كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 82931
تحميل: 6344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82931 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

فإن ادعى مدع أن الوصلة هي الهواء فعن ذلك أجوبة أحدها أن الهواء لا يجوز أن يكون وصلة و آلة في الحركات الشديدة و حمل الأثقال لا سيما إذا لم يتموج.و الثاني أنه كان يجب أن نحس بذلك و نعلم أن الهواء يحركنا و يصرفنا كما نعلم في الجسم إذا حركنا و صرفنا بآلة موضع تحريكه لنا بتلك الآلة.و الثالث أن في الأفعال الحادثة فينا ما لا يجوز أن يفعل بآلة و لا يتولد عن سبب كالإرادات و الاعتقادات و نحوها.و قد دلل أصحابنا أيضا على إبطال كون الكواكب فاعلة للأفعال فينا بأن ذلك يقتضي سقوط الأمر و النهي و المدح و الذم و يلزمهم ما يلزم المجبرة و هذا الوجه يبطل كون الكواكب فاعلة فينا بالإيجاب كما يبطل كونها فاعلة بالاختيار.و أما القول بأنها أمارات على ما يحدث و يتجدد فيمكن أن ينصر بأن يقال لم لا يجوز أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه أو اتصاله بكوكب آخر.و الكلام على ذلك بأن يقال هذا غير ممتنع لو ثبت سمع مقطوع به يقتضي ذلك فإن هذا مما لا يعلم بالعقل.فإن قالوا نعلم بالتجربة.قيل لهم التجربة إنما تكون حجة إذا استمرت و اطردت و أنتم خطؤكم فيما تحكمون به أكثر من صوابكم فهلا نسبتم الصواب الذي يقع منكم إلى الاتفاق و التخمين فقد رأينا من أصحاب الزرق و التخمين من يصيب أكثر مما يصيب المنجم و هو من غير أصل صحيح و لا قاعدة معتمدة و متى قلتم إنما أخطأ المنجم لغلطه في تسيير الكواكب

٢٠١

قيل لكم و لم لا يكون سبب الإصابة اتفاقا و إنما يصح لكم هذا التأويل و التخريج لو كان على صحة أحكام النجوم دليل قاطع هو غير إصابة المنجم.فأما إذا كان دليل صحة الأحكام الإصابة فهلا كان دليل فسادها الخطاء فما أحدهما إلا في مقابلة صاحبه.و مما قيل على أصحاب الأحكام إن قيل لهم في شي‏ء بعينه خذوا الطالع و احكموا أ يؤخذ أم يترك فإن حكموا بأحدهما خولفوا و فعل خلاف ما أخبروا به و هذه المسألة قد أعضل عليهم جوابها.و قال بعض المتكلمين لبعض المنجمين أخبرني لو فرضنا جادة مسلوكة و طريقا يمشي فيها الناس نهارا و ليلا و في تلك المحجة آبار متقاربة و بين بعضها و بعض طريق يحتاج سالكه إلى تأمل و توقف حتى يتخلص من السقوط في بعض تلك الآبار هل يجوز أن تكون سلامة من يمشي بهذا الطريق من العميان كسلامة من يمشي فيه من البصراء و المفروض أن الطريق لا يخلو طرفة عين من مشاة فيها عميان و مبصرون و هل يجوز أن يكون عطب البصراء مقاربا لعطب العميان.فقال المنجم هذا مما لا يجوز بل الواجب أن تكون سلامة البصراء أكثر من سلامة العميان.فقال المتكلم فقد بطل قولكم لأن مسألتنا نظير هذه الصورة فإن مثال البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم و يميزون مساعدها من مناحسها و يتوقون بهذه المعرفة مضار الوقت و الحركات و يتخطونها و يعتمدون منافعها و يقصدونها و مثال العميان كل من لا يحسن علم النجوم و لا يقولون به من أهل العلم و العامة و هم أضعاف أضعاف عدد المنجمين.

