• البداية
  • السابق
  • 117 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20471 / تحميل: 5137
الحجم الحجم الحجم
الدعاء  حقيقة - آدابه - آثارة

الدعاء حقيقة - آدابه - آثارة

مؤلف:
العربية

الأرض ، فقرّر لآناء الليل والنهار ولكلِّ يوم من أيام الاسبوع وللشهور والسنين أدعية خاصة ، وجعل كذلك لكلِّ حالة من حالات الإنسان ولكلِّ فعل يريد الاقدام عليه ولجميع مطالبه الدنيوية والاخروية وظائف من الدعاء والذكر.

ويأتي في مقدمة ذلك اقتران الدعاء بسائر العبادات والطاعات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه تعالى بشكل لا يقبل الانفصال ، ففي الصلاة والصيام والحج دعوات قررتها الشريعة المقدسة في أوقات معينة.

ومن موارد الدعاء في الصلاة تأكد استحبابه في الركعة الثانية من كل فريضة أو نافلة وفي السجود وفي أدبار الصلوات.

القنوت :

القنوت شرعا : الذكر في حال مخصوص ، وهو مستحبٌّ في كلِّ صلاة مرّة واحدة ، فرضا كانت أو نفلاً ، أداءً أو قضاءً ، عند علمائنا أجمع ، ومحلّه بعد القراءة قبل الركوع(1) .

قال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : «القنوت في كلِّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع »(2) .

ومما ورد في فضل القنوت قول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أطولكم قنوتا في دار الدنيا ، أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف » (3) .

__________________

(1) جواهر الكلام 10 : 353.

(2) الكافي 3 : 340 / 7. والتهذيب 2 : 89 / 330.

(3) ثواب الأعمال : 33. وأمالي الصدوق : 411.

٢١

ويجوز الدعاء في القنوت بكلِّ ما جرى على اللسان ، لما روي عن إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبداللّهعليه‌السلام عن القنوت وما يقال فيه ، فقالعليه‌السلام : «ما قضى اللّه على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا مؤقتا »(1) .

ويستحب الدعاء بالمأثور لتجاوز الخطأ واللحن الشائع على الألسن في هذا الزمان ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «يجزيك في القنوت : اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا ، وعافنا وأعفُ عنا في الدنيا والآخرة ، إنّك على كلِّ شيءٍ قدير »(2) .

الدعاء في السجود :

إنّ الدعاء هو الاقبال إلى اللّه تعالى والانقطاع إليه ليتحقق القرب من منازل الرحمة الالهية ، والسجود باعتباره روح العبادة حيث تتجلّى فيه منتهى العبودية والخضوع للواحد الأحد يحقّق الغرض المراد من الدعاء ، وهو القرب من رحاب الخالق جلَّ وعلا ، فعلى العبد أن ينتهز فرصة القرب ليسأل من خزائن رحمة ربه وذخائر مغفرته.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد »(3) .

وعنهعليه‌السلام : «إنّ العبد إذا سجد فقال : يا ربِّ يا ربِّ حتى ينقطع نفسه ، قال له الربّ : لبيك ما حاجتك »(4) .

__________________

(1) الكافي 3 : 340 / 8. والتهذيب 2 : 314 / 1281.

(2) الكافي 3 : 340 / 12. والتهذيب 2 : 87 / 322.

(3) الكافي 3 : 324 / 11.

(4) بحار الأنوار 86 : 205 / 19.

٢٢

ويستحب أن يدعو العبد بالمأثور أثناء السجود ، فعن جميل بن دراج ، عن أبي عبداللّهعليه‌السلام أنّه قال : «أقرب ما يكون العبد من ربِّه إذا دعا ربه وهو ساجد ، فأي شيء تقول إذا سجدت ؟ ».

قلت : علّمني ـ جعلت فداك ـ ما أقول؟

قالعليه‌السلام : « قل : يا رب الأرباب ، ويا ملك الملوك ، ويا سيد السادات ، ويا جبار الجبابرة ، ويا إله الآلهة ، صلِّ على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا.

ثم قل : فإنّي عبدك ، ناصيتي بيدك ، ثم ادع بما شئت وسله ، فإنّه جواد ولا يتعاظمه شيء »(1) .

