كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٧

كتاب شرح نهج البلاغة18%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 36504 / تحميل: 6889
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض و علمت أن رسول الله ص قد مات و قد تكلمت الشيعة في هذا الموضع و قالوا إنه بلغ من قلة علمه أنه لم يعلم أن الموت يجوز على رسول الله ص و أنه أسوة الأنبياء في ذلك و قال لما تلا أبو بكر الآيات أيقنت الآن بوفاته كأني لم أسمع هذه الآية فلو كان يحفظ القرآن أو يتفكر فيه ما قال ذلك و من هذه حاله لا يجوز أن يكون إماما و أجاب قاضي القضاةرحمه‌الله تعالى في المغني عن هذا فقال إن عمر لم يمنع من جواز موته ع و لا نفى كونه ممكنا و لكنه تأول في ذلك قوله تعالى( هُوَ اَلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ اَلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ) و قال كيف يموت و لم يظهر ص على الدين كله فقال أبو بكر إذا ظهر دينه فقد ظهر هو و سيظهر دينه بعد وفاته فحمل عمر قوله تعالى( أَ فَإِنْ ماتَ ) على تأخر الموت لا على نفيه بالكلية قال و لا يجب فيمن ذهل عن بعض أحكام القرآن ألا يحفظ القرآن لأن الأمر لو كان كذلك لوجب ألا يحفظ القرآن إلا من عرف جميع أحكامه على أن حفظ جميع القرآن غير واجب و لا يقدح الإخلال به في الفضل و اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى في كتاب الشافي هذا الكلام فقال لا يخلو خلاف عمر في وفاة رسول الله ص من أن يكون على سبيل الإنكار لموته على كل حال و الاعتقاد أن الموت لا يجوز عليه على كل وجه أو يكون منكرا لموته في

٤١

تلك الحال من حيث لم يظهر على الدين كله فإن كان الأول فهو مما لا يجوز خلاف عاقل فيه و العلم بجواز الموت على جميع البشر ضروري و ليس يحتاج في حصول هذا العلم إلى تلاوة الآيات التي تلاها أبو بكر و إن كان الثاني فأول ما فيه أن هذا الاختلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر عليه من قوله( إِنَّكَ مَيِّتٌ ) لأن عمر لم ينكر على هذا الوجه جواز الموت عليه و صحته و إنما خالف في وقته فكان يجب أن يقول لأبي بكر و أي حجة في هذه الآيات علي فإني لم أمنع جواز موته و إنما منعت وقوع موته الآن و جوزته في المستقبل و الآيات إنما تدل على جواز الموت فقط لا على تخصيصه بحال معينة و بعد فكيف دخلت هذه الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق و من أين زعم أنه سيعود فيقطع أيدي رجال و أرجلهم و كيف لم يحصل له من اليقين لما رأى من الواعية و كآبة الخلق و إغلاق الباب و صراخ النساء ما يدفع به ذلك الوهم و الشبهة البعيدة فلم يحتج إلى موقف و بعد فيجب إن كانت هذه شبهته أن يقول في مرض النبي ص و قد رأى جزع أهله و خوفهم عليه الموت و قول أسامة صاحب الجيش لم أكن لأرحل و أنت هكذا و أسأل عنك الركب يا هؤلاء لا تخافوا و لا تجزعوا و لا تخف أنت يا أسامة فإن رسول الله ص لا يموت الآن لأنه لم يظهر على الدين كله و بعد فليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظن المعتذر له و نحن نقول إن عمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة

٤٢

و لكنه لما علم أن رسول الله ص قد مات خاف من وقوع فتنة في الإمامة و تقلب أقوام عليها إما من الأنصار أو غيرهم و خاف أيضا من حدوث ردة و رجوع عن الإسلام فإنه كان ضعيفا بعد لم يتمكن و خاف من ترات تشن و دماء تراق فإن أكثر العرب كان موتورا في حياة رسول الله ص لقتل من قتل أصحابه منهم و في مثل ذلك الحال تنتهز الفرصة و تهتبل الغرة فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله ص لم يمت و أوقع تلك الشبهة في قلوبهم فكسر بها شرة كثير منهم و ظنوها حقا فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه تخيلا منهم أن رسول الله ص ما مات و إنما غاب كما غاب موسى عن قومه و هكذا كان عمر يقول لهم إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه و ليعودن فليقطعن أيدي قوم أرجفوا بموته و مثل هذا الكلام يقع في الوهم فيصد عن كثير من العزم أ لا ترى أن الملك إذا مات في مدينة وقع فيها في أكثر الأمر نهب و فساد و تحريق و كل من في نفسه حقد على آخر بلغ منه غرضه إما بقتل أو جرح أو نهب مال إلى أن تتمهد قاعدة الملك الذي يلي بعده فإذا كان في المدينة وزير حازم الرأي كتم موت الملك و سجن قوما ممن أرجف نداء بموته و أقام فيهم السياسة و أشاع أن الملك حي و أن أوامره و كتبه نافذة و لا يزال يلزم ذلك الناموس إلى أن يمهد قاعدة الملك للوالي بعده و كذلك عمر أظهر ما أظهر حراسة للدين و الدولة إلى أن جاء أبو بكر و كان غائبا بالسنح و هو منزل بعيد عن المدينة فلما اجتمع بأبي بكر قوي به جأشه و اشتد به أزره و عظم طاعة الناس له و ميلهم إليه فسكت حينئذ عن تلك الدعوى التي كان ادعاها لأنه قد أمن بحضور أبي بكر من خطب يحدث أو فساد يتجدد و كان أبو بكر محببا إلى الناس لا سيما المهاجرين

٤٣

و يجوز عند الشيعة و عند أصحابنا أيضا أن يقول الإنسان كلاما ظاهر الكذب على جهة المعاريض فلا وصمة على عمر إذا كان حلف أن رسول الله ص لم يمت و لا وصمة عليه في قوله بعد حضور أبي بكر و تلاوة ما تلا كأني لم أسمعها أو قد تيقنت الآن وفاته ص لأنه أراد بهذا القول الأخير تشييد القول الأول و كان هو الصواب و كان من سيئ الرأي و قبيحه أن يقول إنما قلته تسكينا لكم و لم أقله عن اعتقاد فالذي بدا به حسن و صواب و الذي ختم به أحسن و أصوب و روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عمر بن شبة عن محمد بن منصور عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال كان النبي ص قد بعث أبا سفيان ساعيا فرجع من سعايته و قد مات رسول الله ص فلقيه قوم فسألهم فقالوا مات رسول الله ص فقال من ولي بعده قيل أبو بكر قال أبو فصيل قالوا نعم قال فما فعل المستضعفان علي و العباس أما و الذي نفسي بيده لأرفعن لهما من أعضادهما قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و ذكر الراوي و هو جعفر بن سليمان أن أبا سفيان قال شيئا آخر لم تحفظه الرواة فلما قدم المدينة قال إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم قال فكلم عمر أبا بكر فقال إن أبا سفيان قد قدم و أنا لا نأمن شره فدع له ما في يده فتركه فرضي و روى أحمد بن عبد العزيز أن أبا سفيان قال لما بويع عثمان كان هذا الأمر في تيم و أنى لتيم هذا الأمر ثم صار إلى عدي فأبعد و أبعد ثم رجعت إلى منازلها و استقر الأمر قراره فتلقفوها تلقف الكرة

٤٤

قال أحمد بن عبد العزيز و حدثني المغيرة بن محمد المهلبي قال ذاكرت إسماعيل بن إسحاق القاضي بهذا الحديث و أن أبا سفيان قال لعثمان بأبي أنت أنفق و لا تكن كأبي حجر و تداولوها يا بني أمية تداول الولدان الكرة فو الله ما من جنة و لا نار و كان الزبير حاضرا فقال عثمان لأبي سفيان اعزب فقال يا بني أ هاهنا أحد قال الزبير نعم و الله لا كتمتها عليك قال فقال إسماعيل هذا باطل قلت و كيف ذلك قال ما أنكر هذا من أبي سفيان و لكن أنكر أن يكون سمعه عثمان و لم يضرب عنقه

