كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 307
المشاهدات: 19787
تحميل: 6127


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19787 / تحميل: 6127
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الثامن

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

124 و من كلام له ع في حث أصحابه على القتال

فَقَدِّمُوا اَلدَّارِعَ وَ أَخِّرُوا اَلْحَاسِرَ وَ عَضُّوا عَلَى اَلْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ اَلْهَامِ وَ اِلْتَوُوا فِي أَطْرَافِ اَلرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ وَ غُضُّوا اَلْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَ أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ وَ أَمِيتُوا اَلْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَ رَايَتَكُمْ فَلاَ تُمِيلُوهَا وَ لاَ تُخِلُّوهَا وَ لاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ وَ اَلْمَانِعِينَ اَلذِّمَارَ مِنْكُمْ فَإِنَّ اَلصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ اَلْحَقَائِقِ هُمُ اَلَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ وَ يَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا وَ وَرَاءَهَا وَ أَمَامَهَا لاَ يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا وَ لاَ يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا الدارع لابس الدرع و الحاسر الذي لا درع عليه و لا مغفر أمرهم ع بتقديم المستلئم على غير المستلئم لأن سورة الحرب و شدتها تلقي و تصادف الأول فالأول فواجب أن يكون أول القوم مستلئما و أن يعضوا على الأضراس و قد تقدم شرح هذا و قلنا إنه يجوز أن يبدءوهم بالحنق و الجد و يجوز أن يريد أن العض على الأضراس يشد شئون الدماغ و رباطاته فلا يبلغ السيف منه مبلغه لو صادفه رخوا و أمرهم بأن يلتووا إذا طعنوا

٣

لأنهم إذا فعلوا ذلك فبالحري أن يمور السنان أي يتحرك عن موضع الطعنة فيخرج زالفا و إذا لم يلتووا لم يمر السنان و لم يتحرك عن موضعه فيخرق و ينفذ فيقتل.و أمرهم بغض الأبصار في الحرب فإنه أربط للجأش أي أثبت للقلب لأن الغاض بصره في الحرب أحرى ألا يدهش و لا يرتاع لهول ما ينظر.و أمرهم بإماتة الأصوات و إخفائها فإنه أطرد للفشل و هو الجبن و الخوف و ذلك لأن الجبان يرعد و يبرق و الشجاع صامت.و أمرهم بحفظ رايتهم ألا يميلوها فإنها إذا مالت انكسر العسكر لأنهم إنما ينظرون إليها و إلا يخلوها من محام عنها و إلا يجعلوها بأيدي الجبناء و ذوي الهلع منهم كي لا يخيموا و يجبنوا عن إمساكها.و الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه و سمي ذمارا لأنه يجب على أهله التذمر له أي الغضب.و الحقائق جمع حاقة و هي الأمر الصعب الشديد و منه قول الله تعالى( اَلْحَاقَّةُ مَا اَلْحَاقَّةُ ) يعني الساعة.و يكتنفونها يحيطون بها و حفافاها جانباها و منه قول طرفة

كان جناحي مضرحي تكنفا

حفافيه شكا في العسيب بمسرد

أَجْزَأَ اِمْرُؤٌ قِرْنَهُ وَ آسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ

٤

عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِيهِ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ اَلْعَاجِلَةِ لاَ تَسْلَمُوا تَسْلَمُونَ مِنْ سَيْفِ اَلآْخِرَةِ وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ اَلْعَرَبِ وَ اَلسَّنَامُ اَلْأَعْظَمُ إِنَّ فِي اَلْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اَللَّهِ وَ اَلذُّلَّ اَللاَّزِمَ وَ اَلْعَارَ اَلْبَاقِيَ وَ إِنَّ اَلْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ فِي عُمُرِهِ وَ لاَ مَحْجُوزٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يَوْمِهِ مَنْ رَائِحٌ مَنِ اَلرَّائِحُ إِلَى اَللَّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ اَلْمَاءَ اَلْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ اَلْعَوَالِي اَلْيَوْمَ تُبْلَى اَلْأَخْبَارُ وَ اَللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ اَللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا اَلْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ وَ شَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ من الناس من يجعل هذه الصيغة و هي صيغة الإخبار بالفعل الماضي في قوله أجزأ امرؤ قرنه في معنى الأمر كأنه قال ليجزئ كل امرئ قرنه لأنه إذا جاز الأمر بصيغة الإخبار في المستقبل جاز الأمر بصيغة الماضي و قد جاز الأول نحو قوله تعالى( وَ اَلْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ) فوجب أن يجوز الثاني و من الناس من قال معنى ذلك هلا أجزأ امرؤ قرنه فيكون تحضيضا محذوف الصيغة للعلم بها و أجزأ بالهمزة أي كفى و قرنك مقارنك في القتال أو نحوه.و آسى أخاه بنفسه مؤاساة بالهمز أي جعله أسوة نفسه و يجوز واسيت زيدا بالواو و هي لغة ضعيفة.و لم يكل قرنه إلى أخيه أي لم يدع قرنه ينضم إلى قرن أخيه فيصيرا معا في

٥

مقاومة الأخ المذكور و ذلك قبيح محرم مثاله زيد و عمرو مسلمان و لهما قرنان كافران في الحرب لا يجوز لزيد أن ينكل عن قرنه فيجتمع قرنه و قرن عمرو على عمرو.ثم أقسم ع أنهم إن سلموا من الألم النازل بهم لو قتلوا بالسيف في الدنيا فإنهم لم يسلموا من عقاب الله تعالى في الآخرة على فرارهم و تخاذلهم و سمى ذلك سيفا على وجه الاستعارة و صناعة الكلام لأنه قد ذكر سيف الدنيا فجعل ذلك في مقابلته.و اللهاميم السادات الأجواد من الناس و الجياد من الخيل الواحد لهموم و السنام الأعظم يريد شرفهم و علو أنسابهم لأن السنام أعلى أعضاء البعير.و موجدة الله غضبه و سخطه.و يروى و الذل اللاذم بالذال المعجمة و هو بمعنى اللازم أيضا لذمت المكان بالكسر أي لزمته.ثم ذكر أن الفرار لا يزيد في العمر و قال الراجز

قد علمت حسناء دعجاء المقل

أن الفرار لا يزيد في الأجل

ثم قال لهم أيكم يروح إلى الله فيكون كالظمآن يرد الماء.ثم قال الجنة تحت أطراف العوالي و هذا من قول رسول الله ص الجنة تحت ظلال السيوف وسمع بعض الأنصار رسول الله ص يقول يوم أحد الجنة تحت ظلال السيوف و في يده تميرات يلوكها فقال بخ بخ ليس بيني و بين الجنة إلا هذه التميرات ثم قذفها من يده و كسر جفن سيفه و حمل على قريش فقاتل حتى قتل.ثم قال اليوم تبلى الأخبار هذا من قول الله تعالى( وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ ) أي نختبر أفعالكم.

٦

ثم دعا على أهل الشام إن ردوا الحق بأن يفض الله جماعتهم أي يهزمهم و يشتت أي يفرق كلمتهم و أن يبسلهم بخطاياهم أي يسلمهم لأجل خطاياهم التي اقترفوها و لا ينصرهم أبسلت فلانا إذا أسلمته إلى الهلكة فهو مبسل قال تعالى( أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ ) أي تسلم و قال( أُولئِكَ اَلَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ) أي أسلموا للهلاك لأجل ما اكتسبوه من الإثم و هذه الألفاظ كلها لا يتلو بعضها بعضا و إنما هي منتزعة من كلام طويل انتزعها الرضيرحمه‌الله و اطرح ما عداها : إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْهُمُ اَلنَّسِيمُ وَ ضَرْبٍ يَفْلِقُ اَلْهَامَ وَ يُطِيحُ اَلْعِظَامَ وَ يُنْدِرُ اَلسَّوَاعِدَ وَ اَلْأَقْدَامَ وَ حَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا اَلْمَنَاسِرُ وَ يُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا اَلْحَلاَئِبُ وَ حَتَّى يُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ اَلْخَمِيسُ يَتْلُوهُ اَلْخَمِيسُ وَ حَتَّى تَدْعَقَ اَلْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ قال الشريف الرضيرحمه‌الله تعالى الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم و نواحر أرضهم متقابلاتها و يقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل طعن دراك أي متتابع يتلو بعضه بعضا و يخرج منه النسيم أي لسعته و من هذا النحو قول الشاعر

