كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 307
المشاهدات: 35078
تحميل: 5951


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35078 / تحميل: 5951
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

فإن الأمر بقي في أيدي بني أمية قريبا من تسعين سنة ثم عاد إلى البيت الهاشمي و انتقم الله تعالى منهم على أيدي أشد الناس عداوة لهم

هزيمة مروان بن محمد في موقعة الزاب ثم مقتله بعد ذلك

سار عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في جمع عظيم للقاء مروان بن محمد بن مروان و هو آخر خلفاء الأمويين فالتقيا بالزاب من أرض الموصل و مروان في جموع عظيمة و أعداد كثيرة فهزم مروان و استولى عبد الله بن علي على عسكره و قتل من أصحابه خلقا عظيما و فر مروان هاربا حتى أتى الشام و عبد الله يتبعه فصار إلى مصر فاتبعه عبد الله بجنوده فقتله ببوصير الأشمونين من صعيد مصر و قتل خواصه و بطانته كلها و قد كان عبد الله قتل من بني أمية على نهر أبي فطرس من بلاد فلسطين قريبا من ثمانين رجلا قتلهم مثلة و احتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله فقتل منهم قريبا من هذه العدة بأنواع المثل.و كان مع مروان حين قتل ابناه عبد الله و عبيد الله و كانا وليي عهده فهربا في خواصهما إلى أسوان من صعيد مصر ثم صارا إلى بلاد النوبة و نالهم جهد شديد و ضر عظيم فهلك عبد الله بن مروان في جماعة ممن كان معه قتلا و عطشا و ضرا و شاهد من بقي منهم أنواع الشدائد و ضروب المكاره و وقع عبيد الله في عدة ممن نجا معه في أرض البجه و قطعوا البحر إلى ساحل جدة و تنقل فيمن نجا معه من أهله و مواليه في البلاد مستترين راضين أن يعيشوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا فظفر بعبد الله أيام السفاح فحبس

١٢١

فلم يزل في السجن بقية أيام السفاح و أيام المنصور و أيام المهدي و أيام الهادي و بعض أيام الرشيد و أخرجه الرشيد و هو شيخ ضرير فسأله عن خبره فقال يا أمير المؤمنين حبست غلاما بصيرا و أخرجت شيخا ضريرا فقيل إنه هلك في أيام الرشيد و قيل عاش إلى أن أدرك خلافة الأمين.شهد يوم الزاب مع مروان في إحدى الروايتين إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع الذي خطب له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فقتل فيمن قتل و في الرواية الثانية أن إبراهيم قتله مروان الحمار قبل ذلك.لما انهزم مروان يوم الزاب مضى نحو الموصل فمنعه أهلها من الدخول فأتى حران و كانت داره و مقامه و كان أهل حران حين أزيل لعن أمير المؤمنين عن المنابر في أيام الجمع امتنعوا من إزالته و قالوا لا صلاة إلا بلعن أبي تراب فاتبعه عبد الله بن علي بجنوده فلما شارفه خرج مروان عن حران هاربا بين يديه و عبر الفرات و نزل عبد الله بن علي على حران فهدم قصر مروان بها و كان قد أنفق على بنائه عشرة آلاف ألف درهم و احتوى على خزائن مروان و أمواله فسار مروان بأهله و عترته من بني أمية و خواصه حتى نزل بنهر أبي فطرس و سار عبد الله بن علي حتى نزل دمشق فحاصرها و عليها من قبل مروان الوليد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان في خمسين ألف مقاتل فألقى الله تعالى بينهم العصبية في فضل نزار على اليمن و فضل اليمن على نزار فقتل الوليد و قيل بل قتل في حرب عبد الله بن علي و ملك عبد الله دمشق فأتى يزيد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان و عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك بن مروان فحملهما مأسورين إلى أبي العباس السفاح فقتلهما و صلبهما بالحيرة و قتل عبد الله بن علي بدمشق خلقا كثيرا من أصحاب مروان و موالي بني أمية و أتباعهم و نزل عبد الله على نهر

١٢٢

أبي فطرس فقتل من بني أمية هناك بضعا و ثمانين رجلا و ذلك في ذي القعدة من سنة ثنتين و ثلاثين و مائة

شعر عبد الله بن عمرو العبلي في رثاء قومه

و في قتلى نهر أبي فطرس و قتلى الزاب يقول أبو عدي عبد الله بن عمرو العبلي و كان أموي الرأي

