كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 82932
تحميل: 6344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82932 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء السادس

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليها‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين

66 و من كلام له ع في معنى الأنصار

قَالُوا : لَمَّا اِنْتَهَتْ إِلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع أَنْبَاءُ اَلسَّقِيفَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اَللَّهِ ص قَالَ ع مَا قَالَتِ اَلْأَنْصَارُ قَالُوا قَالَتْ مِنَّا أَمِيرٌ وَ مِنْكُمْ أَمِيرٌ قَالَ ع فَهَلاَّ اِحْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَ يُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ قَالُوا وَ مَا فِي هَذَا مِنَ اَلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ع لَوْ كَانَ اَلْإِمَامَةُ [ اَلْإِمَارَةُ ] فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ اَلْوَصِيَّةُ بِهِمْ ثُمَّ قَالَ ع فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ قَالُوا اِحْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ اَلرَّسُولِ ص فَقَالَ ع

٣

اِحْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا اَلثَّمَرَةَ قد ذكرنا فيما تقدم طرفا من أخبار السقيفة فأما هذا الخبر الوارد في الوصية بالأنصار فهو خبر صحيح أخرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري و مسلم بن الحجاج القشيري في مسنديهما عن أنس بن مالك قال مر أبو بكر و العباس رضي الله تعالى عنهما بمجلس من الأنصار في مرض رسول الله ص و هم يبكون فقالا ما يبكيكم قالوا ذكرنا محاسن رسول الله ص فدخلا على النبي ص و أخبراه بذلك فخرج ص و قد عصب على رأسه حاشية برده فصعد المنبر و لم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد الله و أثنى عليه

ثم قال أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي و عيبتي و قد قضوا الذي عليهم و بقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم.فأما كيفية الاحتجاج على الأنصار فقد ذكرها علي ع و هي أنه لو كان ص ممن يجعل الإمامة فيهم لأوصى إليهم و لم يوص بهم.و إلى هذا نظر عمرو بن سعيد بن العاص و هو المسمى بالأشدق فإن أباه لما مات خلفه غلاما فدخل إلى معاوية فقال إلى من أوصى بك أبوك فقال إن أبي أوصى إلي و لم يوص بي فاستحسن معاوية منه ذلك فقال إن هذا الغلام لأشدق فسمي الأشدق.فأما قول أمير المؤمنين احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة فكلام قد تكرر منه

٤

ع أمثاله ؛نحو قوله إذا احتج عليهم المهاجرون بالقرب من رسول الله ص كانت الحجة لنا على المهاجرين بذلك قائمة فإن فلجت حجتهم كانت لنا دونهم و إلا فالأنصار على دعوتهم.و نحو هذا المعنى قول العباس لأبي بكر و أما قولك نحن شجرة رسول الله ص فإنكم جيرانها و نحن أغصانها

يوم السقيفة

و نحن نذكر خبر السقيفة روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال أخبرني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن سيار قال حدثنا سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري أن النبي ص لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقالوا إن رسول الله ص قد قبض فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه إني لا أستطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي و لكن تلق مني قولي فأسمعهم فكان سعد يتكلم و يستمع ابنه و يرفع به صوته ليسمع قومه فكان من قوله بعد حمد الله و الثناء عليه أن قال إن لكم سابقة إلى الدين و فضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب أن رسول الله ص لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن و خلع الأوثان فما آمن به من قومه إلا قليل و الله ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله

٥

و لا يعزوا دينه و لا يدفعوا عنه عداه حتى أراد الله بكم خير الفضيلة و ساق إليكم الكرامة و خصكم بدينه و رزقكم الإيمان به و برسوله و الإعزاز لدينه و الجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على من تخلف عنه منكم و أثقله على عدوه من غيركم حتى استقاموا لأمر الله طوعا و كرها و أعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا حتى أنجز الله لنبيكم الوعد و دانت لأسيافكم العرب ثم توفاه الله تعالى و هو عنكم راض و بكم قرير عين فشدوا يديكم بهذا الأمر فإنكم أحق الناس و أولاهم به.فأجابوا جميعا أن وفقت في الرأي و أصبت في القول و لن نعدو ما أمرت نوليك هذا الأمر فأنت لنا مقنع و لصالح المؤمنين رضا.ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا إن أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون و أصحاب رسول الله ص الأولون و نحن عشيرته و أولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده فقالت طائفة منهم إذا نقول منا أمير و منكم أمير لن نرضى بدون هذا منهم أبدا لنا في الإيواء و النصرة ما لهم في الهجرة و لنا في كتاب الله ما لهم فليسوا يعدون شيئا إلا و نعد مثله و ليس من رأينا الاستئثار عليهم فمنا أمير و منهم أمير.فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن.و أتى الخبر عمر فأتى منزل رسول الله ص فوجد أبا بكر في الدار و عليا في جهاز رسول الله ص و كان الذي أتاه بالخبر معن بن عدي فأخذ بيد عمر و قال قم فقال عمر إني عنك مشغول فقال إنه لا بد من قيام فقام معه فقال له إن هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله و يقولون أنت المرجى و نجلك المرجى و ثم أناس من

٦

أشرافهم و قد خشيت الفتنة فانظر يا عمر ما ذا ترى و اذكر لإخوتك من المهاجرين و اختاروا لأنفسكم فإني انظر إلى باب فتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله ففزع عمر أشد الفزع حتى أتى أبا بكر فأخذ بيده فقال قم فقال أبو بكر إني عنك مشغول فقال عمر لا بد من قيام و سنرجع إن شاء الله.فقام أبو بكر مع عمر فحدثه الحديث ففزع أبو بكر أشد الفزع و خرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة و فيها رجال من أشراف الأنصار و معهم سعد بن عبادة و هو مريض بين أظهرهم فأراد عمر أن يتكلم و يمهد لأبي بكر و قال خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام فلما نبس عمر كفه أبو بكر و قال على رسلك فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامي بما بدا لك فتشهد أبو بكر ثم قال.إن الله جل ثناؤه بعث محمدا بالهدى و دين الحق فدعا إلى الإسلام فأخذ الله بقلوبنا و نواصينا إلى ما دعانا إليه و كنا معاشر المسلمين المهاجرين أول الناس إسلاما و الناس لنا في ذلك تبع و نحن عشيرة رسول الله ص و أوسط العرب أنسابا ليس من قبائل العرب إلا و لقريش فيها ولادة و أنتم أنصار الله و أنتم نصرتم رسول الله ص ثم أنتم وزراء رسول الله ص و إخواننا في كتاب الله و شركاؤنا في الدين و فيما كنا فيه من خير فأنتم أحب الناس إلينا و أكرمهم علينا و أحق الناس بالرضا بقضاء الله و التسليم لما ساق الله إلى إخوانكم من المهاجرين و أحق الناس ألا تحسدوهم فأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة و أحق الناس ألا يكون انتفاض هذا الدين و اختلاطه على أيديكم و أنا أدعوكم إلى أبي عبيدة و عمر فكلاهما قد رضيت لهذا الأمر و كلاهما أراه له أهلا.

٧

فقال عمر و أبو عبيدة ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك أنت صاحب الغار ثاني اثنين و أمرك رسول الله بالصلاة فأنت أحق الناس بهذا الأمر.فقال الأنصار و الله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم و لا أحد أحب إلينا و لا أرضى عندنا منكم و لكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم و نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا و لا منكم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم بايعنا و رضينا على أنه إذا هلك اخترنا واحدا من الأنصار فإذا هلك كان آخر من المهاجرين أبدا ما بقيت هذه الأمة كان ذلك أجدر أن نعدل في أمة محمد ص فيشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القرشي و يشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاري.فقام أبو بكر فقال إن رسول الله ص لما بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخالفوه و شاقوه و خص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه و الإيمان به و المواساة له و الصبر معه على شدة أذى قومه و لم يستوحشوا لكثرة عدوهم فهم أول من عبد الله في الأرض و هم أول من آمن برسول الله و هم أولياؤه و عترته و أحق الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلا ظالم و ليس أحد بعد المهاجرين فضلا و قدما في الإسلام مثلكم فنحن الأمراء و أنتم الوزراء لا نمتاز دونكم بمشورة و لا نقضي دونكم الأمور.فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال يا معشر الأنصار املكوا عليكم أيديكم إنما الناس في فيئكم و ظلكم و لن يجترئ مجترئ على خلافكم و لا يصدر الناس إلا عن أمركم أنتم أهل الإيواء و النصرة و إليكم كانت الهجرة و أنتم أصحاب الدار و الإيمان و الله ما عبد الله علانية إلا عندكم و في بلادكم

