كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة0%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 686
المشاهدات: 137249
تحميل: 7440


توضيحات:

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137249 / تحميل: 7440
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

وكنت أتمنّى وأشتهي أن أحجَّ حجّة اُخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الّذين ترونهم حولي.

وذكر أنَّه قد سقطت أسنانه مرَّتين أو ثلاثة، فسألناه أن يحدِّثنا بما سمعه من أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام فذكر أنَّه لم يكن له حرص ولا همّة في العلم في وقت صحبته لعليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، والصحابه أيضاً كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ومحبتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته، والّذي كنت أتذكّره ممّا كنت سمعته منه قد سمعه منّي عالم كثير من النّاس ببلاد المغرب ومصر والحجاز، وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بيتي وحفدتي قد دوَّنوه فأخرجوا إلينا النسخة، فأخذ يملي علينا من حفظه(١) :

٢ - حدَّثنا(٢) أبو الحسن عليُّ بن عثمان بن خطاب بن مرَّة بن مؤيّد الهمدانيّ المعروف بأبي الدُّنيا معمر المغربيرضي‌الله‌عنه حيّاً وميتاً قال: حدَّثنا عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبَّ أهل اليمن فقد أحبّني، ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني.

٣ - وحدَّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: حدّثنا عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعان ملهوفاً كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات.

ثمَّ قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سعى في حاجة أخيه المؤمن(٣) - لله عزَّ وجلَّ فيها رضاء وله فيها صلاح - فكأنّما خدم الله عزَّ وجلَّ ألف سنة لم يقع في معصيته طرفة عين.

٤ - وحدَّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: سمعت عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: أصاب النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوع شديدٌ وهو في منزل فاطمةعليها‌السلام ، قال عليٌّعليه‌السلام :

____________

(١) في بعض النسخ « من خطه ».

(٢) معلق على السند الاوَّل وكذا ما يأتي.

(٣) في بعض النسخ « أخيه المسلم ».

٥٤١

فقال لي النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ هات المائدة فقدَّمت المائدة وعليها خبز ولحم مشوي.

٥ - وحدَّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربي قال: سمعت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: جرحت في وقعة خيبر خمساً وعشرين جراحة فجئت إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا رآى ما بي من الجراحة بكى وأخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات فاسترحت من ساعتي.

٦ - وحدّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: حدّثني عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ « قل هو الله أحد » مرَّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرَّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرَّات فكأنّما قرأ القرآن كله.

٧ - وحدّثنا أبو الدُّنيا معمر المغربيُّ قال: سمعت عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت أرعى الغنم فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق فقلت له. ما تصنع ههنا: فقال لي: وأنت ما تصنع ههنا؟ قلت: أرعى الغنم، قال لي مرّ - أو قال ذا الطريق - قال: فسقت الغنم فلمّا توسّط الذِّئب الغنم إذا أنا بالذِّئب قد شدَّ على شاة فقتلها، قال: فجئت حتّى أخذت بقفاه فذبحته وجعلته على يدي وجعلت أسوق الغنم فما سرت غير بعيد إذا أنا بثلاثة أملاك: جبرئيل وميكائيل وملك الموتعليهم‌السلام فلمّا رأوني قالوا: هذا محمّد بارك الله فيه فاحتملوني وأضجعوني وشقّوا جوفي بسكّين كان معهم وأخرجوا قلبي من موضعه وغسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتّى نقي من الدَّم، ثمّ ردُّوا قلبي إلى موضعه وأمرُّوا أيديهم إلى جوفي، فالتحم الشقُّ بإذن الله عزَّ وجلَّ فما أحسست بسكّين ولا وجع، قال: وخرجت أعدوا إلى اُمّي - يعني حليمة داية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقالت لي: أين الغنم؟ فخبّرتها بالخبر فقالت: سوف يكون لك في الجنّة منزلة عظيمة.

٨ - وحدّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب قال: ذكر أبو بكر

٥٤٢

محمّد بن الفتح الرقيُّ(١) ؛ وأبو الحسن عليّ بن الحسين الاشكيّ أنَّ السّلطان بمكّة لمّا بلغة خبر أبي الدُّنيا تعرض له وقال: لابدّ أن اخرجك معي إلى بغداد إلى حضرة أمير المؤمنين المقتدر فإنّي أخشى أن يعتب عليّ إن لم اُخرجك، فسأله الحاجُّ من أهل المغرب وأهل المصر والشام أن يعفيه ولا يُشخصه فإنّه شيخ ضعيف ولا يؤمن ما يحدّث عليه، فأعفاه.

قال أبو سعيد: ولو أنّي حضرت الموسم في تلك السنة لشاهدته، وخبره كان مستفيضاً شائعاً في الامصار، وكتب عنه هذه الأحاديث المصريّون والشاميون والبغداديّون ومن سائر الامصار ممّن حضر الموسم وبلغه خبر هذا الشيخ وأحبَّ أن يلقاه ويكتب عنه هذه الأحاديث نفعنا الله وإيّاهم بها(٢) .

٩ - وأخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله ابن الحسن بن عليّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبعليهم‌السلام فيما أجازه لي ممّا صح عندي من حديثه(٣) ؛ وصح عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسين(٤) بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليِّ أبي طالبعليهم‌السلام أنَّه قال: حججت في سنّة ثلاث عشرة وثلاثمائة وفيها حج نصر القشوري صاحب المقتدر بالله(٥) ومعه عبد الله بن حمدان المكنّى بأبي الهيجاء فدخلت مدينة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذي القعدة فأصبت قافلة المصرييّن وفيها أبو بكر محمّد بن عليٍّ الماذراثي

__________________

(١) تقدَّم الكلام فيه وفي قرينه ص ٥٣٨.

(٢) في بعض النسخ « ويكتب عنه نفعهم الله وايانا به ».

(٣) ذلك لأنّ أبا محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى العلويّ روى عن المجاهيل أحاديث منكرة وقال العلامة: رأيت أصحابنا يضعفونه (صه عن جش) وقال ابن الغضائري. أنَّه كان كذابا يضع الحديث مجاهرة، ويدعى رجالا غرباء ولا يعرفون (صه) توفى ٣٥٨. (جامع الرواة).