تقول أمامة لما رأت

نشوزي عن المضجع الأملس

و قلة نومي على مضجعي

لدى هجعة الأعين النعس

أبي ما عراك فقلت الهموم

عرين أباك فلا تبلسي

عرين أباك فحبسنه

من الذل في شر ما محبس

لفقد الأحبة إذ نالها

سهام من الحدث المبئس

رمتها المنون بلا نكل

و لا طائشات و لا نكس

بأسهمها المتلفات النفوس

متى ما تصب مهجة تخلس

فصر عنهم بنواحي البلاد

فملقى بأرض و لم يرمس

نقى أصيب و أثوابه

من العيب و العار لم تدنس

و آخر قد رس في حفرة

و آخر طار فلم يحسس

أفاض المدامع قتلى كدى

و قتلى بكثوة لم ترمس

و قتلى بوج و باللابتين

من يثرب خير ما أنفس

١٢٣

و بالزابيين نفوس ثوت

و قتلى بنهر أبي فطرس

أولئك قومي أناخت بهم

نوائب من زمن متعس

إذا ركبوا زينوا الموكبين

و إن جلسوا زينة المجلس

و إن عن ذكرهم لم ينم

أبوك و أوحش في المأنس

فذاك الذي غالني فاعلمي

و لا تسألي بامرئ متعس

هم أضرعوني لريب الزمان

و هم ألصقوا الخد بالمعطس

أنفة بن مسلمة بن عبد الملك

و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني قال نظر عبد الله بن علي في الحرب إلى فتى عليه أبهة الشرف و هو يحارب مستقتلا فناداه يا فتى لك الأمان و لو كنت مروان بن محمد قال إلا أكنه فلست بدونه فقال و لك الأمان و لو كنت من كنت فأطرق ثم أنشد

لذل الحياة و كره الممات

و كلا أراه طعاما وبيلا

و إن لم يكن غير إحداهما

فسيرا إلى الموت سيرا جميلا

ثم قاتل حتى قتل فإذا هو ابن مسلمة بن عبد الملك

١٢٤

مما قيل من الشعر في التحريض على قتل بني أمية

و روى أبو الفرج أيضا عن محمد بن خلف وكيع قال دخل سديف مولى آل أبي لهب على أبي العباس بالحيرة و أبو العباس جالس على سريره و بنو هاشم دونه على الكراسي و بنو أمية حوله على وسائد قد ثنيت لهم و كانوا في أيام دولتهم يجلسونهم و الخليفة منهم على الأسرة و يجلس بنو هاشم على الكراسي فدخل الحاجب فقال يا أمير المؤمنين بالباب رجل حجازي أسود راكب على نجيب متلثم يستأذن و لا يخبر باسمه و يحلف لا يحسر اللثام عن وجهه حتى يرى أمير المؤمنين فقال هذا سديف مولانا أدخله فدخل فلما نظر إلى أبي العباس و بنو أمية حوله حسر اللثام عن وجهه ثم أنشد

أصبح الملك ثابت الأساس

بالبهاليل من بني العباس

بالصدور المقدمين قديما

و البحور القماقم الرؤاس

يا إمام المطهرين من الذم

و يا رأس منتهى كل رأس

أنت مهدي هاشم و فتاها

كم أناس رجوك بعد أناس

لا تقيلن عبد شمس عثارا

و اقطعن كل رقلة و غراس

١٢٥

أنزلوها بحيث أنزلها الله

بدار الهوان و الإنعاس

خوفها أظهر التودد منها

و بها منكم كحز المواسي

أقصهم أيها الخليفة و احسم

عنك بالسيف شأفة الأرجاس

و اذكرن مصرع الحسين و زيد

و قتيلا بجانب المهراس

و القتيل الذي بحران أمسى

ثاويا بين غربة و تناس

فلقد ساءني و ساء سوائي

قربهم من نمارق و كراسي

نعم كلب الهراش مولاك شبل

لو نجا من حبائل الإفلاس

قال فتغير لون أبي العباس و أخذه زمع و رعدة فالتفت بعض ولد سليمان بن عبد الملك إلى آخر فيهم كان إلى جانبه فقال قتلنا و الله العبد فأقبل أبو العباس عليهم فقال يا بني الزواني لا أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا و أنتم أحياء تتلذذون في الدنيا خذوهم فأخذتهم الخراسانية بالكافر كوبات فأهمدوا إلا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فإنه استجار بداود بن علي و قال إن أبي لم يكن كآبائهم