٢٠٢

و مثال الطريق الذي فيه الآبار الزمان الذي مضى و مر على الخلق أجمعين و مثال آباره مصائبه و محنه.و قد كان يجب لو صح علم أحكام النجوم أن سلامة المنجمين أكثر و مصائبهم أقل لأنهم يتوقون المحن و يتخطونها لعلمهم بها قبل كونها و أن تكون محن المعرضين عن علم أحكام النجوم على كثرتهم أوفر و أظهر حتى تكون سلامة كل واحد منهم هي الطريقة الغريبة و المعلوم خلاف ذلك فإن السلامة و المحن في الجميع متقاربة متناسبة غير متفاوتة.و أما البحث الحكمي في هذا الموضع فهو أن الحادث في عالم العناصر عند حلول الكوكب المخصوص في البرج المخصوص إما أن يكون المقتضي له مجرد ذلك الكوكب أو مجرد ذلك البرج أو حلول ذلك الكوكب في ذلك البرج فالأولان باطلان و إلا لوجب أن يحدث ذلك الأمر قبل أن يحدث و الثالث باطل أيضا لأنه إما أن يكون ذلك البرج مساويا لغيره من البروج في الماهية أو مخالفا و الأول يقتضي حدوث ذلك الحادث حال ما كان ذلك الكوكب حالا في غيره من البروج لأن حكم الشي‏ء حكم مثله و الثاني يقتضي كون كرة البروج متخالفة الأجزاء في أنفسها و يلزم في ذلك كونها مركبة و قد قامت الدلالة على أنه لا شي‏ء من الأفلاك بمركب.و قد اعترض على هذا الدليل بوجهين أحدهما أنه لم لا يجوز أن تختلف أفعال الكواكب المتحيرة عند حلولها في البروج لا لاختلاف البروج في نفسها بل لاختلاف ما في تلك البروج من الكواكب الثابتة المختلفة الطبائع.الوجه الثاني لم لا يجوز أن يقال الفلك التاسع مكوكب بكواكب صغار لا نراها

٢٠٣

لغاية بعدها عنا فإذا تحركت في كرات تداويرها سامتت مواضع مخصوصة من كرة الكواكب الثابتة و هي فلك البروج فاختلفت آثار الكواكب المتحيرة عند حلولها في البروج باعتبار اختلاف تلك الكواكب الصغيرة و لم لا يجوز إثبات كرة بين الكرة الثامنة و بين الفلك الأطلس المدبر لجميع الأفلاك من المشرق إلى المغرب و تكون تلك الكرة المتوسطة بينهما بطيئة الحركة بحيث لا تفي أعمارنا بالوقوف على حركتها و هي مكوكبة بتلك الكواكب الصغار المختلفة الطبائع.و أجيب عن الأول بأنه لو كان الأمر كما ذكر لوجب أن تختلف بيوت الكواكب و أشرافها و حدودها عند حركة الثوابت بحركة فلكها حتى أنها تتقدم على مواضعها في كل مائة سنة على رأي المتقدمين أو في كل ست و ستين سنة على رأي المتأخرين درجة واحدة لكن ليس الأمر كذلك فإن شرف القمر كما أنه في زماننا في درجة الثالثة من الثور فكذلك كان عند الذين كانوا قبلنا بألف سنة و بألفي سنة.و أما الوجه الثاني فلا جواب عنه.و اعلم أن الفلاسفة قد عولت في إبطال القول بأحكام النجوم على وجه واحد و هو أن مبنى هذا العلم على التجربة و لم توجد التجربة فيما يدعيه أرباب علم النجوم فإن هاهنا أمورا لا تتكرر إلا في الأعمار المتطاولة مثل الأدوار و الألوف التي زعم أبو معشر أنها هي الأصل في هذا العلم و مثل مماسة جرم زحل للكرة المكوكبة و مثل انطباق معدل النهار على دائرة فلك البروج فإنهم يزعمون أن ذلك يقتضي حدوث طوفان الماء و إحاطته بالأرض من جميع الجوانب مع أن هذه الأمور لا توجد إلا في ألوف الألوف من السنين فكيف تصح أمثال هذه الأمور بالتجربة.و أيضا فإنا إذا رأينا حادثا حدث عند حلول كوكب مخصوص في برج مخصوص

٢٠٤

فكيف نعلم استناد حدوثه إلى ذلك الحلول فإن في الفلك كواكب لا تحصى فما الذي خصص حدوث ذلك الحدوث بحلول ذلك الكوكب في ذلك البرج لا غيره و بتقدير أن يكون لحلوله تأثير في ذلك فلا يمكن الجزم قبل حلوله بأنه إذا حل في البرج المذكور لا بد أن يحدث ذلك الحادث لجواز أن يوجد ما يبطل تأثيره نحو أن يحل كوكب آخر في برج آخر فيدفع تأثيره و يبطل عمله أو لعل المادة الأرضية لا تكون مستعدة لقبول تلك الصورة و حدوث الحادث كما يتوقف على حصول الفاعل يتوقف على حصول القابل و إذا وقع الشك في هذه الأمور بطل القول بالجزم بعلم أحكام النجوم و هذه الحجة جيدة إن كان المنجمون يطلبون القطع في علمهم.فإما أن كانوا يطلبون الظن فإن هذه الحجة لا تفسد قولهم.فأما أبو البركات بن ملكا البغدادي صاحب كتاب المعتبر فإنه أبطل أحكام النجوم من وجه و أثبته من وجه.قال أما من يريد تطبيق علم أحكام النجوم على قاعدة العلم الطبيعي فإنه لا سبيل له إلى ذلك فإنا لا نتعلق من أقوالهم إلا بأحكام يحكمون بها من غير دليل نحو القول بحر الكواكب و بردها أو رطوبتها و يبوستها و اعتدالها كقولهم إن زحل بارد يابس و المشتري معتدل و الاعتدال خير و الإفراط شر و ينتجون من ذلك أن الخير يوجب سعادة و الشر يوجب منحسة و ما جانس ذلك مما لم يقل به علماء الطبيعيين و لم تنتجه مقدماتهم في أنظارهم و إنما الذي أنتجته هو أن الأجرام السماوية فعالة فيما تحويه و تشتمل عليه و تتحرك حوله فعلا على الإطلاق غير محدود بوقت و لا مقدر بتقدير و القائلون بالأحكام ادعوا حصول علمهم بذلك من توقيف و تجربة لا يطابق نظر الطبيعي.و إذا قلت بقول الطبيعي بحسب أنظاره أن المشتري سعد و المريخ نحس أو أن زحل

