كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة0%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 686
المشاهدات: 137055
تحميل: 7431


توضيحات:

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137055 / تحميل: 7431
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

ومن أنت! فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرَّحمن عزَّ وجلَّ، فدعوت الله عزَّ وجلَّ عند ذلك وسألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيمعليه‌السلام : فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني، فقال له الرَّجل عند ذلك: الحمدالله ربّ العالمين الّذي أجاب دعوتي قال: ثمّ قبل الرَّجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقة، ثمّ قال: الان فنعم وداع(١) حتّى اؤمنّ على دعائك، فدعا إبراهيمعليه‌السلام للمؤمنين والمؤمنات المذنبين من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة والرِّضا عنهم، قال: وأمنَّ الرَّجل على دعائه، [ قال ] فقال أبو جعفرعليه‌السلام : فدعوة إبراهيم بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة.

٥

( باب )

* (في غيبة يوسفعليه‌السلام ) *

وأمّا غيبة يوسفعليه‌السلام فإنّها كانت عشرين سنة لم يدهّن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب لم يمسَّ النِّساء حتّى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيّام في الجبِّ، وفي السّجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنية. وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيّام فاختلفت عليه الاحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثمّ إلقائهم إيّاه في غيابت الجبّ، ثمّ بيعهم إيّاه بثمن بخس دراهم معدودة، ثمّ بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثمّ بالسجن بضع سنين، ثمّ صار إليه بعد ذلك ملك مصر(٢) ، وجمع الله - تعالى ذكره - شمله وأراده تأويل رؤياه.

٩ - حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويهرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة، عن أحمد بن الحسن الميثميِّ، عن الحسن الواسطيِّ، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قدم أعرابيُّ على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه، فلمّا فرغ قال له يوسف: أين منزلك؟

__________________

(١) في الكافي « فقم وادع »

(٢) الّذي يظهر من القرآن وبعض الأخبار أنَّه صار عزيز مصر لا ملكه، والعزيز رئيس الدولة، والملك هو فرعون مصر.

١٤١

قال له: بموضع كذا وكذا: فقال له: فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد: يا يعقوب! يا يعقوب! فإنّه سيخرج إليك رجلٌ عظيمٌ جميلٌ جسيمٌ وسيمٌ، فقل له: لقيت رجلاً بمصر وهو يقرئك السّلام ويقول لك: إنَّ وديعتك عند الله عزَّ وجلَّ لن تضيع، قال: فمضى الأعرابيُّ حتّى انتهى إلى الموضع فقال لغلمانه: احفظوا علىَّ الابل ثمّ نادي: يا يعقوب! يا يعقوب! فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتّقي الحائط بيده حتّى أقبل فقال له الرّجل: أنت يعقوب؟ قال: نعم فأبلغه ما قال له يوسف قال: فسقط مغشيّاً عليه، ثمّ أفاق فقال: يا أعرابيُّ ألك حاجة إلى الله عزوجل؟ فقال له: نعم إنّي رجلٌ كثير المال ولي ابنة عمٍّ ليس يولد لى منها واحبُّ أن تدعو الله أن يرزقني ولداً، قال: فتوضّأ يعقوب وصلّى ركعتين ثمّ دعا الله عزَّ وجلَّ، فرزق أربعة أبطن أوقال ستة أبطن في كلِّ بطن اثنان.

فكان يعقوبعليه‌السلام يعلم أنَّ يوسفعليه‌السلام حيٌّ لم يمت وأنَّ الله - تعالى ذكره - سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه: «إنّي أعلم من الله ما لا تعلمون »(١) وكان أهله وأقرباؤه يفنّدونه على ذكره ليوسف حتّى أنَّه لمّا وجد ريح يوسف قال: «إنّى لاجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون *قالوا تالله إنّك لفي ضلالك القديم *فلمّا أن جاء البشير (وهو يهودا ابنه وألقى قميص يوسف)على وجهه فارتدّ بصيراً *قال ألم أقل لكم إنّى أعلم من الله مالا تعلمون »(٢) .

١٠ - حدّثنا محمّد بن علىٍّ ماجيلويهرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن - يحيى العطّار قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اورمة، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السِّراج، عن بشر بن جعفر، عن المفضّل - الجعفيِّ أظنّه -(٣) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: أرتدي ماكان قميص يوسفعليه‌السلام ؟ قلت: لاقال: أنَّ إبراهيمعليه‌السلام لمّا اوقدت له النّار أتاه جبرئيلعليه‌السلام بثوب من ثياب الجنّة وألبسه إيّاه فلم يضرَّه معه حر ولابرد، فلمّا حضر إبراهيم

__________________

(١) يوسف: ٩٨.

(٢) يوسف: ٩٥ - ٩٨.

(٣) في الكافي ج ١ ص ٢٣٢ « عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ».

١٤٢

الموت جعله في تميمة(١) وعلقه إسحاق، وعلّقه إسحاق على يعقوب، فلمّا ولد ليعقوب يوسف علّقه عليه، وكان في عضده حتّى كان من أمره ماكان، فلمّا أخرج يوسف القميص من التميمة، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله:إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون »(٢) فهو ذلك القميص الّذي انزل من الجنّة، قال: قلت: جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: إلى أهله ثمّ قال: كلُّ نبيٍّ ورث علما أو غيره فقد انتهي إلى ]آل[ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فروي « أنَّ القائمعليه‌السلام إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمانعليهم‌السلام ».

