كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة0%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 686
المشاهدات: 137085
تحميل: 7431


توضيحات:

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137085 / تحميل: 7431
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل « كهيعص » قال هذه الحروف من أنباء الغيب، أطلع الله عليها عبده زكريّا، ثمّ قصّها على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك أنَّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إيّاها، فكان زكريّا إذا ذكر محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همّه، وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة(١) ، فقال ذات يوم: يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثورزفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته، وقال: « كهيعص » « فالكاف » اسم كربلاء. و « الهاء » هلاك العترة. و « الياء » يزيد، وهو ظالم الحسينعليهما‌السلام . و « العين » عطشه. و « الصاد » صبره(٢) .

فلمّا سمع ذلك زكريّا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها النّاس من الدُّخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته « إلهي أتفجّع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرَّزية بفنائه، إلهي أتلبس عليّاً وفاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما »؟! ثمّ كان يقول: « اللّهمّ ارزقني ولداً تقرُّ به عيني على الكبر، وأجعله وارثاً وصيّاً، واجعل محلّه منّي محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه، ثمَّ فجّعني به كما تفجع محمداً حبيبك بولده » فرزقه الله يحيى وفجّعه به. وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسينعليه‌السلام كذلك، وله قصّة طويلة.

قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم، قال: مصلحٌ أو مفسدٌ؟ قلت: مصلحٌ، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلّة، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك(٣) أخبرني عن الرُّسل الّذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الامم(٤) وأهدي إلى

____________

(١) البهر: تتابع النفس وانقطاعه كما يحصل بعد الاعياء والعدو الشديد.

(٢) وفسر بغير ذلك راجع معاني الأخبار ص ٢٢ وتفسير عليّ بن ابراهيم سورة مريم.

(٣) في بعض النسخ « يثق بعقلك ».

(٤) كذا. والظاهر « أعلم الامم ».

٤٦١

الاختيار منهم مثل موسى وعيسىعليهما‌السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنَّه مؤمن، قلت: لا، فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممّن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله تعالى: «واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا - إلى قوله -لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم (١) » فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوَّة واقعاً على الافسد دون الاصلح وهو يظن أنَّه الاصلح دون الافسد علمنا أنَّ لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنُّ الضمائر وتتصرَّف عليه السرائر وأن لاخطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.

ثمَّ قال مولانا: يا سعد وحين ادَّعى خصمك أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أخرج مع نفسه مختار هذه الاُمّة إلى الغار إلّا علما منه أنَّ الخلافة له من بعده وأنّه هو المقلّد امور التأويل والملقى إليه أزمّة الاُمّة وعليه المعوِّل في لمِّ الشعث وسدِّ الخلل وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقالة إيّاه وعلمه أنَّه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها. فهلّا نقضت عليه دعواه بقولك أليس قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الخلافة بعدي ثلاثون سنّة » فجعل هذه موقوفة على أعمار الاربعة الّذين هم الخلفاء الرَّاشدون في مذهبكم فكان لا يجد بُدّاً من قوله لك: بلى، قلت: فكيف تقول حينئذ: أليس كما علم رسول الله أنَّ الخلافة من بعده لابي بكر علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليٍّ فكان أيضاً لا يجد بُدّاً من قوله لك: نعم، ثمَّ كنت

__________________

(١) الاعراف: ١٥٥.

٤٦٢

تقول له: فكان الواجب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرجهم جميعاً [ على الترتيب ] إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.

ولمّا قال: أخبرني عن الصدِّيق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لِمَ لم تقل له: بل أسلما طمعاً وذلك بأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن عواقب أمره(١) ، فكانت اليهود تذكر أنَّ محمداً يسلّط على العرب كما كان بختنّصر سلّط على بني إسرائيل ولابدَّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل غير أنَّه كاذب في دعواه أنَّه نبيٌّ(٢) . فأتيا محمّداً فساعداه على شهادة ألّا إله إلّا الله وبايعاه طمعا في أن ينال كلُّ واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره واستتبّت(٣) أحواله فلمّا آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيراً كما أتى طلحة والزُّبير عليّاًعليه‌السلام فبايعاه وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد، فلمّا آيساً نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كلّ واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.

قال سعد: ثمَّ قام مولانا الحسن بن عليٍّ الهاديعليه‌السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً فقلت: ما أبطأك وأبكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا عليك فأخبره، فدخل عليه مسرعاً

__________________

(١) قيل: هذا خلاف الاعتبار لأنّ أهل مكة كلّهم مشركون وليس بينهم أهل الكتاب لا سيما اليهود، مع أنّهما ليسا من أهل التحقيق. وخبر اسلام الثاني مشهور ولا يمتنع ايمان احد طوعاً ثمّ كفره كما لا يمتنع أن يكون ملكا مقرباً ثمّ صار رجيماً كما هو حال كثير من الصحابة كطلحة والزبير وخالد بن الوليد واضرابهم الّذين ارتدوا.

(٢) قيل: هذا مخالف لقوله تعالى في شأن اليهود «وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فما جاءهم ما عرفوا كفروا به ».

(٣) استتب له الامر أي استقام.

٤٦٣

وانصرف من عنده متبسّماً وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد، فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا يصلّي عليه.