٢٠٥

بارد يابس و المريخ حار يابس و الحار و البارد من الملموسات و ما دل على هذا المس و ما استدل عليه بلمس كتأثيره فيما يلمسه فإن ذلك لم يظهر للحس في غير الشمس حيث تسخن الأرض بشعاعها و لو كان في السمائيات شي‏ء من طبائع الأضداد لكان الأولى أن تكون كلها حارة لأن كواكبها كلها منيرة.و متى يقول الطبيعي بتقطيع الفلك و تقسيمه إلى أجزاء كما قسمه المنجمون قسمة وهمية إلى بروج و درج و دقائق و ذلك جائز للمتوهم كجواز غيره و ليس بواجب في الوجود و لا حاصل فنقلوا ذلك التوهم الجائز إلى الوجود الواجب في أحكامهم و كان الأصل فيه على زعمهم حركة الشمس و الأيام و الشهور فحصلوا منها قسمة وهمية و جعلوها كالحاصلة الوجودية المثمرة بحدود و خطوط كان الشمس بحركتها من وقت إلى مثله خطت في السماء خطوطا و أقامت فيها جدرا أو حدودا أو غيرت في أجزائها طباعا تغييرا يبقى فيتقى به القسمة إلى تلك الدرج و الدقائق مع جواز الشمس عنها و ليس في جوهر الفلك اختلاف يتميز به موضع عن موضع سوى الكواكب و الكواكب تتحرك عن أمكنتها فبقيت الأمكنة على التشابه فبما ذا تتميز بروجه و درجه و يبقى اختلافها بعد حركة المتحرك في سمتها و كيف يقيس الطبيعي على هذه الأصول و ينتج منها نتائج و يحكم بحسبها أحكاما و كيف له أن يقول بالحدود و يجعل خمس درجات من برج الكوكب و ستا لآخر و أربعا لآخر و يختلف فيها البابليون و المصريون و جعلوا أرباب البيوت كأنها ملاك و البيوت كأنها أملاك تثبت لأربابها بصكوك و أحكام الأسد للشمس و السرطان للقمر و إذا نظر الناظر وجد الأسد أسدا من جهة كواكب شكلوها بشكل الأسد ثم انقلبت عن مواضعها و بقي الموضع أسدا و جعلوا الأسد للشمس و قد ذهبت منه الكواكب التي كان بها أسدا كان ذلك الملك بيت للشمس مع انتقال الساكن و كذلك السرطان للقمر.

٢٠٦

و من الدقائق في العلم النجومي الدرجات المدارة و الغربية و المظلمة و النيرة و الزائدة في السعادة و درجات الآثار من جهة أنها أجزاء الفلك إن قطعوها و ما انقطعت و مع انتقال ما ينتقل من الكواكب إليها و عنها ثم أنتجوا من ذلك نتائج أنظارهم من أعداد الدرج و أقسام الفلك فقالوا إن الكوكب ينظر إلى الكواكب من ستين درجة نظر تسديس لأنه سدس من الفلك و لا ينظر إليه من خمسين و لا من سبعين و قد كان قبل الستين بعشر درج و هو أقرب من ستين و بعدها بعشر درج و هو أبعد من ستين لا ينظر.فليت شعري ما هذا النظر أ ترى الكواكب تظهر للكوكب ثم تحتجب عنه ثم شعاعه يختلط بشعاعه عند حد لا يختلط به قبله و لا بعده.و كذلك التربيع من الربع الذي هو تسعون درجة و التثليث من الثلث الذي هو مائة و عشرون درجة فلم لا يكون التخميس و التسبيع و التعشير على هذا القياس ثم يقولون الحمل حار يابس ناري و الثور بارد يابس أرضي و الجوزاء حار رطب هوائي و السرطان بارد رطب مائي ما قال الطبيعي هذا قط و لا يقول به.و إذا احتجوا و قاسوا كانت مبادئ قياساتهم الحمل برج ينقلب لأن الشمس إذا نزلت فيه ينقلب الزمان من الشتاء إلى الربيع و الثور برج ثابت لأن الشمس إذا نزلت فيه ثبت الربيع على ربيعيته.و الحق أنه لا ينقلب الحمل و لا يثبت الثور بل هما على حالهما في كل وقت ثم كيف يبقى دهره منقلبا مع خروج الشمس منه و حلولها فيه أ تراها تخلف فيه أثرا أو تحيل منه طباعا و تبقى تلك الاستحالة إلى أن تعود فتجددها و لم لا يقول قائل إن السرطان حار يابس لأن الشمس إذا نزلت فيه يشتد حر الزمان و ما يجانس هذا مما لا يلزم لا هو و لا ضده فليس في الفلك اختلاف يعرفه الطبيعي إلا بما فيه من الكواكب و هو في نفسه

