كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

كتاب شرح نهج البلاغة13%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 454

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 454 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86638 / تحميل: 7366
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

11 ـ أربعة آلاف(1)

هذه بعض الأقوال التي ذكرها المؤرخون ، وهناك أقوال أخرى لا تخلو من المبالغة.

التحقيق في الموضوع :

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للتحقيق في هذه الأقوال المختلفة التي حددت عدد الجيش الذي تدفق إلى كربلا واشترك في عمليات الحرب ، لنختار منها ما تساعد عليه الأدلة ونلقي ـ قبل كل شيء ـ نظرة خاطفة على عدد الجيش في الكوفة التي كانت أعظم حامية عسكرية في ذلك الوقت ، فقد كان عدد الجيش في أواسط القرن الأول أربعين الفا يغزو كل عام منهم عشرة آلاف(2) وقد ازداد هذا العدد منذ اتخذها الامام عاصمة له ، فقد كثرت الهجرة إليها ، فقد زحف معه لحرب صفين سبعة وخمسون الفا ، وثمانية آلاف من مواليهم(3) وهناك بعض التصريحات التي أدلى بها بعض الشخصيات تدل على أن احصاء الجيش في ذلك العصر بلغ مائة الف ، فقد انكر سليمان بن صرد الخزاعي على الامام الحسن (ع) أمر الصلح وقال له : «لا ينقضي تعجبي من بيعتك معاوية ومعك مائة الف مقاتل من أهل العراق» وجاء في بعض رسائل اهل الكوفة الى الامام الحسين «انا معك مائة الف» وفيما احسب ان هذا العدد لا يخلو من المبالغة ، وان العد اقل من ذلك بكثير اما سكان الكوفة فانا لم نقف

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 169

(2) صلح الحسن (ص 101)

(3) الامامة والسياسة 1 / 151

١٢١

لهم على احصاء الا ان من المؤكد انهم كانوا اضعاف عدد الجيش فان الكثيرين من ذوي المهن والحرف والتجار وغيرهم ممن لم ينضموا إلى المنظمة العسكرية ونقف ـ بعد هذا العرض الموجز لعدد جيش الكوفة وسكانها ـ امام تلك الأقوال بين أمرين :

الأول : الاذعان والتصديق لكل ما قيل في عدد الجيش من الكثرة لأن ابن زياد قد اعلن النفير العام في الكوفة فلم يبق بها محتلم الا خرج لحرب الحسين ، ومن تخلف كان مصيره الاعدام أو السجن ، حتى لم تبق في الكوفة واسطة من وسائط النقل الا استعملت لنقل الناس للحرب ، واذا قيل ان عدد الجيش مائة الف او يزيد فليس في ذلك أية مبالغة.

الثاني : التشكيك في تلك الكثرة لأن اكثر الجنود قد استعظموا حرب الامام ففروا منهزمين في البيداء ، بالاضافة الى أن طائفة كبيرة من الجيش كانت في معسكر النخيلة مع ابن زياد ، وعلى هذا فالجيش الذي تدفق الى كربلا لحرب الامام ليس بذلك العدد الضخم الذي يذهب إليه بعض المؤرخين.

واكبر الظن ان الرواية التي أثرت عن الامام الصادق (ع) انه أزدلف ثلاثون الف لحرب الامام هي أقرب ما قيل في عدد الجيش فان هذا العدد وما يزيد عليه قد اشترك في حرب ريحانة رسول اللّه (ص).

القادة العسكريين :

وامدنا المؤرخون بأسماء بعض قادة الجيش الذين اشتركوا في كارثة كربلا وهم :

١٢٢

1 ـ الحر بن يزيد الرياحي ، وكان على الف فارس ، وهو الذي حاصر الحسين في كربلا.

2 ـ عمر بن سعد ، وقد اسند إليه ابن زياد القيادة العامة لجميع قواته المسلحة ، وكان اميرا على أربعة آلاف.

3 ـ شبث بن ربعي جعله أميرا على الف فارس(1)

4 ـ مضائر بن رهينة المازني امير على ثلاثة آلاف(2)

5 ـ نصر بن حرشة امير على الفين(3)

6 ـ كعب بن طلحة امير على ثلاثة آلاف(4)

7 ـ حجار بن ابجر أمير على الف(5)

8 ـ الحصين بن نمير على أربعة آلاف(6)

9 ـ شمر بن ذي الجوشن امير على أربعة آلاف(7)

10 ـ يزيد بن الركاب على الفين(8)

11 ـ يزيد بن الحرث بن رويم امير على الف(9)

وهؤلاء بعض قادة الجيش وقد انضم تحت ألويتهم خمس وعشرون الف مقاتل ، ويقول ابن الجوزي :

انه كان على ربع الكوفة عبد اللّه بن زهرة بن سليم الأزدي ، وعلى

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) المناقب 4 / 98

(3) المناقب 4 / 98

(4) مقتل الحسين للمقرم (ص 239)

(5) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(6) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(7) المناقب 4 / 98

(8) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(9) انساب الأشراف ق 1 ج 1

١٢٣

ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث وعلى ربع مذحج وأسد عبد اللّه بن سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وهمدان الحر بن يزيد الرياحي(1) .

أدوات الحرب :

وتسلح جيش ابن زياد بجميع أدوات الحرب السائدة في تلك العصور فقد كان استعداده لحرب الامام استعدادا هائلا ويحدثنا المؤرخون عن ضخامة ذلك الاستعداد ، فقالوا!! إن الحدادين ، وصانعي أدوات الحرب في الكوفة كانوا يعملون ليلا ونهارا في بري النبال وصقل السيوف في مدة كانت تربو على عشرة أيام لقد دفع ابن زياد لحرب الحسين بقوة عسكرية مدججة بالسلاح بحيث كانت لها القدرة على فتح قطر من الأقطار.

1 ـ الرماة :

وهم الذين كانوا يسددون النبال والسهام ، وقد لعبوا دورا خطيرا في الحرب ، وهم أول من فتح باب الحرب على الامام ، فسددوا سهامهم نحو معسكره فلم يبق أحد منهم إلا اصابه سهم ، حتى اصيبت بعض النساء فدهشن وارعبن ، وقد قتل بعض ابناء الأسرة النبوية بتلك السهام الغادرة كعبد اللّه بن مسلم ، وعبد اللّه بن الحسن ، وعبد اللّه الرضيع وغيرهم.

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 92)

١٢٤

2 ـ الجوالة :

وهي كتائب من الجيش كانت ترمي بالحجارة ، وسلاحها المقاليع ،

3 ـ المجففة :

وهم الذين كانوا يلبسون الجنود الآلات التي تقيهم في الحرب ، كما كانوا يضعون على الخيل الآلات التي تقيها من النبال والرماح ،

عدد أصحاب الحسين :

أما أصحاب الامام الحسين فكانوا فئة قليلة ، وقد اختلف المؤرخون في عددهم ، وهذه بعض الاقوال :

1 ـ ما ذهب إليه المسعودي انهم خمسمائة فارس ونحو من مائة راجل(1) وانفرد المسعودي بهذا القول ولم يذهب إليه أحد غيره.

2 ـ ما رواه عمار الدهني عن أبي جعفر انهم كانوا خمسا وأربعين فارسا ومائة راجل(2) .

3 ـ ما ذكره ابن شهرآشوب انهم اثنان وثمانون رجلا الفرسان منهم اثنان وثلاثون(3) .

__________________

(1) مروج الذهب 3 / 10

(2) البداية والنهاية 8 / 197 ، تذهيب التهذيب 1 / 151 ، الحدائق الوردية 1 / 119 ، الصراط السوي (ص 86).

(3) المناقب 4 / 98

١٢٥

4 ـ ما قاله سعد بن عبده : اني لأنظر إليهم وهم قريبون من مائة رجل فيهم من صلب علي خمسة أو سبعة وعشرة من بني هاشم ، ورجل من كنانة وآخر من سليم(1) .

