كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة0%

كمال الدين وتمام النعمة مؤلف:
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 686

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق)
المحقق: علي أكبر الغفاري
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 686
المشاهدات: 137109
تحميل: 7431


توضيحات:

كمال الدين وتمام النعمة المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 686 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 137109 / تحميل: 7431
الحجم الحجم الحجم
كمال الدين وتمام النعمة

كمال الدين وتمام النعمة

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

الحسنعليه‌السلام ، ولم يكن في ذلك دلالة على نفي الولد.

و خفي على مخالفينا فقالوا: إنَّ موسى في ذلك الوقت لم يكن بحجّة والامام عندكم حجّة، ونحن إنّما شبّهنا الولادة والغيبة بالولادة والغيبة، وغيبة يوسفعليه‌السلام أعجب من كلّ عجب لم يقف على خبره أبوه وكان بينهما من المسافة ما يجب أن لا ينقطع لولا تدبير الله عزَّ وجلَّ في خلقه أن ينقطع خبره عن أبيه وهؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون.

و شبّهنا أمر حياته بقصّة أصحاب الكهف فانهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، وهم أحياء.

فان قال قائل: إنَّ هذه أمور قد كانت ولا دليل معنا على صحّة ما تقولون.

قيل له: أخرجنا بهذه الامثلة أقوالنا من حدِّ الاحالة إلى حدِّ الجواز، وأقمنا الادلة على صحّة قولنا بأن الكتاب لا يزال معه من عترة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه، وبما أسندناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبيّ والائمّة صلوات الله عليهم.

فان قال: فكيف التمسّك به؟ ولا نهتدي إلى مكانه ولا يقدر أحدٌ علي إتيانه؟ قيل له: نتمسّك بالاقرار بكونه وبامامته وبالنجباء الاخيار والفضلاء الابرار القائلين بامامته، المثبتين لولادته وولايته، المصدِّقين للنبيِّ والائمّةعليهم‌السلام في النص عليه باسمه ونسبه من أبرار شيعته، العالمين بالكتاب والسنّة، العارفين بوحدانيّة الله تعالى ذكره النافين عنه شبه المحدثين المحرّمين للقياس، المسلمين لمّا يصحُّ وروده عن النبيّ والائمّةعليهم‌السلام .

فان قال قائل: فإنَّ جاز أن يكون نتمسّك بهؤلاء الّذين وصفتهم ويكون تمسّكناً بهم تمسكا بالامام الغائب فلم لا يجوز أن يموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يخلّف أحدا فيقتصر أمته على حجج العقول والكتاب والسنّة؟ قيل له: ليس الاقتراح على الله عزَّ وجلَّ علينا وإنّما علينا فعل ما نؤمر به وقد دلت الدلائل على فرض طاعة هؤلاء الائمّة الاحد عشرعليهم‌السلام الّذين مضوا ووجب القعود معهم إذا قعدوا والنّهوض معهم إذا نهضوا، و

٨١

الاسماع منهم إذا نطقوا. فعلينا أن نفعل في كلّ وقت ما دلت الدّلائل على أنَّ علينا أن نفعله.

اعتراض آخر لبعضهم:

قال بعض الزّيديّة فإنَّ للواقفه ولغيرهم أن يعارضوكم في ادِّعائكم أنَّ موسى بن جعفرعليهما‌السلام مات وأنّكم وقفتم على ذلك بالعرف والعادة والمشاهدة وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أخبر في شأن المسيحعليه‌السلام فقال: «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم » وكان عند القوم في حكم المشاهدة والعادة الجارية أنّهم قد رأوه مصلوبا مقتولا فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الائمّة الّذين قال بغيبتهم طائفة من الناس.

الجواب يقال لهم: ليس سبيل الائمّةعليهم‌السلام في ذلك سبيل عيسى بن مريمعليه‌السلام وذلك أنَّ عيسى بن مريم ادَّعت اليهود قتله فكذبهم الله تعالى ذكره بقوله «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم »(١) وأئمّتناعليهم‌السلام لم يرد في شأنهم الخبر عن الله أنّهم شبهوا وإنّما قال ذلك قوم من طوائف الغلاة، وقد أخبر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله: « إنَّه ستخضب هذه من هذا » يعني لحيته من دم رأسه، وأخبر مَن بعده من الائمّةعليهم‌السلام بقتله، وكذلك الحسن والحسينعليهما‌السلام قد أخبر النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل بأنهما سيقتلان، وأخبرا عن أنفسهما بأنّ ذلك سيجري عليهما، وأخبر من بعدهما من الائمّةعليهم‌السلام بقتلهما، وكذلك سبيل كلّ إمام بعدهما من عليّ بن الحسين إلى الحسن بن عليّ العسكريّعليهما‌السلام قد أخبر الاوَّل بما يجري على من بعده وأخبر من بعده بما جرى على من قبله، فالمخبرون بموت الائمّةعليهما‌السلام هم النبيّ والائمّةعليهم‌السلام واحد بعد واحد، والمخبرون بقتل عيسىعليه‌السلام كانت اليهود، فلذلك قلنا: إنَّ ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحّة لا على الحسبان والحيلولة ولا على الشكِّ والشبهة لأنّ الكذب على المخبرين بموتهم غير جائز لأنّهم معصومون وهو على اليهود جائز.

__________________

(١) النساء: ١٥٦.

٨٢

شبهات من المخالفين ودفعها:

قال مخالفونا: إنَّ العادات والمشاهدات تدفع قولكم بالغيبة، فقلنا: إنَّ البراهمة(١) تقدر أن تقول مثل ذلك في آيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول للمسلمين إنّكم بأجمعكم لم تشاهدوها فلعلّكم قلّدتم من لم يجب تقليده أو قبلتم خبراً لم يقطع العذر، ومن أجل هذه المعارضة قالت عامة المعتزلة - على ما يحكى عنهم -: إنَّه لم تكن للرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزة غير القرآن فأمّا من اعترف بصحّة الايات الّتي هي غير القرآن احتاج إلى أن يطلق الكلام في جواز كونها بوصف الله - تعالى ذكره - بالقدرة عليها، ثمّ في صحّة وجود كونها على أُمور قد وقفنا عليها وهي غير كثيرة الرُّواة.