والدَّليل على أنَّ يعقوبعليه‌السلام علم بحياة يوسفعليه‌السلام وأنّه إنّما غيّب عنه لبلوي واختبار: أنَّه لمّا رجع إليه بنوه يبكون قال لهم: يا بني لم تبكون وتدعون بالويل؟ ومالي ما أري فيكم حبيبي يوسف؟ «قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذِّئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين »(٣) هذا قميصه قد أتيناك به، قال: ألقوه إلىَّ، فألقوه إليه وألقاه على وجهه فخرَّ مغشيّاً عليه، فما أفاق قال لهم: يا بنىَّ ألستم تزعمون أنَّ الذئب قد أكل حبيبي يوسف؟ قالوا: نعم، قال: مالي لا أشمُّ ريح لحمه؟! ومالي أري قميصه صحيحا؟ هبوا أنَّ القميص(٤) انكشف من أسفله أرأيتم ماكان في منكبيه وعنقه كيف خلص إليه الذِّئب من غير أن يخرقه، إنَّ هذا الذِّئب لمكذوب عليه، وإنَّ ابني لمظلوم «بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون » وتولّى عنهم ليلتهم تلك لا يكلّمهم وأقبل يرثي يوسف ويقول: حبيبي يوسف الّذى اوثره جميع أولادي فاختلس منّى حبيبي يوسف

__________________

(١) التميمة: الخرزة الّتي تعلق على الانسان وغيره من الحيوانات، ويقال لكل عوذة تعلق عليه.

(٢) يوسف: ٩٥ والتفنيد: النسبة إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من الهرم.

(٣) يوسف: ١٨

(٤) أي احسبوا. تتقول: هب زيدا منطلقا بمعنى احسب، يتعدي إلى مفعولين ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعنى (الصحاح).

١٤٣

الذي كنت أرجوه من بين أولادي فاختلس منّي، حبيبي يوسف الّذي اوسده يميني وادثره بشمالي فاختلس منّي، حبيبي يوسف الّذي كنت أونس به وحدتي فاختلس منّي، حبيبي يوسف ليت شعري في أيِّ الجبال طرحوك، أم في أيِّ البحار غرقوك، حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني الّذي أصابك.

ومن الدّليل على أنَّ يعقوبعليه‌السلام علم بحياة يوسفعليه‌السلام وأنّه في الغيبة قوله: «عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً »(١) وقوله لبنيه «يا بنيَّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله أنَّه لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : إنَّ يعقوبعليه‌السلام قال لملك الموت: أخبرني عن الارواح تقبضها مجتمعة أو متفرِّقة؟ قال: بل متفرِّقة قال: فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الأرواح؟ قال: لا، فعند ذلك قال لبنيه: « يا بنيَّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه » فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائبعليه‌السلام حال يعقوبعليه‌السلام في معرفته بيوسف وغيبته وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أهله وأقربائه(٣) الّذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف وغيبته حتّى قالوا لابيهم يعقوب: «تالله إنّك لفي ضلالك القديم ». وقول يعقوب - لمّا ألقى البشير قميص يوسف على وجهه فارتدَّ بصيراً -: « ألم أقل لكم إنّي أعلم من الله مالا تعلمون » دليلٌ على أنَّه قد كان علم أنَّ يوسف حيٌّ وإنّه إنّما غيب عنه للبلوي والامتحان.

١١ - حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ، عن أحمد بن هلال، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيّوب، عن سدير قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إنَّ في القائم سنّة من يوسف، قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته؟ فقال لي: وما تنكر هذه الاُمّة أشباه الخنازير أنَّ إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخو هم فلم يعرفوه حتّى قال لهم: « أنا يوسف وهذا أخي » فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون الله عزَّ وجلَّ في وقت

__________________

(١) يوسف: ٨٤.

(٢) يوسف: ٨٨.

(٣) في بعض النسخ « حال اخوة يوسف ».

١٤٤

من الاوقات يريد أن يستر حجّته عنهم لقد كان يوسف يوماً ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً(١) فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرِّفه مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة أيّام إلى مصر، فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون الله عزَّ وجلَّ يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه حتّى يأذن الله عزَّ وجلَّ له أن يعرِّفهم نفسه كما أذن ليوسفعليه‌السلام حين قال لهم: «هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون *قالوا إنّك لانت يوسف *قال أنا يوسف وهذا أخي (٢) ».

٦

( باب )

* (في غيبة موسيعليه‌السلام ) *

١٢ - وأما غيبة موسى النبيّعليه‌السلام فإنه حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أبو سعيد سهل بن زياد الأدميُّ الرازيُّ قال: حدّثنا محمّد بن آدم النسائي(٣) ، عن أبيه آدم بن أبي إياس قال: حدّثنا المبارك بن فضالة عن سعيد بن جبير، عن سيّد العابدين عليِّ بن الحسين، عن أبيه سيّد الشّهداء الحسين بن علىٍّ، عن أبيه سيّد الوصيّين أمير المؤمنين علىٍّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا حضرت يوسفعليه‌السلام الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثمّ حدّثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالي وتذبح الاطفال حتّى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب، وهو رجل أسمر طوال، ونعّته لهم بنعته، فتمسّكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدَّة على بني إسرائيل

__________________

(١) قد مر ويأتي أنَّه مسيرة تسعة أيّام ولعله مبني على سرعة السير عند البشارة.

(٢) يوسف: ٩٠.

(٣) كذا والظاهر أنَّه عبيد بن آدم بن اياس العسقلاني فصحف وليس هو محمّد بن آدم ابن سليمان الجهني المصيصي الّذي روى عن سعيد بن جبير.