5 ـ ما ذكره ابن كثير والفاخوري انهم اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا(2)

والذي نراه انهم ثمانون رجلا بما فيهم من ابناء الأسرة النبوية والذي يدعم ذلك أن الرءوس التي احتزت وبعث بها إلى ابن مرجانة ويزيد بن معاوية كانت (79) رأسا لا غير.

وعلى أي حال فان هؤلاء الأبطال على قلتهم كانوا كفؤا لذلك الجيش وقد الحقوا به افدح الخسائر وقد مثلوا بمواقفهم البطولية شرف العقيدة وسمو المبدأ.

رسول ابن سعد مع الامام :

وكان ابن سعد كارها لقتال الامام فاراد التخلص من ذلك ، فدعا عزرة بن قيس أن يلتقي بالامام ويسأله عما جاء به؟ فامتنع عزرة لأنه كان ممن كاتب الامام بالقدوم الى الكوفة ، فندب لمقابلته كثير بن عبد اللّه الشعبي وكان فاتكا جريئا فقال :

«أنا له وإن شئت أن افتك به لفعلت»

فلم يرض ابن سعد بذلك ، وانما طلب منه أن يمضي إليه ويسأله

__________________

(1) تذهيب التهذيب 1 / 156

(2) البداية والنهاية 8 / 187 ، تحفة الأنام في مختصر تأريخ الاسلام للفاخوري (ص 83).

١٢٦

عما جاء به؟ وأقبل كثير يشتد نحو الامام ، ولما بصر به ابو ثمامة الصائدي ارتاب منه ، فقام في وجهه ، وطلب منه أن ينزع سيفه حتى يقابل الامام فأبى أن يسمح له بالدخول فولى منصرفا غضبانا(1) واخبر ابن سعد بذلك فطلب من قرة بن قيس الحنظلي ملاقاة الامام فأجابه ، فلما اقبل قال الامام لأصحابه :

«هل تعرفونه؟»

فأجابه حبيب بن مظاهر : نعم انه من بني تميم ، وقد كنت اعرفه بحسن الرأي ، وما ظننت أنه يشهد هذا المشهد!!

وتقدم قرة نحو الامام فسلم عليه ، وسأله عما جاء به؟ فقال (ع).

«إني لم أرد إلى هاهنا حتى كتب إلي أهل مصركم أن يبايعونني ، ولا يخذلوني ، وينصرونني ، فان كرهوني انصرف عنهم من حيث جئت».

وانبرى إليه حبيب فأسدى له النصيحة قائلا :

«يا قرة عهدي بك ، وأنت حسن الرأي في أهل البيت فما الذي غيّرك؟ فاقم عندنا وانصر هذا الرجل».

فقال قرة : لقد قلت الحق ولكن ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وانظر في ذلك ، وقفل قرة الى ابن سعد فعرض عليه كلام الامام(2) وسر ابن سعد بذلك ورأى انه بالامكان التوصل لحل سلمي يجنبه من الخوض في معركة تطوق عنقه بالآثام والاوزار.

__________________

(1) الطبري 6 / 232

(2) أنساب الأشراف ق 1 ج 1 ، الفتوح 5 / 155 ـ 156

١٢٧

ابن سعد مع الامام :

وأراد ابن سعد التأكد من ذلك فطلب من الامام الاجتماع به فاجابه الى ذلك ، ولما مثل عنده قال له :

ـ ما جاء بك؟

ـ أهل الكوفة

ـ أما عرفت ما فعلوا معكم؟

ـ من خادعنا في اللّه انخدعنا له

ـ قد وقعت الآن فما ترى؟

ـ أرجع فأقيم بمكة أو بالمدينة ، أو أقيم ببعض الثغور

وفرح ابن سعد من موقف الامام ورأى فيه بادرة لاحلال السلام والتجنب من الحرب(1) .

رسالة ابن سعد لابن زياد :

وبادر ابن سعد فكتب رسالة الى أميره ابن مرجانة جاء فيها :

«أما بعد : فان اللّه اطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الأمة. هذا حسين اعطاني عهدا أن يرجع الى المكان الذي منه أتى أو أن يسير الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له مالهم ، وعليه ما عليهم أو ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا رضا لك ، وللأمة صلاح».

__________________

(1) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

١٢٨

افتراء ابن سعد :

ومما لا شبهة فيه أن ابن سعد قد افترى على الامام الحسين في تلك الرسالة ، فان اكثر بنودها مما لم يفه به الامام (ع) وقد تحدث عن افتعالها عاقبة بن سمعان الذي صاحب الامام من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق وظل ملازما له حتى قتل ، يقول :

«صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ، ومنها إلى العراق ، ولم افارقه حتى قتل ، وقد سمعت جميع كلامه ، فما سمعت منه ما يتذاكر فيه الناس من أن يضع يده في يد يزيد ، لا أن يسير الى ثغر من الثغور لا في المدينة ولا في مكة ولا في العراق ولا في عسكره الى حين قتل ، نعم سمعته يقول : دعوني أذهب إلى هذه الأرض العريضة حتى انظر ما يصير إليه الناس»(1) .

ونفى الشيخ محمد الخضري صحة هذه الرسالة فقال : «وليس بصحيح الاعراض عليهم أن يضع يده في يد يزيد ، وانما عرض عليهم أن يدعوه أن يرجع إلى المكان الذي خرج منه»(2) .

لقد افتعل ابن سعد هذه الرسالة ليتخلص من اثم المعركة ، ويكون بمنجى من قتل ريحانة رسول اللّه (ص) واو ان الامام قال ذلك لا نفض جيش ابن زياد وانتهى كل شيء لقد رفض الإمام منذ بداية الأمر الخضوع لعصابة الاجرام ، وصمد في وجه الاعاصير. ودلل في جميع مواقفه الخالدة على آبائه وعزة نفسه ، وصلابة ارادته.

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 20).

(2) تأريخ الأمة الاسلامية 1 / 515

١٢٩

افساد الشمر لمهمة السلام :

ولما وردت رسالة ابن سعد إلى ابن مرجانة استصوب رأيه ، ورأى فيه حلا للمشكلة وجمعا للكلمة ، وانه قد جنبه الحرب ، فطفق يقول باعجاب :

«هذا كتاب ناصح مشفق»

وكان شمر بن ذي الجوشن الى جانبه فضاق ذرعا بالأمر فقد عرف الخبيث بوضاعة النسب والحقد على ذوي الاحساب العريفة ، وكان قد حسد ابن سعد على امرته للجيش فاندفع باضرام نار الحرب ، فقال لابن مرجانة :

«أتقبل هذا منه؟ بعد ان نزل بأرضك ، واللّه لئن رحل من بلادك ، ولم يضع يده في يدك ، ليكونن أولى بالقوة ، وتكون أولى بالضعف والوهن».

والهبت هذه الكلمات الموقف ، ونسفت كل امل في الصلح والوئام فقد تفطن ابن زياد إلى أمر خطير قد خفي عليه ، وهو ان الامام اذا خلص منه ، ولم يبايع ليزيد ، والتحق بقطر من الأقطار ، فسوف يتبلور الموقف وتهب الأمة لحمايته من العصابة المجرمة ، وسيكون الطاغية أولى بالوهن والضعف والحسين أولى بالمنعة والقوة لأنه ابن رسول اللّه (ص) وريحانته ، وغابت هذه النقاط الحساسة عن ابن مرجانة ، فرأى في كلمات الشمر الاخلاص والنصيحة».

ولما رأى الشمر أنه قد سيطر على الموقف ، وافسد مهمة ابن سعد اندفع ليوهن مكانته عنده لعله ان يتخذ من ذلك وسيلة لاقصائه عن منصبه ويكون بمحله ، فقال له :

١٣٠

«واللّه لقد بلغني أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل»(1) .

