كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 454
المشاهدات: 82908
تحميل: 6344


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82908 / تحميل: 6344
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

بالرقبة و أنصر ما تكون للدين ما حلت عنه لو ذكرتك قولا تعرفينه لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة.فقالت عائشة ما أقبلني لوعظك و ليس الأمر كما تظنين و لنعم المسير مسير فزعت فيه إلى فئتان متناجزتان أو قالت متناحرتان إن أقعد ففي غير حرج و إن أخرج فإلى ما لا بد لي من الازدياد منه.تفسير غريب هذا الخبر السدة الباب

و منه حديث رسول الله ص أنه ذكر أول من يرد عليه الحوض فقال الشعث رءوسا الدنس ثيابا الذين لا تفتح لهم السدد و لا ينكحون المتنعمات و أرادت أم سلمة أنك باب بين النبي ص و بين الناس فمتى أصيب ذلك الباب بشي‏ء فقد دخل على رسول الله ص في حرمه و حوزته و استبيح ما حماه تقول فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الذي لا يجب عليك فتحوجي الناس إلى أن يفعلوا ذلك و هذا مثل قول نعمان بن مقرن للمسلمين في غزاة نهاوند ألا و إنكم باب بين المسلمين و المشركين إن كسر ذلك الباب دخل عليهم منه.و قولها قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه أي لا تفتحيه و لا توسعيه بالحركة و الخروج يقال ندحت الشي‏ء إذا وسعته و منه يقال فلان في مندوحة عن كذا أي في سعة تريد قول الله تعالى( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) و من روى تبدحيه بالباء فإنه من البداح و هو المتسع من الأرض و هو معنى الأول.و سكن عقيراك من عقر الدار و هو أصلها أهل الحجاز يضمون العين و أهل نجد يفتحونها و عقير اسم مبني من ذلك على صيغة التصغير و مثله مما جاء مصغرا الثريا و الحميا و هو سورة الشراب قال ابن قتيبة و لم أسمع بعقيرا إلا في هذا الحديث.

٢٢١

قولها فلا تصحريها أي لا تبرزيها و تجعليها بالصحراء يقال أصحر كما يقال أنجد و أسهل و أحزن.و قولها الله من وراء هذه الأمة أي محيط بهم و حافظ لهم و عالم بأحوالهم كقوله تعالى( وَ اَللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ ) قولها لو أراد رسول الله ص الجواب محذوف أي لفعل و لعهد و هذا كقوله تعالى( وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ اَلْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ اَلْأَرْضُ ) أي لكان هذا القرآن.قولها علت علت أي جرت في هذا الخروج و عدلت عن الجواب و العول الميل و الجور قال تعالى( ذلِكَ أَدْنى‏ أَلاَّ تَعُولُوا ) و من الناس من يرويه علت علت بكسر العين أي ذهبت في البلاد و أبعدت السير يقال عال فلان في البلاد أي ذهب و أبعد و منه قيل للذئب عيال.قولها عن الفرطة في البلاد أي عن السفر و الشخوص من الفرط و هو السبق و التقدم و رجل فارط أتى الماء أي سابق.قولها لا يثأب بالنساء أي لا يرد بهن إن مال إلى استوائه من قولك ثأب فلان إلى كذا أي عاد إليه.قولها و لا يرأب بهن إن صدع أي لا يسد بهن و لا يجمع و الصدع الشق و يروى إن صدع بفتح الصاد و الدال أجروه مجرى قولهم جبرت العظم فجبر.قولها حماديات النساء يقال حماداك أن تفعل كذا مثل قصاراك أن تفعل كذا أي جهدك و غايتك.