(٤) في بعض النسخ « الحسن ».

(٥) في بعض النسخ « حاجب المقتدر بالله ».

٥٤٣

ومعه رجل من أهل المغرب وذكر أنَّه رآى [ رجلاً من ] أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاجتمع عليه النّاس وازدحموا وجعلوا يتمسّحون به وكادوا يأتون على نفسه فأمر عمّي أبو القاسم طاهر بن يحيىرضي‌الله‌عنه فتيانه وغلمانه، فقال: أفرجوا عنه النّاس ففعلوا وأخذوه وفأدخلوه إلى دار ابن أبي سهل الطفّي وكان عمّي نازلها، فادخل واذن للنّاس فدخلوا وكان معه خمسة نفر [ و ] ذكروا أنّهم أولاد أولاده فيهم شيخ له نيّف وثمانون سنّة فسألناه عنه، فقال: هذا ابن ابني، وآخر له سبعون سنّة فقال: هذا ابن ابني، وإثنان لهما ستّون سنة أو خمسون سنة أو نحوها وآخر له سبع عشرة سنة، فقال: هذا ابن ابن ابني ولم يكن معه فيهم أصغر منه، وكان إذا رأيته قلت: هذا ابن ثلاثين سنة أو أربعين سنة، أسود الرَّأس واللّحية، شابٌّ نحيف الجسم أدم، ربع من الرِّجال خفيف العارضين، [ هو ] إلى القصر أقرب، قال أبو محمّد العلويُّ: فحدَّثنا هذا الرَّجل واسمه عليُّ بن عثمان بن الخطّاب بن مرّة بن مؤيّد بجميع ما كتبناه عنه وسمعنا من لفظه، وما رأيناه من بياض عنفقته(١) بعد اسودادها ورجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.

وقال أبو محمّد العلويُّرضي‌الله‌عنه : ولولا أنَّه حدَّث جماعة من أهل المدينة من الاشراف والحاجّ من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الافاق، ما حدَّثت عنه بما سمعت وسماعي منه بالمدينة وبمكّة في دار السهميين في دار المعروفة بالمكبّريّة وهي دار عليِّ بن عيسى بن الجرَّاح وسمعت منه في مضرب القشوريّ ومضرب الماذرائي عند باب الصفا، وأراد القشوري أن يحمله وولده إلى مدينة السلام إلى المقتدر، فجاءه أهل مكّة فقالوا: أيّد الله الاستاذ إنّا روينا في الأخبار المأثورة عن السلف أنَّ المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام فنيت وخرجت وزال الملك فلا تحمله وردَّه إلى المغرب. فسألنا مشايخ أهل المغرب ومصر فقالوا: لم نزل نسمع به من آبائنا ومشايخنا يذكرون اسم هذا الرَّجل، واسم البلدة الّتي هو مقيم فيما طنجة(٢) وذكروا أنّهم كان يحدثهم بأحاديث

__________________

(١) العنفقة، الشعر الّذي في الشفة السفلى، وقيل. الشعر الّذي بينها وبين الذقن (النهاية).

(٢) بلدة بساحل بحر المغرب (ق).

٥٤٤

قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا.

قال أبو محمّد العلويَّ [رضي‌الله‌عنه ]: فحدَّثنا هذا الشيخ أعني علىُّ بن عثمان المغربي ببدء خروجه من بلدة حضر موت، وذكر أنَّ أباه خرج هو وعمّه محمّد وخرجا به معهما يريدون الحج وزيارة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرجوا من بلادهم من حضر موت وساروا أيّاماً، ثمّ أخطأوا الطريق وتاهوا في المحجّة فأقاموا تائهين ثلاثة أيّام وثلاث ليال علي غير محجّة فبينا هم كذلك إذا وقعوا على جبال رمل يقال لها: رمل عالج، متّصل برمل إرم ذات العماد.

قال: فبينما نحن كذلك إذا نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها، فأشرفنا على واد وإذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين، قال: فلمّا نظرا إلينا قام أحدهما فأخذ دلواً فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر، واستقبلنا وجاء إلى أبي فناوله الدَّلو فقال أبي: قد أمسينا ننيخ(١) على هذا الماء ونفطر إن شاء الله، فصار إلى عمّي وقال له: اشرب فردَّ عليه كما ردَّ عليه أبي، فناولني وقال لي: اشرب فشربت فقال لي: هنيئاً لك إنّك ستلقى عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام فأخبره أيّها الغلام بخبرنا وقل له: الخضر وإلياس يقرئانك السلام، وستعمر حتّى تلقى المهدي وعيسى بن مريمعليهما‌السلام فإذا لقيتهما فأقرئهما منا السلام، ثمّ قالا: ما يكونان هذان منك؟ فقلت: أبي وعمّي، فقالا: أمّا عمّك فلا يبلغ مكّة، وأمّا أنت وأبوك فستبلغان ويموت أبوك وتعمر أنت ولستم تلحقون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه قد قرب أجله.

ثمّ مرّا فو الله ما أدري أين مرَّا في السّماء أو في الأرض فنظرنا فإذا لا بئر ولا عين ولا ماء، فسرنا متعجّبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران فاعتلَّ عمّي ومات بها وأتممت أنا وأبي حجّنا ووصلنا إلى المدينة فاعتل أبي ومات، وأوصى بي إلى عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام فأخذني وكنت معه أيّام أبي بكر وعمر وعثمان وأيّام خلافته حتي قتله ابن ملجم لعنه الله.

__________________

(١) أناخ الجمل: أبركه.

