نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة0%

نظرة عابرة الى الصحاح الستة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 561

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبد الصمد شاكر
تصنيف: الصفحات: 561
المشاهدات: 244051
تحميل: 7371

توضيحات:

نظرة عابرة الى الصحاح الستة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 561 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 244051 / تحميل: 7371
الحجم الحجم الحجم
نظرة عابرة الى الصحاح الستة

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل(1) .

اقول : في هذه الرواية ثلاثة اسئلة :

أولها : انّ السيدة عائشة تنقل الموضوع كأنّها كانت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأنّها سمعت كلام جبرئيل في غار حراء ، وكأنّها كانت عند خديجة ـ ( رض ) ـ وسمعت كلامها وكلام ورقة بن نوفل لرسول الله وما اجابه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحال انّها لم تكن ولدت آنذاك ، وهذا شيء عجيب ، وأي مجوز لنقله في مثل كتاب البخاري ، ألمجرد حسن الظن بانّها تنقل كل ذلك عن رسول الله ، فان حسن الظن في أُمور الدين لا يكفي لكسب الحقيقة مع ان سوق العبارة في مجموع الحديث لا يناسب النقل ، بل العبارة عبارة الشاهد دون الناقل ، وهل هذا بمجرده لا يشعر بكذب الحديث؟

ثانيها : انّ ورقة بن نوفل ـ يعلم باخراج قريش ايّاهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة وهو لا يعلم ، فهلموا ايها المنصفون ـ بل يا ايها العاقلون ـ انظروا نصرانياً يعلم مستقبل النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو لا يعلم ، ويسألصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه سؤال تلميذ من استاذه!!!

ثالثها : وهو أهمها انّ النبي لم يطمئن بتعينه رسولاً ، وكأن الله سبحانه وتعالى لم يقدر على تفهيم رسوله بما اراد منه واعطاه ايّاه حتى نصحته زوجته ، وهو يخشى على نفسه! واسوأ منه انّ ورقة النصراني عرف الملك وعلم انهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث رسولاً ، وهو يخشى على نفسه ، فانا لله وانا إليه راجعون ، وهذا الحديث وامثاله انّما يقبله السذج والبسطاء ، ولا يجترىء

__________________

(1) صحيح البخاري 1 : رقم 3 كتاب بدء الوحي.

٦١

مسلم فطن ان يقبل ان الرسول الخاتم فهم نبوته بقول زوجته وبقول رجل نصراني اعمى دون وحي منزّل من الله سبحانه وتعالى عليه.

على أن الحديث التالي لجابر بن عبدالله في البخاري يكذب قصة الرجوع الى ورقة ، فقلت : زمّلوني زمّلوني ، فانزل الله تعالى :( يا أيّها المدّثر قم فأنذر ) (1) (2) .

وحمله على وقت آخر لا دليل عليه سوى حسن الظن بالرواة وحفظ كلامهم عن التعارض!

نكتة

( 2 ) عن أبي موسى قال سئل النبي عن اشياء كرهها ، فلما اكثر عليه غضب ثم قال للناس : « سلوني عمّا شئتم » قال رجل : من أبي؟ قال : « أبوك حذافة ، فقام آخر فقال من أبي...

فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله انّا نتوب الى الله عزّ وجلّ.

وفي رواية أُخرى فبرك عمر فقال رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً ، فسكت(3) .

أقول : للحديث صدر في بعض الكتب لا اذكره احتراماً لعمر ، ولاجله حذفه البخاري فصار الكلام مجملاً!

مسح الرجلين

( 3 ) عن عبدالله بن عمرو قال : تخلّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر

__________________

(1) المدثر : 1 ، 2.

(2) صحيح البخاري رقم 4638 كتاب التفسير.

(3) صحيح البخاري رقم 92 ـ 93 كتاب العلم.

٦٢

سافرناه ، فأدركنا وقد ارهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على ارجلنا فنادى بأعلى صوته : « ويل للاعقاب من النار » مرتين أو ثلاثاً(1) .

أقول : يظهر من الرواية انّ الصحابة ( رض ) كانوا يمسحون على أرجلهم في الوضوء عملاً بظاهر القرآن أو بتعليم من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أو بكليهما ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ويل للاعقاب من النار » ناظر الى لزوم ازالة النجاسة عن الاَعقاب المبطلة للصلاة.

وعليه فالرواية تنافي ما ورد في غسل الرجلين ، وحمل المسح على الغسل الخفيف ـ كما عن بعضهم ـ تأويل بلا وجه.

( 4 ) وعن علي : انّه صلّى الظهر ثم فشرب وغسل وجهه ويديه ، وذكر راسه ورجليه ثم(2) .

أقول : المظنون ان الاصل : مسح رأسه ورجليه ، فيد الاَمانة حرّفتها بذكر!

