الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة الجزء ١

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة0%

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة مؤلف:
الناشر: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 198

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة
الناشر: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة
تصنيف: الصفحات: 198
المشاهدات: 92509
تحميل: 7026


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 198 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92509 / تحميل: 7026
الحجم الحجم الحجم
الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة

الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة الجزء 1

مؤلف:
الناشر: معهد الرسول الأكرم (ص) العالي للشريعة والدراسات الإسلاميّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ج ـ اختلاف العلّة عن الحكم: العلّة شيء محدَّد له نظم خاص ربط الشارعُ حكمَه به، والحكم وجوده مرتبط بوجود العلّة وعدمها.

أمّا الحكمة، فهي عبارة عن المصلحة أو المفسدة الّتي شرّع الشارع حكماً لمعرفتها، ولكن نظراً إلى اختلاف درجتها بالنسبة إلى اختلاف الحالات، والأزمنة والأمكنة، فإنّ الحكم لا يتأثّر بتلك العلاقة، رغم أنّه يبدو للوهلة الأولى أنّ الحكم مرتبِط بالحكمة، وأنّ وجوده وعدم وجوده مرتبِط بها؛ ذلك أنّ الهدف من التقنين هو الوصول إلى حكمة الأحكام، لكن البحث عن حِكَمِ التشريع تجعلنا نكتشف أنّ الحكمة ليست أمراً محدَّداً ومشخَّصاً، وهي متغيِّرة بحسب الأشخاص والأوضاع والأزمنة؛ بحيث لا يرتبط الحكم وعدمه بها. كما في حكمة إفطار الصائم في السفر الّتي هي المشقة، وهذه الحكمة تتغيّر بالنسبة إلى الأشخاص والحالات المختلفة. فضلاً عن أنّه يحدث أحياناً أنّ الحكمة الّتي تصبح سبباً في تشريع الحكم تتضمّن، إلى حدّ ما، سعة ضمن نطاق ذلك الحكم. وفي هذه الحالة، فإنّ الحكمة ليس لها نظم وضابط خاص. والشارع المقدس ربط الحكم بأمرٍ، آخذاً بنظر الاعتبار المصالح العامّة بما يضمن ثبات القانون وشموله. وفي بعض الحالات، غضَّ الطرف عن تخلُّف الحُكْم عن الحكمة، لمصلحة ثبات الحُكْم. وعلى هذا، ففي النموذج المذكور آنفاً يجب على المسافر أن يصلّي صلاته قصراً، ولو لم يسبّب له ذلك مشقّة في سفره، وعلى المُقيم أن يصلّي صلاته تامّة حتّى لو كان يؤدّي عملاً فيه عناء كبير.

١٠١

٥ ـ السَّبب:

أ ـ المعنى اللُّغوي: السبب في اللّغة: أيّ شيء يكون وسيلة لبلوغ شيء آخر، ولهذا يقال للحبل وللطريق وللباب سبب.

ب ـ المعنى الإصطلاح: اختلف علماء الأصول في معنى السبب، فعدَّه بعضهم كالسرخسي(٢١) : كلّ شيء يفضي إلى الحكم، لكن من غير أن يكون له دور فيه. بمعنى أنّ العقل إذا لم يجد علاقة بين الحكم والطريق إليه، دُعِيَ ذلك الطريق سبباً. وإن وجد الهدف من علاقته بالحكم دُعِيَ علّةً. كما أنّ بعض الأصوليّين يسمّون كلّ ما يدلّ على الحكم شرعـاً سببـاً(٢٢) . بينمـا اعـتبر آخـرون ((السبب)) مرادفاً لـ ((العلّة))، ورأوا أنّه عبارة عن الوصف الواضح الّذي هو مناط الحكم.

ج ـ الفارق بين السبب والعلّة: يوجد بين الأصوليّين من يرى: أنّ السبب أعمّ من العلّة، ويعتبرونه كلّ شيء يُرشد إلى الحكم(٢٣) . ويرى قسم منهم: أنّ السبب مرادف للعلّة، ويعتبرونه موجِباً للـحكم(٢٤) . بينما يرى آخرون: أنّ السبب يختلف عن العلّة، ويَدْعَون أيّ شيء مرشد للحكم، من دون أن يكون له دور وتأثير فيه، سبباً(٢٥) .

ــــــــــــــ

٢١ ـ السرخسي، شمس الدين محمد، أصول السرخسي، ج٢، ص٣٠١.

٢٢ ـ البخاري، علاء الدين، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزودي، ج٢، ص١٧٠، والحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارَن، ص٣١٠.

٢٣ ـ الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارَن، ص٣١٠، والآمدي، سيف الدين أبو الحسن، الإحكام في أصول الأحكام، ج٣، ص١٨٦.

٢٤ ـ الغزالي، المستصَفى من علم ا لأصول، ج١، ص٦٠.

٢٥ ـ الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارَن، ص٣١٠، والسرخسي، شمس الدين محمّد، ج٢،ص ٣٠١.

١٠٢

ولكلمة ((سبب)) في الفقه أربعة معانٍ(٢٦) :

١ـ السبب في مقابل المباشر لعمل، ومثاله: شخص يحفر بئراً ويأتي آخر فيقع فيها؛ أي من يرتكب جريمة بشكل غير مباشر يسمّى سبباً، مقابل من يقوم بها مباشرة.

٢ ـ نوع من القرابة، القرابة السببيّة في مقابل القرابة النسبيّة.

٣ ـ العلّة الشرعيّة غير المشروطة؛ ومثاله: أن يحصل نصاب الزكاة عند شخص، إلاّ أنّه يمضِ عليه حول كامل.

ــــــــــــــ

٢٦ ـ فيض، الدكتور علي رضا، مبادئ فقه وأصول، ص٣٢٣، والغزالي، المستصَفى في علم الأصول، ج١، ص٦٠.

١٠٣

ويَعتبر البعض السبب أدنى من المُقْتَضِي؛ بمعنى أنّه حيثُمّا وُجِد عمل مؤثّر في وضعٍ ما، بغضّ النظر عن ظروف التأثير، فهو سبب، وعندما نلاحظ تلك الظروف يصبح مقتضياً(٢٧) .

٤ ـ السبب بمعنى العلّة. ويُستخدم، في بعض الحالات، مرادفاً للعلّة.

٦ ـ الشرط:

أ ـ في اللّغة: تُطلق كلمة الشرط في اللّغة على الميثاق؛ مثال ذلك: اشتراط تسليم المبيع في بعض عقود البيع(٢٨) .

ب ـ في الاصطلاح: الشرط عبارة عن الوصف الواضح الّذي يرتبط وجود الحكم، لا عدمه، به. وبعبارة أخرى: إنّ عدم وجود الشرط يدلّ على عدم وجود الحكم، لكن وجود الشرط لا يدلّ على وجود الحكم(٢٩) . وبتعريف فنّي صناعي: الشرط هو الشيء الّذي عُلِّق عليه وجود الحكم، وليس وجوب الحكم.