٥٤٥

وذكر أنَّه لمّا حوصر عثمان بن عفّان في داره دعاني فدفع إليَّ كتاباً ونجيباً وأمرني بالخروج إلى عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وكان غائباً بينبع في ضياعه وأمواله فأخذت الكتاب وسرت حتّى إذا كنت بموضع يقال له: جدار أبي عباية فسمعت قرآناً فإذا أنا بعليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يسير مقبلاً من ينبع وهو يقول: « أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون » فلمّا نظر إليَّ قال: يا أبا الدُّنيا ما وراءك؟ قلت: هذا كتاب أمير المؤمنين عثمان، فأخذه فقرأه فإذا فيه:

فان كنت مأكولاً فكن أنت آكلي(١)

وإلّا فأدركني ولما امزق

فإذا قرأه قال: برسر(٢) فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفّان فمالعليه‌السلام إلى حديقة بني النجّار وعلم النّاس بمكانه فجاؤوا إليه ركضاً وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله، فلمّا نظروا إليه ارفضوا إليه ارفضاض الغنم يشدُّ عليها السبع، فبايعه طلحة ثمَّ الزبير، ثمّ بايع المهاجرون والأنصار فأقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل وصفّين فكنت بين الصفّين واقفاً عن يمينه إذا سقط سوطه من يده، فأكببت آخذه وأدفعه إليه وكان لجام دابّته حديداً مزجّجاً(٣) فرفع الفرس رأسه فشجّني هذه الشجّة الّتي في صُدغي، فدعاني أمير المؤمنينعليه‌السلام فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب(٤) فتركه عليها فوالله ما وجدت لها ألماً ولا وجعاً، ثمَّ أقمت معهعليه‌السلام وصحبت الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام حتّى ضرب بساباط المدائن، ثمَّ بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسينعليه‌السلام حتّى مات الحسنعليه‌السلام مسموماً، سمّته جعدة بنت الاشعث ابن قيس الكنديُّ لعنها الله دسّاً من معاوية.

ثمَّ خرجت مع الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام حتّى حضرت كربلاء وقُتلعليه‌السلام وخرجت هارباً من بني أميّة، وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهديِّ وعيسى بن - مريمعليه‌السلام .

__________________

(١) رواه القاموس في مادة « مزق » وفيه « خير آكل »

(٢) رجل برّسرّ أي يبرّ ويسرّ (الصحاح)

(٣) المزجج: المرقع الممدود. وفي بعض النسخ « مدّمجاً » أي مستحكماً.

(٤) الحفنة هي ملء الكف.

٥٤٦

قال أبو محمّد العلويُّرضي‌الله‌عنه : ومن عجيب ما رأيت من هذا الشيخ عليِّ ابن عثمان وهو في دار عمّي طاهر بن يحيىرضي‌الله‌عنه وهو يحدِّث بهذه الاعاجيب وبدء خروجه فنظرت عنفقته قد احمرَّت ثمّ ابيضّت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنّه لم يكن في لحيته ولا في رأسه ولا في عنفقته بياضٌ، قال: فنظر إلى نظري إلى لحيته وإلى عنفقته وقال: أما ترون أنَّ هذا يصيبني إذا جعت وإذا شبعت رجعت إلى سوادها، فدعا عمّي بطعام فأخرج من داره ثلاث موائد فوضعت واحدة بين يدي الشيخ وكنت أنا أحد من جلس عليها فجلست معه ووضعت المائدتان في وسط الدّار وقال عمّي للجماعة: بحقي عليكم إلّا أكلتم وتحرمتم بطعامنا، فأكل قومٌ وامتنع قومٌ، وجلس عمّي عن يمين الشيخ يأكل ويلقي بين يديه فأكل أكل شابٍّ وعمّي يحلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته تسود حتّى عادت إلى سوادها وشبع.

١٠ - فحدّثنا عليُّ بن عثمان بن الخطّاب قال: حدَّثني عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبَّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني.

٥١

( باب )

* (حديث عبيد بن شرية(١) الجرهمي) *

١ - وحدَّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب السجزيُّ قال: وجدت في كتاب لأخي أبي الحسن بحظه يقول: سمعت بعض أهل العلم وممّن قرأ الكتب وسمع الأخبار أنَّ عبيد بن شرية الجرهمي وهو معروف عاش ثلاثمائة سنّة وخمسين سنّة، فأدرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحسن إسلامه وعمر بعد ما قبض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قدم على معاوية في أيّام تغلّبه وملكه، فقال له معاوية: أخبرني يا عبيد عمّا رأيت وسمعت ومن أدركت

__________________

(١) في بعض النسخ « عبيد بن شريد » وهو تصحيف.

٥٤٧

وكيف رأيت الدَّهر؟.

فقال: أمّا الدَّهر فرأيت ليلاً يشبه ليلاً، ونهاراً يشبه نهاراً، ومولوداً يولد، وميتا يموت، ولم أدرك أهل زمان إلّا وهم يذمون زمانهم، وأدركت من قد عاش ألف سنّة فحدَّثني عمّن كان قبله قد عاش ألفي سنة(١) .

وأمّا ما سمعت فإنّه حدّثني ملك من ملوك حمير أنَّ بعض الملوك التبايعة(٢) ممّن قد دانت له البلاد، وكان يقال له: ذو سرح كان أعطى الملك في عنفوان شبابه، وكان حسن السيرة في أهل مملكته، سخيافيهم مطاعاً فملكهم سبعمائة سنة، وكان كثيراً يخرج في خاصّته إلى الصيد والنزهة، فخرج يوماً في بعض متنزِّهه فأتى على حيّتين إحديهما بيضاء كأنّها سبيكة فضة والاخرى سوداء كأنّها حُمَمَة(٣) وهما تقتتلان وقد غلبت السوداء على البيضاء، فكادت تأتي على نفسها، فأمر الملك بالسوداء فقتلت، وأمر بالبيضاء فاحتملت حتّى انتهى بها إلى عين من ماء نقيٍّ عليها شجرة فأمر فصبَّ الماء عليها وسقيت حتّى رجعت إليها نفسها، فأفاقت فخلّي سبيلها فانسابت الحيّة فمضت لسبيلها، ومكث الملك يومئذ في متصيده ونزهته فلمّا أمسى رجع إلى منزله وجلس على سريره في موضع لا يصل إليه حاجب ولا أحدٌ، فبينا هو كذلك إذ رآى شابّاً أخذ بعضادتي الباب وبه من الشباب والجمال شيءٌ لا يوصف، فسلّم عليه، فذعر منه الملك فقال له: من أنت؟ ومن أذن لك في الدُّخول إليَّ في هذا الموضع الّذي لا يصل إلي فيه حاجب ولا غيره؟ فقال له الفتى: لا ترُع أيّها الملك إنّي لست بأنسيٍّ ولكنّي فتى من الجنِّ أتيتك لاُجازيك ببلائك الحسن الجميل عندي، قال الملك: وما بلائي عندك؟ قال: أنا الحيّة الّتي أحييتني في يومك هذا والاسود الّذي قتلته وخلصتني منه كان غلاماً لنا

__________________

(١) راجع مكالمته مع معاوية كتاب « المعمرون » لابي حاتم السجستاني ص ٥٠.