قال سعد: فحمدنا الله تعالى على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أيّاماً، فلا نرى الغلام بين يديه فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا(١) وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً وقال: يا ابن رسول الله قد دنت الرِّحلة واشتدَّ المحنة(٢) ، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على المصطفى جدِّك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيّدة النساء امّك وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وابيك وعلى الائمّة الطاهرين من بعدهما آبائك، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ونرغب إلى الله أنَّ يعلي كعبك ويكبت عدوَّك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال: فلمّا قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتّى استهلّت دموعه وتقاطرت عبراته ثمّ قال: يا ابن اسحاق لا تكلّف في دعائك شططاً فانّك ملاق الله تعالى في صَدرَك هذا فخرَّ أحمد مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق قال: سألتك بالله وبحرمة جدِّك إلّا شرَّفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فانّك لن تعدم ما سألت، وإنَّ الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملاً.

قال سعد: فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حُلوان على ثلاثة فراسخ حُمَّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطناً بها(٣) ، ثمَّ قال: تفرَّقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه ورجع كلُّ واحد منّا إلى مرقده. قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرة(٤) ففتحت

__________________

(١) في بعض النسخ « من أهل أرضنا ».

(٢) في بعض النسخ « واستد الراحلة ».

(٣) أي مقيما بحلوان.

(٤) في بعض النسخ « وكزة » والوكز كالوعد: الدفع والطعن والضرب بجمع الكف.

٤٦٤

عيني فإذا أنا بكافور الخادم [ خادم مولانا أبي محمّدعليه‌السلام ] وهو يقول: أحسن الله بالخير عزاكم، وجبر بالمحبوب رزيّتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه، فقوموا لدفنه فإنّه من أكرمكم محلاً عند سيّدكم. ثمَّ غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتّى قضينا حقّه، وفرغنا من أمره(١) - رحمه الله -.

٢٣ - حدّثنا أبو الحسن عليُّ بن موسى بن أحمد بن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: وجدت في كتاب أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن أحمد الطوال، عن أبيه، عن الحسن بن عليٍّ الطبريِّ، عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليِّ بن إبراهيم بن مهزيار قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدي عليَّ بن إبراهيم بن مهزيار(٢) يقول: كنت نائماً في مرقدي

__________________

(١) اعلم أنَّ ما تضمنه الخبر من وفات أحمد بن اسحاق القمي في حياة أبي محمّد العسكري (ع) مخالف لمّا أجمعت عليه الرجاليون من بقائه بعدهعليه‌السلام قال الشيخ في كتاب الغيبة: « وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات يرد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل - ثمّ ساق الكلام إلى أن قال: - ومنهم أحمد بن اسحاق وجماعة يخرج التوقيع في مدحهم، روى أحمد بن ادريس، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عيسى عن أبي محمّد الرازي قال: كنت واحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرَّجل فقال: أحمد بن اسحاق الاشعريّ وابراهيم بن محمّد الهمدانيّ واحمد بن حمزة ابن اليسع ثقات جميعاً ».

وفي ربيع الشيعة لابن طاووس: « أنَّه من السفراء والابواب المعروفين الّذين لا يختلف الشيعة القائلون بامامة الحسن بن عليّ عليهما‌السلام فيهم. راجع منهج المقال ص ٣٢.

(٢) في بعض النسخ (محمد بن عليّ قال سمعت أبي يقول: سمعت جدي عليّ بن مهزيار « وهو كما ترى مضطرب لأنّ عليّ بن ابراهيم أبوه دون جده وفي نسخة مصححة (محمد بن الحسن بن عليّ بن ابراهيم بن مهزيار قال: سمعت أبي يقول: سمعت جدي عليّ بن مهزيار) وجعل (ابراهيم نسخة بدل لمهزيار. ولكن فيما يأتي بعد كلّها (عليّ بن مهزيار) وفي البحار (سمعت جدي عليّ بن مهزيار) وكذا في ما يأتي في كلّ المواضع (عليّ بن مهزيار).

٤٦٥

إذ رأيت في ما يرى النائم قائلاً يقول لي: حجّ فانّك تلقى صاحب زمانك. قال عليُّ ابن إبراهيم: فانتبهت وأنا فرح مسرور(١) ، فما زلت في الصلاة حتّى انفجر عمود الصبح وفرغت من صلاتي وخرجت أسأل عن الحاجِّ فوجدت فرقة تريد الخروج، فبادرت مع أوَّل من خرج، فما زلت كذلك حتّى خرجوا وخرجت بخروجهم اريد

__________________

ثم اعلم أنَّ عليّ بن ابراهيم بن مهزيار لم يكن مذكورا في كتب الرِّجال بل المذكور « أبو الحسن عليّ بن مهزيار » وابنه « محمد بن علي » و « أبو إسحاق ابراهيم بن مهزيار » وابنه « محمد بن ابراهيم » وكان عليّ بن مهزيار يروي عنه أخوه ابراهيم، وكان من أصحاب الرِّضا (ع)، ثمّ اختص بابي جعفر الثاني وكذلك بابي الحسن الثالث عليهما السلام وتوكل لهم. وكان أبو إسحاق ابراهيم بن مهزيار من أصحاب أبي جعفر وأبي الحسن عليهما السلام وفي ربيع الشيعة أنَّه من وكلاء القائم وكذا ابنه محمّد بن ابراهيم وليس غير هؤلاء من أسماء ابناء مهزيار مذكورين في الرِّجال، هذا.

