الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
0%
مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 109
مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 109
المشاهدات: 12456
تحميل: 5575
توضيحات:
مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 109
مؤلف: مركز الرسالة
تقرير مبادئ الإسلام في واقع الحياة بصورة عملية منظورة ومحسوسة عن طريق :
1 ـ تفنيد أُسس المفاهيم والعقائد الجاهلية : إنّ غريزة التديّن من الغرائز المشتركة بين جميع الاجناس البشرية ، وان الاهتمام بمعنى الإله وبما فوق الطبيعة هو (احدى النزعات العالمية الخالدة للانسانية)(1) .
وتختلف مظاهر هذا التدين من انسان إلى آخر ومن مجتمع لآخر. ومن يؤمن بالخالق بالكيفية التي ورثها أو اقتبسها ، فإنّه يشعر بالانتماء ، فيكون عقله وقلبه مشدودين لهذا الإيمان وان كان خاطئا ، ولهذا يصعب ابعاده عن إيمانه في الوهلة الاُولى ، وهو بحاجة إلى تفنيد تصوراته الخاطئة ، ومتبنياته العقائدية الواهية ، عن طريق الأدلة والبراهين والحجج، وتبيان نقاط الضعف في الاُسس التي تقوم عليها ، عن طريق اللفتات والاضاءات والاثارات التي تخاطب العقل لتوقظه.
وقد كانت سيرة الانبياء والمرسلين والأئمة والصالحين قائمة على أساس تفنيد أُسس المفاهيم والعقائد الباطلة ، كالشرك باللّه تعالى ، والإيمان بالاوهام والخرافات ، وبالوجودات الوهمية المتحكمة في الكون. فإذا ثبت بطلانها، فإنّ الإنسان سيتخلّى عنها ان كان طالبا للحقيقة.
2 ـ الحيلولة بين الناس ومعتقداتهم الباطلة : الاستئناس بالمعتقدات أمر طبيعي في داخل الشخصية الإنسانية ، حتى إنّ عواطف الإنسان وأحاسيسه كلّها تدور حول محور تلك المعتقدات التي يتبناها ؛ وبذلك
__________________
1) الدين / محمد عبداللّه دراز : 82 ، دار القلم ـ الكويت 1390 ه ، عن : معجم لاروس للقرن العشرين.
يتم الاستقرار داخل النفس بوحدة الافكار والعواطف والممارسات.
وتزداد الاُلفة والاُنس بمرور الوقت ، وخصوصا إذا أصبح الأمر جزءا من التراث ومن معتقدات الاسلاف.
قال تعالى : «وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزَلَ اللّه قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا ألفَينَا عَليهِ آباءَنَا ... »(1) .
وتزداد كلّما كان المتبني لها من الشخصيات المؤثرة في نفوس الناس ، كالرؤساء والقادة والأبطال ، وتزداد أيضا كلّما وجد الإنسان أنّ جمهورا غفيرا من الناس يتبنى نفس معتقداته تأثرا بالعقل الجمعي.
وإذا اطبق الاُنس على عاطفته ، فإنّه سيغلق منافذ الهداية ، وفي هذه الحالة فان المرحلة الثانية لا بدّ أن تنحصر بكسر هذا الاُنس ، وتحطيم الأواصر المألوفة بين الإنسان ومعتقداته الباطلة.
ويتم كسر الاُلفة والاُنس عن طريق استخدام وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ التي تقدّمت ـ والعمل على ابعاد الإنسان عن المحيط الذي ألفه ، بإحاطته بمجموعة من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ليتأثر بما يسمى بالعقل الجمعي المحيط به.
فإذا آمن بخطأ معتقداته السابقة، فإنّ كسر الاُلفة والاُنس بها سيكون أسهل.
3 ـ تحطيم الحواجز النفسية بين الناس والعقيدة الإسلامية : حينما يؤمن الإنسان بعقيدة جاهلية أو منحرفة ويأنس إليها ويألفها ، فإنّ ذلك يؤدي إلى أن تشكّل هذه العقيدة حاجزا نفسيا بينه وبين غيرها ، وهو أمر
__________________
1) سورة البقرة : 2 / 170.
طبيعي ، خاصة إذا كانت تحقق رغباته وشهواته.