٢٠٧

واحد متشابه الجوهر و الطبع و لكنها أقوال قال بها قائل فقبلها قائل و نقلها ناقل فحسن فيها ظن السامع و اغتر بها من لا خبرة له و لا قدرة له على النظر.ثم حكم بها الحاكمون بجيد و ردي‏ء و سلب و إيجاب و بت و تجوز فصادف بعضه موافقة الوجود فصدق فيعتبر به المعتبرون و لم يلتفتوا إلى ما كذب منه فيكذبوه بل عذروا و قالوا إنما هو منجم و ليس بنبي حتى يصدق في كل ما يقول و اعتذروا له بأن العلم أوسع من أن يحيط به أحد و لو أحاط به أحد لصدق في كل شي‏ء و لعمر الله إنه لو أحاط به علما صادقا لصدق و الشأن في أن يحيط به على الحقيقة لا أن يفرض فرضا و يتوهم وهما فينقله إلى الوجود و ينسب إليه و يقيس عليه.قال و الذي يصح من هذا العلم و يلتفت إليه العقلاء هي أشياء غير هذه الخرافات التي لا أصل لها فما حصل توقيف أو تجربة حقيقة كالقرانات و المقابلة فإنها أيضا من جملة الاتصالات كالمقارنة من جهة أن تلك غاية القرب و هذه غاية البعد و نحو ممر كوكب من المتحيرة تحت كوكب من الثابتة و نحوه ما يعرض للمتحيرة من رجوع و استقامة و ارتفاع في شمال و انخفاض في جنوب و أمثال ذلك.فهذا كلام ابن ملكا كما تراه يبطل هذا الفن من وجه و يقول به من وجه.و قد وقفت لأبي جعفر محمد بن الحسين الصنعاني المعروف بالخازن صاحب كتاب زيج الصفائح على كلام في هذا الباب مختصر له سماه كتاب العالمين أنا ذاكره في هذا الموضع على وجهه لأنه كلام لا بأس به قال إن بعض المصدقين بأحكام النجوم و كل المكذبين بها قد زاغوا عن طريق الحق و الصواب فيها فإن الكثير من المصدقين بها قد أدخلوا فيها ما ليس منها و ادعوا ما لم يمكن إدراكه بها حتى كثر فيها خطؤهم و ظهر كذبهم و صار ذلك سببا لتكذيب أكثر الناس بهذا العلم.

٢٠٨

فأما المكذبون به فقد بلغوا من إنكار صحيحه و رد ظاهره إلى أن قالوا إنه لا يصح منه شي‏ء أصلا و نسبوا أهله إلى الرزق و الاحتيال و الخداع و التمويه فلذلك رأينا أن نبتدئ بتبيين صحة هذه الصناعة ليظهر فساد قول المكذبين لها بأسرها ثم نبين ما يمكن إدراكه بها ليبطل دعوى المدعين فيها ما يمتنع وجوده بها.أما الوجوه التي بها تصح صناعة الأحكام فهي كثيرة منها ما يظهر لجميع الناس من قبل الشمس فإن حدوث الصيف و الشتاء و ما يعرض فيهما من الحر و البرد و الأمطار و الرياح و نبات الأرض و خروج وقت الأشجار و حملها الثمار و حركة الحيوان إلى النسل و التوالد و غير ذلك مما يشاكله من الأحوال إنما يكون أكثر ذلك بحسب دنو الشمس من سمت الرءوس في ناحية الشمال و تباعدها منه إلى ناحية الجنوب و بفضل قوة الشمس على قوة القمر و قوى سائر الكواكب ظهر ما قلنا لجميع الناس.و قد ظهر لهم أيضا من قبل الشمس في تغيير الهواء كل يوم عند طلوعها و عند توسطها السماء و عند غروبها ما لا خفاء به من الآثار.و من هذه الوجوه ما يظهر للفلاحين و الملاحين بأدنى تفقد للأشياء التي تحدث فإنهم يعلمون أشياء كثيرة من الآثار التي يؤثرها القمر و أنوار الكواكب الثابتة كالمد و الجزر و حركات الرياح و الأمطار و أوقاتها عند الحدوث و ما يوافق من أوقات الزراعات و ما لا يوافق و أوقات اللقاح و النتاج.و قد يظهر من آثار القمر في الحيوان الذي يتوالد في الماء و الرطوبات ما هو مشهور لا ينكر.و منها جهات أخرى يعرفها المنجمون فقط على حسب فضل علمهم و دقة نظرهم في هذا

