ترجمه الامام الحسين عليه السلام ومقتله

ترجمه الامام الحسين عليه السلام ومقتله0%

ترجمه الامام الحسين عليه السلام ومقتله مؤلف:
المحقق: السيد عبد العزيز الطباطبائي
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
ISBN: 964-5503-47-7
الصفحات: 122

  • البداية
  • السابق
  • 122 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14411 / تحميل: 4995
الحجم الحجم الحجم
ترجمه الامام الحسين عليه السلام ومقتله

ترجمه الامام الحسين عليه السلام ومقتله

مؤلف:
ISBN: 964-5503-47-7
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لولا أن يزري ذلك بي أو بك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم انّا إذا تناصينا أقمت لفعلت ، ولكنّ لا أخال ذلك نافعي.

فقال له الحسين : لئن اُقتل بمكان كذا وكذا أحبّ إليّ أن تستحلّ بي ـ يعني مكة ـ ، قال : فبكى ابن عباس ، وقال : أقررت عين ابن الزبير فذلك الذي سلا بنفسي عنه.

ثم خرج عبدالله بن عباس من عنده وهو مغضب [ 52 / أ ] وابن الزبير على الباب ، فلما رآه قال : يابن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبدالله يخرج ويتركك والحجاز.

يا لك من قبرة بمعمر

خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقري ما شئت ان تنقري(1)

وبعث حسين إلى المدينة فقدم عليه من خفّ معه من بني عبدالمطّلب وهم تسعة عشر رجلاً ونساء وصبيان من إخوانه وبناته ونسائهم.

وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك حسيناً بمكة واعلمه انّ الخروج ليس له برأي يومه هذا ، فأبى الحسين أن يقبل.

فحبس محمد بن علي ولده فلم يبعث معه أحداً منهم ! حتى وجد الحسين في نفسه على محمد ، قال : ترغب بولدك عن موضع اُصاب فيه ؟!

فقال محمد : وما حاجتي أن تُصاب ويصابون معك ، وان كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم.

وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج متوجهاً إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة ، وذلك يوم الإثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين.

__________________

واخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3 : 128 في ترجمة الحسينعليه‌السلام برقم 2859 ، قال : حدّثنا علي بن عبدالعزيز ، حدّثنا اسحاق حدثنا سفيان ...

(1) البيت لطرفة بن العبد ، وراجع قصّته في مجمع الأمثال 1 / 239 وحياة الحيوان ( القبرة ) ، وربّما نُسب إلى كليب بن ربيعة ، راجع لسان العرب 20 / 385.

٦١

فكتب مروان إلى عبيدالله بن زياد : أمّا بعد ، فانّ الحسين بن علي قد توجّه إليك وهو الحسين بن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وبالله ما أحد يسلّمه الله أحبّ إلينا من الحسين ! فاياك أن تهيج على نفسك ما لا يسدّه شيء ، ولا تنساه العامة ولا تدع ذكره ، والسلام.

وكتب [ 52 / ب ] إليه عمرو بن سعيد بن العاص : أمّا بعد ، فقد توجّه إليك الحسين ، وفي مثلها تعتق ، أو تسترقّ كما تسترقّ العبيد(1) .

284 ـ قال : أخبرنا عبدالله بن الزبير الحميدي ، قال : حدّثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدّثني لبطة بن الفرزدق ـ وهو في الطواف وهو مع ابن شبرمة ـ ، قال : أخبرني أبي ، قال : خرجنا حجّاجاً فلما كنا بالصفاح إذا نحن بركب عليهم اليلامق ومعهم الدرق ، فلما دنوت منهم إذا أنا بحسين بن علي ، فقلت : أي أبو عبدالله ؟ قال : يا فرزدق ما وراءك ؟ قال : أنت أحبّ الناس إلى الناس ، والقضاء في السماء ، والسيوف مع بني اُمية.

قال : ثم دخلنا مكة ، فلمّا كنّا بمنى قلت له : لو أتينا عبدالله بن عمرو فسألناه عن حسين وعن مخرجه ، فأتينا منزله بمنى فاذا نحن بصبية له سود مولدين يلعبون ، قلنا : أين أبوكم ؟ قالوا : في الفسطاط يتوضأ ، فلم يلبث أن خرج علينا من فسطاطه ، فسألناه عن حسين ؟ فقال : أما إنّه لا يحيك فيه السلاح ! قال : فقلت له : تقول هذا فيه وأنت الذي قاتلته وأباه ؟! فسبّني وسببته !

ثم خرجنا حتى أتينا ماء لنا يقال له : تعشار ، فجعل لا يمرّ بنا أحد إلاّ سألناه عن حسين ، حتى مرّ بنا ركب فناديناهم ما فعل حسين بن علي قالوا : قُتلْ ! فقلت : فعل الله بعبدالله بن عمرو ، وفعل.

__________________

(1) من أول المقتل إلى هنا ، أورده المزي في تهذيب الكمال 6 / 412 ـ 422 عن ابن سعد.

ومن أوله إلى هنا أيضاً رواه الحافظ كمال الدين ابن العديم في كتابه بغية الطلب في ترجمة الإمام الحسين 7 ج 7 الورقة 58 ب إلى 64 / أ يطابق ج 6 ص 2605 ـ 2612 من مطبوعه ، بإسناده عن أبن سعد إسناداً ومتناً.

(284) ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 2 : 673 عن الحميدي وذكره بكنيته أبي بكر. ورواه الذهبي في تذكرة الحفاظ 372 في ترجمة أبي عبيدة عنه عن لبطة بأوجز مما هنا ورواه الطبري 5 / 386. رواه ابن عساكر برقم 257.

٦٢

قال سفيان : ذهب الفرزدق إلى غير المعنى ـ أو قال : الوجه ـ انّما قال : لا يحيك فيه السلاح ولا يضرّه [ 53 / أ ] القتل ، مع ما قد سبق له.