فعلى المكلّف بتحمّل مسؤولية الهداية أن يحطّم هذه الحواجز النفسية عن طريق التدرج في الحجّة والبرهان ، والتدرج في التلقين ، وزرع الايمان في قلب ذلك الإنسان الذي يُراد هدايته ، عن طريق الشواهد الحسيّة ، ثم تبيان مظاهر التوحيد ، وتحريك العقل للايمان بانّ لطف اللّه تعالى يتجسد ببعثة الأنبياء ؛ ليؤمن بالنبي الخاتمصلىاللهعليهوآله ، إيمانا حقيقيا من حيث العصمة والتسديد الالهي ، ثم يتم التدرج في اقناعه بضرورة الإمامة في كلِّ زمان ، مصحوبا كل ذلك بتركيز البعث والنشور والايمان باليوم الآخر ، وبالتدريج تتحطّم الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة الإسلامية ، فيتقبل ما يقال له باسلوب شيّق وجذّاب.
وخير أُسلوب على هذا التحطيم هو أُسلوب الترغيب والترهيب بالجنّة والنار ، وبابراز نماذج من الشخصيات التي سعدت واستقرت نفسيا ؛ لايمانها باللّه تعالى وبالعقيدة الإسلامية.
4 ـ إبعاد الناس عن السلوك الجاهلي : السلوك تتحكم به الافكار والعواطف ، فإذا آمن الإنسان بخطأ أفكاره ومعتقداته ، وانكسرت الاُلفة معها ، وتحطّمت الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة السليمة ، عندها يسهل إبعاده عن السلوك الجاهلي ؛ لأنّه سيتّبع ما تمليه عليه عقيدته الجديدة وعواطفه اتجاهها. وقد حفلت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بالاوامر والنواهي الهادية للإنسان في سلوكه وممارساته العملية ، فقد بيّنت الآثار السلبية للسلوك الجاهلي كالكذب والغيبة والبهتان والتنابز بالالقاب ، وبيّنت مضار الخمر والزنا ، ومضار التقاطع والتدابر ، ثم زرعت الخوف من العقاب الالهي في الدنيا والآخرة في نفوس الناس ، وقصّت
عليهم قصص الغابرين الذين تعرضوا له.
وأبرز القرآن الكريم والاحاديث الشريفة نماذج من الشخصيات التي يمكن الاقتداء بها في السلوك والخُلق الرفيع.
وينبغي على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يوجّه الناس طبقا للارشادات والتعاليم القرآنية ، وتعاليم رسول اللّهصلىاللهعليهوآله وأهل بيتهعليهمالسلام ، وان يوضّح لهم آثار الانحراف السلوكي على الفرد والمجتمع الذي يبتعد عن الإسلام ، حيث الامراض البدنية والروحية ، من اضطراب وبلبلة وفقدان الاستقرار والاطمئنان والسعادة ، وخصوصا في البلدان الغربية.
وإذا عرف الانسان مضرة السلوك الجاهلي ، وابتعد عنه فإنّه سيتوجه إلى الالتزام بالسلوك الاسلامي.
قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليهالسلام : «من لم يعرف مضرّة الشر لم يقدر على الامتناع عنه » (1) .
«لن تتحقق الخير حتى تتبرأ من الشر » (2) .
«من ترك الشر فتحت عليه أبواب الخير » (3) .
«للعادة على كلِّ انسان سلطان » (4) .
__________________
1) تصنيف غرر الحكم : 106.
2) تصنيف غرر الحكم : 106.
3) تصنيف غرر الحكم : 106.
4) تصنيف غرر الحكم : 322.
«غيّروا العادات تسهل عليكم الطاعات » (1) .
«لن تهتدي إلى المعروف حتى تضلّ عن المنكر » (2) .
5 ـ تمرين الناس على السلوك الإسلامي : السلوك الإسلامي يستدعي التحرر من ضغط الشهوات ، وثقلة المطامع ، وتهذيب العواطف والانفعالات ، والابتعاد عن المثيرات والمغريات الخارجية التي تدعو إلى اشباع الشهوات والمطامع باسلوب غير مشروع.
وهذه بدورها تحتاج إلى تمرين متدرج ، ورياضة متسلسلة ؛ لكي يكون السلوك الإسلامي جزءا من شخصية الإنسان ، ويتحقق ذلك عن طريق الدعوة لامتثال التكاليف كالصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر والداعية إلى السلوك الصالح ، والصوم الذي يهذب الغريزة ، والزكاة التي تزرع في القلب روح الايثار وحب الانفاق وهكذا في بقية التكاليف ، والتي هي تكاليف هينة يسيرة ، ثم التدرج لتحمّل التكاليف الأكبر للوصول إلى السمو والكمال السلوكي.
