كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 307
المشاهدات: 35070
تحميل: 5951


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35070 / تحميل: 5951
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 7

مؤلف:
العربية

توقع فيه فليس أحدهما عوضا عن الآخر و لا قائما مقامه و أما المنافع الدنيوية كالمآكل و المشارب و الأموال فإن الإنسان إذا فاته شي‏ء منها قدر على ارتجاعه بعينه إن كانت عينه باقية و ما لا تبقى عينه يقدر على اكتساب مثله و الرزق و إن كان مضمونا من الله إلا أن للحركة فيه نصيبا إما أن يكون شرطا أو أن يكون هو بذاته من أثر قدرة الإنسان كحركته و اعتماده و سائر أفعاله و يكون الأمر بالتوكل و النهي عن الاجتهاد في طلب الرزق على هذا القول إنما هو نهي عن الحرص و الجشع و التهالك في الطلب فإن ذلك قبيح يدل على دناءة الهمة و سقوطها.ثم هذه الأغراض الدنيوية إذا حصلت أمثالها بعد ذهابها قامت مقام الذاهب لأن الأمر الذي يراد الذاهب له يمكن حصوله بهذا المكتسب و ليس كذلك الزمان الذاهب من العمر لأن العبادات و الأعمال التي كان أمس متعينا لها لا يمكن حصولها اليوم على حد حصولها أمس فافترق البابان باب الأعمال و باب الأرزاق.و قوله الرجاء مع الجائي و اليأس مع الماضي كلام يجري مجرى المثل و هو تأكيد للمعنى الأول و جعل الجائي مرجوا لأنه لا يعلم غيبه قال الشاعر

ما مضى فات و المقدر غيب

و لك الساعة التي أنت فيها

و قوله حق تقاته أي حق تقيته أي خوفه اتقى يتقي تقية و تقاة و وزنها فعلة و أصلها الياء و مثلها اتخم تخمة و اتهم تهمة

٢٦١

114 و من خطبة له ع في الاستسقاء

اَللَّهُمَّ قَدِ اِنْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَ اِغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَ هَامَتْ دَوَابُّنَا وَ تَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وَ عَجَّتْ عَجِيجَ اَلثَّكَالَى عَلَى أَوْلاَدِهَا وَ مَلَّتِ اَلتَّرَدُّدَ فِي مَرَاتِعِهَا وَ اَلْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا اَللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ اَلآْنَّةِ وَ حَنِينَ اَلْحَانَّةِ اَللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا وَ أَنِينَهَا فِي مَوَالِجِهَا اَللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اِعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ اَلسِّنِينَ وَ أَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ اَلْجُودِ فَكُنْتَ اَلرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ وَ اَلْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ اَلْأَنَامُ وَ مُنِعَ اَلْغَمَامُ وَ هَلَكَ اَلسَّوَامُ أَلاَّ تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا وَ لاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا وَ اُنْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ اَلْمُنْبَعِقِ وَ اَلرَّبِيعِ اَلْمُغْدِقِ وَ اَلنَّبَاتِ اَلْمُونِقِ سَحّاً وَابِلاً تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ وَ تَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ اَللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً تَامَّةً عَامَّةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً هَنِيئَةً مَريِئَةً مَرِيعَةً زَاكِياً نَبْتُهَا ثَامِراً فَرْعُهَا نَاضِراً وَرَقُهَا تُنْعِشُ بِهَا اَلضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُحْيِي بِهَا اَلْمَيِّتَ مِنْ بِلاَدِكَ اَللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا وَ تَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا وَ يُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا وَ تُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا وَ تَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا وَ تَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا وَ تَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا مِنْ بَرَكَاتِكَ اَلْوَاسِعَةِ وَ عَطَايَاكَ اَلْجَزِيلَةِ عَلَى بَرِيَّتِكَ اَلْمُرْمِلَةِ وَ وَحْشِكَ اَلْمُهْمَلَةِ وَ أَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً مِدْرَاراً هَاطِلَةً يُدَافِعُ اَلْوَدْقُ مِنْهَا اَلْوَدْقَ وَ يَحْفِزُ اَلْقَطْرُ مِنْهَا