فقالت الاماميّة: فارضوا منّا بمثل ذلك وهو أن نصحّح هذه الأخبار الّتى تفرَّدنا بنقلها عن أئمّتناعليهم‌السلام بأن تدلَّ على جواز كونها بوصف الله - تعالى ذكره - بالقدرة عليها وصحة كونها بالادلّة العقليّة والكتابيّة والأخبار المرويّة المقبولة عند نقلة العامّة.

قال الجدليُّ فنقول: إنَّه ليس بازائنا جماعة تروي عن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضدَّ ما نروي ممّا يبطله ويناقضه، أو يدَّعون أنَّ أوَّلنا ليس كآخرنا؟

فيقال له: ما أنكرت من برهميٍّ قال لك: إنَّ العادات والمشهادات والطبيعيّات تمنع أن يتكلم ذراع مسمومٌ مشويّ وتمنع من انشقاق القمر وأنّه لو انشق القمر وانفلق لبطل نظام العالم.

و أمّا قوله: « ليس بازائهم من يدفع أنَّ أوَّلنا ليس كاخرنا » فانّه يقال له: إنّكم تدفعون عن ذلك أشدَّ الدَّفع ولو شهد هذه الايات الخلق الكثير لكان حكمه حكم القرآن فقد بان أنَّ الجدليَّ مستعملٌ للمغالطة، مستفرق فيما لم يستفرق.

قال الجدلي: أو تدفعونا عن قولنا إنَّه كان لنبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاتباع في حياته وبعد وفاته جماعةٌ لا يحصرهم العدد يروون آياته ويصحّحونها؟ فيقال له: إنَّ جماعة لم لم يحصرهم العدد قد عاينوا آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّتي هي تظليل الغمامة وكلام الذّراع

__________________

(١) البراهمة قوم لا يجوزون على الله تعالى بعثة الرسل.

٨٣

المسمومة وحنين الجذع وما في بابه ولكن هذه عامّة الاُمّة تقول: إنَّ هذه آيات رواها نفر يسير في الأصل فلم ادَّعيت أنَّ أحداً لا يدفعك عن هذه الدَّعوى؟.

قال الجدليُّ: ولمّا كان هذا هكذا كانت أخبارنا عن آيات نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالاخبار عن آيات موسى والاخبار عن آيات المسيح الّتي ادَّعتها النصارى لها ومن أجلها ما ادعوا وكأخبار المجوس والبراهمة عن أيّام آبائهم وأسلافهم.

قلنا : قد عرفنا أنَّ البراهمة تزعم أنَّ لابائهم وأسلافهم أمثالا موجودة ونظائر مشاهدة فلذلك قبلوه على طريق الاقناع، وليس هذا ممّا تنكره، وإنّما عرفناه للوجه الّذي من أجله عورض بما عورض به، فليكن من وراء الفصل من حيث طولب(١) .

قال الجدليُّ: وبازاء هذه الفرقة من القطعيّة جماعات تفضلها وجماعات في مثل حالها تروي عمّن يسندون إليه الخبر خبرهم في النص ضدّ ما يروون.

فيقال له: ومن هذه الجماعات الّتي تفضلها؟ وأين هم في ديار الله؟ وأين يسكنون من بلاد الله؟ أو ما وجب عليك أن تعلم أنَّ كتابك يقرء؟ ومن ليس من أهل الصناعة يعلم استعمالك للمغالطة.

قال الجدليُّ: وما كنت أحسب أنَّ امرءاً مسلماً تسمح نفسه بأن يجعل الأخبار عن آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عروضاً(٢) للاخبار في غيبة ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليِّ ابن موسى بن جعفرعليهم‌السلام ويدّعى تكافؤ التواتر فيهما. والله المستعان.

فيقال له: إنّا قد بينّا الوجه الّذي من أجله ادّعينا التساوي في هذا الباب وعرّفناك أنَّ الّذي نسمّيه الخبر المتواتر هو الّذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم وأن الأخبار عن آيات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأصل إنّما يرويها العدد القليل، والمحنة(٣) بيننا وبينك أن نرجع إلى أصحاب الحديث فنطلب منهم من روى انشقاق القمر وكلام الذِّراع المسمومة وما يجانس ذلك من آياته، فإنَّ أمكنه أن يروي كلِّ آية من هذه الايات عن عشرة أنفس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاينوا أو شاهدوا فالقول قوله، وإلّا فإنَّ الموافق

__________________

(١) في بعض النسخ « فليكن من ذكر الفضل - الخ ».

(٢) العروض من الكلام فحواه. يقال: « هذه المسألة عروض هذه » أي نظيره.

(٣) في بعض النسخ « والمجنة » وهي الترس.

٨٤

ادَّعى التكافؤ فيما هما مثلان ونظيران ومشبهان، والحمد لله.

وأقول - وبالله التوفيق -: إنّا قد استعبدنا بالاقرار بعصمة الامام كما استعبدنا بالقول به، والعصمة ليست في ظاهر الخليقة فترى وتشاهده ولو أقررنا بامامة إمام وأنكرنا أن يكون معصوماً لم نكن أقررنا به، فإذا جاز أن نكون مستعبدين من كلّ إمام بالاقرار بشيء غائب عن أبصارنا فيه جاز أن نستعبد بالاقرار بامامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك وتعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتد ولافرق.