وينبغي ربط الإنسان بالشخصيات التي جعلها اللّه تعالى موضع قدوة ، وتبيان مظاهر سلوكها وخُلقها.
والتركيز على الآثار الايجابية للسلوك الرفيع في دار الدنيا والآخرة ، وما يحصل جراؤه من ثواب ورضوان من اللّه تعالى.
الاجواء المساعدة في المرحلة الوقائية :
إذا ترك الإنسان لوحده فإنّه قد تهجم عليه الشكوك ، وتنتابه
__________________
1) تصنيف غرر الحكم : 322.
2) تصنيف غرر الحكم : 322.
الهواجس ، وتطغى عليه الغرائز ، وتثيره المغريات ، فهو بحاجة إلى أجواء فكرية وسلوكية تساعده على اصلاح وتغيير أفكاره وعواطفه وممارساته ، ومن هذه الأجواء :
1 ـ حلقات الذكر : هنالك تجمعات يذكر فيها اسم اللّه تعالى ، وتسودها اجواء الإيمان والتقوى ، فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يشجِّع الآخرين على حضورها ، أو يصطحبهم معه إليها.
قال رسول اللّهصلىاللهعليهوآله : « بادروا إلى رياض الجنة » ، قالوا : وما رياض الجنة ، قال : « حلق الذكر(1) .
وتتنوع حلقات الذكر بتنوع الظروف ، كمجالس العلماء الاتقياء ، ومجالس الصالحين ، وجلسات الدرس ، وجلسات حفظ القرآن وتلاوته ، والجلسات الدوّارة التي تنعقد في بيوت مختلفة.
ومنها مجالس العزاء على الإمام الحسينعليهالسلام ، ويلحق بها الاحتفالات والمهرجانات التي تقام على مدار السنة في الاعياد ومناسبات ولادة رسول اللّهصلىاللهعليهوآله والأئمةعليهمالسلام ، ويوم المبعث ، ويوم الغدير وغير ذلك.
2 ـ ارتياد المساجد : المسجد من أهم الأجواء الايمانية التي لها دور كبير في اصلاح الإنسان وتغييره.
قال أمير المؤمنينعليهالسلام : «من اختلف إلى المسجد أصاب احدى الثمان : أخا مستفادا في اللّه ، أو علما مستطرفا ، أو آية محكمة ، أو رحمة منتظرة ، أو كلمة تردّه عن ردى ، أو يسمع كلمة تدله على هدى ، أو يترك ذنبا خشية
__________________
1) أمالي الصدوق : 297.
أو حياء » (1) .
3 ـ زيارة قبور الأنبياء والأئمة عليهمالسلام والصالحين : لزيارة قبور الأنبياء والأولياء المعصومين وعباد اللّه الصالحين تأثير واضح محسوس على الإنسان ، حيث يرتبط من خلالها بأرقى الشخصيات الإسلامية ، ويندفع للاقتداء بها في أفكارها وعواطفها وسلوكها ، ويستمد منها روح السمو والارتقاء ، ويعاهدها على التقيّد بسيرتها.
وقد وردت أحاديث عديدة في الحث على زيارة قبور الأئمة الأطهار وأولياء اللّه الأخيار والصالحين من عباده وأفضل من الزيارة الفردية القيام بزيارات جماعية من قبل المؤمنين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إلى تلك الأماكن المتبركة ، فإنّ لها وقعا أشدّ ، وتأثيرا أكبر على الإنسان المراد إصلاحه ؛ لأنّه سيتأثر حيئنذ بهذا الجمع المؤمن المتجه إلى اللّه تعالى بالدعاء وبالتوسل بأوليائه الصالحين.
4 ـ الجليس الصالح : من وصية رسول اللّهصلىاللهعليهوآله لأبي ذر الغفاري قال : « الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء ، واملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من املاء الشر» (2) .
ويلحق بهذه الاجواء المشاركة في السفرات الجماعية ، والحضور في المكتبات الإسلامية العامّة وأمثال ذلك.