١٤٥

وهم منتظرون قيام القائم أربع مائة سنة حتّى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدَّت عليهم البلوى، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلبُ الفقيه الّذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه فقالوا: كنّا مع الشدّة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الامر، وكانت ليلة قمراء، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم موسىعليه‌السلام وكان في ذلك الوقت حديث السنِّ وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خزِّ، فلمّا رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكبَّ على قدميه فقّبلهما ثمّ قال: الحمد لله الّذي لم يُمتني حتّى أرانيك، فلمّا رأى الشيعة ذلك علموا أنَّه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكراً لله عزَّ وجلَّ، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجّل الله فرجكم(١) ، ثمّ غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشدَّ عليهم من الاولى وكان نيّفاً وخمسين سنة واشتدَّت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه أنَّه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب نفوسهم(٢) وأعلمهم أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إليه أنَّه مفرِّج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه(٣) قل لهم: قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم « الحمد لله »، فقالوا: كلُّ نعمة فمن الله، فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرين سنة، فقالوا: لا يأتي بالخير إلّا الله، فأوحى الله إليه قل لهم: قد جعلتها عشرا، فقالوا: لا يصرف السوء إلّا الله، فأوحى الله إليه قل لهم: لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ طلع موسىعليه‌السلام راكباً حماراً. فأراد الفقيه أن يعرِّف الشّيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتّى وقف عليهم فسلّم عليهم فقال له الفقيه: ما اسمك؟ فقال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: ابن من؟

____________

(١) أي قال موسىعليه‌السلام : ارجو أن يعجل الله تعالى فرجكم، ولم يزد على هذا الدعاء ولم يتكلم بشيء آخر سوي ذلك ثمّ غاب عنهم.

(٢) في بعض النسخ « وطيب قلوبهم ».

(٣) أي الى الفقيه ولعله كان نبيّاً أو المراد الالهام كما كان لام موسىعليه‌السلام .

١٤٦

قال: ابن قاهث(١) بن لاوي بن يعقوب، قال: بماذا جئت؟ قال: جئت بالرِّسالة من عند الله عزَّ وجلَّ، فقام إليه فقبّل يده، ثمّ جلس بينهم فطيّب نفوسهم وأمرهم أمره ثمّ فرَّقهم، فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة.

١٣ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله؛ وعبد الله بن جعفر الحميريُّ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار؛ وأحمد ابن إدريس جميعاً قالوا: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيِّ، عن أبان بن عثمان، عن محمّد الحلبيِّ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: أنَّ يوسف ابن يعقوب صلوات الله عليهما حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً فقال: أنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم ويسومونكم سوء العذاب وإنّما ينجيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمرانعليه‌السلام ، غلامٌ طوال جعد آدم. فجعل الرَّجل من بني إسرائيل يسمّي ابنه عمران ويسمّي عمران ابنه موسى.

فذكر أبان بن عثمان، عن أبي الحسين(٢) عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنَّه قال: ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذابا من بني إسرائيل كلهم يدعي أنَّه موسى ابن عمران.

فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام(٣) وقال له كهنته وسحرته: أنَّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العام من بني إسرائيل. فوضع القوابل على النساء وقال: لا يولد العام ولد إلّا ذبح، ووضع على اُمِّ موسى قابلة فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا: إذا ذبح الغلمان واستحيي النساء هلكنا، فلم نبق، فتعالوا: لانقرب النساء، فقال عمران أبو موسىعليه‌السلام : بل باشروهنَّ فإنَّ أمر الله واقع ولو كره المشركون، اللّهمّ من حرَّمه فإني لا احرِّمه، ومن تركه فإني لا أتركه،

__________________

(١) بالقاف فالهاء ثمّ الثاء المثلثة كما في المعارف لابي قتيبة.

(٢) في بعض النسخ « أبي الحصين ».

(٣) في بعض النسخ « يرجعون به ويظنون هذا الغلام ». وأرجف القوم بالاخبار إي خاضوا فيها وافتتنوا.

١٤٧

ووقع على اُمِّ موسى(١) فحملت، فوضع على اُمِّ موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت وإذا قعدت قعدت، فلمّا حملته اُمّه وقعت عليها المحبّة وكذلك حجج الله على خلقه، فقالت لها القابلة: مالك يا بنيّة تصفرِّين وتذوبين؟ قال: لا تلوميني فإنّي إذا ولدت اُخذ ولدي فذبح، قالت: لا تحزني فإنى سوف أكتم عليك، فلم تُصدِّقها، فلمّا أن ولدت إلتفت إليها وهي مقبلة فقالت: ما شاء الله، فقالت لها: ألم أقل: إنّي سوف أكتم عليك، ثمّ حملته فأدخلته المخدع(٢) وأصلحت أمره، ثمّ خرجت إلى الحرس فقالت: انصرفوا - وكانوا على الباب - فإنما خرج دم منقطع فانصرفوا، فأرضعته فلمّا خافت عليه الصوت أوحى الله إليه أن اعملي التابوت، ثمّ اجعليه فيه، ثمّ أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر فوضعته في التابوت، ثمّ دفعته في اليم، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر، وان الريح ضربته فانطلقت به، فلمّا رأته قد ذهب به الماء همت أن تصيح فربط الله على قلبها.

قال: وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل، قالت لفرعون: إنّها أيّام الربيع فأخرجني واضرب لي قبّة على شطِّ النّيل حتّى أتنزّه هذه الأيّام، فضربت لها قبّة على شط النيل إذ أقبل التابوت يريدها، فقالت: هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا: إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئاً، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها وكاد الماء يغمرها حتّى تصايحوا عليها فجذبته وأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها، فإذا هو غلام أجمل النّاس وأسترهم فوقعت عليها منه محبّة، فوضعته في حجرها وقالت: هذا ابني، فقالوا: إي والله يا سيدتنا والله مالك ولدٌ ولا للملك فاتّخذي هذا ولداً، فقامت إلى فرعون وقالت: إنّي أصبت غلاماً طيّباً حلواً نتّخذه ولداً فيكون قرَّة عين لي ولك فلا تقتله، قال: ومن أين هذا الغلام؟ قالت: والله ما أدري إلّا أنَّ الماء جاء به، فلم تزل به حتّى رضي، فلمّا سمع النّاس أنَّ الملك قد تبنى ابنا لم يبق أحد من رؤوس من كان مع فرعون إلّا بعث إليه امرأته لتكون له ظئراً أو تحضنه

__________________

(١) في بعض النسخ « وباشر ام موسى ».