285 ـ قال : أخبرنا عبدالله بن الزبير الحميدي ، قال : حدّثنا سفيان ، قال : حدّثنا شيعي لنا يقال له : العلاء بن أبي العباس ، عن أبي جعفر ، عن عبدالله ابن عمرو ، أنّه قال في حسين : خرج ، أما إنّه لا يحيك فيه السلاح(1) .

286 ـ قال : أخبرنا موسى بن اسماعيل ، قال : حدثنا معاوية بن عبد الكريم ، عن مروان الأصغر ، قال : حدّثني الفرزدق بن غالب قال :

لما خرج الحسين بن عليرحمه‌الله لقيت عبدالله بن عمرو ، فقلت له : انّ هذا الرجل قد خرج ، فما ترى ؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فانّك أن أردت دنيا أصبتها ، وان أردت آخرة أصبتها.

قال : فرحلت نحوه ، فلمّا كنت في بعض الطريق بلغني قتله ، فرجعت إلى عبدالله بن عمرو ، فقلت : أين ما قلت لي ؟! قال : كان رأياً رأيته !

287 ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن الهذلي ، انّ الفرزدق قال : لقيت حسيناً ، فقلت : بأبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس ، لرجوت أن يتقصّف أهل الموسم معك ، فقال : لم آمنهم يا أبا فراس.

قال : فدخلت مكة فاذا فسطاط وهيئة ، فقلت : لمن هذا ، قالوا : لعبدالله ابن عمرو بن العاص ، فأتيته فاذا شيخ أحمر فسلّمت ، فقال : من ؟ قلت : الفرزدق ، أترى أن أنصر حسيناً ؟ قال : إذا تصيب أجراً وذخراً ، قلت بلا دنيا ، فاطرق ، ثم قال : يابن غالب لتتمّن خلافة يزيد ، فانظرن ، فكرهت ما قال.

قال : فسببت يزيد ومعاوية ، قال : مه ! [ 53 / ب ] قبّحك الله !! فغضبت ، فشتمته وقمت ، ولو حضر حشمه لأوجعوني.

فلمّا قضيت الحج رجعت ، فاذا عير فصرخت : ألا ما فعل الحسين ؟ فردّوا عليّ : ألا قُتل.

__________________

(1) من أول المقتل إلى هنا رواه ابن عساكر بإسناده عن ابن سعد في ترجمة الحسينعليه‌السلام من ص 196 ـ 206.

٦٣

288 ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن جويرية بن أسماء وعلي بن مدرك ، عن اسماعيل بن يسار ، قال :

لقي الفرزدق حسيناً بالصفاح فسلّم عليه ، فوصله بأربعمائة دينار ، فقالوا : يا أبا عبدالله تعطي شاعراً مبتهراً ؟! قال : انّ خير ما أمضيت ما وقيت به عرضك ، والفرزدق شاعر لا يؤمن.

فقال قوم لاسماعيل : وما عسى أن يقول في الحسين ومكانه مكانه ، وأبوه واُمّه من قد علمت ؟

قال : اُسكتوا ، فانّ الشاعر ملعون ، ان لم يقل في أبيه واُمّه قال في نفسه.

289 ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن حباب بن موسى ، عن الكلبي عن بحير بن شداد الأسدي ، قال : مرّ بنا الحسين بالثعلبية ، فخرجت إليه مع أخي ، فاذا عليه جبّة صفراء لها جيب في صدرها ، فقال له أخي : انّي أخاف عليك ، فضرب بالسوط على عيبة قد حقبها خلفه ، وقال : هذه كتب وجوه أهل المصر.

290 ـ قال : أخبرنا موسى بن اسماعيل ، قال : حدّثنا جعفر بن سليمان ، عن يزيد الرشك ، قال : حدّثني من شافه الحسين ، قال :

رأيت أبنية مضروبة بفلاة من الأرض ، فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : هذه لحسين ، قال : فأتيته فاذا شيخ يقرأ القران [ 54 / أ ] قال : والدموع تسيل على خديه ولحيته ، قال : قلت : بأبي واُمي يابن رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد ؟ فقال : هذه كتب أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلاّ قاتليّ ، فاذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلاّ انتهكوها ، فيسلّط الله عليهم من يذلّهم حتى يكونوا أذلّ من فَرمَ الأمة ـ يعني مقنعتها ـ !.

ثم رجع الحديث إلى الأول

قالوا : وقد كان الحسين قدّم مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة ، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي وينظر إلى اجتماع الناس عليه ، ويكتب إليه بخبرهم.

__________________

(289) رواه ابن عساكر برقم 266 عن عمر ابن سعد.

٦٤

فقدم مسلم بن عقيل الكوفة مستخفياً وأتته الشيعة فأخذ بيعتهم ، وكتب إلى الحسين بن علي : انّي قدمت الكوفة فبايعني منهم إلى أن كتبت إليك ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل القدوم فانّه ليس دونها مانع !

فلمّا أتاه كتاب مسلم أغذ السير حتى انتهى إلى زبالة ، فجاءت رسل أهل الكوفة إليه بديوان فيه أسماء مائة ألف.

وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة في آخر خلافة معاوية فهلك وهو عليها ، فخاف يزيد أن لا يقدم النعمان على الحسين ، فكتب إلى عبيدالله بن زياد بن أبي سفيان ! [ 54 / ب ] وهو على البصرة فضم إليه الكوفة ، وكتب إليه بإقبال الحسين إليها ، فإن كان لك جناحان فطرْ حتى تسبق إليها.

فاقبل عبيدالله بن زياد على الظهر سريعاً حتى قدم الكوفة فاقبل متعمماً متنكّراً حتى دخل السوق ، فلما رأته السفلة واهل السوق خرجوا يشتدّون بين يديه وهم يظنون انه حسين ! وذاك انّهم كانوا يتوقعونه ، فجعلوا يقولون لعبيدالله : يابن رسول الله الحمد لله الذي أراناك وجعلوا يقبلون يده ورجله ، فقال عبيدالله لشدّ ما فسد هؤلاء !