٧

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر

لها نفذ لو لا الشعاع أضاءها

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها

يرى قائم من دونها ما وراءها

فهذا وصف الطعنة بأنها لاتساعها يرى الإنسان المقابل لها ببصره ما وراءها و أنه لو لا شعاع الدم و هو ما تفرق منه لبان منها الضوء و أمير المؤمنين ع أراد من أصحابه طعنات يخرج النسيم و هو الريح اللينة منهن.و فلقت الشي‏ء أفلقه بكسر اللام فلقا أي شققته و يطيح العظام يسقطها طاح الشي‏ء أي سقط أو هلك أو تاه في الأرض و أطاحه غيره و طوحه.و يندر السواعد يسقطها أيضا ندر الشي‏ء يندر ندرا أي سقط و منه النوادر و أندره غيره و الساعد من الكوع إلى المرفق و هو الذراع.و المناسر جمع منسر و هو قطعة من الجيش تكون أمام الجيش الأعظم بكسر السين و فتح الميم و يجوز منسر بكسر الميم و فتح السين و قيل إنها اللغة الفصحى.و يرجموا أي يغزوا بالكتائب جمع كتيبة و هي طائفة من الجيش.تقفوها الحلائب أي تتبعها طوائف لنصرها و المحاماة عنها يقال قد أحلبوا إذا جاءوا من كل أوب للنصرة و رجل محلب أي ناصر و حالبت الرجل إذا نصرته و أعنته و قال الشاعر

أ لهفا بقرى سحبل حين أحلبت

علينا الولايا و العدو المباسل

٨

أي أعانت و نصرت و الخميس الجيش و الدعق قد فسره الرضيرحمه‌الله و يجوز أن يفسر بأمر آخر و هو الهيج و التنفير دعق القوم يدعقهم دعقا أي هاج منهم و نفرهم.و نواحر أرضهم قد فسرهرحمه‌الله أيضا و يمكن أن يفسر بأمر آخر و هو أن يراد به أقصى أرضهم و آخرها من قولهم لآخر ليلة في الشهر ناحرة.و أعنان مساربهم و مسارحهم جوانبها و المسارب ما يسرب فيه المال الراعي و المسارح ما يسرح فيه و الفرق بين سرح و سرب أن السروح إنما يكون في أول النهار و ليس ذلك بشرط في السروب

عود إلى أخبار صفين

و اعلم أن هذا الكلام قاله أمير المؤمنين ع لأصحابه في صفين يحرضهم به و قد ذكرنا من حديث صفين فيما تقدم أكثره و نحن نذكر هاهنا تتمة القصة ليكون من وقف على ما تقدم و على هذا المذكور آنفا هنا قد وقف على قصة صفين بأسرها.اتفق الناس كلهم أن عمارارضي‌الله‌عنه أصيب مع علي ع بصفين و قال كثير منهم بل الأكثر أن أويسا القرني أصيب أيضا مع علي ع بصفين.و ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفين رواه عن حفص بن عمران البرجمي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري و قد قال رسول الله ص في أويس ما قال و قال الناس كلهم

إن رسول الله ص قال إن الجنة لتشتاق إلى

٩

عمار و رووا عنه ص أن عمارا جاء يستأذن عليه فقال ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب و روى سلمة بن كهيل عن مجاهد أن النبي ص رأى عمارا و هو يحمل أحجار المسجد فقال ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار و

روى الناس كافة أن رسول الله ص قال له تقتلك الفئة الباغية.و روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمرو بن شمر عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهني أن عمار بن ياسر نادى في صفين يوما قبل مقتله بيوم أو يومين أين من يبغي رضوان الله عز و جل و لا يئوب إلى مال و لا ولد فأتته عصابة من الناس فقال أيها الناس اقصدوا بنا قصد هؤلاء القوم الذين يتبعون دم عثمان و يزعمون أنه قتل مظلوما و الله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله و دفع علي ع الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص و كان عليه ذلك اليوم درعان فقال له علي ع كهيئة المازح أيا هاشم أ ما تخشى على نفسك أن تكون أعور جبانا قال ستعلم يا أمير المؤمنين و الله لألفن بين جماجم العرب لف رجل ينوي الآخرة فأخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به اللواء.قال نصر و حدثنا عمرو قال لما دفع علي ع الراية إلى هاشم بن عتبة قال