(٢) المخدع والمخدع - بالكسر والضم -: الخزانة والبيت الداخل.

١٤٨

فأبى أن يأخذ من امرأة منهنَّ ثدياً، قال امرأة فرعون: اطلبوا لابني ظئراً ولا تحقّروا أحداً، فجعل لا يقبل من امرأة منهنَّ، فقالت اُمّ موسى لاخته: قصّيه(١) انظري أترين له أثراً، فانطلقت حتّى أتت باب الملك فقالت: قد بلغني أنّكم تطلبون ظئراً وههنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفّله لكم، فقالت: ادخلوها، فلمّا دخلت قالت لها امرأة فرعون: ممّن أنت؟ قالت: من بني إسرائيل قالت: اذهبي بابنيّة فليس لنا فيك حاجة، فقلن لها النّساء: انظري عافاك الله يقبل أولا يقبل، فقالت امرأة فرعون: أرأيتم لو قبل ها يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل - يعني الظئر - فلا يرضى قلن: فانظري يقبل أولا يقبل، قالت امرأة فرعون: فاذهبي فادعيها، فجاءت إلى اُمّها وقالت: أنَّ امرأة الملك تدعوك فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها، ثمّ ألقمته ثديها فازدحم اللّبن في حلقه، فلمّا رأت امرأة فرعون أنَّ ابنها قد قبل قامت إلى فرعون فقالت: إنّي قد أصبت لابني ظئراً وقد قبل منها، فقال: ممّن هي؟ قالت: من بني إسرائيل قال: فرعون هذا ممّا لا يكون أبداً، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني اسرائيل فلم تزل تكلّمة فيه وتقول: ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشؤ في حجرك حتّى قلبته عن رأيته ورضي.

فنشأ موسىعليه‌السلام في آل فرعون وكتمت اُمّه خبره واخته والقابلة، حتّى هلكت اُمّه والقابلة الّتي قبلته، فنشأعليه‌السلام لا يعلم به بنو إسرائيل قال: وكانت بنو إسرائيل تطلبه وتسأل عنه فيعمى عليهم خبره، قال: فبلغ فرعون أنّهم يطلبونه ويسألون عنه، فأرسل إليهم فزاد في العذاب عليهم، وفرَّق بينهم ونهاهم عن الأخبار به والسؤال عنه، قال: فخرجت بنو إسرائيل ذات ليلة مقمرة إلى شيخ لهم عنده عليم فقالوا: قد كنّا نستريح إلى الاحاديث فحتّى متى وإلى متى نحن في هذا البلاء؟ قال: والله إنّكم لا تزالون فيه حتّى يجييء الله تعالى ذكره بغلام من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسى بن عمران غلام طوال جعد فبينماهم كذلك إذ أقبل موسى يسير على بغلة حتّى وقف عليهم، فرفع الشيخ

__________________

(١) يعني اتبعيه، يقال: قص الاثر واقتصه إذا تبعه.

١٤٩

رأسه فعرفه بالصّفة فقال له: ما اسمك يرحمك الله؟ قال: موسى، قال: ابن من؟ قال: ابن عمران، قال: فوثب إليه الشيخ فأخذ بيده فقبّلها وثاروا إلى رجله فقبّلوها فعرفهم وعرفوه واتّخذ شيعة.

فمكث بعد ذلك ما شاء الله، ثمّ خرج فدخل مدينة لفرعون فيها رجلٌ من شيعته يقاتل رجلاً من ال فرعون من القبط، فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوه القبطيِّ فوكزه موسى فقضي عليه، وكان موسىعليه‌السلام قد اُعطى بسطة في الجسم وشدَّة في البطش، فذكره النّاس وشاع أمره، وقالوا: إنَّ موسى قتل رجلاً من آل فرعون فأصبح في المدينة خائفا يترقّب فلمّا أصبحوا من الغد إذا الرَّجل الّذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر، فقال له موسى: إنّك لغويٌّ مبين، بالامس رجل واليوم رجل «فلمّا أراد أن يبطش بالّذي هو عدوٌّ لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلّا أن تكون جّباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصليحن *وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى أنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّى لك من الناصحين *فخرج منها خائفاً يترقّب »(١) فخرج من مصر بغير ظهر(٢) ولادابّة ولا خادم، تخفضه أرض وترفعه اخرى حتّى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فإذا تحتها بئر وإذا عندها امة من النّاس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غنيمة لهما، قال: ما خطبكما قالتا: أبونا شيخ كبير ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرِّجال فإذا سقى النّاس سقينا، فرحمهما موسىعليه‌السلام فأخذ دلوهما وقال لهما: قدِّ ما غنمكما فسقى لهما، ثمّ رجعتا بكرة قبل النّاس، ثمّ تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها، « فقال ربِّ إنى لمّا أنزلت إلى من خير فقير » - فروي أنَّه قال ذلك وهو محتاج إلى شقِّ تمرة - فلمّا رجعتا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه السّاعة؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقي لنا، فقال لاحديهما إذهبي فادعيه لى فجاءته تمشي

__________________

(١) راجع سورة القصص ١٤ إلى ٢٠.

(٢) أي بلا رفيق ومعين أو بغير زاد وراحلة.