(٢) ملوك التبابعة هم بنو حمير كانوا باليمن، وإنّما سموا تبابعة لأنّه يتبع بعضهم بعضاً، كلما هلك واحد منهم قام بعده واحد آخر ولم يكونوا يسمون الملك منهم بتبّع حتّى يملك اليمن.

(٣) الحمم: الرماد والفحم وكل ما احترق من النّار، الواحدة حممة. (الصحاح).

٥٤٨

تمرَّد علينا، وقد قتل من أهل بيتي عدَّة، كان إذا خلا بواحد منّا قتله، فقتلتَ عدوِّي وأحييتني فجئتك لأكافيك ببلائك عندي، ونحن أيّها الملك الجنُّ لا الجنُّ قال له الملك: وما الفرق بين الجنِّ والجنِّ، ثمَّ انقطع الحديث من الأصل الّذي كتبته فلم يكن هناك تمامه.

٥٢

( باب )

* (حديث الربيع بن الضبع الفزاري) *

١ - حدّثنا أحمد بن يحيى المكتب قال: حدّثنا أبو الطيب أحمد بن محمّد الورَّاق قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن دريد الازديِّ العمانيُّ بجميع أخباره وكتبه الّتي صنّفها ووجدنا في أخباره أنَّه قال: لمّا وفد النّاس على عبد الملك بن مروان قدم فيمن قدم عليه الرَّبيع بن ضبع الفزاريُّ - وكان أحد المعمّرين - ومعه ابن ابنه وهب بن عبد الله بن الرَّبيع شيخاً فانياً قد سقط حاجباه على عينيه وقد عصبهما، فلمّا رآه الاذن وكانوا يأذنون النّاس على أسنانهم، قال له: ادخل أيّها الشيخ، فدخل يدبُّ على العصا يقيم بها صلبه وكشحيه على ركبتيه فلمّا رآه عبد الملك رقَّ له وقال له: اجلس أيّها الشيخ، فقال: يا أمير المؤمنين أيجلس الشيخ وجدّه على الباب؟ قال: فأنت إذن من ولد الرَّبيع بن ضبع؟ قال: نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع، فقال للاذن ارجع فأدخل الرَّبيع، فخرج الاذن فلم يعرفه حتّى نادى: أين الرَّبيع؟ قال: ها أنا ذا، فقام يهرول في مشيته فلمّا دخل على عبد الملك سلّم فقال عبد الملك لجلسائه: ويلكم إنَّه لا شبُّ الرَّجلين، يا ربيع أخبرني عمّا أدركت من العمر والّذي رأيت من الخطوب الماضية؟ قال: أنا الّذي أقول:

ها أنا ذا آمل الخلود وقد

أدرك عمري(١) ومولدي حُجُرا

أنا أمرء القيس(٢) قد سمعت به

هيهات هيهات طال ذا عمرا

__________________

(١) في رواية « أدرك عقلي »

(٢) على سبيل التشبيه في الشعر وفي « المعمرون » « أبا مريء القيس ».

٥٤٩

فقال عبد الملك: قد رويت هذا من شعرك وأنا صبيٌّ. قال: وأنا أقول:

إذا عاش الفتى مائتين عاماً

فقد ذهب اللّذاذة والفتاء(١)

قال عبد الملك: وقد رويت هذا أيضاً وأنا غلام يا ربيع لقد طلبك جدٌّ غير عاثر(٢) ، ففصّل لي عمرك؟ فقال: عشت مائتي سنّة في الفترة بين عيسى ومحمّدعليهما‌السلام ومائة وعشرين سنّة في الجاهليّة وستين سنّة في الاسلام.

قال: أخبرني عن الفتية في قريش المتواطيء الاسماء، قال: سل عن أيّهم شئت قال: أخبرني، عن عبد الله بن عبّاس قال: فهم وعلم وعطاء وحلم ومقري ضخم.

قال: فأخبرني عن عبد الله بن عمر، قال: حلم وعلم وطول وكظم وبعد من الظلم.

قال: فأخبرني، عن عبد الله بن جعفر؟ قال: ريحانة طيب ريحها، لين مسها قليل على المسلمين ضررها.

قال: فأخبرني عن عبد الله بن الزُّبير؟ قال: جبل وعر ينحدر منه الصخر. قال: لله درك ما أخبرك بهم؟ قال: قرب جواري وكثر استخباري.

٥٣

( باب )

* (حديث شق الكاهن) *

١ - حدَّثنا أحمد بن يحيى المكتّبرضي‌الله‌عنه قال: حدّثنا أبو الطيّب أحمد ابن محمّد الوراق قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن بن دريد الازديُّ العمّانيُّ قال: حدّثنا

__________________

(١) في رواية « فقد أودى المسرة والفتاء » وفي البحار « فقد ذهب اللذاذة والغناء » ويروي « فقد ذهب التخيل والفتاء » والفتاء مصدر الفتى وكان قبل البيت بيتان هما:

إذا كان الشتاء فأدفئوني

فانَّ الشيخ يهدمه الشتاء

فأما حين يذهب كلّ قُرٍّ

فسربالٌ خفيفٌ أو رداء

 (٢) الجد - بالفتح -: الحظ والبخت والغناء أي طلبك بخت عظيم لم يعثر حتّى وصل اليك أو لم يعثر بك، بل نمشك في كلّ الاحوال.