شرط دخول الجنة

( 5 ) وفي رواية أبي هريرة : « اسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة ، من قال لا اله إلاّ الله ، خالصاً من قلبه ، أو نفسه »(3) .

أقول : هذا المعنى وما يقرب منه يستفاد من جملة من الاَحاديث ، ومقتضاه عدم اشتراط دخول الجنة بالاعتقاد بنبوة فضلاً عن الاعتقاد بنبوة خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن لا بدّ من تقييده بغيره كحديث معاذ(4) وغيره.

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 9660 كتاب العلم ، صحيح مسلم 3 : 131.

(2) صحيح البخاري رقم 5239 كتاب الاشربة.

(3) صحيح البخاري رقم 99.

(4) صحيح البخاري رقم 128 كتاب العلم.

٦٣

واعلم انّه ورد في جملة من الاَحاديث على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله امر بقتال الناس حتى يقولوا ومدخول كلمة "حتى" مختلف زيادة ونقيصة اختلافاً كثيراً يشكل احراز ما هو الصحيح منه.

صحيفة علي

( 6 ) عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي : هل عندكم كتاب؟

قال : لا ، إلاّ كتاب الله أو فهم اعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة.

قال : قلت : فما في هذه الصحيفة؟

قال : العقل ، وفكاك الاَسير ، ولا يقتل مسلم بكافر(1) (2) .

( 7 ) عن علي : ما عندنا شيء إلاّ كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : المدينة حرم ما بين عائر الى كذا من احدث فيها حدثاً ، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ، وقال : ذمة المسلمين واحدة ، فمن اخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل منه صرف ولا عدل ، ومن تولّى قوماً بغير اذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل(3) .

أقول : قيل في تفسير ( الصرف والعدل ) : أي التوبة والفدية أو النافلة والفريضة ورواه بتفاوت في كتاب الجزية(4) .

( 8 ) وعن أبي جحيفة قال : قلت لعلي : هل عندكم شيء من

__________________

(1) وفي الديات من سنن ابن ماجه برقم 2658 أو ما في هذه الصحيفة فيها الديات عن رسول الله (ص)...

(2) صحيح البخاري رقم 111.

(3) صحيح البخاري رقم 1771 كتاب فضائل المدينة.

(4) صحيح البخاري رقم 3008 كتاب الجزية ، بتفاوت.

٦٤

الوحي؟ إلاّ ما في كتاب الله؟ قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلاّ فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن ، وما في هذه الصحيفة.

قلت : وما في الصحيفة؟

قال : العقل ، وفكاك الاَسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر(1) .

( 9 ) وعن ابن الحنفية : لو كان علي ذاكراً عثمان ذكره يوم جاء اناس فشكوا سعاة عثمان ، فقال لي علي : اذهب الى عثمان فاخبره انّها ( اي الصحيفة المشتملة على أحكام الصدقات ) صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمر سعاتك يعملون فيها.

فأتيته بها ، فقال : اغنها عنّا ، فاتيت بها علياً فاخبرته ، فقال : ضعها حيث أخذتها.

وفي نقل آخر : أرسلني أبي وقال : هذا الكتاب فاذهب به الى عثمان ، فان فيه أمر النبي في الصدقة(2) .

أقول : هذه صحيفة أُخرى لعلي رضي الله عنه في احكام الزكاة اعرض عن اخذها ـ فضلاً عن العمل بها ـ عثمان. ومنها يظهر بطلان ما :

( 10 ) عن ابن عباس حين سئل : أترك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من شيء؟ قال : ما ترك إلاّ ما بين الدفتين. ونسب مثله الى محمّد بن الحنفية(3) .

( 11 ) عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي بن أبي طالب قال : من زعم انّ عندنا شيء نقرأه إلاّ كتاب الله وهذه الصحيفة ( قال : وصحيفة معلقة في قراب سيفه ) فقد كذمب ، فيها اسنان الابل ، واشياء من الجراحات ،

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 2882 كتاب الجهاد.

(2) صحيح البخاري رقم 2944 كتاب الخمس.

(3) صحيح البخاري رقم 2731 كتاب فضائل القرآن.

٦٥

وفيها قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « المدينة حرم ما بين عير الى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها ادناهم ، ومن ادّعى الى غير أبيه أو انتمى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً »(1) .

( 12 ) عن أبي الطفيل قال : سئل علي أخصّكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشي؟ فقال : ما خصّنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء لم يعم به الناس كافة إلاّ ما كان في قراب سيفي هذا.

قال : فاخرج صحيفة مكتوب فيها : « لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من سرق منار الارض ، ولعن الله من لعن والده ( والديه ) ، ولعن الله من آوى محدثاً »(2) .