ثم مضى حتى دخل المسجد فصلّى ركعتين ثم صعد المنبر وكشف عن وجهه ، فلمّا رأه الناس مال بعضهم على بعض واقشعوا عنه.

وبنى عبيدالله بن زياد تلك الليلة بأهله اُم نافع بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط.

واتي تلك الليلة برسول الحسين بن علي قد كان أرسله إلى مسلم بن عقيل يقال له : عبدالله بن يقطر فقتله.

وكان قدم مع عبيدالله بن البصرة شريك بن الأعور الحارثي وكان شيعة لعلي فنزل أيضاً على هانئ بن عروة ، فاشتكا شريك ، فكان عبيدالله يعوده في منزل هانئ ومسلم بن عقيل هناك لا يعلم به.

فهيؤوا لعبيدالله ثلاثين رجلاً يقتلونه إذا دخل عليهم واقبل عبيدالله

٦٥

ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها.

[ 55 / أ ] اسقوني ولو كانت فيها نفسي ، فقال عبيدالله : ما يقول ؟ قالوا : يهجر ، وتحشحش القوم في البيت ، فأنكر عبيدالله ما رأى منهم فوثب فخرج ، ودعا مولى لهانئ بن عروة كان في الشرطة فسأله فأخبره الخبر فقال : أولا.

ثم مضى حتى دخل القصر وارسل إلى هانئ بن عروة وهو يومئذ ابن بضع وتسعين سنة ، فقال : ما حملك على أن تجير عدوي وتنطوي عليه ؟ فقال : يابن أخي انّه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك وحقّ أهل بيتك ، فوثب عبيدالله وفي يده عنزة فضرب بها رأس هانئ حتى خرج الزج واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه.

وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج في نحو من أربعمائة من الشيعة فما بلغ القصر إلاّ وهو في نحو من ستين رجلاً ، فغربت الشمس واقتتلوا قريباً من الرحبة ثم دخلوا المسجد وكثرهم أصحاب عبيدالله بن زياد ، وجاء الليل فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة يقال لها : طوعة فاستجار بها ، وعلم بذلك محمد بن الأشعث بن قيس فاخبر به عبيدالله بن زياد فبعث إلى مسلم فجيء به فأنّبه وبكّته وأمر بقتله.

فقال : دعني اوصي ، قال : نعم ، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فقال : انّ لي إليك حاجة وبيني وبينك رحم.

فقال عبيدالله : اُنظر في حاجة ابن [ 55 / ب ] عمك ، فقام إليه فقال : يا هذا انّه ليس هاهنا رجل من قريش غيرك ، وهذا الحسين بن علي قد اظلك فارسل إليه رسولاً فلينصرف فانّ القوم قد غرّوه وخدعوه وكذّبوه ، وانّه إن قتل لم يكن لبني هاشم بعده نظام ، وعلي دين أخذته منذ قدمت الكوفة فاقضه عني ، واطلب جثتي من ابن زياد فوارها.

فقال له ابن زياد : ما قال لك ؟ فاخبره بما قال ، فقال : قل له : امّا مالك فهو لك لا نمنعك منه ، واما حسين فان تركنا لم نرده ، واما جثته فاذا

٦٦

قتلناه لم نبال ما صنع به ، ثم اُمر به فقتل ، فقال عبدالله بن الزبير الأسدي(1) في ذلك :

إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السوق وابن عقيلِ

ترى جسداً قد غيّر الموت لونَه

ونضح دم قد سال كل مسيلِ

أصابهما أمر الإمام فأصبحا

أحاديث من يهوى بكلّ سبيلِ

ترى بطلاً قد هشّم السيف رأسه

وآخر يهوى من طمار قتيلِ

أيركب أسماء الهماليج آمناً

وقد طلبته مذحج بقتيلِ

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا اُرْضِيَتْ بقليلِ

يعني بأسماء ابن خارجة الفزاري ، كان عبيدالله بن زياد بعثه ـ وعمرو بن الحجاج الزبيدي ـ إلى هانئ بن عروة فأعطياه العهود والمواثيق فاقبل معهما [ 56 / أ ] حتى دخل على عبيدالله بن زياد فقتله.

قال : وقضى عمر بن سعد دين مسلم بن عقيل وأخذ جثته فكفّنه ودفنه ، وأرسل رجلاً إلى الحسين فحمله على ناقة واعطاه نفقة ، وامره أن يبلّغه ما قال مسلم بن عقيل فلقيه على أربع مراحل فاخبره.

وبعث عبيدالله برأس مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة إلى يزيد بن معاوية.

وبلغ الحسين قتل مسلم وهانئ ، فقال له ابنه علي الأكبر : يا أبه إرجع فانّهم أهل ( كدر ) وغدر وقلة وفائهم ، ولا يفون لك بشيء ، فقالت بنو عقيل لحسين : ليس هذا بحين رجوع ، وحرّضوه على المضي.

فقال حسين لأصحابه : قد ترون ما يأتينا ، وما أرى القوم إلاّ سيخذلوننا

__________________

(1) هو عبدالله بن الزبير ـ بفتح الزاي ـ الاسدي ، اسد خزيمة ، كوفي ، شاعر مشهور في أيام بني اُميّة ، قيل : مات في زمن الحجّاج ، جمع شعره يحيى الجبوري بالعراق وحقّقه ، له ترجمة مطوّلة في الأغاني وهو الذي قال لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال : ان وراكبها ، وراجع قصّته في تاريخ ابن عساكر ( عبدالله بن جابر ـ عبدالله بن زيد ) ص 506 وله ترجمة في تلخيص المتشابه في الرسم 10 / 23 وفي سير أعلام النبلاء 3 / 383 وراجع المصادر المذكورة في تعاليقها.