٢٦٢

اَلْقَطْرَ غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا وَ لاَ جَهَامٍ عَارِضُهَا وَ لاَ قَزَعٍ رَبَابُهَا وَ لاَ شَفَّانٍ ذِهَابُهَا حَتَّى يُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا اَلْمُجْدِبُونَ وَ يَحْيَا بِبَرَكَتِهَا اَلْمُسْنِتُونَ فَإِنَّكَ تُنْزِلُ اَلْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَ تَنْشُرُ رَحْمَتَكَ وَ أَنْتَ اَلْوَلِيُّ اَلْحَمِيدُ قال الشريف الرضيرحمه‌الله تعالى قوله ع انصاحت جبالنا أي تشققت من المحول يقال انصاح الثوب إذا انشق و يقال أيضا انصاح النبت و صاح و صوح إذا جف و يبس كله بمعنى.و قوله و هامت دوابنا أي عطشت و الهيام العطش.و قوله حدابير السنين جمع حدبار و هي الناقة التي أنضاها السير فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب قال ذو الرمة

حدابير ما تنفك إلا مناخة

على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا

و قوله و لا قزع ربابها القزع القطع الصغار المتفرقة من السحاب.و قوله و لا شفان ذهابها فإن تقديره و لا ذات شفان ذهابها و الشفان الريح الباردة و الذهاب الأمطار اللينة فحذف ذات لعلم السامع به

٢٦٣

يجوز أن يريد بقوله و هامت دوابنا معنى غير ما فسره الشريف الرضيرحمه‌الله به و هو ندودها و ذهابها على وجوهها لشدة المحل يقول هام على وجهه يهيم هيما و هيمانا.و المرابض مبارك الغنم و هي لها كالمواطن للإبل واحدها مربض بكسر الباء مثل مجلس و عجت صرخت و يحتمل الضمير في أولادها أن يرجع إلى الثكالى أي كعجيج الثكالى على أولادهن و يحتمل أن يرجع إلى الدواب أي و عجت على أولادها كعجيج الثكالى و إنما وصفها بالتحير في مرابضها لأنها لشدة المحل تتحير في مباركها و لا تدري ما ذا تصنع إن نهضت لترعى لم تجد رعيا و إن أقامت كانت إلى انقطاع المادة أقرب قوله و ملت التردد في مراتعها و الحنين إلى مواردها و ذلك لأنها أكثرت من التردد في الأماكن التي كانت تعهد مراتعها فيها فلم تجد مرتعا فملت الترداد إليها و كذلك ملت الحنين إلى الغدران و الموارد التي كانت تعتادها للشرب فإنها حنت إليها لما فقدتها حتى ضجرت و يئست فملت مما لا فائدة لها فيه.و الآنة و الحانة الشاة و الناقة و يقال ما له حانة و لا آنة و أصل الأنين صوت المريض و شكواه من الوصب يقال أن يئن أنينا و أنانا و تأنانا.و الموالج المداخل و إنما ابتدأ ع بذكر الأنعام و ما أصابها من الجدب اقتفاء بسنة رسول الله ص و لعادة العرب أما سنة رسول الله ص

فإنه قال لو لا البهائم الرتع و الصبيان الرضع و الشيوخ الركع لصب

٢٦٤

عليكم العذاب صبا و قد ذهب كثير من الفقهاء إلى استحباب إخراج البهائم في صلاة الاستسقاء و تقدير دعائه ع اللهم إن كنت حرمتنا الغيث لسوء أعمالنا فارحم هذه الحيوانات التي لا ذنب لها و لا تؤاخذها بذنوبنا و أما عادة العرب فإنهم كانوا إذا أصابهم المحل استسقوا بالبهائم و دعوا الله بها و استرحموه لها و منهم من كان يجعل في أذناب البقر السلع و العشر و يصعد بها في الجبال و التلاع العالية و كانوا يسقون بذلك و قال الشاعر

أ جاعل أنت بيقورا مسلعة

ذريعة لك بين الله و المطر

فاعتكرت ردف بعضها بعضا و أصل عكر عطف و العكرة الكرة و

في الحديث قال له قوم يا رسول الله نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون إن شاء الله.و البيت الذي ذكره الرضيرحمه‌الله لذي الرمة لا أعرفه إلا حراجيج و هكذا رأيته بخط ابن الخشابرحمه‌الله و الحرجوج الناقة الضامرة في طول.و فيه مسألة نحوية و هي أنه كيف نقض النفي من ما تنفك و هو غير جائز كما لا يجوز ما زال زيد إلا قائما و جوابها أن تنفك هاهنا تامة أي ما تنفصل و مناخة منصوب على الحال.قوله و أخلفتنا مخايل الجود أي كلما شمنا برقا و اختلنا سحابا أخلفنا و لم يمطر.و الجود المطر الغزير و يروى مخايل الجود بالضم.