ج ـ الفَرق بين الشرط والعلّة: لقد استفدنا من تعريف الشرط، أنّ علاقة العلّة بالحكم وجوديّة، وفي الوقت نفسه وجوبيّة؛ أي أنّ وجود العلّة كاشف عن وجود الحكم، وعدمها كاشف عن عدم وجوده، إلاّ أنّ علاقة الشرط بالحكم هي من ناحيّة الوجود، وليس الوجوب؛ أي أنّ وجود الحكم كاشف عن وجود الشرط، غير أنّ عدم وجود الحكم لا يكشف عن عدم وجود الشرط. وعلى هذا، فإنّ عدم وجود الشرط دليل على عدم وجود الحكم، إلاّ أنّ وجود الشرط ليس له أي دور في ظهور الحكم، خلافاً للعلّة الّتي هي مؤثّرة في الحكم وجوداً وعدماً، رغم أنّ الشرط يتساوى مع العلّة في نفي الحكم، وعدم كلّ منهما كاشف عن عدم وجود الحكم(٣٠) .

ــــــــــــــ

٢٧ ـ جعفر لنكرودي، محمد جعفر، دانشنامه حقوقي (دائرة المعارف الحقوقيّة)، ج٢، ص٤٦٧.

٢٨ ـ التهانوي، محمد علي، كشّاف اصطلاحات الفنون، وإبن منظور، لسان العرب، ج٤، ص٢٢٣٥، والرازي، أبو بكر محمد، مختار الصّحاح، ص٣٣٤.

٢٩ ـ إبن قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنّة المَناظر، ص١٣٥، والحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارَن، ص٣١١.

٣٠ ـ السرخسي، شمس الدين محمد، أصول السرخسي، ج٢، ص٢٠٣، والحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارَن، ص٣١١.

١٠٤

المِلاك والمناط في نصوص الفقه الشيعي

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام :((إنّ حكم الله عزّ وجلّ في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء، إلاّ من علّة أو حادث يكون)) (٣١) .

السؤال الّذي كان ولا يزال يشغل أذهان الفقهاء وغيرهم من علماء المسلمين، هو مواجهة الدين والشريعة الإسلاميّة، لظروف مختلفة ومتغيّرة بشكل دائم عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة. فكيف يتأتى لشريعة شاملة خالدة اكتملت قبل ما يزيد على ألف عام، أن تلبّي المتطلّبات الناجمة عن جميع هذه التغيّرات والتحوّلات؟

ينبغي القول ردّاً على ذلك: إنّ الشريعة الإسلاميّة لها أصول وأهداف ثابتة؛ مثل تحقيق المصالح الفرديّة والاجتماعيّة، واجتناب المفاسد. وبموازاة ذلك لها فروع قابلة للتغيّر. وبعبارة أخرى، لا شكّ في أنّ الأحكام الإسلاميّة تأخذ بنظر الاعتبار المصالح والمفاسد الواقعيّة، الّتي يرتبط الحكم الشرعي ارتباطاً وثيقاً وتامّاً بوجودها وعدم وجودها. ونورد مثالاً على ذلك: إذا كان الشرع قد أمر بالعدل والإحسان، فإنّما هو لأجل الفوائد الماديّة والمعنويّة الّتي تنتج عنهما. وإذا نهى عن الظلم والخيانة، فإنّما كان ذلك بسبب الأضرار الفرديّة والاجتماعيّة الناتجة عنهما. ومن وجهة نظر علماء الإماميّة وبعض الفِرق السنيّة، فإنّه لا يوجد في الشريعة الإسلاميّة أمر أو نهي، إلاّ وهو تابع لمصلحة أو مفسدة؛ واستناداً إلى هذا المبدأ الكلّي البديهي لا يبقى مجال لعدم انسجام الأحكام الإلهيّة مع مصالح الإنسان. وإذا تصوّر، في حالة مّا، أنّ الحكم الإلهي يناقض مصالح الإنسان، فإنّ ذلك دليل على أحد أمرين: إمّا أنّ المصالح الفرديّة أو الاجتماعيّة لم تُدرك بشكل صحيح، أو أنّه وقع خطأ في فهم الحكم الإلهي واستنباطه.

وينبغي هنا إدراك أنّه رغم كون القول بأنّ متابعة الأحكام الإلهيّة للمصالح والمفاسد، هو رؤيّة عقلانيّة وسامية، إلاّ أنّ هذا المبدأ يتضمّن جدالاً كبير ومخاطرة عظيمة، ويؤكّد سؤالاً أساسيّاً، وهو: تُرى هل يمكن لبشر إدراك علّة وفلسفة الأحكام (الصالح والمفاسد)؟

ــــــــــــــ

٣١ ـ الكليني، ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب، فروع الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، ط١، دار الأضواء، بيروت، ١٤١٢ هـ.ق، ج٥، ص١٨.

١٠٥

توجد مذاهب مختلفة واتّّجاهات متعدّدة حول قابليّة الأحكام للفهم. فقد أفرط بعضهم في توسعة المصادر الفرعيّة القائمة على الظنّ، بل وفي بعض الحالات على الوهم والحدس، وحاولوا البحث عن علّة الحكم ومناطه في جميع أبواب الفقه. وفي الحقيقة، قبلوا بالمبدأ القائل بإمكان معرفة مصالح ومفاسد الأحكام بالنسبة للإنسان. وفي النتيجة، ومن خلال تصوّرهم أنّ مناط جميع الأحكام الإلهيّة أمر يمكن للإنسان أن يدركه، واستناداً إلى تصوّرات واهية وقياسات غير مضطردة، حسبوا أنّهم أمسكوا بمِلاكات جميع الأحكام الإلهيّة. وفي مقابل ذلك اختار آخرون كالظاهريّين والأخباريّين طريق التفريط، وأنكروا بالكامل إمكانيّة إدراك مِلاكات الأحكام، أو لم يعتقدوا أصلاً بوجود مِلاك للأحكام الإلهيّة، فأصيبوا في نهاية المطاف بالجمود الفكري ولم يستطيعوا التعايش مع الظروف السياسيّة والاجتماعيّة المتغيّرة.

وبين هؤلاء وهؤلاء آثر فريق من علماء شتى المذاهب الإسلاميّة، طريقاً وسطاً، فلم يعتقدوا بخفاء كل عِلل ومِلاكات الأحكام عن العقل، وعدم إمكان إدراكها، بل اعتقدوا باختلاف إمكان إدراك الأحكام الإلهيّة وعدم إدراكها باختلاف أبواب الفقه، ولا ينبغي الاقتصار على أسلوب واحد في استنباط الأحكام الإلهيّة في جميع أبواب الفقه.

