عوض الأجزاء المتحللة فتصرفها في الغذاء المتناول و استخدام القوى الأربع المذكورة و منتهى بقاء هذه القوة في الأعم الأغلب للإنسان مائة و عشرون سنة و قد رأيت في كتب بعض الحكماء أنها تبقى مائة و ستين سنة و لا يصدق هؤلاء بما يروى من بقاء المعمرين فأما أهل الملل فيصدقون بذلك

١٣٣

و اختلف المتكلمون في الآجال فقالت المعتزلة ينبغي أولا أن نحقق مفهوم قولنا أجل ليكون البحث في التصديق بعد تحقق التصور فالأجل عندنا هو الوقت الذي يعلم الله أن حياة ذلك الإنسان أو الحيوان تبطل فيه كما أن أجل الدين هو الوقت الذي يحل فيه فإذا سألنا سائل فقال هل للناس آجال مضروبة قلنا له ما تعني بذلك أ تريد هل يعلم الله تعالى الأوقات التي تبطل فيها حياة الناس أم تريد بذلك أنه هل يراد بطلان حياة كل حي في الوقت الذي بطلت حياته فيه فإن قال عنيت الأول قيل له نعم للناس آجال مضروبة بمعنى معلومة فإن الله تعالى عالم بكل شي‏ء و إن قال عنيت الثاني قيل لا يجوز عندنا إطلاق القول بذلك لأنه قد تبطل حياة نبي أو ولي بقتل ظالم و البارئ تعالى لا يريد عندنا ذلك فإن قيل فهل تقولون إن كل حيوان يموت و تبطل حياته بأجله قيل نعم لأن الله قد علم الوقت الذي تبطل حياته فيه فليس تبطل حياته إلا في ذلك الوقت لا لأن العلم ساق إلى ذلك بل إنما تبطل حياته بالأمر الذي اقتضى بطلانه و البارئ تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فإن بطلت حياته بقتل ظالم فذلك ظلم و جور و إن بطلت حياته من قبل الله تعالى فذلك حكمة و صواب و قد يكون ذلك لطفا لبعض المكلفين و اختلف الناس لو لم يقتل القاتل المقتول هل كان يجوز أن يبقيه الله تعالى فقطع الشيخ أبو الهذيل على موته لو لم يقتله القاتل و إليه ذهب الكرامية قال محمد بن الهيصم مذهبنا أن الله تعالى قد أجل لكل نفس أجلا لن ينقضي عمره دون بلوغه و لا يتأخر عنه و معنى الأجل هو الوقت الذي علم الله أن الإنسان يموت فيه و كتب ذلك في اللوح المحفوظ و ليس يجوز أن يكون الله تعالى قد أجل له أجلا ثم يقتل قبل بلوغه أو يخترم دونه و لا أن

١٣٤

يتأخر عما أجل له ليس على معنى أن القاتل مضطر إلى قتله حتى لا يمكنه الامتناع منه بل هو قادر على أن يمتنع من قتله و لكنه لا يمتنع منه إذ كان المعلوم أنه يقتله لأجله بعينه و كتب ذلك عليه و لو توهمنا في التقدير أنه يمتنع من قتله لكان الإنسان يموت لأجل ذلك لأنهما أمران مؤجلان بأجل واحد فأحدهما قتل القاتل إياه و الثاني تصرم مدة عمره و حلول الموت به فلو قدرنا امتناع القاتل من قتله لكان لا يجب بذلك ألا يقع المؤجل الثاني الذي هو حلول الموت به بل كان يجب أن يموت بأجله قال و بيان ذلك من كتاب الله توبيخه المنافقين على قولهم( لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا ) فقال تعالى لهم( قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) فدل على أنهم لو تجنبوا مصارع القتل لم يكونوا ليدرءوا بذلك الموت عن أنفسهم و قالت الأشعرية و الجهمية و الجبرية كافة إنها آجال مضروبة محدودة و إذا أجل الأجل و كان في المعلوم أن بعض الناس يقتله وجب وقوع القتل منه لا محالة و ليس يقدر القاتل على الامتناع من قتله و تقدير انتفاء القتل ليقال كيف كانت تكون الحال تقدير أمر محال كتقدير عدم القديم و إثبات الشريك و تقدير الأمور المستحيلة لغو و خلف من القول و قال قوم من أصحابنا البغداديين رحمهم الله بالقطع على حياته لو لم يقتله القاتل و هذا عكس مذهب أبي الهذيل و من وافقه و قالوا لو كان المقتول يموت في ذلك الوقت لو لم يقتله القاتل لما كان القاتل مسيئا إليه إذ لم يفوت عليه حياة لو لم يبطلها لبقيت و لما استحق