١٠

له رجل من أصحابه من بكر بن وائل أقدم هاشم يكررها ثم قال ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك أعورا و جبنا قال من هذا قالوا فلان قال أهلها و خير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم و شدوا أزركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إلى الحملة ثم نظر إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال من أولئك قيل أصحاب ذي الكلاع ثم نظر فرأى جندا فقال من أولئك قيل قريش و قوم من أهل المدينة فقال قومي لا حاجة لي في قتالهم من عند هذه القبة البيضاء قيل معاوية و جنده قال فإني أرى دونهم أسودة قيل ذاك عمرو بن العاص و ابناه و مواليه فأخذ الراية فهزها فقال رجل من أصحابه البث قليلا و لا تعجل فقال هاشم

قد أكثرا لومي و ما أقلا

إني شريت النفس لن أعتلا

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا

أشلهم بذي الكعوب شلا

١١

مع ابن عم أحمد المعلى

أول من صدقه و صلى

قال نصر و حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال لما تناول هاشم الراية جعل عمار بن ياسر يحرضه على الحرب و يقرعه بالرمح و يقول أقدم يا أعور

لا خير في أعور لا يأتي الفزع

فيستحيي من عمار و يتقدم و يركز الراية فإذا ركزها عاوده عمار بالقول فيتقدم أيضا فقال عمرو بن العاص إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا و عمار ينادي صبرا و الله إن الجنة تحت ظلال البيض فكان بإزاء هاشم و عمار أبو الأعور السلمي و لم يزل عمار بهاشم ينخسه و هو يزحف بالراية حتى اشتد القتال و عظم و التقى الزحفان و اقتتلا قتالا لم يسمع السامعون بمثله و كثرت القتلى في الفريقين جميعا.و روى نصر عن عمرو بن شمر قال حدثني من أثق به من أهل العراق

١٢

قال لما التقينا بالقوم في ذلك اليوم وجدناهم خمسة صفوف قد قيدوا أنفسهم بالعمائم فقتلنا صفا ثم صفا ثم خلصنا إلى الرابع ما على الأرض شامي و لا عراقي يولي دبره و أبو الأعور يقول

إذا ما فررنا كان أسوأ فرارنا

صدود الخدود و ازورار المناكب

صدود الخدود و القنا متشاجر

و لا تبرح الأقدام عند التضارب

قال نصر و التقت في هذا اليوم همدان العراق بعك الشام فقال قائلهم

همدان همدان و عك عك

ستعلم اليوم من الأرك

و كانت على عك الدروع و ليس عليهم رايات فقالت همدان خدموا القوم أي اضربوا سوقهم فقالت عك ابركوا برك الكمل فبركوا كما يبرك الجمل ثم رموا الحجر و قالوا لا نفر حتى يفر الحكر.قال نصر و اقتتل الناس من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة.ثم إن أهل العراق كشفوا ميمنة أهل الشام فطاروا في سواد الليل و كشف أهل الشام ميسرة أهل العراق فاختلطوا في سواد الليل و تبدلت الرايات بعضها ببعض فلما أصبح الناس وجد أهل الشام لواءهم و ليس حوله إلا ألف رجل فاقتلعوه و ركزوه من

١٣

وراء موضعه الأول و أحاطوا به و وجد أهل العراق لواءهم مركوزا و ليس حوله إلا ربيعة و علي ع بينها و هم محيطون به و هو لا يعلم من هم و يظنهم غيرهم فلما أذن مؤذن علي ع الفجر قال علي ع