__________________
1) أمالي الصدوق : 319، وينسب هذا القول إلى الإمام الحسنعليهالسلام كما ورد في : تحف العقول : پ 166.
2) مكارم الاخلاق : 466.
ثانيا : المراحل العلاجية :
وهي المراحل العملية المقارنة واللاحقة لوقوع الممارسات السلبية في الواقع الخارجي ، وهي خطوات علاجية الهدف منها معالجة الواقع المنحرف ، بإيقاف المنكر أو تطويقه وتحجيمه ؛ لمنع استشرائه في العقول والقلوب والارادة.
ويمكن تصنيفها إلى صنفين :
1 ـ المراحل العلاجية المقارنة للتلبس بالمنكر :
إنّ اللّه تعالى فتح للإنسان أبواب الهداية من خلال البيّنات الظاهرة ، والبراهين الواقعية ، وانزل الكتاب لارشاده وتوجيهه إلى الاستقامة والاعتدال ، ودعا إلى تكوين الاُمّة والجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، ووضع منهجا متكاملاً لوقايته من الانحراف عن طريق غلق منافذه إلى النفس ، ومعالجة الأسباب المؤدية إليه ، وتهيئة الاجواء لتهذيب السلوك والخُلق ، فإذا خالف الإنسان جميع هذه المؤهلات ، وانحرف عن الاستقامة في سلوكه غرورا منه أو استسلاما لشهواته وغرائزه ، وارتكب المنكر بصورة علنية متحديا قيم المجتمع ، فيجب على الآخرين ردعه وايقاف أو تحجيم انحرافه ، وأول مراحل الردع هي التغيير باليد التي تعبّر عن القوة ، ثم باللسان ، ثم بالقلب.
قال رسول اللّهصلىاللهعليهوآله : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان » (1) .
__________________
1) صحيح مسلم 1 : 69 ، كتاب الايمان باب 20 / 78.
والتغيير باليد مقدّم على غيره ؛ لأنّه يقتلع المنكر من جذوره ويمنع من استمراره الذي قد يضر بالمصلحة العامّة وخصوصا ما يتعلق بالاعتداء على حقوق الآخرين ، كالاعتداء على أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم ، فلا يجوز التهاون به ، والسكوت عنه ، وهو يتوقف على القدرة والطاقة التي يمتلكها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، التي تساعده على العمل الفوري في التغيير ، ولذا فإنّ الحكمة من تكوين الاُمّة أو الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، هي تظافر الطاقات والجهود لازالة المنكر الواقع ، وردع المتلبس به.
وإذا عجزت الطاقات والجهود المتاحة من تغيير المنكر باليد ، فتأتي مرحلة الانكار باللسان عن طريق تبيان أضرار المنكر ، وتحقير فاعله ، وترذيله وتقبيحه ، وتخويفه من العواقب السيئة المترتبة على هذا المنكر ، وتهديده وتخويفه من ردعه بالقوة أو تخويفه بالاستعانة بالغير لانزال العقاب الصارم به ، أو تهديده بالمحاصرة الاقتصادية والاجتماعية ، وكل كلام يساعد على ردعه.
وإذا عجز الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عن التغيير باللسان ينتقل إلى مرحلة التغيير بالقلب وهو الانكار والاشمئزاز وعدم الرضا بعمل المنكر ، والتصميم على اعداد القوة البدنية والبيانية لتغييره في الظروف المؤاتية.
وملاك التكليف هو القدرة ، وهي التي تحدّد مراحل التغيير باليد واللسان والقلب ، وقد تجتمع هذه المراحل لتنطلق في آن واحد تبعا لقدرة الافراد ، فتستخدم اليد من قبل البعض واللسان من قبل البعض الآخر ، والقلب من قبل البقية المتبقية.
قال رسول اللّهصلىاللهعليهوآله : «ما من نبي بعثه اللّه في أمة قبلي ، إلاّ كان له من أُمّته حواريون وأصحاب ، يأخذون بسُنّته ، ويقتدون بأمره ، ثم انها تخلفُ من بعدهم خلوف ، يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لايؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الايمان حبّة خردل » (1) .
