كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

كتاب شرح نهج البلاغة15%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 260

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44999 / تحميل: 7645
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لأجل تكاليفهم في الآخرة و أما المعاقبون فلو كانوا مكلفين لجاز وقوع التوبة منهم و سقوط العقاب بها و هذا معلوم فساده ضرورة من دين الرسول ع و هاهنا اعتراضان أحدهما أن يقال فما قولكم في قوله تعالى( كُلُوا وَ اِشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ ) و هذا أمر و خطاب لأهل الجنة و الأمر تكليف و الثاني أن الإجماع حاصل على أن أهل الجنة يشكرون الله تعالى و الشكر عبادة و ذلك يستدعى استحقاق الثواب و الجواب عن الأول أن قوله( كُلُوا وَ اِشْرَبُوا ) عند شيخنا أبي عليرحمه‌الله تعالى ليس بأمر على الحقيقة و إن كانت له صورته كما في قوله تعالى( كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً ) . و أما الشيخ أبو هاشم فعنده أن قوله( كُلُوا وَ اِشْرَبُوا ) أمر لكنه زائد في سرور أهل الجنة إذا علموا أن الله تعالى أراد منهم الأكل و أمرهم به و لكنه ليس بتكليف لأن الأمر إنما يكون تكليفا إذا انضمت إليه المشقة و أما الجواب عن الثاني فإن الشكر الذي بالقلب رجوعه إلى الاعتقادات و الله تعالى يفعل في أهل الجنة المعارف كلها فلا وجوب إذا عليهم و أما الشكر باللسان فيجوز أن يكون لهم فيه لذة فيكون بذلك غير مناف للثواب الحاصل لهم و بهذا الوجه نجيب عن قول من يقول أ ليس زبانية النار يعالجون أهل العذاب في جهنم أعاذنا الله منها و هل هذا إلا محض تكليف لأنا نقول إنه يجوز أن يكون للزبانية في ذلك لذة عظيمة فلا يثبت التكليف معها كما لا يكون الإنسان مكلفا في الدنيا بما يخلص إليه شهوته و لا مشقة عليه فيه

١٤١

إن قيل هذا الجواب ينبئ على أن معارف أهل الآخرة ضرورية لأنكم أجبتم عن مسألة الشكر بأن الله تعالى يفعل المعارف في أهل الجنة فدللوا على ذلك بل يجب عليكم أن تدللوا أولا على أن أهل الآخرة يعرفون الله تعالى قيل أما الدليل على أنهم يعرفونه تعالى فإن المثاب لا بد أن يعلم وصول الثواب إليه على الوجه الذي استحقه و لا يصح ذلك إلا مع المعرفة بالله تعالى ليعلم أن ما فعله به هو الذي لمستحقه و القول في المعاقب كالقول في المثاب و أيضا فإن من شرط الثواب مقارنة التعظيم و التبجيل له من فاعل الثواب لأن تعظيم غير فاعل الثواب لا يؤثر و التعظيم لا يعلم إلا مع العلم بالقصد إلى التعظيم و يستحيل أن يعلموا قصده تعالى و لا يعلموه و القول في العقاب و كون الاستحقاق و الإهانة تقارنه تجري هذا المجرى فأما بيان أن هذه المعرفة ضرورية فلأنها لو كانت من فعلهم لكانت إما أن تقع عن نظر يتحرون فيه و يلجئون إليه أو عن تذكر نظر أو بأن يلجئوا إلى نفس المعرفة من غير تقدم نظر و الأول باطل لأن ذلك تكليف و فيه مشقة و قد بينا سقوط التكليف في الآخرة و لا يجوز أن يلجئوا إلى النظر لأنهم لو ألجئوا إلى النظر لكان إلجاؤهم إلى المعرفة أولا و إلجاؤهم إلى المعرفة يمنع من إلجائهم إلى النظر و لا يجوز وقوعها عند تذكر النظر لأن المتذكر للنظر تعرض له الشبه و يلزمه دفعها و في ذلك عود الأمر إلى التكليف و ليس معاينة الآيات بمانع عن وقوع الشبه كما لم تمنع معاينة المعجزات و الأعلام عن وقوعها و لا يجوز أن يكون الإلجاء إلى المعرفة لأن الإلجاء إلى أفعال القلوب لا يصح إلا من الله تعالى فيجب أن يكون الملجأ إلى المعرفة عارفا بهذه القضية و في ذلك استغناؤه بتقدم هذه المعرفة على الإلجاء إليها إن قيل إذا قلتم إنهم مضطرون إلى المعارف فهل تقولون إنهم مضطرون إلى الأفعال

١٤٢

قيل لا لأنه تعالى قال( وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ) و لأن من تدبر ترغيبات القرآن في الجنة و الثواب علم قطعا أن أهل الجنة غير مضطرين إلى أفعالهم كما يضطر المرتعش إلى الرعشة إن قيل فإذا كانوا غير مضطرين فلم يمنعهم من وقوع القبيح منهم قيل لأن الله تعالى قد خلق فيهم علما بأنهم متى حاولوا القبيح منعوا منه و هذا يمنع من الإقدام على القبيح بطريق الإلجاء و يمكن أيضا أن يعلمهم استغناءهم بالحسن عن القبيح مع ما في القبيح من المضرة فيكونون ملجئين إلى ألا يفعلوا القبيح فأما قوله ع و لا ينجى بشي‏ء كان لها فمعناه أن أفعال المكلف التي يفعلها لأغراضه الدنيوية ليست طريقا إلى النجاة في الآخرة كمن ينفق ماله رئاء الناس و ليست طرق النجاة إلا بأفعال البر التي يقصد فيها وجه الله تعالى لا غير و قد أوضح ع ذلك بقوله فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا عليه و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه فمثال الأول من يكتسب الأموال و يدخرها لملاذه و مثال الثاني من يكسبها لينفقها في سبيل الخيرات و المعروف ثم قال ع و إنها عند ذوي العقول كفي‏ء الظل . إلى آخر الفصل و إنما قال كفي‏ء الظل لأن العرب تضيف الشي‏ء إلى نفسه قال تأبط شرا

إذا حاص عينيه كرى النوم لم يزل

له كالئ من قلب شيحان فاتك

١٤٣

و يمكن أن يقال الظل أعم من الفي‏ء لأن الفي‏ء لا يكون إلا بعد الزوال و كل في‏ء ظل و ليس كل ظل فيئا فلما كان فيهما تغاير معنوي بهذا الاعتبار صحت الإضافة و السابغ التام و قلص أي انقبض و قوله ع بينا تراه أصل بينا بين فأشبعت الفتحة فصارت بينا على وزن فعلى ثم تقول بينما فتزيد ما و المعنى واحد تقول بينا نحن نرقبه أتانا أي بين أوقات رقبتنا إياه أتانا و الجمل تضاف إليها أسماء الزمان كقولك أتيتك زمن الحجاج أمير ثم حذفت المضاف الذي هو أوقات و ولي الظرف الذي هو بين الجملة التي أقيمت مقام المضاف إليه كقوله( وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ ) و كان الأصمعي يخفض ببينا إذا صلح في موضعه بين و ينشد بيت أبي ذؤيب بالجر

بينا تعنقه الكمأة و روغه

يوما أتيح له جري‏ء سلفع

و غيره يرفع ما بعد بينا و بينما على الابتداء و الخبر و ينشد هذا البيت على الرفع و هذا المعنى متداول قال الشاعر

ألا إنما الدنيا كظل غمامة

أظلت يسيرا ثم خفت فولت

و قال

ظل الغمام و أحلام المنام فما

تدوم يوما لمخلوق على حال

١٤٤

٦٣ و من خطبة له ع

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ وَ بَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَ اِبْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ وَ تَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ وَ اِسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ وَ كُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا وَ عَلِمُوا أَنَّ اَلدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَ مَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَ بَيْنَ اَلْجَنَّةِ أَوِ اَلنَّارِ إِلاَّ اَلْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ وَ إِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اَللَّحْظَةُ وَ تَهْدِمُهَا اَلسَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ اَلْمُدَّةِ وَ إِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ اَلْجَدِيدَانِ اَللَّيْلُ وَ اَلنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ اَلْأَوْبَةِ وَ إِنَّ قَادِماً يَقْدَمُ بِالْفَوْزِ أَوِ اَلشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ اَلْعُدَّةِ فَتَزَوَّدُوا فِي اَلدُّنْيَا مِنَ اَلدُّنْيَا مَا تُحْرِزُونَ [ تَجُوزُونَ ] بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَ قَدَّمَ تَوْبَتَهُ وَ غَلَبَ شَهْوَتَهُ فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَ أَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ وَ اَلشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيِّنُ لَهُ اَلْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا وَ يُمَنِّيهِ اَلتَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا إِذَا هَجَمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً وَ أَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى اَلشِّقْوَةِ نَسْأَلُ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ وَ لاَ تُقَصِّرُ [ تَقْتَصِرُوا ] بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ وَ لاَ تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ اَلْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَ لاَ كَآبَةٌ