و روى أحمد بن عبد العزيز قال جاء أبو سفيان إلى علي ع فقال وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش أ ما و الله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلا و رجلا فقال علي ع طالما غششت الإسلام و أهله فما ضررتهم شيئا لا حاجة لنا إلى خيلك و رجلك لو لا أنا رأينا أبا بكر لها أهلا لما تركناه و روى أحمد بن عبد العزيز قال لما بويع لأبي بكر كان الزبير و المقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي و هو في بيت فاطمة فيتشاورون و يتراجعون أمورهم فخرج عمر حتى دخل على فاطمة ع و قال يا بنت رسول الله ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك و ما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك و ايم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلما خرج عمر جاءوها فقالت تعلمون أن عمر جاءني و حلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت و ايم الله ليمضين لما حلف له فانصرفوا عنا راشدين فلم يرجعوا إلى بيتها و ذهبوا فبايعوا لأبي بكر و روى أحمد و روى المبرد في الكامل صدر هذا الخبر عن عبد الرحمن

٤٥

ابن عوف قال دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي مات فيه فسلمت و سألته كيف به فاستوى جالسا فقلت لقد أصبحت بحمد الله بارئا فقال أما إني على ما ترى لوجع و جعلتم لي معشر المهاجرين شغلا مع وجعي و جعلت لكم عهدا مني من بعدي و اخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له و رأيتم الدنيا قد أقبلت و الله لتتخذن ستور الحرير و نضائد الديباج و تألمون ضجائع الصوف الأذربي كأن أحدكم على حسك السعدان و الله لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا و إنكم غدا لأول ضال بالناس يجورون عن الطريق يمينا و شمالا يا هادي الطريق جرت إنما هو البجر أو الفجر فقال له عبد الرحمن لا تكثر على ما بك فيهيضك و الله ما أردت إلا خيرا و إن صاحبك لذو خير و ما الناس إلا رجلان رجل رأى ما رأيت فلا خلاف عليك منه و رجل رأى غير ذلك و إنما يشير عليك برأيه فسكن و سكت هنيهة فقال عبد الرحمن ما أرى بك بأسا و الحمد لله فلا تأس على الدنيا فو الله إن علمناك إلا صالحا مصلحا فقال أما إني لا آسى إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلن و ثلاث لم أفعلهن وددت أني فعلتهن و ثلاث وددت أني سألت رسول الله ص عنهن فأما الثلاث التي فعلتها و وددت أني لم أكن فعلتها فوددت أني لم أكن كشفت

٤٦

عن بيت فاطمة و تركته و لو أغلق على حرب و وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا و كنت وزيرا و وددت أني إذ أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته و كنت قتلته بالحديد أو أطلقته و أما الثلاث التي تركتها و وددت أني فعلتها فوددت أني يوم أتيت بالأشعث كنت ضربت عنقه فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه و وددت أني حيث وجهت خالدا إلى أهل الردة أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون و إلا كنت ردءا لهم و وددت حيث وجهت خالدا إلى الشام كنت وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت كلتا يدي اليمين و الشمال في سبيل الله و أما الثلاث اللواتي وددت أني كنت سألت رسول الله ص عنهن فوددت أني سألته فيمن هذا الأمر فكنا لا ننازعه أهله و وددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب و وددت أني سألته عن ميراث العمة و ابنة الأخت فإن في نفسي منهما حاجة و من كتاب معاوية المشهور إلى علي ع و أعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار و يداك في يدي ابنيك الحسن و الحسين يوم بويع أبو بكر الصديق فلم تدع أحدا من أهل بدر و السوابق إلا دعوتهم إلى نفسك و مشيت إليهم بامرأتك و أدليت إليهم بابنيك و استنصرتهم على صاحب رسول الله فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة و لعمري لو كنت محقا لأجابوك و لكنك ادعيت باطلا و قلت ما لا تعرف و رمت ما لا يدرك و مهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك و هيجك لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد و لا بغيك على الخلفاء بطريف و لا مستبدع

٤٧

و سنذكر تمام هذا الكتاب و أوله عند انتهائنا إلى كتب علي ع و روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي المنذر و هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان بين العباس و علي مباعدة فلقي ابن عباس عليا فقال إن كان لك في النظر إلى عمك حاجة فأته و ما أراك تلقاه بعدها فوجم لها و قال تقدمني و استأذن فتقدمته و استأذنت له فأذن فدخل فاعتنق كل واحد منهما صاحبه و أقبل علي ع على يده و رجله يقبلهما و يقول يا عم ارض عني رضي الله عنك قال قد رضيت عنك ثم قال يا ابن أخي قد أشرت عليك بأشياء ثلاثة فلم تقبل و رأيت في عاقبتها ما كرهت و ها أنا ذا أشير عليك برأي رابع فإن قبلته و إلا نالك ما نالك مما كان قبله قال و ما ذاك يا عم قال أشرت عليك في مرض رسول الله ص أن تسأله فإن كان الأمر فينا أعطاناه و إن كان في غيرنا أوصى بنا فقلت أخشى إن منعناه لا يعطيناه أحد بعده فمضت تلك فلما قبض رسول الله ص أتانا أبو سفيان بن حرب تلك الساعة فدعوناك إلى أن نبايعك و قلت لك ابسط يدك أبايعك و يبايعك هذا الشيخ فإنا إن بايعناك لم يختلف عليك أحد من بني عبد مناف و إذا بايعك بنو عبد مناف لم يختلف عليك أحد من قريش و إذا بايعتك قريش لم يختلف عليك أحد من العرب فقلت لنا بجهاز رسول الله ص شغل و هذا الأمر فليس نخشى عليه فلم نلبث أن سمعنا التكبير من سقيفة بني ساعدة فقلت يا عم ما هذا قلت ما دعوناك إليه فأبيت قلت سبحان الله أ و يكون هذا قلت نعم قلت أ فلا يرد قلت لك و هل رد مثل هذا قط ثم أشرت عليك حين طعن عمر فقلت لا تدخل نفسك في الشورى فإنك إن اعتزلتهم قدموك و إن ساويتهم تقدموك فدخلت معهم فكان ما رأيت.

٤٨

ثم أنا الآن أشير عليك برأي رابع فإن قبلته و إلا نالك ما نالك مما كان قبله إني أرى أن هذا الرجل يعني عثمان قد أخذ في أمور و الله لكأني بالعرب قد سارت إليه حتى ينحر في بيته كما ينحر الجمل و الله إن كان ذلك و أنت بالمدينة ألزمك الناس به و إذا كان ذلك لم تنل من الأمر شيئا إلا من بعد شر لا خير معه قال عبد الله بن عباس فلما كان يوم الجمل عرضت له و قد قتل طلحة و قد أكثر أهل الكوفة في سبه و غمصه فقال علي ع أما و الله لئن قالوا ذلك لقد كان كما قال أخو جعفي

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه

إذا ما هو استغنى و يبعده الفقر

ثم قال و الله لكان عمي كان ينظر من وراء ستر رقيق و الله ما نلت من هذا الأمر شيئا إلا بعد شر لا خير معه و روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان و الزبير و الأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا ع بعد النبي ص فلما بويع أبو بكر قال سلمان أصبتم الخبرة و أخطأتم المعدن قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا علي بن أبي هاشم قال حدثنا عمر بن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت قال قال سلمان يومئذ أصبتم ذا السن منكم و أخطأتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان و لأكلتموها رغدا قال أبو بكر و أخبرنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا غسان

٤٩

بن عبد الحميد قال لما أكثر الناس في تخلف علي ع عن بيعة أبي بكر و اشتد أبو بكر و عمر عليه في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر و قالت

كانت أمور و أبناء و هنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

و اختل قومك فاشهدهم و لا تغب

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة و غضب علي و الزبير فدخلا بيت فاطمة ع معهما السلاح فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير و سلمة بن سلامة بن وقش و هما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة ع و ناشدتهم الله فأخذوا سيفي علي و الزبير فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا ثم قام أبو بكر فخطب الناس و اعتذر إليهم و قال إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها و خشيت الفتنة و ايم الله ما حرصت عليها يوما قط و لقد قلدت أمرا عظيما ما لي به طاقة و لا يدان و لوددت أن أقوى الناس عليه مكاني و جعل يعتذر إليهم فقبل المهاجرون عذره و قال علي و الزبير ما غضبنا إلا في المشورة و إنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار و إنا لنعرف له سنه و لقد أمره رسول الله ص بالصلاة بالناس و هو حي قال أبو بكر و قد روي بإسناد آخر ذكره أن ثابت بن قيس بن شماس كان مع الجماعة الذين حضروا مع عمر في بيت فاطمة ع و ثابت هذا أخو بني الحارث بن الخزرج