ثم اعلم أيضاً أنَّ ملاقاة عليّ بن مهزيار للقائم (ع) بعيد جداً لتقدم زمانه ففى الكافي ج ٤ ص ٣١٠ عن محمّد بن يحيى عمّن حدثه، عن ابراهيم بن مهزيار قال: « كتبت إلى أبي محمّد (ع) أنَّ مولاك عليّ بن مهزيار أوصى أن يحجَّ عنه من ضيعة صير ربعها لك في كلّ سنّة حجّة إلى عشرين ديناراً وإنّه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤونة على النّاس فليس يكتفون بعشرين ديناراً، وكذلك أوصى عدة مواليك في حججهم، فكتب يجعل ثلاث حجج حجتين إن شاء الله » وهذا الخبر وأمثاله ظاهرة في موت عليّ بن مهزيار في أيّام العسكري وعدم ادراكه عصر الغيبة.

واما ملاقاة أخيه « ابراهيم بن مهزيار » مع خصوصيات ذكره من سفره وبحثه عن أخبار آل ابي محمّدعليه‌السلام مع أنَّه من وكلائه فمستبعد أيضاً بحسب بعض الرويات روى الكشي باسناده عن محمّد بن ابراهيم بن مهزيار « أن أباه ابراهيم لمّا حضره الموت دفع إليه مالا وأعطاه علامة وقال من اتاك بها فادفع إليه ولم يعلم بالعلامة إلّا الله تعالى، ثمّ جاءه شيخ فقال: أنا العمري هات المال وهو كذا وكذا ومعه العلامة فدفع إليه المال ». وهو ظاهر في كونه من سفراء الصاحب (ع). وروى نحوه الكلينيُّ في الكافي ج ١ ص ٥١٨ والشيخ في غيبته أيضاً.

(١) في بعض النسخ« فانتبهت فرحاً مسروراً» .

٤٦٦

الكوفة، فلمّا وافيتها نزلت عن راحلتي وسلّمت متاعي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن آل أبي محمّدعليه‌السلام ، فما زلت كذلك فلم أجد أثراً، ولا سمعت خبراً، وخرجت في أوَّل من خرج اُريد المدينة، فلمّا دخلتها لم أتمالك أن نزلت عن راحلتي وسلّمت رحلي إلى ثقات إخواني وخرجت أسأل عن الخبر وأقفوا الاثر، فلا خبراً سمعت، ولا أثراً وجدت، فلم أزل كذلك إلى أن نفر النّاس إلى مكة، وخرجت مع من خرج، حتّى وافيت مكة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت أسأل عن آل أبي محمّدعليه‌السلام فلم أسمع خبراً ولا وجدت أثراً، فما زلت بين الاياس والرَّجاء متفكّراً في أمري وعائباً على نفسي، وقد جنَّ اللّيل. فقلت: أرقب إلى أن يخلو لي وجه الكعبة لاطوف بها وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعرِّفني أملي فيها فبينما أنا كذلك وقد خلالي وجه الكعبة إذ قمت إلى الطواف، فإذا أنا بفتى مليح الوجه، طيّب الرائحة، مترّز ببردة، متّشح باُخرى، وقد عطف بردائه على عاتقه فرعته(١) ، فالتفت إليَّ فقال: ممّن الرّجل؟ فقلت: من الاهواز، فقال: أتعرف بها ابن الخصيب! فقلت: رحمه الله دعي فأجاب، فقال: رحمه الله لقد كان بالنّهار صائماً وباللّيل قائماً وللقرآن تالياً ولنا موالياً، فقال: أتعرف بها عليَّ بن إبراهيم بن مهزيار؟ فقلت: أنا عليٌّ، فقال: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن. أتعرف الصريحين(٢) ؟ قلت: نعم قال: ومن هما؟ قلت: محمّد وموسى. ثمّ قال: ما فعلت العلامة الّتي بينك وبين أبي محمّدعليه‌السلام فقلت: معي، فقال: أخرجها إليَّ، فأخرجتها إليه خاتماً حسناً على فصّه « محمّد وعليّ » فلمّا رأى ذلك بكى [ مليّاً ورن شجيّاً، فأقبل يبكي بكاء ] طويلاً وهو يقول: رحمك الله يا أبا محمّد فلقد كنت إماماً عادلاً، ابن أئمّة وأبا إمام، أسكنك الله الفردوس الأعلى مع آبائكعليهم‌السلام .

ثم قال: يا أبا الحسن صر إلى رحلك وكن على اُهبة من كفايتك(٣) حتّى إذا ذهب الثلث من اللّيل وبقي الثلثان فالحق بنا فانّك ترى مناك [ إن شاء الله ] قال ابن مهزيار:

__________________

(١) أي خفته وفي بعض النسخ « فحركته ».

(٢) تقدَّم الكلام فيه ص ٤٤٦.

(٣) في بعض النسخ « اهبة السفر من لقائنا ».