١٤٥

بادروا آجالكم بأعمالكم أي سابقوها و عاجلوها البدار العجلة و ابتاعوا الآخرة الباقية بالدنيا الفانية الزائلة و قوله فقد جد بكم أي حثثتم على الرحيل يقال جد الرحيل و قد جد بفلان إذا أزعج و حث على الرحيل و استعدوا للموت يمكن أن يكون بمعنى أعدوا فقد جاء استفعل بمعنى أفعل كقولهم استجاب له أي أجابه و يمكن أن يكون بمعنى الطلب كما تقول استطعم أي طلب الطعام فيكون بالاعتبار الأول كأنه قال أعدوا للموت عدة و بمعنى الاعتبار الثاني كأنه قال اطلبوا للموت عدة و أظلكم قرب منكم كأنه ألقى عليهم ظله و هذا من باب الاستعارة و العبث اللعب أو ما لا غرض فيه أو ما لا غرض صحيح فيه و قوله و لم يترككم سدى أي مهملين و قوله أن ينزل به موضعه رفع لأنه بدل من الموت و الغائب المشار إليه هو الموت و يحدوه الجديدان يسوقه الليل و النهار و قيل الغائب هنا هو الإنسان يسوقه الجديدان إلى الدار التي هي داره الحقيقية و هي الآخرة و هو في الدنيا غائب على الحقيقة عن داره التي خلق لها و الأول أظهر و قوله فتزودوا في الدنيا من الدنيا كلام فصيح لأن الأمر الذي به يتمكن المكلف من إحراز نفسه في الآخرة إنما هو يكتسبه في الدنيا منها و هو التقوى و الإخلاص و الإيمان و الفاء في قوله فاتقى عبد ربه لبيان ماهية الأمر الذي يحرز الإنسان به نفسه

١٤٦

و لتفصيل أقسامه و أنواعه كما تقول فعل اليوم فلان أفعالا جميلة فأعطى فلانا و صفح عن فلان و فعل كذا و قد روي اتقى عبد ربه بلا فاء بتقدير هلا و معناه التحضيض و قد روي ليسوفها بكسر الواو و فتحها و الضمير في الرواية الأولى يرجع إلى نفسه و قد تقدم ذكرها قبل بكلمات يسيرة و يجوز أن يعنى به ليسوف التوبة كأنه جعلها مخاطبة يقول لها سوف أوقعك و التسويف أن يقول في نفسه سوف أفعل و أكثر ما يستعمل للوعد الذي لا نجاز له و من روى بفتح الواو جعله فعل ما لم يسم فاعله و تقديره و يمنيه الشيطان التوبة أي يجعلها في أمنيته ليكون مسوفا إياها أي يعد من المسوفين المخدوعين و قوله فيا لها حسرة يجوز أن يكون نادى الحسرة و فتحة اللام على أصل نداء المدعو كقولك يا للرجال و يكون المعنى هذا وقتك أيتها الحسرة فاحضري و يجوز أن يكون المدعو غير الحسرة كأنه قال يا للرجال للحسرة فتكون لامها مكسورة نحو الأصل لأنها المدعو إليه إلا أنها لما كانت للضمير فتحت أي أدعوكم أيها الرجال لتقضوا العجب من هذه الحسرة

عظة للحسن البصري

و هذا الكلام من مواعظ أمير المؤمنين البالغة و نحوه من كلام الحسن البصري ذكره شيخنا أبو عثمان في البيان و التبيين

١٤٧

ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا و لا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا و إذا رأيت الناس في الخير فقاسمهم فيه و إذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم عليه البقاء هاهنا قليل و البقاء هناك طويل أمتكم آخر الأمم و أنتم آخر أمتكم و قد أسرع بخياركم فما تنتظرون المعاينة فكأن قد هيهات هيهات ذهبت الدنيا بحاليها و بقيت الأعمال قلائد في الأعناق فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ألا إنه لا أمة بعد أمتكم و لا نبي بعد نبيكم و لا كتاب بعد كتابكم أنتم تسوقون الناس و الساعة تسوقكم و إنما ينتظر بأولكم أن يلحق آخركم من رأى محمدا ص فقد رآه غاديا رائحا لم يضع لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة رفع له علم فسما إليه فالوحى الوحى النجاء النجاء على ما ذا تعرجون ذهب أماثلكم و أنتم ترذلون كل يوم فما تنتظرون. إن الله بعث محمدا على علم منه اختاره لنفسه و بعثه برسالته و أنزل إليه كتابه و كان صفوته من خلقه و رسوله إلى عباده ثم وضعه من الدنيا موضعا ينظر إليه أهل الأرض فآتاه فيها قوتا و بلغة ثم قال( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) فركن أقوام إلى غير عيشته و سخطوا ما رضي له ربه فأبعدهم و أسحقهم يا ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل قبرك و اعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك رحم الله امرأ نظر فتفكر و تفكر فاعتبر و اعتبر

١٤٨

فأبصر و أبصر فأقصر فقد أبصر أقوام و لم يقصروا ثم هلكوا فلم يدركوا ما طلبوا و لا رجعوا إلى ما فارقوا يا ابن آدم اذكر قوله عز و جل( وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ اَلْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ اَلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) عدل و الله عليك من جعلك حسيب نفسك خذوا صفوة الدنيا و دعوا كدرها و دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم ظهر الجفاء و قلت العلماء و عفت السنة و شاعت البدعة لقد صحبت أقواما ما كانت صحبتهم إلا قرة عين لكل مسلم و جلاء الصدور و لقد رأيت أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها و كانوا مما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم عليكم منها ما لي أسمع حسيسا و لا أرى أنيسا ذهب الناس و بقي النسناس لو تكاشفتم ما تدافنتم تهاديتم الأطباق و لم تتهادوا النصائح أعدوا الجواب فإنكم مسئولون إن المؤمن من لا يأخذ دينه عن رأيه و لكن عن ربه ألا إن الحق قد أجهد أهله و حال بينهم و بين شهواتهم و ما يصبر عليه إلا من عرف فضله و رجا عاقبته فمن حمد الدنيا ذم الآخرة و لا يكره لقاء الله إلا مقيم على ما يسخطه إن الإيمان ليس بالتمني و لا بالتشهي و لكن ما وقر في القلوب و صدقته الأعمال و هذا كلام حسن و موعظة بالغة إلا أنه في الجزالة و الفصاحة دون كلام أمير المؤمنين ع بطبقات

١٤٩

من خطب عمر بن عبد العزيز

١٥٠

من خطب ابن نباتة

و من خطب ابن نباتة الجيدة في ذكر الموت أيها الناس ما أسلس قياد من كان الموت جريره و أبعد سداد من كان هواه أميره و أسرع فطام من كانت الدنيا ظئره و أمنع جناب من أضحت التقوى ظهيره فاتقوا الله عباد الله حق تقواه و راقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه و تأهبوا لوثبات المنون فإنها كامنة في الحركات و السكون بينما ترى المرء مسرورا بشبابه مغرورا بإعجابه مغمورا بسعة اكتسابه مستورا عما خلق له لما يغرى به إذ أسعرت فيه الأسقام شهابها و كدرت له الأيام شرابها و حومت عليه المنية عقابها و أعلقت فيه ظفرها و نابها فسرت فيه أوجاعه و تنكرت عليه طباعه و أظل رحيله و وداعه و قل عنه منعه و دفاعه فأصبح ذا بصر حائر و قلب طائر و نفس غابر في قطب هلاك دائر قد أيقن بمفارقة أهله و وطنه و أذعن بانتزاع روحه عن بدنه حتى إذا تحقق منه اليأس و حل به المحذور و البأس أومأ إلى خاص عواده موصيا لهم بأصاغر أولاده جزعا عليهم من ظفر أعدائه و حساده