٥٠

و روي أيضا أن محمد بن مسلمة كان معهم و أن محمدا هو الذي كسر سيف الزبير

قال أبو بكر و حدثني يعقوب بن شيبة عن أحمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن عباس قال خرج علي ع على الناس من عند رسول الله ص في مرضه فقال له الناس كيف أصبح رسول الله ص يا أبا حسن قال أصبح بحمد الله بارئا قال فأخذ العباس بيد علي ثم قال يا علي أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه و إني لأعرف الموت في وجوه بني عبد المطلب فانطلق إلى رسول الله ص فاذكر له هذا الأمر إن كان فينا أعلمنا و إن كان في غيرنا أوصى بنا فقال لا أفعل و الله إن منعناه اليوم لا يؤتيناه الناس بعده قال فتوفي رسول الله ذلك اليوم و قال أبو بكر حدثني المغيرة بن محمد المهلبي من حفظه و عمر بن شبة من كتابه بإسناد رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال سمعت البراء بن عازب يقول لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله ص تخوفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم فأخذني ما يأخذ الواله العجول ثم ذكر ما قد ذكرناه نحن في أول هذا الكتاب في شرح قوله ع أما و الله لقد تقمصها فلان و زاد فيه في هذه الرواية فمكثت أكابد ما في نفسي فلما كان بليل خرجت إلى المسجد فلما صرت فيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله ص بالقرآن فامتنعت من مكاني فخرجت إلى الفضاء فضاء بني بياضة و أجد نفرا يتناجون فلما دنوت منهم سكتوا فانصرفت عنهم فعرفوني و ما أعرفهم فدعوني إليهم فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود و عبادة بن الصامت و سلمان الفارسي و أبا ذر و حذيفة و أبا الهيثم بن التيهان و إذا حذيفة يقول لهم و الله ليكونن ما أخبرتكم

٥١

به و الله ما كذبت و لا كذبت و إذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين ثم قال ائتوا أبي بن كعب فقد علم كما علمت قال فانطلقنا إلى أبي فضربنا عليه بابه حتى صار خلف الباب فقال من أنتم فكلمه المقداد فقال ما حاجتكم فقال له افتح عليك بابك فإن الأمر أعظم من أن يجرى من وراء حجاب قال ما أنا بفاتح بابي و قد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتم النظر في هذا العقد فقلنا نعم فقال أ فيكم حذيفة فقلنا نعم قال فالقول ما قال و بالله ما أفتح عني بابي حتى يجرى على ما هي جارية و لما يكون بعدها شر منها و إلى الله المشتكى قال و بلغ الخبر أبا بكر و عمر فأرسلا إلى أبي عبيدة و المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا فيكون له و لعقبه فتقطعوا به من ناحية علي و يكون لكم حجة عند الناس على علي إذا مال معكم العباس فانطلقوا حتى دخلوا على العباس في الليلة الثانية من وفاة رسول الله ص ثم ذكر خطبة أبي بكر و كلام عمر و ما أجابهما العباس به و قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب في الجزء الأول و روى أبو بكر قال أخبرنا أحمد بن إسحاق بن صالح قال حدثنا عبد الله بن عمر عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال لما توفي النبي ص اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة فأتاهم أبو بكر و عمر و أبو عبيدة فقال الحباب

٥٢

بن المنذر منا أمير و منكم أمير إنا و الله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط و لكنا نخاف أن يليه بعدكم من قتلنا أبناءهم و آباءهم و إخوانهم فقال عمر بن الخطاب إذا كان ذلك قمت إن استطعت فتكلم أبو بكر فقال نحن الأمراء و أنتم الوزراء و الأمر بيننا نصفان كشق الأبلمة فبويع و كان أول من بايعه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم قسما بين نساء المهاجرين و الأنصار فبعث إلى امرأة من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت فقالت ما هذا قال قسم قسمه أبو بكر للنساء قالت أ تراشونني عن ديني و لله لا أقبل منه شيئا فردته عليه قلت قرأت هذا الخبر على أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي الحسيني المعروف بابن أبي زيد نقيب البصرةرحمه‌الله تعالى في سنة عشر و ستمائة من كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري قال لقد صدقت فراسة الحباب فإن الذي خافه وقع يوم الحرة و أخذ من الأنصار ثأر المشركين يوم بدر ثم قال ليرحمه‌الله تعالى و من هذا خاف أيضا رسول الله ص على ذريته و أهله فإنه كان ع قد وتر الناس و علم أنه إن مات و ترك ابنته و ولدها سوقة و رعية تحت أيدي الولاة كانوا بعرض خطر عظيم فما زال يقرر لابن عمه قاعدة الأمر بعده حفظا لدمه و دماء أهل بيته فإنهم إذا كانوا ولاة الأمر كانت دماؤهم أقرب إلى الصيانة و العصمة مما إذا كانوا سوقة تحت يد وال من غيرهم فلم يساعده القضاء و القدر و كان من الأمر ما كان ثم أفضى أمر ذريته فيما بعد إلى ما قد علمت

٥٣

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز حدثني يعقوب بن شيبة بإسناد رفعه إلى طلحة بن مصرف قال قلت لهذيل بن شرحبيل إن الناس يقولون إن رسول الله ص أوصى إلى علي ع فقال أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله ص ود أبو بكر أنه وجد من رسول الله ص عهدا فخزم أنفه قلت هذا الحديث قد خرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري و مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحيهما عن طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى رسول الله ص قال لا قلت فكيف كتب على المسلمين الوصية أو كيف أمر بالوصية و لم يوص قال أوصى بكتاب الله قال طلحة ثم قال ابن أوفى ما كان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله ص ود أبو بكر أنه وجد من رسول الله ص عهدا فخزم أنفه بخزامه و روى الشيخان في الصحيحين عن عائشة أنه ذكر عندها أن رسول الله ص أوصى قالت و متى أوصى و من يقول ذلك قيل إنهم يقولون قالت من يقوله لقد دعا بطست ليبول و إنه بين سحري و نحري فانخنث في صدري فمات و ما شعرت و في الصحيحين أيضا خرجاه معا عن ابن عباس أنه كان يقول يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى فقلنا يا ابن عباس و ما يوم الخميس؟

٥٤

قال: اشتد برسول الله ص وجعه فقال ائتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا فقال إنه لا ينبغي عندي تنازع فقال قائل ما شأنه أ هجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعوني و الذي أنا فيه خير من الذي أنتم فيه ثم أمر بثلاثة أشياء فقال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم و سئل ابن عباس عن الثالثة فقال إما ألا يكون تكلم بها و إما أن يكون قالها فنسيت و في الصحيحين أيضا خرجاه معا عن ابن عباسرحمه‌الله تعالى قال لما احتضر رسول الله ص و في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب

قال النبي ص هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقال عمر إن رسول الله ص قد غلب عليه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف القوم و اختصموا فمنهم من يقول قربوا إليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده و منهم من يقول القول ما قاله عمر فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عنده ع قال لهم قوموا فقاموا فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص و بين أن يكتب لكم ذلك الكتاب قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري و حدثني أحمد بن إسحاق بن صالح قال حدثني عبد الله بن عمر بن معاذ عن ابن عون قال حدثني رجل من زريق

٥٥

أن عمر كان يومئذ قال يعني يوم بويع أبو بكر محتجزا يهرول بين يدي أبي بكر و يقول ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر قال فجاء أبو بكر حتى جلس على منبر رسول الله ص فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني وليتكم و لست بخيركم و لكنه نزل القرآن و سنت السنن و علمنا فتعلمنا أن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بالحق و أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع و لست بمبتدع إذا أحسنت فأعينوني و إذا زغت فقوموني قال أبو بكر و حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية قال حدثني النضر بن شميل قال حدثنا محمد بن عمرو عن سلمة بن عبد الرحمن قال لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي ع و الزبير و ناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم فقال و الذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار و زياد بن لبيد فبدر السيف فصاح به أبو بكر و هو على المنبر اضرب به الحجر فدق به قال أبو عمرو بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة و يقال هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر دعوهم فسيأتي الله بهم قال فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه قال أبو بكر و قد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة ع و المقداد بن الأسود أيضا و أنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا ع فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف و خرجت فاطمة ع تبكي و تصيح فنهنهت من الناس و قالوا ليس عندنا معصية و لا خلاف في خير اجتمع عليه الناس و إنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد ثم بايعوا أبا بكر فاستمر الأمر و اطمأن الناس