ويجب استخدام القوة المناسبة للردع وتغيير المنكر ، فالمنكرات الفردية التي يقوم بها الافراد ، قد لا تحتاج إلى مزيد من القوة ، أما المنكرات الجماعية التي يرتكبها جمع من الناس أو كتلة منهم ، أو تقوم بها مؤسسات أو جمعيات تمتلك طاقات متنوعة اعلامية ومالية وبشرية ، فإنّها لا ترتدع إلاّ باستخدام القوة الموازية لها.
وتختلف القوة المستخدمة باختلاف نوعية المنكر المرتكب ، من الناحية الفكرية والسلوكية ، فهنالك منكر له تأثير ملحوظ على أصل الوجود الاسلامي كيانا وقيادةً وافرادا ، وهنالك منكر له تأثير على اضطراب المعتقدات وبلبلة الافكار ، وهنالك منكر له تأثير على أخلاق المجتمع بإفساده لأفراده ، ومن هنا شرّع اللّه تعالى الجهاد لإيقاف المنكر الأكبر الذي يستهدف القضاء على الوجود الاسلامي.
نماذج من السيرة النبوية :
إنّ الموقف من المنكر بتغييره باليد أو اللسان أو القلب تحدده عدة عوامل :
__________________
1) صحيح مسلم 1 : 70 ، كتاب الايمان ، باب 20 / 80.
الأول : الظروف.
الثاني : مصلحة الإسلام كعقيدة وتشريع.
الثالث : مصلحة المسلمين الانية والمستقبلية.
ففي العهد المكي لم تكن الظروف مؤاتية لاستخدام القوة في القضاء على المنكر ، ولا مصلحة في ذلك لانها تؤدي إلى قتل رسول اللّهصلىاللهعليهوآله في ظرف لا يملك القوة اللازمة للقضاء على رؤوس الكفر أو ردعهم عن منكراتهم ، فاكتفىصلىاللهعليهوآله بالتغيير باللسان.
وحينما هاجر إلى المدينة تغيّر الموقف حيث امتلك القوة اللازمة لخوض مهمة التغيير بقوة اليد ، فاستخدمهاصلىاللهعليهوآله لردع العدوان على الإسلام والمسلمين.
كما استخدمصلىاللهعليهوآله القوة لإزالة المنكرات الواقعية ، فأمر بطرد بعض المنافقين من المسجد ، وأمر باحراق منزل سويلم اليهودي لاجتماع المنافقين به ، وأمر باحراق مسجد ضرار(1) .
وحينما تمادى رأس المنافقين عبداللّه بن أبي سلول في نفاقه بخلقه للفتن داخل المجتمع الإسلامي ، رفض رسول اللّهصلىاللهعليهوآله اقتراح البعض في قتله ؛ لأنّ قتله يؤدي إلى حدوث الخلل في تماسك جبهة المسلمين لأنّ له أنصارا وأعوانا وعشيرة مترامية الأطراف ، وقد أثبتصلىاللهعليهوآله صحة موقفه قائلاً لمن حرّضه على قتله : «أما واللّه لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له
__________________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 160 ـ 177.
أنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته » (1) .
فالظروف والمصلحة الإسلامية هي التي تحدّد الموقف العملي من تغيير المنكر ، فقد يؤدي استخدام القوة احيانا إلى إلحاق الضرر بالإسلام والمسلمين فلا يجب بل لا يجوز استخدامها ، ويجب أن تؤجل إلى الظرف المناسب ، وقد يؤدي التخلي عن استخدامها إلى الحاق الضرر بالاسلام والمسلمين ، فيجب النهوض بها ، كما هو الحال في تنوع مواقف أئمة أهل البيتعليهمالسلام من رؤوس المنكر واجهزتهم الممتدة في المجتمع الاسلامي ، بين هدنة وحركة ملحة ، واعداد العدة للظرف المناسب.
2 ـ المراحل العلاجية اللاحقة لوقوع المنكر :
إنّ اتخاذ الموقف من المرتكبين للمنكر ، وتصنيفه أو توزيعه على مراحل ، يعتمد على إكتشاف الواقع وإدراكه ، وليس على وضع مراحل نظرية متدرجة ، فالظرف والواقع الذي يعيشه المكلف ويعيشه المرتكب للمنكر ، ونوعية المنكر كمّا ونوعا ، ومن حيث التكرار وعدمه ، كل ذلك له مدخلية في تحديد المراحل والخطوات.