٢٢٢

و غض الأطراف جمعها و خفر الأعراض الخفر الحياء و الأعراض جمع عرض و هو الجسد يقال فلان طيب العرض أي طيب ريح البدن و من رواه الأعراض بكسر الهمزة جعله مصدرا من أعرض عن كذا.قولها و قصر الوهازة قال ابن قتيبة سألت عن هذا فقال لي من سألته سألت عنه أعرابيا فصيحا فقال الوهازة الخطوة يقال للرجل إنه لمتوهز و متوهر إذا وطئ وطئا ثقيلا.قولها ناصة قلوصا أي رافعة لها في السير و النص الرفع و منه يقال حديث منصوص أي مرفوع و القلوص من النوق الشابة و هي بمنزلة الفتاة من النساء.و المنهل الماء ترده الإبل.قولها إن بعين الله مهواك أي إن الله يرى سيرك و حركتك و الهوى الانحدار في السير من النجد إلى الغور.قولها و على رسوله تردين أي تقدمين في القيامة.قولها و قد وجهت سدافته السدافة الحجاب و الستر هي من أسدف الليل إذا ستر بظلمته كأنه أرخى ستورا من الظلام و يروى بفتح السين و كذلك القول في سجافته إنه يروى بكسر السين و فتحها و السدافة و السجافة بمعنى.و وجهت أي نظمتها بالخرز و الوجيهة خرزة معروفة و عادة العرب أن تنظم على المحمل خرزات إذا كان للنساء.قولها و تركت عهيداه لفظة مصغرة مأخوذة من العهد مشابهة لما سلف من قولها عقيراك و حماديات النساء.قولها و وقاعة الستر أي موقعه على الأرض إذا أرسلته و هي الموقعة أيضا و موقعة الطائر.

٢٢٣

قولها حتى تلقينه و أنت على تلك أي على تلك الحال فحذف.قولها أطوع ما تكونين لله إذا لزمته أطوع مبتدأ و إذا لزمته خبر المبتدأ و الضمير في لزمته راجع إلى العهد و الأمر الذي أمرت به.قولها لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة أي لعضك و نهشك ما أذكره لك و أذكرك به كما تنهشك أفعى رقشاء و الرقش في ظهرها هو النقط و الجرادة أيضا رقشاء قال النابغة

فبت كأني ساورتني ضئيلة

من الرقش في أنيابها السم ناقع

و الأفعى يوصف بالإطراق و كذلك الأسد و النمر و الرجل الشجاع و كان معاوية يقول في علي ع الشجاع المطرق و قال الشاعر و ذكر أفعى

أصم أعمى ما يجيب الرقى

من طول إطراق و إسبات

قولها فئتان متناجزتان أي تسرع كل واحدة منهما إلى نفوس الأخرى و من رواه متناحرتان أراد الحرب و طعن النحور بالأسنة و رشقها بالسهام.و فزعت إلى فلان في كذا أي لذت به و التجأت إليه.و قولها إن أقعد ففي غير حرج أي في غير إثم و قولها فإن أخرج فإلى ما لا بد لي من الازدياد منه كلام من يعتقد الفضيلة في الخروج أو يعرف موقع الخطإ و يصر عليه.لما عزمت عائشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلى بن أمية ببعيره المسمى عسكرا و كان عظيم الخلق شديدا فلما رأته أعجبها و أنشأ الجمال يحدثها بقوته و شدته و يقول في أثناء كلامه عسكر فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت و قالت ردوه لا حاجة لي فيه و ذكرت حيث سئلت أن رسول الله

٢٢٤

ص ذكر لها هذا الاسم و نهاها عن ركوبه و أمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله و قيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا و أشد قوة و أتيت به فرضيت.قال أبو مخنف و أرسلت إلى حفصة تسألها الخروج و المسير معها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فأتى أخته فعزم عليها فأقامت و حطت الرحال بعد ما همت.كتب الأشتر من المدينة إلى عائشة و هي بمكة أما بعد فإنك ظعينة رسول الله ص و قد أمرك أن تقري في بيتك فإن فعلت فهو خير لك فإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك و تلقي جلبابك و تبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك و الموضع الذي يرضاه لك ربك.فكتبت إليه في الجواب أما بعد فإنك أول العرب شب الفتنة و دعا إلى الفرقة و خالف الأئمة و سعى في قتل الخليفة و قد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم و قد جاءني كتابك و فهمت ما فيه و سيكفينيك الله و كل من أصبح مماثلا لك في ضلالك و غيك إن شاء الله.و قال أبو مخنف لما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب و هو ماء لبني عامر بن صعصعة نبحتها الكلاب حتى نفرت صعاب إبلها فقال قائل من أصحابها أ لا ترون ما أكثر كلاب الحوأب و ما أشد نباحها فأمسكت زمام بعيرها و قالت و إنها لكلاب الحوأب ردوني ردوني فإني سمعت رسول الله ص يقول و ذكرت الخبر فقال لها قائل مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب فقالت فهل من شاهد فلفقوا لها خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت لوجهها.لما انتهت عائشة و طلحة و الزبير إلى حفر أبي موسى قريبا من البصرة أرسل