( 13 ) وعن عليعليه‌السلام : ما كتبنا عن رسول الله إلاّ القرآن ، وما في هذه الصحيفة(3) .

( 14 ) عن قيس بن عباد قال : انطلقت أنا والاشتر الى عليعليه‌السلام فقلنا : هل عهد إليك رسول الله شيئاً لم يعهده الى الناس عامة؟ قال : لا ، إلاّ ما في كتابي هذا فاذا فيه : « المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم ادناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، من أحدث حدثاً فعلى نفسه ، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »(4) .

__________________

(1) صحيح مسلم 10 : 150.

(2) صحيح مسلم 13 : 142.

(3) سنن أبي داود 2 : 223..

(4) سنن أبي داود 4 : 179 كتاب الديات.

٦٦

 ( 15 ) عن الاشتر انه قال لعلي : انّ الناس قد تفشغ بهم ما يسمعون ، فان كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهد إليك عهداً فحدثنا به.

قال : ما عهد اليَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهداً لم يعهده الى الناس ، غير انّ في قراب سيفي صحيفة فاذا فيها : « المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم ادناهم لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده » ( مختصر )(1) .

ومعنى تفشغ : فشا وانتشر بما يسمعون كما ذكره السندي ، وضبطه السيوطي في شرحه : تقشع ، وفسّره بتصدع واقلع.

أقول : لا بدّ من ذكر امور باختصار ، منها :

1 ـ انّ الروايات ـ كما ترى ـ تختلف اختلافاً شديداً في مطالب الصحيفة كمّاً وكيفاً وترتيباً ، وما ادعى أحد من الرواة انّه نقل كلّ ما في الصحيفة ، وهذا شيء عجيب.

2 ـ انّ نفس هذا الاصرار على نفي الكتاب أو شيء من العلم عند علي ربّما يدل على عكسه ، وانّ الغرض من هذه الروايات انكاره ، ويدل عليه الخبر الاَخير من شهرة ذلك ـ الكتاب أو العهد ـ بين الناس.

3 ـ صريح خبر ابن الحنفية وجود كتاب آخر عند علي وهو صحيفة صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ارسلها الى عثمان ليعمل بها ، ولكنّ عثمان ما قبلها وردّها ، وهذا يكذّب كل ما في الروايات من الانكار والنفي!

4 ـ ممّا لا شكّ فيه انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليّاً علوماً كثيرة في المعارف والفقه وغيرهما ، وانّه كان يلزمه من صغره الى حين موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيأتي انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخلو به كل يوم ، وكل من قرأ الأحاديث الواردة في حقه

__________________

(1) سنن النسائي 8 : 24.

٦٧

يعلم ذلك قطعاً.

والعجب انّه لم ينكر أحد على ابي هريرة الوعائين للعلم اللذين اعطاهما له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانّه بث وعاءً واحداً ولم يبث الوعاء الآخر! وكلّ عاقل يعلم انّ عليّاً أعلم من أبي هريرة بكثير ، فأي موجب لهذا الانكار؟

5 ـ قد ثبت انّ لعليّ كتباً أو كتاباً كبيراً فيه كثير من الحلال والحرام ، وقد نقل عنه أولاده كمحمّد بن علي وجعفر بن محمّد في موارد كثيرة.

ولعلّ غرض المنكرين الوضّاعين هو نفي وصيّة الخلافة إليه ، وهذا النفي لا يتوقّف على نفي ما هو المعلوم من علومه أو كتابه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكتابة

( 16 ) عن ابن عباس قال : لمّا اشتدّ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه قال : « ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده » قال عمر : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلبه الوجع ، وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط.

قال : « قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع ».

فخرج ابن عباس يقول : انّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابه(1) .

( 17 ) وعنه : لمّا حُضِرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي البيت رجال ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « هلمّوا اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده » فقال بعضهم : ان رسول الله قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده ، ومنهم من يقول

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 114 كتاب العلم.

٦٨

غير ذلك ، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قوموا(1) ... ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ، ولغطهم(2) .

( 18 ) وعنه ما يقرب من سابقه بتفاوت ما ، وفيه : وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب « لا تضلوا بعده ».

فقال عمر : انّ النبي قد غلب عليه الوجع ومنهم من يقول ما قال عمر(3) .

( 19 ) وعنه أيضاً مثل ما مرّ آنفاً(4) .

( 20 ) وعنه : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتّى خضّب

__________________

(1) اخرج البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن ابن مليكة : كاد الخيران ان يهلكا أبو بكر وعمر لمّا قدم على النبي ( ص ) وفد بني تميم اشار الى احدهما بالاقرع بن حابس التميمي الحنظلي اخي بني مجاشع ، واشار الآخر بغيره ، فقال : ابو بكر لعمر : انّما اردت خلافي ، فقال عمر : ما اردت خلافك ، فارتفعت اصواتهما عند النبي ( ص ) ، فنزلت :( يا ايّها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم ).