١٥١

و النفس بالسياق تجذب و الموت بالفراق يقرب العيون لهول مصرعه تسكب و الحامة عليه تعدد و تندب حتى تجلى له ملك الموت من حجبه فقضى فيه قضاء أمر ربه فعافه الجليس و أوحش منه الأنيس و زود من ماله كفنا و حصر في الأرض بعمله مرتهنا وحيدا على كثرة الجيران بعيدا على قرب المكان مقيما بين قوم كانوا فزالوا و حوت عليهم الحادثات فحالوا لا يخبرون بما إليه آلوا و لو قدروا على المقال لقالوا قد شربوا من الموت كأسا مرة و لم يفقدوا من أعمالهم ذرة و آلى عليهم الدهر ألية برة ألا يجعل لهم الدنيا كرة كأنهم لم يكونوا للعيون قرة و لم يعدوا في الأحياء مرة أسكتهم الذي أنطقهم و أبادهم الذي خلقهم و سيوجدهم كما خلقهم و يجمعهم كما فرقهم يوم يعيد الله العالمين خلقا جديدا و يجعل الله الظالمين لنار جهنم وقودا( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً )

١٥٢

٦٤ و من خطبة له ع

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً وَ يَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرَهُ قَلِيلٌ وَ كُلُّ عَزِيزٍ غَيْرَهُ ذَلِيلٌ وَ كُلُّ قَوِيٍّ غَيْرَهُ ضَعِيفٌ وَ كُلُّ مَالِكٍ غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ وَ كُلُّ عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ وَ كُلُّ قَادِرٍ غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَ يَعْجِزُ وَ كُلُّ سَمِيعٍ غَيْرَهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ اَلْأَصْوَاتِ وَ يُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَ يَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا وَ كُلُّ بَصِيرٍ غَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ اَلْأَلْوَانِ وَ لَطِيفِ اَلْأَجْسَامِ وَ كُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرَهُ غَيْرُ بَاطِنٍ بَاطِنٌ وَ كُلُّ بَاطِنٍ غَيْرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَ لاَ تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ وَ لاَ اِسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ وَ لاَ شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ وَ لاَ ضِدٍّ مُنَافِرٍ وَ لَكِنْ خَلاَئِقُ مَرْبُوبُونَ وَ عِبَادٌ دَاخِرُونَ لَمْ يَحْلُلْ فِي اَلْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ فِيهَا كَائِنٌ وَ لَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا اِبْتَدَأَ وَ لاَ تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ وَ لاَ وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ وَ لاَ وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَ قَدَّرَ بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ وَ عِلْمٌ مُحْكَمٌ وَ أَمْرٌ مُبْرَمٌ اَلْمَأْمُولُ مَعَ اَلنِّقَمِ اَلْمَرْهُوبُ مَعَ اَلنِّعَمِ يصم بفتح الصاد لأن الماضي صممت يا زيد و الصمم فساد حاسة السمع و يصمه بكسرها يحدث الصمم عنده و أصممت زيدا

١٥٣

و الند المثل و النظير و المثاور المواثب و الشريك المكاثر المفتخر بالكثرة و الضد المنافر المحاكم في الحسب نافرت زيدا فنفرته أي غلبته و مربوبون مملوكون و داخرون ذليلون خاضعون و لم ينأ لم يبعد و لم يؤده لم يتعبه و ذرأ خلق و ولجت عليه الشبهة بفتح اللام أي دخلت و المرهوب المخوف فأما قوله الذي لم يسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا فيمكن تفسيره على وجهين أحدهما أن معنى كونه أولا أنه لم يزل موجودا و لا شي‏ء من الأشياء بموجود أصلا و معنى كونه آخرا أنه باق لا يزال و كل شي‏ء من الأشياء يعدم عدما محضا حسب عدمه فيما مضى و ذاته سبحانه ذات يجب لها اجتماع استحقاق هذين الاعتبارين معا في كل حال فلا حال قط إلا و يصدق على ذاته أنه يجب كونها مستحقة للأولية و الآخرية بالاعتبار المذكور استحقاقا ذاتيا ضروريا و ذلك الاستحقاق ليس على وجه وصف الترتيب بل مع خلاف غيره من الموجودات الجسمانية فإن غيره مما يبقى زمانين فصاعدا إذا نسبناه إلى ما يبقى دون زمان بقائه لم يكن استحقاقه الأولية و الآخرية بالنسبة إليه على هذا الوصف بل إما يكون استحقاقا بالكلية بأن يكون استحقاقا قريبا فيكون إنما يصدق عليه أحدهما لأن الآخر لم يصدق عليه أو يكونا معا يصدقان عليه مجتمعين غير مرتبين لكن ليس ذلك لذات الموصوف بالأولية و الآخرية بل إنما ذلك الاستحقاق لأمر خارج عن ذاته الوجه الثاني أن يريد بهذا الكلام أنه تعالى لا يجوز أن يكون موردا للصفات المتعاقبة على ما يذهب إليه قوم من أهل التوحيد قالوا لأنه واجب لذاته و الواجب لذاته

١٥٤

واجب من جميع جهاته إذ لو فرضنا جواز اتصافه بأمر جديد ثبوتي أو سلبي لقلنا إن ذاته لا تكفي في تحققه و لو قلنا ذلك لقلنا إن حصول ذلك الأمر أو سلبه عنه يتوقف على حصول أمر خارج عن ذاته أو على عدم أمر خارج عن ذاته فتكون ذاته لا محالة متوقفة على حضور ذلك الحصول أو السلب و المتوقف على المتوقف على الغير متوقف على الغير و كل متوقف على الغير ممكن و الواجب لا يكون ممكنا فيكون معنى الكلام على هذا التفسير نفي كونه تعالى ذا صفة بكونه أولا و آخرا بل إنما المرجع بذلك إلى إضافات لا وجود لها في الأعيان و لا يكون ذلك من أحوال ذاته الراجعة إليها كالعالمية و نحوها لأن تلك أحوال ثابتة و نحن إنما ننفي عنه بهذه الحجة الأحوال المتعاقبة و أما قوله أو يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا فإن للباطل و الظاهر تفسيرا على وجهين أحدهما أنه ظاهر بمعنى أن أدلة وجوده و أعلام ثبوته و إلهيته جلية واضحة و معنى كونه باطنا أنه غير مدرك بالحواس الظاهرة بل بقوة أخرى باطنة و هي القوة العقلية. و ثانيهما أنا نعني بالظاهر الغالب يقال ظهر فلان على بني فلان أي غلبهم و معنى الباطن العالم يقال بطنت سر فلان أي علمته و القول في نفيه عنه سبحانه أن يكون ظاهرا قبل كونه باطنا كالقول فيما تقدم من نفيه عنه سبحانه كونه أولا قبل كونه آخرا و أما قوله كل مسمى بالوحدة غيره قليل فلأن الواحد أقل العدد و معنى كونه واحدا يباين ذلك لأن معنى كونه واحدا إما نفي الثاني في الإلهية أو كونه يستحيل عليها الانقسام و على كلا التفسيرين يسلب عنها مفهوم القلة هذا إذا فسرنا كلامه على التفسير الحقيقي و إن فسرناه على قاعدة البلاغة و صناعة

١٥٥

الخطابة كان ظاهرا لأن الناس يستحقرون القليل لقلته و يستعظمون الكثير لكثرته قال الشاعر