٢٠٩

العلم و إذ قد وصفنا على سبيل الإجمال ما يوجب حقيقة هذا العلم فإنا نصف ما يمكن إدراكه به أو لا يمكن فنقول لما كانت تغيرات الهواء إنما تحدث بحسب أحوال الشمس و القمر و الكواكب المتحيرة و الثابتة صارت معرفة هذه التغيرات قد تدرك من النجوم مع سائر ما يتبعها من الرياح و السحاب و الأمطار و الثلج و البرد و الرعد و البرق لأن الأشياء التي تلي الأرض و تصل إليها هذه الآثار من الهواء المحيط بها كانت الأعراض العامية التي تعرض في هذه الأشياء تابعة لتلك الآثار مثل كثرة مياه الأنهار و قلتها و كثرة الثمار و قلتها و كثرة خصب الحيوان و قلته و الجدوبة و القحط و الوباء و الأمراض التي تحدث في الأجناس و الأنواع أو في جنس دون جنس أو في نوع دون نوع و سائر ما يشاكل ذلك من الأحداث.و لما كانت أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن و كانت الأحداث التي ذكرناها مغيرة لمزاج البدن صارت أيضا مغيرة للأخلاق و لأن المزاج الأول الأصلي هو الغالب على الإنسان في الأمر الأكثر و كان المزاج الأصلي هو الذي طبع عليه الإنسان في وقت كونه في الرحم و في وقت مولده و خروجه إلى جو العالم صار وقت الكون و وقت المولد أدل الأشياء على مزاج الإنسان و على أحواله التابعة للمزاج مثل خلقة البدن و خلق النفس و المرض و الصحة و سائر ما يتبع ذلك فهذه الأشياء و ما يشبهها من الأمور التي لا تشارك شيئا من الأفعال الإرادية فيه مما يمكن معرفته بالنجوم و أما الأشياء التي تشارك الأمور الإرادية بعض المشاركة فقد يمكن أن يصدق فيها هذا العلم على الأمر الأكثر و إذا لم يستعمل فيه الإرادة جرى على ما تقود إليه الطبيعة.على أنه قد يعرض الخطاء و الغلط لأصحاب هذه الصناعة من أسباب كثيرة بعضها يختص بهذه الصناعة دون غيرها و بعضها يعمها و غيرها من الصنائع.

٢١٠

فأما ما يعم فهو من قصور طبيعة الناس في معرفة الصنائع أيا كانت عن بلوغ الغاية فيها حتى لا يبقى وراءها غاية أخرى فكثرة الخطإ و قلته على حسب تقصير واحد واحد من الناس.و أما ما يخص هذه الصناعة فهو كثير ما يحتاج صاحبها إلى معرفته مما لا يمكنه أن يعلم كثيرا منه إلا بالحدس و التخمين فضلا عن لطف الاستنباط و حسن القياس و مما يحتاج إلى معرفة علم أحوال الفلك و مما يحدث في كل واحد من تلك الأحوال فإن كل واحد منها له فعل خاص ثم يؤلف تلك الأحوال بعضها مع بعض على كثرة فنونها و اختلافاتها ليحصل من جميع ذلك قوة واحدة و فعل واحد يكون عنه الحادث في هذا العالم و ذلك أمر عسير فمتى أغفل من ذلك شي‏ء كان الخطأ الواقع بحسب الشي‏ء الذي سها عنه و ترك استعماله.ثم من بعد تحصيل ما وصفناه ينبغي أن يعلم الحال التي عليها يوافي في تلك القوة الواحدة الأشياء التي تعرض فيها تلك الأحداث كأنه مثلا إذا دل ما في الفلك على حدوث حر و كانت الأشياء التي يعرض فيها ما يعرض قد مر بها قبل ذلك حر فحميت و سخنت أثر ذلك فيها أثرا قويا فإن كان قد مر بها برد قبل ذلك أثر ذلك فيها أثرا ضعيفا و هذا شي‏ء يحتاج إليه في جميع الأحداث التي تعمل في غيرها مما يناسب هذه المعرفة.و أما الأحداث التي تخص ناحية ناحية أو قوما قوما أو جنسا جنسا أو مولودا واحدا من الناس فيحتاج مع معرفتها إلى أن يعلم أيضا أحوال البلاد و العادات و الأغذية و الأوباء و سائر ما يشبه ذلك مما له فيه أثر و شركة مثل ما يفعل الطبيب في المعالجة و في تقدمه المعرفة ثم من بعد تحصيل هذه الأشياء كلها ينبغي أن ينظر في الأمر الذي قد استدل على حدوثه هل هو مما يمكن أن يرد أو يتلافى بما يبطله أو بغيره من جهة

