النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام0%

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 153

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف: محمد مهدي الآصفي
تصنيف:

الصفحات: 153
المشاهدات: 33537
تحميل: 4968

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 153 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33537 / تحميل: 4968
الحجم الحجم الحجم
النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام

مؤلف:
العربية

مراجع البحث

القرآن:

الأموال: قاسم بن سلام (أبو عبيد)

التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي

تذكرة الفقهاء: العلامة الحلي

جامع البيان في تأويل

آي القرآن : الطبري

جواهر الكلام: الشيخ محمد حسن

الحدائق الناضرة: الشيخ يوسف البحراني

رياض المسائل: السيد الطباطبائي

السنن: البيهقي

شرايع الإسلام: المحقق الحلي

العروة الوثقى: السيد كاظم اليزدي

الفقه على المذاهب الأربعة: عبد الرحمن الجزيري

المحاسن: البرقي

مستمسك العروة الوثقى: السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مصباح الفقيه: المحقق الهمداني

المكاسب: الشيخ الانصاري

الميزان في تفسير القرآن: السيد محمد حسين الطباطبائي

وسائل الشيعة: الحر العاملي

٨١

٨٢

٨٣

٨٤

تَدَاول الثَّروة في الإسلام

أهمية تداول الثروة

تقوم الحياة الاجتماعية على قاعدة التبادل والمقايضة.

ولا يستطيع الإنسان أن يوفر لنفسه حاجاته الخاصة عن طريق الانتاج الشخصي، حتى في أكثر صور الحياة البدائية.

وقد أدرك الإنسان منذ عهد هذه الحقيقة، واستحدث طريقة المقايضة والتداول لإشباع حاجاته.. بعد أن كان إنتاجه الشخصي لا يفيده مباشرة في إشباع حاجاته وسد رغباته.

وزاول هذا النظام في حياته منذ أن أدرك نفسه وحاجاته.. وعمل على تطويره وتنظيمه كأي ظاهرة اجتماعية أُخرى.

النظام المالي، والاقتصاد السياسي، وتداول الثروة:

ولكي ندخل البحث عن بينة، ينبغي أن نميّز بين هذه الأقسام الثلاثة من العلوم التي تنصب على «الثروة» جميعاً.

ورغم ارتباط هذه الفروع الثلاثة من المعرفة البشرية، فهناك حدود خاصة لكل واحد من هذه الفروع، تميّزه عن الفرعين الآخرين.

ف «النظام المالي» يبحث عن موارد الدولة المالية ومصارفها.

و«الاقتصاد السياسي» يبحث عن إنتاج الثروة وتوزيعها واستهلاكها.

.. بينما يبحث علم «تداول الثروة» عن انتقال الثروة من شخص إلى شخص آخر وتداولها في الأيدي.

٨٥

المقايضة:

تعتبر المقايضة الشكل الأول لتداول الثروة.. مارسها الإنسان أول ما التجأ إلى مزاولة التداول في حياته وكانت المقايضة صورة بدائية عن التداول، تكلف الإنسان كثيراً من المتاعب.

فكان على صاحب الحنطة الذي يريد لحماً أن يعثر على شخص يملك لحماً ويرغب في تعويضه بحنطة.

وكان القياس الوجيد لتقييم البضاعة هو حاجة الطرفين.

فلم يعرف الإنسان بعد «وحدة» لقياس قيم البضائع.

وعدم إمكان التجزئة كان هو الآخر من أهم مشاكل نظام المقايضة.

فقد كان أحدهم يصحب معه حجراً كريماً إلى السوق ليشتري به كمية من الحبوب لا تعدل عشر قيمته، فيحتار فيما يصنع بسلعته التي يعرضها في السوق والتي لا تقبل التجزئة.

٨٦

وكل ذلك دعا الإنسان إلى أن يبحث عن وسيط سهل التناول لتيسير عملية التداول.

وتمخضت عبقرية الإنسان بعد محاولات عدة عن النقود والنظام النقدي.

الوسيط النقدي في المبادلة:

اتخذ الإنسان النقود وسيطاً لعملية المبادلة في السوق.. بعد أن كانت المبادلة بين بضاعتين تجري بصورة مباشرة من غير توسيط شيء في البين، مما كان يسبب للإنسان البدائي كثيراً من المشاكل.

وكان أثر توسط النقود في عملية «المبادلة» ان انقسمت المبادلة إلى عمليتين مندمجتين:

عملية مبادلة البضائع بالنقود.