وعنهعليه‌السلام : «انّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا وضع وجهه للسجود يقول : اللهمَّ مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجى عندي من عملي ، فاغفر لي ذنوبي يا حيا لا يموت »(2) .

وسنأتي على الموارد الاُخرى من مظاهر العبادة التي تقترن بالدعاء في الفصل الثالث عند ذكر تأثير عامل الزمان والمكان في استجابة الدعاء.

__________________

(1) الكافي 3 : 323 / 7.

(2) سنن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : 337 / 392.

٢٣

٢٤

الفصل الثاني

آداب الدعاء وشروطه

لقد حدّدت النصوص الإسلامية آدابا للدعاء وقررت شروطا ، لابدّ للداعي أن يراعيها كي يتقرّب إلى خزائن رحمة اللّه تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء ، وإذا أهملها الداعي فلا تتحقّق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ولا تحصل له نورانية القلب وتهذيب النفس وسمو الروح المطلوبة في الدعاء.

وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :

1 ـ الطهارة :

من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ، فقد روى مسمع عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «يا مسمع، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو اللّه فيهما؟ أما سمعت اللّه يقول : «واستعينُوا بالصَّبر والصَّلاة »؟ »(1) .

__________________

(1) تفسير العياشي 1 : 43 / 139.

٢٥

2 ـ الصدقة وشمّ الطيب والرواح إلى المسجد :

روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «كان أبي إذا طلب الحاجة قدّم شيئا فتصدق به ، وشمّ شيئا من طيب ، وراح إلى المسجد »(1) .

3 ـ الصلاة :

ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، للرواية المتقدمة في الطهارة ، ولما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمّ ركوعهما وسجودهما ، ثم سلّم وأثنى على اللّه عزَّ وجلّ وعلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ سأل حاجته ، فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب »(2) .

4 ـ البسملة :

ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يُرَدُّ دعاءٌ أوّله بسم اللّه الرحمن الرحيم »(3) .

5 ـ الثناء على اللّه تعالى :

الثناء على اللّه سبحانه اعتراف بالوحدانية ، وتحقيق للانقطاع التامّ إلى اللّه تعالى دون ما سواه ، فينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربّه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد اللّه ويثني عليه ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء ، يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «الحمدُ للّه الذي جعل

__________________

(1) الكافي 2 : 347 / 7.

(2) بحار الأنوار 93 : 314 / 20.

(3) بحار الأنوار 93 : 313.

٢٦

الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله »(1) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربِّه وليمدحه »(2) .

وقد أعدّ اللّه تعالى لمن يمدحه ويمجده على حسن آلائه جزيل الثواب بما يفوق رغبة السائلين ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من تشاغل بالثناء على اللّه ، أعطاه اللّه فوق رغبة السائلين »(3) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ العبد لتكون له الحاجة إلى اللّه فيبدأ بالثناء على اللّه والصلاة على محمد وآله حتى ينسى حاجته ، فيقضيها من غير أن يسأله إياها »(4) .

أما ما يجزي من الثناء على اللّه سبحانه قبل الشروع بالدعاء ، فقد روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن ذلك فقال : «تقول : اللهمّ أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، وأنت العزيز الكريم »(5) .

6 ـ الدعاء بالاسماء الحسنى :

وعلى الداعي أن يدعو اللّه تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى :

__________________

(1) نهج البلاغة : الخطبة (157).

(2) الكافي 2 : 352 / 6.

(3) شرح ابن أبي الحديد 6 : 190.

(4) بحار الأنوار 93 : 312.

(5) الكافي 2 : 365 / 6.

٢٧

«وللّه الأسماءُ الحُسنى فادعوهُ بها »(1) ، وقوله تعالى : «قُل ادعوا اللّه أو ادعُوا الرَّحمن أيّا ما تدعُوا فلهُ الأسماءُ الحُسنى »(2) .

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «للّه عزَّ وجلّ تسعة وتسعون اسما ، من دعا اللّه بها استُجيب له »(3) .

واعلم أن بعض أهل العلم يقول : ينبغي للداعي إذا مجّد اللّه سبحانه وأثنى عليه أن يذكر من أسماء اللّه الحسنى ما يناسب مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه الرزق يقول : يا رزاق ، يا وهاب ، يا جواد ، يا مغني ، يا منعم ، يا مفضل ، يا معطي ، يا كريم ، يا واسع ، يا مسبب الأسباب ، يا منان ، يا رزاق من يشاء بغير حساب.