ونقله في كتاب المغازي عن عبدالله بن الزبير بلفظ آخر وفيه : حتى ارتفعت اصواتهما فنزلت في ذلك :( يا ايّها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله ) حتى انقضت.

أقول : مع الاَسف انّ عمر لم يتأدّب بتأديب الله حتى آخر ايام حياة النبي ( ص ) ، فرفع صوته فوق صوت النبي ( ص ) ، وقدّم بين يدي الله ورسوله ، ومنع من امتثال امره ، وقال : حسبنا كتاب الله.

(2) صحيح البخاري رقم 4169 كتاب المغازي.

(3) صحيح البخاري رقم 5345 كتاب المرضى.

(4) صحيح البخاري رقم 6932 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

٦٩

دمعه الحصباء ، فقال : اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه يوم الخميس فقال : « ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : هجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله !

قال : « دعوني ، فالذي انا فيه خير مما تدعونني اليه » وأوصى عند موته بثلاث : « اخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم ، ونسيت الثالثة »(1) .

( 21 ) وعنه مثل سابقه بتفاوت ، ففيه : « ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » فقالوا : أهجر استفهموه؟ فقال : « ذروني » فأمرهم بثلاث والثالثة خير ، إمّا ان سكت عنها ، وإمّا ان قالها فنسيتها(2) .

( 22 ) وعنه : يوم الخميس وما يوم الخميس؟ اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعه فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما شأنه أهجر استفهموه ، فذهبوا يردون عليه ، فقال : « دعوني » واوصاهم بثلاث وسكت عن الثالثة أو قال : فنسيتها(3) .

أقول : فهذه سبعة موارد كرّر البخاري الحديث في كتابه بالفاظ مختلفة ، ولا يفهم من هو الذي غير الاَلفاظ فانّ ابن عباس حكى واقعة واحدة لسعيد بن جبير ( 4168 و2888 و2997 ) ، ولعبيد الله بن عبدالله بن عتبة ( 114 و4169 و5345 و6932 ) ، ولا يبعد انّ عبيد الله ـ لمكان فقهه

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 2888 كتاب الجهاد.

(2) صحيح البخاري رقم 2997 كتاب الجزية.

(3) صحيح البخاري رقم 4168 كتاب المغازي.

٧٠

وعلمه ـ اصلح الرواية بما يخرجها عن الغلظة والشدة ، فيخفف السؤال والايراد عليها ، ويحتمل انّ التغيير والتعبير عن « الهجر » بغلبة الوجع من صنع البخاري كما اشرنا اليه في المقدمة ، والله العالم(1) (2) .

وخلاصة الواقعة : انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض وفاته طلب من جماعة من أصحابه الحاضرين في بيته شيئاً يكتب فيه كتاباً لا يضلّ الاَُمّة بعده أبداً ، فقال : عمر وغيره ( رض ) : انّه يهجر ويهذي ، وعندنا كتاب الله وحسبنا ( فلا نحتاج الى كتابهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا تقرّبوا اليه شيئاً يكتب فيه الكتاب ) فاختلف الحاضرون بين مؤيّد لقولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين مؤيّد لقول عمر ( رضي الله عنه ) ، فتنازعوا بينهم حتّى كثر اللغط بينهم ، فتأثّر النبي الخاتمصلى‌الله‌عليه‌وآله من الحال فطردهم من بيته بقوله : « قوموا عني أو دعوني » ثم أمرهم بثلاث لم يذكر ابن عباس أو غيره ثالثها.

إذا تقرّر ذلك فها هنا أُمور :

1 ـ هل كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يكتب الكتاب بيده ليكون الحديث دليلاً على قدرته على الكتابة بعد النبوة بإفاضة من الله سبحانه وتعالى ـ وان كان قبلها لا يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه ـ أو يامر أحداً من الحاضرين بالكتابة؟ فيه وجهان. وربّما يأتي بعض الكلام حوله في المقصد الثاني.

2 ـ ما هو الموضوع المهم الذي أراد النبي أن يكتبه في تلك الحالة ولا يرى أن يكتفي بالبيان القولي ، فهل كان امراً جديداً لم يبيّنه لاَُمّته الى ذلك اليوم ، او بيّنه لكنّه أراد كتابته في آخر أيام حياته تأكياً وتخليداً له؟

__________________

(1) واما البكاء ، فلا اختلاف فيه ، لامكان ان ابن عباس بكى عند سعيد ولم يبك عند عبيد الله ، وهذا واضح.

(2) انظر صحيح مسلم 11 : 90 كتاب الوصية.