٨

و لا جمعت الصلاة إلا في مساجدكم و لا عرف الإيمان إلا من أسيافكم فاملكوا عليكم أمركم فإن أبى هؤلاء فمنا أمير و منهم أمير.فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في غمد إن العرب لا ترضى أن تؤمركم و نبيها من غيركم و ليس تمتنع العرب أن تولى أمرها من كانت النبوة فيهم و أولو الأمر منهم لنا بذلك الحجة الظاهرة على من خالفنا و السلطان المبين على من نازعنا من ذا يخاصمنا في سلطان محمد و ميراثه و نحن أولياؤه و عشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة.فقام الحباب و قال يا معشر الأنصار لا تسمعوا مقالة هذا و أصحابه فيذهبوا بنصيبكم من الأمر فإن أبوا عليكم ما أعطيتموهم فاجلوهم عن بلادكم و تولوا هذا الأمر عليهم فأنتم أولى الناس بهذا الأمر إنه دان لهذا الأمر بأسيافكم من لم يكن يدين له أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب إن شئتم لنعيدنها جذعة و الله لا يرد أحد علي ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف.قال فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ما اجتمعت عليه الأنصار من تأمير سعد بن عبادة و كان حاسدا له و كان من سادة الخزرج قام فقال أيها الأنصار إنا و إن كنا ذوي سابقة فإنا لم نرد بجهادنا و إسلامنا إلا رضا ربنا و طاعة نبينا و لا ينبغي لنا أن نستطيل بذلك على الناس و لا نبتغي به عوضا

٩

من الدنيا إن محمدا ص رجل من قريش و قومه أحق بميراث أمره و ايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر فاتقوا الله و لا تنازعوهم و لا تخالفوهم.فقام أبو بكر و قال هذا عمر و أبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم فقالا و الله لا نتولى هذا الأمر عليك و أنت أفضل المهاجرين و ثاني اثنين و خليفة رسول الله ص على الصلاة و الصلاة أفضل الدين ابسط يدك نبايعك.فلما بسط يده و ذهبا يبايعانه سبقهما بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقك عقاق و الله ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك.و لما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع قام أسيد بن حضير و هو رئيس الأوس فبايع حسدا لسعد أيضا و منافسة له أن يلي الأمر فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد و حمل سعد بن عبادة و هو مريض فأدخل إلى منزله فامتنع من البيعة في ذلك اليوم و فيما بعده و أراد عمر أن يكرهه عليها فأشير عليه ألا يفعل و أنه لا يبايع حتى يقتل و أنه لا يقتل حتى يقتل أهله و لا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج و إن حوربت الخزرج كانت الأوس معها.و فسد الأمر فتركوه فكان لا يصلي بصلاتهم و لا يجمع بجماعتهم و لا يقضي بقضائهم و لو وجد أعوانا لضاربهم فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ثم لقي عمر في خلافته و هو على فرس و عمر على بعير فقال له عمر هيهات يا سعد فقال سعد هيهات يا عمر فقال أنت صاحب من أنت صاحبه قال نعم أنا ذاك ثم قال لعمر و الله ما جاورني أحد هو أبغض إلي جوارا منك قال عمر فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه فقال سعد إني لأرجو أن أخليها لك عاجلا إلى جوار من هو أحب إلي