وإن كان مطلوبه المغفرة والتوبة ، يقول : يا تواب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا رؤوف ، يا عطوف ، يا صبور ، يا شكور ، يا عفو ، يا غفور ، يا فتاح ، ياذا المجد والسماح ، يا محسن ، يا مجمل ، يا منعم.

وإن كان مطلوبه الانتقام من العدو يقول : يا عزيز ، يا جبار ، يا قهار ، يا منتقم ، ياذا البطش الشديد ، يا فعال لما يريد ، يا قاصم المودة يا طالب ، يا غالب ، يا مهلك ، يا مدرك ، يا من لا يعجزه شيء.

ولو كان مطلوبه العلم يقول : يا عالم ، يا فتاح ، يا هادي ، يا مرشد ، يا معز ، يا رافع ، وما أشبه ذلك(4) .

__________________

(1) سورة الاعراف : 7 / 180.

(2) سورة الاسراء : 17 / 110.

(3) التوحيد : 195 / 9.

(4) عدة الداعي : 199.

٢٨

وقد ورد في الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام تأكيد كثير على الدعاء بالأسماء الحسنى ، وأنّ اللّه تعالى يستجيب لعبده المؤمن إذا دعاه باسمائه الحسنى خصوصا في حال السجود.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من قال : يا اللّه يا اللّه عشر مرات قيل له : لبيك ما حاجتك؟ »(1) .

وعنهعليه‌السلام قال : «إذا قال العبد وهو ساجد : يا اللّه يا رباه يا سيداه ، ثلاث مرات ، أجابه تبارك وتعالى : لبيك عبدي ، سل حاجتك »(2) .

وقالعليه‌السلام : «كان أبي إذا لجّت به الحاجة يسجد من غير صلاة ولا ركوع ثم يقول : يا أرحم الراحمين ، سبع مرات ، ثم يسأل حاجته ، ثم يقول : ما قالها أحد سبع مرات إلاّ قال اللّه تعالى : ها أنا أرحم الراحمين ، سل حاجتك »(3) .

7 ـ الصلاة على النبي وآله :

لابدّ للداعي أن يصلي على محمد وآله بعد الحمد والثناء على اللّه سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولأهل بيته المعصومين الذي هو في امتداد الولاء للّه تعالى ، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى عليَّ وعلى

__________________

(1) الكافي 2 : 377 / 1.

(2) أمالي الصدوق : 335 / 6.

(3) وسائل الشيعة 7 : 88 / 16.

٢٩

أهل بيتي »(1) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد » رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات(2) .

وقالعليه‌السلام : «إذا كانت لك إلى اللّه سبحانه حاجة ، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سل حاجتك ، فإنّ اللّه أكرم من أن يُسأل حاجتين فيقي إحداهما ويمنع الاُخرى »(3) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «من دعا ولم يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفرف الدعاء على رأسه ، فإذا ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع الدعاء »(4) .

واعلم أن الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما تكون بعد الثناء ، لما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على اللّه عزَّ وجلّ والمدح له ، والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل اللّه حوائجه »(5) .

أما في كيفية الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روي بالاسناد عن بريدة ، قال قلنا : يا رسول اللّه ، قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قولوا : اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على

__________________

(1) كفاية الأثر : 39.

(2) مجمع الزوائد 10 : 160.

(3) نهج البلاغة : الحكمة 361.

(4) الكافي 2 : 356 / 2.

(5) الكافي 2 : 351 / 1.

٣٠

محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد »(1) .

ومن نماذج الصلاة على النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام في الدعاء ما روي بالاسناد عن حريز ، قال : قلت لأبي عبداللّهعليه‌السلام : جعلت فداك ، كيف الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

فقال : «قُلْ : اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين ألهمتهم علمك ، واستحفظتهم كتابك ، واسترعيتهم عبادك ، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبهم ومودتهم ، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته »(2) .

ومن أدب الدعاء عند سيد الساجدين الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه يجعل الثناء والصلاة على النبي وآله مفتاحا لأغلب فقرات الدعاء ، وهذا واضح لمن تأمّل الصحيفة السجادية ، وهو المراد بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تجعلوني كقدح الراكب ، إن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء ، اجعلوني في أوّل الدعاء وآخره ووسطه »(3) .