والشعر عند الطبري 5 / 379 ثمانية أبيات وفيه : ويقال : قاله الفرزدق.

٦٧

فمن أحبّ أن يرجع فليرجع.

فانصرف عنه [ الذين ] صاروا إليه في طريقه ، وبقي في أصحابه الذين خرجوا معه من مكة ونفير قليل [ من ] من صحبه في الطريق. فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرساً.

قال : وجمع عبيدالله المقاتلة وأمر لهم بالعطاء واعطى الشُّرَط ، ووجّه حصين بن تميم الطهوي إلى القادسية ، وقال له : أقم بها فمن أنكرته فخذه.

وكان حسين قد وجّه قيس بن مسهر الأسدي إلى مسلم بن عقيل قبل أن يبلغه قتله ، فأخذه حصين فوجّه به إلى عبيدالله ، فقال له عبيدالله : قد قتل الله مسلما ! فقم في الناس فاشتم [ 56 / ب ] الكذّاب ابن الكذّاب فصعد قيس المنبر فقال : ايّها الناس انّي تركت الحسين بن علي بالحاجر ، وأنا رسوله إليكم وهو يستنصركم.

فأمر به عبيدالله فطرح من فوق القصر فمات.

ووجّه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح في ألف إلى الحسين ، وقال : سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة ، وجعجع به ، ففعل ذلك الحر بن يزيد.

فاخذ الحسين طريق العذيب حتى نزل الجوف مسقط النجف مما يلي المائتين ، فنزل قصر أبي مقاتل ، فخفق خفقة ثم انتبه يسترجع وقال : انّي رأيت في المنام آنفاً فارساً يسايرنا ويقول : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت انّه نعى إلينا أنفسنا.

ثم سار حتى نزل بكربلاء ، فاضطرب فيه ، ثم قال : أيّ منزل نحن به ؟ قالوا : بكربلاء ، فقال : يوم كرب وبلاء.

فوجّه إليه عبيدالله بن زياد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة الآف ، وقد كان استعمله قبل ذلك على الري وهمذان ، وقطع ذلك البعث معه ، فلمّا أمره بالمسير إلى حسين تأبّى ذلك وكرهه واستعفى منه ، فقال له ابن زياد : اُعطي الله عهداً لئن لم تسر إليه وتقدم عليه لأعزلنّك عن عملك واهدم دارك واضرب

٦٨

عنقك ! قال : إذاً أفعل.

فجاءته بنو زهرة قالوا : ننشدك الله أن تكون أنت الذي [ 57 / أ ] تلي هذا من حسين فتبقى عداوة بيننا وبني هاشم ، فرجع إلى عبيدالله فاستعفاه فأبى ان يعفيه ، فصمّم وسار إليه.

ومع حسين يومئذ حمسون رجلاً ، واتاهم من الجيش عشرون رجلاً ، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلاً.

فلمّا رأى الحسين عمر بن سعد قد قصد له فيمن معه قال : يا هؤلاء اسمعوا يرحمكم الله ، ما لنا ولكم ! ما هذا بكم يا أهل الكوفة ؟! قالوا : خفنا طرح العطاء ، قال : ما عند الله من العطاء خير لكم ، يا هؤلاء دعونا فلنرجع من حيث جئنا ، قالوا : لا سبيل إلى ذلك ، قال فدعوني أمضي إلى الريّ فاجاهد الديلم ، قالوا : لا سبيل إلى ذلك ، قال : فدعوني أذهب إلى يزيد بن معاوية فأضع يدي في يده ، قالوا : لا ، ولكن ضع يدك في يد عبيدالله بن زياد !

قال : امّا هذه فلا ، قالوا : ليس لك غيرها.

وبلغ ذلك عبيدالله ، فهمّ أن يخلّي عنه ، وقال : والله ما عرض لشيء من عملي ، وما أراني إلاّ مخل سبيله يذهب حيث شاء.

قال شمر بن ذي الجوشن الضبابي : انّك والله ان فعلت وفاتك الرجل لا تستقيلها أبداً ، وانّما كان همّة عبيدالله أن يثبت على العراق ، فكتب إلى عمر ابن سعد :

الآن حين تعلّقته حبالنا

يرجو النجاة ولات حين مناص

فناهضه ، وقال لشمر بن ذي الجوشن : سرأنت إلى عمر بن سعد [ 57 / ب ] فان مضى لما أمرته وقاتل حسيناً والاّ فاضرب عنقه ، وأنت على الناس.

قال : وجعل الرجل والرجلان والثلاثة يتسلّلون إلى حسين من الكوفة ، فبلغ ذلك عبيدالله فخرج فعسكر بالنخيلة ، واستعمل على الكوفة عمرو بن

٦٩

حريث ، واخذ الناس بالخروج إلى النخيلة ، وضبط الجسر فلم يترك أحداً يجوزه(1) .

وعقد عبيدالله لحصين بن تميم الطهوي على ألفين ووجّهه إلى عمر بن سعد مدداً له.

وقدم شمر بن ذي الجوشن الضبابي على عمر بن سعد بما أمره به عبيدالله عشية الخميس لتسع خلون من المحرم سنة إحدى وستين بعد العصر ، فنودي في العسكر فركبوا ، وحسين جالس أمام بيته محتبيا ، فنظر إليهم قد اقبلوا فقال للعباس ابن علي بن أبي طالب : إلقهم فسلهم ما بدا لهم ؟ فسألهم فقالوا : أتانا كتاب الأمير يأمرنا أن نعرض عليك أن تنزل على حكمه أو نناجزك ، فقال : إنصرفوا عنا العشيّة حتى ننظر ليلتنا هذه فيما عرضتم ، فانصرف عمر.

وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة فحمدالله واثنى عليه وذكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وما اكرمه الله به من النبوة وما انعم به على اُمته ، وقال :

إنّي لا أحسب القوم إلاّ مقاتلوكم غداّ وقد أذنت لكم جميعاّ فانتم في حلّ مني ، وهذا الليل قد غشيكم ، فمن كانت له منكم قوة فليضم [ 58 / أ ] رجلاً من أهل بيتي إليه وتفرّقوا في سوادكم ، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا

__________________

(1) قال البلاذري في « أنساب الأشراف » صفحة 166 : قالوا : ولمّا بلغ عبيدالله بن زياد إقبال الحسين إلى الكوفة بعث الحصين بن اُسامة التميمي ـ ثمّ أحد بني جشيش بن مالك بن حنظلة ـ صاحب شرطه حتى نزل القادسية ، ونظّم الخيل بينها وبين خفان ، وبينها وبين القطقطانة إلى لعلع.

وقال في صفحة 173 : أمر ابن زياد فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة فلا يترك أحمد يلج ولا يخرج !

وفي صفحة 178 : امر الناس فعسكروا بالنخيلة وأمر أن لا يتخلّف أحد منهم فلا يبقيّن رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكّان إلاّ خرج فعسكر معي فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمّة.

وفي صفحة 179 : ثمّ إنّ ابن زياد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث وأمر القعقاع بن سويد ابن عبدالرحمان بن بجير المنقري بالتطواف بالكوفة في خيل فوجد رجلاً من همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة ، فأتى به ابن زياد فقتله !

فلم يبق بالكوفة محتلم إلاّ خرج إلى العسكر بالنخيلة !... ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلاّ يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق بالحسين.

٧٠

على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، فانّ القوم انّما يطلبونني ، فاذا رأوني لهوا عن طلبكم.

فقال أهل بيته : لا أبقانا الله بعدك ، لا والله لا نفارقك حتى يصيبنا ما اصابك ، وقال ذلك أصحابه جميعا ، فقال : أثابكم الله على ما تنوون الجنة.

291 ـ قال : أخبرنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم الشيباني ، عن سفيان ، عن أبي الجحاف ، عن أبيه :

انّ رجلاً من الأنصار أتى الحسين ، فقال : انّ عليّ ديناً ، فقال : لا يقاتل معي من عليه دين.

292 ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن أبي الأسود العبدي ، عن الأسود بن فيس العبدي ، قال :

قيل لمحمد بن بشير الحضرمي : قد اُسر ابنك بثغر الري ، قال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحبّ أن يؤسر ولا أن أبقى بعده.

فسمع قوله الحسين ، فقال له : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ، قال : أكلتني السباع حياً ان فارقتك ، قال : فاعط ابنك هذه الأثواب يستعين بها في فكاك أخيه ، فاعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

رجع الحديث إلى الأول

فلمّا أصبح يومه الذي قتل فيه رحمة الله عليه قال : اللّهم أنت ثقتي في كل [ 58 / ب ] كرب ، ورجائي في كل شدّة ، وانت لي في كل أمر نزل بي ثقة ، وانت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة.

__________________

(292) رواه ابن عساكر برقم 200 باسناده عن ابن سعد ، وفيه أيضاً : محمد بن بشير كما هو كذلك في أصلنا من الطبقات ، لكن الظاهر انّ كلمة ( محمد بن ) زائدة ، وانما قاله الحسينعليه‌السلام لبشير بن عمرو الحضرمي الكندي : انّ ابنك عمر اُسر بثغر الري وكذا ورد هذا الأسم ( بشير بن عمرو ) في أنساب الأشراف ص 196 وفي تاريخ الطبري 5 : 444 ورد اسمه مشكولاً بالضم والفتح مصغّرا.

ورواه ابن العديم في ترجمة الحسين عليه‌السلام من كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب المجلد 7 الورقة 51 / أ عن أبي نصر بن الشيرازي عن ابن عساكر باسناده عن ابن سعد وفيه أيضاً محمد بن بشير.

٧١

ثم قال حسين لعمر واصحابه : لا تعجلوا حتى أخبركم خبري ، والله ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بانّ السنّةّ قد اُميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطّلت ، فاقدم لعلّ الله تبارك وتعالى يصلح بك اُمة محمد صلّى الله عليه وسلّم ، فأتيتكم فاذ كرهتم فانا راجع عنكم ، وارجعوا إلى أنفسكم فانظروا هل يصلح لكم قتلي أو يحلّ لكم دمي ؟! ألست ابن بنت نبيّكم ابن ابن عمه وابن أول المؤمنين إيماناً ، أوليس حمزة والعباس وجعفر عمومتي ، أو لم يبلغكم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيّ وفي أخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة.

فان صدقتموني والاّ فاسألوا جابر بن عبدالله وأبا سعيد الخدري وأنس بن مالك وزيد بن أرقم.

فقال شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول !

فأقبل الحرّ بن يزيد ـ أحد بني رياح بن يربوع ـ على عمر بن سعد فقال : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ قال : نعم ! قال : أما لكم في واحدة من هذه الخصال التي عرض رضى ؟ قال : لو كان الأمر اليّ فعلت ، فقال : سبحان الله ما اعظم هذا ! أن يعرض ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليكم ما يعرض فتأبونه !

ثم مال [ 59 / أ ] إلى الحسين فقاتل معه حتى قتل ، ففي ذلك يقول الشاعر المتوكل الليثي :

لنعم الحرّ حر بني رياح

وحر عند مشتبك الرماحِ

ونعم الحرّ ناداه حسينٌ

فجاد بنفسه عند الصباحِ

وقال الحسين : أما والله يا عمر ليكوننّ لما ترى يوما يسوؤك ، ثم رفع حسين يده مدّاً إلى السماء فقال :

اللّهم انّ أهل العراق غرّوني وخدعوني وصنعوا بحسن بن علي ما صنعوا ، اللّهم شتّت عليهم أمرهم واحصهم عدداً.

