كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٨

كتاب شرح نهج البلاغة12%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20796 / تحميل: 6824
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ثم ظهر المغيرة بن سعيد مولى بجيلة فأراد أن يحدث لنفسه مقالة يستهوي بها قوما و ينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا فغلا في علي ع و قال لو شاء علي لأحيا عادا و ثمود و قرونا بين ذلك كثيرا.و روى علي بن محمد النوفلي قال جاء المغيرة بن سعيد فاستأذن على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين و قال له أخبر الناس أني أعلم الغيب و أنا أطعمك العراق فزجره أبو جعفر زجرا شديدا و أسمعه ما كره فانصرف عنه فأتى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفيةرحمه‌الله فقال له مثل ذلك و كان أبو هاشم أيدا فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفى به على الموت فتعالج حتى برئ ثم أتى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسنرحمه‌الله و كان محمد سكيتا فقال له كما قال للرجلين فسكت محمد فلم يجبه فخرج و قد طمع فيه بسكوته و قال أشهد أن هذا هو المهدي الذي بشر به رسول الله ص و أنه قائم أهل البيت و ادعى أن علي بن الحسين ع أوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن ثم قدم المغيرة الكوفة و كان مشعبذا فدعا الناس إلى قوله و استهواهم و استغواهم فاتبعه خلق كثير و ادعى على محمد بن عبد الله أنه أذن له في خنق الناس و إسقائهم السموم و بث أصحابه في الأسفار يفعلون ذلك بالناس فقال له بعض أصحابه إنا نخنق من لا نعرف فقال لا عليكم إن كان من أصحابكم عجلتموه إلى الجنة و إن كان من عدوكم عجلتموه إلى النار و لهذا السبب كان المنصور يسمي محمد بن عبد الله الخناق و ينحله ما ادعاه عليه المغيرة.ثم تفاقم أمر الغلاة بعد المغيرة و أمعنوا في الغلو فادعوا حلول الذات الإلهية

١٢١

المقدسة في قوم من سلالة أمير المؤمنين ع و قالوا بالتناسخ و جحدوا البعث و النشور و أسقطوا الثواب و العقاب و قال قوم منهم إن الثواب و العقاب إنما هو ملاذ هذه الدنيا و مشاقها و تولدت من هذه المذاهب القديمة التي قال بها سلفهم مذاهب أفحش منها قال بها خلفهم حتى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية و هي التي أحدثها محمد بن نصير النميري و كان من أصحاب الحسن العسكري ع و المقالة المعروفة بالإسحاقية و هي التي أحدثها إسحاق بن زيد بن الحارث و كان من أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كان يقول بالإباحة و إسقاط التكاليف و يثبت لعلي ع شركة مع رسول الله ص في النبوة على وجه غير هذا الظاهر الذي يعرفه الناس و كان محمد بن نصير من أصحاب الحسن بن علي بن محمد بن الرضا فلما مات ادعى وكالة لابن الحسن الذي تقول الإمامية بإمامته ففضحه الله تعالى بما أظهره من الإلحاد و الغلو و القول بتناسخ الأرواح ثم ادعى أنه رسول الله و نبي من قبل الله تعالى و أنه أرسله علي بن محمد بن الرضا و جحد إمامة الحسن العسكري و إمامة ابنه و ادعى بعد ذلك الربوبية و قال بإباحة المحارم.و للغلاة أقوال كثيرة طويلة عريضة و قد رأيت أنا جماعة منهم و سمعت أقوالهم و لم أر فيهم محصلا و لا من يستحق أن يخاطب و سوف أستقصي ذكر فرق الغلاة و أقوالهم في الكتاب الذي كنت متشاغلا بجمعه و قطعني عنه اهتمامي بهذا الشرح و هو الكتاب المسمى بمقالات الشيعة إن شاء الله تعالى.قوله ع و الزموا السواد الأعظم و هو الجماعة و قد جاء في الخبر عن

١٢٢

رسول الله ص هذه اللفظة التي ذكرها ع و هي يد الله على الجماعة و لا يبالي بشذوذ من شذ و جاء في معناها كثير نحو قوله ع الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد و قوله لا تجتمع أمتي على خطإ و قوله سألت الله ألا تجتمع أمتي على خطإ فأعطانيها و قوله ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و قوله لا تجتمع أمتي على ضلالة و سألت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها و لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلال و لا خطإ و قوله ع عليكم بالسواد الأعظم و قوله من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه و قوله من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية و قوله من سره بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة.و الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا.ثم قال ع من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه يعني الخوارج و كان شعارهم أنهم يحلقون وسط رءوسهم و يبقى الشعر مستديرا حوله كالإكليل.قال و لو كان تحت عمامتي هذه أي لو اعتصم و احتمى بأعظم الأشياء حرمة فلا تكفوا عن قتله.ثم ذكر أنه إنما حكم الحكمان ليحييا ما أحياه القرآن أي ليجتمعا على ما شهد القرآن باستصوابه و استصلاحه و يميتا ما أماته القرآن أي ليفترقا و يصدا و ينكلا عما كرهه القرآن و شهد بضلاله.و البجر بضم الباء الشر العظيم قال الراجز

أرمي عليها و هي شي‏ء بجر

١٢٣

أي داهية.و لا ختلتكم أي خدعتكم ختله و خاتله أي خدعه و التخاتل التخادع و لا لبسته عليكم أي جعلته مشتبها ملتبسا ألبست عليهم الأمر ألبسه بالكسر.و الملأ الجماعة من الناس و الصمد القصد.قال سبق شرطنا سوء رأيهما لأنا اشترطنا عليهما في كتاب الحكومة ما لا مضرة علينا مع تأمله فيما فعلاه من اتباع الهوى و ترك النصيحة للمسلمين

١٢٤

١٢٨ و من كلام له ع فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة

يَا أَحْنَفُ كَأَنِّي بِهِ وَ قَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ اَلَّذِي لاَ يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَ لاَ لَجَبٌ وَ لاَ قَعْقَعَةُ لُجُمٍ وَ لاَ حَمْحَمَةُ خَيْلٍ يُثِيرُونَ اَلْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ اَلنَّعَامِ قال الشريف الرضي أبو الحسنرحمه‌الله تعالى يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ثُمَّ قَالَ ع وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ اَلْعَامِرَةِ وَ اَلدُّورِ اَلْمُزَخْرَفَةِ اَلَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ اَلنُّسُورِ وَ خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ اَلْفِيَلَةِ مِنْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ وَ لاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ أَنَا كَابُّ اَلدُّنْيَا لِوَجْهِهَا وَ قَادِرُهَا بِقَدْرِهَا وَ نَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا اللجب الصوت و الدور المزخرفة المزينة المموهة بالزخرف و هو الذهب.و أجنحة الدور التي شبهها بأجنحة النسور رواشينها و الخراطيم ميازيبها.

١٢٥

و قوله لا يندب قتيلهم ليس يريد به من يقتلونه بل القتيل منهم و ذلك لأن أكثر الزنج الذين أشار إليهم كانوا عبيدا لدهاقين البصرة و بناتها و لم يكونوا ذوي زوجات و أولاد بل كانوا على هيئة الشطار عزابا فلا نادبة لهم.و قوله و لا يفقد غائبهم يريد به كثرتهم و أنهم كلما قتل منهم قتيل سد مسده غيره فلا يظهر أثر فقده.و قوله أنا كأب الدنيا لوجهها مثل الكلمات المحكية

عن عيسى ع أنا الذي كببت الدنيا على وجهها ليس لي زوجة تموت و لا بيت يخرب وسادي الحجر و فراشي المدر و سراجي القمر

أخبار صاحب الزنج و فتنته و ما انتحله من عقائد

فأما صاحب الزنج هذا فإنه ظهر في فرات البصرة في سنة خمس و خمسين و مائتين رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة.و أكثر الناس يقدحون في نسبه و خصوصا الطالبيين و جمهور النسابين اتفقوا على

١٢٦

أنه من عبد القيس و أنه علي بن محمد بن عبد الرحيم و أمه أسدية من أسد بن خزيمة جدها محمد بن حكيم الأسدي من أهل الكوفة أحد الخارجين مع زيد بن علي بن الحسين ع على هشام بن عبد الملك فلما قتل زيد هرب فلحق بالري و جاء إلى القرية التي يقال لها ورزنين فأقام بها مدة و بهذه القرية ولد علي بن محمد صاحب الزنج و بها منشؤه و كان أبو أبيه المسمى عبد الرحيم رجلا من عبد القيس كان مولده بالطالقان فقدم العراق و اشترى جارية سندية فأولدها محمدا أباه.و كان علي هذا متصلا بجماعة من حاشية السلطان و خول بني العباس منهم غانم الشطرنجي و سعيد الصغير و بشير خادم المنتصر و كان منهم معاشه و من قوم من كتاب الدولة يمدحهم و يستمنحهم بشعره و يعلم الصبيان الخط و النحو و النجوم و كان حسن الشعر مطبوعا عليه فصيح اللهجة بعيد الهمة تسمو نفسه إلى معالي الأمور و لا يجد إليها سبيلا و من شعره القصيدة المشهورة التي أولها:

١٢٧

رأيت المقام على الاقتصاد

قنوعا به ذلة في العباد

و من جملتها

إذا النار ضاق بها زندها

ففسحتها في فراق الزناد

إذا صارم قر في غمده

حوى غيره السبق يوم الجلاد

و من الشعر المنسوب إليه:

و أنا لتصبح أسيافنا

إذا ما انتضين ليوم سفوك

منابرهن بطون الأكف

و أغمادهن رءوس الملوك

و من شعره في الغزل

و لما تبينت المنازل بالحمى

و لم أقض منها حاجة المتورد

زفرت إليها زفرة لو حشوتها

سرابيل أبدان الحديد المسرد

لرقت حواشيها و ظلت متونها

تلين كما لانت لداود في اليد

و من شعره أيضا

و إذا تنازعني أقول لها قري

موت يريحك أو صعود المنبر

ما قد قضى سيكون فاصطبري له

و لك الأمان من الذي لم يقدر

و قد ذكر المسعودي في كتابه المسمى مروج الذهب أن أفعال علي بن محمد صاحب الزنج تدل على أنه لم يكن طالبيا و تصدق ما رمي به من دعوته في النسب لأن ظاهر حاله كان ذهابه إلى مذهب الأزارقة في قتل النساء و الأطفال و الشيخ الفاني و المريض

١٢٨

و قد روي أنه خطب مرة فقال في أول خطبته لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر لا حكم إلا لله و كان يرى الذنوب كلها شركا.و من الناس من يطعن في دينه و يرميه بالزندقة و الإلحاد و هذا هو الظاهر من أمره لأنه كان متشاغلا في بدايته بالتنجيم و السحر و الأصطرلابات.و ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أن علي بن محمد شخص من سامراء و كان يعلم الصبيان بها و يمدح الكتاب و يستميح الناس في سنة تسع و أربعين و مائتين إلى البحرين فادعى بها أنه علي بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ع و دعا الناس بهجر إلى طاعته فاتبعه جماعة كثيرة من أهلها و اتبعه جماعة أخرى فكانت بسببه بين الذين اتبعوه و الذين أبوه عصبية قتل فيها بينهم جماعة فانتقل عنهم لما حدث ذلك إلى الأحساء و ضوى إلى حي من بني تميم ثم من بني سعد يقال لهم بنو الشماس فكان بينهم مقامه و قد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي ص فيما ذكر حتى جبي له الخراج هنالك و نفذ حكمه فيهم و قاتلوا أسباب السلطان لأجله و وتر منهم جماعة كثيرة فتنكروا له فتحول عنهم إلى البادية و لما انتقل إلى البادية صحبه جماعة من أهل البحرين منهم رجل كيال من أهل الأحساء يقال له يحيى بن محمد الأزرق مولى بني دارم و يحيى بن أبي

١٢٩

ثعلب و كان تاجرا من أهل هجر و بعض موالي بني حنظلة أسود يقال له سليمان بن جامع و كان قائد جيشه حيث كان بالبحرين.ثم تنقل في البادية من حي إلى حي فذكر عنه أنه كان يقول أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إمامتي منها أني لقيت سورا من القرآن لم أكن أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة منها سبحان و الكهف و صاد و منها أني ألقيت نفسي على فراشي و جعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له و أجعل مقامي به إذا نبت البادية بي و ضقت ذرعا بسوء طاعة أهلها فأظلتني سحابه فبرقت و رعدت و اتصل صوت الرعد منها بسمعي فخوطبت فقيل لي اقصد البصرة فقلت لأصحابي و هم يكتنفونني إني أمرت بصوت من هذا الرعد بالمصير إلى البصرة.و ذكر عنه أنه عند مصيره إلى البادية أوهم أهلها أنه يحيى بن عمر أبو الحسين المقتول بناحية الكوفة في أيام المستعين فاختدع بذلك قوما منهم حتى اجتمع عليه منهم جماعة فزحف بهم إلى موضع من البحرين يقال له الردم فكانت بينه و بين أهله وقعة عظيمة كانت الدبرة فيها عليه و على أصحابه قتلوا فيها قتلا ذريعا فتفرقت عنه العرب و كرهته و تجنبت صحبته.فلما تفرقت العرب عنه و نبت به البادية شخص عنها إلى البصرة فنزل بها في بني ضبيعة فاتبعه بها جماعة منهم علي بن أبان المعروف بالمهلبي من ولد المهلب بن أبي صفرة و أخواه محمد و الخليل و غيرهم و كان قدومه البصرة في سنة أربع و خمسين و مائتين

١٣٠

و عامل السلطان بها يومئذ محمد بن رجاء و وافق ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية و السعدية فطمع في أحد الفريقين أن يميل إليه فأرسل أربعة من أصحابه يدعون إليه و هم محمد بن سلم القصاب الهجري و بريش القريعي و علي الضراب و الحسين الصيدناني و هم الذين كانوا صحبوه بالبحرين فلم يستجب لهم أحد من أهل البلد و ثار عليهم الجند فتفرقوا و خرج علي بن محمد من البصرة هاربا و طلبه ابن رجاء فلم يقدر عليه و أخبر ابن رجاء بميل جماعة من أهل البصرة إليه فأخذهم فحبسهم و حبس معهم زوجة علي بن محمد و ابنه الأكبر و جارية له كانت حاملا و مضى علي بن محمد لوجهه يريد بغداد و معه قوم من خاصته منهم محمد بن سلم و يحيى بن محمد و سليمان بن جامع و بريش القريعي فلما صاروا بالبطيحة نذر بهم بعض موالي الباهليين كان يلي أمر البطيحة فأخذهم و حملهم إلى محمد بن أبي عون و هو عامل السلطان بواسط فاحتال لابن أبي عون حتى تخلص هو و أصحابه من يده ثم صار إلى بغداد فأقام بها سنة و انتسب في هذه السنة إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد و كان يزعم أنه ظهر له أيام مقامه ببغداد في هذه السنة آيات و عرف ما في ضمائر أصحابه و ما يفعله كل واحد منهم و أنه سأل ربه أن يعلمه حقيقة أمور كانت في نفسه فرأى كتابا يكتب له على حائط و لا يرى شخص كاتبه.قال أبو جعفر و استمال ببغداد جماعة منهم جعفر بن محمد الصوحاني من ولد زيد بن صوحان العبدي و محمد بن القاسم و غلامان لبني خاقان و هما مشرق و رفيق فسمى مشرقا حمزة و كناه أبا أحمد و سمى رفيقا جعفرا و كناه أبا الفضل فلما انقضى عامه ذلك ببغداد عزل محمد بن رجاء عن البصرة فوثبت رؤساء الفتنة بها من البلالية و السعدية

١٣١

ففتحوا المحابس و أطلقوا من كان فيها فتخلص أهله و ولده فيمن تخلص فلما بلغه ذلك شخص عن بغداد فكان رجوعه إلى البصرة في شهر رمضان من سنة خمس و خمسين و مائتين و معه علي بن أبان المهلبي و قد كان لحق به و هو بمدينة السلام مشرق و رفيق و أربعة أخر من خواصه و هم يحيى بن محمد و محمد بن سلم و سليمان بن جامع و أبو يعقوب المعروف بجربان فساروا جميعا حتى نزلوا بالموضع المعروف ببرنخل من أرض البصرة في قصر هناك يعرف بقصر القرشي على نهر يعرف بعمود بن المنجم كان بنو موسى بن المنجم احتفروه و أظهر أنه وكيل لولد الواثق في بيع ما يملكونه هناك من السباخ.قال أبو جعفر فذكر عن ريحان بن صالح أحد غلمان الشورجيين الزنوج و هو أول من صحبه منهم قال كنت موكلا بغلمان مولاي أنقل الدقيق إليهم فمررت به و هو مقيم بقصر القرشي يظهر الوكالة لأولاد الواثق فأخذني أصحابه و صاروا بي إليه و أمروني بالتسليم عليه بالإمرة ففعلت ذلك فسألني عن الموضع الذي جئت منه فأخبرته أني أقبلت من البصرة فقال هل سمعت لنا بالبصرة خبرا قلت لا قال فخبر البلالية و السعدية قلت لم أسمع لهم خبرا فسألني عن غلمان الشورجيين و ما يجري لكل جماعة منهم من الدقيق و السويق و التمر و عمن يعمل في الشورج من الأحرار و العبيد فأعلمته ذلك فدعاني إلى ما هو عليه فأجبته فقال لي احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان فأقبل بهم إلي و وعدني أن يقودني على من آتيه به منهم و أن يحسن إلي و استحلفني ألا أعلم أحدا بموضعه و أن أرجع إليه فخلى سبيلي فأتيت بالدقيق الذي معي إلى غلمان مولاي و أخبرتهم خبره و أخذت له البيعة عليهم و وعدتهم عنه بالإحسان و الغنى و رجعت إليه من غد ذلك اليوم و قد وافاه رفيق غلام الخاقانية