ومن نماذج أدعية الإمام السجادعليه‌السلام التي تبدأ بالثناء فالصلاة على النبي في جميع فقرات الدعاء ثم المسألة ، قولهعليه‌السلام : «يا من لا تنقضي عجائب عظمته صلِّ على محمد وآله واحجبنا عن الالحاد في عظمتك ، ويا

__________________

(1) مجمع الزوائد 10 : 163.

(2) بحار الأنوار 94 : 67 / 55.

(3) بحار الأنوار 93 : 316.

٣١

 من لا تنتهي مدة ملكه صلِّ على محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك ، ويا من لا تفنى خزائن رحمته صلِّ على محمد وآله واجعل لنا نصيبا في رحمتك ، ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار صلِّ على محمد وآله وأدننا إلى قربك »(1) .

8 ـ التوسل بمحمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر اللّه تعالى بها ، وأهل البيتعليهم‌السلام هم سفن النجاة لهذه الاُمّة ، فحريّ بمن دعا اللّه تعالى أن يتوسل إلى اللّه بهم ، ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأوصياء مني بهم تُنصر أُمتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع اللّه عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم »(2) .

وقال الإمام أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : «من دعا اللّه بنا أفلح ، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك »(3) .

وعن داود الرقي ، قال : إني كنت أسمع أبا عبداللّهعليه‌السلام أكثر ما يلحُّ به في الدعاء على اللّه بحق الخمسة ، يعني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (4) .

ومن نماذج التوسل المروي عنهمعليهم‌السلام هو أن تقول : «اللهمَّ إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد ، وأتقرب بهم إليك ، وأقدمهم بين يدي

__________________

(1) الصحيفة السجادية : الدعاء (5).

(2) تفسير العياشي 1 : 14 / 2.

(3) أمالي الشيخ الطوسي 1 : 175.

(4) الكافي 2 : 422 / 11.

٣٢

حوائجي »(1) .

وعن سماعة بن مهران ، قال : قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : «إذا كان لك يا سماعة عند اللّه حاجة فقل : اللهمَّ إني أسألك بحق محمد وعلي ، فإنّ لهما عندك شأنا من الشأن ، وقدرا من القدر ، فبحقّ ذلك الشأن وبحقّ ذلك القدر أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا »(2) .

9 ـ الاقرار بالذنوب :

وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقرا مذعنا تائبا عمّا اقترفه من خطايا وما ارتكبه من ذنوب ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّما هي المدحة ، ثم الثناء ، ثم الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنّه واللّه ما خرج عبد من ذنب إلاّ بالاقرار »(3) .

وكان من دعاء الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام المروي عن كميل بن زياد : «وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي ، معتذرا نادما ، منكسرا مستقيلاً ، مستغفرا منيبا ، مقرا مذعنا معترفا ، لا أجد مفرا مما كان مني ، ولا مفزعا أتوجه إليه في أمري ، غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك ، اللهمَّ فاقبل عذري ، وارحم شدة ضري ، وفكني من شدِّ وثاقي »(4) .

__________________

(1) بحار الأنوار 94 : 22 / 19.

(2) وسائل الشيعة 7 : 102 / 9.

(3) الكافي 2 : 351 / 3.

(4) نهج السعادة : 154 ـ كتاب الدعاء.

٣٣

10 ـ المسألة :

وينبغي للداعي أن يذكر بعد الثناء على اللّه تعالى والصلاة على النبي وآله والاقرار بالذنب ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنّه يطلب من ربِّ السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء.

وعليه أيضا أن لا يستصغر صغيرة لصغرها ، لما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها ، إنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار »(1) .

وروي عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلّها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع »(2) .

ويستحب للداعي إذا كان دعاؤه عبادة خالصة يتقرب بها إلى مولاه أن يسأل ما يبقى جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة ، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلى اللّه تعالى التي يتساوى فيها جميع البشر.

جاء في وصية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لولده الحسنعليه‌السلام : «فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله ، ويُنفى عنك وباله ، فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له »(3) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «بكى أبو ذر من خشية اللّه حتى

__________________

(1) الكافي 2 : 339 / 6.

(2) بحار الأنوار 93 : 295 و 300.

(3) نهج البلاغة : الكتاب (31).