١٢٦

و قد علمت صنيعته إليكم فأجاره و استوهبه من السفاح و قال له قد علمت صنيع أبيه إلينا فوهبه له و قال لا يريني وجهه و ليكن بحيث نأمنه و كتب إلى عماله في الآفاق بقتل بني أمية.فأما أبو العباس المبرد فإنه روى في الكامل هذا الشعر على غير هذا الوجه و لم ينسبه إلى سديف بل إلى شبل مولى بني هاشم.قال أبو العباس دخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي و قد أجلس ثمانين من بني أمية على سمط الطعام فأنشده

أصبح الملك ثابت الأساس

بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم و شفوها

بعد ميل من الزمان و يأس

لا تقيلن عبد شمس عثارا

و اقطعن كل رقلة و أواسي

ذلها أظهر التودد منها

و بها منكم كحز المواسي

و لقد غاظني و غاظ سوائي

قربها من نمارق و كراسي

أنزلوها بحيث أنزلها الله

بدار الهوان و الإنعاس

و اذكرا مصرع الحسين و زيد

و قتلا بجانب المهراس

و القتيل الذي بحران أضحى

ثاويا بين غربة و تناس

نعم شبل الهراش مولاك شبل

لو نجا من حبائل الإفلاس

فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد و بسطت البسط عليهم و جلس عليها و دعا

١٢٧

بالطعام و إنه ليسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا و قال لشبل لو لا أنك خلطت شعرك بالمسألة لأغنمتك أموالهم و لعقدت لك على جميع موالي بني هاشم.قال أبو العباس الرقلة النخلة الطويلة و الأواسي جمع آسية و هي أصل البناء كالأساس و قتيل المهراس حمزة ع و المهراس ماء بأحد و قتيل حران إبراهيم الإمام.قال أبو العباس فأما سديف فإنه لم يقم هذا المقام و إنما قام مقاما آخر دخل على أبي العباس السفاح و عنده سليمان بن هشام بن عبد الملك و قد أعطاه يده فقبلها و أدناه فأقبل على السفاح و قال له

لا يغرنك ما ترى من رجال

إن تحت الضلوع داء دويا

فضع السيف و ارفع السوط حتى

لا ترى فوق ظهرها أمويا

فقال سليمان ما لي و لك أيها الشيخ قتلتني قتلك الله فقام أبو العباس فدخل و إذا المنديل قد ألقي في عنق سليمان ثم جر فقتل.فأما سليمان بن يزيد بن عبد الملك بن مروان فقتل بالبلقاء و حمل رأسه إلى عبد الله بن علي

أخبار متفرقة في انتقال الملك من بني أمية إلى بني العباس

و ذكر صاحب مروج الذهب أنه أرسل عبد الله أخاه صالح بن علي و معه عامر بن إسماعيل أحد الشيعة الخراسانية إلى مصر فلحقوا مروان ببوصير فقتلوه و قتلوا كل من كان معه من أهله و بطانته و هجموا على الكنيسة التي فيها بناته و نساؤه فوجدوا خادما بيده سيف مشهور يسابقهم على الدخول فأخذوه و سألوه عن أمره فقال إن

١٢٨

أمير المؤمنين أمرني إن هو قتل أن أقتل بناته و نساءه كلهن قبل أن تصلوا إليهن فأرادوا قتله فقال لا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني فقدتم ميراث رسول الله ص فقالوا و ما هو فأخرجهم من القرية إلى كثبان من الرمل فقال اكشفوا هاهنا فإذا البردة و القضيب و قعب مخضب قد دفنها مروان ضنا بها أن تصير إلى بني هاشم فوجه به عامر بن إسماعيل إلى صالح بن علي فوجه به صالح إلى أخيه عبد الله فوجه به عبد الله إلى أبي العباس و تداوله خلفاء بني العباس من بعد.و أدخل بنات مروان و حرمه و نساؤه على صالح بن علي فتكلمت ابنة مروان الكبرى فقالت يا عم أمير المؤمنين حفظ الله لك من أمرك ما تحب حفظه و أسعدك في أحوالك كلها و عمك بخواص نعمه و شملك بالعافية في الدنيا و الآخرة نحن بناتك و بنات أخيك و ابن عمك فليسعنا من عدلكم ما وسعنا من جوركم قال إذا لا نستبقي منكم أحدا لأنكم قد قتلتم إبراهيم الإمام و زيد بن علي و يحيى بن زيد و مسلم بن عقيل و قتلتم خير أهل الأرض حسينا و إخوته و بنيه و أهل بيته و سقتم نساءه سبايا كما يساق ذراري الروم على الأقتاب إلى الشام فقال يا عم أمير المؤمنين فليسعنا عفوكم إذا قال أما هذا فنعم و إن أحببت زوجتك من ابني الفضل بن صالح قالت يا عم أمير المؤمنين و أي ساعة عرس ترى بل تلحقنا بحران فحملهن إلى حران.كان عبد الرحمن بن حبيب بن مسلمة الفهري عامل إفريقية لمروان فلما حدثت الحادثة هرب عبد الله و العاص ابنا الوليد بن يزيد بن عبد الملك إليه فاعتصما به فخاف