٤٦٧

فصرت إلى رجلي اطيل التفكّر حتّى إذا هجم الوقت(١) ، فقمت إلى رحلي وأصلحته، وقدمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتّى لحقت الشعب فإذا أنا بالفتى هناك يقول: أهلاً وسهلاً بك يا أبا الحسن طوبى لك فقد اذن لك، فسار وسرت بسيره حتّى جازبي عرفات ومنى، وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف، فقال لي: يا أبا الحسن انزل وخذ في اهبة الصلاة، فنزل ونزلت حتّى فرغ وفرغت، ثمّ قال لي: خذفي صلاة الفجر وأوجز، فأوجزت فيها وسلّم وعفّر وجهه في التراب، ثمّ ركب وأمرني بالرُّكوب فركبت، ثمّ سار وسرت بسيره حتّى علا الذِّروة فقال: المح هل ترى شيئاً؟ فلمحت فرأيت بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقلت: يا سيّدي أرى بقعة نزهة كثيرة العشب والكلاء، فقال لي: هل ترى في أعلاها شيئاً؟ فلمحت فإذا أنا بكثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقّد نوراً، فقال لي: هل رأيت شيئاً؟ فقلت: أرى كذا وكذا، فقال لي: يا ابن مهزيار طب نفساً وقرّ عيناً فإنَّ هناك أمل كلِّ مؤمّل، ثمّ قال لي: انطلق بنا، فسار وسرت حتّى صار في أسفل الذَّروة، ثمّ قال: انزل فههنا يذل لك كلّ صعب؛ فنزل ونزلت حتّى قال لي: يا ابن مهزيار خلِّ عن زمام الرَّاحلة، فقلت: على من اخلّفها وليس ههنا أحدٌ؟ فقال: إنَّ هذا حرم لا يدخله إلّا ولي، ولا يخرج منه إلّا وليٌّ، فخلّيت عن الرَّاحلة، فسار وسرت فلمّا دنا من الخباء سبقني وقال لي: قف هناك إلى أن يؤذن لك، فما كان إلّا هنيئة فخرج إليَّ وهو يقول: طوبى لك قد اعطيت سؤلك، قال: قد خلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم(٢) أحمر متكّئ على مسورة أديم، فسلّمت عليه وردَّ عليّ السلام ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولا بالبزق، ولا بالطويل الشامخ، ولا بالقصير اللاصقّ، ممدود القامة، صلت الجبين، أزج الحاجبين(٣) ، أدعج العينين، أقنى الانف(٤) سهل الخدَّين، على خدِّه الأيمن

__________________

(١) في بعض النسخ « انهجم الليل ».

(٢) النمط: ضرب من البسط ويمكن أن يكون معرب نمد. والمسورة: متكأ من أدم.

(٣) الدعج: سواد العين، وقيل: شدة سواد العين في شدة بياضها. والازج: الادق.

(٤) أي ذو احد يداب. و « سهل الحذين » أي غير مرتفع الخدين لقلة لحمهما.

٤٦٨

خال. فلمّا أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته، فقال لي: يا ابن مهزيار كيف خلّفت إخوانك في العراق؟ قلت: في ضنك عيش وهناة، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان(١) فقال: قاتلهم الله أنّى يؤفكون، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً، فقلت: متى يكون ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لاخلاق لهم والله ورسوله منهم براء وظهرت الحمرة في السّماء ثلاثاً فيها أعمدة كأعمدة اللّجين تتلا لانوراً ويخرج السروسي(٢) من إرمنية وأذربيجان يريد وراء الرِّي الجبل الأسود المتلاحم بالجبل الاحمر، لزيق جبل طالقان، فيكون بينه وبين المروزيِّ وقعة صيلمانيّة(٣) ، يشيب فيها الصغير، ويهرم منها الكبير، ويظهر القتل بينهما. فعندها توقّعوا خروجه إلى الزَّوراء،(٤) فلا يلبث بها حتّى يوافي باهات(٥) ، ثمّ يوافي واسط العراق، فيقيم بها سنّة أو دونها، ثمّ يخرج إلى كوفان فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغريِّ وقعة شديدة تذهل منها العقول، فعندها يكون بوار الفئتين، وعلى الله حصاد الباقين.

ثمَّ تلا قوله تعالي «بسم الله الرّحمن الرَّحيم أتيها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالامس »(٦) فقلت: سيّدي يا ابن رسول الله ما الامر؟ قال: نحن

__________________

(١) الهناة: الشر والفساد. والشيصبان: اسم شيطان، وقبيلة من الجن، والذكر من النحل.

(٢) نسبة إلى سروس - بالمهملنين أوله وآخره وربما قيل بالمعجمة في آخره: مدينة نفيسة في جبل نفوسه بافريقية وأهلها خوارج اباضية، ليس بها جامع ولا منبر ولا في قرية من قراها وهي نحو من ثلاثمائة قرية لم يتفقوا على رجل يقدمونه للصلاة (المراصد) وفي بعض النسخ « الشروسى » ولم أجده. والارمنية بالكسر - كورة بالروم. (ق)

(٣) الصيلم: الامر الشديد ووقعة صيلمة أي مستأصلة. وفي نسخة « صلبانية ».

(٤) الزوراء: دجلة بغداد وموضع بالمدينة قرب المسجد. كما في القاموس وفي المراصد: دجلة بغداد، وأرض كانت لاحيحة بن الحلاج.

(٥) في البحار « ماهان » وقال: أي الدينور ونهاوند.

(٦) يونس: ٢٤.

٤٦٩

أمر الله وجنوده، قلت: سيّدي يا ابن رسول الله حان الوقت؟ قال: « واقتربت الساعة وانشق القمر »(١) .

٢٤ - حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ قال: حدّثنا أبو القاسم جعفر ابن أحمد(٢) العلويُّ الرِّقيُّ العريضيُّ قال: حدَّثني أبو الحسن عليُّ بن أحمد العقيقيُّ قال: حدّثني أبو نعيم الانصاريُّ الزيدي قال: كنت بمكّة عند المستجار وجماعة من المقصّرة(٣) وفيهم المحمودي وعلّان الكلينيُّ وأبو الهيثم الدِّيناريُّ وأبو جعفر الاحول الهمدانيُّ، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، ولم يكن منهم مخلص علمته غير محمّد بن القاسم العلويّ العقيقي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنّة ثلاث وتسعين ومائتين من الهجرة إذ خرج علينا شابٌّ من الطواف عليه أزاران محرمٌ [ بهما ]، وفي يده نعلان فلمّا رأيناه قمنا جميعاً هيبة له، فلم يبق منا أحد إلّا قام وسلم عليه، ثمّ قعد والتفت يميناً وشمالاً، ثمّ قال: أتدرون ما كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول في دعاء الالحاح؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول:

« اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الّذي به تقوم السّماء، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحقِّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرّق، وبه تفرّق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرِّمال وزنة الجبال وكيل البحار أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً ».