٥٦

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال أخبرنا أبو بكر الباهلي قال حدثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال سأل أبو بكر فقال أين الزبير فقيل عند علي و قد تقلد سيفه فقال قم يا عمر قم يا خالد بن الوليد انطلقا حتى تأتياني بهما فانطلقا فدخل عمر و قام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير ما هذا السيف فقال نبايع عليا فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه و قال يا خالد دونكه فأمسكه ثم قال لعلي قم فبايع لأبي بكر فتلكأ و احتبس فأخذ بيده و قال قم فأبى أن يقوم فحمله و دفعه كما دفع الزبير فأخرجه و رأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة و قالت يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله و الله لا أكلم عمر حتى ألقى الله قال فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك و شفع لعمر و طلب إليها فرضيت عنه قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن حاتم قال حدثنا الحرامي قال حدثنا الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس قال مر عمر بعلي و عنده ابن عباس بفناء داره فسلم فسألاه أين تريد فقال مالي بينبع قال علي أ فلا نصل جناحك و نقوم معك فقال بلى فقال لابن عباس قم معه قال فشبك أصابعه في أصابعي و مضى حتى إذا خلفنا البقيع قال يا ابن عباس أما و الله إن كان صاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلا أنا خفناه على اثنتين قال ابن عباس فجاء بمنطق لم أجد بدا معه من مسألته عنه فقلت يا أمير المؤمنين ما هما قال خشيناه على حداثة سنه و حبه بني عبد المطلب قال أبو بكر و حدثني أبو زيد قال حدثنا هارون بن عمر بإسناد رفعه إلى ابن عباسرحمه‌الله تعالى قال تفرق الناس ليلة الجابية عن عمر فسار

٥٧

كل واحد مع إلفه ثم صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا فحادثته فشكا إلي تخلف علي عنه فقلت أ لم يعتذر إليك قال بلى فقلت هو ما اعتذر به قال يا ابن عباس إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوة قلت لم ذاك يا أمير المؤمنين أ لم ننلهم خيرا قال بلى و لكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا جحفا

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال حدثنا علي بن هشام مرفوعا إلى عاصم بن عمرو بن قتادة قال لقي علي ع عمر فقال له علي ع أنشدك الله هل استخلفك رسول الله ص قال لا قال فكيف تصنع أنت و صاحبك قال أما صاحبي فقد مضى لسبيله و أما أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك فقال جدع الله أنف من ينقذك منها لا و لكن جعلني الله علما فإذا قمت فمن خالفني ضل قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عن هارون بن عمر عن محمد بن سعيد بن الفضل عن أبيه عن الحارث بن كعب عن عبد الله بن أبي أوفى الخزاعي قال كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله ص على اليمن فلما قبض رسول الله ص جاء المدينة و قد بايع الناس أبا بكر فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياما و قد بايع الناس و أتى بني هاشم فقال أنتم الظهر و البطن و الشعار دون الدثار و العصا دون اللحا فإذا رضيتم رضينا و إذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا نعم قال على برد و رضا من جماعتكم قالوا نعم قال

٥٨

فأنا أرضى و أبايع إذا بايعتم أما و الله يا بني هاشم إنكم الطوال الشجر الطيبو الثمر ثم إنه بايع أبا بكر و بلغت أبا بكر فلم يحفل بها و اضطغنها عليه عمر فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر أ تولي خالدا و قد حبس عليك بيعته و قال لبني هاشم ما قال و قد جاء بورق من اليمن و عبيد و حبشان و دروع و رماح ما أرى أن توليه و ما آمن خلافه فانصرف عنه أبو بكر و ولى أبا عبيدة بن الجراح و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة و اعلم أن الآثار و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا و من تأملها و أنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريح و مقطوع به لا تختلجه الشكوك و لا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنهم يقولون إن الرسول ص نص على أمير المؤمنين ع نصا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير و لا خبر المنزلة و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامة و غيرها بل نص عليه بالخلافة و بإمرة المؤمنين و أمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك فسلموا عليه بها و صرح لهم في كثير من المقامات بأنه خليفة عليهم من بعده و أمرهم بالسمع و الطاعة له و لا ريب أن المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول الله ص يعلم قطعا أنه لم يكن هذا النص و لكن قد سبق إلى النفوس و العقول أنه قد كان هناك تعريض و تلويح و كناية و قول غير صريح و حكم غير مبتوت و لعله ص كان يصده عن التصريح بذلك أمر يعلمه و مصلحة يراعيها أو وقوف مع إذن الله تعالى في ذلك فأما امتناع علي ع من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه فقد

٥٩

ذكره المحدثون و رواه أهل السير و قد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب و هو من رجال الحديث و من الثقات المأمونين و قد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيت فاطمة ع و أنه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج و بقي أثره إلى أن ماتت و أن عمر أضغطها بين الباب و الجدار فصاحت يا أبتاه يا رسول الله و ألقت جنينا ميتا و جعل في عنق علي ع حبل يقاد به و هو يعتل و فاطمة خلفه تصرخ و تنادي بالويل و الثبور و ابناه حسن و حسين معهما يبكيان و أن عليا لما أحضر سألوه البيعة فامتنع فتهدد بالقتل فقال إذن تقتلون عبد الله و أخا رسول الله فقالوا أما عبد الله فنعم و أما أخو رسول الله فلا و أنه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق و سطر صحيفة الغدر التي اجتمعوا عليها و بأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله ص ليلة العقبة فكله لا أصل له عند أصحابنا و لا يثبته أحد منهم و لا رواه أهل الحديث و لا يعرفونه و إنما هو شي‏ء تنفرد الشيعة بنقله : وَ مِنْهَا وَ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى اَلْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ اَلْبَائِعِ وَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ اَلْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَ عَلاَ سَنَاهَا وَ اِسْتَشْعِرُوا اَلصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى اَلنَّصْرِ هذا فصل من كلام يذكر فيه ع عمرو بن العاص و قوله فلا ظفرت يد البائع يعني معاوية و قوله و خزيت أمانة المبتاع يعني عمرا و خزيت أي

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أبينها و أظهرها أنه تعالى ذكر في سورة الأعراف الأمم الخالية و الأنبياء الماضين من لدن آدم ع إلى أن انتهى إلى قصة موسى فقال في آخرها بعد أن شرحها و أوضحها( وَ اِخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ اَلسُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ اِرْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْغافِرِينَ وَ اُكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ اَلدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي اَلْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكاةَ وَ اَلَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ اَلرَّسُولَ اَلنَّبِيَّ اَلْأُمِّيَّ اَلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي اَلتَّوْراةِ وَ اَلْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهاهُمْ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ اَلطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ اَلْأَغْلالَ اَلَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اِتَّبَعُوا اَلنُّورَ اَلَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ) .و هذا من التخلصات اللطيفة المستحسنة

فصل في الاستطراد و إيراد شواهد للشعراء فيه

و اعلم أن من أنواع علم البيان نوعا يسمى الاستطراد و قد يسمى الالتفات و هو من جنس التخلص و شبيه به إلا أن الاستطراد هو أن تخرج بعد أن تمهد ما تريد أن تمهده إلى الأمر الذي تروم ذكره فتذكره و كأنك غير قاصد لذكره بالذات بل قد حصل و وقع ذكره بالعرض عن غير قصد ثم تدعه و تتركه و تعود إلى الأمر الذي كنت في تمهيده كالمقبل عليه و كالملغى عما استطردت بذكره فمن ذلك قول البحتري و هو يصف فرسا

٢٤١

و أغر في الزمن البهيم محجل

قد رحت منه على أغر محجل

كالهيكل المبني إلا أنه

في الحسن جاء كصورة في هيكل

وافي الضلوع يشد عقد حزامه

يوم اللقاء على معم مخول

أخواله للرستمين بفارس

و جدوده للتبعين بموكل

يهوى كما هوت العقاب و قد رأت

صيدا و ينتصب انتصاب الأجدل

متوجس برقيقتين كأنما

تريان من ورق عليه مكلل

ما إن يعاف قذى و لو أوردته

يوما خلائق حمدويه الأحول

ذنب كما سحب الرشاء يذب عن

عرف و عرف كالقناع المسبل

جذلان ينفض عذرة في غرة

يقق تسيل حجولها في جندل

كالرائح النشوان أكثر مشيه

عرضا على السنن البعيد الأطول

ذهب الأعالي حيث تذهب مقلة

فيه بناظرها حديد الأسفل

هزج الصهيل كأن في نغماته

نبرات معبد في الثقيل الأول

ملك القلوب فإن بدا أعطينه

نظر المحب إلى الحبيب المقبل

أ لا تراه كيف استطرد بذكر حمدويه الأحول الكاتب و كأنه لم يقصد ذلك و لا أراده و إنما جرته القافية ثم ترك ذكره و عاد إلى وصف الفرس و لو أقسم إنسان أنه ما بنى القصيدة منذ افتتحها إلا على ذكره و لذلك أتى بها على روي اللام لكان صادقا فهذا هو الاستطراد.و من الفرق بينه و بين التخلص أنك في التخلص متى شرعت في ذكر الممدوح