١٢٩

على نفسه منهما و رأى ميل الناس إليهما فقتلهما و كان عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك يريد أن يقصده و يلتجئ إليه فلما علم ما جرى لابني الوليد بن يزيد خاف منه فقطع المجاز بين إفريقية و الأندلس و ركب البحر حتى حصل بالأندلس فالأمراء الذين ولوها كانوا من ولده.ثم زال أمرهم و دولتهم على أيدي بني هاشم أيضا و هم بنو حمود الحسنيون من ولد إدريس بن الحسن ع.لما قتل عامر بن إسماعيل مروان ببوصير و احتوى على عسكره دخل إلى الكنيسة التي كان فيها فقعد على فراشه و أكل من طعامه فقالت له ابنة مروان الكبرى و تعرف بأم مروان يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فرشه حتى أقعدك عليها تأكل من طعامه ليلة قتله محتويا على أمره حاكما في ملكه و حرمه و أهله لقادر أن يغير ذلك فأنهي هذا الكلام إلى أبي العباس السفاح فاستهجن ما فعله عامر بن إسماعيل و كتب إليه أ ما كان لك في أدب الله ما يزجرك أن تقعد في مثل تلك الساعة على مهاد مروان و تأكل من طعامه أما و الله لو لا أن أمير المؤمنين أنزل ما فعلته على غير اعتقاد منك لذلك و لا نهم على طعام لمسك من غضبه و أليم أدبه ما يكون لك زاجرا و لغيرك واعظا فإذا أتاك كتاب أمير المؤمنين فتقرب إلى الله بصدقة تطفئ بها غضبه و صلاة تظهر فيها الخشوع و الاستكانة له و صم ثلاثة أيام و تب إلى الله من جميع ما يسخطه و يغضبه و مر جميع أصحابك أن يصوموا مثل صيامك.و لما أتي أبو العباس برأس مروان سجد فأطال ثم رفع رأسه و قال الحمد لله الذي

١٣٠

لم يبق ثأرنا قبلك و قبل رهطك الحمد لله الذي أظفرنا بك و أظهرنا عليك ما أبالي متى طرقني الموت و قد قتلت بالحسين ع ألفا من بني أمية و أحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي كما أحرقوا شلوه و تمثل

لو يشربون دمي لم يرو شاربهم

و لا دماؤهم جمعا ترويني

ثم حول وجهه إلى القبلة فسجد ثانية ثم جلس فتمثل

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواطع في أيماننا تقطر الدما

إذا خالطت هام الرجال تركتها

كبيض نعام في الثرى قد تحطما

ثم قال أما مروان فقتلناه بأخي إبراهيم و قتلنا سائر بني أمية بحسين و من قتل معه و بعده من بني عمنا أبي طالب.و روى المسعودي في كتاب مروج الذهب عن الهيثم بن عدي قال حدثني عمرو بن هانئ الطائي قال خرجت مع عبد الله بن علي لنبش قبور بني أمية في أيام أبي العباس السفاح فانتهينا إلى قبر هشام بن عبد الملك فاستخرجناه صحيحا ما فقدنا منه إلا عرنين أنفه فضربه عبد الله بن علي ثمانين سوطا ثم أحرقه و استخرجنا سليمان بن عبد الملك من أرض دابق فلم نجد منه شيئا إلا صلبه و رأسه و أضلاعه فأحرقناه و فعلنا مثل ذلك بغيرهما من بني أمية و كانت قبورهم بقنسرين ثم انتهينا إلى دمشق فاستخرجنا الوليد بن عبد الملك فما وجدنا في قبره قليلا و لا كثيرا و احتفرنا عن عبد الملك فما وجدنا إلا شئون رأسه ثم احتفرنا عن يزيد بن معاوية فلم نجد منه إلا عظما واحدا و وجدنا