ومعنى هذا أن شمرا قد جعل له استخبارات خاصة على ابن سعد لعله أن يقصر في اداء مهمته فينقل ذلك إلى السلطة لتقصيه عن منصبه ويتولى هو قيادة الجيش.

رفض ابن زياد الحلول السلمية :

ورفض ابن مرجانة جميع الحلول السلمية التي كتب بها ابن سعد ، وسد جميع نوافذ السلم والوئام ، وقد كتب إليه :

«أما بعد : فاني لم ابعثك للحسين لتكف عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنيه السلامة ، ولا لتكون له عندي شفيعا.

انظر فان نزل حسين وأصحابه على حكمي فابعث بهم إلي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون.

فان قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره ، ولست أرى انه يضر بعد الموت ، ولكن على قول قلته لو قتلته لفعلت هذا به ، فان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بذلك»(2) .

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 175

(2) تأريخ ابن الأثير 3 / وقريب منه جاء في انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، وجاء في تذهيب التهذيب 1 / 151 ان ابن زياد كتب لابن سعد «لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي» فقال الحسين : لا يكون ذلك أبدا».

١٣١

وكانت هذه الرسالة صارمة لا رحمة فيها ، ومحتوياتها ما يلي :

1 ـ انها قصرت صلاحية ابن سعد على عمليات الحرب والقتال ، ولم تمنحه أي صلاحية لاجراء الصلح او المفاوضة مع الامام.

2 ـ وعرضت ان الامام اذا استجاب للصلح فعليه أن ينزل ضارعا لحكم ابن مرجانة لينال نصيبه منه فان شاء عفا عنه وان شاء قتله ، وقد اراد أن يمثل الامام عنده كأسير او مذنب ليسترحمه.

3 ـ ان الامام إذا لم يستجب للنزول على حكمه فعلى ابن سعد أن يسارع الى قتله والتمثيل به.

4 ـ انه هدده بالعزل عن منصبه إذا تردد في تنفيذ ما عهد إليه وعليه أن يسلم جميع مهام الجيش إلى شمر بن ذي الجوشن ليقوم بتنفيذ ما عهد إليه.

ويقول المؤرخون : ان ابن زياد جعل يقول : «الآن وقد علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص» وأسرع الشمر وهو جذلان مسرور ، وجعل يجذ في السير ليصل لابن سعد لعله لا يستجيب لأوامر ابن مرجانة فيكون هو الأمير على الجيش ، ووصل الشمر إلى كربلا وكان ابن سعد مستنقعا في الفرات ، فبادر إليه رجل فقال له :

«قد بعث إليك جويرة بن بدر التميمي وأمره إن أنت لم تقاتل ان يضرب عنقك.

ووثب ابن سعد الى ثيابه فلبسها(1) والتفت الى شمر بن ذي الجوشن وقد عرف انها من مكيدته فقال له :

«ويلك لا قرب اللّه دارك ، وقبح اللّه ما جئت به ، واني لأظن

__________________

(1) تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 348

١٣٢

أنك الذي نهيته ، وأفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح واللّه لا يستسلم حسين فان نفس أبيه بين جنبيه».

فأجابه الشمر

«اخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك؟ والا فخل بيني وبين العسكر ..».

واستسلم ابن سعد لهواه واطماعه فرضى أن يبقى قائدا لجيش ظلوم فقال له :

«لا ولا كرامة ، ولكن أتولى الأمر»(1)

وظل الشمر رقيبا على ابن سعد لعله أن يقصر في أوامر سيده ابن مرجانة ليتولى هو قيادة الجيش ، وبعث ابن سعد بجواب ابن زياد إلى الامام ، فقال (ع) :

«لا واللّه ما وضعت يدي في يد ابن مرجانة»(2) .

الامام مع ابن سعد :

وطلب الامام من ابن سعد الاجتماع به ، فاجابه ـ على كره ـ فالتقى معه ليلا ، وعقد معه اجتماعا مغلقا لم يحضره الا العباس وعلي الأكبر من جانب الحسين ومع ابن سعد حفص وغلام لابن سعد ، فقال الامام له :

«يا ابن سعد أتقاتلني؟ أما تتقي اللّه الذي إليه معادك ، فاني ابن من قد علمت ، ألا تكون معي وتدع هؤلاء فانه اقرب الى اللّه تعالى».

والقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلا :

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

١٣٣

ـ أخاف ان تهدم داري

ـ أنا ابنيها

ـ أخاف ان تؤخذ ضيعتي

ـ أنا اخلف عليك خيرا منها في الحجاز

ـ ان لي بالكوفة عيالا وأخاف عليهم من ابن زياد القتل

ولم يجد منه الامام أي تجاوب ، وانما رأى منه اصرارا على الغي والعدوان فاندفع يدعو عليه :

«مالك ذبحك اللّه على فراشك عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ، فو اللّه اني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق الا يسيرا».

وولى ابن سعد ، وهو يقول للامام بسخرية : ان في الشعير كفاية(1)

أمان الشمر لأخوة العباس :

وظن الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقنع أخوة الحسين بالعدول عن نصرة أخيهم فحمل لهم امانا من عبيد اللّه بن زياد ، وجاء يشتد حتى وقف أمامهم ، وهتف مناديا

«اين بنو اختنا العباس واخوته؟»

وهبت إليه الفتية كالأسود ، فقالوا له :

«ما تريد يا ابن ذي الجوشن؟»

«لكم الأمان»

وصاحوا به وهم يتميزون من الغيظ قائلين :

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 175

١٣٤

«لعنك اللّه ولعن أمانك ، أتؤمننا ، وابن بنت رسول اللّه (ص) لا أمان له»(1) .

وولى الأثيم خائبا ، وقد ظن أن اخوة الامام من طراز أصحابه الممسوخين ، ولم يعلم انهم من افذاذ الدنيا الذين صاغوا الكرامة الانسانية وصنعوا الفخر والمجد للانسان.

منع الامدادات :

وفرض ابن سعد الحصار على الامام الحسين (ع) فأحاط بجميع الطرق مخافة أن يصل إليه أي امداد من الخارج ، وقد احكم هذه الجهة حتى صار من غير الممكن أن يلتحق أي أحد بمعسكر الامام أو يوصلهم بأي امداد.

احتلال الفرات :

وأخطر عملية قام بها ابن سعد احتلاله لنهر الفرات فقد صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن مرجانة بمنع الماء عن الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه فلا يذوقوا منه قطرة واحدة ، كما صنع بعثمان بن عفان ، وارسل قوة عسكرية تتألف من خمسمائة فارس ، وقيل أربعة آلاف فارس بقيادة عمرو بن الحجاج فاحتلوا جميع الشرائع والأنهار المتفرعة من نهر الفرات ، وأوصدوا على الحسين وأصحابه باب الورود إلى الماء ، وفيما احسب أنه انما اتخذ هذا الاجراء القاسي الرهيب لما يلي :

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

١٣٥

أولا : الاضرار بمعسكر الامام حتى لا تكون عندهم أية قدرة أو مقاومة على الحرب ، فلا تصاب قواته بالخسائر.

ثانيا : سد الطريق امام من يحاول الالتحاق بالحسين عن طريق الماء

ثالثا : المبالغة في التشفي والانتقام من الأسرة النبوية لما فعله المسلمون بعثمان يوم الدار حينما حوصر ، ومنعوا عنه الماء ، ولكن الحسين فيما اجمع عليه المؤرخون قد حمل الماء إليه حينما حوصر وقد تنكر الأمويون لهذه اليد التي اسداها الامام عليهم.

رابعا : ان ابن زياد كان يأمل بهذا الاجراء ان يستسلم الامام ويخضع لأوامره هذه بعض الأسباب التي دعت ابن مرجانة لاصدار اوامره باحتلال الفرات ، ومنع الماء عن الحسين وأصحابه.