٢٤٢

أو المهجو تركت ما كنت فيه من قبل بالكلية و أقبلت على ما تخلصت إليه من المديح و الهجاء بيتا بعد بيت حتى تنقضي القصيدة و في الاستطراد تمر على ذكر الأمر الذي استطردت به مرورا كالبرق الخاطف ثم تتركه و تنساه و تعود إلى ما كنت فيه كأنك لم تقصد قصد ذاك و إنما عرض عروضا و إذا فهمت الفرق فاعلم أن الآيات التي تلوناها إذا حققت و أمعنت النظر من باب الاستطراد لا من باب التخلص و ذلك لأنه تعالى قال بعد قوله( وَ اِتَّبَعُوا اَلنُّورَ اَلَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ قُلْ يا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اَللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً اَلَّذِي لَهُ مُلْكُ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ اَلنَّبِيِّ اَلْأُمِّيِّ اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ كَلِماتِهِ وَ اِتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى‏ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ وَ قَطَّعْناهُمُ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ إِذِ اِسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اِضْرِبْ بِعَصاكَ اَلْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اِثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ اَلْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ اَلْمَنَّ وَ اَلسَّلْوى‏ كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فعاد إلى ما كان فيه أولا ثم مر في هذه القصة و في أحوال موسى و بني إسرائيل حتى قارب الفراغ من السورة.و من لطيف التخلص الذي يكاد يكون استطرادا لو لا أنه أفسده بالخروج إلى المدح قول أبي تمام في قصيدته التي يمدح بها محمد بن الهيثم التي أولها

أسقى طلولهم أجش هزيم

و غدت عليهم نضرة و نعيم

ظلمتك ظالمة البري‏ء ظلوم

و الظلم من ذي قدرة مذموم

زعمت هواك عفا الغداة كما عفت

منها طلول باللوى و رسوم

٢٤٣

لا و الذي هو عالم إن النوى

صبر و إن أبا الحسين كريم

ما حلت عما تعهدين و لا غدت

نفسي على إلف سواك تحوم

فلو أتم متغزلا لكان مستطردا لا محالة و لكنه نقض الاستطراد و غمس يده في المدح فقال بعد هذا البيت

لمحمد بن الهيثم بن شبانة

مجد إلى جنب السماك مقيم

ملك إذا نسب الندى من ملتقى

طرفيه فهو أخ له و حميم

و مضى على ذلك إلى آخرها.و من الاستطراد أن يحتال الشاعر لذكر ما يروم ذكره بوصف أمر ليس من غرضه و يدمج الغرض الأصلي في ضمن ذلك و في غضونه و أحسن ما يكون ذلك إذا صرح بأنه قد استطرد و نص في شعره على ذلك كما قال أبو إسحاق الصابي في أبيات كتبها إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة كتبها إليه إلى شيراز و أبو إسحاق في بغداد و كانت أخبار فتوح عضد الدولة بفارس و كرمان و ما والاها متواصلة مترادفة إلى العراق و كتب عبد العزيز واصلة بها إلى عز الدولة بختيار و الصابي يجيب عنها

يا راكب الجسرة العيرانة الأجد

يطوي المهامة من سهل إلى جلد

أبلغ أبا القاسم نفسي الفداء له

مقالة من أخ للحق معتمد

في كل يوم لكم فتح يشاد به

بين الأنام بذكر السيد العضد

و ما لنا مثله لكننا أبدا

نجيبكم بجواب الحاسد الكمد

فأنت أكتب مني في الفتوح و ما

تجري مجيبا إلى شاوي و لا أمدي

٢٤٤

و ما ذممت ابتدائي في مكاتبة

و لا جوابكم في القرب و البعد

لكنني رمت أن أثني على ملك

مستطرد بمديح فيه مطرد

و لقد ظرف و ملح أبو إسحاق في هذه الأبيات و متى خلا أو عرى عن الظرف و الملاحة و لقد كان ظرفا و لباقة كله.و ليس من الاستطراد ما زعم ابن الأثير الموصلي في كتابه المسمى بالمثل السائر أنه استطراد و هو قول بعض شعراء الموصل يمدح قرواش بن المقلد و قد أمره أن يعبث بهجاء وزيره سليمان بن فهد و حاجبه أبي جابر و مغنية المعروف بالبرقعيدي في ليلة من ليالي الشتاء و أراد بذلك الدعابة و الولع بهم و هم في مجلس في شراب و أنس فقال و أحسن فيما قال

و ليل كوجه البرقعيدي ظلمة

و برد أغانيه و طول قرونه

سريت و نومي فيه نوم مشرد

كعقل سليمان بن فهد و دينه

على أولق فيه التفات كأنه

أبو جابر في خطبة و جنونه

إلى أن بدا ضوء الصباح كأنه

سنا وجه قرواش و ضوء جبينه

و ذلك لأن الشاعر قصد إلى هجاء كل واحد منهم و وضع الأبيات لذلك و أمره قرواش رئيسهم و أميرهم بذلك فهجاهم و مدحه و لم يستطرد و هذه الأبيات تشبيهات كلها مقصود بها الهجاء لم يأت بالعرض في الشعر كما يأتي الاستطراد.و هذا غلط من مصنف الكتاب

٢٤٥

١١٢ و من خطبة له ع

وَ أُحَذِّرُكُمُ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَ لَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَ غَرَّتْ بِزِينَتِهَا دَارٌ هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلاَلَهَا بِحَرَامِهَا وَ خَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَ حَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَ حُلْوَهَا بِمُرِّهَا لَمْ يُصْفِهَا اَللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ وَ لَمْ يَضِنَّ بِهَا عَنْ عَلَى أَعْدَائِهِ خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَ شَرُّهَا عَتِيدٌ وَ جَمْعُهَا يَنْفَدُ وَ مُلْكُهَا يُسْلَبُ وَ عَامِرُهَا يَخْرَبُ فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ اَلْبِنَاءِ وَ عُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ اَلزَّادِ وَ مُدَّةٍ تَنْقَطِعُ اِنْقِطَاعَ اَلسَّيْرِ اِجْعَلُوا مَا اِفْتَرَضَ اَللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلِبَتِكُمْ طَلَبِكُمْ وَ اِسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ كَمَا مَا سَأَلَكُمْ وَ أَسْمِعُوا دَعْوَةَ اَلْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ إِنَّ اَلزَّاهِدِينَ فِي اَلدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَ إِنْ ضَحِكُوا وَ يَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَ إِنْ فَرِحُوا وَ يَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَ إِنِ اِغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ اَلآْجَالِ وَ حَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ اَلآْمَالِ فَصَارَتِ اَلدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ اَلآْخِرَةِ وَ اَلْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ اَلآْجِلَةِ وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اَللَّهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلاَّ خُبْثُ اَلسَّرَائِرِ وَ سُوءُ اَلضَّمَائِرِ فَلاَ تَوَازَرُونَ وَ لاَ تَنَاصَحُونَ وَ لاَ تَبَاذَلُونَ وَ لاَ تَوَادُّونَ مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ اَلدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ وَ لاَ يَحْزُنُكُمُ اَلْكَثِيرُ مِنَ اَلآْخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ وَ يُقْلِقُكُمُ اَلْيَسِيرُ مِنَ اَلدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي

٢٤٦

وُجُوهِكُمْ وَ قِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ وَ كَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ وَ مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ إِلاَّ مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ اَلآْجِلِ وَ حُبِّ اَلْعَاجِلِ وَ صَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ صَنِيعَ مَنْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ رِضَا رِضَى سَيِّدِهِ قوله ع فإنها منزل قلعة بضم القاف و سكون اللام أي ليست بمستوطنة و يقال هذا مجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة و يقال هم على قلعة أي على رحلة و من هذا الباب قولهم فلان قلعة إذا كان ينقلع عن سرجه و لا يثبت في البطش و الصراع و القلعة أيضا المال العارية و

في الحديث بئس المال القلعة.و النجعة طلب الكلأ في موضعه و فلان ينتجع الكلأ و منه انتجعت فلانا إذا أتيته تطلب معروفه.ثم وصف هوان الدنيا على الله تعالى فقال من هوانها أنه خلط حلالها بحرامها...الكلام مراده تفضيل الدار الآتية على هذه الحاضرة فإن تلك صفو كلها و خير كلها و هذه مشوبة و الكدر و الشر فيها أغلب من الصفو و الخير و من كلام بعض الصالحين من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها و لا ينال ما عنده إلا بتركها و يروى و لم يضن بها على أعدائه و الرواية المشهورة عن أعدائه و كلاهما مستعمل.