٢٦٥

و المبتئس ذو البؤس و البلاغ للملتمس أي الكفاية للطالب.و تقول قنط فلان بالفتح يقنط و يقنط بالكسر و الضم فهو قانط و فيه لغة أخرى قنط بالكسر يقنط قنطا مثل تعب يتعب تعبا و قناطة أيضا فهو قنط و قرئ( وَلَا تَكُنْ مِنَ اَلْقانِطِينَ ) .و إنما قال و منع الغمام فبنى الفعل للمفعول به لأنه كره أن يضيف المنع إلى الله تعالى و هو منبع النعم فاقتضى حسن الأدب أنه لم يسم الفاعل و روي منع الغمام أي و منع الغمام القطر فحذف المفعول و السوام المال الراعي.فإن قلت ما الفرق بين تؤاخذنا و بين تأخذنا.قلت المؤاخذة دون الأخذ لأن الأخذ الاستئصال و المؤاخذة عقوبة و إن قلت.و السحاب المنبعق المتبعج بالمطر و مثله المتبعق و مثله البعاق و الربيع المغدق الكثير و النبات المونق المعجب.و انتصب سحا على المصدر و الوابل المطر الشديد.ثم قال تحيي به ما قد مات أي يكاد يتلف بها من الزرع و ترد به ما قد فات أي يستدرك به الناس ما فاتهم من الزرع و الحرث.و السقيا مؤنثة و هي الاسم من سقى و المريعة الخصيبة.و ثامرا فرعها ذو ثمر كما قالوا لابن و تامر ذو لبن و تمر.و تنعش ترفع و النجاد جمع نجد و هو ما ارتفع من الأرض و الوهاد جمع وهد و هو المطمئن منها و روي نجادنا بالنصب على أنه مفعول.

٢٦٦

قوله و تندى بها أقاصينا أي الأباعد منا و يندى بها ينتفع نديت بكذا أي انتفعت.و الضواحي النواحي القريبة من المدينة العظمى و المرملة الفقيرة أرمل افتقر و نفد زاده و وحشك المهملة التي لا راعي لها و لا صاحب و لا مشفق.و سماء مخضلة تخضل النبت أي تبله و روي مخضلة أي ذات نبات و زروع مخضلة يقال اخضل النبت اخضلالا أي ابتل و إنما أنث السماء و هو المطر و هو مذكر لأنه أراد الأمطار و الودق المطر و يحفز يدفع بشدة و إذا دفع القطر القطر كان أعظم و أغزر له.و برق خلب لا مطر معه و سحاب جهام لا ماء فيه و المجدبون أهل الجدب و المسنتون الذين أصابتهم السنة و هي المحل و القحط الشديد

صلاة الاستسقاء و آدابها

و اعلم أن صلاة الاستسقاء عند أكثر الفقهاء سنة.و قال أبو حنيفة لا صلاة للاستسقاء قال أصحابه يعني ليست سنة في جماعة و إنما يجوز أن يصلي الناس وحدانا قالوا و إنما الاستسقاء هو الدعاء و الاستغفار.و قال باقي الفقهاء كالشافعي و أبي يوسف و محمد و غيرهم بخلاف ذلك قالوا و قد روي أن رسول الله ص صلى بالناس جماعة في الاستسقاء فصلى ركعتين جهر بالقراءة فيهما و حول رداءه و رفع يديه و استسقى قالوا و السنة أن يكون في المصلى و إذا أراد الإمام الخروج لذلك وعظ الناس و أمرهم بالخروج من المظالم و التوبة من المعاصي لأن ذلك يمنع القطر.