٥٥٠

أحمد بن عيسى أبو بشير العقيليُّ، عن أبي حاتم، عن أبي قبيصة، عن ابن الكلبيِّ، عن أبيه قال: سمعت شيوخاً من بجيله ما رأيت على سروهم(١) ولا حسن هيئتهم، يخبرون أنَّه عاش شقُّ الكاهن ثلاثمائة سنّة فلمّا حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا: أوصنا فقد آن أن يفوتنا بك الدَّهر، فقال: تواصلوا ولا تقاطعوا، وتقابلوا ولا تدابروا، وبلّوا الارحام(٢) واحفظوا الذِّمام، وسوِّدوا الحليم، وأجلّوا الكريم، ووقّروا ذا الشيبة وأذلّوا اللّئيم، وتجنبوا الهزل في مواضع الجدِّ، ولا تكدِّروا الانعام بالمنِّ، واعفوا إذا قدرتم، وهادنوا إذا عجزتم، وأحسنوا إذا كويدتم(٣) واسمعوا من مشايخكم، واستبقوا دواعي الصلاح عند إحن العداوة فإنَّ بلوغ الغاية في النكاية جرح بطيء الاندمال، وإيّاكم والطعن في الأنساب، لا تفحصوا عن مَساويكم(٤) ، ولا تودعوا عقايلكم غير مُساويكم(٥) فإنّها وصمة فادحة وقضأة فاضحة(٦) ، الرِّفق الرِّفق لا الخرق فإن الخُرق مندمة في العواقب، مكسبة للعواتب، الصبر أنفذ عتاب(٧) ، والقناعة خير مال والنّاس أتباع الطمع، وقرائن الهلع، ومطايا الجزع، وروح الذُّلِّ التخاذل، ولا تزالون ناظرين بعيون نائمة ما اتّصل الرَّجاء بأموالكم والخُوف بمحالكم.

ثمَّ قال: يا لها نصيحة زلّت عن عذبة فصيحة إذا كان وعاؤها وكيعاً(٨) ومعدنها منيعاً، ثمّ مات.

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : أنَّ مخالفينا يروون مثل هذه الأحاديث

__________________

(١) السرو - بفتح السين المهملة وسكون الراء والواو آخراً -: المروءة في شرف.

(٢) في النهاية فيه « بلوا ارحامكم ولو بالسلام » أي ندوها بصلتها وهم يطلقون اليبس على القطيعة.

(٣) من الكيد.

(٤) يعنى مساوى بني نوعكم.

(٥) العقيلة: الكريمة أي لا تزوجوا بناتكم إلّا ممّن يساويكم في الشرف.

(٦) الوصمة: العار والعيب. والفادح: الثقيل وقضأة فاضحة أي عيب وفساد وتقضؤوا منه أن يزوجوه أي استخسوا حسبه.

(٧) في بعض النسخ « أنفذ عتاد ».

(٨) وعاء وكيع أي شديد متين.

٥٥١

ويصدِّقونها، ويروون حديث شدَّاد بن عاد بن إرم وأنّه عمر تسعمائة سنّة، ويروون صفة الجنّة وأنّها مغيّبة عن النّاس فلا ترى وأنّها في الأرض ولا يصدِّقون بقائم آل محمّدعليهم‌السلام ويكذِّبون بالاخبار الّتي رويت فيه جحودا للحقِّ وعناداً لاهله.

٥٤

( باب )

* (حديث شداد بن عاد بن أرم) *

وصفة أرم ذات العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد

١ - أخبرنا محمّد بن هارون الزَّنجانيُّ فيما كتب إليَّ قال: حدّثنا معاذ أبو المثنّى العنبري(١) قال: حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أسماء قال: حدَّثنا جويرية، عن سفيان، عن منصور عن أبي وائل قال: إنَّ رجلاً يقال له: عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل له قد شردت فبينا هو في صحاري عدن في تلك الفلوات إذ هو وقع على مدينة عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة وأعلام طوال، فلمّا دنا منها ظنَّ أن فيها من يسأله عن إبله فلم ير داخلاً ولا خارجاً، فنزل عن ناقته وعقلها وسلَّ سيفه ودخل من باب الحصن، فإذا هو ببابين عظيمين لم يُر في الدُّنيا بناء أعظم منهما ولا أطول، وإذا خشبها من أطيب عود وعليها نجوم من ياقوت أصفر وياقوت أحمر، ضوؤها قد ملأ المكان، فلمّا رآى ذلك أعجبه ففتح أحد البابين ودخل فإذا هو بمدينة لم ير الرَّاؤون مثلها قطُّ، وإذا هو بقصور، كلِّ قصر منها معلّق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت، وفوق كلِّ قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف مبنيّة بالذَّهب والفضّة واللّؤلؤ والياقوت والزَّبرجد، وعلى كلِّ باب من أبواب تلك القصور مصاريع مثل مصاريع باب المدينة من عود طيب، قد نُضّدت عليه اليواقيت، وقد فرشت تلك القصور باللّؤلؤ وبنادق المسك والزَّعفران، فلمّا رآى ذلك أعجبه ولم ير هناك أحداً فأفزعه ذلك.

ثمَّ نظر إلى الازقّة فإذا في كلِّ زقاق منها أشجار قد أثمرت، تحتها أنهار

__________________

(١) هو معاذ بن معاذ العنبري قاضي البصرة عامي وثقه ابن معين وأبو حاتم وعبد الله هو ابن أخ جويرية وثقه أبو حاتم. وعمه جويرية وثقه أحمد (تهذيب التهذيب).