١٥٠

على استحياء قالت إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا. فروي أنَّ موسىعليه‌السلام قال لها: وجّهني إلى الطريق وامشي خلفي فإنّا بنو يعقوب لاننظر في أعجاز النساء «فلمّا جاءه وقصَّ عليه القصص قال: لا تخف نجوت من القوم الظالمين *قالت إحديهما يا أبت استأجره أنَّ خير من استأجرت القويُّ الأمين *قال إنّي اريد أن أنكحت إحدي ابنتيَّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإنَّ أتممت عشراً فمن عندك ». فروي أنَّه قضى أتمّهما لأنّ الأنبياءعليهم‌السلام لا يأخذون إلّا بالفضل والتمام. فلمّا قضي موسى الأجل وسار بأهله نحوبيت المقدس أخطأ عن الطريق ليلا فرأي نارا فقال لاهله: امكثوا إنى آنست نارا لعلى آتيكم منها بقبس أو بخبر من الطريق، فلمّا انتهى إلى النار إذا شجرة تضطرم(١) من أسفلها إلى أعلاها، فلمّا دنا منها تأخرت عنه فرجع وأوجس في نفسه خيفة، ثمّ دنت منه الشجرة فنودي من شاطيء الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة أنَّ يا موسى إنّى أنا الله ربُّ العالمين، وأن ألق عصاك فلمّا رآها تهتز كأنها جان ولى مدبر اولم يعقب فإذا حية مثل الجذع لاسنانها(٢) صرير يخرج منها مثل لهب النّار، فولى موسى مدبرا فقال له ربّه عزَّ وجلَّ: ارجع فرجع وهو يرتعد وركبتاه تصطكّان، فقال: يا إلهي هذا الكلام الّذي أسمع كلامك؟ قال: نعم فلا تخف، فوقع عليه الامان فوضع رجله على ذنبها، ثمّ تناول لحييها فإذا يده في شعبة العصا قد عادت عصا، وقيل له: اخلع نعليك إنّك بالواد المقدِّس طوي.

فروى أنَّه أمر بخلعهما لانّهما كانتا من جلد حمار ميّت.

[ وروي في قوله عزَّ وجلَّ «فاخلع نعليك » أي خوفيك: خوفك من ضياع أهلك وخوفك من فرعون ].

ثمَّ أرسله الله عزَّ وجلَّ إلى فرعون وملائه بآيتين بيده والعصا. فروي عن الصادقعليه‌السلام أنَّه قال لبعض أصحابه: كن لمّا لا ترجو أرجى منك لمّا ترجو، فإنَّ موسى

__________________

(١) الضرام: اشتعال النار واضطرمت النار إذا التهبت. (الصحاح).

(٢) في بعض النسخ « لانيابها ». والجذع من الدواب الشاب الفتى فمن الابل ما دخل في السنة الخامسة ومن البقر والمعز ما في الثانية ومن الضأن ما تمت له سنة.

١٥١

ابن عمرانعليه‌السلام خرج ليقتبس لأهله ناراً، فرجع إليهم وهو رسولٌ نبيٌّ فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسىعليه‌السلام في ليلة، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الائمّةعليهم‌السلام ، يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيّه موسىعليه‌السلام ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور.

١٤ - حدّثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثنا المعلّى بن محمّد البصريّ، عن محمّد بن جمهور؛ وغيره، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: في القائمعليه‌السلام سنة من موسى بن عمرانعليه‌السلام فقلت: وما سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال: ثماني وعشرين سنة.

١٥ - وحدثنا أبو العبّاس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق المكتبرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن عبد الله بن منصور قال: حدّثنا محمّد بن هارون الهاشميُّ قال: حدّثنا أحمد بن عيسى قال: حدّثنا أبو الحسين أحمد بن سليمان الرُّهاويّ(١) قال: حدّثنا معاوية بن هشام، عن إبراهيم بن محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه محمّد، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المهدي منا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة. وفي رواية اخري يصلحه الله في ليلة.

١٦ - حدّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدّثنا عبد الله ابن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن عيسى، عن سليمان بن داود(٢) ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: في صاحب هذا الامر أربع سنّن من أربعة أنبياء، سنة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم

__________________

(١) الظاهر هو أحمد بن سليمان بن عبد الملك بن أبي شيبة الجزري أبو الحسين الرهاوي الحافظ المعنون في تهذيب التهذيب فقيه صدوق. والرهاوي بضم الراء المهملة كما في الخلاصة.

(٢) يعني المنقري.

١٥٢

أجمعين، فأمّا من موسى فخائف يترقّب، وأمّا من يوسف فالسّجن، وأمّا من عيسى فيقال له: أنَّه مات ولم يمت، وأما من محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالسيف.

٧

( باب )

* (ذكر مضى موسىعليه‌السلام ووقوع الغيبة بالاوصياء) *

* (والحجج من بعده إلى أيّام المسيح عليه اسلام) *

١٧ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا الحسن بن عليٍّ السكريُّ قال: حدّثنا محمّد بن زكريا البصريُّ قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة، عن أبيه قال: قلت للصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : أخبرني بوفاة موسى بن عمرانعليه‌السلام ، فقال: إنَّه لمّا أتاه أجله واستوفي مدَّته وانقطع اكله أتاه ملك الموتعليه‌السلام فقال له: السلام عليك يا كليم الله، فقال موسى: وعليك السلام من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت، قال: ما الّذي جاء بك؟ قال: جئت لأقبض روحك، فقال له موسىعليه‌السلام : من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك، قال موسىعليه‌السلام : كيف وقد كلّمت به ربّي جلَّ جلاله، قال: فمن يديك، قال: كيف وقد حملت بهما التوراة، قال: فمن رجليك، قال: كيف وقد وطأت بهما طور سيناء، قال: فمن عينك، قال: كيف ولم تزال إلى ربّى بالرجاء ممدودة قال: فمن اذنيك، قال: يكف وقد سمعت بهما كلام ربى عزَّ وجلَّ، قال: فأوحي الله تبارك وتعالى إلى ملك الموت: لا تقبض روحه حتّى يكون هو الّذي يريد ذلك، وخرج ملك الموت، فمكث موسىعليه‌السلام ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك، ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصى بعده إلي من يقوم بالأمر، وغاب موسىعليه‌السلام عن قومه فمرَّ في غيبته برجل وهو يحفر قبراً فقال له: إلّا اعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرَّجل: بلى، فأعانه حتّى حفر القبر وسوّي اللّحد، ثمّ اضطجع فيه موسىعليه‌السلام لينظر كيف هو فكشف الله له الغطاء فرأى مكانه في الجنّة، فقال: يا ربِّ اقبضني إليك، فقبض ملك الموت روحه مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب، وكان

١٥٣

الّذي يحفر القبر ملك الموت(١) في صورة آدميٍّ، وكان ذلك في التيه، فصاح صائح من السّماء: مات موسى كليم الله، وأي نفس لا تموت، فحدَّثني أبي عن جدِّي عن أبيهعليهم‌السلام أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن قبر موسى أين هو؟ فقال: هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الاحمر.