وعملية مبادلة النقود بالبضائع.

واتخذ الإنسان النقود وحدة لقياس البضائع والخدمات وتقييمها في السوق، بعد أن كان يعاني من عدم إمكان تجزئة السلع التي لا تقبل التجزؤ.

وبهذه الصورة اهتدت عبقرية الإنسان إلى وسيلة للمبادلة تيسر له كثيراً من عقبات المقايضة.

٨٧

أطراف التداول

للتداول دائماً طرفان:

طرف منه هو المعوَّض، والطرف الآخر منه هو العوض، والمعوض والعوض قد يكونان من قبيل البضاعة والنقد، وقد يكون بضاعة وبضاعة على طريقة المقايضة، وقد يكون خدمة وبضاعة أو خدمة ونقداً، أو حقاً ونقداً أو ما شابه ذلك.

على أن الغالب في المعاملات ان يكون المعروض بضاعة أو خدمة والعوض نقداً. والتفكيك بين المعوض والعوض في المعاملة قد يكون واضحاً كما في موارد البضاعة والنقد، فإن البضاعة تقع في هذه المواضع موضع المعوض والنقد يقع في موضع العوض.

ولكن قد يصعب التفكيك بينهما فيما لو كان الطرفان بضاعة مثلاً.

وللتفكيك في هذه الموارد بين المعوض والعوض، ينبغي أن نفرق بين القيمة الاستعمالية للبضاعة والقيمة التبادلية لها، فكل بضاعة أو خدمة تحمل قيمتين:

١ - قيمة استعمالية: وهي تمثل الخدمة الاستعمالية للبضاعة كالسير بالنسبة للسيارة، والإشباع بالنسبة للخبز، والتنظيف بالنسبة إلى الصابون.

٨٨

والمشتري يطلب من البضاعة هذه القيمة دائماً.

٢ - قيمة تبادلية: وهي تمثل قيمة السلعة أو الخدمة عندما تعرض في السوق للتبادل في مقابل السلع الاخرى، كما تتحدد قيمة الصابون الواحد بثلاثة أرغفة وأربعة أقلام وخمسة علب من علب الثقاب. وتتحدد هذه القيمة بقانون العرض والطلب.

والبائع والمؤجر، يطلب دائماً في السوق هذه القيمة، من البيع والإيجار، كما كان المشتري أو المستأجر يطلب القيمة الأُولى من الشراء.

وبذلك يظهر أن (المعوض) يطلب دائماً لقيمته الاستعمالية سواءً كان المشتري يطلبه لاستعماله الخاص أو لاستعمال زبائنه، والعوض يطلب دائماً لقيمته التبادلية، ويتَّجه النظر فيه إلى ما يساويه وما يقابله من الأشياء الأخرى.

وسوف نستعرض بإيجاز البحث عن كل من المعوض والعوض فيما يأتي من هذا البحث.

٨٩

١ - المعوَّض

ذكرنا قبل قليل أن كل ما يتمول من (مال) يحمل قيمتين، قيمة استعمالية تمثل الخدمة الاستعمالية للمال، وقيمة تبادلية، تمثل ما يقابله في السوق من السلع والخدمات الاُخرى.

والمعوض هنا يطلب من جانب المشتري أو المستأجر لقيمته الاستعمالية، بينما يطلب العوض لقيمته التبادلية.

وما يقع معوضاً في المعاملة (التداول) أحد أشياء أربعة:

١ - الأعيان المتنقلة: كما لو وقع العقد على مدفأة أو غسالة أو سيارة من أعيان السلع.

٢ - الأعيان الثابتة أو العقار: وذلك كما لو وقع العقد على دار للسكنى أو بستان.

٣ - الحقوق المالية: وذلك كما لو وقع العقد على بعض الحقوق المالية، كحق الإنسان في رقعة من الأرض بعد إعمارها أو غير ذلك من الحقوق المالية، القابلة للنقل والانتقال.

٤ - الخدمات: وذلك كما لو وقع العقد على تملك خدمة سيارة أو عامل لفترة من الزمن وهي على قسمين:

٩٠

(أ) الخدمات البشرية: كما لو وقع عقد الإجارة على خدمات طبيب أو محامٍ أو سائق أو عامل.

(ب) الخدمات السلعية: كما لو وقع العقد على استئجار خدمات سيارة أو دار للسكنى أو رافعة أثقال.