١٣١

من موضع نحره إلى قدمه خطا واحدا أسود كأنما خط بالرماد في طول لحده و تتبعنا قبورهم في جميع البلدان فأحرقنا ما وجدنا فيها منهم.قلت قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي بن عبد الله في سنة خمس و ستمائة و قلت له أما إحراق هشام بإحراق زيد فمفهوم فما معنى جلده ثمانين سوطا فقالرحمه‌الله تعالى أظن عبد الله بن علي ذهب في ذلك إلى حد القذف لأنه يقال إنه قال لزيد يا ابن الزانية لما سب أخاه محمدا الباقر ع فسبه زيد و قال له سماه رسول الله ص الباقر و تسميه أنت البقرة لشد ما اختلفتما و لتخالفنه في الآخرة كما خالفته في الدنيا فيرد الجنة و ترد النار.و هذا استنباط لطيف.قال مروان لكاتبه عبد الحميد بن يحيى حين أيقن بزوال ملكه قد احتجت إلى أن تصير مع عدوي و تظهر الغدر بي فإن إعجابهم ببلاغتك و حاجتهم إلى كتابتك تدعوهم إلى اصطناعك و تقريبك فإن استطعت أن تسعى لتنفعني في حياتي و إلا فلن تعجز عن حفظ حرمي بعد وفاتي فقال عبد الحميد إن الذي أشرت به هو أنفع الأمرين لي و أقبحهما بي و ما عندي إلا الصبر معك حتى يفتح الله لك أو أقتل بين يديك ثم أنشد

أسر وفاء ثم أظهر غدرة

فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره

فثبت على حاله و لم يصر إلى بني هاشم حتى قتل مروان ثم قتل هو بعده صبرا.

١٣٢

و قال إسماعيل بن عبد الله القسري دعاني مروان و قد انتهت به الهزيمة إلى حران فقال يا أبا هاشم و ما كان يكنيني قبلها قد ترى ما جاء من الأمر و أنت الموثوق به و لا عطر بعد عروس ما الرأي عندك فقلت يا أمير المؤمنين علام أجمعت قال ارتحل بموالي و من تبعني حتى آتي الدرب و أميل إلى بعض مدن الروم فأنزلها و أكاتب ملك الروم و أستوثق منه فقد فعل ذلك جماعة من ملوك الأعاجم و ليس هذا عارا على الملوك فلا يزال يأتيني من الأصحاب الخائف و الهارب و الطامع فيكثر من معي و لا أزال على ذلك حتى يكشف الله أمري و ينصرني على عدوي فلما رأيت ما أجمع عليه من ذلك و كان الرأي و رأيت آثاره في قومه من نزار و عصبيته على قومي من قحطان غششته فقلت أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الرأي أن تحكم أهل الشرك في بناتك و حرمك و هم الروم لا وفاء لهم و لا يدرى ما تأتي به الأيام و إن حدث عليك حدث من أرض النصرانية و لا يحدثن الله عليك إلا خيرا ضاع من بعدك و لكن اقطع الفرات و استنفر الشام جندا جندا فإنك في كنف و عدة و لك في كل جند صنائع و أصحاب إلى أن تأتي مصر فهي أكثر أرض الله مالا و خيلا و رجالا و الشام أمامك و إفريقية خلفك فإن رأيت ما تحب انصرفت إلى الشام و إن كانت الأخرى مضيت إلى إفريقية فقال صدقت و أستخير الله فقطع الفرات و الله ما قطعه معه من قيس إلا رجلان ابن حديد السلمي و كان أخاه من الرضاعة و الكوثر بن الأسود الغنوي و غدر به سائر النزارية مع تعصبه لهم فلما اجتاز ببلاد قنسرين و خناصرة أوقعوا بساقته و وثب به أهل حمص و صار إلى دمشق فوثب به الحارث بن عبد الرحمن الحرشي ثم العقيلي ثم أتى الأردن فوثب به هاشم بن عمرو التميمي ثم مر بفلسطين فوثب به أهلها و علم مروان أن إسماعيل بن عبد الله قد غشه في الرأي و لم يمحضه النصيحة و أنه فرط في مشورته إياه