ويقول المؤرخون : انه حيل بين الحسين وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(1) ، وكان اعظم ما عاناه الامام من المحن الشاقة مشاهدة اطفاله وحرائر الرسالة ، وهم يعجون من ألم الظمأ القاتل ، فقد كان الاطفال ينادون : الماء الماء

ولم يستطع الأطفال مقاومة العطش ، وكانوا ينظرون إلى الفرات وهو فياض بمائه ، فيزداد صراخهم ، وذاب قلب الامام رحمة وحنانا لذلك المشهد الرهيب ، فقد ذبلت شفاه اطفاله ، وذوى عودهم ، وجف لبن المراضع. بينما ينعم اولئك الجفاة بالماء ، يقول أنور الجندي :

وذئاب الشرور تنعم بالماء

وأهل النبي من غير ماء

يا لظلم الأقدار يظمأ قلب الليث

والليث موثق الأعضاء

وصغار الحسين يبكون في الصحراء

يا رب اين غوث القضاء

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 89) أنساب الأشراف ق 1 ج 1.

١٣٦

ان جميع الشرائع والمذاهب لا تبيح منع الماء عن الأطفال والنساء ، وخصوصا الشريعة الاسلامية ، فقد جعلت الناس جميعا شركاء في الماء والكلاء ، وسوغت الشرب من الانهار المملوكة حتى لو لم يأذن أربابها وكرهت أشد الكراهة ذبح الحيوان الأعجم عطشانا ، لكن الجيش الأموي لم يحفل بذلك ، واستباح جميع ما حرمته الشرائع والأديان.

لقد تنكر اولئك الجفاة لليد البيضاء التي أسداها الامام على مقدمة جيوشهم التي كانت تتألف من الف فارس بقيادة الحر لالقاء القبض على الامام والحصار عليه في البيداء ، وكان قد بلغ بهم العطش كل مبلغ حتى أشرفوا على الهلاك ، وكان باستطاعته أن يبيدهم عطشا فأبت مروءته ورحمته أن يعاملهم بالقسوة فأمر فتيانه وهو معهم فسقاهم عن آخرهم كما أمر بسقي خيولهم وترشيفها على أنه كان في حاجة إلى الماء لأنه في وسط الصحراء اللاهبة ، ولم يقدر اولئك الاجلاف هذه النجدة فحرموه من الماء وحرموا من كان في كنفه من سيدات أهل البيت واحفاد النبي (ص).

الطباع اللئيمة :

وأخذ اولئك الممسوخون يتباهون ويتفاخرون باستيلائهم على ماء الفرات وحرمان ريحانة رسول اللّه (ص) منه ، ومن بينهم :

1 ـ المهاجر بن أوس

وانبرى المهاجر بن أوس التميمي صوب الامام رافعا صوته :

«يا حسين ألا ترى الى الماء يلوح كأنه بطون الحيات ، واللّه لا تذوقه او تموت» فرد عليه الامام :

«إني لأرجو ان يوردنيه اللّه ويحلئكم عنه»(1)

__________________

(1) أنساب الاشراف ق 1 ج 2

١٣٧

2 ـ عمرو بن الحجاج

واقبل عمرو بن الحجاج ، وكان ممن كاتب الحسنين بالقدوم إلى الكوفة حتى قرب من معسكر الحسين فرفع صوته :

«يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب فيه الحمير والخنازير ، واللّه لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم»(1)

3 ـ عبد اللّه بن حصين

وأقبل عبد اللّه بن حصين الأزدي يشتد كأنه الكلب نحو الامام فنادى :

«يا حسين الا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ، واللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا».

فرفع الامام يديه بالدعاء عليه وقال :

«اللهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا»(2)

لقد فخر اولئك الأجلاف باحتلالهم لماء الفرات ، تقربا لسيدهم ابن مرجانة وارضاء لعواطفه لينالوا جوائزه وهباته.

الانكار على ابن سعد :

وأنكر جماعة من أصحاب الامام الحسين وغيرهم على ابن سعد منعه الماء عن ريحانة رسول اللّه (ص) فقد كان ذلك احط اسلوب في الانتقام فقد اشرف اطفال الحسين على الهلاك وهم يرون الماء امامهم ، وليس هناك من سبب يدعو إلى هذا الانتقام الا الخسة والوحشية المتأصلة في نفوس ذلك الجيش ، ومن بين المنكرين عليه.

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) انساب الأشراف ق 1 ج 1 الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 86).

١٣٨

1 ـ يزيد بن حصين

وخرج يزيد بن الحصين فقال لابن سعد : «هذا الفرات تشرب منه الكلاب ، وهذا الحسين بن بنت رسول اللّه (ص) وأهل بيته عطاشى وأنت تزعم انك تعرف اللّه ورسوله؟!».

واطرق ابن سعد بوجهه الخبيث إلى الأرض ، ولم يتكلم بشيء(1)

2 ـ برير بن خضير

وانطلق برير بن خضير الهمداني نحو ابن سعد فرفع صوته قائلا :

«يا عمر أتترك بيت النبوة يموتون عطشا» وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوا منه ، وتزعم انك تعرف اللّه ورسوله».

فأجابه ابن سعد

«اني واللّه اعلم يا برير ان قاتلهم إلى النار ، ولكن تشير علي أن اترك ولاية الري فتصير إلى غيري ، ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبدا»(2) .

3 ـ الحر

وحينما التحق الحر بمعسكر الامام وتاب على يده خرج الى جيش ابن سعد فرفع صوته قائلا :

«يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر اذ دعوتموه ، وأخذتم بكظمه

__________________

(1) أخبار الدول للقرماني (ص 108) وسيلة المال في عد مناقب الآل (ص 290) مطالب السئول (ص 76).

(2) الفتوح 5 / 172

١٣٩

واحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه الى بلاد اللّه العريضة حتى يأمن وأهل بيته ، واصبح كالأسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وملأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم اللّه يوم الظمأ»(1) .

ولم يجد معهم هذا الانكار ، واصروا على بغيهم وعنادهم فحرموا أبناء النبي (ص) من الماء حتى صرعهم العطش.

العثور على عين ماء :

واضر العطش بأهل البيت فتصارخت الاطفال ، والعيال ، وقام الامام (ع) فأخذ فأسا وحفر حول خيمة النساء فنبعت عين ماء عذب فشربوا منها إلا انها لم تلبث الا قليلا حتى غارت ونقلت الاستخبارات لابن زياد ذلك فتميز غيظا فأرسل الى ابن سعد رسالة جاء فيها :

«بلغني أن الحسين يحفر الآبار ، ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه فانظر اذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضيق عليهم غاية التضييق».

وفرض ابن سعد الرقابة الشديدة على حفر الآبار ، كما أحاط نهر الفرات بمزيد من الحرس والجنود مخافة أن يأتي أحد منهم فيشرب منه الماء(2) .

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 289

(2) مقتل الخوارزمي 1 / 244 ، الفتوح 5 / 162 ، بغية النبلاء.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

الممازحة حتى أني ألاعب النساء و أغازلهن فعل المترف الفارغ القلب الذي تتقضى أوقاته بملاذ نفسه.و يلحف يلح في السؤال قال تعالى( لا يَسْئَلُونَ اَلنَّاسَ إِلْحافاً ) و منه المثل ليس للملحف مثل الرد.و الإل العهد و لما اختلف اللفظان حسن التقسيم بهما و إن كان المعنى واحدا.و معنى قوله ما لم تأخذ السيوف مآخذها أي ما لم تبلغ الحرب إلى أن تخالط الرءوس أي هو ملي‏ء بالتحريض و الإغراء قبل أن تلتحم الحرب فإذا التحمت و اشتدت فلا يمكث و فعل فعلته التي فعل.و السبة الاست و سبه يسبه طعنه في السبة.و يجوز رفع أكبر و نصبه فإن رفعت فهو الاسم و إن نصبت فهو الخبر.و الأتية العطية و الإيتاء الإعطاء و رضخ له رضخا أعطاه عطاء بالكثير و هي الرضيخة لما يعطى

نسب عمرو بن العاص و طرف من أخباره

و نحن نذكر طرفا من نسب عمرو بن العاص و أخباره إلى حين وفاته إن شاء الله.هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكنى أبا عبد الله و يقال أبو محمد.