٩١

٢ - العوض أو (النقد)

ذكرنا من قريب أن العوض يختلف عن المعوض في أنه يطلب لقيمته التبادلية، بينما يطلب المعوض لقيمته الاستعمالية.

ولم يكن في أول عهد الإنسان بالتداول، في عصر المقايضة عوضاً بالمعنى الصحيح للكلمة، فلم يكن الإنسان يطلب بضاعة من البضائع لقيمتها التبادلية، وإنما كان يطلب دائماً من البضاعة قيمتها الاستعمالية في طرفي التداول معاً.

وعرف الإنسان (العوض) بمعناه العلمي، أي ما يقصد لقيمته التبادلية، عندما ابتدع الإنسان (الوسيط النقدي) في المعاملة كما تقدم.

ففي هذا العصر؛ عصر الوساطة النقدية، ابتدع الإنسان النقد، كما تقدم في صدر هذا الحديث، لتيسير المعاملة، وتسهيل عملية التداول.

تطور النظام النقدي:

وكان الشكل الأول للنقود التي تداولها الإنسان هي «النقود السلعية»... حيث اصطلح الإنسان الابتدائي على اعتبار بعض السلع وسيطاً في التبادل كالحبوب والانعام، فكانت تحمل صفة (النقد) و(البضاعة) معاً.

٩٢

وبطبيعة الحال لم تكن تتجاوز قيمتها السلعية عن قيمتها النقدية، وذلك كالمعادن والحبوب والانعام.

وتطورت النقود بعد ذلك إلى الذهب والفضة، نظراً لثبات كميتها - تقريباً - وسهولة تناولهما ونقلهما.

واستحدث الإنسان بعد ذلك نظام المسكوكات، وأخذت الحكومات بسك النقود الراجعة إليها من الذهب والفضة وأحياناً من المعادن الأُخرى.

وظل هذا النحو من النقود شائعاً حتى الحرب العالمية الأُولى؛ حيث رأت الحكومات ضرورة الاحتفاظ بما تمتلكه من الذهب لاسناد أوراقها النقدية، وللاحتفاظ بها لشراء الأسلحة، فيما إذا اقتضت الضرورة.

وهكذا شاع استعمال الأوراق النقدية (النقود الائتمانية) من هذا الوقت.

نظام «الذهب» في الفقه الإسلامي:

منذ وقد بعيد تداول الإنسان «الذهب» كبضاعة ونقد في معاملاته، ولم ندر - على وجه الدقة - متى تداول الإنسان الذهب في معاملاته، ومتى ابتدأ الإنسان باستخراجه والاحتفاظ به كحلية وبضاعة ونقد.

إلاّ أننا نعلم أن الذهب كان منذ أقدم الأيام موضع عناية الإنسان الخاص؛ وذلك لندرته، وسهولة حمله، وتجانسه،

٩٣

وارتفاع قيمته، مع صغر حجمه وثبات كميته تقريباً.

وقد كانت مسألة الذهب من قديم مثار مشاكل للإنسان.

وبلغ الاهتمام بها في عالم السياسة، ان هيئة الأمم، ومن قبلها عصبة الأمم، عينت جهازاً خاصاً لدراسة مسألة الذهب في العالم، ورفع تقارير واسعة عنه إلى الهيئة.

فارتفاع نسبة الذهب في بلاد وانخفاضه يؤثر في مستوى الأسعار، كما أن تصدير الذهب واستيراده يؤثر في سعر الصرف والعلاقات النقدية بين الدول.

وقد أولى الإسلام مسألة الذهب عناية تامة، وجعله مقياساً للقيم، ووحدة نقدية لتقييم البضائع والخدمات المختلفة.

ولم يخلق الذهب - في النظرية الإسلامية - لغرض الاكتناز والزينة، وإنما خلق ليوظف في مصالح الناس، ولتتداوله الأمة فيما بينها ليخدم مصالحها.

فقد سئل ابو جعفر -عليه‌السلام - عن الدراهم والدنانير (وهي الذهب والفضة) فقالعليه‌السلام :

«هي خواتيم الله في أرضه، جعلها مصلحة لخلقه، وبها تستقيم شؤونهم ومطالبهم. فمن أكثر له منها فقام بحق الله، فذاك الذي طلبه، ومن أكثر له منها فبخل فذاك الذي حق عليه وعيد الله...»(١) .

____________________

(١) سفينة البحار: ١ / ٤٤٥.

٩٤

وأكد بصورة غير مباشرة على اتخاذ الذهب وحدة نقدية في المجتمع الإسلامي؛ فربط الذهب بأحكام ثابتة من الشريعة، كالديات وكثير من الكفارات.. كما فرض عليه ضريبة خاصة به.