١٣٣

إذ شاور رجلا من قحطان موتورا شانئا له و إن الرأي كان أول الذي هم به من قطع الدرب و النزول ببعض مدن الروم و مكاتبته ملكها و لله أمر هو بالغه.لما نزل مروان بالزاب جرد من رجاله ممن اختاره من أهل الشام و الجزيرة و غيرها مائة ألف فارس على مائة ألف قارح ثم نظر إليهم و قال إنها لعدة و لا تنفع العدة إذا انقضت المدة.لما أشرف عبد الله بن علي يوم الزاب في المسودة و في أوائلهم البنود السود تحملها الرجال على الجمال البخت و قد جعل لها بدلا من القنا خشب الصفصاف و الغرب قال مروان لمن قرب منه أ ما ترون رماحهم كأنها النخل غلظا أ ما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود فبينما هو ينظرها و يعجب إذ طارت قطعة عظيمة من الغربان السود فنزلت على أول عسكر عبد الله بن علي و اتصل سوادها بسواد تلك الرايات و البنود و مروان ينظر فازداد تعجبه و قال أ ما ترون إلى السواد قد اتصل بالسواد حتى صار الكل كالسحب السود المتكاثفة ثم أقبل على رجل إلى جنبه فقال أ لا تعرفني من صاحب جيشهم فقال عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب قال ويحك أ من ولد العباس هو قال نعم قال و الله لوددت أن علي بن أبي طالب ع مكانه في هذا الصف قال يا أمير المؤمنين أ تقول هذا لعلي مع شجاعته التي ملأ الدنيا ذكرها قال ويحك إن عليا مع شجاعته صاحب دين و إن الدين غير الملك و إنا نروي عن قديمنا أنه لا شي‏ء لعلي و لا لولده في هذا ثم قال من هو من ولد العباس

١٣٤

فإني لا أثبت شخصه قال هو الرجل الذي كان يخاصم بين يديك عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فقال أذكرني صورته و حليته قال هو الرجل الأقنى الحديد العضل المعروق الوجه الخفيف اللحية الفصيح اللسان الذي قلت لما سمعت كلامه يومئذ يرزق الله البيان من يشاء فقال و إنه لهو قال نعم فقال إنا لله و إنا إليه راجعون أ تعلم لم صيرت الأمر بعدي لولدي عبد الله و ابني محمد أكبر سنا منه قال لا قال إن آباءنا أخبرونا أن الأمر صائر بعدي إلى رجل اسمه عبد الله فوليته دونه.ثم بعث مروان بعد أن حدث صاحبه بهذا الحديث إلى عبد الله بن علي سرا فقال يا ابن عم إن هذا الأمر صائر إليك فاتق الله و احفظني في حرمي فبعث إليه عبد الله أن الحق لنا في دمك و أن الحق علينا في حرمك.قلت إن مروان ظن أن الخلافة تكون لعبد الله بن علي لأن اسمه عبد الله و لم يعلم أنها تكون لآخر اسمه عبد الله و هو أبو العباس السفاح.كان العلاء بن رافع سبط ذي الكلاع الحميري مؤنسا لسليمان بن هشام بن عبد الملك لا يكاد يفارقه و كان أمر المسودة بخراسان قد ظهر و دنوا من العراق و اشتد إرجاف الناس و نطق العدو بما أحب في بني أمية و أوليائهم.قال العلاء فإني لمع سليمان و هو يشرب تجاه رصافة أبيه و ذلك في آخر أيام يزيد الناقص و عنده الحكم الوادي و هو يغنيه بشعر العرجي

إن الحبيب تروحت أجماله

أصلا فدمعك دائم إسباله

فاقن الحياء فقد بكيت بعولة

لو كان ينفع باكيا إعواله

١٣٥

يا حبذا تلك الحمول و حبذا

شخص هناك و حبذا أمثاله

فأجاد ما شاء و شرب سليمان بن هشام بالرطل و شربنا معه حتى توسدنا أيدينا فلم أنتبه إلا بتحريك سليمان إياي فقمت مسرعا و قلت ما شأن الأمير فقال على رسلك رأيت كأني في مسجد دمشق و كأن رجلا على يده حجر و على رأسه تاج أرى بصيص ما فيه من الجوهر و هو رافع صوته بهذا الشعر