وللوهلة الاُولى تحدّد هذه المراحل من خلال استقراء مسيرة المصلحين والمغيّرين على طول التاريخ ، والتي تكون قريبة من الواقع :
1 ـ اظهار الكراهية والتعريف بالمنكر : اظهار الكراهية للمنكرات والموبقات المرتكبة يساهم في ردع المرتكب لها ، أو على الأقل التستر بها كخطوة اُولى ، واظهار الكراهية يبدأ بالوجه ثم باللسان الكاشف عن
__________________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 3 : 305.
الكراهية القلبية.
والتعريف بالمنكر غالبا ما يكون مقارنا في مقطعه الزمني لاظهار الكراهية ، فهو تذكير لمن يعرفه ، وتعليم لمن لا يعرفه ويرتكبه جهلاً منه بحرمته.
قال تعالى : «وإلى مَدينَ أخاهُم شُعَيبا قالَ يَا قَومِ اعبُدُوا اللّه مَا لَكُم مِّن إلهٍ غَيرُهُ * ويَا قَومِ أوفُوا المِكيَالَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ وَلا تَبخَسُوا النَّاسَ أشياءَهُم وَلا تَعثَوا في الأرضِ مُفسِدِينَ * بَقِيّتُ اللّه خيرٌ لَّكُم إن كُنتُم مُّؤمِنِينَ ... »(1) .
ومن سيرة رسول اللّهصلىاللهعليهوآله انّه كان يظهر كراهيته لبعض الممارسات الخاطئة ، ويرتقي المنبر من أجل ذلك ، فحينما بعثصلىاللهعليهوآله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيا لا مقاتلاً ، فلمّا وضعوا السلاح أمر بقتلهم ، فلمّا انتهى الخبر إلى رسول اللّهصلىاللهعليهوآله رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : «اللهمّ إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » (2) .
وحينما سمع بريدة يقع في عليّعليهالسلام قال لهصلىاللهعليهوآله : «لا تقع في عليّ فانه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي » (3) .
فقد أظهرصلىاللهعليهوآله كراهيته لهذا العمل ، ثم عرف بريدة بكون ما ارتكبه منكرا.
فالبعض قد يرتكب ما ينافي الأوامر الالهية ولا يعلم بحرمة ذلك ،
__________________
1) سورة هود : 11 / 84 ـ 86.
2) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 72.
3) كنز العمال 11 : 608.
فلا بدّ من توضيح ذلك إليه.
2 ـ الوعظ والنصح : بعد التعريف بالمنكر أو التذكير به يأتي دور الوعظ والنصح ، فإنّ الموعظة والنصيحة لها تأثير ملموس على الإنسان ، لذا فإنّ الأنبياء والأئمةعليهمالسلام لم يتوقفوا عن ابداء المواعظ والنصائح لأتباعهم وللمخالفين لهم.
ويتم ذلك عن طريق التنبيه لمضار الانحراف الفكري والسلوكي وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع. والتنبيه إلى الرقابة الالهية المحيطة بالإنسان والعالمة بسكناته وحركاته ، وما يسرّ وما يُعلن. وتذكيره بالثواب والعقاب يوم القيامة ، وتخويفه من غضب اللّه تعالى في دار الدنيا. وتذكيره بحقوق اللّه تعالى وحقوق الناس ، وتوجيهه إلى الآثار الايجابية للاستغفار والتوبة والعودة إلى الاستقامة ، وابداء المعونة له للتغلب على الأسباب التي تدفعه للانحراف ، والمساهمة في معالجة المشاكل التي تواجهه.
وقد حفل القرآن الكريم وكتب السيرة بالمواعظ والنصائح للمنحرفين. وأفضل أُسلوب في هذا المجال هو الترغيب والترهيب.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليهالسلام : «من اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات.
من أشفق من النار اجتنب المحرّمات.
من خاف العقاب انصرف عن السيئات.
ذكر الآخرة دواء وشفاء » (1) .
وقال الإمام موسى الكاظمعليهالسلام : «يا هشام ثم وعّظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة ثم خوِّف الذين لا يعقلون عذابه » (2) .
3 ـ الزجر والتغليظ بالكلام : حينما يصرُّ مرتكب المنكر على انحرافه ، ولم تنفع معه المواعظ والنصائح المتكررة من قبل الفرد أو الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، فلا بدّ من استخدام الاساليب الرادعة له ، والانتقال مع الاساليب من الأسهل إلى الاشد.