يعتقد فقهاء الشيعة، أنّ الشرط الأوّل للتعامل مع الشريعة والأدلّة الشرعيّة هو تجنّب الأحكام الفكريّة المسبَّقة، والتصوّرات الفرديّة. فلا ينبغي تحميل الشريعة أشياء تتعارض مع الأدلّة الشرعيّة، لكن لا ينبغي أن يستفاد من هذا الرأي وضع الفهم العرفي والعقلائي جانباً في عمليّة إدراك مِلاك الحكم ومناطه واللّجوء بشكل تام إلى أسلوب التعبّد كوسيلة لذلك.

وقد بذل فقهاء الشيعة جهوداً مضنيّة في سبيل إدراك مِلاكات الأحكام، ومع أخذهم بنظر الاعتبار ظروف الحكم والموضوع، وتنقيح المناط، وإلغاء الخصوصيّة بالدليل المعتبر المستنِد إلى الفهم العُرفي، بادروا إلى استنباط واستخراج العلل. واستطاعوا تلبية متطلّبات شتى المجتمعات الإسلاميّة المعاصرة من خلال كشفهم المِلاك في حالات كثيرة.

١٠٦

وإنّ التنقيب في النصوص الفقهيّة يطلع الباحث على شواهد تدلّ على أنّ فقهاء الشيعة، قد بذلوا جهوداً كبيرة في سبيل الوصول إلى جذور الأحكام وكشف مِلاكاتهم، فاستطاعوا تلبية احتياجات مجتمعاتهم مستفيدين بشكل دقيق من الروايات هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لم يذهبوا إلى ما هو أبعد من الأدلّة المعتد بها، ولم يفسحوا المجال للتصوّرات الواهيّة، أو القائمة على أساس لا يعتدّ به في فهم مِلاك الحكم.

وسنبحث في هذه المقالة حالات فهم مِلاك الحكم في الفقه عند الإمام الخمينـيقدس‌سره وعند مؤلِّـف ((جواهر الكلام))، ورائدنا في هذه المقارنة كلمة الخميني؛ حيث يقول فيها:

((إنّني أؤمن بالفقه التقليدي والاجتهاد وفق الأسلوب الجواهري، ولا أجيز التخلّي عن ذلك. إنّ الاجتهاد بهذا الأسلوب صحيح، إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّ الفقه الإسلامي غير متطوّر أو أنّ الزمان والمكان ليسا عنصرين مؤثّرين فيه)) (٣٢) .

وبهذا الصدد حاولت تقديم نماذج في هذا المضمار؛ لأبيّن بوضوح جهود الفقهاء العظام في كشف المِلاكات.

١ ـ مِلاك الحكم في فقه الإمام الخمينيقدس‌سره

١ ـ ١ ـ الصلاة بالتيمّم: سُئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن الصلاة الّتي تؤدّّى بالتيمّم، هل تُعاد إذا وُجِد الماء؟، فقال: ((لا يعيد، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد)) (٣٣) .

ــــــــــــــ

٣٢ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، صحيفة النُّور (مجموعة الإشارات)، مؤسّسة الوثائق الثقافيّة للثورة الإسلاميّة، ط٢، ١٣٧١هـ.ش، ج٢٠، ص٩٨.

٣٣ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ج٢، ص٩٨٤، الباب ١٤ من أبواب التيمّم، الحديث ١٥.

١٠٧

يقول الإمام الخمينيقدس‌سره بهذا الشأن:((الظاهر من الرواية أنّ العلّة التامّة لعدم وجوب إعادة الصلاة، هو أداء الطهورين (التيمّم أو الوضوء) دون دخالة أمر آخر في العلّة)) (٣٤) .

وإذا صلّى المكلف بالتيمّم بسبب الخوف على النفس، لا لانعدام الماء، فلا شكّ في عدم وجوب الإعادة في هذه الحالة أيضاً. وهكذا، لا يبقى مجال للشكّ في وجوب استفادة الاستحباب من الروايات الدالّة على إعادة الصلاة الّتي أدّيت بالتيمّم بأنّها دالّة على الاستحباب. فضلاً عن أنّ الفهم العرفي في مثل هذه الحالات يُلغي الخصوصيّة، ويرى أنّ العلّة التامة في عدم وجوب إعادة الصلاة هي كون التيمّم مُغنياً عن الوضوء(٣٥) ، وإنّ الأسباب الّتي أدّت إلى استبدال الوضوء بالتيمّم لا تؤثّر في صحّة الصلاة وعدمها، بل إنّ هذه الأسباب ينحصر دورها في إعفاء المكلَّف من الوضوء ليقوم بالتيمّم بدلاً عنه. وبعبارة أخرى، إنّها تؤثّر في إيجاب التيمّم، ولا دور لها في الكشف عن استمرار حكم التيمّم من ناحيّة تصحيح العمل.

١ ـ ٢ ـ أماريّة سوق المسلمين: اللّحوم والجلود الموجودة في سوق المسلمين، يُحكَم بطهارتها وتزكيتها؛ ذلك أنّ سوق المسلمين دليل على طهارة الأشياء وتزكيتها. وتوجد روايات كثيرة بهذا الشأن(٣٦) .

يقول الإمام الخمينيقدس‌سره بهذا الصدد:((يستفاد من الروايات أنّ كلّ شيء يوجد في المجتمع الإسلامي يُحكَم بطهارته وتزكيته، ولا توجد خصوصيّة للسوق؛ ذلك أنّه لا يرى العرف أيّ دور لسقف السوق وجدرانه في طهارة الأشياء. أضف إلى ذلك، فليس من الضروري أن تكون الأرض الّتي توجد عليها هذا الأشياء ملْكاً لمسلم؛ فالأساس في الحكم بالطهارة والتزكيّة أن يكون المجتمع إسلاميّاً، والغلبة فيه للمسلمين؛ بحيث يكون وجوده في مجتمعهم دليلاً على

ــــــــــــــ

٣٤ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، كتاب الطهارة، مطبعة مهر، قم، ج٢، ص٢٠٥ ـ ٢٠٦.

٣٥ ـ إنّ العرف يفهم بعد إلغاء الخصوصيّة: بأنّ تمام العلّة لعدم لزوم الإعادة، إنّما هو، قيام التيمّم مقام الطهارة المائيّة.

٣٦ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج٢، ص١٠٧٢، الباب ٥٠ من أبواب النجاسات.

١٠٨

كونه من صنعهم. والحاصل، أنّه يمكننا من خلال فهم المِلاك توسعة دائرة الرواية، وتوسعة نطاق الحكم المستفاد منها)) (٣٧) .