تجمعتم من كل أوب و وجهة

على واحد لا زلتم قرن واحد

و أما قوله و كل عزيز غيره ذليل فهو حق لأن غيره من الملوك و إن كان عزيزا فهو ذليل في قبضة القضاء و القدر و هذا هو تفسير قوله و كل قوى غيره ضعيف و كل مالك غيره مملوك و أما قوله و كل عالم غيره متعلم فهو حق لأنه سبحانه مفيض العلوم على النفوس فهو المعلم الأول جلت قدرته و أما قوله و كل قادر غيره يقدر و يعجز فهو حق لأنه تعالى قادر لذاته و يستحيل عليه العجز و غيره قادر لأمر خارج عن ذاته أما لقدرة كما قاله قوم أو لبنية و تركيب كما قاله قوم آخرون و العجز على من عداه غير ممتنع و عليه مستحيل و أما قوله ع و كل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات و يصمه كبيرها و يذهب عنه ما بعد منها فحق لأن كل ذي سمع من الأجسام يضعف سمعه عن إدراك خفي الأصوات و يتأثر من شديدها و قويها لأنه يسمع بآلة جسمانية و الآلة الجسمانية ذات قوة متناهية واقفة عند حد محدود و الباري تعالى بخلاف ذلك و اعلم أن أصحابنا اختلفوا في كونه تعالى مدركا للمسموعات و المبصرات فقال شيخنا أبو علي و أبو هاشم و أصحابهما إن كونه مدركا صفة زائدة على كونه عالما و قالا إنا نصف الباري تعالى فيما لم يزل بأنه سميع بصير و لا نصفه بأنه سامع مبصر و معنى كونه سامعا مبصرا أنه مدرك للمسموعات و المبصرات

١٥٦

و قال شيخنا أبو القاسم و أبو الحسين و أصحابهما أن معنى كونه تعالى مدركا هو أنه عالم بالمدركات و لا صفة له زائدة على صفته بكونه عالما و هذا البحث مشروح في كتبي الكلامية لتقرير الطريقين و في شرح الغرر و غيرهما و القول في شرح قوله و كل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان و لطيف الأجسام كالقول فيما تقدم في إدراك السمع و أما قوله و كل ظاهر غيره غير باطن و كل باطن غيره غير ظاهر فحق لأن كل ظاهر غيره على التفسير الأول فليس بباطن كالشمس و القمر و غيرهما من الألوان الظاهرة فإنها ليست إنما تدرك بالقوة العقلية بل بالحواس الظاهرة و أما هو سبحانه فإنه أظهر وجودا من الشمس لكن ذلك الظهور لم يمكن إدراكه بالقوى الحاسة الظاهرة بل بأمر آخر إما خفي في باطن هذا الجسد أو مفارق ليس في الجسد و لا في جهة أخرى غير جهة الجسد و أما على التفسير الثاني فلأن كل ملك ظاهر على رعيته أو على خصومه و قاهر لهم ليس بعالم ببواطنهم و ليس مطلعا على سرائرهم و البارئ تعالى بخلاف ذلك و إذا فهمت شرح القضية الأولى فهمت شرح الثانية و هي قوله و كل باطن غيره غير ظاهر

اختلاف الأقوال في خلق العالم

فأما قوله لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطانه إلى قوله عباد داخرون فاعلم أن

١٥٧

الناس اختلفوا في كمية خلقه تعالى للعالم ما هي على أقوال القول الأول قول الفلاسفة قال محمد بن زكريا الرازي عن أرسطاطاليس إنه زعم أن العالم كان عن البارئ تعالى لأن جوهره و ذاته جوهر و ذات مسخرة للمعدوم أن يكون مسخرا موجودا قال و زعم ابن قيس أن علة وجود العالم وجود البارئ قال و على كلا القولين يكون العالم قديما أما على قول أرسطو فلأن جوهر ذات البارئ لما كان قديما لم يزل وجب أن يكون أثرها و معلولها قديما و أما على قول ابن قيس فلأن البارئ موجود لم يزل لأن وجوده من لوازم ذاته فوجب أن يكون فيضه و أثره أيضا لم يزل هكذا قال ابن زكريا فأما الذي يقول أصحاب أرسطاطاليس الآن في زماننا فهو أن العالم لم يجب عن الله سبحانه عن قصد و لا غرض لأن كل من فعل فعلا لغرض كان حصول ذلك الغرض له أولى من لا حصوله فيكون كاملا لحصول ذلك الغرض و واجب الوجود لا يجوز أن يكون كاملا بأمر خارج عن ذاته لأن الكامل لا من ذاته ناقص من ذاته قالوا لكن تمثل نظام العالم في علم واجب الوجود يقتضي فيض ذلك النظام منه قالوا و هذا معنى قول الحكماء الأوائل إن علمه تعالى فعلي لا انفعالي و إن العلم على قسمين أحدهما ما يكون المعلوم سببا له و الثاني ما يكون هو سبب المعلوم مثال الأول أن نشاهد صورة فنعلمها و مثال الثاني أن يتصور الصائغ أو النجار أو البناء كيفية العمل فيوقعه في الخارج على حسب ما تصوره

١٥٨

قالوا و علمه تعالى من القسم الثاني و هذا هو المعنى المعبر عنه بالعناية و هو إحاطة علم الأول الحق سبحانه بالكل و بالواجب أن يكون عليه الكل حتى يكون على أحسن النظام و بأن ذلك واجب عن إحاطته فيكون الموجود وفق المعلوم من غير انبعاث قصد و طلب عن الأول الحق سبحانه فعلمه تعالى بكيفية الصواب في ترتيب الكل هو المنبع لفيضان الوجود في الكل القول الثاني قول حكاه أبو القاسم البلخي عن قدماء الفلاسفة و إليه كان يذهب محمد بن زكريا الرازي من المتأخرين و هو أن علة خلق البارئ للعالم تنبيه النفس على أن ما تراه من الهيولى و تريده غير ممكن لترفض محبتها إياها و عشقها لها و تعود إلى عالمها الأول غير مشتاقة إلى هذا العالم و اعلم أن هذا القول هو القول المحكي عن الحرنانية أصحاب القدماء الخمسة و حقيقة مذهبهم إثبات قدماء خمسة اثنان منهم حيان فاعلان و هما البارئ تعالى و النفس و مرادهم بالنفس ذات هي مبدأ لسائر النفوس التي في العالم كالأرواح البشرية و القوى النباتية و النفوس الفلكية و يسمون هذه الذات النفس الكلية و واحد من الخمسة منفعل غير حي و هو الهيولى و اثنان لا حيان و لا فاعلان و لا منفعلان و هما الدهر و القضاء قالوا و البارئ تعالى هو مبدأ العلوم و المنفعلات و هو قائم العلم و الحكمة كما أن النفس مبدأ الأرواح و النفوس فالعلوم و المنفعلات تفيض من البارئ سبحانه فيض النور عن قرص الشمس و النفوس و الأرواح تفيض عن النفس الكلية فيض النور عن القرص إلا أن النفوس جاهلة لا تعرف الأشياء إلا على أحد وجهين إما أن يفيض فيض البارئ تعالى عليها تعقلا و إدراكا و إما أن تمارس غيرها و تمازجه فتعرف ما تعرف باعتبار الممارسة و المخالطة معرفة ناقصة و كان البارئ تعالى في الأزل عالما بأن النفس تميل إلى التعلق بالهيولى

١٥٩

و تعشقها و تطلب اللذة الجسمانية و تكره مفارقة الأجسام و تنسى نفسها و لما كان البارئ سبحانه قائم العلم و الحكمة اقتضت حكمته تركب الهيولى لما تعلقت النفس بها ضروبا مختلفة من التراكيب فجعل منها أفلاكا و عناصر و حيوانات و نباتات فأفاض على النفوس تعقلا و شعورا جعله سببا لتذكرها عالمها الأول و معرفتها أنها ما دامت في هذا العالم مخالطة للهيولى لم تنفك عن الآلام فيصير ذلك مقتضيا شوقها إلى عالمها الأول الذي لها فيه اللذات الخالية عن الآلام و رفضها هذا العالم الذي هو سبب أذاها و مضرتها القول الثالث قول المجوس إن الغرض من خلق العالم أن يتحصن الخالق جل اسمه من العدو و أن يجعل العالم شبكة له ليوقع العدو فيه و يجعله في ربط و وثاق و العدو عندهم هو الشيطان و بعضهم يعتقد قدمه و بعضهم حدوثه قال قوم منهم إن البارئ تعالى استوحش ففكر فكرة رديئة فتولد منها الشيطان و قال آخرون بل شك شكا رديئا فتولد الشيطان من شكه و قال آخرون بل تولد من عفونة رديئة قديمة و زعموا أن الشيطان حارب البارئ سبحانه و كان في الظلم لم يزل بمعزل عن سلطان البارئ سبحانه فلم يزل يزحف حتى رأى النور فوثب وثبة عظيمة فصار في سلطان الله تعالى في النور و أدخل معه الآفات و البلايا و السرور فبنى الله سبحانه هذه الأفلاك و الأرض و العناصر شبكة له و هو فيها محبوس لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه الأول و صار في الظلمة فهو أبدا يضطرب و يرمي الآفات على خلق الله سبحانه فمن أحياه الله رماه الشيطان بالموت و من أصحه رماه الشيطان بالسقم و من سره رماه بالحزن و الكآبة فلا يزال كذلك و كل يوم ينتقص سلطانه و قوته لأن الله تعالى يحتال له كل يوم و يضعفه إلى أن تذهب قوته كلها