١٠

جوارا منك و من أصحابك فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج إلى الشام فمات بحوران و لم يبايع لأحد لا لأبي بكر و لا لعمر و لا لغيرهما.قال و كثر الناس على أبي بكر فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم و اجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب و معهم الزبير و كان يعد نفسه رجلا من بني هاشم كان علي يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا.و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و اجتمعت بنو زهرة إلى سعد و عبد الرحمن فأقبل عمر إليهم و أبو عبيدة فقال ما لي أراكم ملتاثين قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايع له الناس و بايعه الأنصار فقام عثمان و من معه و قام سعد و عبد الرحمن و من معهما فبايعوا أبا بكر.و ذهب عمر و معه عصابة إلى بيت فاطمة منهم أسيد بن حضير و سلمة بن أسلم فقال لهم انطلقوا فبايعوا فأبوا عليه و خرج إليهم الزبير بسيفه فقال عمر عليكم الكلب فوثب عليه سلمة بن أسلم فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ثم انطلقوا به و بعلي و معها بنو هاشم

و علي يقول أنا عبد الله و أخو رسول الله ص حتى انتهوا به إلى أبي بكر فقيل له بايع فقال أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم و أنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله فأعطوكم المقادة و سلموا إليكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم و اعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم و إلا فبوءوا بالظلم و أنتم تعلمون.فقال عمر إنك لست متروكا حتى تبايع فقال له علي احلب يا عمر حلبا لك شطره اشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا ألا و الله لا أقبل قولك و لا أبايعه فقال له أبو بكر

١١

فإن لم تبايعني لم أكرهك فقال له أبو عبيدة يا أبا الحسن إنك حديث السن و هؤلاء مشيخة قريش قومك ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور و لا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك و أشد احتمالا له و اضطلاعا به فسلم له هذا الأمر و ارض به فإنك إن تعش و يطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق و به حقيق في فضلك و قرابتك و سابقتك و جهادك.

فقال علي يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره و بيته إلى بيوتكم و دوركم و لا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس و حقه فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أ ما كان منا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بالسنة المضطلع بأمر الرعية و الله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا.فقال بشير بن سعد لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان و لكنهم قد بايعوا و انصرف علي إلى منزله و لم يبايع و لزم بيته حتى ماتت فاطمة فبايع.قلت هذا الحديث يدل على بطلان ما يدعى من النص على أمير المؤمنين و غيره لأنه لو كان هناك نص صريح لاحتج به و لم يجر للنص ذكر و إنما كان الاحتجاج منه و من أبي بكر و من الأنصار بالسوابق و الفضائل و القرب فلو كان هناك نص على أمير المؤمنين أو على أبي بكر لاحتج به أبو بكر أيضا على الأنصار و لاحتج به أمير المؤمنين على أبي بكر فإن هذا الخبر و غيره من الأخبار المستفيضة يدل على أنه قد كان كاشفهم و هتك القناع بينه و بينهم أ لا تراه كيف نسبهم إلى التعدي عليه و ظلمه و تمنع من طاعتهم

١٢

و أسمعهم من الكلام أشده و أغلظه فلو كان هناك نص لذكره أو ذكره بعض من كان من شيعته و حزبه لأنه لا عطر بعد عروس.و هذا أيضا يدل على أن الخبر المروي في أبي بكر في صحيحي البخاري و مسلم غير صحيح

و هو ما روي من قوله ع لعائشة في مرضه ادعي لي أباك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن و يأبى الله و المؤمنون إلا أبا بكر و هذا هو نص مذهب المعتزلة.

و قال أحمد بن عبد العزيز الجوهري أيضا حدثنا أحمد و قال حدثنا ابن عفير قال حدثنا أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي جعفر محمد بن عليرضي‌الله‌عنه ما أن عليا حمل فاطمة على حمار و سار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة و تسألهم فاطمة الانتصار له فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به فقال علي أ كنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزه و أخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه و قالت فاطمة ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له و صنعوا هم ما الله حسبهم عليه

و قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و حدثنا أحمد قال حدثني سعيد بن كثير قال حدثني ابن لهيعة أن رسول الله ص لما مات و أبو ذر غائب و قدم و قد ولي أبو بكر فقال أصبتم قناعه و تركتم قرابه لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان

١٣

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أبو قبيصة محمد بن حرب قال لما توفي النبي ص و جرى في السقيفة ما جرى تمثل علي