٢٢٥

عثمان بن حنيف و هو يومئذ عامل علي ع على البصرة إلى القوم أبا الأسود الدؤلي يعلم له علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن مسيرها فقالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد قالت صدقت و لكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة و جئت أستنهض أهل البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان و لا نغضب لعثمان من سيوفكم فقال لها ما أنت من السوط و السيف إنما أنت حبيس رسول الله ص أمرك أن تقري في بيتك و تتلي كتاب ربك و ليس على النساء قتال و لا لهن الطلب بالدماء و إن عليا لأولى بعثمان منك و أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف فقالت لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت له أ فتظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم على قتالي قال أما و الله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد.ثم قام فأتى الزبير فقال يا أبا عبد الله عهد الناس بك و أنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب و أين هذا المقام من ذاك فذكر له دم عثمان قال أنت و صاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى طلحة فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده سادرا في غيه مصرا على الحرب و الفتنة فرجع إلى عثمان بن حنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها.لما نزل علي ع بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي ص إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك و خذل الناس عن علي و ليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي و السلام.فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر و أمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك و أمرنا أن نجاهد و قد أتاني كتابك

٢٢٦

فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما أمرك الله به و صنعت ما أمرني الله به فأمرك عندي غير مطاع و كتابك غير مجاب و السلام.روى هذين الكتابين شيخنا أبو عثمان عمرو بن بحر عن شيخنا أبي سعيد الحسن البصري.و ركبت عائشة يوم الحرب الجمل المسمى عسكرا في هودج قد ألبس الرفرف ثم ألبس جلود النمر ثم ألبس فوق ذلك دروع الحديد.الشعبي عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه أبي بكرة قال لما قدم طلحة و الزبير البصرة تقلدت سيفي و أنا أريد نصرهما فدخلت على عائشة و إذا هي تأمر و تنهى و إذا الأمر أمرها فذكرت حديثا كنت سمعته

عن رسول الله ص لن يفلح قوم تدبر أمرهم امرأة فانصرفت و اعتزلتهم.

و قد روي هذا الخبر على صورة أخرى أن قوما يخرجون بعدي في فئة رأسها امرأة لا يفلحون أبدا.كان الجمل لواء عسكر البصرة لم يكن لواء غيره.خطبت عائشة و الناس قد أخذوا مصافهم للحرب فقالت أما بعد فإنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط و إمرة الفتيان و مرتع السحابة المحمية ألا و إنكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما و ايم الله إن كان لأحصنكم فرجا و أتقاكم لله.

٢٢٧

خطب علي ع لما تواقف الجمعان فقال لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم فإنكم بحمد الله على حجة و كفكم عنهم حتى يبدءوكم حجة أخرى و إذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح و إذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا و لا تكشفوا عورة و لا تمثلوا بقتيل و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا من أموالهم شيئا و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم فإنهن ضعاف القوى و الأنفس و العقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن و إنهن لمشركات و إن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة و الجريدة فيعير بها و عقبه من بعده.قتل بنو ضبة حول الجمل فلم يبق فيهم إلا من لا نفع عنده و أخذت الأزد بخطامه فقالت عائشة من أنتم قالوا الأزد قالت صبرا فإنما يصبر الأحرار ما زلت أرى النصر مع بني ضبة فلما فقدتهم أنكرته فحرضت الأزد بذلك فقاتلوا قتالا شديدا و رمي الجمل بالنبل حتى صارت القبة عليه كهيئة القنفذ.