وأقول أيضاً: إنَّ حال إمامناعليه‌السلام اليوم في غيبته حال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظهوره، وذلك أنَّهعليه‌السلام لمّا كان بمكة لم يكن بالمدينة، ولمّا كان بالمدينة لم يكن بمكّة، ولمّا سافر لم يكن بالحضر، ولمّا حضر لم يكن في السفر، وكانعليه‌السلام في جميع أحواله حاضراً بمكان، غائباً عن غيره من الاماكن، ولم تسقط حجّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أهل الأماكن الّتي غاب عنها، فهكذا الامامعليه‌السلام لا تسقط حجّته وإن كان غائبا عنا كما لم تسقط حجّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّن غاب عنه، وأكثر ما استعبد به النّاس من شرائط الاسلام وشرائعه فهو مثل ما استعبدوا به من الاقرار بغيبة الامام، وذلك أنَّ الله تبارك وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والايمان بسائر ما أنزل الله عزَّ وجلَّ على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وبالاخرة فقال: «هدى للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة وممّا رزقناهم ينفقون *والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون *أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفحلون »(١) وإن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال: قال الله عزَّ وجلَّ كذا وكذا، أمركم بكذا، ونهاكم عن كذا. وأكثر مخالفينا يقولون: أنَّ ذلك كان يكون عند نزول جبرئيلعليه‌السلام عليه، فسئل الصادقعليه‌السلام عن الغشية الّتي كانت تأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكانت تكون عند هبوط جبرئيلعليه‌السلام فقال: لا إنَّ جبرئيل كان إذ أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدخل عليه حتّى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد وإنّما ذلك عند

__________________

(١) البقرة: ٣ و ٤ و ٥.

٨٥

مخاطبة الله عزَّ وجلَّ إيّاه بغير ترجمان وواسطة.

حدثنا بذلك الحسن بن أحمد بن إدريس - رضي لله عنه - عن أبيه، عن جعفر ابن محمّد بن مالك، عن محمّد بن الحسين بن زيد(١) ، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن الصادق جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : فالناس لم يشاهدوا الله تبارك وتعالى يناجي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخاطبه ولا شاهدوا الوحي ووجب عليهم الاقرار بالغيب الّذي لم يشاهدوه وتصديق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك وقد أخبرنا الله عزَّ وجلَّ في محكم كتابه أنَّه ليس منا أحد «يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد (٢) » وقال عزَّ وجلَّ «وإنَّ عليكم لحافظين *كراماً كاتبين *يعلمون ما تفعلون »(٣) ونحن لم نرهم ولم نشاهدهم ولو لم نوقع التصديق بذلك لكنّا خارجين من الاسلام، رادِّين على الله تعالى ذكره قوله، وقد حذّرنا الله تبارك وتعالى من فتنة الشيطان فقال: «يا بني آدم لا يفتننّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة »(٤) ونحن لا نرى ويجب علينا الايمان بكونه والحذر منه، وقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذكر المسألة في القبر: « إنَّه إذا سئل الميّت فلم يجب بالصواب ضربه منكرٌ ونكيرٌ ضربة من عذاب الله، ما خلق الله من دابّة إلّا تذعر لها(٥) ما خلا الثقلين » ونحن لا نرى شيئاً من ذلك، ولا نشاهده ولا نسمعه، وأخبرنا عنهعليه‌السلام أنَّه عرج به إلى السماء. ونحن لم نر [ شيئا من ] ذلك [ ولا نشاهده ولا نسمعه ]. وأخبرناعليه‌السلام « من زار أخاه في الله عزَّ وجلَّ شيّعه سبعون ألف ملك يقولون: إلّا طبت وطابت لك الجنة » ونحن لا نراهم ولا نسمع كلامهم ولو لم نسلّم الأخبار الواردة في مثل ذلك وفيما يشبهه من أمور الاسلام لكنّا كافرين بها، خارجين من الاسلام.

__________________

(١) هو أبو جعفر الزيات. وفى بعض النسخ « محمّد بن الحسين بن يزيد » ولم أجده.

(٢) ق: ١٨. والآية هكذا « ما يلفظ من قول - الآية »

(٣) الانفطار: ١١ - ١٣.

(٤) الاعراف: ٢٧.

(٥) أي تفزع. وذعرته ذعرا: أفزعته، وقد ذعر فهو مذعور.

٨٦

مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة:

ولقد كلمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدَّولةرضي‌الله‌عنه فقال لي: وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين. فقلت له: إنَّ أهل الكفر كانوا في أيّام نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر عدداً منهم اليوم وقد أسرَّعليه‌السلام أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله جلَّ ذكره وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمّن لم يثق به، ثمّ آل الامر إلى أن تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله، فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين فلو أنَّ قائلاً قال في تلك السنين: لم لا يخرج محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانّه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين، ما كان يكون جوابنا له إلّا أنَّهعليه‌السلام بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج وباذنه غاب(١) ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي في الشعب هذه المدّة حتّى أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه أنَّه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجميع بني هاشم، المختومة بأربعين خاتماً، المعدلة(٢) عند زمعة بن الاسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من اسم الله عزَّ وجلَّ، فقام أبو طالب فدخل مكّة، فلمّا رأته قريش قدروا أنَّه قد جاء ليسلم إليهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوَّته، فاستقبلوه وعظّموه فلمّا جلس قال لهم: يا معشر قريش أنَّ ابن أخي محمّد لم أجرِّب عليه كذباً قطُّ وإنّه قد أخبرني أنَّ ربّه أوحى إليه أنَّه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من أسماء الله عزّ وجلّ. فأخرجوا الصحيفة وفكّوها فوجدوها كما قال، فآمن بعضٌ وبقي بعض على كفره، ورجع النبيُّعليه‌السلام وبنو هاشم إلى مكة. هكذا الامامعليه‌السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج.

وشيء آخر وهو أنَّ الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الامام فلو أنَّ قائلاً قال: لِمَ يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له

__________________

(١) مثل قوله تعالى: «واهجرهم هجراً جميلا ».

(٢) كذا، ولعل الصواب « المحفوظة » أو « المودعة ».

٨٧

أنَّ الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. ولا يقال له: لم ولا كيف، وهكذا إظهار الامام إلى الله الّذي غيّبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.