يا مرحبا بالقائلين عدلا

و بالصلاة مرحبا و أهلا

ثم وقف و صلى الفجر فلما انفتل أبصر وجوها ليست بوجوه أصحابه بالأمس و إذا مكانه الذي هو فيه ما بين الميسرة إلى القلب فقال من القوم قالوا ربيعة و إنك يا أمير المؤمنين لعندنا منذ الليلة فقال

فخر طويل لك يا ربيعة

ثم قال لهاشم بن عتبة خذ اللواء فو الله ما رأيت مثل هذه الليلة فخرج هاشم باللواء حتى ركزه في القلب.قال نصر حدثنا عمرو بن شمر عن الشعبي قال عبى معاوية تلك الليلة أربعة آلاف و ثلاثمائة من فارس و راجل معلمين بالخضرة و أمرهم أن يأتوا عليا ع من ورائه ففطنت لهم همدان فواجهوهم و صمدوا إليهم فباتوا تلك الليلة يتحارسون و علي ع قد أفضى به ذهابه و مجيئه إلى رايات ربيعة فوقف بينها و هو لا يعلم و يظن أنه في العسكر الأشعث فلما أصبح لم ير الأشعث و لا أصحابه و رأى سعيد بن قيس الهمداني على مركزه فجاء إلى سعيد رجل من ربيعة يقال له زفر فقال له أ لست القائل بالأمس لئن لم تنته ربيعة لتكونن ربيعة ربيعة و همدان همدان فما أغنت همدان

١٤

البارحة فنظر إليه علي ع نظر منكر و نادى منادي علي ع أن اتعدوا للقتال و اغدوا عليه و انهدوا إلى عدوكم فكلهم تحرك إلا ربيعة لم تتحرك فبعث إليهم علي ع أن انهدوا إلى عدوكم فبعث إليهم أبا ثروان فقال إن أمير المؤمنين ع يقرئكم السلام و يقول لكم يا معشر ربيعة ما لكم لا تنهدون إلى عدوكم و قد نهد الناس قالوا كيف ننهد و هذه الخيل من وراء ظهرنا قل لأمير المؤمنين فليأمر همدان أو غيرها بمناجزتهم لننهد فرجع أبو ثروان إلى علي ع فأخبره فبعث إليهم الأشتر فقال يا معشر ربيعة ما منعكم أن تنهدوا و قد نهد الناس و كان جهير الصوت و أنتم أصحاب كذا و أصحاب كذا فجعل يعدد أيامهم فقالوا لسنا نفعل حتى ننظر ما تصنع هذه الخيل التي خلف ظهورنا و هي أربعة آلاف قل لأمير المؤمنين فليبعث إليهم من يكفيه أمرهم.و راية ربيعة يومئذ مع الحضين بن المنذر فقال لهم الأشتر فإن أمير المؤمنين يقول لكم اكفونيها إنكم لو بعثتم إليهم طائفة منكم لتركوكم في هذه الفلاة و فروا كاليعافير فوجهت حينئذ ربيعة إليهم تيم الله و النمر بن قاسط و عنزة قالوا فمشينا إليهم مستلئمين مقنعين في الحديد و كان عامة قتال صفين مشيا قال فلما أتيناهم هربوا و انتشروا انتشار الجراد فذكرت قوله و فروا كاليعافير ثم رجعنا إلى أصحابنا و قد نشب القتال بينهم و بين أهل الشام و قد اقتطع أهل الشام طائفة من أهل العراق بعضها من ربيعة فأحاطوا بها فلم نصل إليها حتى حملنا على أهل الشام فعلوناهم بالأسياف حتى انفرجوا لنا فأفضينا إلى أصحابنا فاستنقذناهم و عرفناهم تحت النقع بسيماهم و علامتهم و كانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الأبيض قد جعلوه في رءوسهم و على

١٥

أكتافهم و شعارهم يا الله يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد يا رحمان يا رحيم و كانت علامة أهل الشام خرقا صفرا قد جعلوها على رءوسهم و أكتافهم و شعارهم