٢١١

الطب و الحيل أم لا كأنه مثلا استدل على أنه يصيب هذا الإنسان حرارة يحم منها فينبغي أن يحكم بأنه يحم أن لم يتلاف تلك الحرارة بالتبريد فإنه إذا فعل ذلك أنزل الأمور منازلها و أجراها مجاريها.ثم إن كان الحادث قويا لا يمكن دفعه ببعض ما ذكرنا فليس يلزم الحاجة إلى ما قلنا فإن الأمر يحدث لا محالة و ما قوي و شمل الناس فإنه لا يمكن دفعه و لا فسخه و إن أمكن فإنما يمكن في بعض الناس دون بعض.و أما أكثرهم فإنه يجري أمره على ما قد شمل و عم فقد يعم الناس حر الصيف و إن كان بعضهم يحتال في صرفه بالأشياء التي تبرد و تنفى الحر.فهذه جملة ما ينبغي أن يعلم و يعمل عليه أمور هذه الصناعة.قلت هذا اعتراف بأن جميع الأحداث المتعلقة باختيار الإنسان و غيره من الحيوان لا مدخل لعلم أحكام النجوم فيه فعلى هذا لا يصح قول من يقول منهم لزيد مثلا إنك تتزوج أو تشتري فرسا أو تقتل عدوا أو تسافر إلى بلد و نحو ذلك و هو أكثر ما يقولونه و يحكمون به.و أما الأمور الكلية الحادثة لا بإرادة الحيوان و اختياره فقد يكون لكلامهم فيه وجه من الطريق التي ذكرها و هي تعلق كثير من الأحداث بحركة الشمس و القمر إلا أن المعلوم ضرورة من دين رسول الله ص إبطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهي و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا معنى قول أمير المؤمنين في هذا الفصل فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانة بالله ثم أردف

٢١٢

ذلك و أكده بقوله كان يجب أن يحمد المنجم دون الباري تعالى لأن المنجم هو الذي هدى الإنسان إلى الساعة التي ينجح فيها و صده عن الساعة إلى يخفق و يكدي فيها فهو المحسن إليه إذا و المحسن يستحق الحمد و الشكر و ليس للبارئ سبحانه إلى الإنسان في هذا الإحسان المخصوص فوجب ألا يستحق الحمد على ظفر الإنسان بطلبه لكن القول بذلك و التزامه كفر محض

٢١٣

79 و من كلام له ع بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء

مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ إِنَّ اَلنِّسَاءَ نَوَاقِصُ اَلْإِيمَانِ نَوَاقِصُ اَلْحُظُوظِ نَوَاقِصُ اَلْعُقُولِ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ اَلصَّلاَةِ وَ اَلصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ اِمْرَأَتَيْنِ مِنْهُنَّ كَشَهَادَةِ اَلرَّجُلِ اَلْوَاحِدِ وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى اَلْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ اَلرِّجَالِ فَاتَّقُوا شِرَارَ اَلنِّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ وَ لاَ تُطِيعُوهُنَّ فِي اَلْمَعْرُوفِ حَتَّى لاَ يَطْمَعْنَ فِي اَلْمُنْكَرِ جعل ع نقصان الصلاة نقصانا في الإيمان و هذا هو قول أصحابنا إن الأعمال من الإيمان و إن المقر بالتوحيد و النبوة و هو تارك للعمل ليس بمؤمن.و قوله ع و لا تطيعوهن في المعروف ليس بنهي عن فعل المعروف و إنما هو نهي عن طاعتهن أي لا تفعلوه لأجل أمرهن لكم به بل افعلوه لأنه معروف و الكلام ينحو نحو المثل المشهور لا تعط العبد كراعا فيأخذ ذراعا.و هذا الفصل كله رمز إلى عائشة و لا يختلف أصحابنا في أنها أخطأت فيما فعلت ثم تابت و ماتت تائبة و إنها من أهل الجنة.