ثمّ نهض فدخل الطواف، فقمنا لقيامه حين انصرف، وانسينا أن نقول له: من هو؟ فلمّا كان من الغد في ذلك الوقت خرج علينا من الطواف فقمنا كقيامنا الاوَّل

__________________

(١) احتمل العلامة المجلسيرحمه‌الله اتحاد هذا الخبر مع الّذي تقدَّم تحت رقم ١٨ وقال: العجب أنَّ محمّد بن أبي عبد الله عد فيما مضى محمّد بن ابراهيم بن مهزيار ممّن رآه (ع) (يعنى الصاحب) ولم يعد أحداً من هؤلاء ثمّ قال: اعلم أنَّ اشتمال هذه الأخبار على أنَّ له (ع) أخاً مسمى بموسى غريب.

(٢) في النسخة المصححة « ابولقاسم جعفر بن محمّد ».

(٣) يعنى في العمرة في الحج.

٤٧٠

بالامس ثمّ جلس في مجلسه متوسّطاً، ثمَّ نظر يميناً وشمالاً قال: أتدرون ما كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول بعد صلاة الفريضة؟ قلنا: وما كان يقول؟، قال: كان يقول:

« اللّهمَّ إليك رفعت الأصوات [ ودعيت الدعوات ] ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرِّقاب وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير مسؤول وخير من أعطى، يا صادق يا باريء، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدُّعاء وتكفّل بالاجابة، يا من قال: « ادعوني أستجب لكم » يا من قال: « وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ اُجيبُ دعوة الدَّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون ». يا من قال: « يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أنَّ الله يغفر الذُّنوب جميعاً إنَّه هو الغفور الرحيم ».

ثمَّ نظر يميناً وشمالاً بعد هذا الدعاء فقال: أتدرون ما كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول في سجدة الشكر؟ قلنا: وما كان يقول؟ قال: كان يقول:

« يا من لا يزيده إلحاح الملحّين إلّا جوداً وكرماً، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن مادقَّ وجلَّ، لا تمنعك إساءتي من إحسانك إليَّ، إنّي أسألك أن تفعل بي ما أنت أهله، وأنت أهل الجود والكرم والعفو، يا ربّاه، يا الله افعل بي ما أنت أهله فأنت قادر على العقوبة وقد استحققتها، لا حجّة لي ولا عذر لي عندك، أبوء إليك بذنوبي كلّها، وأعترف بها كي تعفو عنّي وأنت أعلم بها منّي، بؤت إليك بكلِّ ذنب أذنبته، وبكل خطيئة أخطأتها، وبكل سيّئة عملتها، يا ربّ اغفر لي وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الاعزُّ الاكرم.

وقام فدخل الطواف فقمنا لقيامه وعاد من غد في ذلك الوقت فقمنا لاستقباله كفعلنا فيما مضى(١) فجلس متوسّطاً ونظر يميناً وشمالاً فقال: كان عليُّ بن الحسين سيّد العابدينعليه‌السلام يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر نحو الميزاب - » عبيدك بفنائك(٢) ، مسكينك ببابك أسألك ما لا يقدر عليه سواك، ثمَّ نظر

__________________

(١) في بعض النسخ « لاقباله كقيامنا فيما مضى ».

(٢) زاد في بعض النسخ « فقيرك بفنائك ».

٤٧١

يميناً وشمالاً ونظر إلى محمّد بن القاسم العلويِّ فقال: يا محمّد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله، وقام فدخل الطواف فما بقي أحد منّا إلّا وقد تعلم ما ذكر من الدعاء و(١) نسينا أن نتذاكر أمره إلّا في آخر يوم، فقال لنا المحمودي: يا قوم أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا والله صاحب الزَّمانعليه‌السلام ، فقلنا: وكيف ذاك يا أبا عليٍّ فذكر أنَّه مكث يدعو ربّه عزَّ وجلَّ ويسأله أن يريه صاحب الامر سبع سنين قال: فبينا أنا يوماً في عشيّة عرفة فإذا بهذا الرَّجل بعينه فدعا بدعاء وعيته فسألته ممّن هو؟ فقال: من النّاس، فقلت: من أيِّ النّاس من عربها أو مواليها؟ فقال: من عربها، فقلت: من أيِّ عربها؟ فقال: من أشرفها وأشمخها(١) ، فقلت: ومن هم؟ فقال بنو هاشم، فقلت: من أيِّ بني هاشم؟ فقال: من أعلاها ذروة وأسناها رفعة، فقلت: وممن هم؟ فقال: ممّن فلق الهام، وأطعم الطعام، وصلّى بالليل والنّاس نيام، فقلت: إنَّه علويٌّ فأحببته على العلويّة، ثمّ افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضى في السّماء أم في الأرض، فسألت القوم الّذين كانوا حوله أتعرفون هذا العلويَّ؟ فقالوا: نعم يحجُّ معنا كلَّ سنة ماشياً، فقلت: سبحان الله والله ما أرى به أثر مشي، ثمّ انصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه وبتُّ في ليلتي تلك فإذا أنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) فقال: يا محمّد رأيت طلبتك؟ فقلت: ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال: الّذي رأيته في عشيتك فهو صاحب زمانكم.

فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه على ألّا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنَّه كان ناسياً أمره إلى وقت ما حدَّثنا.

وحدّثنا بهذا الحديث عمار بن الحسين بن إسحاق الاسروشني

__________________

(١) في بعض النسخ « من أسمحها ».

(٢) في بعض النسخ « فرأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

(٣) في اللباب: الاسروشنى بضم الالف وسكون السين المهملة وضم الراء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وفي آخرها نون، هذه النسبة إلى أسروشنة وهى بلدة كبيرة وراء سمرقند من سيحون خرج منها جماعة من العلماء في كلّ فن - الخ ». وقال في المراصد

٤٧٢

بجبل بوتك من أرض فرغانة قال: حدّثني أبو العبّاس أحمد بن الخضر قال: حدّثني أبو الحسين محمّد بن عبد الله الاسكافي قال: حدّثني سليم، عن أبي نعيم الانصاريِّ(١) قال: كنت بالمستجار بمكة أنا وجماعة من المقصّرة فيهم المحموديُّ وعلّان الكلينيُّ وذكر الحديث مثله سواء.

وحدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن عليِّ بن محمّد بن حاتم قال: حدّثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمّد بن جعفر القصباني البغداديُّ قال: حدّثني أبو محمّد عليُّ بن محمّد بن - أحمد بن الحسين الماذرائي(٢) قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عليٍّ المنقذيُّ الحسنيّ بمكة قال: كنت جالساً بالمستجار وجماعة من المقصّرة وفيهم المحموديُّ وأبو الهيثم الدِّيناري وأبو جعفر الاحول، وعلّان الكلينيُّ، والحسن بن وجناء، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، وذكر الحديث مثله سواء.

٢٥ - حدّثنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن بن [ عليِّ بن ] محمّد بن عليِّ بن الحسين ابن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: سمعت أبا الحسين الحسن بن وجناء يقول: حدّثنا أبي، عن جدِّه(٣) أنَّه كان في دار الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن عليٍّ الكذَّاب واشتغلوا بالنهب والغارة وكانت همّتي في مولاي القائمعليه‌السلام قال: فإذا [ أنا ] بهعليه‌السلام قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهوعليه‌السلام ابن ستّ سنين فلم يره أحد حتّى غاب.

ووجدت مثبتاً في بعض الكتب المصنفة في التواريخ ولم أسمعه إلّا عن محمّد بن - الحسين بن عبّاد أنَّه قال: مات أبو محمّد الحسن بن عليِّعليهما‌السلام يوم جمعة مع صلاة

__________________

كذا ذكره السمعاني والاشهر الاعرف أنَّه بالشين المعجمة أولا. أقول: وفي بعض النسخ « أشر وسني » كما في ضبط المراصد.

(١) هو محمّد بن أحمد الانصاريّ وفي بعض النسخ « سليم بن أبى نعيم الانصاريّ ».

(٢) في بعض النسخ « المادرائى » باهمال الدال.

(٣) في بعض النسخ « عن جدى ».

٤٧٣

الغداة، وكان في تلك اللّيلة قد كتب بيده كتباً كثيرة إلى المدينة، وذلك في شهر ربيع الاوَّل لثمان خلون منه سنة ستّين ومائتين من الهجرة، ولم يحضر [ ه ] في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية، وعقيد الخادم ومن علم الله عزَّ وجلَّ غيرهما، قال عقيد: فدعا بماء قد أغلي بالمصطكي فجئنا به إليه فقال: أبدء بالصلاة هيّئوني فجئنا به وبسطنا في حجره المنديل فأخذ من صقيل الماء فغسل به وجهه وذراعيه مرَّة مرَّة ومسح على رأسه وقدميه مسحاً وصلّي صلاة الصبح على فراشه وأخذ القدح ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه ويده ترتعد فأخذت صقيل القدح من يده. ومضى من ساعته صلوات الله عليه ودفن في داره بسرّ من رأى إلى جانب أبيه صلوات الله عليهما فصار إلى كرامة الله جلَّ جلاله وقد كمل عمره تسعاً وعشرين سنة.

قال: وقال لي عبّاد في هذا الحديث: قدمت أمُّ أبي محمّدعليه‌السلام من المدينة واسمها. « حديث » حين اتّصل بها الخبر إلى سرّ من رأى فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إيّاها بميراثه وسعايته بها إلى السّلطان وكشفه ما أمر الله عزَّ وجلَّ بستره فادَّعت عند ذلك صقيل أنّها حامل فحملت إلى دار المعتمد فجعل نساء المعتمد وخدمه، ونساء الموفق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كلِّ وقت. ويراعون إلى أن دهمهم أمر الصغار وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم من سرَّ من رأى وأمر صاحب الزَّنج بالبصرة وغير ذلك فشغلهم ذلك عنها.

وقال أبو الحسن عليُّ بن محمّد حباب(١) حدَّثني أبو الأديان قال: قال عقيد الخادم وقال أبو محمّد بن خيرويه التستريُّ وقال حاجز الوشّاء(٢) كلّهم حكوا عن عقيد الخادم، وقال أبو سهل بن نوبخت: قال عقيد الخادم: ولد وليُّ الله الحجّة ابن الحسن ابن عليِّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن - أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ليلة الجمعة غرَّة شهر رمضان(٣) سنّة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة، ويكنّى أبا القاسم ويقال: أبو جعفر، ولقبه المهديّ وهو حجّة الله

__________________

(١) في بعض النسخ « قال أبو الحسن محمّد بن على بن حباب » وفي بعضها « خشاب ».