فقال الملحد: لست اُومن بامام لا أراه ولا تلزمني حجّته ما لم أره، فقلت له: يجب أن تقول: أنَّه لا تلزمك حجّة الله تعالى ذكره لانّك لا تراه ولا تلزمك حجّة الرَّسولعليه‌السلام لانّك لم تره.

فقال للامير السعيد ركن الدولةرضي‌الله‌عنه : أيّها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فانه يقول: إنَّ الامام إنّما غاب ولا يرى لأنّ الله عزَّ وجلَّ لا يرى، فقال له الأميررحمه‌الله : لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز.

وهذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زمانناعليه‌السلام ما يلفظون في دفع ذلك وجحوده إلّا بالهذيان والوساوس والخرافات الممّوهة.

وذكر أبو سهل اسماعيل بن عليٍّ النوبختي(١) في آخر كتاب التنبيه: وكثيراً ما يقول خصومنا: لو كان ما تدَّعون من النصِّ حقّاً لادِّعاه عليعليه‌السلام بعد مضيِّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيقال لهم: كيف يدّعيه فيقيم نفسه مقام مدَّع يحتاج إلى شهود على صحّة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبيِّعليه‌السلام فكيف يقبلون دعواه لنفسه، وتخلّفه عن بيعة

__________________

(١) هو اسماعيل بن عليّ بن اسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلمين من أصحابنا الاماميّة ببغداد ووجههم، متقدم النوبختيين في زمانه، له جلالة في الدِّين والدنيا، يجري مجرى الوزارء، صنف كتباً كثيرة جملة منها في الرد على أرباب المقالات الفاسدة، وله كتاب الانوار في تواريخ الائمّة الاطهار (ع). رأى مولانا الحجّةعليه‌السلام عند وفاة أبيه الحسن بن علىعليهما‌السلام ، وله احتجاج على الحلاج صار ذلك سبباً لفضيحة الحلاج وخذلانه. (الكنى والالقاب للمحدث القمي ره)

٨٨

أبي بكر ودفنه فاطمةعليهما‌السلام من غير أن يعرّفهم جمعياً خبرها حتّى دفنها سرّاً أدلُّ دليل على أنَّه لم يرض بما فعلوه.

فان قالوا: فلم قبلها بعد عثمان؟ قيل لهم: اعطوه بعض ما وجب له فقبله، وكان في ذلك مثل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قبل المنافقين والمؤلّفة قلوبهم.

وربما قال خصومنا - إذا عضّهم الحجاج(١) ولزمتهم الحجّة في أنَّه لابدّ من إمام منصوص عليه، عالم بالكتاب والسنّة، مأمون عليهما، لا ينساهما ولا يغلط فيها، ولا تجوز مخالفته، واجب الطاعة بنصِّ الأوَّل عليه - فمن هو هذا الامام سمّوه لنا ودلّونا عليه؟.

فيقال لهم: هذا كلام في الأخبار وهو انتقال من الموضع الّذي تكلمنا فيه لأنّا إنّما تكلّمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبيّعليه‌السلام وهل يجوز أن لا يستخلف وينّص على إمام بالصّفة الّتي ذكرناها؟ فإذا ثبت ذلك بالادلّة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الامام في كلّ عصر من قبل الأخبار ونقل الشيع النص على عليٍّعليه‌السلام وهم الان من الكثرة واختلاف الأوطان والهمم على ما هم عليه يوجب العلم والعمل لاسيّما وليس بازائهم فرقةٌ تدّعي النصِّ لرجل عبد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عليٍّعليه‌السلام ، فإنَّ عارضونا بما يدَّعيه أصحاب زرادشت(٢) وغيرهم من المبطلين، قيل لهم: هذه المعارضة تلزمكم في آيات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا انفصلتم بشيء فهو فصلنا لأنّ صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة فانّهم لا يتعارفون وإنّ أسلافهم يجب أن يكونوا كذلك(٣) بل أخبار الشيع أوكد لأنّه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة وإنّما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدُّول، وليس في أخبار الشيعة شيء من ذلك وإذا صحَّ بنقل الشيعة النصَّ من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عليٍّعليه‌السلام صحَّ بمثل ذلك نقلها النصَّ من عليٍّ على الحسن ومن الحسن على الحسين ثمّ على إمام إمام إلى الحسن بن عليٍّ، ثمّ

__________________

(١) عض الرَّجل بصاحبه يعض عضيضاً أي لزمه (الصحاح).

(٢) كناية عن المخالفين للحق. وزرادشت رئيس مذهب المجوس.

(٣) في بعض النسخ « وان اسلامهم يجب أن يكون كذلك ».

٨٩

على الغائب الامام بعدهعليهم‌السلام لأنّ رجال أبيه الحسنعليه‌السلام الثقات كلّهم قد شهدوا له بالامامة، وغابعليه‌السلام لأنّ السّلطان طلبه طلباً ظاهراً، ووكّل بمنازله وحرمه سنتين.

فلو قلت: إنَّ غيبة الامامعليه‌السلام في هذا العصر من أدلَّ الادلة على صحّة الامامة قلت: صدقاً لصدق الأخبار المتقدِّمة في ذلك وشهرتها.

وقد ذكر بعض الشيعة ممّن كان في خدمة الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام وأحد ثقاته أنَّ السبب بينه وبين ابن الحسن بن عليٍّعليهما‌السلام متّصل وكان يخرج من كتبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أن توّفي وأوصى إلى رجل من الشّيعة مستور فقام مقامه في هذا الامر.