٢٦٧

قالوا وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال إذا بخس المكيال حبس القطر.و قال مجاهد في قوله تعالى( وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاَّعِنُونَ ) قال دواب الأرض تلعنهم يقولون منعنا القطر بخطاياهم.قالوا و يأمر الإمام الناس بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج ثم يخرج في اليوم الرابع و هم صيام و يأمرهم بالصدقة و يستسقي بالصالحين من أهل بيت رسول الله ص كما فعل عمر و يحضر معه أهل الصلاح و الخير و يستسقي بالشيوخ و الصبيان.و اختلفوا في إخراج البهائم فمنهم من استحب ذلك و منهم من كرهه و يكره إخراج أهل الذمة فإن حضروا من عند أنفسهم لم يمنعوا و الغسل و السواك في صلاة الاستسقاء عندهم مسنونان و لا يستحب فيهما التطيب لأن الحال لا يقتضيه.و ينبغي أن يكون الخروج بتواضع و خشوع و إخبات كما خرج رسول الله ص للاستسقاء.قالوا و لا يؤذن لهذه الصلاة و لا يقام و إنما ينادي لها الصلاة جامعة و هي ركعتان كصلاة العيد يكبر في الأولى سبع تكبيرات و في الثانية خمس تكبيرات.قالوا و يخطب بعد الصلاة خطبتين و يكون دعاء الاستسقاء في الخطبة الأولى.قالوا فيقول اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث و لا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد و البلاد من اللأواء و الضنك و الجهد ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع و أدر لنا الضرع و اسقنا من بركات السماء اللهم اكشف عنا الجهد و الجوع و العري و اكشف عنا ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا.

٢٦٨

قالوا و يستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية و يحول رداءه فيجعل ما على الأيمن على الأيسر و ما على الأيسر على الأيمن تفاؤلا بتحول الحال و كذا روي أن رسول الله ص فعل و يستحب للناس أن يحولوا أرديتهم مثله و يتركوها كما هي و لا يعيدوها إلى حالها الأولى إلا إذا رجعوا إلى منازلهم.و يستحب أن يدعو في الخطبة الثانية سرا فيجمع بين الجهر و السر كما قال سبحانه و تعالى( إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً ) و كقوله تعالى( وَ اُذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ اَلْجَهْرِ مِنَ اَلْقَوْلِ ) قالوا و يستحب رفع اليد في هذا الدعاء و أن يكثروا من الاستغفار لقوله تعالى( اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ اَلسَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ) فإن صلوا و استسقوا فلم يسقوا عادوا من الغد و صلوا و استسقوا و إن سقوا قبل الصلاة صلوا شكرا و طلبا للزيادة.قالوا و يستحب أن يقفوا تحت المطر حتى يصيبهم و أن يحسروا له عن رءوسهم وقد روي أن رسول الله ص حسر عن رأسه حتى أصابه مطر الاستسقاء.و يستحب إذا سال الوادي أن يغتسلوا فيه و يتوضئوا منه.و قد استحب قوم من الفقهاء أن يخرج الناس للاستسقاء حفاة حاسرين و الأكثرون على خلاف ذلك.فأما مذهب الشيعة في هذه المسألة فأن يستقبل الإمام القبلة بعد صلاة الركعتين فيكبر الله مائة تكبيرة و يرفع بها صوته و يكبر من حضر معه ثم يلتفت عن يمينه فيسبح الله مائة تسبيحة يرفع بها صوته و يسبح معه من حضر ثم يلتفت عن يساره فيهلل الله

٢٦٩

مائة مرة يرفع بها صوته و يقول من حضر مثل ذلك ثم يستقبل الناس بوجهه فيحمد الله مائة مرة يرفع بها صوته و يقول معه من حضر مثل ذلك ثم يخطب بهذه الخطبة المروية عن أمير المؤمنين ع في الاستسقاء فإن لم يتمكن منها اقتصر على الدعاء

أخبار و أحاديث في الاستسقاء

و جاء في الأخبار الصحيحة رؤيا رقيقة في الجاهلية و هي رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف قالت رقيقة تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع و أرقت العظم فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة و معي صنوي إذا أنا بهاتف صيت يصرخ بصوت صحل يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه و هذا إبان نجومه فحيهلا بالخصب و الحيا ألا فانظروا رجلا منكم عظاما جساما أبيض بضا أوطف الأهداب