٧١

العقل يحكم بالوجه الثاني؛ لاستحالة اخفاء النبي أمراً لا تهتدي الاَُمّة بدونه ، ورضاه ببقاء الناس على الضلالة مساوق لابطال رسالته ـ وهو كما ترى ـ إلاّ ان يدفعه أحد بما يجيء في الاَمر الرابع والسادس.

3 ـ مع الغض عن الاَمر الثاني ، يخطر في اذهاننا ما هو هذا الاَمر العظيم الذي تقع الاَُمّة بعده في الضلالة حتى مع الكتاب والسنّة؟

هل كان الاَمر الحاضر في ذهنهصلى‌الله‌عليه‌وآله من مباحث التوحيد أو المعاد أو شيء من المعارف الاعتقادية فهذا شيء بعيد غايته ، فإنّ الاركان الاعتقادية والاَُصول الدينية قد تقرّرت في الكتاب والسنّة في حياته ، ولم يبق شيء منها يشترط في صحة الاسلام أو الايمان ، مع ان المناسب على هذا الاحتمال لزوم التعبير بـ : « لا تكفرون بعدي » مكان « لا تضلّون بعدي ».

وهل هو من مباحث الحلال والحرام وتفصيل أحكام المسائل الجزئية الفرعية؟ وان شئت فقل تكميل الفقه وبيان فروعه؟ لكنّه غير محتمل؛ لاَنّ بيانها كان يحتاج الى زمان طويل وكتاب مبسوط قطور.

ثم أقول : هذا المخزون في ضميرهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس من أُصول الدين ولا من فروعه؛ لاَنّ الله سبحانه اخبر قبل ذلك اليوم بثلاثة اشهر ـ بزيادة ايام أو بنقيصتها ـ مخاطباً الاَُمّة الاسلامية :( اليومَ أكملتُ لكُمْ دينكُمْ وأتممتُ عليكُمْ نعمتي ورَضيتُ لكُمْ الاسلامَ ديناً ) ، والدين عبارة عن الاَُصول الاعتقادية والاحكام الفرعية(1) وموضوعاتها المستنبطة كالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والاعتكاف ونحو ذلك ، فمع اكمال الدين لا يبقى شيء يوجب تركه ضلال الاَُمّة.

__________________

(1) في العبادات والمعاملات والحدود والديات وغيرهما ممّا هو مسطور في الكتب الفقهية اليوم.

٧٢

4 ـ في الحديث نكتة مهمة لا بدّ من لفت النظر اليها ، وهي انّ هذا الذي أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يكتبه انّما كان يوجب حفظ الاَُمّة عن الضلال بعد حياته حيث قال : « لن تضلّوا » أو « لا تضلّوا » ، أو « لا تضلون بعده » ، أي بعد هذا الكتاب ، فانّه كان عالماً ـ باعلام الله تعالى ـ انّه ذاهب في القريب العاجل الى ربه والى الرفيق الاعلى ، فهذا الاَمر لا يتعلّق بهداية الناس في حياته وإلاّ لبيّنه للناس قبل ذلك في مكة أو في أوائل هجرته ، فانّ تبليغ ما أُنزل اليه من ربه واجب عليه ، فان لم يفعل فما بلغ رسالته.

وبعبارة أُخرى انّ الذي قصد كتابته أمر خطير وحافظ من ضلال الاَُمّة ، لكنّه ليس متعلّقاً بايام حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل يتعلّق بحال المسلمين بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا الذي يستفاد بوضوح من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بعده ) ، يؤكده قوله تعالى :( اليومَ أكلمتُ لكُمْ دينكم ) فكما انّه ليس من أُمور التوحيد والمعاد وسائر أُصول الاسلام وليس من فروعه أيضاً كما عرفت ، كذلك ليس مورداً لابتلاء المسلمين الى ذلك اليوم والى حين وفاته وإلاّ لتوجّه الايراد عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله أولاً : بانّه لم يبيّنه لحد الآن ، وثانياً : بانّ الله اكمل الدين فما معنى ضلال المسلمين بعده.

5 ـ من الواضح انّه يخطر في ذهن كثير من أهل العلم وغيرهم انّ مجرد منع جماعة من الصحابة بقيادة عمر ( رضي الله عنه ) لا يكفي لانصراف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتابة هذا الامر المهم المانع عن الضلال ، فلم انصرف عنها ولِمَ لم يبيّنه قولاً وشفاهاً حتى طردهم عن بيته وسكت عن مراده؟ وهذا سؤال مهم جداً.

وجوابه عندي انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علم انّ تأكيده على مراده بالكتابة لا يفيد

٧٣

تلك الفائدة بعد ما قال عمر ( رضي الله عنه ) قوله وقبله جمع آخر ، إذ لو فرض انّه يكتب بعده ما ارادهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكل تأكيد وتغليظ كان بوسع المخالفين ان يقولوا انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لشدة مرضه هجر وهذى ، فلا موجب أو لا مجوّز للعمل به ، فلا يتحقّق مراده ، ولاجله انصرف عنه.