و أصبح أقوام يقولون ما اشتهوا

و يطغون لما غال زيدا غوائله

قصيدة أبي القاسم المغربي و تعصبه للأنصار على قريش

و حدثني أبو جعفر يحيى بن محمد بن زيد العلوي نقيب البصرة قال لما قدم أبو القاسم علي بن الحسين المغربي من مصر إلى بغداد استكتبه شرف الدولة أبو علي بن بويه و هو يومئذ سلطان الحضرة و أمير الأمراء بها و القادر خليفة ففسدت الحال بينه و بين القادر و اتفق لأبي القاسم المغربي أعداء سوء أوحشوا القادر منه و أوهموه أنه مع شرف الدولة في القبض عليه و خلعه من الخلافة فأطلق لسانه في ذكره بالقبيح و أوصل القول فيه و الشكوى منه و نسبه إلى الرفض و سب السلف و إلى كفران النعمة و أنه هرب من يد الحاكم صاحب مصر بعد إحسانه إليه.قال النقيب أبو جعفررحمه‌الله تعالى فأما الرفض فنعم و أما إحسان الحاكم إليه فلا كان الحاكم قتل أباه و عمه و أخا من إخوته و أفلت منه أبو القاسم بخديعة الدين و لو ظفر به لألحقه بهم.قال أبو جعفر و كان أبو القاسم المغربي ينسب في الأزد و يتعصب لقحطان على عدنان و للأنصار على قريش و كان غاليا في ذلك مع تشيعه و كان أديبا فاضلا شاعرا مترسلا و كثير الفنون عالما و انحدر مع شرف الدولة إلى واسط فاتفق أن حصل بيد القادر كتاب بخطه شبه مجموع قد جمعه من خطه و شعره و كلامه مسود أتحفه به بعض من كان يشنأ أبا القاسم و يريد كيده فوجد القادر في ذلك المجموع قصيدة من شعره فيها تعصب شديد للأنصار على المهاجرين حتى خرج إلى نوع من الإلحاد و الزندقة لإفراط غلوه

١٤

و فيها تصريح بالرفض مع ذلك فوجدها القادر تمرة الغراب و أبرزها إلى ديوان الخلافة فقرئ المجموع و القصيدة بمحضر من أعيان الناس من الأشراف و القضاة و المعدلين و الفقهاء و يشهد أكثرهم أنه خطه و أنهم يعرفونه كما يعرفون وجهه و أمر بمكاتبة شرف الدولة بذلك فإلى أن وصل الكتاب إلى شرف الدولة بما جرى اتصل الخبر بأبي القاسم قبل وصول الكتاب إلى شرف الدولة فهرب ليلا و معه بعض غلمانه و جارية كان يهواها و يتحظاها و مضى إلى البطيحة ثم منها إلى الموصل ثم إلى الشام و مات في طريقه فأوصى أن تحمل جثته إلى مشهد علي فحملت في تابوت و معها خفراء العرب حتى دفن بالمشهد بالقرب منه ع.و كنت برهة أسأل النقيب أبا جعفر عن القصيدة و هو يدافعني بها حتى أملأها علي بعد حين و قد أوردت هاهنا بعضها لأني لم أستجز و لم أستحل إيرادها على وجهها فمن جملتها و هو يذكر في أولها رسول الله ص و يقول إنه لو لا الأنصار لم تستقم لدعوته دعامة و لا أرست له قاعدة في أبيات فاحشة كرهنا ذكرها