١٣٢

و قد كان وجهه إلى البصرة يدعو إليه غلمان الشورج و وافى إليه صاحب له آخر يعرف بشبل بن سالم قد كان دعا إليه قوما منهم أيضا و أحضر معه حريرة كان أمره بابتياعها ليتخذها لواء فكتب فيها بالحمرة( إِنَّ اَللَّهَ اِشْتَرى‏ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ) الآية و كتب اسمه و اسم أبيه عليها و علقها في رأس مردي و خرج وقت السحر من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان فلما صار إلى مؤخر القصر الذي كان فيه لقيه غلمان رجل من الشورجيين يعرف بالعطار متوجهين إلى أعمالهم فأمر بأخذ وكيلهم فأخذ و كتف و استضم غلمانه إلى غلمانه و كانوا خمسين غلاما ثم صار إلى الموضع المعروف بالسنائي فاتبعه الغلمان الذين كانوا فيه و هم خمسمائة غلام فيهم الغلام المعروف بأبي حديد و أمر بأخذ وكيلهم و كتفه ثم مضى إلى الموضع المعروف بالسيرافي فاتبعه من كان فيه من غلمان و هم مائة و خمسون غلاما منهم زريق و أبو الخنجر ثم صار إلى الموضع المعروف بسبخة ابن عطاء فأخذ طريفا و صبيحا الأعسر و راشد المغربي و راشد القرمطي و كل هؤلاء من وجوه الزنج و أعيانهم الذين صاروا قوادا و أمراء في جيوشهم و أخذ معهم ثمانين غلاما.ثم أتى إلى الموضع المعروف بغلام سهل الطحان فاستضاف من كان به من الغلمان ثم لم يزل يفعل مثل ذلك في يومه حتى اجتمع إليه بشر كثير من الزنج ثم قام فيهم

١٣٣

آخر الليل خطيبا فمناهم و وعدهم أن يقودهم و يرئسهم و يملكهم الأموال و الضياع و حلف لهم بالأيمان الغليظة ألا يغدر بهم و لا يخذلهم و لا يدع شيئا من الإحسان إلا أتى إليهم.ثم دعا وكلاءهم فقال قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم و قهرتموهم و فعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم و كلفتموهم ما لا يطيقونه فكلمني أصحابي فيكم فرأيت إطلاقكم.فقالوا له أصلحك الله إن هؤلاء الغلمان أباق و إنهم سيهربون منك فلا يبقون عليك و لا علينا فخذ من مواليهم مالا و أطلقهم.فأمر الغلمان فأحضروا شطوبا ثم بطح كل قوم وكيلهم فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة و أحلفهم بطلاق نسائهم ألا يعلموا أحدا بموضعه ثم أطلقهم فمضوا نحو البصرة و مضى رجل منهم حتى عبر دجيل الأهواز فأنذر الشورجيين ليحفظوا غلمانهم و كان هناك خمسة عشر ألف غلام زنجي ثم سار و عبر دجيلا و سار إلى نهر ميمون بأصحابه و اجتمع إليه السودان من كل جهة.فلما كان يوم الفطر جمعهم و خطب خطبة ذكر فيها ما كانوا عليه من سوء الحال و أن الله تعالى قد استنقذهم من ذلك و أنه يريد أن يرفع أقدارهم و يملكهم العبيد و الأموال و المنازل و يبلغ بهم أعلى الأمور ثم حلف لهم على ذلك فلما فرغ من خطبته

١٣٤

أمر الذين فهموا عنه قوله أن يفهموه من لا فهم له من عجمهم لتطيب بذلك أنفسهم ففعلوا ذلك.قال أبو جعفر فلما كان في اليوم الثالث من شوال وافاه الحميري أحد عمال السلطان بتلك النواحي في عدد كثير فخرج إليه صاحب الزنج في أصحابه فطرده و هزم أصحابه حتى صاروا في بطن دجلة و استأمن إلى صاحب الزنج رجل من رؤساء السودان يعرف بأبي صالح القصير في ثلاثمائة من الزنج فلما كثر من اجتمع إليه من الزنج قود قواده و قال لهم من أتى منكم برجل من السودان فهو مضموم إليه.قال أبو جعفر و انتهى إليه أن قوما من أعوان السلطان هناك منهم خليفة بن أبي عون علي الأبلة و منهم الحميري قد أقبلوا نحوه فأمر أصحابه بالاستعداد لهم فاجتمعوا للحرب و ليس في عسكره يومئذ إلا ثلاثة أسياف سيفه و سيف علي بن أبان و سيف محمد بن سلم و لحقه القوم و نادى الزنج فبدر مفرج النوبي و المكنى بأبي صالح و ريحان بن صالح و فتح الحجام و قد كان فتح حينئذ يأكل و بين يديه طبق فلما نهض تناول ذلك الطبق و تقدم أمام أصحابه فلقيه رجل من عسكر أصحاب السلطان فلما رآه فتح حمل عليه و حذفه بالطبق الذي كان في يده فرمى الرجل سلاحه و ولى هاربا و انهزم القوم كلهم و كانوا أربعة آلاف فذهبوا على وجوههم و قتل من قتل منهم و مات بعضهم عطشا و أسر كثير منهم فأتى بهم صاحب الزنج فأمر بضرب أعناقهم فضربت و حملت الرءوس على بغال كان أخذها من الشورجيين كانت تنقل الشورج.

١٣٥

قال أبو جعفر و مر في طريقه بالقرية المعروفة بالمحمدية فخرج منها رجل من موالي الهاشميين فحمل على بعض السودان فقتله و دخل القرية فقال له أصحابه ائذن لنا في انتهاب القرية و طلب قاتل صاحبنا فقال لا سبيل إلى ذلك دون أن نعرف ما عند أهلها و هل فعل القاتل ما فعل عن رأيهم و نسائلهم أن يدفعوه إلينا فإن فعلوا و إلا حل لنا قتالهم و عجل المسير من القرية فتركها و سار.قال أبو جعفر ثم مر على القرية المعروفة بالكرخ فأتاه كبراؤها و أقاموا له الأنزال و بات ليلته تلك عندهم فلما أصبح أهدى له رجل من أهل القرية المسماة جبى فرسا كميتا فلم يجد سرجا و لا لجاما فركبه بحبل و سنفه بحبل ليف.قلت هذا تصديق قول أمير المؤمنين ع كأنه به قد سار في الجيش الذي ليس له غبار و لا لجب و لا قعقعة لجم و لا حمحمة خيل يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام.قال أبو جعفر و أول مال صار إليه مائتا دينار و ألف درهم لما نزل القرية المعروفة بالجعفرية أحضر بعض رؤسائها و سأله عن المال فجحد فأمر بضرب عنقه فلما خاف

١٣٦

أحضر له هذا القدر و أحضر له ثلاثة برازين كميتا و أشقر و أشهب فدفع أحدها إلى محمد بن سلم و الآخر إلى يحيى بن محمد و الآخر إلى مشرق غلام الخاقانية و وجدوا في دار لبعض الهاشميين سلاحا فانتهبوه فصار ذلك اليوم بأيدي بعض الزنج سيوف و آلات و أتراس.قال أبو جعفر ثم كانت بينه و بين من يليه من أعوان السلطان كالحميري و رميس و عقيل و غيرهم وقعات كان الظفر فيها كلها له و كان يأمر بقتل الأسرى و يجمع الرءوس معه و ينقلها من منزل إلى منزل و ينصبها أمامه إذا نزل و أوقع الهيبة و الرهبة في صدور الناس بكثرة القتلى و قلة العفو و على الخصوص المأسورين فإنه كان يضرب أعناقهم و لا يستبقي منهم أحدا.قال أبو جعفر ثم كان له مع أهل البصرة وقعة بعد ذلك سار يريدها في ستة آلاف زنجي فاتبعه أهل الناحية المعروفة بالجعفرية ليحاربوه فعسكر عليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة أكثر من خمسمائة رجل فلما فرغ منهم صمد نحو البصرة و اجتمع أهلها و من بها من الجند و حاربوه حربا شديدا فكانت الدائرة عليه و انهزم أصحابه و وقع كثير منهم في النهرين المعروفين بنهر كثير و نهر شيطان و جعل يهتف بهم و يردهم و لا يرجعون و غرق من أعيان جنده و قواده جماعة منهم أبو الجون و مبارك البحراني و عطاء البربري و سلام الشامي فلحقه قوم من جند البصرة و هو على قنطرة نهر كثير فرجع إليهم بنفسه و سيفه في يده فرجعوا عنه حتى صاروا إلى الأرض و هو يومئذ في دراعة و عمامة و نعل و سيف و في يده اليسرى ترس و نزل عن القنطرة فصعدها البصريون يطلبونه فرجع إليهم فقتل منهم رجلا بيده على خمس مراق من القنطرة و جعل يهتف بأصحابه و يعرفهم مكانه و لم يكن بقي معه في ذلك الموضع من أصحابه