ثمَّ أنَّ يوشع بن نونعليه‌السلام قام بالأمر بعد موسىعليه‌السلام صابراً من الطواغيت على اللاواء(٢) والضرَّاء والجهد البلاء حتّى مضى منهم ثلاث طواغيت، فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسىعليه‌السلام بصفراء بنت شعيب امرأة موسىعليه‌السلام في مائة ألف رجل. فقاتلوا يوشع بن نونعليه‌السلام فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره، وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها: قد عفوت عنك في الدُّنيا إلى أن ألقى نبيَّ الله موسىعليه‌السلام فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك.

فقالت صفراء: واويلاه، والله لو ابيحت لي الجنّة لا ستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه، وخرجت على وصيّه بعده، فاستتر الائمّة بعد يوشع بن نون إلى زمان داودعليه‌السلام أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر وكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم حتّى انتهى الأمر إلى آخرهم، فغاب عنهم ثمّ ظهر [ لهم ] فبشّرهم بداودعليه‌السلام وأخبرهم أنَّ داودعليه‌السلام هو الّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، ويكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتطرونه، فلمّا كان زمان داودعليه‌السلام كان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ كبير، وكان داودعليه‌السلام من بينهم حامل الذِّكر وكان أصغر أخوته لا يعلمون أنَّه داود النبيّ المنتظر الّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده، وكانت الشيعة يعلمون أنَّه قد ولد وبلغ اشدَّه وكانوا يرونه ويشاهدونه ولا يعلمون أنَّه هو.

فخرج داودعليه‌السلام وإخوته وأبوهم لمّا فصل طالوت بالجنود وتخلّف عنهم داود، وقال: مايصنع بي في هذا الوجه، فاستهان به إخوته وأبوه وأقام في

__________________

(١) لفظة « الموت » ليست في الامالي ولا في بعض النسخ الكتاب.

(٢) اللاواء: الشدة.

١٥٤

غنم أبيه يرعاها فاشتدَّ الحرب وأصاب النّاس جهد، فرجع أبوه وقال لداود: احمل إلى إخوتك طعاماً يتقوّون به على العدوِّ، وكانعليه‌السلام رجلاً قصيراً قليل الشعر طاهر القلب، أخلاقه نقيّة، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كلُّ واحد منهم إلى مركزه، فمرَّ داودعليه‌السلام على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع: يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإنّي إنّما خلقت لقتله. فأخذه ووضعه في مخلاته الّتي كانت تكون فيها حجارته الّتي كان يرمي بها غنمه، فلمّا دخل العسكر سمعهم يعظّمون أمر جالوت، فقال لهم: ما تعظّمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنّه، فتحدِّثوا بخبره حتّى أدخل على طالوت فقال له: يا فتى ما عندك من القوَّة وما جرَّبت من نفسك؟ قال: قد كان الاسد يعدوا على الشاة من غنمي فادركه فآخذ برأسه وأفكُّ لحييه عنها فاخذها من فيه، وكان الله تبارك وتعالى أوحى الله إلى طالوت أنَّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها، فدعا بدرعه فلبسها داودعليه‌السلام فاستوت عليه فراع(١) ذلك طالوت ومن حضره من بني إسرائيل فقال: عسى الله أن يقتل به جالوت، فلمّا أصبحوا والتقى النّاس قال داودعليه‌السلام : أروني جالوت فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكَّ به بين عينيه فدمغه(٢) وتنكّس عن دابته فقال النّاس: قتل داود جالوت، وملّكه النّاس(٣) حتّى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت عليه بنو إسرائيل وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزَّبور وعلّمه صنعة الحديد فليّنه له(٤) وأمر الجبال والطّير أن تسبح معه، وأعطاه صوتاً لم يسمع بمثله حسناً، وأعطاه قوَّه في العبادة. وأقام في بني إسرائيل نبيّاً.

وهكذا(٤) يكون سبيل القائمعليه‌السلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله عزَّ وجلَّ فناداه اخرج يا وليَّ الله فاقتل أعداء الله، وله سيف

__________________

(١) أي أعجب من راعه يروعه أي أفزعه وأعجبه.

(٢) دمغه أي شجه حتّى بلغت الشجة الدماغ.

(٣) أي عدوه ملكاً لهم، وفي بعض النسخ « وملكه الله عزَّ وجلَّ النّاس ».

(٤) قالوا إنّما كشف ذوب الحديد قبل ميلاد المسيح بالف سنة وهو زمان داودعليه‌السلام . ويسمونه عصر الحديد وفي التنزيل: « وألنا له الحديد ».

(٤) كلام المؤلف.

١٥٥

مغمد إذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السّيف من غمده(١) وأنطقه الله عزَّ وجلَّ فناداه السّيف اخرج يا وليَّ الله فلا يحلُّ لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرجعليه‌السلام ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم(٢) ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله عزوجل.