٢١٤

قال كل من صنف في السير و الأخبار أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى إنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله ص فنصبته في منزلها و كانت تقول للداخلين إليها هذا ثوب رسول الله ص لم يبل و عثمان قد أبلى سنته.قالوا أول من سمى عثمان نعثلا عائشة و النعثل الكثير شعر اللحية و الجسد و كانت تقول اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا.و روى المدائني في كتاب الجمل قال لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة و بلغ قتله إليها و هي بشراف فلم تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر و قالت بعدا لنعثل و سحقا إيه ذا الإصبع إيه أبا شبل إيه يا ابن عم لكأني أنظر إلى إصبعه و هو يبايع له حثوا الإبل و دعدعوها.قال و قد كان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال و أخذ نجائب كانت لعثمان في داره ثم فسد أمره فدفعها إلى علي بن أبي طالب ع

أخبار عائشة في خروجها من مكة إلى البصرة بعد مقتل عثمان

و قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه أن عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة أقبلت مسرعة و هي تقول إيه ذا الإصبع لله أبوك أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له ما عندك قال قتل عثمان قالت ثم ما ذا قال ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار بايعوا عليا فقالت لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا ويحك انظر ما تقول قال هو ما قلت لك يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شأنك يا أم المؤمنين

٢١٥

و الله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه و لا أحق و لا أرى له نظيرا في جميع حالاته فلما ذا تكرهين ولايته قال فما ردت عليه جوابا.قال و قد روي من طرق مختلفة أن عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة قالت أبعده الله ذلك بما قدمت يداه و ما الله بظلام للعبيد.قال و قد روى قيس بن أبي حازم أنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان و كان مع عائشة لما بلغها قتله فتحمل إلى المدينة قال فسمعها تقول في بعض الطريق إيه ذا الإصبع و إذا ذكرت عثمان قالت أبعده الله حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت لوددت أن هذه وقعت على هذه ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فردت معها و رأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا قتلوا ابن عفان مظلوما فقلت لها يا أم المؤمنين أ لم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله و قد رأيتك قبل أشد الناس عليه و أقبحهم فيه قولا فقالت لقد كان ذلك و لكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه.قال و روي من طرق أخرى أنها قالت لما بلغها قتله أبعده الله قتله ذنبه و أقاده الله بعمله يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه أن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع فلما جاءت الأخبار ببيعة علي ع قالت تعسوا تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا.كتب طلحة و الزبير إلى عائشة و هي بمكة كتابا أن خذلي الناس عن بيعة علي و أظهري الطلب بدم عثمان و حملا الكتاب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير فلما قرأت الكتاب كاشفت و أظهرت الطلب بدم عثمان و كانت أم سلمةرضي‌الله‌عنه ا بمكة في ذلك العام فلما رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك و أظهرت موالاة علي ع و نصرته على مقتضي العداوة المركوزة في طباع الصرتين.

٢١٦

قال أبو مخنف جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان فقالت لها يا بنت أبي أمية أنت أول مهاجرة من أزواج رسول الله ص و أنت كبيرة أمهات المؤمنين و كان رسول الله ص يقسم لنا من بيتك و كان جبريل أكثر ما يكون في منزلك فقالت أم سلمة لأمر ما قلت هذه المقالة فقالت عائشة إن عبد الله أخبرني أن القوم استتابوا عثمان فلما تاب قتلوه صائما في شهر حرام و قد عزمت على الخروج إلى البصرة و معي الزبير و طلحة فاخرجي معنا لعل الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا بنا فقالت أم سلمة إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان و تقولين فيه أخبث القول و ما كان اسمه عندك إلا نعثلا و إنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله ص أ فأذكرك قالت نعم

قالت أ تذكرين يوم أقبل ع و نحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال خلا بعلي يناجيه فأطال فأردت أن تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني فهجمت عليهما فما لبثت أن رجعت باكية فقلت ما شأنك فقلت إني هجمت عليهما و هما يتناجيان فقلت لعلي ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام أ فما تدعني يا ابن أبي طالب و يومي فأقبل رسول الله ص علي و هو غضبان محمر الوجه فقال ارجعي وراءك و الله لا يبغضه أحد من أهل بيتي و لا من غيرهم من الناس إلا و هو خارج من الإيمان فرجعت نادمة ساقطة قالت عائشة نعم أذكر ذلك قالت و أذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول الله ص و أنت تغسلين رأسه و أنا أحيس له حيسا و كان الحيس يعجبه فرفع رأسه و قال يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة

٢١٧

عن الصراط فرفعت يدي من الحيس فقلت أعوذ بالله و برسوله من ذلك ثم ضرب على ظهرك و قال إياك أن تكونيها ثم قال يا بنت أبي أمية إياك أن تكونيها يا حميراء أما أنا فقد أنذرتك قالت عائشة نعم أذكر هذا قالت و أذكرك أيضا كنت أنا و أنت مع رسول الله ص في سفر له و كان علي يتعاهد نعلي رسول الله ص فيخصفها و يتعاهد أثوابه فيغسلها فنقبت له نعل فأخذها يومئذ يخصفها و قعد في ظل سمرة و جاء أبوك و معه عمر فاستأذنا عليه فقمنا إلى الحجاب و دخلا يحادثانه فيما أراد ثم قالا يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا فقال لهما أما إني قد أرى مكانه و لو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران فسكتا ثم خرجا فلما خرجنا إلى رسول الله ص قلت له و كنت أجرأ عليه منا من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم فقال خاصف النعل فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا فقلت يا رسول الله ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك فقالت عائشة نعم أذكر ذلك فقالت فأي خروج تخرجين بعد هذا فقالت إنما أخرج للإصلاح بين الناس و أرجو فيه الأجر إن شاء الله فقالت أنت و رأيك فانصرفت عائشة عنها و كتبت أم سلمة بما قالت و قيل لها إلى علي ع.فإن قلت فهذا نص صريح في إمامة علي ع فما تصنع أنت و أصحابك المعتزلة به قلت كلا إنه ليس بنص كما ظننت لأنه ص لم يقل قد استخلفته و إنما قال لو قد استخلفت أحدا لاستخلفته و ذلك لا يقتضي حصول الاستخلاف

٢١٨

و يجوز أن تكون مصلحة المكلفين متعلقة بالنص عليه لو كان النبي ص مأمورا بأن ينص على إمام بعينه من بعده و أن يكون من مصلحتهم أن يختاروا لأنفسهم من شاءوا إذا تركهم النبي ص و آراءهم و لم يعين أحدا.و روى هشام بن محمد الكلبي في كتاب الجمل أن أم سلمة كتبت إلى علي ع من مكة أما بعد فإن طلحة و الزبير و أشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة و معهم عبد الله بن عامر بن كريز و يذكرون أن عثمان قتل مظلوما و أنهم يطلبون بدمه و الله كافيهم بحوله و قوته و لو لا ما نهانا الله عنه من الخروج و أمرنا به من لزوم البيت لم أدع الخروج إليك و النصرة لك و لكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا.قال فلما قدم عمر على علي ع أكرمه و لم يزل مقيما معه حتى شهد مشاهده كلها و وجهه أميرا على البحرين و قال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إلي من شعره فبعث إليه بأبيات له أولها

جزتك أمير المؤمنين قرابة

رفعت بها ذكري جزاء موفرا

فعجب علي ع من شعره و استحسنه.و من الكلام المشهور الذي قيل إن أم سلمة رحمها الله كتبت به إلى عائشة إنك جنة بين رسول الله ص و بين أمته و إن الحجاب دونك لمضروب على حرمته و قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه و سكن عقيراك فلا تصحريها لو أذكرتك قوله من رسول الله ص تعرفينها لنهشت بها نهش الرقشاء المطرقة ما كنت

٢١٩

قائلة لرسول الله ص لو لقيك ناصة قلوص قعودك من منهل إلى منهل قد تركت عهيداه و هتكت ستره إن عمود الدين لا يقوم بالنساء و صدعه لا يرأب بهن حماديات النساء خفض الأصوات و خفر الأعراض اجعلي قاعدة البيت قبرك حتى تلقينه و أنت على ذلك.فقالت عائشة ما أعرفني بنصحك و أقبلني لوعظك و ليس الأمر حيث تذهبين ما أنا بعمية عن رأيك فإن أقم ففي غير حرج و إن أخرج ففي إصلاح بين فئتين من المسلمين.و قد ذكر هذا الحديث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث في باب أم سلمة على ما أورده عليك قال لما أرادت عائشة الخروج إلى البصرة أتتها أم سلمة فقالت لها إنك سدة بين محمد رسول الله ص و بين أمته و حجابك مضروب على حرمته قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه و سكن عقيراك فلا تصحريها الله من وراء هذه الأمة لو أراد رسول الله ص أن يعهد إليك عهدا علت علت بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء إن مال و لا يرأب بهن إن صدع حماديات النساء غض الأطراف و خفر الأعراض و قصر الوهازة ما كنت قائلة لو أن رسول الله ص عارضك بعد الفلوات ناصة قلوصا من منهل إلى آخر إن بعين الله مهواك و على رسوله تردين و قد وجهت سدافته و يروى سجافته و تركت عهيداه لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا ص هاتكة حجابا و قد ضربه علي اجعلي حصنك بيتك و وقاعة الستر قبرك حتى تلقينه و أنت على تلك أطوع ما تكونين لله

٢٢٠