١٣٧

إلا أبو الشوك و مصلح و رفيق و مشرق غلاما الخاقانية و ضل أصحابه عنه و انحلت عمامته فبقي على رأسه كور منها أو كوران فجعل يسحبها من ورائه و يعجله المشي عن رفعها و أسرع غلاما الخاقانية في الانصراف و قصر عنهما فغابا عنه فاتبعه رجلان من أهل البصرة بسيفيهما فرجع إليهما فانصرفا عنه و خرج إلى الموضع الذي فيه مجمع أصحابه و قد كانوا تحيروا فلما رأوه سكنوا.قال أبو جعفر ثم سأل عن رجاله و إذا قد هرب كثير منهم و نظر فإذا هو من جميع أصحابه في مقدار خمسمائة رجل فأمر بالنفخ في البوق الذي كانوا يجتمعون لصوته فنفخ فيه فلم يرجع إليه أحد.قال و انتهب أهل البصرة سفنا كانت معه و ظفروا بمتاع من متاعه و كتب من كتبه و أصطرلابات كان معه ثم تلاحق به جماعة ممن كان هرب فأصبح و إذا معه ألف رجل فأرسل محمد بن سلم و سليمان بن جامع و يحيى بن محمد إلى أهل البصرة يعظهم و يعلمهم أنه لم يخرج إلا غضبا لله و للدين و نهيا عن المنكر فعبر محمد بن سلم حتى توسط أهل البصرة و جعل يكلمهم و يخاطبهم فرأوا منه غرة فوثبوا عليه فقتلوه و رجع سليمان و يحيى إلى صاحب الزنج فأخبراه فأمرهما بطي ذلك عن أصحابه حتى يكون هو الذي يخبرهم.فلما صلى بهم العصر نعى إليهم محمد بن سلم و قال لهم إنكم تقتلون به في غد عشرة آلاف من أهل البصرة.قال أبو جعفر و كان الوقعة التي كانت الدبرة عليه فيها يوم الأحد لثلاث عشرة

١٣٨

ليلة خلون من ذي القعدة سنة خمس و خمسين و مائتين فلما كان يوم الإثنين جمع له أهل البصرة و حشدوا لما رأوا من ظهورهم عليه يوم الأحد و انتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي و كان من غزاة البحر في الشذا و له علم بركوبها و الحرب فيها فجمع المطوعة و رماه الأهداف و أهل المسجد الجامع و من خف معه من حزبي البلالية و السعدية و من غير هذه الأصناف من الهاشميين و القرشيين و من يحب النظر و مشاهدة الحرب من سائر أصناف الناس و شحن ثلاثة مراكب من الشذا بالرماة و جعل الناس يزدحمون في الشذا حرصا على حضور ذلك المشهد و مضى جمهور الناس رجالة منهم من معه سلاح و منهم من لا سلاح معه بل نظارة فدخلت السفن النهر المعروف بأم حبيب بعد زوال الشمس من ذلك اليوم في المد و مرت الرجالة و النظارة على شاطئ النهر قد سدوا ما ينفذ فيه البصر كثرة و تكاثفا فوجه صاحب الزنج صاحبه زريقا و أبا الليث الأصبهاني فجعلهم كمينا من الجانب الشرقي من نهر شيطان و كان مقيما بموضع منه و وجه صاحبيه شبلا و حسينا الحمامي فجعلهما كمينا في غربيه و مع كل من الكمينين جماعة و أمر علي بن أبان المهلبي أن يتلقى القوم فيمن بقي معه من جمعه و أمره أن يستتر هو و أصحابه بتراسهم و لا يثور إليهم منه ثائر حتى يوافيهم القوم و يخالطوهم بأسيافهم فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم و تقدم إلى الكمينين إذا جاوزهما الجمع و أحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبي النهر و يصيحا بالناس.و كان يقول لأصحابه بعد ذلك لما أقبل إلى جمع البصرة و عاينته رأيت أمرا هائلا راعني و ملأ صدري رهبة و جزعا ففزعت إلى الدعاء و ليس معي من أصحابي إلا نفر يسير منهم مصلح و ليس منا أحد إلا و قد خيل إليه مصرعه فجعل مصلح يعجبني من

١٣٩

كثرة ذلك الجمع و جعلت أومئ إليه أن اسكت فلما قرب القوم مني قلت اللهم إن هذه ساعة العسرة فأعني فرأيت طيورا بيضا أقبلت فتلقت ذلك الجمع فلم أستتم دعائي حتى بصرت بسميرية من سفنهم قد انقلبت بمن فيها فغرقوا ثم تلتها الشذا فغرقت واحدة بعد واحدة و ثار أصحابي إلى القوم و خرج الكمينان من جنبي النهر و صاحوا و خبطوا الناس فغرقت طائفة و قتلت طائفة و هربت طائفة نحو الشط طمعا فأدركها السيف فمن ثبت قتل و من رجع إلى الماء غرق حتى أبيد أكثر ذلك الجمع و لم ينج منهم إلا الشريد و كثر المفقودون بالبصرة و علا العويل من نسائهم.قال أبو جعفر و هذا يوم الشذا الذي ذكره الناس في أشعارهم و عظموا ما فيه من القتل فكان ممن قتل من بني هاشم جماعة من ولد جعفر بن سليمان و انصرف صاحب الزنج و جمع الرءوس و ملأ بها سفنا و أخرجها من النهر المعروف بأم حبيب في الجزر و أطلقها فوافت البصرة فوقفت في مشرعة تعرف بمشرعة القيار فجعل الناس يأتون تلك الرءوس فيأخذ رأس كل رجل أولياؤه و قوي صاحب الزنج بعد هذا اليوم و سكن الرعب قلوب أهل البصرة منه و أمسكوا عن حربه و كتب إلى السلطان بخبره فوجه جعلان التركي مددا لأهل البصرة في جيش ذوي عدة و أسلحة.

١٤٠

قال أبو جعفر و قال أصحاب علي بن محمد له أنا قد قتلنا مقاتلة أهل البصرة و لم يبق فيها إلا ضعفاؤهم و من لا حراك به فأذن لنا في تقحمها فنهاهم و هجن آراءهم و قال بل نبعد عنها فقد رعبناهم و أخفناهم و لنقتحمها وقتا آخر و انصرف بأصحابه إلى سبخة في آخر أنهار البصرة تعرف بسبخة أبي قرة قريبة من النهر المعروف بالحاجر فأقام هناك و أمر أصحابه باتخاذ الأكواخ و هذه السبخة متوسطة النخل و القرى و العمارات و بث أصحابه يمينا و شمالا يعيثون و يغيرون على القرى و يقتلون الأكرة و ينهبون أموالهم و يسرقون مواشيهم.و جاءه شخص من أهل الكتاب من اليهود يعرف بمارويه فقبل يده و سجد له و سأله عن مسائل كثيرة فأجابه عنها فزعم اليهودي أنه يجد صفته في التوراة و أنه يرى القتال معه و سأله عن علامات في يده و جسده ذكر أنها مذكورة في الكتب فأقام معه.قال أبو جعفر و لما صار جعلان التركي إلى البصرة بعسكره أقام ستة أشهر يحارب صاحب الزنج فإذا التقوا لم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة و النشاب و لم يجد جعلان إلى لقائه سبيلا لضيق الموضع بما فيه من النخل و الدغل عن مجال الخيل

١٤١

و لأن صاحب الزنج قد كان خندق على نفسه و أصحابه.ثم إن صاحب الزنج بيت جعلان فقتل جماعة من أصحابه و روع الباقون روعا شديدا فانصرف جعلان إلى البصرة و وجه إليه مقاتلة السعدية و البلالية في جمع كثيف فواقعهم صاحب الزنج فقهرهم و قتل منهم مقتلة عظيمة و انصرفوا مفلولين و رجع جعلان بأصحابه إلى البصرة فأقام بها معتصما بجدرانها و ظهر عجزه للسلطان فصرفه عن حرب الزنج و أمر سعيد الحاجب بالشخوص إلى البصرة لحربهم.قال أبو جعفر و اتفق لصاحب الزنج من السعادة أن أربعا و عشرين مركبا من مراكب البحر كانت اجتمعت تريد البصرة و انتهى إلى أصحابها خبر الزنج و قطعهم السبل و فيها أموال عظيمة للتجار فاجتمعت آراؤهم على أن شدوا المراكب بعضها إلى بعض حتى صارت كالجزيرة يتصل أولها بآخرها و سارت في دجلة فكان صاحب الزنج يقول نهضت ليلة إلى الصلاة و أخذت في الدعاء و التضرع فخوطبت بأن قيل لي قد أظلك فتح عظيم فالتفت فلم ألبث أن طلعت المراكب فنهض أصحابي إليها في شذاتها فلم يلبثوا أن حووها و قتلوا مقاتلتها و سبوا ما فيها من الرقيق و غنموا منها أموالا لا تحصى و لا يعرف قدرها فأنهبت ذلك أصحابي ثلاثة أيام و أمرت بما بقي منها فحيز لي.قال أبو جعفر ثم دخل الزنج الأبلة في شهر رجب من سنة ست و خمسين و مائتين و ذلك أن جعلان لما تنحى إلى البصرة ألح صاحب الزنج بالسرايا على أهل الأبلة فجعل يحاربهم من ناحية شط عثمان بالرجالة و بما خف له من السفن من ناحية دجلة و جعلت سراياه تضرب إلى ناحية نهر معقل.