٢٨١

أبوه العاص بن وائل أحد المستهزءين برسول الله ص و المكاشفين له بالعداوة و الأذى و فيه و في أصحابه أنزل قوله تعالى( إِنَّا كَفَيْناكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ ) .و يلقب العاص بن وائل في الإسلام بالأبتر لأنه قال لقريش سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره يعني رسول الله ص لأنه لم يكن له ص ولد ذكر يعقب منه فأنزل الله سبحانه( إِنَّ شانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ ) .و كان عمرو أحد من يؤذي رسول الله ص بمكة و يشتمه و يضع في طريقه الحجارة لأنه كان ص يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة و كان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها و هو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول الله ص لما خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة فروعوها و قرعوا هودجها بكعوب الرماح حتى أجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الربيع بعلها فلما بلغ ذلك رسول الله ص نال منه و شق عليه مشقة شديدة و لعنهم روى ذلك الواقدي.و روى الواقدي أيضا و غيره من أهل الحديث أن عمرو بن العاص هجا رسول الله ص هجاء كثيرا كان يعلمه صبيان مكة فينشدونه و يصيحون برسول الله إذا مر بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء

فقال رسول الله ص و هو يصلي بالحجر اللهم إن عمرو بن العاص هجاني و لست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني.و روى أهل الحديث أن النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط و عمرو بن العاص عهدوا إلى سلي جمل فرفعوه بينهم و وضعوه على رأس رسول الله ص و هو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر و لم يرفع رأسه و بكى في سجوده و دعا عليهم

٢٨٢

فجاءت ابنته فاطمة ع و هي باكية فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته و قامت على رأسه تبكي فرفع رأسه ص

و قال اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا ثم قال رافعا صوته إني مظلوم فانتصر قالها ثلاثا ثم قام فدخل منزله و ذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين.و لشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله ص أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليزهده في الدين و ليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة و ليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور مشهور في السير و سنذكر بعضه.فأما النابغة فقد ذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار قال كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة فكانت بغيا ثم أعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب و أمية بن خلف الجمحي و هشام بن المغيرة المخزومي و أبو سفيان بن حرب و العاص بن وائل السهمي في طهر واحد فولدت عمرا فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت هو من العاص بن وائل و ذاك لأن العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيرا قالوا و كان أشبه بأبي سفيان و في ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمرو بن العاص

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت

لنا فيك منه بينات الشمائل

و قال أبو عمر بن عبد البر صاحب كتاب الإستيعاب كان اسمها سلمى و تلقبت بالنابغة بنت حرملة من بني جلان بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار

٢٨٣

أصابها سباء فصارت إلى العاص بن وائل بعد جماعة من قريش فأولدها عمرا.قال أبو عمر يقال إنه جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرا و هو على المنبر من أمه فسأله فقال أمي سلمى بنت حرملة تلقب بالنابغة من بني عنزة ثم أحد بني جلان و أصابتها راح العرب فبيعت بعكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان ثم صارت إلى العاص بن وائل فولدت فأنجبت فإن كان جعل لك شي‏ء فخذ.و قال المبرد في كتاب الكامل اسمها ليلى و ذكر هذا الخبر و قال إنها لم تكن في موضع مرضي قال المبرد و قال المنذر بن الجارود مرة لعمرو بن العاص أي رجل أنت لو لا أن أمك أمك فقال إني أحمد الله إليك لقد فكرت البارحة فيها فأقبلت أنقلها في قبائل العرب ممن أحب أن تكون منها فما خطرت لي عبد القيس على بال.و قال المبرد و دخل عمرو بن العاص مكة فرأى قوما من قريش قد جلسوا حلقة فلما رأوه رمقوه بأبصارهم فعدل إليهم فقال أحسبكم كنتم في شي‏ء من ذكري قالوا أجل كنا نمثل بينك و بين أخيك هشام بن العاص أيكما أفضل فقال عمرو إن لهشام علي أربعة أمه بنت هشام بن المغيرة و أمي من قد عرفتم و كان أحب إلى أبيه مني و قد علمتم معرفة الوالد بولده و أسلم قبلي و استشهد و بقيت.و روى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب الأنساب أن عمرا اختصم فيه يوم

٢٨٤

ولادته رجلان أبو سفيان بن حرب و العاص بن وائل فقيل لتحكم أمه فقالت أمه إنه من العاص بن وائل فقال أبو سفيان أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه فأبت إلا العاص.فقيل لها أبو سفيان أشرف نسبا فقالت إن العاص بن وائل كثير النفقة علي و أبو سفيان شحيح.ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله ص

أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت

لنا فيك منه بينات الدلائل

ففاخر به إما فخرت و لا تكن

تفاخر بالعاص الهجين بن وائل

و إن التي في ذاك يا عمرو حكمت

فقالت رجاء عند ذاك لنائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلما

تجمعت الأقوام عند المحافل

مفاخرة بين الحسن بن علي و رجالات من قريش

و روى الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات قال اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص و الوليد بن عقبة بن أبي معيط و عتبة بن أبي سفيان بن حرب و المغيرة بن شعبة و قد كان بلغهم عن الحسن بن علي ع قوارص و بلغه عنهم مثل ذلك فقالوا يا أمير المؤمنين إن الحسن قد أحيا أباه و ذكره و قال فصدق و أمر فأطيع و خفقت له النعال و إن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه و لا يزال يبلغنا عنه ما يسوءنا.قال معاوية فما تريدون قالوا ابعث عليه فليحضر لنسبه و نسب أباه و نعيره و نوبخه و نخبره أن أباه قتل عثمان و نقرره بذلك و لا يستطيع أن يغير علينا شيئا من ذلك.

٢٨٥

قال معاوية إني لا أرى ذلك و لا أفعله قالوا عزمنا عليك يا أمير المؤمنين لتفعلن فقال ويحكم لا تفعلوا فو الله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه و عيبه لي قالوا ابعث إليه على كل حال قال إن بعثت إليه لأنصفنه منكم.فقال عمرو بن العاص أ تخشى أن يأتي باطله على حقنا أو يربي قوله على قولنا قال معاوية أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أن يتكلم بلسانه كله قالوا مره بذلك.قال أما إذ عصيتموني و بعثتم إليه و أبيتم إلا ذلك فلا تمرضوا له في القول و اعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب و لا يلصق بهم العار و لكن اقذفوه بحجره تقولون له إن أباك قتل عثمان و كره خلافة الخلفاء من قبله.فبعث إليه معاوية فجاءه رسوله فقال إن أمير المؤمنين يدعوك.قال من عنده فسماهم له فقال الحسن ع ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم قال يا جارية ابغيني ثيابي اللهم إني أعوذ بك من شرورهم و أدرأ بك في نحورهم و أستعين بك عليهم فاكفنيهم كيف شئت و أنى شئت بحول منك و قوة يا أرحم الراحمين ثم قام فلما دخل على معاوية أعظمه و أكرمه و أجلسه إلى جانبه و قد ارتاد القوم و خطروا خطران الفحول بغيا في أنفسهم و علوا ثم قال يا أبا محمد إن هؤلاء بعثوا إليك و عصوني.