وكثيرا ما يكون الكلام اللاذع مؤثرا في ردع الانحراف ؛ لأنّه سيكون بمثابة المطرقة الموقِظة التي تنبه العقل والضمير والارادة ، وتدفع المنحرف إلى التخلي عن انحرافه تجنبا للزواجر الموجهة إليه.
ومن ذلك قول إبراهيمعليهالسلام ـ كما ورد في القرآن الكريم ـ : «قَالَ أفتَعبُدُونَ مِن دُونِ اللّه مَالا يَنفَعُكُم شَيئا ولا يَضُرُّكُم * أُفٍّ لَّكُم وَلِما تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللّه أفلا تَعقِلُونَ »(3) .
وقد سمّى القرآن الكريم اصنافا من المسلمين بالفاسقين والمنافقين لكي يرتدعوا.
وفي السيرة النبوية بعض الشواهد على ذلك ، فحينما عصى بعض الصحابة أوامرهصلىاللهعليهوآله بالتوجه إلى جيش اُسامة ، غضبصلىاللهعليهوآله وقال :
__________________
1) تصنيف غرر الحكم : 146.
2) تحف العقول : 287.
3) سورة الأنبياء : 21 / 66 ـ 67.
«جهزوا جيش اُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (1) .
وقد يرتدع البعض خوفا من الصاق الالقاب المذمومة بهم.
4 ـ المقاطعة والهجران : حينما يتمادى المنحرف في انحرافه تاركا للمعروف عاملاً بالمنكر ، عنادا منه واصرارا ، ولم يستجب لكلِّ موحيات الهداية والاستقامة ، ولم تنفعه الزواجر والتهديدات ، واغلق منافذ الهداية في قلبه وارادته ، تأتي مرحلة المقاطعة والهجران لاشعاره بانه عنصر غير مرغوب فيه من قبل الصالحين ، والاستفادة من الوقت للتفرّغ إلى هداية الآخرين وتغييرهم.
قال الإمام جعفر الصادقعليهالسلام : «لو انكم إذا بلغكم عن الرجل شيء تمشيتم إليه ، فقلتم : يا هذا إمّا أن تعتز لنا وتجتنبنا ، وإمّا أن تكفّ عن هذا ، فإن فعل وإلاّ فاجتنبوه » (2) .
وقالعليهالسلام لقوم من أصحابه : «إنّه قد حقّ لي أن آخذ البريء منكم بالسقيم ، وكيف لا يحقّ لي ذلك ، وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه ، ولا تهجرونه ، ولا تؤذونه حتى يتركه » (3) .
وقالعليهالسلام : «من مشى إلى صاحب بدعة فوقّره فقد مشى إلى هدم الإسلام » (4) .
والمقاطعة كان معمولاً بها من قبل رسول اللّهصلىاللهعليهوآله وأهل بيتهعليهمالسلام .
__________________
1) الملل والنحل / الشهرستاني 1 : 29. وشرح نهج البلاغة 6 : 52.
2) وسائل الشيعة 16 : 146.
3) المقنعة : 809.
4) بحار الانوار 2 : 304.
فقد أمر رسول اللّهصلىاللهعليهوآله بمقاطعة ثلاثة من الصحابة تخلفوا عن غزوة تبوك وقال لبقية أصحابه : «لا تكلمنَّ أحدا من هؤلاء الثلاثة » فاعتزلوهم خمسين يوما ، ثم أبلغهمصلىاللهعليهوآله بتوبة اللّه عليهم(1) .
وقاطع أهل البيتعليهمالسلام الغلاة والواقفة وبعض التيارات الهدّامة بعد ان يئسوا من اصلاحهم.
5 ـ اظهار التكفهر والعبوس : بعد مرحلة الهجران والمقاطعة تأتي مرحلة التكفهر والعبوس في وجوههم أثناء اللقاء في الطرقات والاماكن العامّة ، لكي يرتدعوا ويعودوا إلى الاستقامة.
قال الإمام أمير المؤمنينعليهالسلام : «أمرنا رسول اللّه صلىاللهعليهوآله أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة » (2) .
وقالعليهالسلام : «أدنى الانكار أن يُلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة (3) ».