١٤٢

فذكر عن صاحب الزنج أنه قال ميلت بين عبادان و الأبلة فملت إلى التوجه إلى عبادان فندبت الرجال إلى ذلك فخوطبت و قيل لي إن أقرب عدو دارا و أولاه ألا يتشاغل عنه بغيره أهل الأبلة فرددت بالجيش الذي كنت سيرته نحو عبادان إلى الأبلة و لم يزالوا يحاربون أهلها إلى أن اقتحموها و أضرموها نارا و كانت مبنية بالساج بناء متكاثفا فأسرعت فيها النار و نشأت ريح عاصف فأطارت شرر ذلك الحريق إلى أن انتهى إلى شط عثمان و قتل بالأبلة خلق كثير و حويت الأسلاب و الأموال على أن الذي أحرق منها كان أكثر مما انتهب و استسلم أهل عبادان بعدها لصاحب الزنج فإن قلوبهم ضعفت و خافوه على أنفسهم و حرمهم فأعطوا بأيديهم و سلموا إليه بلدهم فدخلها أصحابه فأخذوا من كان فيها من العبيد و حملوا ما كان فيها من السلاح ففرقه على أصحابه و صانعه أهلها بمال كف به عنهم.قال أبو جعفر ثم دخل الزنج بعد عبادان إلى الأهواز و لم يثبت لهم أهلها فأحرقوا ما فيها و قتلوا و نهبوا و أخربوا فكان بالأهواز إبراهيم بن محمد المدبر الكاتب و إليه خراجها و ضياعها فأسروه بعد أن ضربوه ضربة على وجهه و حووا كل ما كان يملكه من مال و أثاث و رقيق و كراع و اشتد خوف أهل البصرة و انتقل كثير من أهلها عنها و تفرقوا في بلاد شتى و كثرت الأراجيف من عوامها.

١٤٣

قال أبو جعفر فلما دخلت سنة سبع و خمسين أنفذ السلطان بغراج التركي على حرب البصرة و سعيد بن صالح الحاجب للقاء صاحب الزنج و أمر بغراج بإمداده بالرجال فلما صار سعيد إلى نهر معقل وجد هناك جيشا لصاحب الزنج في النهر المعروف بالمرغاب فأوقع بهم سعيد فهزمهم و استنقذ ما في أيديهم من النساء و النهب و أصابت سعيدا في تلك الوقعة جراحات منها جراحة في فيه.ثم بلغه أن جيشا لصاحب الزنج في الموضع المعروف بالفرات فتوجه إليه فهزمه و استأمن إليه بعض قواد صاحب الزنج حتى لقد كان المرأة من سكان ذلك الموضع تجد الزنجي مستترا بتلك الأدغال فتقبض عليه حتى تأتي به عسكر سعيد ما به عنها امتناع ثم قصد سعيد حرب صاحب الزنج فعبر إليه إلى غربي دجلة فأوقع به وقعات متتالية كلها يكون الظفر فيها لسعيد إلى أن تهيأ لصاحب الزنج عليه أن وجه إلى يحيى بن محمد البحراني صاحبه و هو إذ ذاك مقيم بنهر معقل في جيش من الزنج فأمره بتوجيه ألف رجل من أصحابه عليهم سليمان بن جامع و أبو الليث القائدان و يأمرهما بقصد عسكر سعيد ليلا حتى يوقعا به وقت طلوع الفجر من ليلة عينها لهم ففعلا ذلك و صارا إلى عسكر سعيد في ذلك الوقت فصادفا منه غرة و غفلة فأوقعا به و بأصحابه وقت طلوع الفجر فقتل منهم مقتلة عظيمة و أصبح سعيد و قد ضعف أمره و اتصل بالسلطان خبره فأمره بالانصراف إلى باب السلطان و تسليم الجيش الذي معه إلى منصور بن جعفر الخياط و كان إليه يومئذ حرب الأهواز و كوتب بحرب صاحب الزنج و أن يصمد له فكانت بينهم وقعة كان الظفر فيها للزنج فقتل من أصحاب منصور خلق كثير عظيم و حمل من الرءوس خمسمائة رأس إلى عسكر يحيى بن محمد البحراني القائد فنصبت على نهر معقل.

١٤٤

قال أبو جعفر ثم كانت بين الزنج و بين أصحاب السلطان بالأهواز وقعات كثيرة تولاها علي بن أبان المهلبي فقتل شاهين بن بسطام و كان من أكابر أصحاب السلطان و هزم إبراهيم بن سيما و كان أيضا من الأمراء المشهورين و استولى الزنج على عسكره.قال أبو جعفر ثم كانت الواقعة العظمى بالبصرة في هذه السنة و ذلك أن صاحب الزنج قطع الميرة عنهم فأضر ذلك بهم و ألح بجيوشه و زنوجه عليهم بالحرب صباحا و مساء فلما كان في شوال من هذه السنة أزمع على جمع أصحابه للهجوم على البصرة و الجد في خراجها و ذلك لعلمه بضعف أهلها و تفرقهم و إضرار الحصار بهم و خراب ما حولها من القرى و كان قد نظر في حساب النجوم و وقف على انكساف القمر الليلة الرابعة عشرة من هذا الشهر فذكر محمد بن الحسن بن سهل أنه قال سمعته يقول اجتهدت في الدعاء على أهل البصرة و ابتهلت إلى الله تعالى في تعجيل خرابها فخوطبت و قيل لي إنما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها فإذا انكسر نصف الرغيف خربت البصرة فأولت انكسار نصف الرغيف بانكساف نصف القمر المتوقع في هذه الليالي و ما أخلق أمر أهل البصرة أن يكون بعده قال فكان يحدث بهذا حتى أفاض فيه أصحابه و كثر تردده في أسماعهم و إجالتهم إياه بينهم.ثم ندب محمد بن يزيد الدارمي و هو أحد من كان صحبه بالبحرين للخروج إلى

١٤٥

الأعراب و استنفار من قدر عليه منهم فأتاه منهم بخلق كثير و وجه إلى البصرة سليمان بن موسى الشعراني فأمره بتطرق البصرة و الإيقاع بأهلها و تقدم إلى سليمان بن موسى بتمرين الأعراب على ذلك فلما وقع الكسوف أنهض إليها علي بن أبان و ضم إليه جيشا من الزنج و طائفة من الأعراب و أمره بإتيان البصرة مما يلي بني سعد و كتب إلى يحيى بن محمد البحراني في إتيانها مما يلي نهر عدي و ضم باقي الأعراب إليه فكان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان و بغراج التركي يومئذ بالبصرة في جماعة من الجند فأقام يقاتلهم يومين و أقبل يحيى بن محمد مما يلي قصر أنس قاصدا نحو الجسر فدخل علي بن أبان البلد وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقين من شوال فأقبل يقتل الناس و يحرق المنازل و الأسواق بالنار فتلقاه بغراج و إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي المعروف ببريه و كان وجيها مقدما مطاعا في جمع عظيم فرداه فرجع فأقام ليلته تلك ثم غاداهم و قد تفرق جند البصرة فلم يكن في وجهه أحد يدافعه و انحاز بغراج بمن معه و هرب إبراهيم بن محمد الهاشمي المعروف ببريه فوضع علي بن أبان السيف في الناس و جاء إليه إبراهيم بن محمد المهلبي و هو ابن عمه فاستأمنه لأهل البصرة فحضر أهل البصرة قاطبة فأمنهم و نادى مناديه من أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم بن محمد المهلبي فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملئوا الأزقة فلما رأى اجتماعهم انتهز الفرصة فأمر بأخذ السكك و الطرق عليهم و غدر بهم و أمر الزنوج بوضع السيف فيهم فقتل كل من شهد ذلك المشهد.

١٤٦

ثم انصرف آخر نهار يومه ذلك فأقام بقصر عيسى بن جعفر بالخربية.و روى أبو جعفر قال حدثني محمد بن الحسن بن سهل قال حدثني محمد بن سمعان قال كنت يومئذ بالبصرة فمضيت مبادرا إلى منزلي لأتحصن به و هو في سكة المربد فلقيت أهل البصرة هاربين يدعون بالويل و الثبور و في آخرهم القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشمي على بغل متقلدا سيفا يصيح بالناس ويحكم تسلمون بلدكم و حرمكم هذا عدوكم قد دخل البلد فلم يلووا عليه و لم يسمعوا منه فمضى هاربا و دخلت أنا منزلي و أغلقت بابي و أشرفت فمر بي الأعراب و رجالة الزنج يقدمهم رجل على حصان كميت بيده رمح و عليه عذبة صفراء فسألت بعد ذلك عنه فقيل لي إنه علي بن أبان.قال و نادى منادي علي بن أبان من كان من آل المهلب فليدخل دار إبراهيم بن يحيى المهلبي فدخلت جماعة قليلة و أغلق الباب دونهم ثم قيل للزنج دونكم الناس فاقتلوهم و لا تبقوا منهم أحدا و خرج إليهم أبو الليث الأصفهاني أحد قود الزنج فقال للزنج كيلوا و هي العلامة التي كانوا يعرفونها فيمن يؤمرون بقتله فأخذ الناس السيف قال فو الله إني لأسمع تشهدهم و ضجيجهم و هم يقتلون و قد ارتفعت أصواتهم بالتشهد حتى سمعت بالطفاوة و هو على بعد من الموضع الذي كانوا فيه.قال ثم انتشر الزنج في سكك البصرة و شوارعها يقتلون من وجدوا و دخل علي بن أبان يومئذ المسجد فأحرقه و بلغ إلى الكلاء فأحرقه إلى الجسر و أخذت النار كل ما مرت به من إنسان و بهيمة و أثاث و متاع ثم ألحوا بالغدو و الرواح على من وجدوه و يسوقونهم إلى يحيى بن محمد البحراني و هو نازل ببعض سكك البصرة فمن كان ذا مال قرره حتى يستخرج ماله ثم يقتله و من كان مختلا قتله معجلا.