قال علي ع لما فني الناس على خطام الجمل و قطعت الأيدي و سالت النفوس ادعوا لي الأشتر و عمارا فجاءا فقال اذهبا فاعقرا هذا الجمل فإن الحرب لا يبوخ ضرامها ما دام حيا إنهم قد اتخذوه قبلة فذهبا و معهما فتيان من مراد يعرف أحدهما بعمر بن عبد الله فما زالا يضربان الناس حتى خلصا إليه فضربه المرادي على عرقوبيه فأقعى و له رغاء ثم وقع لجنبه و فر الناس من حوله فنادى علي ع اقطعوا

٢٢٨

أنساع الهودج ثم قال لمحمد بن أبي بكر اكفني أختك فحملها محمد حتى أنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي.بعث علي عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة قال فأتيتها فدخلت عليها فلم يوضع لي شي‏ء أجلس عليه فتناولت وسادة كانت في رحلها فقعدت عليها فقالت يا ابن عباس أخطأت السنة قعدت على وسادتنا في بيتنا بغير إذننا فقلت ليس هذا بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه و لو كان بيتك ما قعدت على وسادتك إلا بإذنك ثم قلت إن أمير المؤمنين أرسلني إليك يأمرك بالرحيل إلى المدينة فقالت و أين أمير المؤمنين ذاك عمر فقلت عمر و علي قالت أبيت قلت أما و الله ما كان أبوك إلا قصير المدة عظيم المشقة قليل المنفعة ظاهر الشؤم بين النكد و ما عسى أن يكون أبوك و الله ما كان أمرك إلا كحلب شاة حتى صرت لا تأمرين و لا تنهين و لا تأخذين و لا تعطين و ما كنت إلا كما قال أخو بني أسد

ما زال إهداء الصغائر بيننا

نث الحديث و كثرة الألقاب

حتى نزلت كأن صوتك بينهم

في كل نائبة طنين ذباب

قال فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب ثم قالت إني معجلة الرحيل إلى بلادي إن شاء الله تعالى و الله ما من بلد أبغض إلي من بلد أنتم فيه قلت و لم ذاك فو الله لقد جعلناك للمؤمنين أما و جعلنا أباك صديقا قالت يا ابن عباس أ تمن علي برسول الله قلت ما لي لا أمن عليك بمن لو كان منك لمننت به علي.ثم أتيت عليا ع فأخبرته بقولها و قولي فسر بذلك و قال لي( ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم ) و في رواية أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك

٢٢٩

80 و من كلام له ع

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ [ عَنِ ] اَلنِّعَمِ وَ اَلتَّوَرُّعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ فسر ع لفظ الزهادة و هي الزهد بثلاثة أمور و هي قصر الأمل و شكر النعمة و الورع عن المحارم فقال لا يسمى الزاهد زاهدا حتى يستكمل هذه الأمور الثلاثة ثم قال فإن عزب ذلك عنكم أي بعد فأمران من الثلاثة لا بد منهما و هما الورع و شكر النعم جعلهما آكد و أهم من قصر الأمل.و اعلم أن الزهد في العرف المشهور هو الإعراض عن متاع الدنيا و طيباتها لكنه لما كانت الأمور الثلاثة طريقا موطئة إلى ذلك أطلق ع لفظ الزهد عليها على وجه المجاز.و قوله فقد أعذر الله إليكم أي بالغ يقال أعذر فلان في الأمر أي بالغ فيه و يقال ضرب فلان فأعذر أي أشرف على الهلاك و أصل اللفظة من العذر يريد أنه

٢٣٠

قد أوضح لكم بالحجج النيرة المشرقة ما يجب اجتنابه و ما يجب فعله فإن خالفتم استوجبتم العقوبة فكان له في تعذيبكم العذر

الآثار و الأخبار الواردة في الزهد

و الآثار الواردة في الزهد كثيرة:

قال رسول الله ص أفلح الزاهد في الدنيا حظي بعز العاجلة و بثواب الآخرة

و قال ص من أصبحت الدنيا همه و سدمه نزع الله الغنى من قلبه و صير الفقر بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له و من أصبحت الآخرة همه و سدمه نزع الله الفقر عن قلبه و صير الغنى بين عينيه و أتته الدنيا و هي راغمة

و قال ع للضحاك بن سفيان ما طعامك قال اللحم و اللبن قال ثم يصير إلى ما ذا قال إلى ما علمت قال فإن الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا.و كان الفضيل بن عياض يقول لأصحابه إذا فرغ من حديثه انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيجي‏ء بهم إلى المزبلة فيقول انظروا إلى عنبهم و سمنهم و دجاجهم و بطهم صار إلى ما ترون.