٢٧٠

سهل الخدين أشم العرنين له سنة تهدى إليه ألا فليخلص هو و ولده و ليدلف إليه من كل بطن رجل ألا فليشنوا عليهم من الماء و ليمسوا من الطيب و ليطوفوا بالبيت سبعا و ليكن فيهم الطيب الطاهر لداته فليستق الرجل و ليؤمن القوم ألا فغثتم إذا ما شئتم.قالت فأصبحت علم الله مذعورة قد قف جلدي و وله عقلي فاقتصصت رؤياي على الناس فذهبت في شعاب مكة فو الحرمة و الحرم إن بقي أبطحي إلا و قال هذا شيبة الحمد.فتتامت رجال قريش و انقض إليه من كل بطن رجل فشنوا عليهم ماء و مسوا طيبا و استلموا و اطوفوا ثم ارتقوا أبا قبيس و طفق القوم يدفون حول عبد المطلب ما إن يدرك سعيهم مهلة حتى استقروا بذروة الجبل و استكفوا جانبيه.فقام فاعتضد ابن ابنه محمدا ص فرفعه على عاتقه و هو يومئذ غلام

٢٧١

قد أيفع أو كرب ثم قال اللهم ساد الخلة و كاشف الكربة أنت عالم غير معلم و مسئول غير مبخل و هذه عبداؤك و إماؤك بعذارات حرمك يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخف و الظلف فاسمعن اللهم و أمطرن علينا غيثا مغدقا مريعا سحا طبقا دراكا.قالت فو رب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها و اكتظ الوادي بثجيجه و انصرف الناس يقولون لعبد المطلب هنيئا لك سيد البطحاء و في رواية أبي عبيدة معمر بن المثنى قال فسمعنا شيخان قريش و جلتها عبد الله بن جدعان و حرب بن أمية و هشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب هنيئا لك أبا البطحاء و في ذلك قال شاعر من قريش و قد روي هذا الشعر لرقيقة

بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا

و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر

فجاد بالماء و سمي له سبل

سحا فعاشت به الأنعام و الشجر

وفي الحديث من رواية أنس بن مالك أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله ص فقام إليه رجل و هو يخطب يوم جمعة فقال يا رسول الله هلك الشاء هلك الزرع ادع الله لنا أن يسقينا فمد ع يده و دعا و استسقى

٢٧٢

و إن السماء كمثل الزجاجة فهاجت ريح ثم أنشأت سحابا ثم اجتمع ثم أرسلت عزاليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا و دام القطر فقام إليه الرجل في اليوم الثالث فقال يا رسول الله تهدمت البيوت ادع الله أن يحبسه عنا فتبسم رسول الله ص ثم رفع يده و قال اللهم حوالينا و لا علينا قال أنس فو الذي بعث محمدا بالحق لقد نظرت إلى السحاب و إنه لقد انجاب حول المدينة كالإكليل وفي حديث عائشة أنه ع استسقى حين بدا قرن الشمس فقعد على المنبر و حمد الله و كبره ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم و قد أمركم الله أن تدعوه و وعدكم أن يستجيب لكم فادعوه ثم رفع صوته فقال اللهم إنك أنت الغني و نحن الفقراء فأنزل علينا الغيث و لا تجعلنا من القانطين اللهم اجعل ما تنزله علينا قوة لنا و بلاغا إلى حين برحمتك يا أرحم الراحمين فأنشأ الله سحابا فرعدت و برقت ثم أمطرت فلم يأت ع منزله حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه و قال أشهد أني عبد الله و رسوله و أن الله على كل شي‏ء قدير ومن دعائه ع في الاستسقاء و قد رواه الفقهاء و غيرهم اللهم اسقنا و أغثنا اللهم اسقنا غيثا مغيثا وحيا ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا مونقا عاما

٢٧٣

هنيئا مريئا مريعا مربعا مرتعا وابلا سابلا مسيلا مجللا درا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث غيثا اللهم تحيي به العباد و تغيث به البلاد و تجعله بلاغا للحاضر منا و الباد اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها و أنزل علينا في أرضنا سكنها اللهم أنزل علينا ماء طهورا فأحي به بلدة ميتا و اسقه مما خلقت لنا أنعاما و أناسي كثيرا.و روى عبد الله بن مسعود أن عمر بن الخطاب خرج يستسقي بالعباس فقال اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك و قفية آبائه و كبر رجاله فإنك قلت و قولك الحق( وَ أَمَّا اَلْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي اَلْمَدِينَةِ ) الآية فحفظتهما لصلاح أبيهما فاحفظ اللهم نبيك في عمه فقد دلونا به إليك مستشفعين و مستغفرين ثم أقبل على الناس فقال استغفروا ربكم إنه كان غفارا.قال ابن مسعود رأيت العباس يومئذ و قد طال عمر و عيناه تنضحان و سبائبة تجول على صدره و هو يقول اللهم أنت الراعي فلا تهمل الضالة و لا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير و رق الكبير و ارتفعت الشكوى و أنت تعلم السر و أخفى اللهم أغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا إنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون.