١٤٧

قال أبو جعفر و قد كان علي بن أبان كف بعض الكف عن العيث بناحية بني سعد و راقب قوما من المهلبيين و أتباعهم فانتهى ذلك إلى علي بن محمد صاحب الزنج فصرفه عن البصرة و أقر يحيى بن محمد البحراني بها لموافقته على رأيه في الإثخان في القتل و وقوع ذلك بمحبته و كتب إلى يحيى بن محمد يأمره بإظهار الكف ليسكن الناس و يظهر المستخفي و من قد عرف باليسار و الثروة فإذا ظهر فليؤخذوا بالدلالة على ما دفعوه و أخفوه من أموالهم ففعل يحيى بن محمد ذلك و كان لا يخلو في اليوم من الأيام من جماعة يؤتى بهم فمن عرف منهم باليسار استنزف ما عنده ثم قتله و من ظهرت له خلته عاجله بالقتل حتى لم يدع أحدا ظهر له إلا قتله.قال أبو جعفر و حدثني محمد بن الحسن قال لما انتهى إلى علي بن محمد عظيم ما فعل أصحابه بالبصرة سمعته يقول دعوت على أهل البصرة في غداة اليوم الذي دخل فيه أصحابي إليها و اجتهدت في الدعاء و سجدت و جعلت أدعو في سجودي فرفعت إلى البصرة فرأيتها و رأيت أصحابي يقاتلون فيها و رأيت بين السماء و الأرض رجلا واقفا في صورة جعفر المعلوف المتولي كان للاستخراج في ديوان الخراج بسامراء و هو قائم قد خفض يده اليسرى و رفع يده اليمنى يريد قلب البصرة فعلمت أن الملائكة تولت إخرابها دون أصحابي و لو كان أصحابي تولوا ذلك ما بلغوا هذا الأمر العظيم الذي يحكى عنها و لكن الله تعالى نصرني بالملائكة و أيدني في حروبي و ثبت بهم من ضعف قلبه من أصحابي قال أبو جعفر و انتسب صاحب الزنج في هذه الأيام إلى محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بعد انتسابه الذي كان إلى أحمد بن عيسى بن زيد و ذلك لأنه بعد

١٤٨

إخرابه البصرة جاء إليه جماعة من العلوية الذين كانوا بالبصرة و أتاه فيمن أتاه منهم قوم من ولد أحمد بن عيسى بن زيد في جماعة من نسائهم و حرمهم فلما خافهم ترك الانتساب إلى أحمد بن عيسى و انتسب إلى محمد بن محمد بن زيد.قال أبو جعفر فحدثني محمد بن الحسن بن سهل قال كنت حاضرا عنده و قد حضر جماعة من النوفليين فقال له القاسم بن إسحاق النوفلي أنه انتهى إلينا أن الأمير من ولد أحمد بن عيسى بن زيد فقال لست من ولد عيسى أنا من ولد يحيى بن زيد.قال محمد بن الحسن فانتقل من أحمد بن عيسى بن زيد إلى محمد بن محمد بن زيد ثم انتقل من محمد إلى يحيى بن زيد و هو كاذب لأن الإجماع واقع على أن يحيى بن زيد مات و لم يعقب و لم يولد له إلا بنت واحدة ماتت و هي ترضع.فهذا ما ذكره أبو جعفر الطبري في التاريخ الكبير.و ذكر علي بن الحسن المسعودي في مروج الذهب أن هذه الواقعة بالبصرة هلك فيها من أهلها ثلاثمائة ألف إنسان و أن علي بن أبان المهلبي بعد فراغه من الواقعة نصب منبرا في الموضع المعروف ببني يشكر صلى فيه يوم الجمعة و خطب لعلي بن محمد صاحب الزنج و ترحم بعد ذلك على أبي بكر و عمر و لم يذكر عثمان و لا عليا ع في خطبته و لعن أبا موسى الأشعري و عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان قال

١٤٩

و هذا يؤكد ما ذكرناه و حكيناه من رأيه و أنه كان يذهب إلى قول الأزارقة.قال و استخفى من سلم من أهل البصرة في آبار الدور فكانوا يظهرون ليلا فيطلبون الكلاب فيذبحونها و يأكلونها و الفأر و السنانير فأفنوها حتى لم يقدروا على شي‏ء منها فصاروا إذا مات الواحد منهم أكلوه فكان يراعي بعضهم موت بعض و من قدر على صاحبه قتله و أكله و عدموا مع ذلك الماء و ذكر عن امرأة منهم أنها حضرت امرأة قد احتضرت و عندها أختها و قد احتوشوها ينتظرون أن تموت فيأكلوا لحمها قالت المرأة فما ماتت حسناء حتى ابتدرناها فقطعنا لحمها فأكلناه و لقد حضرت أختها و نحن على شريعة عيسى بن حرب و هي تبكي و معها رأس الميت فقال لها قائل ويحك ما لك تبكين فقالت اجتمع هؤلاء على أختي فما تركوها تموت حسناء حتى قطعوها و ظلموني فلم يعطوني من لحمها شيئا إلا الرأس و إذا هي تبكي شاكية من ظلمهم لها في أختها.قال و كان مثل هذا و أكثر منه و أضعافه و بلغ من أمر عسكره أنه ينادى فيه على المرأة من ولد الحسن و الحسين و العباس و غيرهم من أشراف قريش فكانت الجارية تباع منهم بدرهمين و بثلاثة دراهم و ينادى عليها بنسبها هذه ابنة فلان بن فلان و أخذ كل زنجي منهم العشرين و الثلاثين يطؤهن الزنج و يخدمن النساء الزنجيات كما تخدم الوصائف و لقد استغاثت إلى صاحب الزنج امرأة من ولد الحسن بن علي ع و كانت عند بعض الزنج و سألته أن يعتقها مما هي فيه أو ينقلها من عنده إلى غيره فقال لها هو مولاك و هو أولى بك.قال أبو جعفر و أشخص السلطان لحرب صاحب الزنج محمدا المعروف بالمولد في جيش

١٥٠

كثيف فجاء حتى نزل الأبلة و كتب صاحب الزنج إلى يحيى بن محمد البحراني يأمره بالمصير إليه فصار إليه بزنوجه و أقام على محاربته عشرة أيام ثم فتر المولد عن الحرب و كتب علي بن محمد إلى يحيى يأمره أن يبيته فبيته فهزمه و دخل الزنج عسكره فغنموا ما فيه و كتب يحيى إلى صاحب الزنج يخبره فأمره باتباعه فاتبعه إلى الحوانيت ثم انصرف عنه فمر بالجامدة و أوقع بأهلها و انتهب كل ما كان في تلك القرى و سفك ما قدر على سفكه من الدماء ثم عاد إلى نهر معقل.قال أبو جعفر و اتصلت الأخبار بسامراء و بغداد و بالقواد و الموالي و أهل الحضرة بما جرى على أهل البصرة فقامت عليهم القيامة و علم المعتمد أنه لا يرتق هذا الفتق إلا بأخيه أبي أحمد طلحة بن المتوكل و كان منصورا مؤيدا عارفا بالحرب و قيادة الجيوش و هو الذي أخذ بغداد للمعتز و كسر جيوش المستعين و خلعه من الخلافة و لم يكن لبني العباس في هذا الباب مثله و مثل ابنه أبي العباس فعقد له المعتمد على ديار مضر و قنسرين و العواصم و جلس له مستهل شهر ربيع الآخر من سنة سبع و خمسين فخلع عليه و على مفلح و شخصا نحو البصرة لحرب علي بن محمد و إصلاح ما أفسده من الأعمال و ركب المعتمد ركوبا ظاهرا يشيع أخاه أبا أحمد إلى القرية المعروفة ببركوارا و عاد.قال أبو جعفر و أما صاحب الزنج فإنه بعد هزيمة محمد المولد أنفذ علي بن أبان المهلبي إلى حرب منصور بن جعفر و إلى الأهواز فكانت بينهما حروب كثيرة في أيام متفرقة حتى كان آخرها اليوم الذي انهزم فيه أصحاب منصور و تفرقوا عنه و أدركت منصورا طائفة من الزنج فلم يزل يكر عليهم حتى انقصف رمحه و نفدت سهامه و لم يبق معه سلاح