نحن عباد الله حقا حقا

يا لثارات عثمان قال نصر فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد فلم يتحاجزوا حتى حجز بينهم الليل و ما يرى رجل من هؤلاء و من هؤلاء موليا.قال نصر حدثنا عمر بن سعد قال كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية و إنهم لحديثو عهد بها فالتقوا في الإسلام و فيهم بقايا تلك الحمية و عند بعضهم بصيرة الدين و الإسلام فتضاربوا و استحيوا من الفرار حتى كادت الحرب تبيدهم و كانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم.قال نصر فحدثنا عمر بن سعد قال فبينا علي ع واقفا بين جماعة من همدان و حمير و غيرهم من أفناء قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام من دل على أبي نوح الحميري فقيل له قد وجدته فما ذا تريد قال فحسر عن لثامة فإذا هو ذو الكلاع الحميري و معه جماعة من أهله و رهطه فقال لأبي نوح سر معي قال إلى أين قال إلى أن نخرج عن الصف قال و ما شأنك قال إن لي إليك لحاجة فقال أبو نوح معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة قال ذو الكلاع بلى فسر فلك ذمة الله و ذمة رسوله

١٦

و ذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار أبو نوح و سار ذو الكلاع فقال له إنما دعوتك أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص قديما في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الآن به فأعاده أنه يزعم أنه سمع رسول الله ص قال يلتقي أهل الشام و أهل العراق و في إحدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى و معه عمار بن ياسر فقال أبو نوح نعم و الله إنه لفينا قال نشدتك الله أ جاد هو على قتالنا قال أبو نوح نعم و رب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني و لوددت أنكم خلق واحد فذبحته و بدأت بك قبلهم و أنت ابن عمي قال ذو الكلاع ويلك علام تمنى ذلك منا فو الله ما قطعتك فيما بيني و بينك قط و إن رحمك لقريبة و ما يسرني أن أقتلك قال أبو نوح إن الله قطع بالإسلام أرحاما قريبة و وصل به أرحاما متباعدة و إني قاتلك و أصحابك لأنا على الحق و أنتم على الباطل قال ذو الكلاع فهل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشام فأنا لك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص فتخبره بحال عمار و جده في قتالنا لعله أن يكون صلح بين هذين الجندين.قلت وا عجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان عمار و لا يعتريهم الشك لمكان علي ع و يستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم و لا يعبئون بمكان علي ع و يحذرون من قول النبي ص تقتلك الفئة الباغية و يرتاعون لذلك و لا يرتاعون لقوله ص في علي ع اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و لا لقوله لا يحبك إلا مؤمن

١٧

و لا يبغضك إلا منافق و هذا يدلك على أن عليا ع اجتهدت قريش كلها من مبدإ الأمر في إخمال ذكره و ستر فضائله و تغطية خصائصه حتى محي فضله و مرتبته من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم.قال نصر فقال له أبو نوح إنك رجل غادر و أنت في قوم غدر و إن لم يرد الغدر أغدروك و إني أن أموت أحب إلى من أن أدخل مع معاوية فقال ذو الكلاع أنا جار لك من ذلك ألا تقتل و لا تسلب و لا تكره على بيعة و لا تحبس عن جندك و إنما هي كلمة تبلغها عمرو بن العاص لعل الله أن يصلح بذلك بين هذين الجندين و يضع عنهم الحرب فقال أبو نوح إني أخاف غدراتك و غدرات أصحابك قال ذو الكلاع أنا لك بما قلت زعيم قال أبو نوح اللهم إنك ترى ما أعطاني ذو الكلاع و أنت تعلم ما في نفسي فاعصمني و اختر لي و انصرني و ادفع عني ثم سار مع ذي الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص و هو عند معاوية و حوله الناس و عبد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو يا أبا عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب مشفق يخبرك عن عمار بن ياسر فلا يكذبك قال و من هو قال هو ابن عمي هذا و هو من أهل الكوفة فقال عمرو أرى عليك سيما أبي تراب فقال أبو نوح على سيما محمد و أصحابه و عليك سيما أبي جهل و سيما فرعون فقام أبو الأعور فسل سيفه و قال لا أرى هذا الكذاب اللئيم يسبنا بين أظهرنا و عليه سيما أبي تراب فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ابن عمي و جاري عقدت له ذمتي و جئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فيه فقال له عمرو بن العاص يا أبا نوح أذكرك بالله إلا ما صدقتنا و لم تكذبنا أ فيكم عمار بن ياسر قال أبو نوح ما أنا بمخبرك حتى تخبر لم تسأل عنه و معنا من أصحاب محمد ص عدة غيره و كلهم جاد على قتالكم فقال عمرو سمعت رسول الله ص يقول إن