٢٤٧

و الزهيد القليل و العتيد الحاضر و السير سير المسافر.ثم أمرهم بأن يجعلوا الفرائض الواجبة عليهم من جملة مطلوباتهم و أن يسألوا الله من الإعانة و التوفيق على القيام بحقوقه الواجبة كما سألهم أي كما ألزمهم و افترض عليهم فسمى ذلك سؤالا لأجل المقابلة بين اللفظين كما قال سبحانه( وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) و كما قال النبي ص فإن الله لا يمل حتى تملوا و كما قال الشاعر

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ثم أمرهم أن يسمعوا أنفسهم دعوة الموت قبل أن يحضر الموت فيحل بهم و مثل قوله تبكي قلوبهم و إن ضحكوا قول الشاعر و إن لم يكن هذا المقصد بعينه قصد

كم فاقة مستورة بمروءة

و ضرورة قد غطيت بتجمل

و من ابتسام تحته قلب شج

قد خامرته لوعة ما تنجلي

و المقت البغض و اغتبطوا فرحوا.و قوله أملك بكم مثل أولى بكم و قوله و العاجلة أذهب بكم من الآجلة أي ذهبت العاجلة بكم و استولت عليكم أكثر مما ذهبت بكم الآخرة و استولت عليكم.ثم ذكر أن الناس كلهم مخلوقون على فطرة واحدة و هي دين الله و توحيده و إنما اختلفوا و تفرقوا باعتبار أمر خارجي عن ذلك و هو خبث سرائرهم و سوء ضمائرهم فصاروا إلى حال لا يتوازرون أي لا يتعاونون و الأصل الهمز آزرته ثم تقلب الهمزة واوا و أصل قوله فلا توازرون فلا تتوازرون فحذفت إحدى التاءين كقوله تعالى( ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ ) أي لا تتناصرون و التبادل أن يجود بعضهم على بعض بماله و يبذله له.

٢٤٨

و مثل قوله ع ما بالكم تفرحون بكذا و لا تحزنون لكذا و يقلقكم اليسير من الدنيا يفوتكم من هذا قول الرضيرحمه‌الله

نقص الجديدين من عمري يزيد على

ما ينقصان على الأيام من مالي

دهر تؤثر في جسمي نوائبه

فما اهتمامي أن أودي بسربالي

و الضمير في يخاف راجع إلى الأخ لا إلى المستقبل له أي ما يخافه الأخ من مواجهته بعينه.قوله و صار دين أحدكم لعقة على لسانه أخذه الفرزدق فقال للحسين بن علي ع و قد لقيه قادما إلى العراق و سأله عن الناس أما قلوبهم فمعك و أما سيوفهم فعليك و الدين لعقة على ألسنتهم فإذا امتحصوا قل الديانون و اللفظة مجاز و أصل اللعقة شي‏ء قليل يؤخذ بالملعقة من الإناء يصف دينهم بالنزارة و القلة كتلك اللعقة و لم يقنع بأن جعله لعقة حتى جعله على ألسنتهم فقط أي ليس في قلوبهم

٢٤٩

١١٣ و من خطبة له ع

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْوَاصِلِ اَلْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَ اَلنِّعَمَ بِالشُّكْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلاَئِهِ وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ اَلنُّفُوسِ اَلْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ اَلسِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُ كِتَابُهُ عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ وَ كِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ اَلْغُيُوبَ وَ وَقَفَ عَلَى اَلْمَوْعُودِ إِيمَاناً نَفَى إِخْلاَصُهُ اَلشِّرْكَ وَ يَقِينُهُ اَلشَّكَّ وَ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً ص عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ اَلْقَوْلَ وَ تَرْفَعَانِ اَلْعَمَلَ لاَ يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ وَ لاَ يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ مِنْهُ عَنْهُ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّتِي هِيَ اَلزَّادُ وَ بِهَا اَلْمَعَاذُ زَادٌ مُبْلِغٌ وَ مَعَاذٌ مُنْجِحٌ دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ وَ وَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وَ فَازَ وَاعِيهَا عِبَادَ اَللَّهِ إِنَّ تَقْوَى اَللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ مَحَارِمَهُ وَ أَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ وَ أَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ فَأَخَذُوا اَلرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ وَ اَلرِّيَّ بِالظَّمَإِ وَ اِسْتَقْرَبُوا اَلْأَجَلَ فَبَادَرُوا اَلْعَمَلَ وَ كَذَّبُوا اَلْأَمَلَ فَلاَحَظُوا اَلْأَجَلَ ثُمَّ إِنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ وَ غِيَرٍ وَ عِبَرٍ فَمِنَ اَلْفَنَاءِ أَنَّ اَلدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ لاَ تُخْطِئُ سِهَامُهُ وَ لاَ تُؤْسَى جِرَاحُهُ يَرْمِي اَلْحَيَّ بِالْمَوْتِ وَ اَلصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ وَ اَلنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ وَ شَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ وَ مِنَ اَلْعَنَاءِ أَنَّ اَلْمَرْءَ يَجْمَعُ

٢٥٠

مَا لاَ يَأْكُلُ وَ يَبْنِي مَا لاَ يَسْكُنُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى لاَ مَالاً حَمَلَ وَ لاَ بِنَاءً نَقَلَ وَ مِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى اَلْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً وَ اَلْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً لَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ نَعِيماً زَلَّ وَ بُؤْساً نَزَلَ وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ اَلْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ فَلاَ أَمَلٌ يُدْرَكُ وَ لاَ مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ فَسُبْحَانَ اَللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وَ أَظْمَأَ رِيَّهَا وَ أَضْحَى فَيْئَهَا لاَ جَاءٍ يُرَدُّ وَ لاَ مَاضٍ يَرْتَدُّ فَسُبْحَانَ اَللَّهِ مَا أَقْرَبَ اَلْحَيَّ مِنَ اَلْمَيِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ وَ أَبْعَدَ اَلْمَيِّتَ مِنَ اَلْحَيِّ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِشَرٍّ مِنَ اَلشَّرِّ إِلاَّ عِقَابُهُ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ بِخَيْرٍ مِنَ اَلْخَيْرِ إِلاَّ ثَوَابُهُ وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ اَلدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ اَلآْخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ اَلْعِيَانِ اَلسَّمَاعُ وَ مِنَ اَلْغَيْبِ اَلْخَبَرُ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ اَلدُّنْيَا وَ زَادَ فِي اَلآْخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ اَلآْخِرَةِ وَ زَادَ فِي اَلدُّنْيَا فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ وَ مَزِيدٍ خَاسِرٍ إِنَّ اَلَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ اَلَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ وَ مَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ وَ مَا ضَاقَ لِمَا اِتَّسَعَ قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ فَلاَ يَكُونَنَّ اَلْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ اَلْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ مَعَ أَنَّهُ وَ اَللَّهِ لَقَدِ اِعْتَرَضَ اَلشَّكُّ وَ دَخَلَ دَخِلَ اَلْيَقِينُ حَتَّى كَأَنَّ اَلَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ وَ كَأَنَّ اَلَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وَضِعَ وُضِعَ عَنْكُمْ فَبَادِرُوا اَلْعَمَلَ وَ خَافُوا بَغْتَةَ اَلْأَجَلِ فَإِنَّهُ لاَ يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ اَلْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ اَلرِّزْقِ مَا فَاتَ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ وَ مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ اَلْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ اَلْيَوْمَ