١٥١

و انتهى إلى نهر يعرف بنهر ابن مروان فصاح بحصان كان تحته ليعبر فوثب فقصر فانغمس في الماء.و قيل إن الحصان لم يقصر في الوثبة و لكن رجلا من الزنج سبقه إلى النهر فألقى نفسه فيه لعلمه أنه لا محيص لمنصور عن النهر فلما وثب الفرس تلقاه الأسود فنكس فغاص الفرس و منصور ثم أطلع منصور رأسه فنزل إليه غلام من السودان من عرفاء مصلح يقال له أبرون فاحتز رأسه و أخذ سلبه فولى يارجوخ التركي صاحب حرب خوزستان ما كان مع منصور من العمل أصغجون التركي.و قال أبو جعفر و أما أبو أحمد فإنه شخص عن سامراء في جيش لم يسمع السامعون بمثله كثرة و عدة قال و قد عاينت أنا ذلك الجيش و أنا يومئذ ببغداد بباب الطاق فسمعت جماعة من مشايخ أهل بغداد يقولون قد رأينا جيوشا كثيرة للخلفاء فما رأينا مثل هذا الجيش أحسن عدة و أكمل عتادا و سلاحا و أكثر عددا و جمعا و اتبع ذلك الجيش من متسوقة أهل بغداد خلق كثير.قال أبو جعفر فحدثني محمد بن الحسن بن سهل أن يحيى بن محمد البحراني كان مقيما بنهر معقل قبل موافاة أبي أحمد فاستأذن صاحب الزنج في المصير إلى نهر العباس فكره ذلك و خاف أن يوافيه جيش من قبل السلطان و أصحابه متفرقون فألح عليه يحيى حتى أذن له فخرج و اتبعه أكثر أهل عسكر صاحب الزنج و كان علي بن أبان

١٥٢

مقيما بجبى في جمع كثير من الزنج و البصرة قد صارت مغنما لأهل عسكر صاحب الزنج يغادونها و يراوحونها لنقل ما نالته أيديهم منها إلى منازلهم فليس بمعسكر علي بن محمد يومئذ من أصحابه إلا القليل فهو على ذلك من حاله حتى وافى أبو أحمد في الجيش و معه مفلح فورد جيش عظيم لم يرد على الزنج مثله فلما وصل إلى نهر معقل انصرف من كان هناك من الزنج فالتحقوا بصاحبهم مرعوبين فراعه ذلك و دعا برئيسين منهما فسألهما عن السبب الذي له تركا موضعهما فأخبراه بما عاينا من عظم أمر الجيش الوارد و كثرة عدد أهله و أحكام عدتهم و إن الذي عايناه من ذلك لم يكن في قوتهما الوقوف له في العدة التي كانا فيها فسألهما هل علما من يقود هذا الجيش فقالا قد اجتهدنا في علم ذلك فلم نجد من يصدقنا عنه.فوجه صاحب الزنج طلائعه في سميريات ليعرف الخبر فرجعت طلائعه إليه بتعظيم أمر الجيش و تفخيمه و لم يقف أحد منهم على من يقوده فزاد ذلك في جزعه و ارتياعه فأمر بالإرسال إلى علي بن أبان يعلمه خبر الجيش الوارد و يأمره بالمصير إليه فيمن معه و وافى جيش أبي أحمد فأناخ بإزاء صاحب الزنج فلما كان اليوم الذي كانت فيه الواقعة خرج علي بن محمد يطوف في عسكره ماشيا و يتأمل الحال فيمن هو من حزبه و من هو مقيم بإزائه على حزبه و قد كانت السماء مطرت ذلك اليوم مطرا خفيفا و الأرض ثرية تزل عنها الأقدام فطوف ساعة من أول النهار و رجع فدعا بدواة و قرطاس ليكتب كتابا إلى علي بن أبان ليعلمه ما قد أظله من الجيش و يأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال فإنه لفي ذلك إذ أتاه أبو دلف القائد أحد قواد الزنج فقال له إن

١٥٣

القوم قد غشوك و رهقوك و انهزم الزنج من بين أيديهم و ليس في وجوههم من يردهم فانظر لنفسك فإنهم قد انتهوا إليك فصاح به و انتهره و قال اغرب عني فإنك كاذب فيما حكيت إنما ذلك جزع داخل قلبك لكثرة من رأيت من الجمع فانخلع قلبك فلست تدري ما تقول فخرج أبو دلف من بين يديه و أقبل يكتب و قال لجعفر بن إبراهيم السجان ناد في الزنج و حركهم للخروج إلى موضع الحرب فقال له إنهم قد خرجوا و قد ظفروا بسميريتين من سفن أصحاب السلطان فأمره بالرجوع لتحريك الرجالة و كان من القضاء و القدر أن أصيب مفلح و هو القائد الجليل المرشح لقيادة الجيش بعد أبي أحمد بسهم غرب لا يدرى من رماه فمات لوقته و وقعت الهزيمة على أصحاب أبي أحمد و قوي الزنج على حربهم فقتلوا منهم جمعا كثيرا و وافى علي بن محمد زنجه بالرءوس قابضين عليها بأسنانهم حتى ألقوها بين يديه فكثرت الرءوس يومئذ حتى ملأت الفضاء و جعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى و يتهادونها بينهم و أتي بأسير من الجيش فسأله عن رأس العسكر فذكر أبا أحمد و مفلحا فارتاع لذكر أبي أحمد و كان إذا راعه أمر كذب به و قال ليس في الجيش إلا مفلح لأني لست أسمع الذكر إلا له و لو كان في الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد و لما كان مفلح إلا تابعا له و مضافا إليه.قال أبو جعفر و قد كان قبل أن يصيب السهم مفلحا انهزم الزنج لما خرج عليهم

١٥٤

جيش أبي أحمد و جزعوا جزعا شديدا و لجئوا إلى النهر المعروف بنهر أبي الخصيب و لا جسر يومئذ عليه فغرق منهم خلق كثير و لم يلبث صاحب الزنج إلا يسيرا حتى وافاه علي بن أبان في أصحابه فوافاه و قد استغنى عنه بهزيمة الجيش السلطاني و تحيز أبو أحمد بالجيش إلى الأبلة ليجمع ما فرقت الهزيمة منه و يجدد الاستعداد للحرب ثم صار إلى نهر أبي الأسد فأقام به.قال أبو جعفر فحدثني محمد بن الحسن قال فكان صاحب الزنج لا يدري كيف قتل مفلح فلما لم ير أحدا ينتحل رميه ادعى أنه كان الرامي له قال فسمعته يقول سقط بين يدي سهم من السماء فأتاني به واح خادمي فدفعه إلي فرميت به فأصاب مفلحا فقتله قال محمد و كذب في ذلك لأني كنت حاضرا معه ذلك المشهد ما زال عن فرسه حتى أتاه خبر الهزيمة.قال أبو جعفر ثم إن الله تعالى أصاب صاحب الزنج بمصيبة تعادل فرحه و سروره بقتل مفلح عقيب قتل مفلح و ذلك أن قائده الجليل يحيى بن محمد البحراني أسر و قتل و صورة ذلك أن صاحب الزنج كان قد كتب إلى يحيى بن محمد يعلمه ورود هذا الجيش عليه و يأمره بالقدوم و التحرر في منصرفه من أن يلقاه أحد منهم و قد كان يحيى غنم سفنا فيها متاع و أموال لتجار الأهواز جليلة و حامى عنها أصحاب أصغجون التركي فلم يغن و هزمهم يحيى و مضى الزنج بالسفن المذكورة يمدونها متوجهين نحو معسكر صاحب الزنج على سمت البطيحة المعروفة ببطيحة الصحناة و هي طريقة متعسقة وعرة

١٥٥

فيها مشاق متعبة و إنما سلكها يحيى و أصحابه و تركوا الطريق الواضح للتحاسد الذي كان بين يحيى بن محمد و علي بن أبان فإن أصحاب يحيى أشاروا عليه ألا يسلك الطريق التي يمر فيها على أصحاب علي بن أبان فأصغى إلى مشورتهم فشرعوا له الطريق المؤدي إلى البطيحة المذكورة فسلكها و هذه البطيحة ينتهي السائر فيها إلى نهر أبي الأسد و قد كان أبو أحمد انحاز إليه لأن أهل القرى و السواد كاتبوه يعرفونه خبر يحيى بن محمد البحراني و شدة بأسه و كثرة جمعه و أنه ربما خرج من البطيحة إلى نهر أبي الأسد فعسكر به و منع أبا أحمد الميرة و حال بينه و بين من يأتيه من الأعراب و غيرهم فسبقه أبو أحمد إلى نهر أبي الأسد و سار يحيى حتى إذا قرب من نهر أبي الأسد وافته طلائعه فأخبرته بالجيش و عظمت أمره و خوفته منه فرجع من الطريق الذي كان سلكه بمشقة شديدة نالته و نالت أصحابه و أصابهم مرض لترددهم في تلك البطيحة و جعل يحيى على مقدمته سليمان بن جامع و سار حتى وقف على قنطرة فورج نهر العباس في موضع ضيق تشتد فيه جرية الماء و هو مشرف ينظر أصحابه الزنج كيف يجرون تلك السفن التي فيها الغنائم فمنها ما يغرق و ما يسلم.قال أبو جعفر فحدثني محمد بن سمعان قال كنت في تلك الحال واقفا مع يحيى على القنطرة و قد أقبل علي متعجبا من شدة جرية الماء و شدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن فقال أ رأيت لو هجم علينا عدو في هذه الحال من كان يكون أسوأ حالا منا فو الله ما انقضى كلامه حتى وافى كاشهم التركي في جيش قد أنفذه معه أبو أحمد عند رجوعه من الأبلة إلى نهر أبي الأسد يتلقى به يحيى فوقعت الصيحة و اضطربت الزنج فنهضت متشوفا للنظر فإذا الأعلام الحمر قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس و يحيى به فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم جملة في الماء فعبروا إلى الجانب الشرقي