فقال الحسن ع سبحان الله الدار دارك و الإذن فيها إليك و الله إن كنت أجبتهم إلى ما أرادوا و ما في أنفسهم إني لأستحيي لك من الفحش و إن كانوا غلبوك على رأيك إني لأستحيي لك من الضعف فأيهما تقرر و أيهما تنكر أما إني

٢٨٦

لو علمت بمكانهم جئت معي بمثلهم من بني عبد المطلب و ما لي أن أكون مستوحشا منك و لا منهم إن وليي الله و هو يتولى الصالحين.فقال معاوية يا هذا إني كرهت أن أدعوك و لكن هؤلاء حملوني على ذلك مع كراهتي له و إن لك منهم النصف و مني و إنما دعوناك لنقررك أن عثمان قتل مظلوما و أن أباك قتله فاستمع منهم ثم أجبهم و لا تمنعك وحدتك و اجتماعهم أن تتكلم بكل لسانك.فتكلم عمرو بن العاص فحمد الله و صلى على رسوله ثم ذكر عليا ع فلم يترك شيئا يعيبه به إلا قاله و قال إنه شتم أبا بكر و كره خلافته و امتنع من بيعته ثم بايعه مكرها و شرك في دم عمر و قتل عثمان ظلما و ادعى من الخلافة ما ليس له.ثم ذكر الفتنة يعيره بها و أضاف إليه مساوئ و قال إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء و استحلالكم ما حرم الله من الدماء و حرصكم على الملك و إتيانكم ما لا يحل ثم إنك يا حسن تحدث نفسك أن الخلافة صائرة إليك و ليس عندك عقل ذلك و لا لبه كيف ترى الله سبحانه سلبك عقلك و تركك أحمق قريش يسخر منك و يهزأ بك و ذلك لسوء عمل أبيك و إنما دعوناك لنسبك و أباك فأما أبوك فقد تفرد الله به و كفانا أمره و أما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال و لو قتلناك ما كان علينا إثم من الله و لا عيب من الناس فهل تستطيع أن ترد علينا و تكذبنا فإن كنت ترى أنا كذبنا في شي‏ء فاردده علينا فيما قلنا و إلا فاعلم أنك و أباك ظالمان ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط فقال يا بني هاشم إنكم كنتم أخوال عثمان فنعم الولد كان لكن فعرف حقكم و كنتم أصهاره فنعم الصهر كان لكم يكرمكم فكنتم

٢٨٧

أول من حسده فقتله أبوك ظلما لا عذر له و لا حجة فكيف ترون الله طلب بدمه و أنزلكم منزلتكم و الله إن بني أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية و إن معاوية خير لك من نفسك.ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان فقال يا حسن كان أبوك شر قريش لقريش أسفكها لدمائها و أقطعها لأرحامها طويل السيف و اللسان يقتل الحي و يعيب الميت و إنك ممن قتل عثمان و نحن قاتلوك به و أما رجاؤك الخلافة فلست في زندها قادحا و لا في ميزانها راجحا و إنكم يا بني هاشم قتلتم عثمان و إن في الحق أن نقتلك و أخاك به فأما أبوك فقد كفانا الله أمره و أقاد منه و أما أنت فو الله ما علينا لو قتلناك بعثمان إثم و لا عدوان.ثم تكلم المغيرة بن شعبة فشتم عليا و قال و الله ما أعيبه في قضية يخون و لا في حكم يميل و لكنه قتل عثمان ثم سكتوا.

فتكلم الحسن بن علي ع فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ص ثم قال أما بعد يا معاوية فما هؤلاء شتموني و لكنك شتمتني فحشا ألفته و سوء رأي عرفت به و خلقا سيئا ثبت عليه و بغيا علينا عداوة منك لمحمد و أهله و لكن اسمع يا معاوية و اسمعوا فلأقولن فيك و فيهم ما هو دون ما فيكم أنشدكم الله أيها الرهط أ تعلمون أن الذي شتمتموه منذ اليوم صلى القبلتين كلتيهما و أنت يا معاوية بهما كافر تراها ضلالة و تعبد اللات و العزى غواية و أنشدكم الله هل تعلمون أنه بايع البيعتين كلتيهما بيعة الفتح و بيعة الرضوان و أنت يا معاوية بإحداهما كافر و بالأخرى ناكث و أنشدكم الله هل تعلمون أنه أول الناس إيمانا و أنك يا معاوية و أباك

٢٨٨

من المؤلفة قلوبهم تسرون الكفر و تظهرون الإسلام و تستمالون بالأموال و أنشدكم الله أ لستم تعلمون أنه كان صاحب راية رسول الله ص يوم بدر و أن راية المشركين كانت مع معاوية و مع أبيه ثم لقيكم يوم أحد و يوم الأحزاب و معه راية رسول الله ص و معك و مع أبيك راية الشرك و في كل ذلك يفتح الله له و يفلج حجته و ينصر دعوته و يصدق حديثه و رسول الله ص في تلك المواطن كلها عنه راض و عليك و على أبيك ساخط و أنشدك الله يا معاوية أ تذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر و أنت تسوقه و أخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله ص فقال اللهم العن الراكب و القائد و السائق أ تنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم أن يسلم تنهاه عن ذلك

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا

بعد الذين ببدر أصبحوا فرقا

خالي و عمي و عم الأم ثالثهم

و حنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا

لا تركنن إلى أمر تكلفنا

و الراقصات به في مكة الخرقا

فالموت أهون من قول العداة لقد

حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا

و الله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت و أنشدكم الله أيها الرهط أ تعلمون أن عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله ص فأنزل فيه( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اَللَّهُ لَكُمْ ) و أن رسول الله ص بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على حكم الله و حكم رسوله و فعل في خيبر مثلها

٢٨٩

ثم قال يا معاوية أظنك لا تعلم أني أعلم ما دعا به عليك رسول الله ص لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك ابن عباس فوجدك تأكل ثم بعثه إليك مرة أخرى فوجدك تأكل فدعا عليك الرسول بجوعك و نهمك إلى أن تموت و أنتم أيها الرهط نشدتكم الله أ لا تعلمون أن رسول الله ص لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها أولها يوم لقي رسول الله ص خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى الدين فوقع به و سبه و سفهه و شتمه و كذبه و توعده و هم أن يبطش به فلعنه الله و رسوله و صرف عنه و الثانية يوم العير إذ عرض لها رسول الله ص و هي جائية من الشام فطردها أبو سفيان و ساحل بها فلم يظفر المسلمون بها و لعنه رسول الله ص و دعا عليه فكانت وقعة بدر لأجلها و الثالثة يوم أحد حيث وقف تحت الجبل و رسول الله ص في أعلاه و هو ينادي أعل هبل مرارا فلعنه رسول الله ص عشر مرات و لعنه المسلمون و الرابعة يوم جاء بالأحزاب و غطفان و اليهود فلعنه رسول الله و ابتهل و الخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله ص عن المسجد الحرام و الهدي معكوفا أن يبلغ محله ذلك يوم الحديبية فلعن رسول الله ص أبا سفيان و لعن القادة و الأتباع و قال ملعونون كلهم و ليس فيهم من يؤمن فقيل يا رسول الله أ فما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع و أما القادة فلا يفلح منهم أحد

٢٩٠

و السادسة يوم الجمل الأحمر و السابعة يوم وقفوا لرسول الله ص في العقبة ليستنفروا ناقته و كانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان فهذا لك يا معاوية و أما أنت يا ابن العاص فإن أمرك مشترك وضعتك أمك مجهولا من عهر و سفاح فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا و أخبثهم منصبا ثم قام أبوك فقال أنا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل و قاتلت رسول الله ص في جميع المشاهد و هجوته و آذيته بمكة و كدته كيدك كله و كنت من أشد الناس له تكذيبا و عداوة ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر و أصحابه إلى أهل مكة فلما أخطأك ما رجوت و رجعك الله خائبا و أكذبك واشيا جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب مع حليلتك ففضحك الله و فضح صاحبك فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية و الإسلام ثم إنك تعلم و كل هؤلاء الرهط يعلمون أنك هجوت رسول الله ص بسبعين بيتا من الشعر فقال رسول الله ص اللهم إني لا أقول الشعر و لا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة فعليك إذا من الله ما لا يحصى من اللعن و أما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم حلقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها ثم حبست نفسك إلى معاوية و بعت دينك بدنياه فلسنا نلومك على بغض و لا نعاتبك على ود و بالله