و من الكلام المنسوب إلى المسيح ع الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها

سئل رسول الله ص عن قوله سبحانه( فَمَنْ يُرِدِ اَللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ

٢٣١

يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ) فقال إذا دخل النور القلب انفسح فذلك شرح الصدر فقيل أ فلذلك علامة يعرف بها قال نعم الإنابة إلى دار الخلود و التجافي عن دار الغرور و الاستعداد للموت قبل نزوله

قالوا أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء اتخذ الدنيا ظئرا و اتخذ الآخرة أما.الشعبي ما أعلم لنا و للدنيا مثلا إلا قول كثير

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا و لا مقلية إن تقلت

بعض الصالحين المستغني عن الدنيا بالدنيا كالمطفئ النار بالتبن.و في بعض الكتب القديمة الإلهية قال الله للدنيا من خدمني فاخدميه و من خدمك فاستخدميه.دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم و عليه مدرعة من صوف فقال ما هذه فسكت فأعاد عليه السؤال فقال أكره أن أقول زهدا فأزكي نفسي أو فقرا فأشكو ربي.قيل في صفة الدنيا و الآخرة هما كضرتين إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.قيل لمحمد بن واسع إنك لترضى بالدون قال إنما رضي بالدون من رضي بالدنيا.خطب أعرابي كان عاملا لجعفر بن سليمان على ضرية يوم جمعة خطبة لم يسمع أوجز منها و لا أفصح فقال إن الدنيا دار بلاغ و إن الآخرة دار قرار فخذوا من ممركم لمستقركم و لا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم و أخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ففيها جئتم و لغيرها خلقتم إن المرء إذا هلك قال الناس ما ترك و قالت الملائكة ما قدم فلله آثاركم قدموا بعضا يكن لكم

٢٣٢

و لا تؤخروا كلا فيكون عليكم أقول قولي هذا و أستغفر الله و المدعو له الخليفة ثم الأمير جعفر و نزل.أبو حازم الأعرج الدنيا كلها غموم فما كان فيها سرورا فهو ربح.محمد بن الحنفية من عزت عليه نفسه هانت عليه الدنيا.

قيل لعلي بن الحسين ع من أعظم الناس خطرا قال من لم ير الدنيا لنفسه خطرا

قال المسيح ع لأصحابه حب الدنيا رأس كل خطيئة و اقتناء المال فيها داء عظيم قالوا له كيف ذلك قال لا يسلم صاحبه من البغي و الكبر قيل فإن سلم منهما قال يشغله إصلاحه عن ذكر الله أشرف أبو الدرداء على أهل دمشق فقال يا أهل دمشق تبنون ما لا تسكنون و تجمعون ما لا تأكلون و تأملون ما لا تدركون أين من كان قبلكم بنوا شديدا و أملوا بعيدا و جمعوا كثيرا فأصبحت مساكنهم قبورا و جمعهم بورا و أملهم غرورا.قال المأمون لو سئلت الدنيا عن نفسها لم تسطع أن تصف نفسها بأحسن من قول الشاعر

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت

له عن عدو في ثياب صديق

و قال رجل يا رسول الله كيف لي أن أعلم أمري قال إذا أردت شيئا من أمور الدنيا فعسر عليك فاعلم أنك بخير و إذا أردت شيئا من أمر الدنيا فيسر لك فاعلم أنه شر لك قال رجل ليونس بن عبيد إن فلانا يعمل بعمل الحسن البصري فقال و الله ما أعرف أحدا يقول بقوله فكيف يعمل بعمله قيل فصفه لنا قال كان إذا أقبل

٢٣٣

فكأنه أقبل من دفن حبيب و إذا جلس فكأنه أسير أجلس لضرب عنقه و إذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له.و قال بعض الصالحين لرجل يا فلان هل أنت على حال أنت فيها مستعد للموت قال لا قال فهل أنت عالم بأنك تنتقل إلى حال ترضى به قال لا قال أ فتعلم بعد الموت دارا فيها مستعتب قال لا قال أ فتأمن الموت أن يأتيك صباحا أو مساء قال لا قال أ فيرضى بهذه الحال عاقل و قال أبو الدرداء أضحكتني ثلاث و أبكتني ثلاث أضحكني مؤمل الدنيا و الموت يطلبه و غافل و ليس بمغفول عنه و ضاحك مل‏ء فيه لا يدرى أ راض عنه الله أم ساخط و أبكاني فراق محمد و حزبه و أبكاني هول الموت و أبكاني هول الموقف يوم تبدو السرائر حين لا أدري أ يؤخذ بي إلى جنة أم إلى نار.و كان عبد الله بن صغير يقول أ تضحك و لعل أكفانك قد خرجت من عند القصار و كان يقال من أتى الذنب ضاحكا دخل النار باكيا.و كان مالك بن دينار يقول وددت أن رزقي في حصاة أمصها حتى أبول فلقد اختلفت إلى الخلاء حتى استحييت من ربي.