أ بني أمية قد دنا تشتيتكم

و ذهاب ملككم و ليس براجع

و ينال صفوته عدو ظالم

كأسا لكم بسمام موت ناقع

s فقلت أعيذ الأمير بالله وساوس الشيطان الرجيم هذا من أضغاث الأحلام و مما يقتضيه و يجلبه الفكر و سماع الأراجيف فقال الأمر كما قلت لك ثم وجم ساعة و قال يا حميري بعيد ما يأتي به الزمان قريب قال العلاء فو الله ما اجتمعنا على شراب بعد ذلك اليوم.سئل بعض شيوخ بني أمية عقيب زوال الملك عنهم ما كان سبب زوال ملككم فقال جار عمالنا على رعيتنا فتمنوا الراحة منا و تحومل على أهل خراجنا فجلوا عنا و خربت ضياعنا فخلت بيوت أموالنا و وثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا و أمضوا أمورا دوننا أخفوا علمها عنا و تأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا و استدعاهم عدونا فظافروه على حربنا و طلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا و كان استتار الأخبار عنا من أوكد أسباب زوال ملكنا.كان سعيد بن عمر بن جعدة بن هبيرة المخزومي أحد وزراء مروان و سماره فلما ظهر

١٣٦

أمر أبي العباس السفاح انحاز إلى بني هاشم و مت إليهم بأم هانئ بنت أبي طالب و كانت تحت هبيرة بن أبي وهب فأتت منه بجعدة فصار من خواص السفاح و بطانته فجلس السفاح يوما و أمر بإحضار رأس مروان و هو بالحيرة يومئذ ثم قال للحاضرين أيكم يعرف هذا فقال سعيد أنا أعرفه هذا رأس أبي عبد الملك مروان بن محمد بن مروان خليفتنا بالأمسرحمه‌الله تعالى قال سعيد فحدقت إلي الشيعة و رمتني بأبصارها فقال لي أبو العباس في أي سنة كان مولده قلت سنة ست و سبعين فقام و قد تغير لونه غضبا علي و تفرق الناس من المجلس و تحدثوا به فقلت زلة و الله لا تستقال و لا ينساها القوم أبدا فأتيت منزلي فلم أزل باقي يومي أعهد و أوصي فلما كان الليل اغتسلت و تهيأت للصلاة و كان أبو العباس إذا هم بأمر بعث فيه ليلا فلم أزل ساهرا حتى أصبحت و ركبت بغلتي و أفكرت فيمن أقصد في أمري فلم أجد أحدا أولى من سليمان بن مجالد مولى بني زهرة و كانت له من أبي العباس منزلة عظيمة و كان من شيعة القوم فأتيته فقلت له أ ذكرني أمير المؤمنين البارحة قال نعم جرى ذكرك فقال هو ابن أختنا وفي لصاحبه و نحن لو أوليناه خيرا لكان لنا أشكر فشكرت لسليمان بن مجالد ما أخبرني به و جزيته خيرا و انصرفت فلم أزل من أبي العباس على ما كنت عليه لا أرى منه إلا خيرا.و إنما ذلك المجلس إلى عبد الله بن علي و إلى أبي جعفر المنصور فأما عبد الله بن علي فكتب إلى أبي العباس يغريه بي و يعاتبه على الإمساك عني و يقول له إنه ليس مثل هذا مما يحتمل و كتب إليه أبو جعفر يعذر لي و ضرب الدهر ضربه فأتى ذات يوم عند أبي العباس فنهض و نهضت فقال لي على رسلك يا ابن هبيرة فجلست فرفع الستر و دخل و ثبت في مجلسه قليلا ثم خرج في ثوبي وشي و رداء و جبة فما رأيت و الله أحسن منه و لا مما عليه قط فقال لي يا ابن هبيرة إني ذاكر لك أمرا فلا