٢٧٤

قال فنشأت طريرة من سحاب و قال الناس ترون ترون ثم تلاءمت و استتمت و مشت فيها ريح ثم هدت و درت فو الله ما برحوا حتى اعتلقوا الأحذية و قلصوا المآزر و طفق الناس يلوذون بالعباس يمسحون أركانه و يقولون هنيئا لك ساقي الحرمين

٢٧٥

115 و من خطبة له ع

أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى اَلْحَقِّ وَ شَاهِداً عَلَى اَلْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَانٍ وَ لاَ مُقَصِّرٍ وَ جَاهَدَ فِي اَللَّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ وَ لاَ مُعَذِّرٍ إِمَامُ مَنِ اِتَّقَى وَ بَصَرُ مَنِ اِهْتَدَى قوله و شاهدا على الخلق أي يشهد على القوم الذين بعث إليهم و شهد لهم فيشهد على العاصي بالعصيان و الخلاف و يشهد للمطيع بالإطاعة و الإسلام و هذا من قوله سبحانه و تعالى( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً ) و من قوله تعالى( وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ ) .فإن قلت إذا كان الله تعالى عالما بكل شي‏ء و مالكا لكل أحد فأي حاجة إلى الشهادة قلت ليس بمنكر أن يكون في ذلك مصلحة للمكلفين في أديانهم من حيث إنه قد تقرر في عقول الناس أن من يقوم عليه شاهد بأمر منكر قد فعله فإنه يخزى

٢٧٦

و يخجل و تنقطع حجته فإذا طرق أسماعهم أن الأنبياء تشهد عليهم و الملائكة الحافظين تكتب أعمالهم كانوا عن مواقعة القبيح أبعد.و الواني الفاتر الكال و الواهن الضعيف.و المعذر الذي يعتذر عن تقصيره بغير عذر قال تعالى( وَ جاءَ اَلْمُعَذِّرُونَ مِنَ اَلْأَعْرابِ ) : مِنْهَا وَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى اَلصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَ تَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ لَهَا وَ لاَ خَالِفَ عَلَيْهَا وَ لَهَمَّتْ كُلَّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ نَفْسُهُ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا وَ لَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ وَ أَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ وَ تَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ اَللَّهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ أَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ قَوْمٌ وَ اَللَّهِ مَيَامِينُ اَلرَّأْيِ مَرَاجِيحُ اَلْحِلْمِ مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ مَضَوْا قُدُماً عَلَى اَلطَّرِيقَةِ وَ أَوْجَفُوا عَلَى اَلْمَحَجَّةِ فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى اَلدَّائِمَةِ وَ اَلْكَرَامَةِ اَلْبَارِدَةِ أَمَا وَ اَللَّهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ثَقِيفٍ اَلذَّيَّالُ اَلْمَيَّالُ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَ يُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ إِيهٍ أَبَا وَذَحَةَ

٢٧٧

قال الرضيرحمه‌الله تعالى الوذحة الخنفساء و هذا القول يومئ به إلى الحجاج و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره الصعيد التراب و يقال وجه الأرض و الجمع صعد و صعدات كطريق و طرق و طرقات و الالتدام ضرب النساء صدورهن في النياحة و لا خالف عليها لا مستخلف.قوله و لهمت كل امرئ منكم نفسه أي أذابته و أنحلته هممت الشحم أي أذبته و يروى و لأهمت كل امرئ و هو أصح من الرواية الأولى أهمني الأمر أي أحزنني.و تاه عن فلان رأيه أي عزب و ضل.ثم ذكر أنه يود و يتمنى أن يفرق الله بينه و بينهم و يلحقه بالنبي ص و بالصالحين من أصحابه كحمزة و جعفر ع و أمثالهما ممن كان أمير المؤمنين يثني عليه و يحمد طريقته من الصحابة فمضوا قدما أي متقدمين غير معرجين و لا معردين.و أوجفوا أسرعوا و يقال غنيمة باردة و كرامة باردة أي لم تؤخذ بحرب و لا عسف و ذلك لأن المكتسب بالحرب جار في المعنى لما يلاقي و يعاني في حصوله من المشقة.و غلام ثقيف المشار إليه هو الحجاج بن يوسف و الذيال التائه و أصله من ذال أي تبختر و جر ذيله على الأرض و الميال الظالم.و يأكل خضرتكم يستأصل أموالكم و يذيب شحمتكم مثله و كلتا اللفظتين استعارة.