١٣٥

القود و لكان ذابح الشاة بغير إذن مالكها قد أحسن إلى مالكها لأنه لو لم يذبحها لماتت فلم يكن ينتفع بلحمها قالوا و الذي احتج به من كونهما مؤجلين بأجل واحد فلو قدرنا انتفاء أحد الأمرين في ذلك الوقت لم يجب انتفاء الآخر ليس بشي‏ء لأن أحدهما علة الآخر فإذا قدرنا انتفاء العلة وجب أن ينتفي في ذلك التقدير انتفاء المعلول فالعلة قتل القاتل و المعلول بطلان الحياة و إنما كان يستمر و يصلح ما ذكروه لو لم يكن بين الأمرين علية العلية و المعلولية قالوا و الآية التي تعلقوا فيها لا تدل على قولهم لأنه تعالى لم ينكر ذلك القول إنكار حاكم بأنهم لو لم يقتلوا لماتوا بل قال كل حي ميت أي لا بد من الموت إما معجلا و إما مؤجلا. قالوا فإذا قال لنا قائل إذا قلتم إنه يبقى لو لم يقتله القاتل أ لستم تكونون قد قلتم إن القاتل قد قطع عليه أجله. قلنا له إنما يكون قاطعا عليه أجله لو قتله قبل الوقت الذي علم الله تعالى أن حياته تبطل فيه و ليس الأمر كذلك لأن الوقت الذي علم الله تعالى أن حياته تبطل فيه هو الوقت الذي قتله فيه القاتل و لم يقتله القاتل قبل ذلك فيكون قد قطع عليه أجله قالوا فإذا قال لنا فهل تقولون إنه قطع عليه عمره قلنا له إن الزمان الذي كان يعيش فيه لو لم يقتله القاتل لا يسمى عمرا إلا على طريق المجاز باعتبار التقدير و لسنا نطلق ذلك إلا مقيدا لئلا يوهم و إنما قلنا إنا نقطع على أنه لو لم يقتل لم يمت و لا نطلق غير ذلك

١٣٦

و قال قدماء الشيعة الآجال تزيد و تنقص و معنى الأجل الوقت الذي علم الله تعالى أن الإنسان يموت فيه إن لم يقتل قبل ذلك أو لم يفعل فعلا يستحق به الزيادة و النقصان في عمره قالوا و ربما يقتل الإنسان الذي ضرب له من الأجل خمسون سنة و هو ابن عشرين سنة و ربما يفعل من الأفعال ما يستحق به الزيادة فيبلغ مائة سنة أو يستحق به النقيصة فيموت و هو ابن ثلاثين سنة قالوا فمما يقتضي الزيادة صلة الرحم و مما يقتضي النقيصة الزنا و عقوق الوالدين و تعلقوا بقوله تعالى( وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ ) . و ربما قال قوم منهم إن الله تعالى يضرب الأجل لزيد خمسين سنة أو ما يشاء فيرجع عن ذلك فيما بعد و يجعله أربعين أو ثلاثين أو ما يشاء و بنوه على قولهم في البداء و قال أصحابنا هذا يوجب أن يكون الله تعالى قد أجل الآجال على التخمين دون التحقيق حيث أجل لزيد خمسين فقتل لعشرين و أفسدوا أن يعلم الله تعالى الشي‏ء بشرط و أن يبدو له فيما يقضيه و يقدره بما هو مشهور في كتبهم و قالوا في الآية إن المراد بها أن ينقص سبحانه بعض الناس عن مقدار أجل المعمر بأن يكون انتقص منه عمرا ليس أنه ينقص من عمر ذلك المعمر فأما مشايخنا أبو علي و أبو هاشم فتوقفا في هذه المسألة و شكا في حياة المقتول و موته و قالا لا يجوز أن يبقى لو لم يقتل و يجوز أن يموت قالا لأن حياته و موته مقدوران لله عز و جل و ليس في العقل ما يدل على قبح واحد منهما و لا في الشرع ما يدل على حصول واحد منهما فوجب الشك فيهما إذ لا دليل يدل على واحد منهما