٥٥٢

تجري، فقال: هذه الجنّة الّتي وصف الله عزَّ وجلَّ لعباده في الدُّنيا والحمد لله الّذي أدخلني الجنّة، فحمل من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزَّعفران ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ومن ياقوتها لأنّه كان مثبتاً في أبوابها وجدرانها، وكان اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران منثوراً بمنزلة الرَّمل في تلك القصور والغرف كُلّها، فأخذ منها ما أراد وخرج حتّى أتى ناقته وركبها، ثمّ سار يقفو أثر ناقته حتّى رجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وأعلم النّاس أمره، وباع بعض ذلك اللّؤلؤ وكان قد اصفارَّ وتغيّر من طول ما مرَّ عليه من اللّيالي والايّام، فشاع خبره وبلغ معاوية بن أبي سفيان، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء وكتب بإشخاصه، فشخص حتّى قدم على معاوية فخلا به وسأله عمّا عاين فقصَّ عليه أمر المدينة وما رأى فيها وعرض عليه ما حمله منها من اللّؤلؤ وبنادق المسك والزَّعفران، فقال: والله ما أعطى سليمان بن داود مثل هذه المدينة، فبعث معاوية إلى كعب الاحبار فدعاه وقال له: يا أبا إسحاق هل بلغك أنَّ في الدُّنيا مدينة مبنيّة بالذَّهب والفضّة وعمدها من الزَّبرجد والياقوت وحصاء قصورها وغرفها اللّؤلؤ، وأنهارها في الازقّة تجري تحت الاشجار.

قال كعب: أمّا هذه المدينة فصاحبها شدَّاد بن عاد الّذي بناها وأمّا المدينة فهي إرم ذات العماد وهي الّتي وصف الله عزَّ وجلَّ في كتابه المنزل على نبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر أنَّه لم يخلق مثلها في البلاد.

قال معاوية: حدِّثنا بحديثها فقال: إنَّ عادا الاُولى - وليس بعاد قوم هودعليه‌السلام - كان له ابنان سمّي أحدهما شديداً والاخر شدّاداً فهلك عاد وبقيا وملكا وتجبّراً وأطاعهما النّاس في الشرق والغرب، فمات شديد وبقي شدَّاد فملك وحده ولم ينازعه أحد.

وكان مولعاً بقراءة الكتب، وكان كلّما سمع بذكر الجنّة وما فيها من البنيان والياقوت والزَّبرجد واللؤلؤ رغب أن يفعل مثل ذلك في الدُّنيا عتوّاً على الله عزَّ وجلَّ فجعل على صنعتها مائة رجل تحت كلِّ واحد منهم ألف من الاعوان، فقال: انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها، فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضّة وياقوت و

٥٥٣

زبرجد ولؤلؤ، واصنعوا تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد وعلى المدينة قصوراً، وعلى القصور غرفاً، وفوق الغرف غرفاً، وأغرسوا تحت القصور في أزقّتها أصناف الثمار كلّها وأجروا فيها الأنهار حتّى يكون تحت أشجارها، فإنّي قرأت في الكتب صفة الجنّة وأنا احبُّ أن أجعل مثلها في الدُّنيا.

قالوا له: كيف نقدر على ما وصفت لنا من الجواهر والذَّهب والفضّة حتّى يمكننا أن نبني مدينة كما وصفت؟.

قال شدَّاد: إلّا تعلمون أنَّ ملك الدُّنيا بيدي؟ قالوا: بلى، قال: فانطلقوا إلى كلِّ معدن من معادن الجواهر والذَّهب والفضّة فوكّلوا بها حتّى تجمعوا ما تحتاجون إليه، وخذوا ما تجدونه في أيدي النّاس من الذّهب والفضّة.

فكتبوا إلى كلِّ ملك في الشرق والغرب فجعلوا يجمعون أنواع الجواهر عشر سنين فبنوا له هذه المدينة في مدَّة ثلاثمائة سنّة، وعمر شدَّاد تسعمائة سنّة فلمّا أتوه وأخبروه بفراغهم منها قال: انطلقوا فاجعلوا عليها حصناً، واجعلوا حول الحصن ألف قصر، عند كلِّ قصر ألف علم، يكون في كلِّ قصر من تلك القصور وزيرٌ من وزرائي فرجعوا وعملوا ذلك كلّه له، ثمَّ أتوه فأخبروه بالفراغ منها كما أمرهم به، فأمر النّاس بالتجهيز إلى إرم ذات العماد فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين.

ثمَّ سار الملك يريد إرم فلمّا كان من المدينة على مسيرة يوم وليلة بعث الله عزَّ وجلَّ عليه وعلى جميع من كان معه صيحة من السّماء فأهلكتهم جميعاً وما دخل إرم ولا أحدٌ ممّن كان معه، فهذه صفة إرم ذات العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد.

وإنّي لاجد في الكتب أنَّ رجلاً يدخلها ويرى ما فيها ثمّ يخرج ويحدِّث النّاس بما يرى فلا يصدَّق، وسيدخلها أهل الدِّين في آخر الزمان.

قال مصنّف هذا الكتابرضي‌الله‌عنه : إذا جاز أن يكون في الأرض جنّة مغيبة عن أعين النّاس لا يهتدي إلى مكانها أحدٌ من النّاس ولا يعلمون بها ويعتقدون صحّة كونها من طريق الأخبار، فكيف لا يقبلون من طريق الأخبار كون القائمعليه‌السلام الان في غيبته، وإذا جاز أن يعمر شدّاد بن عاد تسعمائة سنّة فيكف لا يجوز أن يعمر القائم

٥٥٤

عليه‌السلام مثلها أو أكثر منها.

و الخبر في شدَّاد بن عاد عن أبي وائل، والاخبار في القائمعليه‌السلام عن النبيِّ والائمّة صلوات الله عليهم فهل ذلك إلّا مكابرة في جحود الحقِّ.

ووجدت في كتاب المعمّرين أنَّه حكى عن هشام بن سعيد الرِّجّال قال: إنّا وجدنا حجراً بالاسكندريّة مكتوباً فيه أنا شدَّاد بن عاد وأنا الّذي شيّدت العماد الّتي لم يخلق مثلها في البلاد، وجنّدت الاجناد وشددت بساعدي الواد فبنيتهنَّ إذ لا شيب ولا موت، وإذ الحجارة في اللّين مثل الطين، وكنزت كنزاً في البحر على اثني عشر منزلاً لم يخرجه حتّى تخرجه امّة محمّد.