١٥٦

و خلا الموضع الذي فيه يحيى فلم يبق معه إلا بضعة عشر رجلا منهم فنهض عند ذلك فأخذ درقته و سيفه و احتزم بمنديل ثم تلقى القوم في النفر الذين تخلفوا معه فرشقهم أصحاب كاشهم التركي بالسهام حتى كثر فيهم الجراح و جرح يحيى بأسهم ثلاثة في عضده اليمنى و ساقه اليسرى فلما رآه أصحابه جريحا تفرقوا عنه و لم يعرف فيقصد له فرجع حتى دخل بعض تلك السفن و عبر به إلى الجانب الشرقي من النهر و ذلك وقت الضحى و أثقلته الجراحات التي أصابته فلما رأت الزنج شدة ما نزل به اشتد جزعهم و ضعفت قلوبهم فتركوا القتال و كانت همتهم النجاة بأنفسهم و حاز أصحاب السلطان تلك الغنائم التي كانت في السفن في الجانب الغربي من النهر و انفض الزنج بالجانب الشرقي عن يحيى فجعلوا يتسللون بقية نهارهم بعد قتل ذريع فيهم و أسر كثير فلما أمسوا و أسدف الليل طاروا على وجوههم فلما رأى يحيى تفرق أصحابه ركب سميرية كانت هناك و أقعد معه فيها متطببا يقال له عباد و طمع في الخلاص إلى عسكر صاحب الزنج فسار حتى قرب من فوهة النهر فأبصر سميريات و شذايات لأصحاب السلطان في فوهة النهر فخاف أن تعترض سميريته و جزع من المرور بها فعبر به الملاح إلى الجانب الغربي من النهر فألقاه و طبيبه على الأرض في زرع هناك فخرج يمشي و هو مثقل حتى ألقى نفسه في بعض تلك المواضع فأقام هناك ليلته تلك فلما أصبح نزفه الدم و نهض عباد الطبيب فجعل يمشي متشوفا أن يرى إنسانا فرأى بعض أصحاب السلطان فأشار لهم إلى موضع يحيى فجاءوا حتى وقفوا عليه فأخذوه و انتهى خبره إلى الخبيث صاحب الزنج فجزع عليه جزعا شديدا و عظم عليه توجعه.

١٥٧

ثم حمل يحيى إلى أبي أحمد فحمله أبو أحمد إلى المعتمد فأدخل إلى سامراء راكب جمل و الناس مجتمعون ينظرونه ثم أمر المعتمد ببناء دكة عالية بحضرة مجرى الحلية فبنيت و رفع للناس عليها حتى أبصره الخلائق كافة ثم ضرب بين يدي المعتمد و قد جلس له مائتي سوط بثمارها ثم قطعت يداه و رجلاه من خلاف ثم خبط بالسيوف ثم ذبح و أحرق.قال أبو جعفر فحدثني محمد بن الحسن قال لما قتل يحيى البحراني فانتهى خبره إلى صاحب الزنج قال لأصحابه لما عظم علي قتله و اشتد اهتمامي به خوطبت فقيل لي قتله خير لك إنه كان شرها ثم أقبل على جماعة أنا فيهم فقال من شرهه أنا غنمنا غنيمة من بعض ما كنا نغنمه و كان فيها عقدان فوقعا في يد يحيى فأخفى عني أعظمهما خطرا و عرض علي أخسهما ثم استوهبه فوهبته له فرفع إلي العقد الذي أخفاه حتى رأيته فدعوته فقلت أحضر لي العقد الذي أخفيته فأتاني بالعقد الذي وهبته له و جحد أن يكون أخذ غيره فرفع إلي العقد ثانية فجعلت أصفه له و أنا أراه و هو لا يراه فبهت و ذهب فأتاني ثم استوهبنيه فوهبته له و أمرته بالاستغفار.قال أبو جعفر و ذكر محمد بن الحسن أن محمد بن سمعان حدثه أن صاحب الزنج قال في بعض أيامه لقد عرضت علي النبوة فأبيتها فقيل له و لم ذاك قال إن لها أعباء خفت ألا أطيق حملها.

١٥٨

قال أبو جعفر فأما الأمير أبو أحمد فإنه لما صار إلى نهر أبي الأسد و أقام به كثرت العلل في من معه من جنده و غيرهم و فشا فيهم الموت فلم يزل مقيما هنالك حتى أبل من نجا منهم من علته ثم انصرف راجعا إلى باذاورد فعسكر به و أمر بتجديد الآلات و إصلاح الشذوات و السميريات و إعطاء الجند أرزاقهم و شحن السفن بقواده و مواليه و غلمانه و نهض نحو عسكر الناجم و أمر جماعة من قواده بقصد مواضع سماها لهم من نهر أبي الخصيب و غيره و أمر الباقين بملازمته و المحاربة معه في الموضع الذي يكون فيه و هم الأقلون و عرف الزنج تفرق أصحاب أبي أحمد عنه فكثروا في جهته و استعرت الحرب بينه و بينهم و كثرت القتلى و الجراح بين الفريقين و أحرق أصحاب أبي أحمد قصورا و منازل كان الزنج ابتنوها و استنقذوا من نساء أهل البصرة جمعا كثيرا ثم صرف الزنج سورتهم و شدة حملتهم إلى الموضع الذي به أبو أحمد فجاءه منهم جمع لا يقاوم بمثل العدة اليسيرة التي كان فيها فرأى أن الحزم في محاجزتهم فأمر أصحابه بالرجوع إلى سفنهم على تؤدة و تمهل ففعلوا و بقيت طائفة من جنده و لجوا تلك الأدغال و المضايق فخرج عليهم كمين للزنج فأوقعوا بهم فحاموا عن أنفسهم و قتلوا عددا كثيرا من الزنج إلى أن قتلوا بأجمعهم و حملت رءوسهم إلى الناجم فزاد ذلك في قوته و عتوه و عجبه بنفسه و انصرف أبو أحمد بالجيش إلى باذاورد و أقام يعبئ أصحابه للرجوع إلى الزنج فوقعت نار في طرف من أطراف عسكره و ذلك في أيام عصوف الرياح فاحترق العسكر و رحل أبو أحمد منصرفا و ذلك في شعبان من هذه السنة إلى واسط.فأقام بها إلى ربيع الأول ثم انصرف عنها إلى سامراء و ذلك أن المعتمد كاتبه و استقدمه

١٥٩

لحرب يعقوب بن الليث الصفار أمير خراسان فاستخلف على حرب الناجم محمد المولد و أما الناجم فإنه لم يعلم خبر الحريق الذي وقع في عسكر أبي أحمد حتى ورد عليه رجلان من أهل عبادان فأخبراه فأظهر أن ذلك من صنع الله تعالى له و نصره على أعدائه و أنه دعا الله على أبي أحمد و جيشه فنزلت نار من السماء فأحرقتهم.و عاد إلى العبث و اشتد طغيانه و عتوه و أنهض علي بن أبان المهلبي و ضم إليه أكثر الجيش و جعل على مقدمته سليمان بن جامع و أضاف إليه الجيش الذي كان مع يحيى بن محمد البحراني و سليمان بن موسى الشعراني و أمرهم بأن يقصدوا الأهواز و بها حينئذ أصغجون التركي و معه نيزك القائد فالتقى العسكران بصحراء تعرف بدشت ميسان و اقتتلوا فظهرت الزنج و قتل نيزك في كثير من أصحابه و غرق أصغجون التركي و أسر كثير من قواد السلطان منهم الحسن بن هرثمة المعروف بالشاري و الحسن بن جعفر و كتب علي بن أبان بالخبر إلى الناجم و حمل إليه أعلاما و رءوسا كثيرة و أسرى و دخل علي بن أبان الأهواز و أقام بها بزنوجه يعيث و ينهب القرى و السواد إلى أن ندب المعتمد على الله موسى بن بغا لحربه فشخص عن سامراء في ذي القعدة من هذه السنة و شيعه المعتمد بنفسه إلى خلف الحائطين و خلع عليه هنالك فقدم أمامه عبد الرحمن بن مفلح إلى الأهواز و إسحاق بن كنداخ إلى البصرة و إبراهيم بن سيما إلى الباذاورد.قال أبو جعفر فلما ورد عبد الرحمن بن مفلح على الأهواز أناخ بقنطرة أريق عشرة أيام ثم مضى إلى علي بن أبان المهلبي فواقعه فهزمه علي بن أبان فانصرف فاستعد

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307