١٦٠

و تجمد و تصير جمادا لا حراك به فيضعه الله تعالى حينئذ في الجو و الجو عندهم هو الظلمة و لا منتهى له فيصير في الجو جمادا جامدا هوائيا و يجمع الله تعالى أهل الأديان فيعذبهم بقدر ما يطهرهم و يصفيهم من طاعة الشيطان و يغسلهم من الأدناس ثم يدخلهم الجنة و هي جنة لا أكل فيها و لا شرب و لا تمتع و لكنها موضع لذة و سرور القول الرابع قول المانوية و هو أن النور لا نهاية له من جهة فوق و أما من جهة تحت فله نهاية و الظلمة لا نهاية لها من جهة أسفل و أما من جهة فوق فلها نهاية و كان النور و الظلمة هكذا قبل خلق العالم و بينهما فرجة و أن بعض أجزاء النور اقتحم تلك الفرجة لينظر إلى الظلمة فأسرته الظلمة فأقبل عالم كثير من النور فحارب الظلمة ليستخلص المأسورين من تلك الأجزاء و طالت الحرب و اختلط كثير من أجزاء النور بكثير من أجزاء الظلمة فاقتضت حكمة نور الأنوار و هو البارئ سبحانه عندهم أن عمل الأرض من لحوم القتلى و الجبال من عظامهم و البحار من صديدهم و دمائهم و السماء من جلودهم و خلق الشمس و القمر و سيرهما لاستقصاء ما في هذا العالم من أجزاء النور المختلطة بأجزاء الظلمة و جعل حول هذا العالم خندقا خارج الفلك الأعلى يطرح فيه الظلام المستقصى فهو لا يزال يزيد و يتضاعف و يكثر في هذا الخندق و هو ظلام صرف قد استقصى نوره و أما النور المستخلص فيلحق بعد الاستقصاء بعالم الأنوار من فوق فلا تزال الأفلاك متحركة و العالم مستمرا إلى أن يتم استقصاء النور الممتزج و حينئذ يبقى من النور الممتزج شي‏ء يسير فينعقد بالظلمة لا تقدر النيران على استقصائه فعند ذلك تسقط الأجسام العالية و هي الأفلاك على الأجسام السافلة و هي الأرضون و تثور نار و تضطرم في تلك الأسافل

١٦١

و هي المسماة بجهنم و يكون الاضطرام مقدار ألف و أربعمائة سنة فتحلل بتلك النار تلك الأجزاء المنعقدة من النور الممتزجة بأجزاء الظلمة التي عجز الشمس و القمر عن استقصائها فيرتفع إلى عالم الأنوار و يبطل العالم حينئذ و يعود النور كله إلى حالة الأولى قبل الامتزاج فكذلك الظلمة القول الخامس قول متكلمي الإسلام و هو على وجوه أولها قول جمهور أصحابنا إن الله تعالى إنما خلق العالم للإحسان إليهم و الإنعام على الحيوان لأن خلقه حيا نعمة عليه لأن حقيقة النعمة موجودة فيه و ذلك أن النعمة هي المنفعة المفعولة للإحسان و وجود الجسم حيا منفعة مفعولة للإحسان أما بيان كون ذلك منفعة فلأن المنفعة هي اللذة و السرور و دفع المضار المخوفة و ما أدى إلى ذلك و صححه أ لا ترى أن من أشرف على أن يهوى من جبل فمنعه بعض الناس من ذلك فإنه يكون منعما عليه و من سر غيره بأمر و أوصل إليه لذة يكون قد أنعم عليه و من دفع إلى غيره مالا يكون قد أنعم عليه لأنه قد مكنه بدفعه إليه من الانتفاع و صححه له و لا ريب أن وجودنا أحياء يصحح لنا اللذات و يمكننا منها لأنا لو لم نكن أحياء لم يصح ذلك فينا قالوا و إنما قلنا إن هذه المنفعة مفعولة للإحسان لأنها إما أن تكون مفعولة لا لغرض أو لغرض و الأول باطل لأن ما يفعل لا لغرض عبث و البارئ سبحانه لا يصح أن تكون أفعاله عبثا لأنه حكيم و أما الثاني فإما أن يكون ذلك الغرض عائدا عليه سبحانه بنفع أو دفع ضرر أو يعود على غيره و الأول باطل لأنه غني لذاته يستحيل عليه المنافع و المضار و لا يجوز أن يفعله لمضرة يوصلها إلى غيره لأن القصد إلى الإضرار بالحيوان من غير استحقاق و لا منفعة يوصل إليها بالمضرة قبيح تعالى الله عنه فثبت أنه سبحانه إنما خلق الحيوان

١٦٢

لنفعه و أما غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان لكان خلقه عبثا و البارئ تعالى لا يجوز عليه العبث فإذا جميع ما في العالم إنما خلقه لينفع به الحيوان فهذا هو الكلام في علة خلق العالم عندهم و أما الكلام في وجه حسن تكليف الإنسان فذاك مقام آخر لسنا الآن في بيانه و لا الحاجة داعية إليه و ثانيها قول قوم من أصحابنا البغداديين إنه خلق الخلق ليظهر به لأرباب العقول صفاته الحميدة و قدرته على كل ممكن و علمه بكل معلوم و ما يستحقه من الثناء و الحمد قالوا

و قد ورد الخبر أنه تعالى قال : كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف و هذا القول ليس بعيدا و ثالثها للمجبرة إنه خلق الخلق لا لغرض أصلا و لا يقال لم كان كل شي‏ء لعلة و لا علة لفعله و مذهب الأشعري و أصحابه أن إرادته القديمة تعلقت بإيجاد العالم في الحال التي وجد فيها لذاتها و لا لغرض و لا لداع و ما كان يجوز ألا يوجد العالم حيث وجد لأن الإرادة القديمة لا يجوز أن تتقلب و تتغير حقيقتها و كذلك القول عندهم في أجزاء العالم المجددة من الحركات و السكنات و الأجسام و سائر الأعراض و رابعها قول بعض المتكلمين إن البارئ تعالى إنما فعل العالم لأنه ملتذ بأن يفعل و أجاز أرباب هذا القول عليه اللذة و السرور و الابتهاج قالوا و البارئ سبحانه و إن كان قبل أن يخلق العالم ملتذا بكونه قادرا على خلق العالم إلا أن لذة الفعل أقوى من لذة القدرة على الفعل كان يلتذ بأنه قادر على أن يكتب خطا مستحسنا أو يبنى بيتا محكما فإنه إذا أخرج تلك الصناعة من القوة إلى الفعل كانت لذته أتم و أعظم قالوا و لم يثبت بالدليل العقلي استحالة اللذة عليه و قد ورد في الآثار النبوية أن الله تعالى يسر و اتفقت الفلاسفة على أنه ملتذ بذاته و كماله.