وقد سألونا في هذه الغيبة(١) وقالوا: إذا جاز أن يغيب الامام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم؟ فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجّة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها. وأما إذا استتر الامام للخوف على نفسه بأمر الله عزَّ وجلَّ وكان له سببٌ معروفٌ متّصل به وكانت الحجّة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنّما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهراً وليس في ذلك بطلان للحجة، ولذلك نظائر قد أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشعب مدة طويلة وكان يدعو النّاس في أوّل أمره سرّاً إلى أن أمِنَ وصارت له فئةٌ وهو في كلّ ذلك نبيٌّ مبعوثٌ مرسلٌ فلم يبطل توقّيه وتستّره من بعض النّاس بدعوته نبوَّته ولا أدحض ذلك حجّته، ثمّ دخلعليه‌السلام الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلك نبوَّته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوَّته وكذلك الامام يجوز أن يحبسه السّلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتّى لا يفتي ولا يعلم ولا يبيّن، والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبيّن لأنّه موجود العين في العالم، ثابت الذَّات، ولو أنَّ نبيّاً أو إماماً لم يبيّن ويُعلّم ويفت(٢) لم تبطل نبوَّته ولا إمامته ولا حجّته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت

__________________

(١) في بعض النسخ « وقد سألونا في ذلك ».

(٢) في بعض النسخ « ويقل ».

٩٠

الحجّة، وكذلك يجوز أن يستتر الامام المدَّة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجّة الله عزوجل.

فان قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسالة؟ قيل له: كما كان يصنع والنبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار من جاء إليه ليسلم وليتعلّم منه، فإنَّ كان ذلك سائغاً في الحكمة كان هذا مثله سائغاً.

ومن أوضح الادلّة على الامامة أنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل آية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه أتى بقصص الأنبياء الماضينعليهم‌السلام وبكلِّ عليم [ من ] توراة وإنجيل وزبور من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهراً، أو لقى نصرانياً أو يهوديّاً فكان ذلك أعظم آياته، وقتل الحسين بن عليِّعليهما‌السلام وخلّف عليّ بن الحسينعليهما‌السلام متقارب السنِّ كانت سنّة أقلَّ من عشرين سنة، ثمّ انقبض عن النّاس فلم يلق أحداً ولا كان يلقاه إلّا خواص أصحابه وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلّا يسيرا لصعوبة الزَّمان وجور بني امية ثمّ ظهر ابنه محمّد بن علي المسمى بالباقرعليه‌السلام لفتقه العلم(١) فأتى من علوم الدِّين والكتاب والسنّة والسير والمغازي بأمر عظيم، وأتى جعفر بن محمّدعليهما‌السلام من بعده من ذلك بما كثر وظهر وانتشر، فلم يبق فن في فنون العلم إلّا أتى فيه بأشياء كثيرة، وفسر القرآن والسنن، ورويت عنه المغزي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه محمّد بن عليٍّ أو عليُّ بن الحسينعليهم‌السلام عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئاً، وفي ذلك أدل دليل على أنّهم إنّما أخذوا ذلك العلم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ عن عليٍّعليه‌السلام ، ثمّ عن واحد واحد من الائمّة، وكذلك جماعة الائمّةعليهم‌السلام هذه سنّتهم في العلم(٢) يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متّفقة من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من النّاس، فأي دليل أدل من هذا على إمامتهم وأنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصبهم وعلّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياءعليهم‌السلام قبله، وهل رأينا في العادات

__________________

(١) في بعض النسخ « لبقره العلم ».

(٢) في بعض النسخ « سبيلهم في العلم ».

٩١

من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن عليٍّ وجعفر بن محمّدعليهم‌السلام من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس.

فان قال قائل: لعلّهم كانوا يتعلّمون ذلك سرّاً، قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدّهرية في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه كان يتعلّم الكتابة ويقرأ الكتاب سرّاً. وكيف يجوز أن يظنَّ ذلك بمحمد بن عليّ وجعفر بن محمّد بن عليّعليهم‌السلام وأكثر ما أتوا به لا يعرف إلّا منهم، ولا سمع من غيرهم.

وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهورا تامّاً للخاصة والعامّة فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة [ قد ] تواترت أخبارها أنّها شاهدته وعاينته؟

فيقال لهم: إنَّ أمر الدِّين كله بالاستدلال يُعلم، فنحن عرفنا الله عزَّ وجلَّ بالادلّة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكونه في العالم بالاخبار، وعرفنا نبوَّته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنَّه استخلف عليّ بن - أبي طالبعليه‌السلام بالاستدلال، وعرفنا أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الائمّةعليهم‌السلام بعده عالمون بالكتاب والسنّة ولا يجوز عليهم في شيء من ذلك الغلط ولا النسيان ولا تعمد الكذب بالاستدلال، وكذلك عرفنا أنَّ الحسن بن عليّعليهما‌السلام إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالاخبار المتواترة عن الائمّة الصادقينعليهم‌السلام أنَّ الامامة لا تكون بعد كونها في الحسن والحسينعليهما‌السلام إلّا في ولد الامام ولا يكون في أخ ولا قرابة، فوجب من ذلك أنَّ الامام لا يمضي إلّا أن يخلف من ولده إماماً(١) فلمّا صحّت إمامة الحسنعليه‌السلام وصحت وفاته ثبت أنَّه قد خلف من ولده إماماً، هذا وجه من الدّلالة عليه.

ووجه آخر: وهو أنَّ الحسنعليه‌السلام خلّف جماعة من ثقاته ممّن يروي(٢) عنه الحلال والحرام ويؤدِّي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وكانوا بموضع من الستر(٣) والعدالة بتعديله إيّاهم في حياته، فلمّا مضى أجمعوا جميعاً على أنَّه قد خلف

__________________

(١) في بعض النسخ « من بعده إماماً ».

(٢) في بعض النسخ « يؤدى عنه الحلال ».

(٣) في بعض النسخ « في الستر ».

٩٢

ولداً هو الامام وأمروا النّاس أن لا يسألوا عن اسمه وأن يستروا ذلك من أعدائه، وطلبه السّلطان أشدَّ طلب ووكّل بالدور والحبالى من جواري الحسنعليه‌السلام ، ثمّ كانت كُتُب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشّيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثّقات أكثر من عشرين سنة، ثمّ انقطعت المكاتبة ومضى أكثر رجال الحسنعليه‌السلام الّذين كانوا شهدوا بأمر الامام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته فأمر النّاس بالكتمان وأن لا يذيعوا شيئاً من أمر الامام، وانقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الامام بما ذكرت من الدّليل، وبما وصفت عن أصحاب الحسنعليه‌السلام ورجاله ونقلهم خبره، وصحّة غيبته بالاخبار المشهورة في غيبة الامامعليه‌السلام وأنَّ له غيبتين احديهما أشدُّ من الاُخرى.