* * *

وعاش أوس بن ربيعة بن كعب بن اُميّة الاسلميُّ مائتين وأربع عشرة سنّة وقال في ذلك:

لقد عمرت حتّي ملَّ أهلي

ثوائي عندهم وسئمتُ عمري(١)

وحُقَّ لِمَن أتى مائتان عاماً

عليه وأربعٌ من بعد عَشر

يملُّ من الثواء وصبح يوم(٢)

يغاديه وليلٌ بعدُ يَسري

فأبلَى جَدَّتي وتُرِكتُ شِلواً(٣)

وباح بما اُجِنُّ ضَميرَ صدري

 وعاش أبو زبيد واسمه البدر بن حرملة الطّائي وكان نصرانيّاً خمسين ومائة سنة.

وعاش نصر بن دهمان بن (بصار بن بكر بن) سُليم بن أشجع بن الرَّيث بن غطفان مائة وتسعين سنّة حتّى سقطت أسنانه وخرف عقله وأبيضَّ رأسه فحزب قومه أمرٌ(٢) فاحتاجوا فيه إلى رأيه، ودعوا الله عزَّ وجلَّ أن يردَّ إليه عقله وشبابه، فعاد إليه

__________________

(١) « ثوائي » أي اقامتي وفي رواية « فيهم » مكان « عندهم ».

(٢) في نسخة « وصبح ليل ».

(٣) الشلو - بالكسر -: بقية الشيء، والمشلى من الرِّجال: الخفيف اللحم. وفي رواية « وبقيت شلوا ».

(٤) حزبه أمر أي نزل به مهم أو أصابه غم.

٥٥٥

عقله وشبابه وأسودَّ شَعره.

فقال فيه سلمة بن الخُرشُب الأنماريُّ من أنمار بن بغيض، ويقال: بل عياض مرداس السلمي:

لنصر بن دُهمانَ الهُنيدَة عاشها

وتسعينَ حولاً ثمّ قُوِّم فانصاتا(١)

وعاد سواد الرَّأس بعد بياضه(٢)

وراجعه شرخ الشباب الّذي فاتا(٣)

وراجع عقلاً عند ما فات عقله

ولكنّه من بعد ذا كُلّه ماتا

 وعاش سويد بن حذَّاق العبدي(٤) ومائتي سنة.

وعاش الجُعشم بن عوف بن حذيمة دهراً طويلاً فقال:

حتى متى الجُعشم في الاحياء

ليس بذي أيد ولا غَنَاء

 هيهات ما للموت من دواء

وعاش ثعلبة بن كعب بن زيد بن عبد الاشهل الاوسي(٥) مائتي سنّة، فقال:

لقد صاحبت أقواماً فأمسوا(٦)

خُفاتاً ما يُجاب لهم دعاء

مضوا قصد السبيل وخلّفوني

فطال عليَّ بعدهم الثواء

فأصبحت الغداة رَهين بيتي

وأخلَفني من الموت الرجاء

 وعاش رداءة بن كعب(٧) بن ذهل بن قيس النخعيُّ ثلاثمائة سنّة، وقال:

__________________

(١) الهنيدة: المائة من الابل وغيرها، وقال أبو عبيدة: هي اسم لكل مائة وانصات الرَّجل إذا أجاب.

(٢) في رواية « بعد ابيضاضه ».

(٣) شرخ الشباب أوله أو نضارته.

(٤) من عبد القيس بن أفصى بن دعمّي بن أسد بن ربيعة بن نزار

(٥) في بعض النسخ « الاشوس ».

(٦) في رواية السجستاني « فاضحوا ».

(٧) في بعض النسخ « رداد بن كعب ». وأورده أبو حاتم السجستاني في « المعمرون » بعنوان جعفر بن قرط بن كعب بن قيس بن سعد وذكر له شعراً، ولعله كعب بن رداة النخعي كما ذكره ابن الكلبي على قول السجستاني.

٥٥٦

لم يَبقَ يا خذلة من لداتي

أبو بَنينَ لا ولا بنات(١)

ولا عقيم غير ذي سبات(٢)

إلّا يعدُّ اليومَ في الأموات

 هل مشترٍ أبيعه حياتي

وعاش عديُّ بن حاتم طيء عشرين ومائة سنة.

وعاش اماباة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكنديِّ ستين ومائة سنة.

وعاش عميرة بن هاجر بن عمير بن عبد العزَّى بن قُمَير سبعين ومائة سنّة وقال:

بَليتُ وأفناني الزَّمان وأصبَحتَ

هُنَيدَة قد ابقيت(٣) من بعدها عشرا

وأصبحتُ مثلَ الفرخ لا أنا ميّتٌ

فاُسلى(٤) ولا حيٌّ فاُصدِرُ لي أمرا

وقد عِشتُ دهراً ما تُجنُّ عشيرتي

لها ميّتاً حتّى أخُطّ به قبرا

 وعاش العرَّام بن منذر(٥) بن زُبيد بن قيس بن حارثة بن لَأم دهراً طويلاً في الجاهليّة، وأدرك عمر بن عبد العزيز واُدخل عليه وقد اختلفت ترقوتاه وسقط حاجباه فقيل له: ما أدركت؟ فقال:

ووالله ما أدري أأدركتُ اُمّة

على عهد ذي القرنين أم كنت أقدَما

مَتَى تخلعا منّي القميص تبيّنا

جاجيء(٦) لم يكسين لحماً ولا دماً

 وعاش سيف بن وهب بن جذيمة الطائيُّ مائتي سنة وقال:

__________________

(١) لدة الرَّجل: تربه والجمع لدات.

(٢) السبات: النوم والراحة وفى بعض النسخ « ذي بتات » والبتات: متاع البيت. وفي رواية السجستاني « من مسقط الشمس إلى الفرات ».

(٣) في رواية « قد انضيت ».

(٤) في بعض النسخ « فابلى » وفى البحار « فابكى ». وزاد في كتاب أبي حاتم السجستاني:

وقد كنت دهرا أهزم الجيش

واحداً وأعطى فلا منأ عطائي ولا نزرا

 (٥) في بعض النسخ والكتب « عوام بن المنذر ».

(٦) جاجيء جمع جؤجؤ وهو الصدر، وقيل: عظامه، وهو المراد هنا.