١٦٣

و عندي في هذا القول نظر و لي في اللذة و الألم رسالة مفردة و أما قوله لم يحلل في الأشياء فيقال لا هو فيها كائن و لا منها مباين فينبغي أن يحمل على أنه أراد أنه لم ينأ عن الأشياء نأيا مكانيا فيقال هو بائن بالمكان هكذا ينبغي أن يكون مراده لأنه لا يجوز إطلاق القول بأنه ليس ببائن عن الأشياء و كيف و المجرد بالضرورة بائن عن ذي الوضع و لكنها بينونة بالذات لا بالجهة و المسلمون كلهم متفقون على أنه تعالى يستحيل أن يحل في شي‏ء إلا من اعتزى إلى الإسلام من الحلولية كالذين قالوا بحلوله في علي و ولده و كالذين قالوا بحلوله في أشخاص يعتقدون فيها إظهاره كالحلاجية و غيرهم و الدليل على استحالة حلوله سبحانه في الأجسام أنه لو صح أن يحل فيها لم يعقل منفردا بنفسه أبدا كما أن السواد لا يعقل كونه غير حال في الجسم لأنه لو يعقل غير حال في الجسم لم يكن سوادا و لا يجوز أن يكون الله تعالى حالا أبدا و لا أن يلاقي الجسم إذ ذلك يستلزم قدم الأجسام و قد ثبت أنها حادثة فأما قوله لم يؤده خلق ما ابتدأ إلى قوله عما خلق فهو حق لأنه تعالى قادر لذاته و القادر لذاته لا يتعب و لا يعجز لأنه ليس بجسم و لا قادر بقدرة يقف مقدورها عند حد و غاية بل إنما يقدر على شي‏ء لأنه تعالى ذات مخصوصة يجب لها أن تقدر على الممكنات فيكون كل ممكن داخلا تحت هذه القضية الكلية و الذات التي تكون هكذا لا تعجز و لا تقف مقدوراتها عند حد و غاية أصلا و يستحيل عليها التعب لأنها ليست ذات أعضاء و أجزاء و أما قوله و لا ولجت عليه شبهة إلى قوله و أمر مبرم فحق لأنه تعالى عالم لذاته أي إنما علم ما علمه لا بمعنى أن يتعلق بمعلوم دون معلوم بل إنما علم أي شي‏ء أشرت إليه لأنه ذات مخصوصة و نسبة تلك الذات إلى غير ذلك الشي‏ء المشار إليه

١٦٤

كنسبتها إلى المشار إليه فكانت عالمة بكل معلوم و استحال دخول الشبهة عليها فيما يقضيه و يقدره و أما قوله المأمول مع النقم المرهوب مع النعم فمعنى لطيف و إليه وقعت الإشارة بقوله تعالى( أَ فَأَمِنَ أَهْلُ اَلْقُرى‏ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ اَلْقُرى‏ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ ) و قوله سبحانه( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) و قوله تعالى( فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً ) و قوله سبحانه( فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اَللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) و إليه نظر الشاعر في قوله

من عاش لاقى ما يسوء

من الأمور و ما يسر

و لرب حتف فوقه

ذهب و ياقوت و در

و قال البحتري

يسرك الشي‏ء قد يسوء و كم

نوه يوما بخامل لقبه

لا ييئس المرء أن ينجيه

ما يحسب الناس أنه عطبه

و قال آخر

رب غم يدب تحت سرور

و سرور يأتي من المحذور

و قال سعيد بن حميد

كم نعمة مطوية

لك بين أثناء النوائب

١٦٥

و مسرة قد أقبلت

من حيث تنتظر المصائب

و قال آخر

أنتظر الروح و أسبابه

أيأس ما كنت من الروح

و قال آخر

ربما تجزع النفوس من الأمر

له فرجة كحل العقال

و قال آخر

العسر أكرمه ليسر بعده

و لأجل عين ألف عين تكرم

و المرء يكره يومه و لعله

يأتيه فيه سعادة لا تعلم

و قال الحلاج

و لربما هاج الكبير

من الأمور لك الصغير

و لرب أمر قد تضيق

به الصدور و لا يصير

و قال آخر

يا راقد الليل مسرورا بأوله

إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

و قال آخر

كم مرة حفت بك المكاره

خار لك الله و أنت كاره

و من شعري الذي أناجي به البارئ سبحانه في خلواتي و هو فن أطويه و أكتمه عن الناس و إنما ذكرت بعضه في هذا الموضع لأن المعنى ساق إليه و الحديث ذو شجون

يا من جفاني فوجدي بعده عدم

هبني أسأت فأين العفو و الكرم

١٦٦

أنا المرابط دون الناس فاجف و صل

و اقبل و عاقب و حاسب لست انهزم

إن المحب إذا صحت محبته

فما لوقع المواضي عنده ألم

و حق فضلك ما استيأست من نعم

تسري إلي و إن حلت بي النقم

و لا أمنت نكالا منك أرهبه

و إن ترادفت الآلاء و النعم

حاشاك تعرض عمن في حشاشته

نار لحبك طول الدهر تضطرم

ألم تقل إن من يدنو إلي قدر الذراع

أدنو له باعا و أبتسم

و الله و الله لو عاقبتني حقبا

بالنار تأكلني حطما و تلتهم

ما حلت عن حبك الباقي فليس على

حال بمنصرم و الدهر ينصرم

١٦٧

65 و من كلام له ع كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين

مَعَاشِرَ اَلْمُسْلِمِينَ اِسْتَشْعِرُوا اَلْخَشْيَةَ وَ تَجَلْبَبُوا اَلسَّكِينَةَ وَ عَضُّوا عَلَى اَلنَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ اَلْهَامِ وَ أَكْمِلُوا اَللاَّمَةَ وَ قَلْقِلُوا اَلسُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا وَ اِلْحَظُوا اَلْخَزْرَ وَ اُطْعُنُوا اَلشَّزْرَ وَ نَافِحُوا بِالظُّبَى وَ صِلُوا اَلسُّيُوفَ بِالْخُطَا وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اَللَّهِ وَ مَعَ اِبْنِ عَمِّ رَسُولِ اَللَّهِ [ ص ] فَعَاوِدُوا اَلْكَرَّ وَ اِسْتَحْيُوا مِنَ اَلْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي اَلْأَعْقَابِ وَ نَارٌ يَوْمَ اَلْحِسَابِ وَ طِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً وَ اِمْشُوا إِلَى اَلْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً وَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا اَلسَّوَادِ اَلْأَعْظَمِ وَ اَلرِّوَاقِ اَلْمُطَنَّبِ فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ اَلشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ وَ قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً وَ أَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رَجُلاً فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ اَلْحَقِّ وَ أَنْتُمُ اَلْأَعْلَوْنَ وَ اَللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ قوله استشعروا الخشية أي اجعلوا الخوف من الله تعالى من شعاركم و الشعار من الثياب ما يكون دون الدثار و هو يلي الجلد و هو ألصق ثياب الجسد و هذه استعارة حسنة و المراد بذلك أمرهم بملازمة الخشية و التقوى كما أن الجلد يلازم الشعار

١٦٨

قوله و تجلببوا السكينة أي اجعلوا السكينة و الحلم و الوقار جلبابا لكم و الجلباب الثوب المشتمل على البدن قوله و عضوا على النواجذ جمع ناجذ و هو أقصى الأضراس و للإنسان أربعة نواجذ في كل شق و النواجذ بعد الأرحاء و يسمى الناجذ ضرس الحلم لأنه ينبت بعد البلوغ و كمال العقل و يقال إن العاض على نواجذه ينبو السيف عن هامته نبوا ما و هذا مما يساعد التعليل الطبيعي عليه و ذلك أنه إذا عض على نواجذه تصلبت الأعصاب و العضلات المتصلة بدماغه و زال عنها الاسترخاء فكانت على مقاومة السيف أقدر و كان تأثير السيف فيها أقل و قوله فإنه أنبى الضمير راجع إلى المصدر الذي دل الفعل عليه تقديره فإن العض أنبى كقولهم من فعل خيرا كان له خيرا أي كان فعله خيرا و أنبى أفعل من نبا السيف إذا لم يقطع قال الراوندي هذا كلام ليس على حقيقته بل هو كناية عن الأمر بتسكين القلب و ترك اضطرابه و استيلاء الرعدة عليه إلى أن قال ذلك أشد إبعادا لسيف العدو عن هامتكم قوله و أكملوا اللأمة اللأمة بالهمزة الدرع و الهمزة ساكنة على فعلة مثل النأمة للصوت و إكمالها أن يزاد عليها البيضة و السواعد و نحوها و يجوز أن يعبر باللأمة عن جميع أداة الحرب كالدرع و الرمح و السيف يريد أكملوا السلاح الذي تحاربون العدو به قوله و قلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها يوم الحرب لئلا يدوم مكثها في الأجفان فتلحج فيها فيستصعب سلها وقت الحاجة إليها و قوله و الحظوا الخزر الخزر أن ينظر الإنسان بعينه و كأنه ينظر بمؤخرها و هي أمارة الغضب و الذي أعرفه الخزر بالتحريك قال الشاعر