٢٧٨

ثم قال له كالمخاطب لإنسان حاضر بين يديه إيه أبا وذحة إيه كلمه يستزاد بها من الفعل تقديره زد و هات أيضا ما عندك و ضدها إيها أي كف و أمسك.قال الرضيرحمه‌الله و الوذحة الخنفساء و لم أسمع هذا من شيخ من أهل الأدب و لا وجدته في كتاب من كتب اللغة و لا أدري من أين نقل الرضيرحمه‌الله ذلك ثم إن المفسرين بعد الرضيرحمه‌الله قالوا في قصة هذه الخنفساء وجوها منها أن الحجاج رأى خنفساء تدب إلى مصلاه فطردها فعادت ثم طردها فعادت فأخذها بيده و حذف بها فقرصته قرصا ورمت يده منها ورما كان فيه حتفه قالوا و ذلك لأن الله تعالى قتله بأهون مخلوقاته كما قتل نمرود بن كنعان بالبقة التي دخلت في أنفه فكان فيها هلاكه.و منها أن الحجاج كان إذا رأى خنفساء تدب قريبة منه يأمر غلمانه بإبعادها و يقول هذه وذحة من وذح الشيطان تشبيها لها بالبعرة قالوا و كان مغرى بهذا القول و الوذح ما يتعلق بأذناب الشاة من أبعارها فيجف.و منها أن الحجاج قال و قد رأى خنفساوات مجتمعات وا عجبا لمن يقول إن الله خلق هذه قيل فمن خلقها أيها الأمير قال الشيطان إن ربكم لأعظم شأنا أن يخلق هذه الوذح قالوا فجمعها على فعل كبدنة و بدن فنقل قوله هذا إلى الفقهاء في عصره فأكفروه.و منها أن الحجاج كان مثفارا و كان يمسك الخنفساء حية ليشفى بحركتها في الموضع حكاكه قالوا و لا يكون صاحب هذا الداء إلا شائنا مبغضا لأهل البيت قالوا و لسنا نقول كل مبغض فيه هذا الداء و إنما قلنا كل من فيه هذا الداء فهو مبغض.قالوا و قد روى أبو عمر الزاهد و لم يكن من رجال الشيعة في أماليه و أحاديثه عن السياري

٢٧٩

عن أبي خزيمة الكاتب قال ما فتشنا أحدا فيه هذا الداء إلا وجدناه ناصبيا.قال أبو عمر و أخبرني العطافي عن رجاله قالوا سئل جعفر بن محمد ع عن هذا الصنف من الناس فقال رحم منكوسة يؤتى و لا يأتي و ما كانت هذه الخصلة في ولي لله تعالى قط و لا تكون أبدا و إنما تكون في الكفار و الفساق و الناصب للطاهرين.و كان أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي من القوم و كان أشد الناس عداوة لرسول الله ص قالوا و لذلك قال له عتبة بن ربيعة يوم بدر يا مصفر استه.فهذا مجموع ما ذكره المفسرون و ما سمعته من أفواه الناس في هذا الموضع و يغلب على ظني أنه أراد معنى آخر و ذلك أن عادة العرب أن تكني الإنسان إذا أرادت تعظيمه بما هو مظنة التعظيم كقولهم أبو الهول و أبو المقدام و أبو المغوار فإذا أرادت تحقيره و الغض منه كنته بما يستحقر و يستهان به كقولهم في كنية يزيد بن معاوية أبو زنة يعنون القرد و كقولهم في كنية سعيد بن حفص البخاري المحدث أبو الفأر و كقولهم للطفيلي أبو لقمة و كقولهم لعبد الملك أبو الذبان لبخره و كقول ابن بسام لبعض الرؤساء

فأنت لعمري أبو جعفر

و لكننا نحذف الفاء منه

و قال أيضا

لئيم درن الثوب

نظيف القعب و القدر

أبو النتن أبو الدفر

أبو البعر أبو الجعر

فلما كان أمير المؤمنين ع يعلم من حال الحجاج نجاسته بالمعاصي و الذنوب

٢٨٠