الاستعمال المشروع وغير المشروع للذهب:

ومما تقدم، يستطيع الباحث أن يلمح: أن الغرض الرئيسي من الذهب في الفقه الإسلامي، هو التوظيف والتداول كنقد في الأسواق.

أما بقية وجوه استعمال الذهب، فقد حاول الإسلام أن يحددها أو يمنعها بشكل مباشر أو غير مباشر.

فالأغراض التي يستخدم فيها الذهب ثلاثة:

١ - الأغراض النقدية:

وهي من أهم وجوه الحاجة إلى الذهب.

وسنجد - فيما يأتي - أن الفقه الإسلامي حاول أن يجعل من الذهب النقد الرسمي للبلاد، ويعطي غطاءً ذهبياً كاملاً للنقود الورقية المتداولة في الأسواق.

٢ - الأغراض الصناعية:

ويستخدم الذهب كثيراً لأغراض صناعية، وفي صناعات مختلفة، كصياغة الحلي وصناعة الأواني الذهبية.

٩٥

وتعتبر الصياغة والصناعات الذهبية في الوقت الحاضر مصرفاً ضخماً من مصارف الذهب في العالم.. فيجمد الذهب بشكل أواني أو حلي عن التداول في الأسواق والتوظيف، ويفقده خاصية السيولة النقدية.

وقد حاول الإسلام أن يحدد هذا المصرف من مصارف الذهب ويشجب بعض وجوهه، فمنع الرجال من اتخاذ الحلي الذهبية، كما منع من استعمال الأواني الذهبية.

وطبيعي أن مجموع الذهب يستخدم سنوياً في هذه الأغراض لو استخدم في أغراض نقدية ووظف في الأسواق لعاد على الأمة بنفع كثير.

٣ - الإكتناز:

وهذا غرض آخر من الأغراض التي يستخدم فيها الذهب.

وتشيع هذه الظاهرة الاقتصادية في حالات الاضطراب والحرب، حيث يقبل الناس على تبديل أموالهم إلى الذهب والاحتفاظ به خوفاً من التلف.

وهذه الحالة تؤدي إلى سحب كميات كبيرة من الذهب من الأسواق؛ فتقل كمية الذهب الموجود، وتضطرب الأسعار. ثمّ يعود الذهب إلى الأسواق مرة أُخرى حين يعود الأمن إلى البلد، فيكثر، ويعود الاضطراب مرة أُخرى إلى الأسواق.

أما الاكتناز الدائم، فهو إهدار لفائدة هذه الأداة النافعة

٩٦

التي خلقها الله لخدمة مصالح الناس بلا جدوى. وأكثر ما تنتشر هذه العادة في الهند، حيث يحتفظ «مهاراجات» الهند بكميات كبيرة من الذهب.

وقد شجب الإسلام هذا التصرف المشين، وأعد للقائمين به عذاباً مُرّاً، حيث يقول الله - تعالى - :

( ... وَالَّذِينَ يَكِنزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ، وَلا يُنْفِقُونَها فيِ سَبيلِ اللهِ، فَبَشِّرْهُمْ بَعذابٍ ألَيمٍ. يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ؛ هذا ما كَنَزْتُمْ ِلأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُم تَكْنِزُونَ ) (١) .

ولقد انصرف بعض الاقتصاديين في العهد الأخير إلى تحديد نصيب كل غرض من الأغراض الثلاثة المتقدمة من ناتج الذهب السنوي.

فذهب الاقتصادي «Lefeldt » إلى أن الناتج السنوي من الذهب في الوقت الحاضر (سنة ١٩٣١) يبلغ ٤٠٠ مليون دولار، يستخدم منه في الأغراض الصناعية والاكتناز نحو ٢٠٠ مليون دولار - أي النصف - ويستخدم منه في الأغراض النقدية النصف الآخر.

وقد تناول هذا الموضوع بالبحث الخبراء الماليون في عصبة الأُمم، فتبين لهم أن ما يستخدم من الذهب لغير الأغراض

____________________

(١) سورة التوبة: ٣٤، ٣٥.

٩٧

النقدية سيتزايد بمعدل ١% في السنة»(١) .

ولا يحتاج إلى تأكيد أن هذا المبلغ الضخم - أي ما يساوي الذهب المستخدم في الأغراض النقدية - لو كان يضاف إلى الذهب الموظف في الأسواق، لكان له تأثير بالغ في تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتيسير البضائع والخدمات في الأسواق للناس.