١ ـ ٣ ـ الانتفاع بالميتة: سُئل الإمام الصادقعليه‌السلام في موثّقة سماعة عن جلود السباع أينتفع بها؟، فقال:((إذا رميت وسمّيت، فانتفع بجلده. وأمّا الميتة، فلا)) (٣٨) .

فالميتة والأجزاء الّتي كانت تحلّها الحياة، يبحث عنها الفقهاء من ناحيتين: إحداهما الحكم التكليفي؛ أي جواز الانتفاع بها وعدمه؛ بحيث لو أمكن صنع لباس أو فراش من ذلك الجلد، فهل يمكن الاستفادة منه إذا لم يؤدّ إلى تنجيس الأشياء الأخرى، أم أنّه لا يمكن الاستفادة منه إطلاقاً؟، والثانيّة، من ناحيّة الحكم الوضعي؛ أي في صحة بيع الميتة وأجزائها، وعدم صحة ذلك.

يقول الإمام الخمينيقدس‌سره : ((يستفاد من موثّقة سماعة عدم جواز الانتفاع بالميتة بأيّ شكل، سواء في ذلك أجزاؤها الجامدة والسائلة، وسواء ترتب على ذلك الانتفاع محذور آخر أم لا؛ وذلك لأنّ الظاهر من الرواية مع إلغاء الخصوصيّة ـ حرمة أيّ شكل من شكال الانتفاع؛ وحصرُها بنوع خاص من أنواع الانتفاع يحتاج إلى دليل))(٣٩) .

ويقولرحمه‌الله أيضاً: ((تدلّ روايات خاصة على جواز الانتفاع من الميتة في غير الأكل والبيع، وهذه الروايات حاكمة على الروايات الأخرى، ومع وجود هذا التوفيق العرفي، (بين الروايات المتعارضة) لا يصل الأمر إلى الحكم بتكذيب هذه الروايات، والأمر الّذي يمنع الفقيه من الفتوى بالجواز، هو: دعوى الإجماع وعدم الخلاف بين الأصحاب، وشهرة الفتوى بالأوّل بينهم))(٤٠) .

١ ـ ٤ ـ الحيلة في الربا: هل يمكن الفرار من الربا بواسطة الحيلة والخديعة؟، وهل الحرمة ثابتة في كلّ مورد كان فيه ربا؟، وإذا أمكن التحايل، فما هي فلسفة نهي الشارع المقدّس عن ذلك، وبهذا التشديد؟ يقول الإمام الخمينيقدس‌سره : ((إنّ

ــــــــــــــ

٣٧ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، كتاب الطهارة، ج٣، ص٥٤٠.

٣٨ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٦، ص٤٥٣، كتاب الأطعمة والأشربة، الباب ٣٤ من أبواب الأطعمة والأشربة، الحديث ٤.

٣٩ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، المكاسب المحرَّمة، ج١، ص٤٥.

٤٠ ـ نفس المصدر، ص٥٤.

١٠٩

الحيلة في الربا لا تغيِّر من ماهيّة الربا، ولا تجعل مبادلة المثلين مع الزيادة مبادلة غير مثلين؛ لذا فالحرمة باقيّة. ولذا لا ينبغي اعتبار الروايات ((العلاجيّة))، روايات للفرار الظاهري من الربا، بل إنّ هذه الروايات تدل على طريق للفرار من تبادل المثل بالمثل، وهذا الأمر يقدم بشكل جديد، تعليلاً لروايات:((نعمَ الشيء، الفرار من الحرام إلى الحلال)) (٤١) و((فرار من باطل إلى حقّ)) (٤٢) .

وعلى هذا، إذا لم تتغيّر ماهيّة تبادل العوضين، وكان المراد هو الحصول على ربح القرض وأمثال ذلك بالحيلة، فهو فرار من الباطل إلى الباطل، وليس إلى الحق؛ ذلك أنّ المفاسد الحقيقيّة باقية على حالها.

إذن، فالحيل الّتي لا تُخرِج الموضوع من المعاملة الربويّة، مخالفَةٌ للكتاب والسنّة الثابتة. فضلاً عن أنّ أيّ شكل من اشكال الربا سيؤدّي إلى أن ينصرف الناس عن العمل بالتجارة والصناعة، فيصدق على ذلك عنوان الفساد والظلم. أضف إلى ذلك، أن العرف أيضاً يحكم بوجود تناقض بين الحكم بحرمة شيء وبين الإرشاد إلى طرق للفرار من هذه الحرمة، أمثلة ذلك:

١ ـ شرب الخمر حرام وفيه مفسدة، إلاّ أنّ أكله حلال ولا مفسدة فيه؛ كأن يوضع الخمر في الشوكلاته أو أن يعبّأ في عبوات ويؤكل بدل أن يشرب.

٢ ـ كذلك إذا كان بيع القرآن الكريم للكافر حراماً؛ لأنّه سيؤدّي إلى تسلّطه على الكتاب السماوي، وأمّا هبته له، فلا إشكال فيها.

ففي هذه الحالة أيضاً، يرى العرف تناقضاً في الأمر؛ ذلك أنّ علّة الهيمنة موجودة في كلتا الحالّتين.

إذاً، هذه الروايات تعلّمنا، أنّ الحيلة ينبغي لها أن تغيِّر موضوع الربا بشكل تنتفي معه علّة الحرمة، وينطبق عليه الفرار من الباطل إلى الحقّ، وهكذا لا يمكن القبول بهذه الروايات، وإلاّ فهي مصداق لـ ((ما خالف قول ربّنا)) الّتي قال عنه

ــــــــــــــ

٤١ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج٢، ص٤٦٦، كتاب التجارة، الباب ٦ من أبواب الصرف، الحديث ١.

٤٢ ـ نفس المصدر، ص٤٦٧، الحديث ٢.

١١٠

الأئمّة المعصومونعليه‌السلام : إنّها زخرف وباطل، وهي ليست منا، فاضربوا بها عرض الجدار(٤٣) .

١ ـ ٥ ـ بيع وشراء الأسلحة والمعدّات الحربيّة: ما هي الحالات الّتي يجوز فيها بيع السلاح للاعداء؟، هل يجوز ذلك في حالة الهدنة؟، وإذا جاز فما هو المعيار في ذلك؟

لمَّا لم تكن للشيعة في زمن الأئمّة المعصومينعليه‌السلام حكومة خاصة، وكان المسلمون يعيشون في ظلّ حكومة واحدة كما كان عليه الحال في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فبيع الأسلحة وشراؤها بواسطة الشيعة سيجعل الدولة والحكومة عرضة للمخاطر. فضلاً عن أنّ اشتراك الإنسان في إنتاج المعدّات الحربيّة، سيؤدّي إلى قوّة المسلمين في مواجهة الكفّار. وبناء على هذا، كيف يمكن الحصول على معيار بهذا الشأن؟

ويقول الإمام الخمينيقدس‌سره : ((من التعليل الوارد في رواية هند السراج(٤٤) يمكن الحصول على معيار بشأن بيع السلاح إلى العدو؛ ذلك أنّ عبارة:((احمل إليهم وبعهم، فإنّ الله يدفع بهم عدونا وعدوكم، يعني الروم)) ، تدلّ على جواز بيع السلاح للعدو إذا كان ذلك، سيؤدّي إلى إضعاف العدو الأقوى، بشرط عدم وجود خطر منه على المسلمين))(٤٥) .