ومذهبنا في غيبة الامام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة(١) في موسى بن جعفر لأنّ موسى مات ظاهراً ورآه النّاس ميتاً ودفن دفناً مكشوفاً ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنة لا يدعي أحد أنَّه يراه ولا يكاتبه ولا يراسله، ودعواهم أنَّه حيٌّ فيه إكذاب الحواسَّ الّتي شاهدته ميتاً وقد قام بعده عدَّة أئمّة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسىعليه‌السلام . وليس في دعوانا هذه - غيبة الامام - إكذاب للحسِّ ولا محال ولا دعوى تنكرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلى هذا الوقت مَن يدَّعي من شيعته الثّقات المستورين أنَّه باب إليه وسبب يؤدِّي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل

__________________

(١) المراد بالممطورة: الواقفية. كما في المجمع قال فيه: والممطر - كمنبر - ما يلبس في المطر يتوقى به. والممطورة: الكلاب المبتلة بالمطر. وقال أبو محمّد الحسن ابن موسى النوبختي في كتابه « فرق الشيعة » وقد لقب الواقفة بعض مخالفيها ممّن قال بامامة عليّ بن موسى « الممطورة » وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها. وكان سبب ذلك أنَّ عليّ ابن اسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعضهم فقال له على بن اسماعيل - وقد اشتدَّ الكلام بينهم -: ما أنتم إلّا كلاب ممطورة. أراد إنّكم أنتن من جيف لأنّ الكلاب إذا أصابها المطر فهى أنتن من الجيف. فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم، لأنّه إذا قيل للرجل أنَّه ممطور فقد عرف أنَّه من الواقفة عليّ موسى بن جعفرعليهما‌السلام خاصة لأنّ كلّ من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسى خاصة. انتهى.

٩٣

المدَّة في الغيبة طولاً يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالاخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسنعليه‌السلام على ما شرحت وأنّه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة فانّها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشّيعة تتوقّعها وتترجّاها(١) كما ترجون بعد هذا من قيام القائمعليه‌السلام بالحقِّ وإظهار العدل. ونسأل الله عزَّ وجلَّ توفيقاً وصبراً جميلاً برحمته.

وقال أبو جعفر محمّد بن عبد الرَّحمن بن قبة الرَّازيُّ في نقض كتاب الاشهاد لأبي زيد العلويِّ، قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها: وقالت الزّيديّة والمؤتمّة(٢) : الحجّة من ولد فاطمة بقول الرَّسول المجمع عليه في حجّة الوداع، ويوم خرج إلى الصلاة في مرضه الّذي توّفي فيه: « أيّها النّاس قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي إلّا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا علىَّ الحوض، إلّا وإنكم لن تضلّوا ما استمستكم بهما ». ثمَّ أكد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولاً لا مخالفة فيه، ثمّ قال بعد ذلك: أنَّ المؤتمّة خالفت الاجماع وادَّعت الامامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة(٣) ، ثمّ لرجل من ذلك البطن في كلّ عصر.

فأقول - وبالله الثقة: إنَّ في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما يقول الاماميّة دلالة واضحة وذلك أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » دلَّ على أنَّ الحجّة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبايل العرب بل من عترته أهل بيته، ثمّ قرن قوله بما دلَّ [ به ] على مراده فقال: إلّا وإنها لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض « فأعلمنا أنَّ الحجّة من عترته لا تفارق الكتاب، وانّا متى تمسّكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضلّ، ومن لا يفارق الكتاب ممّن فرض على الاُمّة أن يتمسّكوا به، ويجب في العقول أن يكون عالماً بالكتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصّه من عامه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه

__________________

(١) في بعض النسخ « تتوخاها ».

(٢) يعني الاماميّة - الاثنى عشرية -.

(٣) يريد أنَّ لفظ العترة عام يشملهم جميعاً فجميع العترة داخل.

٩٤

ليضع كلّ شيء من ذلك موضعه الّذي وضعه الله عزَّ وجلَّ، لا يقدم مؤخّراً، ولا يؤخّر مقدَّماً. ويجب أن يكون جامعاً لعلم الدِّين كلّه ليمكن التمسّك به والاخذ بقوله فيما اختلفت فيه الاُمّة وتنازعته من تأويل الكتاب والسنّة، ولأنّه إن بقي منه شئ لا يعلمه لم يمكن التّمسّك به ثمّ متى كان بهذا المحلِّ أيضاً لم يكن مأموناً على الكتاب، ولم يؤمن أن يغلط فيضع النّاسخ منه مكان المنسوخ، والمحكم مكان المتشابه، والندب مكان الحتم، إلى غير ذلك ممّا يكثر تعداده، وإذا كان [ هذا ] هكذا صار الحجّة والمحجوج سواء، وإذا فسد هذا القول صحَّ ما قالت الاماميّة من أنَّ الحجّة من العترة لا يكون إلّا جامعاً لعلم الدِّين معصوماً مؤتمناً على الكتاب، فإنَّ وجدت الزّيديّة في أئمتها من هذه صفته فنحن أوَّل من ينقاد له، وإن تكن الاخرى فالحقُّ أولى ما اتُّبع.