(٢) في بعض النسخ « حاجب الوشاء » وكذا ما يأتي.

(٣) في بعض النسخ « ليلة الجمعة من شهر رمضان ».

٤٧٤

عزّوجلّ في أرضه على جميع خلقه، وأمّه صقيل الجارية، ومولده بسرَّ من رأى في درب الرَّاضة(١) وقد اختلف النّاس في ولادته، فمنهم من أظهر، ومنهم من كتم، ومنهم من نهى عن ذكر خبره، ومنهم من أبدى ذكره والله أعلم به.

وحدَّث أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليِّ بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام وأحمل كتبه إلى الامصار فدخلت عليه في علّته الّتي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فانّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سرّ من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل. قال أبو الأديان: فقلت: يا سيّدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي، فقلت: زدني، فقال: من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثمَّ منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.

وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سرَّ من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر ليعليه‌السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن عليٍّ أخيه بباب الدّار والشيعة من حوله يعزُّونه ويهنّونه، فقلت في نفسي: أن يكن هذا الامام فقد بطلت الامامة، لانّي كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ويلعب بالطنبور، فتقدَّمت فعزَّيت وهنّيت فلم يسألني عن شيء، ثمّ خرج عقيد فقال: يا سيّدي قد كفن أخوك فقم وصلِّ عليه فدخل جعفر بن عليٍّ والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن عليّ قتيل المعتصم المعروف بسلمة.

فلمّا صرنا في الدّار إذا نحن بالحسن بن عليٍّ صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً فتقدَّم جعفر بن عليٍّ ليصلّي على أخيه، فلمّا همَّ بالتكبير خرج صبيٌّ بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجبذ برداء جعفر بن عليٍّ وقال: تأخّر يا عمّ فأنا أحقّ بالصلاة على أبي، فتأخّر جعفر، وقد اربدَّ وجهه واصفرَّ(٢) .

__________________

(١) في بعض النسخ « درب الرصافة » وفي بعضها « دار الرصافة ».

(٢) اربد وجهه أي تغير إلى الغبرة.

٤٧٥

فتقدَّم الصبيُّ وصلّى عليه ودفن إلى جانب قبر أبيهعليهما‌السلام ثمَّ قال: يا بصريُّ هات جوابات الكتب الّتى معك، فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان(١) بقي الهميان، ثمّ خرجت إلى جعفر بن عليٍّ وهو يزفر، فقال له حاجز الوشاء: يا سيّدي من الصبيُّ لنقيم الحجّة عليه؟ فقال: والله ما رأيته قطُّ ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قمّ فسألوا عن الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام فعرفوا موته فقالوا: فمن [ نعزي ]؟ فأشار النّاس إلى جعفر بن عليٍّ فسلّموا عليه وعزُّوه وهنُّوه وقالوا: إنَّ معنا كتباً ومالاً، فتقول ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب، قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان [ وفلان ] وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطليّة، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا: الّذي وجّه بك لاخذ ذلك(٢) هو الامام، فدخل جعفر بن عليٍّ على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلا بها لتغطى حال الصبي فسلّمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن - خاقان فجأة، وخروج صاحب الزَّنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم، والحمد لله ربِّ العالمين.

٢٦ - حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين بن عبد الله بن محمّد بن مهران الابي العروضيرضي‌الله‌عنه بمر وقال: حدّثنا [ أبو ] الحسين [ بن ] زيد بن عبد الله البغداديُّ قال: حدّثنا أبو الحسن عليُّ بن سنان الموصليُّ قال: حدَّثني أبي قال: لمّا قبض سيّدنا أبو محمّد الحسن بن عليٍّ العسكريُّ صلوات الله عليهما وفد(٣) من قمّ والجبال وفود بالاموال الّتي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسنعليه‌السلام ، فلمّا أن وصلوا إلى سرّ من رأى سألوا عن سيدنا الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام ، فقيل لهم: إنَّه قد فقد، فقالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن عليٍّ فسألوا عنه فقيل لهم

__________________

(١) في بعض النسخ « هذه اثنتان ».

(٢) في بعض النسخ « لاجل ذلك ».

(٣) في بعض النسخ « أتى ».

٤٧٦

إنه قد خرج متنزِّها وركب زورقاً في الدِّجلة يشرب ومعه المغنون، قال: فتشاور القوم(١) فقالوا: هذه ليست من صفة الامام، وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتّي نردَّ هذه الأموال على أصحابها.

فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحميريُّ القمّيُّ: قفوا بنا حتّى ينصرف هذا الرَّجل ونختبر أمره بالصحّة.

قال: فلمّا انصرف دخلوا عليه فسلّموا عليه وقالوا: يا سيّدنا نحن من أهل قمّ ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها وكنّا نحمل إلى سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليٍّ الأموال فقال: وأين هي؟ قالوا: معنا، قال: احملوها إليَّ، قالوا: لا، إنَّ لهذه الأموال خبراً طريفاً، فقال: وما هو؟ قالوا: إنَّ هذه الأموال تجمع ويكون فيها من عامّة الشيعة الدِّينار والدِّيناران، ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه وكنّا إذا وردنا بالمال على سيّدنا أبي محمّدعليه‌السلام يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً، من عند فلان كذا ومن عند فلان كذا حتّى يأتي على أسماء النّاس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقش، فقال جعفر: كذبتم تقولون على أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب ولا يعلمه إلّا الله.