نحن الذين بنا استجار فلم يضع

فينا و أصبح في أعز جوار

بسيوفنا أمست سخينة بركا

في بدرها كنحائر الجزار

و لنحن في أحد سمحنا دونه

بنفوسنا للموت خوف العار

فنجا بمهجته فلو لا ذبنا

عنه تنشب في مخالب ضار

و حمية السعدين بل بحماية السدين

يوم الجحفل الجرار

في الخندق المشهور إذ ألقى بها

بيد و رام دفاعها بثمار

قالا معاذ الله إن هضيمه

لم نعطها في سالف الأعصار

١٥

ما عندنا إلا السيوف و أقبلا

نحو الحتوف بها بدار بدار

و لنا بيوم حنين آثار متى

تذكر فهن كرائم الآثار

لما تصدع جمعه فغدا بنا

مستصرخا بعقيرة و جؤار

عطفت عليه كماتنا فتحصنت

منا جموع هوازن بفرار

و فدته من أبناء قيلة عصبة

شروى النقير و جنة البقار

أ فنحن أولى بالخلافة بعده

أم عبد تيم حاملو الأوزار

ما الأمر إلا أمرنا و بسعدنا

زفت عروس الملك غير نوار

لكنما حسد النفوس و شحها

و تذكر الأذحال و الأوتار

أفضى إلى هرج و مرج فانبرت

عشواء خابطة بغير نهار

و تداولتها أربع لو لا أبو

حسن لقلت لؤمت من إستار

من عاجز ضرع و من ذي غلظة

جاف و من ذي لوثة خوار

ثم ارتدى المحروم فضل ردائها

فغلت مراجل إحنة و نفار

فتأكلت تلك الجذى و تلمظت

تلك الظبا و رقا أجيج النار

تالله لو ألقوا إليه زمامها

لمشى بهم سجحا بغير عثار

و لو أنها حلت بساحة مجده

بادي بدا سكنت بدار قرار

هو كالنبي فضيلة لكن ذا

من حظه كاس و هذا عار

و الفضل ليس بنافع أربابه

إلا بمسعدة من الأقدار

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت

هزؤا و بدل ربحها بخسار

و تنقلت في عصبة أموية

ليسوا بأطهار و لا أبرار

١٦

ما بين مأفون إلى متزندق

و مداهن و مضاعف و حمار

فهذه الأبيات هي نظيف القصيدة التقطناها و حذفنا الفاحش و في الملتقط المذكور أيضا ما لا يجوز و هو قوله نحن الذين بنا استجار و قوله ألقى بها بيد و قوله فنجا بمهجته البيت و قوله عن أبي بكر عبد تيم و قوله لو لا علي لقلت في الأربعة أنهم إستار لؤم و ذكره الثلاثةرضي‌الله‌عنه م بما ذكرهم و نسبهم إليه و قوله إن عليا كالنبي في الفضيلة و قوله إن النبوة حظ أعطيه و حرمه علي ع.فأما قوله في بني أمية ما بين مأفون البيت فمأخوذ من قول عبد الملك بن مروان و قد خطب فذكر الخلفاء من بني أمية قبله فقال إني و الله لست بالخليفة المستضعف و لا بالخليفة المداهن و لا بالخليفة المأفون عنى بالمستضعف عثمان و بالمداهن معاوية و بالمأفون يزيد بن معاوية فزاد هذا الشاعر فيهم اثنين و هما المتزندق و هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك و الحمار و هو مروان بن محمد بن مروان

أمر المهاجرين و الأنصار بعد بيعة أبي بكر

و روى الزبير بن بكار في الموفقيات قال لما بايع بشير بن سعد أبا بكر و ازدحم الناس على أبي بكر فبايعوه مر أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب ع فوقف و أنشد

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

و لا سيما تيم بن مرة أو عدي

فما الأمر إلا فيكم و إليكم

و ليس لها إلا أبو حسن علي

١٧

أبا حسن فاشدد بها كف حازم

فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي

و أي امرئ يرمي قصيا و رأيها

منبع الحمى و الناس من غالب قصي

فقال علي لأبي سفيان إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه و قد عهد إلي رسول الله ص عهدا فأنا عليه فتركه أبو سفيان و عدل إلى العباس بن عبد المطلب في منزله فقال يا أبا الفضل أنت أحق بميراث ابن أخيك امدد يدك لأبايعك فلا يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك فضحك العباس و قال يا أبا سفيان يدفعها علي و يطلبها العباس فرجع أبو سفيان خائبا.قال الزبير و ذكر محمد بن إسحاق أن الأوس تزعم أن أول من بايع أبا بكر بشير بن سعد و تزعم الخزرج أن أول من بايع أسيد بن حضير.قلت بشير بن سعد خزرجي و أسيد بن حضير أوسي و إنما تدافع الفريقان الروايتين تفاديا عن سعد بن عبادة و كراهية كل حي منهما أن يكون نقض أمره جاء من جهة صاحبه فالخزرج هم أهله و قرابته لا يقرون أن بشير بن سعد هو أول من بايع أبا بكر و أبطل أمر سعد بن عبادة و يحيلون بذلك على أسيد بن حضير لأنه من الأوس أعداء الخزرج و أما الأوس فتكره أيضا أن ينسب أسيد إلى أنه أول من نقض أمر سعد بن عبادة كي لا يرموه بالحسد للخزرج لأن سعد بن عبادة خزرجي فيحيلون بانتقاض أمره على قبيلته و هم الخزرج و يقولون إن أول من بايع أبا بكر و نقض دعوة سعد بن عبادة بشير بن سعد و كان بشير أعور.و الذي ثبت عندي أن أول من بايعه عمر ثم بشير بن سعد ثم أسيد بن حضير ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم سالم مولى أبي حذيفة.