غير أنّ مجرد إقرار السلام مع العدو لا يمكنه أن يؤدّي إلى فتح باب بيع الأسلحة لهم، بل ينبغي أخذ الظروف الفعليّة ومصالح الملمّين بنظر الاعتبار، فكما كان بيع الأسلحة للعدو وشراؤها منه في عصر الإمامين الباقر والصادقعليه‌السلام يصبّ في مصلحة الشيعة، فإنّه حيثُما توفّرت ظروف مشابهة لتلك الظروف، فلا شكّ في جواز شراء وبيع الأسلحة والمعدّات الحربيّة. والنتيجة المستفادة من الرواية، أنّ مِلاك البيع والشراء هو مِلاك عقلي، ولم يشترط الإمام شيئاً أكثر منه.

ــــــــــــــ

٤٣ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، كتاب البيع، ج٢، ص٤١١ ـ ٤١٢.

٤٤ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٢، ص٦٩، الباب ٨ من أبواب ما يتكسب به، الحديث ٢.

٤٥ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، المكاسب المحرَّمة، ج٢، ص٧٦، ٧٧.

١١١

١ ـ ٦ الغناء: هل يعدّ كلّ صوت مطرب، غناءً محرّماً؟، أم أنّه ورد في الشرع مِلاك لحرمة الغناء؟. يقول المرحوم الأصفهاني؛ وهو أستاذ الإمام الخمينيقدس‌سره : ((الغناء مثل الإسكار في الخمر، والعلّة في تحريمه هي نفس العلّة في تحريم الخمر، وهي عبارة عن إزالة العقل. ولقد أصاب من اعتبر الغناء مرادفاً للإطراب وأخواته، ومراده هو ما قيل آنفاً)).

ويمضي قائلاً:

((وبالرجوع إلى آثار المتقدّمين، مثل كتب التاريخ، يتّضح التأثير العجيب للغناء في نفوس مستمعيه، فإنّه يؤدّي إلى ذهاب العقل والقيام بتصرّفات صبيانيّة، وأقوال وتصرفات تصدر عن السكارى، وإنّ تأثير الموسيقى في نفوس مستمعيها، ليس أقل من تأثير الخمر في شاربيه، بل إنّه تفوّقه في بعض الحالات.

وينتج عن ذلك أنّه إذا انحصر أثر الغناء والموسيقى في بعث السرور والنشاط في النفس فقط، ولم يؤثّرا بعمق على العقل البشري، فلا يحرمان، فيكونان كبعض المرطّبات الّتي يبعث شربها النشاط والانتعاش ولا تؤثّر في العقل، وتنحصر حرمة الغناء بحالة الإطراب المشابه للسكر الّذي ينتج عن تناول الخمر))(٤٦) .

١ ـ ٧ ـ بيع العنب والتمر إلى الخمّار: هل يمكن بيع التمر والعنب إلى مصانع إنتاج الخمور لتَصنَع منه الخمر؟. يقول الإمام الخمينيقدس‌سره : ((إنّ العلّة في حرمة بيع العنب والتمر إلى الخمّار، ليست من بين العِلل الّتي لا يمكن للعقل البشري إدراكها. فالمفسدة الّتي تنتج عن بيع المحاصيل الزراعيّة لمعامل إنتاج الخمور، هي أمر واضح للإنسان؛ ذلك أنّ العمل سيكون سبباً في رواج سوق الخمور وشيوع الفساد في المجتمعات البشريّة، ولا توجد هناك أيّة مصلحة يمكنها أن تعادل هذه المفسدة لتؤدّي إلى جواز التعامل بهذا النوع من المعاملات.

ــــــــــــــ

٤٦ ـ النجفي الأصفهاني، الشيخ محمد رضا، الروضة في تحقيق الغناء، تحقيق: رضا أستادي، ج٢، ص١٥١١، والإمام الخمينيقدس‌سره ، المكاسب المحرَّمة، ج١، ص١٩٩.

١١٢

وعلى هذا، فالروايات بشان جواز بيع المحاصيل الزراعيّة إلى الخمّار(٤٧) ، والّتي أشير في بعضها إلى بيع الأئمّة أيضاً(٤٨) ، ونظراً لمخالفتها لما ورد في كتاب الله، والسنة المتواترة، ومخالفتها لحكم العقل، وللروايات الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينبغي اعتبارها من الأباطيل وأن يُضرب بها عرض الحائط))(٤٩) .

خاصة وأنّ قبح هذا العمل في أذهان المسلمين، ومخالفته لما يرتضيه الشارع المقدّس، أمر واضح جداً، إلى الحدّ الّذي لا يرتضي القيام به أدنى الأشخاص قيمةً في المجتمع الإسلامي فما بالك بالأئمّة المعصومين الأطهارعليه‌السلام ؟.

إذن، يمكن من خلال الإدراك العقلي معرفة مِلاك حرمة بيع المحاصيل الزراعيّة إلى مصانع إنتاج الخمور، والحكم برفض الروايات الواردة في جواز بيعه.

١ ـ ٨ ـ مِلاك مشروعيّة المعاملات: وردت أحاديث كثيرة بشأن قوله تعالى:( ولاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ) (٥٠) ، وورد في هذه الأحاديث أنّ الإمام المعصوم سئل عن المقصود بهذه الآية، ومن ذلك رواية سأل فيها محمد بن عيسى، الإمام الصادقعليه‌السلام ، فأجاب الإمام: بأنّ المقصود هو القمار(٥١) .

يقول الإمام الخمينيقدس‌سره بهذا الشأن: ((الظاهر من الآية الكريمة والأحاديث الناهية، كون الأكل بالباطل سبباً للنهي، وهذا القيد قيد أحترازي، وليس توضيحياً. والنتيجة الظاهرة من ذلك أنّ المستثنى المقابل للباطل، هو الحقّ. ولمّا كانت العلّة تعطي للحكم عموميّة ـ كما أنّها تمنحه في بعض الحالات صفة الخصوصيّة ـ فالمقصود هو حلّيّة أكل كلّ شيء بالحق، وبموازة ذلك عدم حليّة أيّ شيء بالباطل))(٥٢) .