وناوش عمر بن سعد حسيناً ، فكان أول من قاتل مولى لعبيدالله بن زياد يقال له سالم ، نصل من الصف فخرج إليه عبدالله بن تميم بن فقتله ،

٧٢

والحسين جالس عليه جبة خز دكناء وقد وقعت النبال عن يمينه وعن شماله ، وابن له ـ ابن ثلاث سنين ـ بين يديه فرماه عقبة بن بشر الأسدي فقتله.

ورمى عبدالله بن عقبة الغنوي أبابكر بن الحسين بن علي فقتله فقال سليمان بن قتّة :

وعند غني قطرة من دمائنا

وفي أسد اُخرى تعدّ وتذكر

قال : ولبس حسين لامته ، وأطاف به أصحابه يقاتلون دونه حتى قتلوا جميعاً ، وحسين عليه عمامة سوداء وهو مختضب بسواد يقاتل قتال الفارس الشجاع.

قال : ودعا رجل من أهل الشام علي بن حسين الأكبر ـ واُمه آمنة بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود [ 59 / ب ] الثقفي ، واُمّها بنت أبي سفيان بن حرب ـ فقال : إنّ لك بأميرالمؤمنين قرابة ورحما ، فان شئت آمنّاك وامض حيث ما احببت ، فقال : أما والله لقرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان أولى أن تُرعى من قرابة أبي سفيان ، ثم كرّ عليه وهو يقول :

أنا علي بن حسين بن علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

من شمرو عمرو ابن الدّعي

قال : وأقبل عليه رجل من عبدالقيس يقال له : مرّة بن منقذ بن النعمان فطعنه ، فحمل فوضع قريباً من أبيه ، فقال له : قتلوك يا بُنيّ ؟ على الدنيا بعدك العفاء ، وضمّه أبوه إليه حتى مات ، فجعل الحسين يقول :

اللّهم دعونا لينصرونا فخذلونا وقتلونا ، اللّهم فاحبس عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض ، فان متعتّهم إلى حين ففرّقهم شيعاً واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً.

وجاء صبي من صبيان الحسين يشتدّ حتى جلس في حجر الحسين فرماه رجل بسهم فأصاب ثغره نحره فقتله ، فقال الحسين :

اللّهم إن كنت حبست عنّا النصر فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة ، وانتقم لنا من القوم الظالمين.

٧٣

قال : وخرج القاسم بن حسن بن علي وهو غلام عليه قميص ونعلان فانقطع شسع نعله اليسرى فحمل عليه [60 / أ ] عمرو بن سعيد الأزدي فضربه فسقط ونادى : يا عمّاه ، فحمل عليه الحسين فضربه فاتّقاها بيده فقطعها من المرفق فسقط.

وجاءت خيل الكوفيين ليحملوه ، وحمل عليهم الحسين فجالوا ووطؤوه حتى مات ،

ووقف الحسين على القاسم فقال : عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجبيك ، أو يجبيبك فلا ينفعك ، يوم كثر واتره وقلّ ناصره ، وبعداً لقوم قتلوك.

ثم أمر به فحُمل ورجلاه تخطان الأرض حتى وضع مع علي بن حسين.

وعطش الحسين فاستسقى ـ وليس معهم ماء ـ فجاءه رجل بماء فتناوله ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فيه فجعل يتلقّى الدم بيده ويحمد الله.

وتوجّه نحو المسنّاة يريد الفرات ، فقال رجل من بني ابان بن دارم : حولوا بينه وبينه الماء ، فعرضوا فحالوا بينه وبين الماء وهوأمامهم ، فقال حسين : اللّهم اظمه.

ورماه الأباني بسهم فاثبته في حنكه ، فانتزع السهم وتلقّى الدم فملأ كفّه ، وقال : اللّهم انّي أشكو إليك ما فعل هؤلاء.

فما لبث الأباني إلاّ قليلاً حتى رئي وانّه ليؤتى بالقلة أو العسّ ان كان ليروى عدّة فيشربه فإذا نزعه عن فيه قال : اسقوني فقد قتلني العطش ! فما زال بذلك حتى مات.

وجاء شمر بن ذي الجوشن فحال بين الحسين وبين قتله فقال الحسين :

رحلي لكم عن ساعة مباح فامنعوه من لكم وطغامكم [ 60 / ب ] وكونوا في دنياكم أحرارا إذا لم يكن لكم دين.

فقال شمر : ذلك لك يابن فاطمة.

قال : فلمّا قُتل أصحابه وأهل بيته بقي الحسين عامة النهار لا يقدم عليه أحد إلاّ انصرف حتى أحاطت به الرجّالة ، فما رأينا مكثوراً قطّ أربط جأشاً منه ،

٧٤

ان كان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع ، وان كان ليشدّ عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شدّ فيها الأسد.

فمكث مليّاً من النهار والناس يتدافعونه ويكرهون الإقدام عليه ، فصاح بهم شمر بن ذي الجوشن : ثكلتكم اُمهاتكم ! ماذا تنتظرون به ، أقدموا عليه.

فكان أول من انتهى إليه زرعة بن شريك التميمي فضرب كتفه اليسرى وضربه حسين على عاتقه فصرعه.

وبرز له سنان بن أنس النخعي فطعنه في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ، فخرّ الحسين صريعاً ثم نزل إليه ليحتزّ رأسه ونزل معه خولى بن يزيد الأصبحي فاحتزّ رأسه ثم أتى به عبيدالله بن زياد ، فقال :

أوقر ركابي فضة وذهبا

انا قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس اُمّاً وأبا

وخيرهم إذ يُنسبون نسبا

قال : فلم يعطه عبيدالله شيئا(1) .