١٦٩

إذا تخازرت و ما بي من خزر

ثم كسرت العين و ما بي من عور

ألفيتني ألوى بعيد المستمر

أحمل ما حملت من خير و شر

فإن كان قد جاء مسكنا فتسكينه جائز للسجعة الثانية و هي قوله و اطعنوا الشزر و الطعن شزرا هو الطعن عن اليمين و الشمال و لا يسمى الطعن تجاه الإنسان شزرا و أكثر ما تستعمل لفظة الشزر في الطعن لما كان عن اليمين خاصة و كذلك إدارة الرحى و خزرا و شزرا صفتان لمصدرين محذوفين تقديره الحظوا لحظا خزرا و اطعنوا طعنا شزرا و عين اطعنوا مضمومة يقال طعنت بالرمح اطعن بالضم و طعنت في نسبه أطعن بالفتح أي قدحت قال

يطوف بي عكب في معد

و يطعن بالصملة في قفيا

قوله نافحوا بالظبى أي ضاربوا نفحة بالسيف أي ضربة و نفحت الناقة برجلها أي ضربت و الظبى جمع ظبة و هي طرف السيف قوله و صلوا السيوف بالخطا مثل قول الشاعر

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها

خطانا إلى أعدائنا فنضارب

قالوا بكسر نضارب لأنه معطوف على موضع جزاء الشرط الذي هو إذا و قال آخر

نصل السيوف إذا قصرن بخطونا

يوما و نلحقها إذا لم تلحق

و أنشدني شيخنا أبو القاسم الحسين بن عبد الله العكبري و لم يسم قائله و وجدته بعد لنابغة بني الحارث بن كعب

إن تسألي عنا سمي فإنه

يسمو إلى قحم العلا أدنانا

١٧٠

و تبيت جارتنا حصانا عفة

ترضى و يأخذ حقه مولانا

و نقوم إن رق المنون بسحرة

لوصاة والدنا الذي أوصانا

ألا نفر إذا الكتيبة أقبلت

حتى تدور رحاهم و رحانا

و تعيش في أحلامنا أشياخنا

مردا و ما وصل الوجوه لحانا

و إذا السيوف قصرن طولها لنا

حتى تناول ما نريد خطانا

و قال حميد بن ثور الهلالي

إلى أن نزلنا بالفضاء و ما لنا

به معقل إلا الرماح الشواجر

و وصل الخطا بالسيف و السيف بالخطا

إذا ظن أن المرء ذا السيف قاصر

و هذه الأبيات من قطعة لحميد جيدة و من جملتها

قضى الله في بعض المكاره للفتى

برشد و في بعض الهوى ما يحاذر

أ لم تعلمي أني إذا الإلف قادني

إلى الجور لا انقاد و الإلف جائر

و قد كنت في بعض الصباوة أتقي

أمورا و أخشى أن تدور الدوائر

و أعلم أني أن تغطيت مرة

من الدهر مكشوف غطائي فناظر

و من المعنى الذي نحن في ذكره ما روي أن رجلا من الأزد رفع إلى المهلب سيفا له فقال يا عم كيف ترى سيفي هذا فقال إنه لجيد لو لا أنه قصير قال أطوله يا عم بخطوتي فقال و الله يا ابن أخي أن المشي إلى الصين أو إلى آذربيجان على أنياب الأفاعي أسهل من تلك الخطوة و لم يقل المهلب ذلك جبنا بل قال ما توجبه الصورة إذ كانت

١٧١

تلك الخطوة قريبة للموت قال أبو سعد المخزومي في هذا المعنى

رب نار رفعتها و دجى الليل

على الأرض مسبل الطيلسان

و أمون نحرتها لضيوف

و ألوف نقدتهن لجاني

و حروب شهدتها جامع القلب

فلم تنكر الكمأة مكاني

و إذا ما الحسام كان قصيرا

طولته إلى العدو بناني

من الناس من يرويها في ديوانه لجاني بالجيم أي حملت الحمالة عنه و منهم من يرويها بالحاء يعني الخمار. و من المعنى المذكور أولا قول بعض الشعراء يمدح صخر بن عمرو بن الشريد الأسلمي

إن ابن عمرو بن الشريد

له فخار لا يرام

و حجا إذا عدم الحجا

و ندى إذا بخل الغمام

يصل الحسام بخطوة

في الروع إن قصر الحسام

و مثله قول الراجز

يخطو إذا ما قصر العضب الذكر

خطوا ترى منه المنايا تبتدر

و مثله

و إنا لقوم ما نرى القتل سبة

إذا ما رأته عامر و سلول

يقصر ذكر الموت آجالنا لنا

و تكرهه آجالهم فتطول

و منها

و إن قصرت أسيافنا كان وصلها

خطانا إلى أعدائنا فتطول

١٧٢

و مثله قول وداك بن ثميل المازني

مقاديم وصالون في الروع خطوهم

بكل رقيق الشفرتين يماني

إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم

لأية حرب أم بأي مكان

و قال آخر

إذا الكمأة تنحوا أن يصيبهم

حد السيوف وصلناها بأيدينا

و قال آخر

وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا

على الهول حتى أمكنتنا المضارب

و قال بعض الرجاز

الطاعنون في النحور و الكلى

و الواصلون للسيوف بالخطا

قوله ع و اعلموا أنكم بعين الله أي يراكم و يعلم أعمالكم و الباء هاهنا كالباء في قوله أنت بمرأى مني و مسمع قوله فعاودوا الكر أي إذا كررتم على العدو كره فلا تقتصروا عليها بل كروا كرة أخرى بعدها ثم قال لهم و استحيوا من الفرار فإنه عار في الأعقاب أي في الأولاد فإن الأبناء يعيرون بفرار الآباء و يجوز أن يريد بالأعقاب جمع عقب و هو العاقبة و ما يئول إليه الأمر قال سبحانه( خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً ) أي خير عاقبة فيعنى على هذا الوجه أن الفرار عار في عاقبة أمركم و ما يتحدث به الناس في مستقبل الزمان عنكم ثم قال و نار يوم الحساب لأن الفرار من الزحف ذنب عظيم و هو عند

١٧٣

أصحابنا المعتزلة من الكبائر قال الله تعالى( وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اَللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ ) و الجهاد بين يدي الإمام كالجهاد بين يدي الرسول ع قوله ع و طيبوا عن أنفسكم نفسا لما نصب نفسا على التمييز وحده لأن التمييز لا يكون إلا واحدا و إن كان في معنى الجمع تقول انعموا بالا و لا تضيقوا ذرعا و أبقى الأنفس على جمعها لما لم يكن به حاجة إلى توحيدها يقول وطنوا أنفسكم على الموت و لا تكرهوه و هونوه عليكم تقول طبت عن مالي نفسا إذا هونت ذهابه و قوله و امشوا إلى الموت مشيا سجحا أي سهلا و السجاحة السهولة يقال في أخلاق فلان سجاحة و من رواه سمحا أراد سهلا أيضا و السواد الأعظم يعني به جمهور أهل الشام قوله و الرواق المطنب يريد به مضرب معاوية ذا الأطناب و كان معاوية في مضرب عليه قبة عالية و حوله صناديد أهل الشام و ثبجه وسطه و ثبج الإنسان ما بين كاهله إلى ظهره و الكسر جانب الخباء و قوله فإن الشيطان كامن في كسره يحتمل وجهين أحدهما أن يعنى به الشيطان الحقيقي و هو إبليس و الثاني أن يعنى به معاوية و الثاني هو الأظهر للقرينة التي تؤيده و هي قوله قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا أي إن جبنتم وثب و إن شجعتم نكص أي تأخر و فر و من حمله على الوجه الأول جعله من باب المجاز أي إن إبليس كالإنسان الذي يعتوره دواع مختلفة بحسب المتجددات فإن أنتم صدقتم عدوكم القتال فر عنكم بفرار عدوكم و إن تخاذلتم و تواكلتم طمع فيكم بطمعه و أقدم عليكم بإقدامه