6 ـ بعد اللتيا والتي يبقى السؤال السابق بحاله ، وانّه ما هو مقصود النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا المكتوب؟ وأقول في الجواب : لا بدّ من لفت النظر الى ما تفرّقت الاَُمّة عليه بعد وفاته وضلّوا وسقطوا في الفتن والحروب والتقاتل والتكفير والتضليل الى يومنا هذا؟ وهذا الشيء هو مقصوده بالكتابة.

ونحن نعتقد بانّ كل منصف إذا تطهّرت نفسه من العصبية والتقليد يفهم انه هو امر الخلافة بعده وتعيين خليفته بشخصه وعينه.

أليس وقع الاختلاف بين علي ( رضي الله عنه ) وغيره في أمر الخلافة ولم يبايع أبا بكر ( رضي الله عنه ) ستة أشهر طيلة أيام حياة فاطمة ، وانّما بايعه حين استنكره وجوه الناس كما نقله البخاري فيما يأتي عن عائشة ( رض ).

ألم يقع التشاجر بين الانصار والمهاجرين في سقيفة بني ساعدة والتكلم بما لا يليق بمسلم؟ وهلا يرجع سبب الفتن الواقعة في خلافة عثمان ( رضي الله عنه ) الى هذا الامر المقصود بالكتابة؟

أليست حروب الجمل وصفين والنهروان من أوضح آثار الاختلاف في الخلافة؟

ما هو سبب قتل الخليفتين عثمان وعلي وبقاء ما ترتّب عليه الى يومنا هذا ، أليس تفرّق المسلمين شيعة وسنة نتيجة الاختلاف في الخليفة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أليست الحروب الداخلية بين المسلمين التي افسدت الحرث والنسل لاجل ذلك؟ أليس ما ابتلى به المسلمون ـ حتى يومنا هذا ـ

٧٤

من الانحطاط والتأخر والانحراف هو نتيجة ذلك الاختلاف الذي ادّى الى تسلّط حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس؟ وهكذا وهكذا.

وبعد هذا لا اظن بمسلم عاقل يشكّ في مراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وما اراد أن يكتبه ، وانّه هو تعيين خليفته بعده أو الخلفاء بعده ، فلو كتبهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبله الصحابة بعده ما ضلّ الناس بعده أبداً ، وحيث انّ جماعة من الصحابة منعوه من الكتابة فقد ضلّ الناس كما عرفت.

لا يقال قد ذكرت ان آية اكمال الدين اخبرت عن عدم بقا أمر ديني موجب للضلال فيعود الاشكال عليك أيضاً. فانه يقال انّ الآية الشريفة تدلّ على اكمال أمر التشريع والتقنين في الاَُصول والمعارف وكليات الفقه وحتى أمر الخلافة اجمالاً ، كما يظهر من استدلال الشيعة واهل السنة بالآيات والروايات الصريحة أو المشيرة ـ بزعمهم ـ على أمر الخلافة.

واما تعيين مصداق الخليفة وشخصه ، فهذا لا يمس باكمال التشريع حتى إذا فرضنا(1) اهماله من جانب صاحب الرسالة الى هذا اليوم ، لعدم حلول وقت الابتلاء به الى حين وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبيان الحكم أمر وتعيين مصداقه ومتعلّقه أمر آخر وبينهما بون بعيد ، ولذا قال بعض الباحثين ان مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو التنصيص على خلافة أبي بكر.

7 ـ بقي في المقام سؤالان خطيران مهمان :

الاَول : نسبة الهجر الى النبي المعصوم الذي قاله فيه سبحانه وتعالى :( وما ينطقُ عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى ) يوجب الردّة أو الفسق قطعاً ، وهذا لا يجتمع مع عدالة الصحابة ، بل مع الايمان ، بل لو فرضنا

__________________

(1) خلافاً للشيعة وجمع من أهل السنّة القائلين بتعيين الخليفة من قبله صراحة على حد زعم الشيعة أو اشارة على حد زعم جماعة من أهل السنّة.

٧٥

صحّة جملة ( قد غلبه الوجع ، أو : قد غلب عليه الوجع ) مكان جملة ( هجر ، أو : أهجر ) ، بل لو فرضنا انهم قالوا بأبي أنت وأُمي يا رسول الله لا تكتب شيئاً في هذه الحالة لبقي أصل الاشكال بحاله ، فإنّ عصيان الرسول محرم ينافي العدالة.