٣٤

اشتكى بصره ، فقيل له : لو دعوت اللّه أن يشفي بصرك؟ فقال : إني عن ذلك لمشغول ، وما هو من أكبر همّي : قالوا : وما يشغلك عنه؟ قال : العظيمتان : الجنة والنار »(1) .

وجاء في الحديث القدسي : «يا عبادي كلكم ضال إلاّ من هديته ، فاسألوني الهدى أُهدكم ، وكلكم فقير إلاّ من أغنيته ، فاسألوني الغنى أرزقكم، وكلكم مذنب إلاّ من عافيته، فاسألوني المغفرة أغفر لكم »(2) .

ومن دعاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام :ياذا الجلال والاكرام أسألك عملاً تُحبُّ به من عمل به ، ويقينا تنفع به من استيقن به حقَّ اليقين في نفاذ أمرك .

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد ، واقبض على الصدق نفسي ، واقطع من الدنيا حاجتي ، واجعل فيما عندك رغبتي شوقا إلى لقائك ، وهب لي صدق التوكل عليك » (3) .

11 ـ معرفة اللّه وحسن الظنّ به سبحانه :

قال العلاّمة الحليرضي‌الله‌عنه : من شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدورا لمن يدعوه ، وهذا يتضمن أن من دعا اللّه تعالى يجب أن يكون عارفا به وبصفاته(4) .

فعلى الداعي أن يوقن برحمة اللّه اللامتناهية ، وبأنّه سبحانه لا يمنع

__________________

(1) بحار الأنوار 22 : 431 / 40.

(2) بحار الأنوار 93 : 293 / 20.

(3) الصحيفة السجادية : الدعاء (54).

(4) منهاج اليقين : 375.

٣٥

أحدا من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبدا.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قال اللّه عزَّ وجلّ : من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع استجبت له »(1) .

وقيل للإمام الصادقعليه‌السلام : ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا. قال : «لأنكم تدعون من لا تعرفونه »(2) .

وفي قوله تعالى: «فليستجيبوا لي وليؤمنُوا بي »(3) قالعليه‌السلام : «يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألون »(4) .

وحسن الظن باللّه هو من شعب معرفته سبحانه ، فعلى الداعي أن يحسن الظن باستجابة دعائه ، لو عدّه الصادق بقوله تعالى : «ادعُوني استجب لكُم »(5) ، وقوله : «أمَّن يُجِيبُ المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشفُ السوءَ »(6) وأنّه لا يخلف الميعاد.

قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ادعوا اللّه وأنتم موقنون بالاجابة »(7) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إذا دعوت فأقبل بقلبك ، وظنّ حاجتك

__________________

(1) بحار الأنوار 93 : 305.

(2) شرح ابن أبي الحديد 11 : 230. وبحار الأنوار 93 : 368 / 4.

(3) سورة البقرة : 2 / 186.

(4) تفسير العياشي 1 : 83 / 196.

(5) سورة غافر : 40 / 60.

(6) سورة النمل : 27 / 62.

(7) بحار الأنوار 93 : 305 و 321.

٣٦

بالباب »(1) .

ومن دعاء الإمام زين العبادينعليه‌السلام : «اللهمَّ قد أكدى الطلب وأعيت الحيل إلاّ عندك ، وضاقت المذاهب وامتنعت المطالب وعسّرت الرغائب وانقطعت الطرق إلاّ إليك ، وتصرّمت الآمال وانقطع الرجاء إلاّ منك ، وخابت الثقة وأخلف الظنَّ إلاّ بك ، اللهمَّ إني أجد سبل المطالب إليك منهجة ، ومناهل الرجاء إليك مفتّحة ، وأعلم أنّك لمن دعاك لموضع إجابة ، وللصارخ إليك لمرصد إغاثة ، وأن القاصد لك لقريب المسافة منك »(2) .

12 ـ العمل بما تقتضيه المعرفة :

على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد اللّه ويطيع أوامره ، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء.

عن جميل ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال : قال له رجل : جعلت فداك ، إنّ اللّه يقول : «ادعُوني استجب لكُم »(3) وإنّا ندعو فلا يستجاب لنا! قالعليه‌السلام : «لأنكم لا توفون بعهد اللّه ، لو وفيتم لوفى اللّه لكم »(4) .