حدّثني بذلك أبو الحسن أحمد بن ثابت الدَّواليني بمدينة السلام، عن محمّد بن الفضل النحويِّ، عن محمّد بن عليِّ بن عبد الصمد الكوفيِّ، عن عليّ بن عاصم، عن محمّد بن عليّ ابن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر حديث طويل - قد أخرجته في هذا الكتاب في باب ما روي عن النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النصِّ على القائمعليه‌السلام وأنّه الثاني عشر من الائمّةعليهم‌السلام -.

ثمَّ(٣) إنَّ داودعليه‌السلام أراد أن يستخلف سليمانعليه‌السلام لأنّ الله عزَّ وجلَّ أوحى إليه يأمره بذلك، فلمّا أخبر بني إسرائيل ضجّوا من ذلك وقالوا: يستخلف علينا حدثاً وفينا من هو أكبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم: قد بلغني مقالتكم فأروني عصيّكم فأيُّ عصا أثمرت فصاحبها وليُّ الأمر من بعدي، فقالوا: رضينا، فقال: ليكتب كلُّ واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوه ثمّ جاء سليمانعليه‌السلام بعصاه فكتب عليها اسمه، ثمّ أدخلت بيتاً وأغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلمّا أصبح صلى بهم الغداة، ثمّ أقبل ففتح الباب فأخرج عصيّهم وقد أورقت وعصا سليمان قد أثمرت، فسلّموا ذلك لداودعليه‌السلام ، فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له: يا بني أيُّ شيء أبرد؟ قال: عفو الله عن النّاس وعفوا النّاس بعضهم عن بعض، قال: يا بني فأي شئ أحلى؟ قال: المحبّة وهو روح الله في عباده. فافترَّ داود ضاحكاً(٤) فسار به في بني إسرائيل، فقال: هذا خليفتي فيكم من بعدي، ثمّ أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ما شاء الله أن يستتر، ثمّ إنَّ

__________________

(١) الغمد بكسر المعجمة: غلاف السيف.

(٢) أي حيث وجدهم وصادفهم.

(٣) تتمة الخبر.

(٤) افتر أي ضحك ضحكاً حسناً.

١٥٦

امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأميّ ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلّا أنّك في مؤونة أبي فلو دخلت السوق فتعرَّضت لرزق الله رجوت أن لا يخيّبك، فقال لها سليمانعليه‌السلام : إنّي والله ما عملت عملاً قطُّ ولا أحسنه، فدخل السّوق فجال يومه ذلك ثمّ رجع فلم يصب شيئاً، فقال لها: ما أصبت شيئاً، قالت: لا عليك أن لم يكن اليوم كان غداً، فلمّا كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شيء، ورجع فأخبرها فقالت له: يكون غداً إن شاء الله، فلمّا كان من اليوم الثالث مضى حتّى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد، فقال له: هل لك أن أعينك وتعطينا شيئاً قال: نعم، فأعانه فلمّا فرغ أعطاه الصيّاد سمكتين فأخذهما وحمد الله عزَّ وجلَّ، ثمّ إنَّه شقَّ بطن إحديهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصرَّه في ثوبه(١) فحمد الله واصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك، وقالت له: إنّي أريد أن تدعو أبويَّ حتّى يعلما إنّك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه، فلمّا فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلّا أنّا لم نر إلّا خيراً منك، قال: فأخرج خاتمه فلبسه فحنَّ عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد اصطخر، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرَّج الله عنهم ممّا كانوا فيه من حيرة غيبته، فلمّا حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثمّ غيب الله تبارك وتعالى آصف غيبة طال أمدها، ثمّ ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثمّ أنَّه ودَّعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدَّت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلّط عليهم بختنّصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيراً وهم يومئذ صبية صغار فمكثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجّة دانيالعليه‌السلام أسير في يد بختنّصر تسعين سنة، فلمّا عرف فضله وسمع أنَّ بني إسرائيل ينتظرون خروجه

__________________

(١) أي ربطه في ثوبه.

١٥٧

ويرجون الفرج في ظهوره وعلى يده أمر أن يُجعل في جبٍّ عظيم واسع ويجعل معه الاسد ليأكله، فلم يقربه، وأمر أن لا يطعم فكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يد نبيٍّ من أنبيائه فكان دانيال يصوم النّهار ويفطر باللّيل على ما يدلى إليه من الطعام فاشتدَّت البلوى على شيعته وقومه والمنتظرين له ولظهوره وشكَّ أكثرهم في الدِّين لطول الامد.

فلمّا تناهى البلاء بدانيالعليه‌السلام وبقومه رأى بختنّصر في المنام كانَّ ملائكة من السّماء قد هبطت إلى الأرض أفواجاً إلى الجبِّ الّذي فيه دانيال مسلّمين عليه يبشِّرونه بالفرج، فلمّا أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال فأمر بأن تخرج من الجبِّ فلمّا اُخرج اعتذر إليه ممّا ارتكب منه من التعذيب، ثمّ فوَّض إليه النَّظر في أمور ممالكه والقضاء بين النّاس، فظهر من كان مستتراً من بني إسرائيل ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيالعليه‌السلام موقنين بالفرج فلم يلبث إلّا القليل على تلك الحال حتّى مات وأفضى الامر بعده إلى عزيرعليه‌السلام فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم، فغيّب الله عنهم شخصه مائة عام ثمّ بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتّى ولد يحيى بن زكريّاعليهما‌السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين فقام في النّاس خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وذكرّهم بأيّام الله، وأخبرهم أنَّ محن الصالحين إنّما كانت لذنوب بني إسرائيل وأنَّ العاقبة للمتقين ووعدهم الفرج بقيام المسيحعليه‌السلام بعد نيّف وعشرين سنة من هذا القول، فلمّا ولد المسيحعليه‌السلام أخفى الله عزّ وجلّ ولادته وغيب شخصه، لأنّ مريمعليها‌السلام لمّا حملته انبتذت به مكاناً قصيّاً، ثمّ أنَّ زكريا وخالتها أقبلا يقصان أثرها حتّى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: « يا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً » فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجّتها، فلمّا ظهرت اشتدَّت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكبَّ الجبابرة والطواغيت عليهم حتّى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله عزَّ وجلَّ به واستتر شمعون بن حمون والشيعة حتّى أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزائر البحر فأقاموا بها ففجَّر الله لهم العيون العذبة وأخرج لهم من كلِّ الثمرات، وجعل لهم فيها الماشية