١٣٧

يخرجن من رأسك إلى أحد من الناس قلت نعم قال قد علمت ما جعلنا من هذا الأمر و ولاية العهد لمن قتل مروان و إنما قتله عمي عبد الله بجيشه و أصحابه و نفسه و تدبيره و أنا شديد الفكر في أمر أخي أبي جعفر في فضله و علمه و سنه و إيثاره لهذا الأمر كيف أخرجه عنه فقلت أصلح الله أمير المؤمنين إني أحدثك حديثا تعتبر به و تستغني بسماعه عن مشاورتي قال هاته فقلت كنا مع مسلمة بن عبد الملك عام الخليج بالقسطنطينية إذ ورد علينا كتاب عمر بن عبد العزيز ينعى سليمان و مصير الأمر إليه فدخلت إليه فرمى الكتاب إلي فقرأته و استرجعت و اندفع يبكي و أطال فقلت أصلح الله الأمير و أطال بقاءه إن البكاء على الأمر الفائت عجز و الموت منهل لا بد من ورده فقال ويحك إني لست أبكي على أخي لكني أبكي لخروج الأمر عن ولد أبي إلى ولد عمي فقال أبو العباس حسبك فقد فهمت عنك ثم قال إذا شئت فانهض فلما نهضت لم أمض بعيدا حتى قال لي يا ابن هبيرة فالتفت إليه فقال أما إنك قد كافأت أحدهما و أخذت بثأرك من الآخر قال سعيد فو الله ما أدري من أي الأمرين أعجب من فطنته أم من ذكره.لما ساير عبد الله بن علي في آخر أيام بني أمية عبد الله بن حسن بن حسن و معهما داود بن علي فقال داود لعبد الله بن الحسن لم لا تأمر ابنيك بالظهور فقال عبد الله بن حسن لم يأن لهما بعد فالتفت إليه عبد الله بن علي فقال أظنك ترى أن ابنيك قاتلا مروان فقال عبد الله بن حسن إنه ذلك قال هيهات ثم تمثل

١٣٨

سيكفيك الجعالة مستميت

خفيف الحاذ من فتيان جرم

أنا و الله أقتل مروان و أسلبه ملكه لا أنت و لا ولداك.و قد روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني رواية أخرى في سبب قتل السفاح لمن كان أمنه من بني أمية قال حدث الزبير بن بكار عن عمه أن السفاح أنشد يوما قصيدة مدح بها و عنده قوم من بني أمية كان آمنهم على أنفسهم فأقبل على بعضهم فقال أين هذا مما مدحتم به فقال هيهات لا يقول و الله أحد فيكم مثل قول ابن قيس الرقيات فينا

ما نقموا من بني أمية إلا

أنهم يحلمون إن غضبوا

و أنهم معدن الملوك فما

تصلح إلا عليهم العرب

فقال له يا ماص كذا من أمه و إن الخلافة لفي نفسك بعد خذوهم فأخذوا و قتلوا.و روى أبو الفرج أيضا أن أبا العباس دعا بالغداء حين قتلوا و أمر ببساط فبسط عليهم و جلس فوقه يأكل و هم يضطربون تحته فلما فرغ قال ما أعلم أني أكلت أكلة قط كانت أطيب و لا أهنأ في نفسي من هذه فلما فرغ من الأكل قال جروهم بأرجلهم و ألقوهم في الطريق ليلعنهم الناس أمواتا كما لعنوهم أحياء.

١٣٩

قال فلقد رأينا الكلاب تجرهم بأرجلهم و عليهم سراويلات الوشي حتى أنتنوا ثم حفرت لهم بئر فألقوا فيها.قال أبو الفرج و روى عمر بن شبة قال حدثني محمد بن معن الغفاري عن معبد الأنباري عن أبيه قال لما أقبل داود بن علي من مكة أقبل معه بنو حسن جميعا و فيهم عبد الله بن حسن بن حسن و أخوه حسن بن الحسن و معهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان و هو أخو عبد الله بن الحسن لأمه فعمل داود مجلسا ببعض الطريق جلس فيه هو و الهاشميون كلهم و جلس الأمويون تحتهم فجاء ابن هرمة فأنشده قصيدة يقول فيها

فلا عفا الله عن مروان مظلمة

و لا أمية بئس المجلس النادي

كانوا كعاد فأمسى الله أهلكهم

بمثل ما أهلك الغاوين من عاد

فلن يكذبني من هاشم أحد

فيما أقول و لو أكثرت تعدادي

قال فنبذ داود نحو عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص ضحكة كالكشرة فلما قاموا قال عبد الله بن الحسن لأخيه الحسن بن الحسن أ ما رأيت ضحك داود إلى ابن عنبسة الحمد لله الذي صرفها عن أخي يعني العثماني قال فما هو إلا أن قدم المدينة حتى قتل ابن عنبسة.قال أبو الفرج و حدثني محمد بن معن قال حدثني محمد بن عبد الله بن عمرو

١٤٠