الثاني : انّ منع الكتابة أوجب ضلال الاَُمّة ضلالاً ذهبت به الاَموال وسفكت به الدماء ووقعت به البغضاء والعداوة والتفرقة الواسعة بين المسلمين الى يومنا هذا(1) فوزر هذا الضلال الكبير على المانعين في ذلك المجلس ، أو انّه معفو عنهم لاجتهادهم؟! لكن الاجتهاد في مقابل النص لو فرض جوازه لارتفع وجوب اطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الثابت بالآيات الكثيرة الواردة في القرآن وبالضرورة من الدين والعقل. على ان في خصوص المقام قامت قرينة واضحة على ابطال هذا الاجتهاد ، وهو غضب النبي أو عدم رضاه بالمنع المذكور ، وكثرة اللغط واللغو حتى طردهم من عنده بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قوموا عني » ، فامرهم بتركه وقيامهم عنه ، ولعلّه لا نظير له في تمام حياته ، فانّي لم اجد مورداً اخرج النبي أحداً من اصحابه من بيته حتى في ليلة عرسه مع كراهته لبقائهم في البيت حتى نزلت آية الحجاب كما نقل في الصحاح.

وأيضاً صرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم : بانّ الذي انا فيه هو خير ممّا تدعونني اليه ، أي هذا المرض المميت خير مما تدعونني اليه من ترك الكتابة ، فادّعاء الاجتهاد في المقام غلط واضح ، وصدق ابن عباس حيث يقول : انّ

__________________

(1) ولقد خاف النبي من هذه الحالة حيث حذر اصحابه في حجة الوداع بقوله : « لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ». ( البخاري 121 كتاب العلم ) وكرره برقم 4143 و6475 و6669.

٧٦

الرزية كل الرزية ما حال بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين كتابه. وله حق البكاء ، بل ينبغي ان يبكي عليه كلّ مسلم يحب دينه.

لكن المانعين ، من الصحابة وعلى رأسهم عمر وهو الخليفة الثاني ، فما هو المخرج من هذه المشكلة العويصة المحيّرة للعقول؟ وقد ذكر علماء الحديث والكلام أعذاراً كثيرة ، لكنّها غير مقنعة عند من نجاه الله من التقليد والعصبية ووفقه لتطبيق الاعتقاد على الحق دون تطبيق الحق على الاعتقاد(1) ، ولا شيء أفضل من ان نقول والله العالم ، وانا لله وانا اليه راجعون.

8 ـ ثم انّ في مقالة عمر : ( حسبنا كتاب الله ) اشكال آخر ، وهو انّ قول النبي وفعله وتقريره مصدر ثان للتشريع ، ولا شكّ في عدم كفاية القرآن وحده من دون السنّة النبوية لنجاة المسلمين ، فكما يجب العمل بالقرآن ، يجب العمل بالسنّة بدلالة آيات من القرآن ، فرد أمر الرسول ردّ للقرآن أيضاً. على ان عمر واتباعه يعلمون ـ اتم علم ـ بانّ الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله اعلم منهم ومن كل أحد بالقرآن ، فلو كان القرآن كافياً لهم لَما قال لهم اكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده أبداً ، فاستدلالهم هذا رد اعتقادي على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا اقبح من منع اتيان ما يكتب فيه ، فانّه مجرد عصيان عملي.

( 23 ) وعن العرباض قال : نزلنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد » فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « أيحسب أحدكم متكئاً على اريكته قد يظن انّ الله لم يحرم شيئاً إلاّ ما في هذا القرآن ، ألا واني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن اشياء ، انّها لمثل

__________________

(1) انظر ـ من باب المثال ـ الى شرح النووي في تأويل الحديث ، فكل ما قاله أو نقله فهو وهن ضعيف ، ولا يخفى على أهل العلم بطلانه بل هو واضح البطلان.

٧٧

القرآن أو أكثر »(1) .

أقول : كان عمر حاضراً في خيبر وسمع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قطعاً لاَنّ الصحابة كلّهم اجتمعوا بأمر النبي للصلاة كما صرّح في الحديث.

ويمكن ان نقدم اعتذاراً من قبل الخليفة واتباعه انّهم لم يلتفتوا الى لوازم كلامهم هذا في تلك الساعة. وكم كنت احب ان لا تصدر هذه الجملة وهذا العمل من هؤلاء الصحابة ، وكم كنت احب ان لم يعص النبي الرحيم الرؤوف في بيته ولم يهن في آخر حياته الشريفة بهذه الجملة ، وكم كنت احب ان لم يضبط التاريخ المعتبر الموثوق به هذه الواقعة في صدره حتى لا يخجل المسلمون من اهل الكتاب وغيره ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السُفُنُ.

لطيفة

قال عالم سني لعالم شيعي : أليس في اقامة النبي أبا بكر مقامه في صلاة الجماعة ـ وهي عمود الدين ـ رمز الى خلافته بعده؟ فاجابه العالم الشيعي : بل هي نص في خلافته! فسأله العالم السني فرحاً مسروراً : اذن لماذا لا تقولون بها؟ فقال العالم الشيعي انّهصلى‌الله‌عليه‌وآله هجر ( في امره بان يقيم أبو بكر الصلاة ).