والنتيجة المترتّبة على ذلك أنّ كل ما كان حقاً، فهو حلال الأكل حتّى لو لم

ــــــــــــــ

٤٧ ـ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج١٢، ص١٦٨ ـ ١٧٠، كتاب التجارة، الباب ٥٩ من أبواب ما يتكسب، الأحاديث من ص١ ـ ١٠.

٤٨ ـ المصدر نفسه، الجزء السادس، الحديث ص٨.

٤٩ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، المكاسب المحرَّمة، ج١، ص٤٧، ١٤٦.

٥٠ ـ سورة النساء: الآية ٢٨.

٥١ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٢، ص١٢١، الباب ٣٥ من أبواب ما يتكسب به، الحديث ١٤.

٥٢ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، المكاسب المحرَّمة، ج٢، ص١٣٥، ١٣٧.

١١٣

يكن تجارة، ومن الأمثلة على ذلك المباحات: القروض والسِّلف وتَمَلّك مجهول المالك، وما شابه ذلك من مصاديق الحق؛ والعلّة في ذلك هي كونه حقّاً، وليست هناك حاجة للبحث عن دليل آخر، كما كان يفعل البعض. وبمناسبة الحكم والموضوع يُفهَم أنّ كل باطل وما يتسبب فيه، حرام، ولا يجوز التصرّف في المال الّذي يأتي عن طريق الباطل، مهما كان. وبناء على هذا، فكل عقد تمّ، ولو بالكنية والمجاز، إنْ كان مصداقاً للحق وسبباً للحق، فسيؤدي إلى حلّيّة التصرف في المال، وكل سبب باطل، هو علة لحرمة التصرف في المال الّذي يأتي عن طريقه(٥٣) .

١ ـ ٩ ـ النهي عن المنكر: هل أنّ الأدلّة(٥٤) الدالّة على وجوب النهي عن المنكر تتضمّن مجرد رفع المنكر، أم أنّها تشمل دفعه أيضاً؟

يقول الإمام الخمينيقدس‌سره : ((إنّ مِلاك دفع المنكر ورفعه واحدٌ. وإنّ العقل بحدّ ذاته، ومن دون الاستعانة بشيء آخر، يقضي بضرورة منع معصية الله وما يبغضه عزّ وجلّ، فضلاً عن أنّ الإنسان ممنوع من تقديم أي نوع من المعونة الّتي تؤدّي إلى ارتكاب ما نهى الله عنه، فالمساعدة على ارتكاب المنكر قبيح عقلاً.

وكما أن على المكلّف أن يمنع نفسه من ارتكاب العمل المحرّم؛ فمن الواجب عليه أيضاً أن يَحُول دون ارتكاب الحرام، ذلك أنّ المِلاك الموجود في استمرار فعل الحرام، موجود أيضاً في تحقّقه على أرض الواقع، ولا شكّ في أنّ العرف يلغي الفارق الموجود بين دفع المنكر ورفعه. وكمثال على ذلك: حينما يريد إنسان شرب كأس من الخمر، وهو بين جمع بين المسلمين، يجب عليهم جميعاً منعه من ارتكاب هذا العمل، لا أن يصبرا إلى أن يتناول جرعة من الخمر ليمنعوه من الشرب بعد ذلك، فضلاً عن أنّ العقل يحكم بعدم إمكان التراجع عمّا تمّ ارتكابه من العمل الحرام. وفي المحرّمات، فإنّه لا يمكن للدفع أن يؤدّي دور

ــــــــــــــ

٥٣ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، كتاب البيع، ط٣، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة، قم، ١٣٦٣ هـ.ش، ج١، ص٢١٥.

٥٤ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١١، ص٤٤٤ ـ ٤٩٩، كتاب الأمر بالمعروف، الأبواب ١٨ ـ ٣٧ من أبواب الأمر والنهي.

١١٤

الرفع؛ ذلك أنّه إذا لم يتم منع ارتكاب العمل المحَرَّم في الوقت المناسب، فإنّه لا توجد بعد ذلك إمكانيّة للنهي عنه، فمثلاً، في حالة القتل العمد، إذا تُرِك القاتل حرّاً في الإعداد لعمليّة القتل، فإنّه لا يمكن نهيه عن المنكر بعد ارتكابه جريمة القتل. وإنّ الاشتراك في الحكم (وجوب النهي عن المنكر) يعتبر في هذه الحالات من الأمور الواضحة والبديهيّة))(٥٥) .

١ ـ ١٠ ـ ولاية الفقيه: إنّ للأحكام الإلهيّة أصولاً ثابتة لا يمكن نسخها، وهي خالدة حتّى يوم القيامة. وإنّ ثبات الأحكام، وضرورة اتباعها، وتطبيق الأحكام الإلهيّة، بحاجة ماسة إلى حكومة إسلاميّة. ومن المستبعد أن يكون الشارع الحكيم قد حكم بخلود أحكامه لكنّه ترك أمر الحكومة. وعلى هذا، فكلّ ما عُدّ دليلاً على وجوب الإمامة، فسيكون بعينه دليلاً على ضرورة وجود الحكومة أيضاً. ومن الأمور الواضحة عقلاً، أنّ الله تعالى خلال زمان غيبة الإمامعليه‌السلام ـ خاصّة في هذه الفترة الّتي قد تمتدّ لآلاف السنين ـ لم يهمل الأمّة الإسلاميّة، بل أتمّ الحجة على الناس، وأوضح لهم ما هم مكلّفون به، وهو لا يرضى إطلاقاً أن تسود الفوضى واضطراب النظام بين المسلمين.

وعلى هذا، فإنّ ضرورة وجود الحكومة الإسلاميّة وبسط العدل وإدارة شؤون التربيّة والتعليم والمحافظة على النظام، والقضاء على الظلم، والتصدي للعدوان الخارجي، هي من أوضح الأحكام العقليّة دون أن يكون هناك تأثير للزمان والمكان فيها. وفضلاً عن الدليل العقلي، فإنّ هذا الأمر يمكن أن يستفاد من الرواية الواردة عن الإمام المعصومعليه‌السلام :((بأنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)) (٥٦) . وإنّ كون الإمام المعصومعليه‌السلام حجة الله على الناس لا يعني أنّه مبيّن للأحكام الإلهيّة فقط؛ ذلك أنّ أقوال زرارة ومحمد بن مسلم وأمثالهما في تبيان الأحكام الإلهيّة، حجة هي أيضاً، ولا يمكن لأحد الشكّ في القبول بروايتهم، بل المراد بحجيتهم الإلهيّة أنّ الأئمّة المعصومينعليه‌السلام حجج الله على خلقه، وأنّ الله

ــــــــــــــ

٥٥ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، كتاب البيع، ج١، ص١٣٧.

٥٦ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٨، ص١٠١، كتاب القضاء، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٩.