٢٩١

ما نصرت عثمان حيا و لا غضبت له مقتولا ويحك يا ابن العاص أ لست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي

تقول ابنتي أين هذا الرحيل

و ما السير مني بمستنكر

فقلت ذريني فإني امرؤ

أريد النجاشي في جعفر

لأكويه عنده كية

أقيم بها نخوة الأصعر

و شانئ أحمد من بينهم

و أقولهم فيه بالمنكر

و أجري إلى عتبة جاهدا

و لو كان كالذهب الأحمر

و لا أنثني عن بني هاشم

و ما اسطعت في الغيب و المحضر

فإن قبل العتب مني له

و إلا لويت له مشفري

فهذا جوابك هل سمعته و أما أنت يا وليد فو الله ما ألومك على بغض علي و قد جلدك ثمانين في الخمر و قتل أباك بين يدي رسول الله صبرا و أنت الذي سماه الله الفاسق و سمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له اسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا و أطول منك لسانا فقال لك علي اسكت يا وليد فأنا مؤمن و أنت فاسق فأنزل الله تعالى في موافقة قوله( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) ويحك يا وليد مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك و فيه

أنزل الله و الكتاب عزيز

في علي و في الوليد قرآنا

٢٩٢

فتبوأ الوليد إذ ذاك فسقا

و علي مبوأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عمرك الله

كمن كان فاسقا خوانا

سوف يدعى الوليد بعد قليل

و علي إلى الحساب عيانا

فعلي يجزى بذاك جنانا

و وليد يجزى بذاك هوانا

رب جد لعقبة بن أبان

لابس في بلادنا تبانا

و ما أنت و قريش إنما أنت علج من أهل صفورية و أقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد و أسن ممن تدعى إليه و أما أنت يا عتبة فو الله ما أنت بحصيف فأجيبك و لا عاقل فأحاورك و أعاتبك و ما عندك خير يرجى و لا شر يتقى و ما عقلك و عقل أمتك إلا سواء و ما يضر عليا لو سببته على رءوس الأشهاد و أما وعيدك إياي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذا وجدته على فراشك أما تستحيي من قول نصر بن حجاج فيك

يا للرجال و حادث الأزمان

و لسبة تخزي أبا سفيان

نبئت عتبة خانه في عرسه

جبس لئيم الأصل من لحيان

و بعد هذا ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه فكيف يخاف أحد سيفك و لم تقتل فاضحك و كيف ألومك على بغض علي و قد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر و شرك حمزة في قتل جدك عتبة و أوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد و أما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق أن تقع في هذا و شبهه و إنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فإني طائرة عنك فقالت النخلة و هل علمت بك واقعة علي فأعلم بك طائرة عني

٢٩٣

و الله ما نشعر بعداوتك إيانا و لا اغتممنا إذ علمنا بها و لا يشق علينا كلامك و إن حد الله في الزنا لثابت عليك و لقد درأ عمر عنك حقا الله سائلة عنه و لقد سألت رسول الله ص هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها فقال لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا لعلمه بأنك زان و أما فخركم علينا بالإمارة فإن الله تعالى يقول( وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا اَلْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً ) .ثم قام الحسن فنفض ثوبه و انصرف فتعلق عمرو بن العاص بثوبه و قال يا أمير المؤمنين قد شهدت قوله في و قذفه أمي بالزنا و أنا مطالب له بحد القذف فقال معاوية خل عنه لا جزاك الله خيرا فتركه فقال معاوية قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق عارضته و نهيتكم أن تسبوه فعصيتموني و الله ما قام حتى أظلم على البيت قوموا عني فلقد فضحكم الله و أخزاكم بترككم الحزم و عدولكم عن رأي الناصح المشفق و الله المستعان

عمرو بن العاص و معاوية

و روى الشعبي قال دخل عمرو بن العاص على معاوية يسأله حاجة و قد كان بلغ معاوية عنه ما كرهه فكره قضاءها و تشاغل فقال عمرو يا معاوية إن السخاء فطنة و اللؤم تغافل و الجفاء ليس من أخلاق المؤمنين فقال معاوية يا عمرو بما ذا تستحق منا قضاء الحوائج العظام فغضب عمرو و قال بأعظم حق و أوجبه إذ كنت في بحر عجاج فلو لا عمرو لغرقت في أقل مائه و أرقه و لكني دفعتك فيه دفعة فصرت في وسطه ثم دفعتك فيه أخرى فصرت في أعلى المواضع منه فمضى حكمك و نفذ أمرك و انطلق

٢٩٤

لسانك بعد تلجلجه و أضاء وجهك بعد ظلمته و طمست لك الشمس بالعهن المنفوش و أظلمت لك القمر بالليلة المدلهمة.فتناوم معاوية و أطبق جفنيه مليا فخرج عمرو فاستوى معاوية جالسا و قال لجلسائه أ رأيتم ما خرج من فم ذلك الرجل ما عليه لو عرض ففي التعريض ما يكفي و لكنه جبهني بكلامه و رماني بسموم سهامه.فقال بعض جلسائه يا أمير المؤمنين إن الحوائج لتقضى على ثلاث خصال إما أن يكون السائل لقضاء الحاجة مستحقا فتقضى له بحقه و إما أن يكون السائل لئيما فيصون الشريف نفسه عن لسانه فيقضي حاجته و إما أن يكون المسئول كريما فيقضيها لكرمه صغرت أو كبرت.فقال معاوية لله أبوك ما أحسن ما نطقت و بعث إلى عمرو فأخبره و قضى حاجته و وصله بصلة جليلة فلما أخذها ولى منصرفا فقال معاوية( فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ) فسمعها عمرو فالتفت إليه مغضبا و قال و الله يا معاوية لا أزال آخذ منك قهرا و لا أطيع لك أمرا و أحفر لك بئرا عميقا إذا وقعت فيه لم تدرك إلا رميما فضحك معاوية فقال ما أريدك يا أبا عبد الله بالكلمة و إنما كانت آية تلوتها من كتاب الله عرضت بقلبي فاصنع ما شئت

عبد الله بن جعفر و عمرو بن العاص في مجلس معاوية

و روى المدائني قال بينا معاوية يوما جالسا عنده عمرو بن العاص إذ قال الآذن قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال عمرو و الله لأسوءنه اليوم فقال معاوية لا تفعل يا أبا عبد الله فإنك لا تنصف منه و لعلك أن تظهر لنا من منقبته ما هو خفي عنا و ما لا نحب أن نعلمه منه.

٢٩٥

و غشيهم عبد الله بن جعفر فأدناه معاوية و قربه فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من علي ع جهارا غير ساتر له و ثلبه ثلبا قبيحا.فالتمع لون عبد الله بن جعفر و اعتراه أفكل حتى أرعدت خصائله ثم نزل عن السرير كالفنيق فقال عمرو مه يا أبا جعفر فقال له عبد الله مه لا أم لك ثم قال

أظن الحلم دل علي قومي

و قد يستجهل الرجل الحليم

ثم حسر عن ذراعيه و قال يا معاوية حتام نتجرع غيظك و إلى كم الصبر على مكروه قولك و سيئ أدبك و ذميم أخلاقك هبلتك الهبول أ ما يزجرك ذمام المجالسة عن القذع لجليسك إذا لم تكن لك حرمة من دينك تنهاك عما لا يجوز لك أما و الله لو عطفتك أواصر الأرحام أو حاميت على سهمك من الإسلام ما أرعيت بني الإماء المتك و العبيد الصك أعراض قومك.و ما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجفوة و إنك لتعرف وشائظ قريش و صبوة غرائزها فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطئك في سفك دماء المسلمين و محاربة أمير المؤمنين إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه فاقصد لمنهج الحق فقد طال عمهك عن سبيل الرشد و خبطك في بحور ظلمة الغي.