وقال شيخ من الاماميّة: إنّا لم نقل: إنَّ الحجّة من ولد فاطمةعليهما‌السلام قولاً مطلقاً وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتجَّ لذلك بهذا الخبر فقط بل احتججنا به وبغيره، فأوَّل ذلك أنّا وجدنا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد خصَّ من عترته أهل بيته أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام بما خصَّ به ودلَّ على جلالة خطرهم وعِظَم شأنهم وعلوِّ حالهم عند الله عزَّ وجلَّ بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف ممّا شهرته تغني عن ذكره بيننا وبين الزّيديّة، ودلَّ الله تبارك وتعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله: « إنّمايريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا »(١) وبسورة هل أتى وما يشاكل ذلك، فلمّا قدمعليه‌السلام هذه الامور وقرر عند امته أنَّه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يكنعليه‌السلام ممّن ينسب إلى المحاباة ولا ممّن يولي ويقدم إلّا على الدِّين علمنا أنّهمعليهم‌السلام نالوا ذلك منه استحقاقاً بما خصهم به، فلمّا قال بعد ذلك كلّه: « قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي » علمنا أنَّه عنى هؤلاء دون غيرهم لأنّه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصّهعليه‌السلام و

__________________

(١) الاحزاب: ٣٣.

٩٥

نبّه على مكانه، ودلَّ على موضعه لئلّا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام محاباة، وهذا واضح، والحمد لله، ثمّ دلّنا على أنَّ الامام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنينعليه‌السلام إيّاه واتّباع أخيه له طوعاً.

و أمّا قوله: « إنَّ المؤتمّة خالفت الاجماع وادعت الامامة في بطن من العترة » فيقال له: ما هذا الاجماع السّابق الّذي خالفناه فانّا لا نعرفه، اللّهمّ إلّا أن تجعل مخالفة الاماميّة للزّيديّة خروجاً من الاجماع، فإنَّ كنت إلى هذا تومي فليس يتعذَّر على الاماميّة أن تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه وتدَّعي عليك من الاجماع مثل الّذي ادّعيته عليها، وبعد فأنت تقول: إنَّ الامامة لا تجوز(١) إلّا لولد الحسن والحسينعليهما‌السلام فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبيّن لك بأحسن من حجتك ما قلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله.

ثم قال صاحب الكتاب: وقالت الزّيديّة: الامامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم عامّاً لم يخصّص بها بعضاً دون بعض، ولقول الله عزَّ وجلَّ لهم دون غيرهم باجماعهم: «ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية »(٢) .

فأقول - وبالله التوفيق -: قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى لأنّ الزّيديّة إنّما تجيز الامامة لولد الحسن والحسينعليهما‌السلام (٣) خاصّة، والعترة في اللّغة العمِّ وبنو العم، الأقرب فالأقرب، وما عرف أهل اللّغة قطُّ ولا حكى عنهم أحدٌ أنّهم قالوا: العترة لا تكون إلّا ولد إلّا بنة من ابن العمِّ، هذا شيء تمنته الزّيديّة وخدعت به أنفسنا وتفرَّدت بادِّعائه بلا بيان ولا برهان، لأنّ الّذي تدّعيه ليس في العقل ولا في الكتاب ولا في الخبر ولا في شئ من اللغات وهذه اللّغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم

__________________

(١) في بعض النسخ « لا تكون ».

(٢) فاطر: ٣٢، وتمام الآية «فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير ».

(٣) في منقوله المترجم في كتاب المسمى بنامه دانشوران ج ٤ ص ٢٧٨ « الزّيديّة إنّما تجيز الامامة لولد الحسينعليه‌السلام ».

٩٦

يبيّن لكم أنَّ العترة في اللّغة الاقرب فالأقرب من العمِّ وبني العمِّ.

فان قال صاحب الكتاب: فلم زعمت أنَّ الامامة لا تكون(١) لفلان وولده، وهم من العترة عندك؟

قلنا له: نحن لم نقل هذا قياساً وإنّما قلناه اتّباعاً لمّا فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهؤلاء الثلاثة(٢) دون غيرهم من العترة ولو فعل بفلان(٣) ما فعله بهم لم يكن عندنا إلّا السّمع والطاعة.

وأمّا قوله: إنَّ الله تبارك وتعالى قال: «ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا - الآية ».

فيقال له: قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية وخالفتك الاماميّة وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الاماميّة، وأقلٌ ما كان يجب عليك - وقد ألفت كتابك هذا لتبيّن الحقّ وتدعو إليه - أن تؤيّد الدَّعوى بحجّة، فإنَّ لم تكن فاقناع، فإنَّ لم يكن فترك الاحتجاج(٤) بما لم يمكنك أن تبيّن أنَّه حجّة لك دون خصومك، فإنَّ تلاوة القرآن وادِّعاء تأويله بلا برهان أمرٌ لا يعجز عنه أحدٌ، وقد ادَّعى خصومنا وخصومك أنَّ قول الله عزَّ وجلَّ: «كنتم خير أمة أخرجت للنّاس - الآية »(٥) هم جميع علماء الاُمّة وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد وأن الاجماع لا يتم والحجة لا تثبت بعلم العترة فهل بينك وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بما ادَّعت أو تسألها البرهان؟ فإنَّ قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهات برهانك أوّلاً على أنَّ المعنى بهذه الآية الّتي تلوتها هم العترة، وأنَّ العترة هم الذرّيّة وأنّ الذرية هم ولد الحسن والحسينعليهما‌السلام دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممّن

__________________

(١) في بعض النسخ « لا تجوز ».

(٢) يعني امير المؤمنين والسبطين:.

(٣) أي لو فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثلاً بعباس وولديه عبد الله والفضل ما فعل بهؤلاء الثلاثة لم يكن - الخ.

(٤) يعني إن لم تكن حجّة فبدليل اقناعي وان لم يكن دليل اقناعي فترك الاحتجاج بما ليس لك حجّة بل يمكن أن يكون حجّة لخصومك.

(٥) آل عمران: ١١٠.

٩٧

امّهاتهم فاطميّات.

ثم قال: ويقال للمؤتمّة: ما دليلكم على إيجاب الامامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع، فإنَّ اعتلّوا بالوراثة والوصيّة، قيل لهم: هذه المغيريّة(١) تدَّعي الامامة لولد الحسن ثمّ في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كلّ عصر وزمان بالوراثة والوصيّة من أبيه وخالفوكم بعد فيما تدّعون كما خالفتم غيركم فيما يدّعي.