وعن أبي حمزة ، قال : إنّ اللّه أوحى إلى داودعليه‌السلام : «يا داود ، إنّه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلاّ أعطيته قبل أن يسألني ، وأستجيب له

__________________

(1) الكافي 2 : 344 / 3.

(2) بحار الأنوار 95 : 450 / 3.

(3) سورة غافر : 40 / 60.

(4) تفسير القمي 1 : 46 في تفسير قوله تعالى : «وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم » البقرة : 2 / 40.

٣٧

قبل أن يدعوني » (1) .

13 ـ الاقبال على اللّه :

من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على اللّه سبحانه بقلبه وعواطفه ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا ، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء وبين الدعاء الحقيقي الذي ينضمّ فيه القلب بانسجام تامّ مع اللسان ، تهتزّ له الروح وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ اللّه عزَّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالاجابة »(2) .

14 ـ الاضطرار إلى اللّه سبحانه :

لابدّ للداعي أن يتوجه إلى اللّه تعالى توجّه المضطر الذي لا يرجو غيره ، وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضرا ولا نفعا «قُلِ ادعُوا الَّذينَ زَعمتُم من دونه فلا يملكون كشف الضُّرِّ عنكم ولا تحويلا »(3) .

فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقيا صادقا جادا ، وكان مدعوّه ربه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى اللّه تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء «أمَّن يُجِيبُ

__________________

(1) بحار الأنوار 93 : 376.

(2) الكافي 2 : 343 / 1.

(3) سورة الاسراء : 17 / 56.

٣٨

المُضطرَّ إذا دعاهُ ويكشِفُ السُّوءِ »(1) .

يقول أمير المؤمنينعليه‌السلام في وصيته لولده الإمام الحسنعليه‌السلام : «وألجى ء نفسك في أمورك كلّها إلى إلهك ، فإنّك تُلجئها إلى كهفٍ حريز ومانع عزيز ، واخلص في المسألة لربك ، فإنّ بيده العطاء والحرمان »(2) .

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلاّ أعطاه ، فلييأس من الناس كلّهم ، ولا يكون له رجاء إلاّ عند اللّه ، فإذا علم اللّه عزَّ وجلّ ذلك من قبله لم يسأل اللّه شيئا إلاّ أعطاه »(3) .

وروي أن اللّه تعالى أوحى إلى عيسىعليه‌السلام : «ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث : يا عيسى ، سلني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ومني الاجابة »(4) .

15 ـ تسمية الحوائج :

إنّ اللّه تعالى محيط بعباده يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبث إليه الحوائج وتُسمى بين يديه تعالى ، وذلك كي يقبل الداعي إلى ربه محتاجا إلى كرمه فقيرا إلى لطفه ومغفرته.

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ اللّه تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا

__________________

(1) سورة النمل : 27 / 62.

(2) نهج البلاغة : الكتاب (31).

(3) الكافي 2 : 119 / 2.

(4) عدة الداعي : 134.

٣٩

دعاه ، لكنّه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك » (1) .

16 ـ ترقيق القلب :

ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت والبرزخ ومنازل الآخرة وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأنّ رقّة القلب سبب في الاخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة اللّه وفضله ، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اغتنموا الدعاء عند الرقة ، فإنّها رحمة »(2) .

وقال الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : «بالاخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتدّ الفزع ، فإلى اللّه المفزع »(3) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إذا رقّ أحدكم فليدع ، فإنّ القلب لا يرقّ حتى يخلص »(4) .

وكلّما رقّ قلب الداعي كلّما كان مهيئا لاستقبال ذخائر الرحمة الإلهية وتحقق قصده في الاستجابة ، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : «إذا اقشعر جلدك ، ودمعت عينك ، ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصد قصدك »(5) .

أما القلب القاسي بكثرة الذنوب والمعاصي ، والقلب اللاهي عن ذكر اللّه ، المتعلق بعرض الدنيا وزخرفها ، فكلاهما مطرودان عن رحاب اللّه تعالى ورحمته ، ولا يستجاب لهما دعاء ، لأنّه ليس ثمّة انسجام بين القلب

__________________

(1) الكافي 2 : 345 / 1.

(2) بحار الأنوار 93 : 313.

(3) الكافي 2 : 340 / 2.

(4) الكافي 2 : 346 / 5.

(5) الكافي 2 : 346 / 8.

٤٠