١١٥

يحتج بوجودهم وسيرتهم وأفعالهم وأقوالهم على عباده في جميع مجالات الحياة، ومن بين تلك المجالات، القضايا المختلفة للحكومة(٥٧) . ونتيجة ذلك أنّ العلماء والفقهاء هم المنصوَّبون من قبل الإمامعليه‌السلام .

٢ ـ فقه جواهر الكلام

٢ ـ ١ ـ إرث القاتل: حين يقوم الوارث بقتل مورِّثه عمداً وظلماً، يُحرَم من الإرث(٥٨) . والدليل على هذا الحكم ـ فضلا ًعن الإجماع، والهدف الّذي ينتج عن هذا الحكم ـ المحافظة على أرواح الناس وإزالة الدافع لقتل الأبرياء. وتدلّ على هذا الحكم، بشكل لا لبس فيه، روايات واردة عن الأئمّة المعصومينعليه‌السلام (٥٩) . والهدف من حرمان القاتل من إرث المقتول، هو الحيلولة دون حصول القاتل على مرامه. ولا خلاف بين المسلمين في هذا الحكم.

بينما لو قتل الوارث مورِّثه بحقّ وليس ظلماً، فإنّه لا يحال بينه وبين الإرث؛ ذلك أنّه لا توجد هنا علّة مانعة من الإرث. فقد ورد أنّ حفص بن غياث، سأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن طائفتين من المؤمنين، إحداهما باغيّة، والأخرى عادلة، اقتتلوا، فقتل رجل أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي، أيرثه؟ قال:((نعم؛ لأنّه قتله بحق)) (٦٠) .

يعلِّق مؤلف جواهر الكلام على ذلك، فيقول:

((التعليل يفيد عدم المنع فيما كان بالحقّ مطلقاً، وإن جاز تركه كالقصاص والدفاع عن المال. فهو يستطيع الدفاع عن ماله حتّى لو أدّى إلى قتل مورِّثه. أو أن يقيم حكْم القصاص حتّى ولو على مورِّثه، وفي كلتا الحالّتين، فإنّ تصرّفه لا يؤدّي إلى حرمانه من إرث القتيل))(٦١) .

٢ ـ ٢ ـ الزواج بغير المسلمة: وضع الإسلام شرطاً لإنشاء علاقة المصاهرة،

ــــــــــــــ

٥٧ ـ الإمام الخمينيقدس‌سره ، كتاب البيع، ج٢، ص٤٧٤.

٥٨ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٧، ص٣٨٨، الباب ٧ من أبواب موانع الإرث، الأحاديث من ١ ـ ٧.

٥٩ ـ النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج٣٩، ص٣٦.

٦٠ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٧، ص٣٩٧.

٦١ ـ المصدر نفسه، ج١٧، ص٣٩٧، الحديث ١.

١١٦

ولتكوين الأسرة. وأحد هذه الشروط: أن يكون الزوجان على دين واحد. فالمسلم لا يمكنه الزواج بغير مسلمة، سواء أكانت مشركة أم من أهل الكتاب. ويرى بعض فقهاء الشيعة أنّ الزواج الدائم بغير المسلمة باطل. ويستند مؤلِّف الجواهر، في علّة تحريم الزواج بغير المسلمة، إلى آية من القرآن الكريم؛ هي:( وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حتّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حتّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إلى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ... ) (٦٢) . إذ يعتبر صاحب الجواهر أنّ قوله تعالى:( أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إلى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ) ، علّة لتحريم الزواج من غير المسلمة، ويعتقد أنّه رغم ورود ((مشرِك)) و((مشرِكة)) في الآية، إلاّ أنّه لا اختصاص للتحريم بالمشرِك والمشرِكة، بل هي شاملة لجميع غير المسلمين(٦٣) ؛ ذلك أنّ علّة التحريم سارية في جميع أقسام الكفر، فكما أنّ الشرك يمكنه أن يؤثّر في عقيدة الزوج أو الزوجة، كذلك الكفر يمكنه أن يكون مؤثّراً. وعلى هذا، فالنهي عن الزواج بأهل الكتاب والمشركين، إنّما كان لمنع التأثير على دين الطرف الآخر.

٢ ـ ٣ ـ إقامة الحدود: إقامة الحدود الشرعيّة في زمن غيبة الإمام المعصومعليه‌السلام مُلقاة على عاتق الفقه الجامع للشروط. فكما أنّ على الفقهاء أن يتولّوا القضاء بين الناس، عليهم أيضاً أن يقيموا الحدود الشرعيّة بينهم.

لم يتوقع صاحب الجواهر من مؤلف شرائع الإسلام أن يتوقف في حكم واضح كهذا ويقول: ((إنه لغريب من المصنف أن يتوقف في الحكم بعد ظهور الدليل ووضوحه)).

ثُمّ يقدّم بعد ذلك أدلّة وشواهد على صحّة هذه النظريّة. والحكمة والعلّة من جملة أدلّته على ضرورة إقامة الحدود بواسطة الفقهاء؛ ذلك أنّ عدم إقامة الحدود

ــــــــــــــ

٦٢ ـ سورة البقرة: الآية ٢٢١.

٦٣ ـ النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام، ج٣، ص٢٨.

١١٧

الإلهيّة سيؤدّي إلى انتشار المفاسد الاجتماعيّة وارتكاب ما حرَّمه الله؛ وهذا الأمر قبيح في نظر الشارع، ومنعه أمر حسن. وهذا يدلّ على وجوب إقامة الحدود بواسطة الفقيه. فضلاً عن أنّ حكمة إقامة الحدود الشرعيّة، لا تعود إلى مقيم الحدّ فقط، بل ستصّب في مصلحة الآخرين. إذن، يجب على الفقيه إقامة الحدود الشرعيّة.

ومن ناحيّة أخرى، فإنّ نيابة الفقهاء عن الإمام المعصوم، ثابتة في كثير من الحالات. وبإلغاء خصوصيّة الحالة وعدم الفرق بين مناصب الإمام المعصوم، نستنتج أنّه إذا ثبَتت النيابة عنه في مورد، ثبتت في غيره. ومن الممكن القول: إنّ ذلك مفروغ عنه بين الأصحاب(٦٤) .