قال: فلمّا سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض فقال لهم: احملوا هذا المال إليَّ، قالوا: إنّا قوم مستأجرون وكلاء لارباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات الّتي كنا نعرفها من سيّدنا الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام فإن كنت الامام فبرهن لنا وإلّا رددناها إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم.

قال: فدخل جعفر على الخليفة - وكان بسرّ من رأى - فاستعدى عليهم، فلمّا احضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر، قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون وكلاء لارباب هذه الأموال وهي وداعة لجماعة وأمرونا بأن لا نسلّمها إلّا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام .

__________________

(١) في بعض النسخ « فتثور القوم ».

٤٧٧

فقال الخليفة: فما كانت العلامة الّتي كانت مع أبي محمّد. قال القوم: كان يصف لنا الدَّنانير وأصحابها والاموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه ودلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرَّجل صاحب هذا الامر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، وإلّا رددناها إلى أصحابها.

فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إنَّ هؤلاء قوم كذَّابون يكذبون على أخي وهذا علم الغيب فقال الخليفة: القوم رسل وما على الرَّسول إلّا البلاغ المبين قال: فبهت جعفر ولم يرد جواباً، فقال القوم: يتطوَّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى مَن يبدرقنا(١) حتّى نخرج من هذه البلدة، قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن النّاس وجهاً، كأنّه خادم، فنادى يا فلان بن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا مولاكم، قال: فقالوا: أنت مولانا، قال: معاذ الله: أنا عبد مولاكم فسيروا إليه، قالوا: فسرنا [ إليه ] معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام ، فإذا ولده القائم سيّدناعليه‌السلام قاعد على سرير كأنّه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثمَّ قال: جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، [ وحمل ] فلان كذا، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع.

ثمَّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدَّوابِّ، فخررنا سجّداً لله عزَّ - وجلَّ شكراً لمّا عرَّفنا، وقبّلنا الأرض بين يديه، وسألناه عمّا أردنا فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائمعليه‌السلام أن لا نحمل إلى سرَّ من رأى بعدها شيئاً من المال، فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ويخرج من عنده التوقيعات، قالوا: فانصرفنا من عنده ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر القميِّ الحميريّ شيئاً من الحنوط والكفن فقال له: أعظم الله أجرك في نفسك، قال: فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفّي رحمه الله.

__________________

(١) من البدرقة. وفي بعض النسخ بالذال المعجمة بهذا المعنى أيضاً.

٤٧٨

وكان بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النوَّاب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات.

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : هذا الخبر يدلُّ على أنَّ الخليفة كان يعرف هذا الامر كيف هو [ وأين هو ] وأين موضعه، فلهذا كفَّ عن القوم عمّا معهم من الأموال، ودفع جعفرا الكذاب عن مطالبتهم(١) ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلّا أنَّه كان يحب أن يخفى هذا الامر ولا ينشر لئلّا يهتدي إليه النّاس فيعرفونه، وقد كان جعفر الكذَّاب حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفّي الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام وقال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته. فقال الخليفة: اعلم أنَّ منزلة أخيك لم تكن بنا إنّما كانت بالله عزَّ وجلَّ ونحن كنّا نجتهد في حط منزلته والوضع منه، وكان الله عزَّ وجلَّ يأبى إلّا أن يزيده كلَّ يوم رفعة لمّا كان فيه من الصيانة وحسن السّمت(٢) والعلم والعبادة، فإنَّ كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا.

٤٤

( باب )

* (علة الغيبة) *

١ - حدَّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّلرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: صاحب هذا الامر تعمى ولادته على [ هذا ] الخلق لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج.

٢ - حدَّثنا أبي؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدَّثنا سعد بن عبد الله

__________________

(١) في بعض النسخ « عنهم » مكان « عن مطالبتهم ».

(٢) السمت - بفتح المهملة -: هيئة أهل الخبر. وتقدم تفصيله سابقا في رواية أحمد ابن عبيد الله بن خاقان.

٤٧٩

عن محمّد بن عبيد؛ ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل ابن صالح، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: يبعث القائم وليس في عنقه بيعة لاحد.

٣ - حدّثنا أبيرحمه‌الله قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد؛ والحسن بن ظريف جميعاً، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: يقوم القائمعليه‌السلام وليس لأحد في عنقه بيعة.

٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاقرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيُّ قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليِّ بن فضال، عن أبيه، عن أبى الحسن عليّ بن موسى الرِّضاعليهما‌السلام أنَّه قال: كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث(١) من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم، فقلت: ولم؟ قال: لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف.

٥ - حدّثنا عبد الواحد بن محمّد العطّاررضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبو عمرو الكشّي، عن محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد قال: حدّثنا محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: صاحب هذا الامر تغيب ولادته عن هذا الخلق كيلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ويصلح الله عزَّ وجلَّ أمره في ليلة [ واحدة ].

٦ - حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود؛ وحيدر بن محمّد السمرقنديُّ جميعاً قالا: حدّثنا محمّد بن مسعود قال: حدّثنا جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر البغداديِّ قال: حدّثني الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبى عبد اللهعليه‌السلام قال: أنَّ للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له، يا ابن رسول الله ولم ذلك؟ قال:

__________________

(١) المراد به أبو محمّدعليه‌السلام . وفي بعض النسخ « عند فقدهم الرابع » فالمراد الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

٤٨٠