النظام النقدي للمجتمع الإسلامي:

تقسم الأوراق المالية، في الوقت الحاضر، إلى «أوراق الزامية» و«أوراق ائتمانية».

والأوراق المالية الإلزامية لا تمثل أية قيمة نقدية، وإنما تمثل فقط قيمة قانونية، تفرضها الدولة على السوق.

والأوراق الائتمانية على نحوين: فهي إما تعهدات بأداء مبلغ من المال إلى الشخص الذي يحمل ورقة التعهد لمدة معينة أو لحين الطلب، وإما أوراق نقدية تمثل كمية من الذهب في خزانة الدولة أو خزانة «البنك المركزي».

ولكل من هذه الأوراق حكم في التشريع الإسلامي...

فالأوراق الإلزامية يتوقف جواز إصدارها على أمرين:

نفوذ حكم الحاكم في اعتبار هذه الأوراق وإلزام المواطنين بقبولها

____________________

(١) مجلة «الهلال»: ٤٠ / ٢٤٤.

٩٨

وتداولها، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى توفير صفة المالية لها من ناحية شرعية. فإن تم هذان الأمران فلا شك في جواز إصدار الأوراق المالية الإلزامية، وإلزام المواطنين بتداولها في الأسواق، مع تقدير كامل للوضع المالي في البلاد، واتخاذ الاحتياطالت والتحفظات الكافية في إصدارها، بحيث لا يؤدي إلى اختلال الوضع المالي في الأسواق الداخلية، أو إلى هبوط قيمة هذه الأوراق في الأسواق الخارجية.

ولا نريد هنا أن نسهب في تفاصيل هذا البحث من ناحية فقهية، فلسنا في هذه الرسالة بصدد أكثر من عرض موجز لنظام التداول في الفقه الإسلامي.

أما أوراق التعهد المالي، فلا شك في جواز إصدارها من قبل المؤسسات المالية المجازة، ولا يجب على الجهة القائمة بإصدار هذه الأوراق أن تملك من الذخيرة النقدية ما يكفي لتغطية جميع هذه التعهدات. إذ لا يتداولها الناس باعتبارها نقوداً، تملك غطاءاً ذهبياً كاملاً.. وإنما هي تعهدات، يكفي فيها إطمئنان الزبائن إلى قدرة المؤسسة المالية على الوفاء بها.

ولكي لا تستغل المؤسسات المالية إعتماد الزبائن بها في الإكثار من إصدار هذه التعهدات بأكثر من قابلياتها المالية، لابد من إشراف مباشر عليها من قبل الجهات الحكومية المسؤولة في الدولة الإسلامية.

٩٩

ومثل هذه المهمة تدخل في مسائل الولاية العامة التي يلي شؤونها الحاكم الشرعي في الدولة.

وأما الأوراق النقدية التي تمثل كمية من الذهب، فيجب على الدولة أن تضمن لها غطاءاً نقدياً كاملاً في خزانة الدولة أو في خزانة البنك المركزي. ولا تكفي التغطية الناقصة.

والفرق بين أوراق التعهد المالي والأوراق النقدية، أن التعهدات المالية لا تمثل غير تعهد بدفع المال لأجل أو لحين الطلب، ولا يوجد في ظهر الورقة أية إشارة بتمثيل هذه الورقة لكمية نقدية من المال.. بينما نجد أن الأوراق النقدية المتداولة في الأسواق تمثل كمية نقدية من المال في خزانة الدولة أو خزانة البنك المركزي، وتشير إليها، ولا يتداولها الناس في الأسواق ما لم يطمئنوا إلى وجود تغطية كاملة لها من الذهب ولا يتعاطاها الناس كتعهد، وإنما يتعاطونها كنقد يمثل قيمة نقدية واقعية.

وأي عجز في خزانة الدولة عن تغطية هذه الأوراق يعتبر غشاً واغراءً بالجهل من الناحية الشرعية.

شرعية الأنظمة النقدية الاُخرى:

ويكفي من ناحية ثانية أن تعتمد الدولة على أنظمة اخرى غير نظام الذهب، فيجوز لها أن تعتمد على الأراضي الزراعية والمعادن التي تملكها الدولة لتغطية هذه الأوراق.. إذا كان الذهب الموجود لدى الدولة لا يكفي لتغطية الأوراق النقدية التي تريد الدولة أن تطرحها في السوق.

١٠٠