فأقول - وبالله الثقة -: الدّليل على أنَّ الامامة لا تكون إلّا لواحد أنَّ الامام لا يكون إلّا الأفضل والأفضل يكون على وجهين: إمّا أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كلّ واحد من الجميع، فكيف كانت القصّة فليس يكون الأفضل إلّا واحداً لأنّه من المحال أن يكون أفضل من جميع الاُمّة أو من كلّ واحد من الاُمّة وفي الاُمّة من هو أفضل منه، فلمّا لم يجز هذا وصحَّ بدليل تعترف الزّيديّة بصحته أنَّ الامام لا يكون إلّا الأفضل صح أنّها لا تكون إلّا لواحد في كلّ عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيريّة سهلٌ واضح قريب والمنّة لله، وهو أنَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلَّ على الحسن والحسينعليهما‌السلام دلالة بيّنة وبان بهما من سائر العترة بما خصّهما به ممّا ذكرناه ووصفناه، فلمّا

__________________

(١) المغيرية هم أصحاب المغيرة بن سعيد العجلي مولى بجيلة الذى خرج بظاهر الكوفة في امارة خالد بن عبد الله القسري فظفر به وأحرقه وأحرق أصحابه سنة ١١٩ كما في تاريخ الطبري وقد تظافرت الروايات بكونه كذاباً وروى الكشى روايات كثيرة في ذمه. وهو وأصحابه أنكروا امامة أبي عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام وقالوا بامامة محمّد ابن عبد الله بن الحسن فلمّا قتل صاروا لا امام لهم ولا وصىّ ولا يثبتون لأحد امامة بعد وفى بعض النسخ المصححة « المفترية » وفى هامشه « اعلم أنَّ الفرق بين المفترية والزيدية أنَّ المفترية لا يقولون بامامة الحسين بعد أخيه الحسنعليهما‌السلام بل يقولون: أنَّ الامام بعد الحسنعليه‌السلام ابنه الحسن المثنى والزيدية قائلون بامامة عليّ بن الحسين من بعد أبيه لكن لم يقولوا بامامة محمّد بن عليّ بن الحسين: بل قائلون بامامة زيد بن عليّ بن الحسينعليهما‌السلام بعد أبيه وأيضاً قائلون بامامة ولد الحسن من كان منهم ادعى الامامة » انتهى. وفي بعض النسخ « المعترية ».

٩٨

مضى الحسن كان الحسين أحقُّ وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه واختصاصه إيّاه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالامامة إلى ابنه لكان مخالفاً للرَّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاشا له من ذلك، وبعد فلسنا نشكُّ ولا نرتاب في أنَّ الحسينعليه‌السلام أفضل من الحسن ابن الحسن بن عليّ والأفضل هو الامام على الحقيقة عندنا وعند الزّيديّة، فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الأصل الّذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخصَّ عليّ بن الحسين بن عليّعليهم‌السلام بما خصصناه به محاباة، ولا قلّدنا في ذلك أحداً، ولكنّ الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن.

ودلنا على أنَّه أعلم منه ما نقل(١) من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشيء يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم عليٍّ بن الحسينعليهما‌السلام ، والعالم بالدِّين أحقُّ بالامامة ممّن لا علم له، فإنَّ كنتم يا معشر الزّيديّة عرفتم للحسن بن الحسن علماً بالحلال والحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله عزَّ وجلَّ «أفمن يهدي إلى الحقِّ أحقُّ أن يتبع أمن لا يهدي إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون »(٢) ، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدُّم وطهارة وزكاة وعدالة، والامامة لا يتمُّ أمرها إلّا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام ربِّ العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزّيديّة بامامته إلّا وهو يقول في التأويل - أعني تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الاحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط(٣) ، لأنّ ذلك كان ممكنا لو كان القرآن إنّما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللّغة يعرفون المراد، فأمّا القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف مثل الصلاة والزَّكاة والحجِّ(٤) وما في هذا الباب منه،

__________________

(١) في بعض النسخ « ما فضل ».

(٢) يونس: ٣٥.

(٣) في بعض النسخ « بالاستخراج ».

(٤) يعنى لفظ « الصلاة » و « الزكاة » و « الحج ».

٩٩

وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلّا بتوقيف ممّا نعلم وتعلمون أنَّ المراد منه إنّما عرف بالتّوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله على اللّغة لانك تحتاج أوّلا أن تعلم أنَّ الكلام الّذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلاً، لا في جمله ولا في تفصيله.

فان قال منهم قائلٌ: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان سبيله أن يستخرج فقد وكّل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلاً على بعض فاستغنينا بذلك عمّا تدَّعون من التوقيف والموقّف.

قيل له: لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنّا نجد للاية الواحدة تأويلين متضادِّين كلّ واحد منهما يجوز في اللّغة ويحسن أن يتعبد الله به، وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين.

فان قال : ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدّبروه علموا المراد بعينه دون غيره.

فيقال للمعترض بذلك: أنكرنا هذا الّذي وصفته لامر نخبرك به: ليس تخلو تلك الدّلالة الّتي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة فإنَّ كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونصٌّ على المراد بعينه ويجب أن لا يشكل على أحد علم اللّغة معرفة المراد، وهذا ما لا تنكره العقول، وهو من فعل الحكيم جائز حسن، ولكنّا إذا تدبّرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائماً بين أهل العلم بالدين واللّغة، ولو كان هناك آياتٌ تفسّر آيات تفسيراً لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي، ولكان من تأوَّل الآية خارجاً من اللّغة ومن لسان أهلها، لأنَّ الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللّغة الّتي وقع الخطاب بها، فدلّونا يا معشر الزّيديّة على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدلُّ نصّاً وتوقيفاً على تأويلها، وهذا أمر متعذِّرٌ وفي تعذُّره دليلٌ على أنَّه لابدّ للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به، وهذا عندي واضحٌ.

١٠٠