١٨

عمارا تقتله الفئة الباغية و إنه ليس لعمار أن يفارق الحق و لن تأكل النار من عمار شيئا فقال أبو نوح لا إله إلا الله و الله أكبر و الله إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو الله الذي لا إله إلا هو إنه لجاد على قتالنا قال نعم و الله الذي لا إله إلا هو و لقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر على أهل البصرة و لقد قال لي أمس إنكم لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنكم على باطل و لكانت قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار قال عمرو فهل تستطيع أن تجمع بيني و بينه قال نعم فركب عمرو بن العاص و ابناه و عتبة بن أبي سفيان و ذو الكلاع و أبو الأعور السلمي و حوشب و الوليد بن عقبة و انطلقوا و سار أبو نوح و معه شرحبيل بن ذي الكلاع يحميه حتى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع أصحاب له منهم الأشتر و هاشم و ابنا بديل و خالد بن معمر و عبد الله بن حجل و عبد الله بن العباس.فقال لهم أبو نوح إنه دعاني ذو الكلاع و هو ذو رحم فقال أخبرني عن عمار بن ياسر أ فيكم هو فقلت لم تسأل فقال أخبرني عمرو بن العاص في إمرة عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله ص يقول يلتقي أهل الشام و أهل العراق و عمار مع أهل الحق و تقتله الفئة الباغية فقلت نعم إن عمارا فينا فسألني أ جاد هو على قتالنا فقلت نعم و الله إنه لأجد مني في ذلك و لوددت أنكم خلق واحد فذبحته و بدأت بك يا ذا الكلاع فضحك عمار و قال أ يسرك ذلك قال نعم ثم قال أبو نوح أخبرني الساعة عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية قال عمار أ قررته بذلك قال نعم لقد قررته بذلك فأقر

١٩

فقال عمار صدق و ليضرنه ما سمع و لا ينفعه قال أبو نوح فإنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه اركبوا فركبوا و ساروا قال فبعثنا إليهم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر فذهب حتى إذا كان قريبا منهم نادى أين عمرو بن العاص قالوا هاهنا فأخبره بمكان عمار و خيله قال عمرو قل له فليسر إلينا قال عوف إنه يخاف غدارتك و فجراتك قال عمرو ما أجرأك علي و أنت على هذه الحال قال عوف جرأني عليك بصري فيك و في أصحابك و إن شئت نابذتك الآن على سواء و إن شئت التقيت أنت و خصماؤك و أنت كنت غادرا فقال عمرو إنك لسفيه و إني باعث إليك رجلا من أصحابي يواقفك قال ابعث من شئت فلست بالمستوحش و إنك لا تبعث إلا شقيا فرجع عمرو و أنفذ إليه أبا الأعور فلما تواقفا تعارفا فقال عوف إني لأعرف الجسد و أنكر القلب و إني لا أراك مؤمنا و لا أراك إلا من أهل النار قال أبو الأعور يا هذا لقد أعطيت لسانا يكبك الله به على وجهك في النار قال عوف كلا و الله إني لأتكلم بالحق و تتكلم بالباطل و إني أدعوك إلى الهدى و أقاتلك على الضلال و أفر من النار و أنت بنعمة الله ضال تنطق بالكذب و تقاتل على ضلالة و تشتري العقاب بالمغفرة و الضلالة بالهدى انظر إلى وجوهنا و وجوهكم و سيمانا و سيماكم و اسمع دعوتنا و دعوتكم فليس أحد منا إلا و هو أولى بالحق و بمحمد و أقرب إليه منكم فقال أبو الأعور لقد أكثرت الكلام و ذهب النهار ويحك ادع أصحابك و أدعو أصحابي و ليأت أصحابك في قلة إن شاءوا أو كثرة فإني أجي‏ء من أصحابي بعدتهم فإن شاء أصحابك فليقلوا

٢٠