٢٥١

رَجْعَتُهُ اَلرَّجَاءُ مَعَ اَلْجَائِي وَ اَلْيَأْسُ مَعَ اَلْمَاضِي فَاتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لقائل أن يقول أما كونه واصل الحمد له من عباده بالنعم منه عليهم فمعلوم فكيف قال إنه يصل النعم المذكورة بالشكر و الشكر من أفعال العباد و ليس من أفعاله ليكون واصلا للنعم به و جواب هذا القائل هو أنه لما وفق العباد للشكر بعد أن جعل وجوبه في عقولهم مقررا و بعد أن أقدرهم عليه صار كأنه الفاعل له فأضافه إلى نفسه توسعا كما يقال أقام الأمير الحد و قتل الوالي اللص فأما حمده سبحانه على البلاء كحمده على الآلاء فقد تقدم القول فيه و من الكلام المشهور سبحان من لا يحمد على المكروه سواه و السر فيه أنه تعالى إنما يفعل المكروه بنا لمصالحنا فإذا حمدناه عليه فإنما حمدناه على نعمه أنعم بها و إن كانت في الظاهر بلية و ألما.فإن قلت فقد كان الأحسن في البيان أن يقول نحمده على بلائه كما نحمده على آلائه قلت إنما عكس لأنه جاء باللفظين في معرض ذكر النعم و الشكر عليها فاستهجن أن يلقبها بلفظة الحمد على البلاء للمنافرة التي تكون بينهما فقال نحمده على هذه الآلاء التي أشرنا إليها التي هي آلاء في الحقيقة و هذا ترتيب صحيح منتظم.ثم سأل الله أن يعينه على النفس البطيئة عن المأمور به السريعة إلى المنهي عنه و من دعاء بعض الصالحين اللهم إني أشكو إليك عدوا بين جنبي قد غلب علي.و فسر قوم من أهل الطريقة و الحقيقة قوله تعالى( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا

٢٥٢

اَلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ اَلْكُفَّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ) قالوا أراد مجاهدة النفوس و من كلام رسول الله ص أبت الأنفس إلا حب المال و الشرف و إن حبهما لأذهب بدين أحدكم من ذئبين ضاريين باتا في زريبة غنم إلى الصباح فما ذا يبقيان منها.ثم شرع في استغفار الله سبحانه من كل ذنب و عبر عن ذلك بقوله مما أحاط به علمه و أحصاه كتابه لأنه تعالى عالم بكل شي‏ء و محيط بكل شي‏ء و قد أوضح ذلك بقوله علم غير قاصر و كتاب غير مغادر أي غير مبق شيئا لا يحصيه قال تعالى( ما لِهذَا اَلْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها ) .ثم قال و نؤمن به إيمان من عاين و شاهد لأن إيمان العيان أخلص و أوثق من إيمان الخبر فإنه ليس الخبر كالعيان و هذا إشارة إلى إيمان العارفين الذين هو ع سيدهم و رئيسهم و لذلك قال لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.و قوله تصعدان القول إشارة إلى قوله تعالى( إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلْكَلِمُ اَلطَّيِّبُ وَ اَلْعَمَلُ اَلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) و روي تسعدان القول بالسين أي هما شهادتان بالقلب يعاضدان الشهادة باللسان و يسعدانها.ثم ذكر أنهما شهادتان لا يخف ميزان هما فيه و لا يثقل ميزان رفعا عنه.أما أنه لا يثقل ميزان رفعا عنه فهذا لا كلام فيه و إنما الشأن في القضية الأولى لأن ظاهر هذا القول يشعر بمذهب المرجئة الخلص و هم أصحاب مقاتل بن سليمان القائلون إنه لا يضر مع الشهادتين معصية أصلا و إنه لا يدخل النار من في قلبه ذرة من الإيمان

٢٥٣

و لهم على ذلك احتجاج قد ذكرناه في كتبنا الكلامية فنقول في تأويل ذلك إنه لم يحكم بهذا على مجرد الشهادتين و إنما حكم بهذا على شهادتين مقيدتين قد وصفهما بأنهما يصعدان القول و يرفعان العمل و تانك الشهادتان المقيدتان بذلك القيد إنما هو الشهادتان اللتان يقارنهما فعل الواجب و تجنب القبيح لأنه إن لم يقارنهما ذلك لم يرفعا العمل و إذا كان حكمه ع بعد خفة ميزان هما فيه إنما هو على شهادتين مقيدتين لا مطلقتين فقد بطل قول من يجعل هذا الكلام حجة للمرجئة.ثم أخذ في الوصاة بالتقوى و قال إنما الزاد في الدنيا الذي يزود منه لسفر الآخرة و بها المعاذ مصدر من عذت بكذا أي لجأت إليه و اعتصمت به.ثم وصفهما أعني الزاد و المعاذ فقال زاد مبلغ أي يبلغك المقصد و الغاية التي تسافر إليها و معاذ منجح أي يصادف عنده النجاح.دعا إليها أسمع داع يعني البارئ سبحانه لأنه أشد الأحياء أسماعا لما يدعوهم إليه و بناء أفعل هاهنا من الرباعي كما جاء ما أعطاه للمال و ما أولاه للمعروف و أنت أكرم لي من زيد أي أشد إكراما و هذا المكان أقفر من غيره أي أشد إقفارا و في المثل أفلس من ابن المذلق و روي دعا إليها أحسن داع أي أحسن داع دعا و لا بد من تقرير هذا المميز لأنه تعالى لا توصف ذاته بالحسن و إنما يوصف بالحسن أفعاله.و وعاها خير واع أي من وعاها عنه تعالى و عقلها و أجاب تلك الدعوة فهو خير واع.و قيل عنى بقوله أسمع داع رسول الله ص و عنى بقوله خير واع نفسه لأنه أنزل فيه( وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ) و الأول أظهر.

٢٥٤

ثم قال فأسمع داعيها أي لم يبق أحدا من المكلفين إلا و قد أسمعه تلك الدعوة و فازوا عليها أفلح من فهمها و أجاب إليها لا بد من تقدير هذا و إلا فأي فوز يحصل لمن فهم و لم يجب و التقوى خشية الله سبحانه و مراقبته في السر و العلن و الخشية أصل الطاعات و إليها وقعت الإشارة بقوله تعالى( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اَللَّهِ أَتْقاكُمْ ) و قوله سبحانه( وَ مَنْ يَتَّقِ اَللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .قوله حتى أسهرت لياليهم و أظمأت هواجرهم من قول العرب نهاره صائم و ليله قائم نقلوا الفعل إلى الظرف و هو من باب الاتساع الذي يجرون فيه الظروف مجرى المفعول به فيقولون الذي سرته يوم الجمعة أي سرت فيه و قال

و يوم شهدناه سليما و عامرا

أي شهدنا فيه سليما و قد اتسعوا فأضافوا إلى الظروف فقالوا

يا سارق الليلة أهل الدار

و قال تعالى( بَلْ مَكْرُ اَللَّيْلِ وَ اَلنَّهارِ ) فأخرجوهما بالإضافة عن الظرفية.قوله ع فأخذوا الراحة النصب يروى فاستبدلوا الراحة و النصب التعب و استقربوا الأجل رأوه قريبا.فإن قلت لما ذا كرر لفظة الأجل و في تكرارها مخالفة لفن البيان قلت إنه استعملها في الموضعين بمعنيين مختلفين فقوله استقربوا الأجل يعني المدة و قوله فلاحظوا الأجل يعني الموت نفسه.

٢٥٥

و يروى موتر و موتر بالتشديد و لا تؤسى جراحه لا تطب و لا تصلح أسوت الجرح أي أصلحته و لا ينقع لا يروى شرب حتى نقع أي شف عليله و ماء ناقع و هو كالناجع و ما رأيت شربه انقع منها.و إلى قوله ع يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن نظر الشاعر فقال

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

و دورنا لخراب الدهر نبنيها

و قال آخر

أ لم تر حوشبا أمسى يبني

بناء نفعه لبني بقيلة

يؤمل أن يعمر عمر نوح

و أمر الله يطرق كل ليلة

قوله و من غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا و المغبوط مرحوما أي يصير الفقير غنيا و الغني فقيرا و قد فسره قوم فقالوا أراد أنك ترى من هو في باطن الأمر مرحوم مغبوطا و ترى من هو في باطن الأمر مغبوط مرحوما أي تحسب ذاك و تتخيله و هذا التأويل غير صحيح لأن قوله بعده ليس ذلك إلا نعيما زل و بؤسا نزل و يكذبه و يصدق التفسير الأول.و أضحى فيئها من أضحى الرجل إذا برز للشمس ثم قال لا جاء يرد و لا ماض يرتد أي يسترد و يسترجع أخذه أبو العتاهية فقال

فلا أنا راجع ما قد مضى لي

و لا أنا دافع ما سوف يأتي

و إلى قوله ما أقرب الحي من الميت للحاقه به و ما أبعد الميت من الحي لانقطاعه عنه نظر الشاعر فقال