٢٩٦

فإن أبيت إلا تتابعنا في قبح اختيارك لنفسك فأعفنا من سوء القالة فينا إذا ضمنا و إياك الندي و شأنك و ما تريد إذا خلوت و الله حسيبك فو الله لو لا ما جعل الله لنا في يديك لما أتيناك.ثم قال إنك إن كلفتني ما لم أطق ساءك ما سرك مني من خلق.فقال معاوية يا أبا جعفر أقسمت عليك لتجلسن لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره محمول لك ما قلت و لك عندنا ما أملت فلو لم يكن محمدك و منصبك لكان خلقك و خلقك شافعين لك إلينا و أنت ابن ذي الجناحين و سيد بني هاشم.فقال عبد الله كلا بل سيد بني هاشم حسن و حسين لا ينازعهما في ذلك أحد.فقال أبا جعفر أقسمت عليك لما ذكرت حاجة لك إلا قضيتها كائنة ما كانت و لو ذهبت بجميع ما أملك فقال أما في هذا المجلس فلا ثم انصرف.فأتبعه معاوية بصره و قال و الله لكأنه رسول الله ص مشيه و خلقه و خلقه و إنه لمن مشكاته و لوددت أنه أخي بنفيس ما أملك.ثم التفت إلى عمرو فقال أبا عبد الله ما تراه منعه من الكلام معك قال ما لا خفاء به عنك قال أظنك تقول إنه هاب جوابك لا و الله و لكنه ازدراك و استحقرك و لم يرك للكلام أهلا أ ما رأيت إقباله علي دونك ذاهبا بنفسه عنك.فقال عمرو فهل لك أن تسمع ما أعددته لجوابه قال معاوية اذهب إليك أبا عبد الله فلاة حين جواب سائر اليوم.و نهض معاوية و تفرق الناس

٢٩٧

عبد الله بن العباس و رجالات قريش في مجلس معاوية

و روى المدائني أيضا قال وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة فقال معاوية لابنه يزيد و لزياد ابن سمية و عتبة بن أبي سفيان و مروان بن الحكم و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و سعيد بن العاص و عبد الرحمن ابن أم الحكم إنه قد طال العهد بعبد الله بن عباس و ما كان شجر بيننا و بينه و بين ابن عمه و لقد كان نصبه للتحكيم فدفع عنه فحركوه على الكلام لنبلغ حقيقة صفته و نقف على كنه معرفته و نعرف ما صرف عنا من شبا حده و زوي عنا من دهاء رأيه فربما وصف المرء بغير ما هو فيه و أعطي من النعت و الاسم ما لا يستحقه.ثم أرسل إلى عبد الله بن عباس فلما دخل و استقر به المجلس ابتدأه ابن أبي سفيان فقال يا ابن عباس ما منع عليا أن يوجه بك حكما فقال أما و الله لو فعل لقرن عمرا بصعبة من الإبل يوجع كفه مراسها و لأذهلت عقله و أجرضته بريقه و قدحت في سويداء قلبه فلم يبرم أمرا و لم ينفض ترابا إلا كنت منه بمرأى و مسمع فإن أنكأه أدميت قواه و إن أدمه فصمت عراه بغرب مقول لا يقل حده و أصالة رأي كمتاح الأجل لا وزر منه أصدع به أديمه و أفل به شبا حده و أشحذ به عزائم المتقين و أزيح به شبه الشاكين.فقال عمرو بن العاص هذا و الله يا أمير المؤمنين نجوم أول الشر و أفول آخر الخير و في حسمه قطع مادته فبادره بالحملة و انتهز منه الفرصة و اردع بالتنكيل به غيره و شرد به من خلفه.فقال ابن عباس يا ابن النابغة ضل و الله عقلك و سفه حلمك و نطق الشيطان على لسانك هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت نزال و تكافح الأبطال

٢٩٨

و كثرت الجراح و تقصفت الرماح و برزت إلى أمير المؤمنين مصلولا فانكفأ نحوك بالسيف حاملا فلما رأيت الكواشر من الموت أعددت حيلة السلامة قبل لقائه و الانكفاء عنه بعد إجابة دعائه فمنحته رجاء النجاة عورتك و كشفت له خوف بأسه سوأتك حذرا أن يصطلمك بسطوته و يلتهمك بحملته ثم أشرت على معاوية كالناصح له بمبارزته و حسنت له التعرض لمكافحته رجاء أن تكتفي مئونته و تعدم صورته فعلم غل صدرك و ما انحنت عليه من النفاق أضلعك و عرف مقر سهمك في غرضك.فاكفف غرب لسانك و اقمع عوراء لفظك فإنك لمن أسد خادر و بحر زاخر إن تبرزت للأسد افترسك و إن عمت في البحر قمسك.فقال مروان بن الحكم يا ابن عباس إنك لتصرف أنيابك و توري نارك كأنك ترجو الغلبة و تؤمل العافية و لو لا حلم أمير المؤمنين عنكم لتناولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره و لعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه منكم و لئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك.فقال ابن عباس و إنك لتقول ذلك يا عدو الله و طريد رسول الله و المباح دمه و الداخل بين عثمان و رعيته بما حملهم على قطع أوداجه و ركوب أثباجه أما و الله لو طلب معاوية ثأره لأخذك به و لو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله و آخره.و أما قولك لي إنك لتصرف أنيابك و توري نارك فسل معاوية و عمرا يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات و استخفافنا بالمعضلات و صدق جلادنا عند المصاولة و صبرنا

٢٩٩

على اللأواء و المطاولة و مصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة و مباشرتنا بنحورنا حد الأسنة هل خمنا عن كرائم تلك المواقف أم لم نبذل مهجنا للمتالف و ليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود و لا يوم مشهود و لا أثر معدود و إنهما شهدا ما لو شهدت لأقلقك فأربع على ظلعك و لا تتعرض لما ليس لك فإنك كالمغروز في صفد لا يهبط برجل و لا يرقى بيد.فقال زياد يا ابن عباس إني لأعلم ما منع حسنا و حسينا من الوفود معك على أمير المؤمنين إلا ما سولت لهما أنفسهما و غرهما به من هو عند البأساء سلمهما و ايم الله لو وليتهما لأدأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما و لقل بمكانهما لبثهما.فقال ابن عباس إذن و الله يقصر دونهما باعك و يضيق بهما ذراعك و لو رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا صبرا على البلاء لا يخيمون عن اللقاء فلعركوك بكلاكلهم و وطئوك بمناسمهم و أوجروك مشق رماحهم و شفار سيوفهم و و خز أسنتهم حتى تشهد بسوء ما أتيت و تتبين ضياع الحزم فيما جنيت فحذار حذار من سوء النية فتكافأ برد الأمنية و تكون سببا لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما و سعيا في اختلافهما بعد ائتلافهما حيث لا يضرهما إبساسك و لا يغني عنهما إيناسك.فقال عبد الرحمن ابن أم الحكم لله در ابن ملجم فقد بلغ الأمل و أمن الوجل و أحد الشفرة و الآن المهرة و أدرك الثأر و نفى العار و فاز بالمنزلة العليا و رقي الدرجة القصوى.فقال ابن عباس أما و الله لقد كرع كأس حتفه بيده و عجل الله إلى النار بروحه

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454