و قال رسول الله ص لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما ليس به بأس حذرا عما به البأس

و قال المسيح ع بحق أقول لكم إن من طلب الفردوس فخبز الشعير و النوم على المزابل مع الكلاب له كثير.و أوصى ابن محرز رجلا فقال إن استطعت أن تعرف و لا تعرف و تسأل و لا تسأل و تمشي و لا يمشى إليك فافعل.

٢٣٤

و قال علي ع طوبى لمن عرف الناس و لم يعرفوه تعجلت له منيته و قل تراثه و فقد باكياته.و كان يقال في الجوع ثلاث خصال حياة للقلب و مذلة للنفس و يورث العقل الدقيق من المعاني.و قال رجل لإبراهيم بن أدهم أريد أن تقبل مني دراهم قال إن كنت غنيا قبلتها منك و إن كنت فقيرا لم أقبلها قال فإني غني قال كم تملك قال ألفي درهم قال أ فيسرك أن تكون أربعة آلاف قال نعم قال لست بغني و دراهمك لا أقبلها.و كان أبو حازم الأعرج إذا نظر إلى الفاكهة في السوق قال موعدك الجنة إن شاء الله تعالى.و مر أبو حازم بالقصابين فقال له رجل منهم يا أبا حازم هذا سمين فاشتر منه قال ليس عندي دراهم قال أنا أنظرك قال فأفكر ساعة ثم قال أنا أنظر نفسي.نزل الحجاج في يوم حار على بعض المياه و دعا بالغداء و قال لحاجبه انظر من يتغدى معي و اجهد ألا يكون من أهل الدنيا فرأى الحاجب أعرابيا نائما عليه شملة من شعر فضربه برجله و قال أجب الأمير فأتاه فدعاه الحجاج إلى الأكل فقال دعاني من هو خير من الأمير فأجبته قال من هو قال الله دعاني إلى الصوم فصمت قال أ في هذا اليوم الحار قال نار جهنم أشد حرا قال أفطر و تصوم غدا قال إن ضمنت لي البقاء إلى غد قال ليس ذلك إلي قال فكيف أدع عاجلا لآجل لا تقدر عليه قال إنه طعام طيب قال إنك لم تطيبه و لا الخباز و لكن العافية طيبته لك.و قال شبيب كنا سنة في طريق مكة فجاء أعرابي في يوم صائف شديد الحر

٢٣٥

و معه جارية سوداء و صحيفة فقال أ فيكم كاتب قلنا نعم و حضر غداؤنا فقلنا له لو دخلت فأصبت من طعامنا قال إني صائم قلنا الحر و شدته و جفاء البادية فقال إن الدنيا كانت و لم أكن فيها و ستكون و لا أكون فيها و ما أحب أن أغبن أمامي ثم نبذ إلينا الصحيفة فقال للكاتب اكتب و لا تزد على ما أمليه عليك هذا ما أعتق عبد الله بن عقيل الكلبي أعتق جارية له سوداء اسمها لؤلؤة ابتغاء وجه الله و جواز العقبة و إنه لا سبيل له عليها إلا سبيل الولاء و المنة لله علينا و عليها واحدة.قال الأصمعي فحدث بذلك الرشيد فأمر أن يعتق عنه ألف نسمة و يكتب لهم هذا الكتاب.و قال خالد بن صفوان بت ليلتي هذه أتمنى فكبست البحر الأخضر بالذهب الأحمر فإذا الذي يلقاني من ذلك رغيفان و كوزان و طمران.و رأى رجل رجلا من ولد معاوية يعمل على بعير له فقال هذا بعد ما كنتم فيه من الدنيا قال رحمك الله يا ابن أخي ما فقدنا إلا الفضول.و قال الحسن يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك.قال يونس الكاتب لو قيل بيت دريد في زاهد كان به جديرا