٥٥٧

ألا إنّني عاجلاً ذاهبُ

فلا تَحسبوا أنّني كاذِبُ

لبست شبابي فأفنيتُه

وأدركني القَدَر الغالبُ

وخصم دَفعتُ ومولّى نفعتُ

حتّى يثوب له ثائبُ

 وعاش أرطاة بن دشهبة المزنيُّ عشرين ومائة سنّة، فكان يكنّى أبا الوليد، فقال له عبد الملك بن مروان: ما بقي من شعرك يا أرطاة؟ قال: يا أمير المؤمنين إنّي لا أشرب ولا أطرب ولا أغضب، ولا يجيئني الشعراء إلّا على أحد هذه الخصال على أنّي أقول:

رأيت المرء تأكله اللّيالي

كأكل الأرض ساقطة الحديد

وما تبقي المنيّة حين تأتي

على نفس ابن آدم من مزيد

وأعلم أنّها ستكرُّ حتّى

توفّى نذرَها بأبي الوليد

 فارتاع عبد الملك(١) ، فقال: يا أرطاة. فقال أرطاة: يا أمير المؤمنين إنّي اُكنّى أبا الوليد.

وعاش عبَيد بن الأبرص(٢) ثلاثمائة سنّة فقال:

فَنيتُ وأفناني الزَّمان وأصبَحت

لداتي بنو نَعش وزهر الفراقد(٣)

ثمَّ أخذه النعمان بن المنذر يوم بؤسه فقتله.

وعاش شُريح بن هانيء عشرين ومائة سنة حتّى قتل في زمن الحجّاج بن يوسف فقال في كبره وضعفه:

أصبحت ذا بثٍّ اقاسي الكبر

قد عِشتُ بين المشركين أعصرا

ثُمتَ أدركت النبيَّ المنذَرا

وبعده صدِّيقه وعمرا

__________________

(١) أي فزع لمّا ظن أنَّه أراد بابي الوليد اياه.

(٢) هو عبيد بن الابرص الاسدي الشاعر من بني سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد وقتله كما في هامش « المعمرون » المنذر بن ماء السّماء وهو أحد فحول الشعراء الجاهلي.

(٣) الفراقد جمع فرقد، وهو النجم الّذي يهتدي به.

٥٥٨

ويَوم مَهران ويوم تسترا

والجمع في صِفِّينهم والنهَّرا(١)

هيهات ما أطول هذا عمرا

وعاش رجلٌ من بني ضبّة يقال له: المسجاح بن سباع الضّبيِّ(٢) دهراً طويلاً فقال:

لقد طوَّفت في الافاق حتّى

بليت وقد أنى لي لَو أبيدُ(٣)

وأفناني ولو يفنى نهارٌ

وليل كلّما يمضي يَعودُ

وشهرٌ مُستهلٌّ بعد شهر

وحَولٌ بعده حول جديد

 وعاش لقمان العاديُّ الكبير(٤) خمسمائة وستّين سنّة، وعاش عمر سبعة أنسر [ عاش ] كلُّ نسر منها ثمانين عاماً، وكان من بقية عاد الاُولى.

وروى أنَّه عاش ثلاثة آلاف سنّة وخمسمائة سنّة، وكان من وفد عاد الّذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، وكان اعطي عمر سَبعة أنسر وكان يأخذ فرخ النسر الذَّكر فيجعله في الجبل الّذي هو في أصله فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر، فربّاه حتّى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمراً، فقيل فيه: « طال الأبد على لبد »(٥) .

__________________

(١) يوم مهران ويوم تستر يومان من أيّام المسلمين المشهورة في تاريخ الفتوحات الاسلامية ببلاد الفرس. والاشعار في كتاب السجستاني مصرعها الاوَّل ساقط وجعل المصراع الثاني مكانه وهكذا إلى آخرها.

(٢) قال ابن دريد: مسحاج بن سباع. وفي « المعمرون » مسجاح بن خالد بن الحارث بن قيس بن نصر بن عائذة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وقال: زعموا أنَّه قال - ثمّ ذكر ما في المتن من الشعر وزاد:

ومفقود عزيز الفقد تأتي

منيته ومأمول وليد

 (٣) في بعض النسخ « بليت وآن لى أنَّ قد أبيد » وكذا في « المعمرون ».

(٤) هو غير لقمان الّذي عاصر داود النبيّعليه‌السلام

(٥) راجع مجمع الامثال ص ٣٧٢.

٥٥٩

وقد قيل فيه أشعار معروفة(١) ، وأعطي من القوَّة والسمع والبصر على قدر ذلك وله أحاديث كثيرة.

وعاش زهير بن جناب(٢) بن هُبَل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي ثلاثمائة سنّة(٣) .

وعاش مزيقيا واسمه عمر بن عامر وهو ماء السّماء لأنّه كان حياة أينما نزل كمثل ماء السّماء، وإنّما سمي مزيقيا لأنّه عاش ثمانمائة سنّة، أربعمائة سوقة، واربعمائة ملكاً، وكان يلبس كلّ يوم حلّتين، ثمَّ يأمر بهما فيمزَّقان حتّى لا يلبسهما أحد غيره.

وعاش هُبَل بن عبد الله بن كنانة ستّمائة سنّة(٤) .

وعاش أبو الطحمان القَينيُّ(٥) مائة وخمسين سنة.

__________________

(١) قال لبيد بن ربيعة الجعفري من بني كلاب فيه:

ولقد رأى لبد النسور تطايرت

رفع القوادم كالفقير الاعزل

من تحته لقمان يرجو نهضه

ولقد رأى لقمان إلّا يأتلى

 وقال الضبي فيه:

أو لم تر لقمان أهلكه

ما افتات من سنة ومن شهر

وبقاء نسر كلما انقرضت

أيامه عادت الى نسر

 وقال النابغة الذبياني

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا

أخنى عليها الّذي أخنى على لبد

 وأخنى أي أفسد.

(٢) في بعض النسخ « حباب ».

(٣) في « المعمرون » عاش أربعمائة سنّة وعشرين سنة.

(٤) قال السجستاني « سبعمائة » وذكر له حكاية.

(٥) اسمه حنظلة بن الشرقي وهو من بني كنانة بن القين وفي « المعمرون » عاش مائتي سنة. وقد يظهر من القاموس كونه شاعراً.

٥٦٠