فسكت الاَول ، ولم يحر جواباً ( احتراماً لمقام عمر رضي الله عنه ).

أبو هريرة الدوسي

تقدّم في مقدمة الكتاب انّ أبا هريرة روى 5374 حديثاً اخرج البخاري منها 446 حديثاً ، ويقول السيّد مصطفى الصادق الرافعي في كتابه

__________________

(1) سنن أبي داود 3 : 167 كتاب الخراج والامارة.

٧٨

 « تاريخ آداب العرب » : وكان اكثر الصحابة رواية أبو هريرة ، وقد صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث سنين ـ بل صحب عاماً وتسعة أشهر كما ذكره صاحب كتاب شيخ المضيرة ـ وعمّر بعده نحواً من خمسين سنة ، ولهذا كان عمر وعثمان وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه ، وهو اول راوية اتهم في الاسلام ، وكانت عائشة أشدّهم انكاراً عليه لتطاول الاَيام بها وبه إذ توفيت قبله بسنة(1) .

واليك جملة من الاحاديث التي وردت عن أبي هريرة في صحيح البخاري وغيره والتي تكشف لنا ما حاله :

( 24 ) عن حيان سمعت أبا هريرة يقول : نشأت يتيماً ، وهاجرت مسكيناً ، وكنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي ، احطب لهم إذا نزلوا ، واحدو لهم إذا ركبوا ، فالحمد لله الذي جعل الدين قوّاماً ، وجعل أباهريرة اماماً(2) .

( 25 ) عن أبي هريرة : ما من اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أحد أكثر حديثاً عنه منّي إلاّ ما كان من عبدالله بن عمرو ، فانّه كان يكتب ولا أكتب(3) .

أقول : نفس هذا الادعاء يدل على غلوّه في شأنه وعدم تورّعه في الكلام ، إمّا أولاً : فانّه لم يصاحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ عامين ، والحال ان جمعاً من الصحابة صاحبه طيلة عمره الشريف كأبي بكر وعلي وغيرهم ، فكيف يدّعي انّه أكثر حديثاً من كل الصحابة.

وإمّا ثانياً : لا يعرف عن ابن عمرو انّه أكثر حديثاً منه ، فلقد قيل انّ له

__________________

(1) الاَضواء على السنة المحمدية : 113.

(2) سنن ابن ماجه رقم 2445 كتاب الرهون.

(3) صحيح البخاري رقم 113 كتاب العلم.

٧٩

كتاباً في الادعية فقط ، وانّ رواياته لم تتجاوز عن ( 700 ) كما عن ابن الجوزي ، أو عن ( 722 ) كما عن مسند أحمد.

وإمّا ثالثاً : فسيأتي منه انّه لم ينس حديثاً ، فكيف يدّعى انّ عدم كتابته للحديث أوجبت ان يكون ابن عمرو أكثر رواية منه.

ثم الرواية تنافي ما ورد من نهيهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كتابة الحديث عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( 26 ) عن الاَعرج ، عنه : انّ الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً ، ثم يتلو :( انّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات ـ إلى قوله ـ الرحيم ) انّ اخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ، وانّ اخواننا من الانصار كان يشغلهم العمل في اموالهم ، وانّ أبا هريرة كان يلزم رسول الله بشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون(1) وكرره البخاري في ثلاثة مواضع أُخر(2) .

في هذه الرواية مطالب :

1 ـ انّ اتهام أبي هريرة باكثار الحديث لم يحدث بعد موته ، ولم

__________________

(1) صحيح البخاري رقم 118 كتاب العلم.

(2) وفي صحيح مسلم 16 : 52 سمعت أبا هريرة يقول : إنّكم تزعمون انّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ( ص ) والله الموعد كنت رجلاً مسكيناً اخدم رسول الله ( ص ) على ملء بطني وكان المهاجرون يشغلهم فقال رسول الله ( ص ) من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه ثم ضممته اليّ فما نسيت شيئاً سمعته منه. ولاحظ ص54 أيضاً.

أقول : اما انه خدم رسول الله ( ص ) لملء بطنه لا لغيره فهو صحيح ، وامّا ما يظهر منه من ان قوله في بسط الثوب لاجل شغل المهاجرون والانصار بالمعاملة والزراعة وغيرهما فهو واضح البطلان ، ثم انّ قوله هذا يخالف ما يأتي منه من انّه هو السائل لعلاج عدم النسيان ، وان الخطاب ببسط ثوبه متوجه إليه وحده ، وفي هذا الحديث الخطاب عام لكن لم يرغب فيه غير أبي هريرة!!!!

٨٠