قليل التشكي للمصيبات ذاكر

من اليوم أعقاب الأحاديث في غد

و قال الحسن ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل.و قال رجل للفضيل بن عياض ما أعجب الأشياء قال قلب عرف الله ثم عصاه.قال وكيع ما أحسنت قط إلى أحد و لا أسأت إليه قيل كيف قال لأن الله تعالى قال( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها )

٢٣٦

و قال الحسن لرجل إن استطعت ألا تسي‏ء إلى أحد ممن تحبه فافعل قال الرجل يا أبا سعيد أ و يسي‏ء المرء إلى من يحبه قال نعم نفسك أحب النفوس إليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إليها.و كان مالك بن دينار إذا منع نفسه شيئا من الشهوات قال اصبري فو الله ما منعك إلا لكرامتك علي.

قام رسول الله ص الليل حتى تورمت قدماه فقيل له يا رسول الله أ تفعل هذا و قد غفر الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر قال أ فلا أكون عبدا شكورا.و قال عبد الله بن مسعود لا يكونن أحدكم جيفة ليله قطرب نهاره.و كان يقال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.و كان مالك بن دينار يقول في قصصه ما أشد فطام الكبر و ينشد

أ تروض عرسك بعد ما هرمت

و من العناء رياضة الهرم

و قال آخر

إن كنت تؤمن بالقيامة

و اجترأت على الخطيئة

فلقد هلكت و إن

جحدت فذاك أعظم للبلية

٢٣٧

81 و من كلام له ع في صفة الدنيا

مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَ آخِرُهَا فَنَاءٌ فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ مَنِ اِسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ وَ مَنِ اِفْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَ مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَ مَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ قال الرضيرحمه‌الله أقول و إذا تأمل المتأمل قوله ع و من أبصر بها بصرته وجد تحته من المعنى العجيب و الغرض البعيد ما لا يبلغ غايته و لا يدرك غوره لا سيما إذا قرن إليه قوله و من أبصر إليها أعمته فإنه يجد الفرق بين أبصر بها و أبصر إليها واضحا نيرا و عجيبا باهرا العناء التعب و ساعاها جاراها سعيا و واتته طاوعته.و نظر الرضي إلى قوله أولها عناء و آخرها فناء فقال

و أولنا العناء إذا طلعنا

إلى الدنيا و آخرنا الذهاب

٢٣٨

و نظر إلى قوله ع في حلالها حساب و في حرامها عقاب بعض الشعراء فقال

الدهر يومان فيوم مضى

عنك بما فيه و يوم جديد

حلال يوميك حساب و في

حرام يوميك عذاب شديد

تجمع ما يأكله وارث

و أنت في القبر وحيد فريد

إني لغيري واعظ تارك

نفسي و قولي من فعالي بعيد

حلاوة الدنيا و لذاتها

تكلف العاقل ما لا يريد

و من المعنى أيضا قول بعضهم

حلالها حسرة تفضي إلى ندم

و في المحارم منها الغنم منزور

و نظر الحسن البصري إلى قوله ع من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن فقال و قد جاءه إنسان يبشره بمولود له ذكر ليهنك الفارس يا أبا سعيد فقال بل الراجل ثم قال لا مرحبا بمن إن كان غنيا فتنني و إن كان فقيرا أحزنني و إن عاش كدني و إن مات هدني ثم لا أرضى بسعيي له سعيا و لا بكدحي له كدحا حتى أهتم بما يصيبه بعد موتي و أنا في حال لا ينالني بمساءته حزن و لا بسروره جذل.و نظر ابن المعتز إلى قوله ع من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته فقال الدنيا كظلك كلما طلبته زاد منك بعدا.و نظرت إلى قوله ع و من أبصر بها بصرته و من أبصر إليها أعمته فقلت

دنياك مثل الشمس تدني إليك

الضوء لكن دعوة المهلك

إن أنت أبصرت إلى نورها

تعش و إن تبصر به تدرك

٢٣٩

فإن قلت المسموع أبصرت زيدا و لم يسمع أبصرت إلى زيد قلت يجوز أن يكون قوله ع و من أبصر إليها أي و من أبصر متوجها إليها كقوله( فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ ) و لم يقل مرسلا و يجوز أن يكون أقام ذلك مقام قوله نظر إليها لما كان مثله كما قالوا في دخلت البيت و دخلت إلى البيت أجروه مجرى ولجت إلى البيت لما كان نظيره

٢٤٠