١٨

قال الزبير و قد كان مالأ أبا بكر و عمر على نقض أمر سعد و إفساد حاله رجلان من الأنصار ممن شهد بدرا و هما عويم بن ساعدة و معن بن عدي.قلت كان هذان الرجلان ذوي حب لأبي بكر في حياة رسول الله ص و اتفق مع ذلك بغض و شحناء كانت بينهما و بين سعد بن عبادة و لها سبب مذكور في كتاب القبائل لأبي عبيدة معمر بن المثنى فليطلب من هناك.و عويم بن ساعدة هو القائل لما نصب الأنصار سعدا يا معشر الخزرج إن كان هذا الأمر فيكم دون قريش فعرفونا ذلك و برهنوا حتى نبايعكم عليه و إن كان لهم دونكم فسلموا إليهم فو الله ما هلك رسول الله ص حتى عرفنا أن أبا بكر خليفة حين أمره أن يصلي بالناس فشتمه الأنصار و أخرجوه فانطلق مسرعا حتى التحق بأبي بكر فشحذ عزمه على طلب الخلافة.ذكر هذا بعينه الزبير بن بكار في الموفقيات.و ذكر المدائني و الواقدي أن معن بن عدي اتفق هو و عويم بن ساعدة على تحريض أبي بكر و عمر على طلب الأمر و صرفه عن الأنصار قالا و كان معن بن عدي يشخصهما إشخاصا و يسوقهما سوقا عنيفا إلى السقيفة مبادرة إلى الأمر قبل فواته.قال الزبير بن بكار فلما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله ص فلما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم فاجتمع قوم من الأنصار و قوم من المهاجرين فتعاتبوا فيما بينهم فقال عبد الرحمن بن عوف يا معشر الأنصار إنكم و إن كنتم أولي فضل و نصر و سابقة و لكن ليس فيكم مثل أبي بكر و لا عمر و لا علي و لا أبي عبيدة فقال زيد بن أرقم إنا لا ننكر فضل من ذكرت

١٩

يا عبد الرحمن و إن منا لسيد الأنصار سعد بن عبادة و من أمر الله رسوله أن يقرئه السلام و أن يأخذ عنه القرآن أبي بن كعب و من يجي‏ء يوم القيامة أمام العلماء معاذ بن جبل و من أمضى رسول الله ص شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت و إنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد علي بن أبي طالب.قال الزبير فلما كان من الغد قام أبو بكر فخطب الناس و قال أيها الناس إني وليت أمركم و لست بخيركم فإذا أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني إن لي شيطانا يعتريني فإياكم و إياي إذا غضبت لا أوثر في أشعاركم و أبشاركم الصدق أمانة و الكذب خيانة و الضعيف منكم قوي حتى أرد إليه حقه و القوي ضعيف حتى آخذ الحق منه إنه لا يدع قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع في قوم الفاحشة إلا عمهم البلاء أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.قال ابن أبي عبرة القرشي

شكرا لمن هو بالثناء حقيق

ذهب اللجاج و بويع الصديق

من بعد ما زلت بسعد نعله

و رجا رجاء دونه العيوق

حفت به الأنصار عاصب رأسه

فأتاهم الصديق و الفاروق

و أبو عبيدة و الذين إليهم

نفس المؤمل للقاء تتوق

كنا نقول لها علي و الرضا

عمر و أولاهم بذاك عتيق

فدعت قريش باسمه فأجابها

إن المنوه باسمه الموثوق

٢٠