١٧٤

و قوله ع فصمدا صمدا أي اصمدوا صمدا صمدا صمدت لفلان أي قصدت له و قوله حتى ينجلي لكم عمود الحق أي يسطع نوره و ضوءه و هذا من باب الاستعارة و الواو في قوله و أنتم الأعلون واو الحال و لن يتركم أعمالكم أي لن ينقصكم و هاهنا مضاف محذوف تقديره جزاء أعمالكم و هو من كلام الله تعالى رصع به خطبته ع و هذا الكلام خطب به أمير المؤمنين ع في اليوم الذي كانت عشيته ليلة الهرير في كثير من الروايات و في رواية نصر بن مزاحم أنه خطب به في أول أيام اللقاء و الحرب بصفين و ذلك في صفر من سنة سبع و ثلاثين

من أخبار يوم صفين

قال نصر كان علي ع يركب بغلة له يستلذها قبل أن يلتقي الفئتان بصفين فلما حضرت الحرب و بات تلك الليلة يعبئ الكتائب حتى أصبح قال ائتوني بفرس فأتي بفرس له ذنوب أدهم يقاد بشطنين يبحث الأرض بيديه جميعا له حمحمة

١٧٥

و صهيل فركبه و قال( سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين ) لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم

قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال كان علي ع إذا سار إلى قتال ذكر اسم الله قبل أن يركب كان يقول الحمد لله على نعمه علينا و فضله( سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون ) ثم يستقبل القبلة و يرفع يديه إلى السماء و يقول اللهم إليك نقلت الأقدام و أتعبت الأبدان و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و شخصت الأبصار( رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْفاتِحِينَ ) ثم يقول سيروا على بركة الله ثم يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد اكفف عنا بأس الظالمين( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد و إياك نستعين ) بسم الله الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم قال و كانت هذه الكلمات شعاره بصفين

قال و روى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال ما كان علي ع في قتال إلا نادى يا كهيعص

قال نصر و حدثنا قيس بن الربيع عن عبد الواحد بن حسان العجلي عمن حدثه أنه سمع عليا ع يقول يوم لقائه أهل الشام بصفين اللهم إليك رفعت الأبصار و بسطت الأيدي و نقلت الأقدام و دعت الألسن و أفضت القلوب و تحوكم إليك في الأعمال فاحكم بيننا و بينهم بالحق و أنت خير الفاتحين اللهم إنا نشكو إليك غيبة

١٧٦

نبينا و قلة عددنا و كثرة عدونا و تشتت أهوائنا و شدة الزمان و ظهور الفتن فأعنا على ذلك بفتح منك تعجله و نصر تعز به سلطان الحق و تظهره

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن سلام بن سويد عن علي ع في قوله وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ اَلتَّقْوى‏ قال هي لا إله إلا الله و في قوله الله أكبر قال هي آية النصر قال سلام كانت شعاره ع يقولها في الحرب ثم يحمل فيورد و الله من اتبعه و من حاده حياض الموت قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال لما كان غداة الخميس لسبع خلون من صفر من سنة سبع و ثلاثين صلى علي ع الغداة فغلس ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ و خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف نحوهم و كان هو يبدؤهم فيسير إليهم فإذا رأوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم.

قال نصر فحدثني عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال لما خرج علي ع إليهم غداة ذلك اليوم فاستقبلوه رفع يديه إلى السماء و قال اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته محيطا بالليل و النهار و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر و منازل الكواكب و النجوم و جعلت سكانه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة و رب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام و الهوام و الأنعام و ما لا يحصى مما يرى و مما لا يرى من خلقك العظيم و رب الفلك التي تجري في البحر المحيط بما ينفع الناس و رب السحاب المسخر بين السماء و الأرض و رب البحر

١٧٧

المسجور المحيط بالعالمين و رب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا و للخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي و سددنا للحق و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة و اعصم بقية أصحابي من الفتنة قال فلما رأوه قد أقبل تقدموا إليه بزحوفهم و كان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي و على ميسرته عبد الله بن العباس بن عبد المطلب و قراء العراق مع ثلاثة نفر عمار بن ياسر و قيس بن سعد بن عبادة و عبد الله بن بديل و الناس على راياتهم و مراكزهم و علي ع في القلب في أهل المدينة جمهورهم الأنصار و معه من خزاعة و من كنانة عدد حسن قال نصر و كان علي ع رجلا ربعة أدعج العينين كان وجهه القمر ليلة البدر حسنا ضخم البطن عريض المسربة شثن الكفين ضخم الكسور كأن عنقه إبريق فضة أصلع من خلفه شعر خفيف لمنكبه مشاش كمشاش الأسد الضاري إذا مشى تكفأ و مار به جسده و لظهره سنام كسنام الثور لا يبين عضده من ساعده قد أدمجت إدماجا لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس و لونه إلى سمرة ما و هو أذلف الأنف إذا مشى إلى الحرب هرول قد أيده الله تعالى في حروبه بالنصر و الظفر

١٧٨

قال نصر و رفع معاوية قبة عظيمة و ألقى عليها الكرابيس و جلس تحتها قال نصر و قد كان لهم قبل هذا اليوم أيام ثلاثة و هي الرابع من صفر هذا و اليوم الخامس و اليوم السادس كانت فيها مناوشات و قتال ليس بذلك الكثير فأما اليوم الرابع فأن محمد بن الحنفية ع خرج في جمع من أهل العراق فأخرج إليه معاوية عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام فاقتتلوا ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية أن اخرج إلي أبارزك فقال نعم ثم خرج إليه فبصر بهما علي ع فقال من هذان المتبارزان قيل محمد بن الحنفية و عبيد الله بن عمر فحرك دابته ثم دعا محمدا إليه فجاءه فقال أمسك دابتي فأمسكها فمشى راجلا بيده سيفه نحو عبيد الله و قال له أنا أبارزك فهلم إلي فقال عبيد الله لا حاجة بي إلى مبارزتك قال بلى فهلم إلي قال لا أبارزك ثم رجع إلى صفه فرجع علي ع فقال ابن الحنفية يا أبت لم منعتني من مبارزته فو الله لو تركتني لرجوت أن أقتله قال يا بني لو بارزته أنا لقتلته و لو بارزته أنت لرجوت لك أن تقتله و ما كنت آمن أن يقتلك فقال يا أبت أ تبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله و الله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه فقال يا بني لا تذكر أباه و لا تقل فيه إلا خيرا رحم الله أباه قال نصر و أما اليوم الخامس فإنه خرج فيه عبد الله بن العباس فخرج إليه الوليد بن عقبة فأكثر من سب بني عبد المطلب و قال يا ابن عباس قطعتم

١٧٩

أرحامكم و قتلتم إمامكم فكيف رأيتم صنع الله بكم لم تعطوا ما طلبتم و لم تدركوا ما أملتم و الله إن شاء مهلككم و ناصرنا عليكم فأرسل إليه عبد الله بن العباس أن ابرز إلي فأبى أن يفعل و قاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا ثم انصرفوا و كل غير غالب قال نصر و خرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري فلحق بعلي ع في ناس من قراء أهل الشام ففت ذلك في عضد معاوية و عمرو بن العاص و قال عمرو يا معاوية إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد ص قرابة قريبة و رحم ماسة و قدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله و حده في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد ص و إنه قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين و فرسانهم و قرائهم و أشرافهم و قدمائهم في الإسلام و لهم في النفوس مهابة فبادر بأهل الشام مخاشن الأوعار و مضايق العياض و احملهم على الجهد و ائتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا فتظهر فيهم كآبة الخذلان و مهما نسيت فلا تنس أنك على باطل و أن عليا على حق فبادر الأمر قبل اضطرابه عليك فقام معاوية في أهل الشام خطيبا فقال أيها الناس أعيرونا جماجمكم و أنفسكم لا تقتتلوا و لا تتجادلوا فإن اليوم يوم خطار و يوم حقيقة و حفاظ إنكم لعلى حق و بأيديكم حجة إنما تقاتلون من نكث البيعة و سفك الدم الحرام فليس له في السماء عاذر قدموا أصحاب السلاح المستلئمة و أخروا الحاسر و احملوا بأجمعكم فقد بلغ الحق مقطعه و إنما هو ظالم و مظلوم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260