١٥٨

وبعث إليهم سمكة تدعى القمد لا لحم لها ولا عظم وإنّما هي جلد ودم فخرجت من البحر فأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى النحل أن تركبها، فركبتها فأتت النحل إلى تلك الجزيرة ونهض النحل وتعلَّق بالشجر فعرش وبنى وكثر العسل ولم يكونوا يفقدون شيئاً من أخبار المسيحعليه‌السلام .

٨

( باب )

* (بشارة عيسى بن مريمعليه‌السلام بالنبي محمّد المصطفى (ص) ) *

١٨ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلوديُّ البصريُّ بالبصرة قال: حدّثنا محمّد بن عطيّة الشاميُّ قال: حدّثنا عبد الله بن عمر وبن سعيد البصريُّ قال: حدّثنا هشام بن - جعفر، عن حماد بن عبد الله بن سليمان(١) وكان قارئاً للكتب قال: قرأت في الانجيل: يا عيسى جَّد في أمري ولا تهزل، واسمع وأطع، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل، أنا خلقتك آية للعالمين فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكّل، خذ الكتاب بقوَّة، فسّر لأهل سوريا بالسّريانيّة، بلّغ من بين يديك إنّي أنا الله الدّائم الّذي لا أزول، صدِّقوا النبيّ الامّي صاحب الجمل والمدرعة والتاج - وهي العمامة - والنعلين والهراوة - وهي القضيب -، الانجل العينين، الصلت الجبين، الواضح الخدَّين، الاقنى الانف(٢) مفلّج الثنايا، كأنَّ عنقه إبريق فضّة، كأنَّ الذَّهب يجري في تراقيه، له شعرات من صدره إلى سرَّته، ليس على بطنه ولا على صدره شعرٌ، أسمر اللّون، دقيق المسربة(٣)

__________________

(١) كذا والصواب « حدّثنا هشام بن سنبر أبو عبد الله، عن حماد بن أبى سليمان ».

(٢) المدرعة - كمكنسة -: ثوب كالدراعة ولا تكون إلّا من صوف. والهراوة: العصا. وفى القاموس النجل - بالتحريك -: سعة العين فهو أنجل. والصلت الجبين أي واسعة وأقنى الانف: محدبه أي ارتفع وسط قصبة أنفه وضاق منخراه.

(٣) مفلج الثنايا أي منفرجها. وقوله « كأن الذهب يجرى في تراقيه » التراقي جمع الترقوه وهو العظم الّذي بين ثغرة النحر والعاتق ولعله كناية عن حمرة ترقوته. والمسربة بضم الراء: ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف.

١٥٩

شثن الكفِّ والقدم(١) إذا التفت التفت جميعاً، وإذا مشى فكأنّما يتقلّع من الصّخر، وينحدر من صبب(٢) وإذا جاء مع القوم بذَّهم(٣) ، عرقه في وجهه كاللّؤلؤ، وريح المسك تنفح منه، لم ير قبله مثله ولا بعده، طيّب الرِّيح، نكاح للنساء، ذو النسل القليل إنّما نسله من مباركة(٤) لها بيت في الجنّة، لا ضحب فيه ولا نصب(٥) ، يكفّلها في آخر الزَّمان كما كفل زكريّا اُمّك، لها فرخان مستشهدان، كلامه القرآن، ودينه الاسلام، وأنا السّلام. فطوبى لمن أدرك زمانه، وشهد أيّامه، وسمع كلامه.

قال عيسى: يا ربّ وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنّة أنا غرستها بيدي تظلُّ الجنان، أصلها من رضوان، ماؤها من تسنيم(٦) برده برد كافور، وطعمه طعم الزَّنجبيل من شرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبداً.

فقال عيسىعليه‌السلام : اللّهمّ اسقني منها، قال: حرام يا عيسى على البشر أن تشربوا منها حتّى يشرب ذلك النبيّ، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتّى تشرب منها أمّة ذلك النبيّ، يا عيسى أرفعك إليَّ ثمّ أهبطك في آخر الزَّمان لترى من أمة ذلك النبيِّ العجائب ولتعينهم على اللّعين الدّجّال أهبطك في وقت الصلاة لتصلّي معهم، إنّهم أمة مرحومة.

وكانت للمسيحعليه‌السلام (٧) غيبات يسيح فيها في الأرض، فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثمّ ظهر فأوصى إلى شمعون بن حمونعليه‌السلام فلمّا مضى شمعون غابت الحجج بعده

__________________

(١) شثن الكفين أي أنّهما يميلان إلى الغلظ والقصر. وقيل: هو الّذي في أنامله غلظ بلا قصر يمدح في الرجال لأنّه أشد لقبضهم ويذم في النساء. (النهاية).

(٢) أي يرفع رجليه من الأرض رفعاً بيناً بقوة دون احتشام، لا كمن يمشى اختيالا ويقارب خطاه لأنّ ذلك من مشى النساء والصبب ما انحدر من الأرض أو الطريق.

(٣) في النهاية في الحديث « بذ العالمين » أي سبقهم وغلبهم.

(٤) يعنى الزهراء سلام الله عليها.

(٥) الصخب - بالتحريك -: الضجة والصياح والجلبة. والنصب: التعب والداء.

(٦) اسم عين في الجنّة ويقال: هو أرفع شراب أهلها. تسنمهم من فوقهم.

(٧) من كلام المصنف.

١٦٠