قال : ووجدوا بالحسين ثلاثاً وثلاثين جراحة ، ووجدوا في ثوبه مائة وبضعة عشر خرقاً من [ 61 / أ ] السهام وأثر الضرب.

وقتل يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين ، وله يومئذ ست وخمسون سنة وخمسة أشهر.

وكان جعفر بن محمد يقول : قتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وقتل مع الحسين اثنان وسبعون رجلاً ، وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلاً.

وقتل مع الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما :

الحسين بن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قتله سنان بن أنس النخعي ، وأجهز عليه وحزّ رأسه الملعون خولى بن يزيد الأصبحي.

والعباس بن علي بن أبي طالب الأكبر ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم السنبسي من طي.

__________________

(1) حكاه سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة ص 256 عن الطبقات.

٧٥

وجعفر بن علي بن أبي طالب الأكبر ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي وعبدالله بن علي بن أبي طالب ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.

قال : وقد كان العباس بن علي قال لجعفر وعبدالله ابني علي : تقدّما فان قُتلتما ورثتكما ، وإن قُتلت بعد كما ورثني ولدي ، وان قُتلت قبلكما ثم قُتلتما ورثكما محمد بن الحنفية ! فتقدّما فقتلا ولم يكن لهما ولد ثم قتل العباس بعدهما.

وعثمان بن علي بن أبي طالب ، رماه خولى بن يزيد بسهم فاثبته ، واجهز عليه رجل من بني ابان بن دارم.

وأبوبكر بن علي بن أبي طالب ، يقال : انّه قُتل في ماقيه [ 61 / ب ].

ومحمد بن علي بن أبي طالب الأصغر ـ واُمه اُم ولد ـ ، قتله رجل من بني ابان بن دارم.

وعلي بن حسين الأكبر ، قتله مرّة بن النعمان العبدي.

وعبدالله بن الحسين ، قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي وجعفر بن الحسين.

وأبوبكر بن الحسين بن علي ، قتلهما عبدالله بن عقبة الغنوي.

وعبدالله بن الحسين ، قتله ابن حرملة الكاهلي من بني أسد.

والقاسم بن الحسن ، قتله سعيد بن عمرو الأزدي.

وعون بن عبدالله بن جعفر ، قتله عبدالله بن قطبة الطائي.

ومحمد بن عبدالله بن جعفر ، قتله عامر بن نهشل التميمي.

ومسلم بن عقيل بن أبي طالب ، قتله عبيدالله بن زياد بالكوفة صبراً.

وجعفر بن عقيل ، قتله بشربن حوط الهمداني ، ويقال : عروة بن عبدالله الخثعمي.

وعبدالرحمان بن عقيل ، قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشر بن حوط.

وعبدالله بن عقيل ـ واُمه اُم ولد ـ ، قتله عمرو بن صبح الصدائي.

وعبدالله بن عقيل ـ الآخر ، واُمه اُم ولد ـ ، قتله عمرو بن صبح الصدائي ويقال : قتله اُسيد بن مالك الحضرمي.

٧٦

ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل ، قتله لقيط الجهني ورجل من آل أبي لهب لم يسمّ لنا.

ورجل من آل أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب يقال له : أبوالهياج وكان شاعراً.

وسليمان مولى الحسين بن علي ، قتله سليمان بن عوف الحضرمي [ 62 / أ ] ومنجح مولى الحسين بن علي.

وعبدالله بن يقطر ـ رضيع الحسين ـ ، قُتل بالكوفة ، رُمي به من فوق القصر فمات ، وهو الذي قيل فيه :

....................................

وآخر يهوى من طمار قتيل

وكان من قتل معهرضي‌الله‌عنه من سائر الناس من قبائل العرب من القبيلة الرجل والرجلان والثلاثة ممّن صبر معه.

وقد كان ابنا عبدالله بن جعفر لجئا إلى امرأة عبدالله بن قطبة الطائي ثم النبهاني ، وكانا غلامين لم يبلغا ، وقد كان عمر بن سعد أمر مناديا فنادى : من جاء برأس فله ألف درهم ، فجاء ابن قطبة إلى منزله فقالت له امرأته : انّ غلامين لجئا إلينا فهل لك ان تشرف بهما فتبعث بهما إلى أهلهما بالمدينة ؟ قال : نعم أرنيهما ، فلمّا رآهما ذبحهما وجاء برؤسهما إلى عبيدالله بن زياد فلم يعطه شيئاً ، فقال عبيدالله : وددت أنّه كان جاءني بهما حيّين فمننت بهما على أبي جعفر ـ يعني عبدالله بن جعفر ـ.

وبلغ ذلك عبدالله بن جعفر ، فقال : وددت انّه كان جاءني بهما فاعطيته ألفي ألف.

ولم يفلت من أهل بيت الحسين بن علي الذين معه إلاّ خمسة نفر :

علي بن حسين الأصغر ، وهو أبو بقية ولد الحسين بن علي اليوم ، وكان مريضاً فكان مع النساء.

وحسن بن حسن بن علي ، وله بقية.

وعمرو بن حسن بن علي ، ولا بقية له.

٧٧

والقاسم بن عبدالله بن جعفر [ 62 / ب ].

ومحمد بن عقيل الأصغر.

فانّ هؤلاء اُستضعفوا فقدم بهم وبنساء الحسين بن علي وهنّ :

زينب وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب.

وفاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي.

والرباب بنت أنيف الكلبية امرأة الحسين بن علي ، وهي اُم سكينة وعبدالله المقتول ، ابني الحسين بن علي.

واُم محمد بنت حسن بن علي ، امرأة علي بن حسين.

وموالي لهم ومماليك عبيد واماء قدم بهم على عبيدالله بن زياد مع رأس الحسين بن علي ورؤوس من قتل معهرضي‌الله‌عنه وعنهم.