١٣٧

قالوا فأما احتجاج القاطعين على موته فقد ظهر فساده بما حكي من الجواب عنه قالوا و مما يدل على بطلانه من الكتاب العزيز قوله تعالى( وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي اَلْأَلْبابِ ) فحكم سبحانه بأن إثباته القصاص مما يزجر القاتل عن القتل فتدوم حياة المقتول فلو كان المقتول يموت لو لم يقتله القاتل ما كان في إثبات القصاص حياة قالوا و أما احتجاج البغداديين على القطع على حياته بما حكي عنهم فلا حجة فيه أما إلزام القاتل القود و الغرامة فلأنا غير قاطعين على موت المقتول لو لم يقتل بل يجوز أن يبقى و يغلب ذلك على ظنوننا لأن الظاهر من حال الحيوان الصحيح ألا يموت في ساعته و لا بعد ساعته و ساعات فنحن نلزم القاتل القود و الغرامة لأن الظاهر أنه أبطل ما لو لم يبطله لبقي و أيضا فموت المقتول لو لم يقتله القاتل لا يخرج القاتل من كونه مسيئا لأنه هو الذي تولى إبطال الحياة أ لا ترى أن زيدا لو قتل عمرا لكان مسيئا إليه و إن كان المعلوم أنه لو لم يقتله لقتله خالد في ذلك الوقت و أيضا فلو لم يقتل القاتل المقتول و لم يذبح الشاة حتى ماتا لكان يستحق المقتول و مالك الشاة من الأعواض على البارئ سبحانه أكثر مما يستحقانه على القاتل و الذابح فقد أساء القاتل و الذابح حيث فوتا على المقتول و مالك الشاة زيادة الأعواض. فأما شيخنا أبو الحسين فاختار الشك أيضا في الأمرين إلا في صورة واحدة فإنه قطع فيها على دوام الحياة و هي أن الظالم قد يقتل في الوقت الواحد الألوف الكثيرة في المكان الواحد و لم تجر العادة بموت مثلهم في حالة واحدة في المكان الواحد و اتفاق ذلك نقض العادة و ذلك لا يجوز

١٣٨

قال الشيخ ليس يمتنع أن يقال في مثل هؤلاء إنه يقطع على أن جميعهم ما كانوا يموتون في ذلك المكان في ذلك الوقت لو لم يقتلهم القاتل إن كان الوقت وقتا لا يجوز انتقاض العادات فيه و لكن يجوز أن يموت بعضهم دون بعض لأنه ليس في موت الواحد و الاثنين في وقت واحد في مكان واحد نقض عادة و لا يمتنع هذا الفرض من موتهم بأجمعهم في زمان نبي من الأنبياء و قد ذكرت في كتبي المبسوطة في علم الكلام في هذا الباب ما ليس هذا الشرح موضوعا لاستقصائه

١٣٩

62 و من خطبة له ع

أَلاَ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارٌ لاَ يُسْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ فِيهَا [ بِالزُّهْدِ ] وَ لاَ يُنْجَى بِشَيْ‏ءٍ كَانَ لَهَا اُبْتُلِيَ اَلنَّاسُ بِهَا فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَ حُوسِبُوا عَلَيْهِ وَ مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَ أَقَامُوا فِيهِ فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي اَلْعُقُولِ كَفَيْ‏ءِ اَلظِّلِّ بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَ زَائِداً حَتَّى نَقَصَ تقدير الكلام أن الدنيا دار لا يسلم من عقاب ذنوبها إلا فيها و هذا حق لأن العقاب المستحق إنما يسقط بأحد أمرين إما بثواب على طاعات تفضل على ذلك العقاب المستحق أو بتوبة كاملة الشروط و كلا الأمرين لا يصح من المكلفين إيقاعه إلا في الدنيا فإن الآخرة ليست دار تكليف ليصح من الإنسان فيها عمل الطاعة و التوبة عن المعصية السالفة فقد ثبت إذا أن الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها إن قيل بينوا أن الآخرة ليست بدار تكليف قيل قد بين الشيوخ ذلك بوجهين أحدهما الإجماع على المنع من تجويز استحقاق ثواب أو عقاب في الآخرة و الثاني أن الثواب يجب أن يكون خالصا من المشاق و التكليف يستلزم المشقة لأنها شرط في صحته فبطل أن يجوز استحقاق ثواب في الآخرة للمكلفين المثابين في الآخرة

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260