وهذه المراحل أو الخطوات يتوقف اُسلوب العمل بها على طبيعة المجتمع من حيث درجة قربه وبعده عن الإسلام ، وعلى عدد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وطبيعة أصحاب المنكرات وعددهم ، فإذا كان الإسلام هو القاعدة الفكرية للنظام القائم وللمجتمع فإنّ هذه المراحل ستكون أقرب إلى تحقيق الهدف ، أمّا إذا كان الإسلام مقصيّا عن الحياة ، وكان المجتمع بعيدا عنه في فكره وعاطفته وسلوكه ، فلا تحقق هذه المراحل أهدافها في الآن وفي المستقبل القريب إلاّ بمضاعفة
__________________
1) السيرة النبوية / ابن هشام 4 : 175 ، 179 ، 180.
2) الكافي 5 : 58.
3) تهذيب الاحكام 6 : 176.
الجهود ، والاقدام الدائم على اداء المسؤولية دون تردد أو تراجع أمام المعوقات والمصائب ، والصبر على الأذى والبلاء ، فكل ذلك يؤدي إلى الاصلاح والتغيير ولو بعد حين.
6 ـ التهديد والتخويف : حينما يزداد الانحراف ، ولا يرتدع مرتكبه بشتى الأساليب المعمول بها معه ، فقد يكون التهديد والتخويف نافعا بحقّه ، والتهديد والتخويف لا ينحصر باُسلوب معيّن ، بل يتناسب مع شخصية المنحرف ومدى انعكاسه عليها ، كالتهديد بالمحاصرة الاقتصادية أو الاجتماعية أو كليهما ، أو التهديد بالحاق الأذى البدني به ، أو التهديد بكشف انحرافاته، أو التهديد بالسجن واحيانا بالقتل تبعا لدرجات انحرافه.
فحينما اشتد اذى المنافقين والمنحرفين لرسول اللّهصلىاللهعليهوآله وللمسلمين، هددهم القرآن الكريم بالقول : «لَّئِن لَّم يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبِهِم مَّرضٌ وَالمرجِفُونَ في المدِينَةِ لَنُغرِينَّكَ بِهِم ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلاّ قَلِيلاً »(1) .
__________________
1) سورة الأحزاب : 33 / 60.
الفصل الثالث
خصائص وصفات
الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية كبيرة وتكليف شاق ؛ لأنّه ليس مجرد ألفاظ تردّد أو كلام يقال ، وليس مجرد أمر ونهي ، وإنّما هو اصلاح وتغيير للمحتوى الداخلي للإنسان ، وصياغة جديدة للأفكار والعواطف والسلوك.
ولهذا فلابدّ ان يتّصف الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بخصائص وصفات متميزة ، تؤهلهم لخوض غمار المسؤولية إلى نهاية الشوط في تغيير ذهنية المجتمع إلى ذهنية اسلامية ، وتغيير سلوكه إلى سلوك اسلامي.
وبما إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تكليف شرعي فيجب أن يكون المكلّف ـ في جميع أحواله وفي جميع مراحل المسؤولية ـ مخلصا للّه تعالى ، وان يتوكل عليه ، ويستمد العون والنصرة منه وحده ، وان يستخدم الاساليب المشروعة في ادائه للتكليف والمسؤولية ، وان
يكون متفائلاً بالنجاح ، وان يندفع ذاتيا للعمل لا ينتظر أجرا ولا جزاءً بشريا من أحدٍ ، وإنّما أجره على اللّه تعالى.
ويمكن تصنيف الخصائص والصفات إلى :
أولاً : خصائص وصفات ذاتية.
ثانيا : خصائص وصفات عملية أو سلوكية.
ونبحثها تباعا في مبحثين :
المبحث الأول
الخصائص والصفات الذاتية
أولاً : العلم والمعرفة :
من أهم الخصائص والصفات أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالما بقواعد وأسس المنهج الإسلامي ؛ ليصلح ويغيّر على ضوئها ، والحد الأدنى من العلم أن يكون مطّلعا اطلاعا إجماليا على اُصول العقيدة الإسلامية ، واُصول العقائد السائدة في المجتمع ، وان يكون على علم بالاحكام الشرعية التي تصنّف إلى : معروف ومنكر ، وتصنّف أيضا إلى : واجب ومستحب ، وحرام ومكروه ، ومباح ، والحد الأدنى أن يكون على علم بمسائل يبتلي بها أفراد المجتمع.
قال رسول اللّهصلىاللهعليهوآله : «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من