٢ ـ ٤ ـ تلف المال وقول الوكيل: حين يقع خلاف بين الموكِّل والوكيل بشأن تلف متعَلَّق الوكالة، فقول أيّ منهما هو المقدم؟، هل يمكن الاكتفاء بقول الوكيل، أم أنّ عليه إثبات ادعائه بالبيّنة؟

يقول صاحب الجواهر: قول الوكيل مقدَّم؛ وذلك أنّه أمين على مال موكِّله، فضلاً عن أنّ إقامة البيّنة في كثير من الحالات أمر عسير على الوكيل. فإذا لم تُقبَل أقواله، نكون قد أوقعناه في العسر والحرج. ويستفاد من الروايات الواردة في قبول أقوال النساء، في باب الحيض والطهارة، أنّ كلّ أمر يكون الإتيان بالبيِّنة عليه صعباً عسيراً، يقبل قول مدَّعيه بعد أدائه القسم. والنتيجة الّتي يستفيدها صاحب الجواهر وبقيّة الفقهاء من الروايات الواردة في باب الحيض، حول القبول بقول المرأة بشأن الحيض والطهر، هي أنّهم، وبعد اكتشافهم للعلّة، يعمِّمون الحكم. فكل أمر تكون إقامة البيّنة عليه أمراً عسيراً أو مستحيلاً، يُقبل عندها قول المدَّعي بعد أدائه القسم، ولمَّا كان إتيان الوكيل ببيّنة، في كثير من الحالات، أمراً غير ممكن أو عسيراً، فإنّ أقواله تُقبل مع القسم، وتُقدَّم على أقوال المالك.

٢ ـ ٥ ـ البيع والشراء مجازفةً: يُشترط في بيع البضائع والأشياء وشرائها،

ــــــــــــــ

٦٤ ـ المصدر نفسه، ج٢١، ص٣٩٦.

١١٨

أن يكون المبيع معلوماً من حيث المقدار والنوع والأوصاف، بالمقدار الّذي لا يؤدّي إلى ضرر بحسب العرف؛ ذلك أنّ عدم معرفة أوصاف البضاعة وقيمتها، سيؤدّي إلى الضرر والغَرر المنهي عنه في الحديث النبويّ الشريف(٦٥) . وورد في الصحيح عن الحلبي(٦٦) عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، في رجل اشترى من رجلٍ طعاماً عِدلاً بكيل معلوم، ثُمّ إنّ صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العِدل الآخر بغير كيل، فإنّ فيه مثل ما في الآخر الّذي ابتعته، قال:(( لا يصلح إلاّ أنْ يكيل)) . وقال:((ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً، فإنّه لا يصلح مجازفةً)) .

يقول صاحب الجواهر(٦٧) : إنّ استخدام مصطلح (مجازفة) في الحديث، ظاهر في العلّة. وعلى هذا، فحيثُما كان هناك بيع وشراء مجازفةً، فهو باطل. ولا فرق في أن تكون البضاعة المتعامل عليها مكيلاً أو موزوناً. والنتيجة المستفادة، هي: أنّ كلّ شيء يباع أو يشترى بالوزن أو الكيل، إذا اشتُرِي مجازفةً، لم يصح الشراء.

وينبغي التذكير بأنّ كلّ حدس أو تخمين، بشكل يؤدّي إلى اطمئنان البائع والمشتري، غير داخل في مضمون التعليل المذكور آنفاً؛ ذلك أنّه لا يوجد هنا في التعامل ضرر وخديعة. فلا يمكن أن يكون المقصود بمعرفة مقدار البضاعة المشتراة وأوصافها، شيئاً سوى هذا. إنّما المقصود الحالات الّتي يريد بها المشتري بالخديعة أن يدفع نقوداً أقلّ ليأخذ بضاعة أكبر، أو أن يحاول البائع، وبالخديعة أيضاً، عكس ذلك.

٢ ـ ٦ ـ ديّة العاقلة: ورد في رويّة عن أبي العبّاس، أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام سُئل عن شخصٍ رمى شاةً، فأصاب إنساناً، فما الحكم في ذلك؟، فأجاب الإمام:((ذلك الخطأ لا شكّ فيه، عليه الديّة والكفارة)) (٦٨) .

يقول صاحب الجواهر: رغم أنّ الّذي في الأذهان، هو أنّ ديّة القتل الخطأ تقع

ــــــــــــــ

٦٥ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٢، ص٥٩٢، الباب، ٤٠ من أبواب آداب التجارة، الحديث٣.

٦٦ ـ المصدر نفسه، ص٣٥٤، الباب ٤ من أبواب عقد البيع، الحديث٢.

٦٧ ـ النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام، ج٢٢، ص٤١٠.

٦٨ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٩، ص٢٦، الباب ١١ من أبواب القصاص والديات في النفس، الحديث٩.

١١٩

على العاقلة، لكن يستنبط من خلال البحث في النصوص، وكون اختصاص الجنابة بالجاني، ثبوت الديّة على الجاني، رغم أنّ العاقلة تدفع الديّة عنه. وهذا المعنى يُؤخذ من هذه الرواية، ومن أخبار أخرى. فضلاً عن أنّه يمكن أن يستفاد هذا المعنى من الآية الكريمة:( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيّة مُسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ ) (٦٩) . ولمَّا جمع في هذه الآية بين الديّة والكفّارة، والكفّارة على القاتل، تكون هذه الآية قرينة على أنّ عليه دفع الديّة أيضاً. ويستفاد هذا الحكم أيضاً من الحديث المروي عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام عليه‌السلام :((أنا وليّه والمودِّي عنه)) (٧٠) .

ويواصل مؤلِّف الجواهر كلامه، فيقول: إذا لم تكن هناك عاقلة أو أنّها كانت عاجزة عن دفع الديّة، فلا مناص من القول: إن الديّة على الجاني. نعم، لو كان إمام العصر حاضراً، وقد بسط العدل في المجتمع، يمكن القول حينئذٍ إنّ الديّة على الإمام، رغم أنّنا لو قلنا آنذاك إنّ الضمان على الجاني، فإن قولنا هذا، لن يكون بلا دليل.

فإذا كان الجاني مفلِساً عاجزاً عن دفع ديّة القتيل، يقوم الإمام بدفع الديّة من بيت مال المسلمين أو من ماله الخاص، خاصةً إذا كانت عاقلة القاتل عاجز عن دفعها.

ومع أخذه لقاعدة اختصاص الجناية بالجاني، وفهم المِلاك في وجوب دفع الديّة (عدم إهدار دم المسلم)، يحكم مؤلِّف الجواهر بأنّ الديّة تثبت أوّلاً وبالذّات على الجاني، وتقوم العاقلة أو الإمام بدفع الديّة عنه. وفي عصرنا، إذا لم يكن للجاني عاقلة، فإنّ الديّة لا تقع على نائب الإمام، ولا يمكن دفعها من الخمس أو سائر أموال المسلمين. والقول بجواز الدفع من بيت المال أشبه ما يكون بالأوهام والخرافات، فلا مناص من القول بثبوت دفع الديّة على الجاني في عصرنا(٧١) .

٢ ـ ٧ ـ طهارة جسد الشهيد، وأجساد المعصومين(ع): إنّ جسد الإنسان

ــــــــــــــ

٧٠ ـ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج١٩، ص٣٠٠، الباب٢ من أبواب العاقلة، الحديث ١.

٧١ ـ النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام، ج٤٣، ص٤٤٤ ـ ٤٤٦.

١٢٠