ولمّا قُتل الحسينرضي‌الله‌عنه انتهب ثقله فأخذ سيفه الفلافس النهشلي ،

واخذ سيفاً آخر جُميع بن الخلق الأودي.

واخذ سراويله بحر الملعون بن كعب التميمي ، فتركه مجرداً !

واخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الكندي ، فكان يقال له : قيس قطيفة.

واخذ نعليه الأسود بن خالد الأودي.

واخذ عمامته جابر بن يزيد.

واخذ برنسه ـ وكان من خزّ ـ مالك بن بشير الكندي.

واخذ رجل من أهل العراق حلي فاطمة بنت حسين وهو يبكي ! فقالت : لم تبكي ؟ فقال : أسلب ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا أبكي ؟! فقالت : دعه ، انّي أخاف أن يأخذه غيري !!

وكان علي بن حسين الأصغر مريضاً نائماً على فراش ، فقال شمر بن ذي الجوشن الملعون : اُقتلوا هذا ! فقال له رجل من أصحابه : [ 63 / أ ] سبحان الله أتقتل فتى حدثاً مريضاً لم يقاتل !

وجاء عمر بن سعد فقال : لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض.

٧٨

قال علي بن حسين : فغيّبني رجل منهم واكرم نزلي واحتضنني وجعل يبكي كلّما خرج ودخل حتى كنت أقول : ان يكن عند أحد من الناس وفاء فعند هذا ، إلى أن نادى منادي ابن زياد : ألا من وجد علي بن حسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلاثمائة درهم.

قال : فدخل والله عليّ وهو يبكي وجعل يربط يدي إلى عنقي ! وهو يقول : أخاف ! فاخرجني والله إليهم مربوطاً حتى دفعني إليهم واخذ ثلاثمائة درهم وأنا أنظر إليها.

فاُخذت فادخلت على ابن زياد ، فقال : ما اسمك ؟ فقلت : علي بن حسين ، قال : أولم يقتل الله علياً ؟ قال : قلت : كان لي أخ يقال له علي أكبر مني قتله الناس ، قال : بل الله قتله ، قلت : الله يتوفّى الأنفس حين موتها ، فأمر بقتله ، فصاحت زينب بنت علي بابن زياد : حسبك من دمائنا ، أسألك بالله ان قتلته إلاّ قتلتني معه ، فتركه.

قال : ولمّا أمر عمر بن سعد بثقل الحسين ان يدخل الكوفة إلى عبيدالله ابن زياد وبعث إليه برأسه مع خولى بن يزيد الأصبحي.

فلمّا حُمل النساء والصبيان فمرّوا بالقتلى صرخت امرأة منهم : يا محمداه ، هذا حسين بالعراء ، مزمل بالدماء ، واهله ونساؤه سبايا ، فما بقي صديق ولا عدو إلاّ أكبّ باكياً.

ثم قدم بهم على عبيدالله [ 63 / ب ] بن زياد فقال عبيدالله : من هذه ؟ فقالوا : زينب بنت علي بن أبي طالب ! فقال : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قالت : كُتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بيننا وبينك وبينهم.

قال : الحمد لله الذي قتلكم وأكذب حديثكم ، قالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهّرنا تطهيراً.

فلما وضعت الرؤوس بين يدي عبيدالله بن زياد جعل يضرب بقضيب معه على في الحسين ! وهو يقول :

٧٩

يفلقن هاما من اناس أعزّة

علينا وهم كانوا أعق وأشأما

فقال له زيد بن أرقم : لو نحيت هذا القضيب فانّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يضع فاه على موضع هذا القضيب(1) .

293 ـ قال : أخبرنا سليمان بن حرب ، قال : حدّثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس بن مالك ، قال : شهدت عبيدالله بن زياد حيث اُتي برأس الحسينرضي‌الله‌عنه ، قال : فجعل ينكت بقضيب معه على أسنانه ويقول : إنْ كان لحسن الثغر ! قال : فقلت : والله لأسوأنّك فقلت : أما انّي قد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّل موضع قضيبك من فيه.

رجع الحديث الى الاول

قالوا : وأمر عبيدالله برأس الحسين فنُصب.

294 ـ قال : أخبرنا محمد بن عمر [ 64 / أ ] قال : حدّثنا عطاء بن مسلم ، عن من أخبره ، عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش ، قال : أول رأس رُفع

__________________

(293) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب مناقب الحسن والحسين بإسناد آخر عن أنس وفيه: فجعل ينكت ، وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنس : كان أشبههم برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.

ورواه الترمذي في سننه 5 : 659 برقم 3778 بإسناد آخر عن أنس ، وفيه : فجعل يقول بقضيب له في أنفه ، ويقول : ما رأيت مثل هذا حسنا ! قلت : أما انّه كان ثم قال : هذا حديث حسن صحيح غريب.

ورواه ابوبكر الشافعي في الغيلانيات عن إسماعيل بن اسحاق عن سليمان بن حرب.

فقلت : أما إنّه كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ابن عساكر في الحسين ص 30 من رقم 48.

وخرجه ابن الضّحاك كما في ذخائر العقبى ص 127.

ورواه القطيعي في زيادات الفضائل عن الكجي عن سليمان بن حرب عن حمّاد بالإسناد واللفظ ، ورواه أسلم بن سهل بحشل في تاريخ واسط ص 245 ـ 246 بإسناد آخر عن أنس وفيه فجعل يقول بقضيبه في أنفه ! فقلت : إنّه كان أشبههم برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ.

وأخرجه القطيعي في زيادات الفضائل بإسناده عن أنس بلفظ أسلم وأخرجه أيضاً بإسناد آخر ولفظه فجعل ينكت بقضيب في يده ...

الفائق 1 / 419 ، ابن حسّان 184 ب ، مورد الضمآن رقم 2243.

كنز العمال 13 / 672 عن الخطيب في المتفق والمفترق.

٨٠