يا بعيدا عني و ليس بعيدا

من لحاقي به سميع قريب

٢٥٦

صرت بين الورى غريبا كما أنك تحت الثرى وحيد غريب فإن قلت ما وجه تقسيمه ع الأمور التي عددها إلى الفناء و العناء و الغير و العبر قلت لقد أصاب الثغرة و طبق المفصل أ لا تراه ذكر في الفناء رمي الدهر الإنسان عن قوس الردى و في العناء جمع ما لا يأكل و بناء ما لا يسكن و في الغير الفقر بعد الغنى و الغنى بعد الفقر و في العبر اقتطاع الأجل الأمل فقد ناط بكل لفظة ما يناسبها.و قد نظر بعض الشعراء إلى قوله ع ليس شي‏ء بشر من الشر إلا عقابه و ليس شي‏ء بخير من الخير إلا ثوابه فقال

خير البضائع للإنسان مكرمة

تنمي و تزكو إذا بارت بضائعه

فالخير خير و خير منه فاعله

و الشر شر و شر منه صانعه

إلا أن أمير المؤمنين ع استثنى العقاب و الثواب و الشاعر جعل مكانهما فاعل الخير و الشر.ثم ذكر أن كل شي‏ء من أمور الدنيا المرغبة و المرهبة سماعه أعظم من عيانه و الآخرة بالعكس و هذا حق أما القضية الأولى فظاهرة و قد قال القائل

اهتز عند تمني وصلها طربا

و رب أمنية أحلى من الظفر

و لهذا يحرص الواحد منا على الأمر فإذا بلغه برد و فتر و لم يجده كما كان يظن في اللذة و يوصف لنا البلد البعيد عنا بالخصب و الأمن و العدل و سماح أهله و حسن نسائه و ظرف رجاله فإذا سافرنا إليه لم نجده كما وصف بل ربما وجدنا القليل من ذلك و يوصف لنا الإنسان الفاضل بالعلم بفنون من الآداب و الحكم و يبالغ الواصفون في ذلك فإذا اختبرناه وجدناه دون ما وصف و كذلك قد يخاف الإنسان حبسا أو ضربا أو نحوهما فإذا

٢٥٧

وقع فيهما هان ما كان يتخوفه و وجد الأمر دون ذلك و كذلك القتل و الموت فإن ما يستعظمه الناس منهما دون أمرهما في الحقيقة و قد قال أبو الطيب و هو حكيم الشعراء

كل ما لم يكن من الصعب في الأنفس

سهل فيها إذا هو كانا

و يقال في المثل لج الخوف تأمن و أما أحوال الآخرة فلا ريب أن الأمر فيها بالضد من ذلك لأن الذي يتصوره الناس من الجنة أنها أشجار و أنهار و مأكول و مشروب و جماع و أمرها في الحقيقة أعظم من هذا و أشرف لأن ملاذها الروحانية المقارنة لهذه الملاذ المضادة لها أعظم من هذه الملاذ بطبقات عظيمة و كذلك أكثر الناس يتوهمون أن عذاب النار يكون أياما و ينقضي كما يذهب إليه المرجئة أو أنه لا عذاب بالنار لمسلم أصلا كما هو قول الخلص من المرجئة و أن أهل النار يألفون عذابها فلا يستضرون به إذا تطاول الأمد عليهم و أمر العذاب أصعب مما يظنون خصوصا على مذهبنا في الوعيد و لو لم يكن إلا آلام النفوس باستشعارها سخط الله تعالى عليها فإن ذلك أعظم من ملاقاة جرم النار لبدن الحي.و في هذا الموضع أبحاث شريفة دقيقة ليس هذا الكتاب موضوعا لها.ثم أمرهم بأن يكتفوا من عيان الآخرة و غيبها بالسماع و الخبر لأنه لا سبيل و نحن في هذه الدار إلى أكثر من ذلك.و إلى قوله ما نقص من الدنيا و زاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة و زاد في الدنيا نظر أبو الطيب فقال إلا أنه أخرجه في مخرج آخر

بلاد ما اشتهيت رأيت فيها

فليس يفوتها إلا كرام

٢٥٨

فهلا كان نقص الأهل فيها

و كان لأهلها منها التمام

ثم قال فكم من منقوص في دنياه و هو رابح في آخرته و كم من مزيد في دنياه و هو خاسر في آخرته ثم قال إن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه و ما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم الجملة الأولى هي الجملة الثانية بعينها و إنما أتى بالثانية تأكيدا للأولى و إيضاحا لها و لأن فن الخطابة و الكتابة هكذا هو و ينتظم كلتا الجملتين معنى واحد و هو أن فيما أحل الله غنى عما حرم بل الحلال أوسع أ لا ترى أن المباح من المآكل و المشارب أكثر عددا و أجناسا من المحرمات فإن المحرم ليس إلا الكلب و الخنزير و أشياء قليلة غيرهما و المحرم من المشروب الخمر و نحوها من المسكر و ما عدا ذلك حلال أكله و شربه و كذلك القول في النكاح و التسري فإنهما طريقان مهيعان إلى قضاء الوطر و السفاح طريق واحد و الطريقان أكثر من الطريق الواحد.فإن قلت فكيف قال إن الذي أمرتم به فسمى المباح مأمورا به قلت سمى كثير من الأصوليين المباح مأمورا به و ذلك لاشتراكه مع المأمور به في أنه لا حرج في فعله فأطلق عليه اسمه و أيضا فإنه لما كان كثير من الأمور التي عددناها مندوبا أطلق عليه لفظ الأمر لأن المندوب مأمور به و ذلك كالنكاح و التسري و أكل اللحوم التي هي سبب قوة البدن و شرب ما يصلح المزاج من الأشربة التي لا حرج في استعمالها و قال بعض العقلاء لبنيه يا بني إنه ليس كل شي‏ء من اللذة ناله أهل الخسارة بخسارتهم إلا ناله أهل المروءة و الصيانة بمروءتهم و صيانتهم فاستتروا بستر الله

و دخل إنسان على علي بن موسى الرضا ع و عليه ثياب مرتفعة القيمة فقال يا ابن رسول الله أ تلبس مثل هذا فقال له مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللَّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ

٢٥٩

ثم أمر بالعمل و العبادة و نهى عن الحرص على طلب الرزق فقال إنكم أمرتم بالأول و ضمن لكم الثاني فلا تجعلوا المضمون حصوله لكم هو المخصوص بالحرص و الاجتهاد بل ينبغي أن يكون الحرص و الاجتهاد فيما أمرتم بعمله و هو العبادة و قد يتوهم قوم أنه ارتفع طلبه بالمضنون كقولك المضروب أخوه و هذا غلط لأنه لم يضمن طلبه و إنما ضمن حصوله و لكنه ارتفع لأنه مبتدأ و خبره أولى و هذا المبتدأ و الخبر في موضع نصب لأنه خبر يكونن أو ارتفع لأنه بدل من المضنون و هذا أحسن و أولى من الوجه الأول و هو بدل الاشتمال.ثم ذكر أن رجعة العمر غير مرجوة و رجعة الرزق مرجوة أوضح ذلك بأن الإنسان قد يذهب منه اليوم درهم فيستعيضه أي يكتسب عوضه في الغد دينارا و أما أمس نفسه فمستحيل أن يعود و لا مثله لأن الغد و بعد الغد محسوب من عمره و ليس عوضا من الأمس الذاهب و هذا الكلام يقتضي أن العمر مقدور و أن المكاسب و الأرزاق إنما هي بالاجتهاد و ليست محصورة مقدرة و هذا يناقض في الظاهر ما تقدم من قوله إن الرزق مضمون فلا تحرصوا عليه فاحتاج الكلام إلى تأويل و هو أن العمر هو الظرف الذي يوقع المكلف فيه الأعمال الموجبة له السعادة العظمى المخلصة له من الشقاوة العظمى و ليس له ظرف يوقعها فيه إلا هو خاصة فكل جزء منه إذا فات من غير عمل لما بعد الموت فقد فات على الإنسان بفواته ما لا سبيل له إلى استدراكه بعينه و لا اغترام مثله لأن المثل الذي له إنما هو زمان آخر و ليس ذلك في مقدور الإنسان و الزمان المستقبل الذي يعيش فيه الإنسان لم يكتسبه هو لينسب إليه فيقال إنه حصله عوضا مما انقضى و ذهب من عمره و إنما هو فعل غيره و مع ذلك فهو معد و مهيأ لأفعال من العبادة توقع فيه كما كان الجزء الماضي معدا لأفعال

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307