كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٨

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 307

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 307
المشاهدات: 19788
تحميل: 6127


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 307 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19788 / تحميل: 6127
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 8

مؤلف:
العربية

ثم ظهر المغيرة بن سعيد مولى بجيلة فأراد أن يحدث لنفسه مقالة يستهوي بها قوما و ينال بها ما يريد الظفر به من الدنيا فغلا في علي ع و قال لو شاء علي لأحيا عادا و ثمود و قرونا بين ذلك كثيرا.و روى علي بن محمد النوفلي قال جاء المغيرة بن سعيد فاستأذن على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين و قال له أخبر الناس أني أعلم الغيب و أنا أطعمك العراق فزجره أبو جعفر زجرا شديدا و أسمعه ما كره فانصرف عنه فأتى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفيةرحمه‌الله فقال له مثل ذلك و كان أبو هاشم أيدا فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفى به على الموت فتعالج حتى برئ ثم أتى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسنرحمه‌الله و كان محمد سكيتا فقال له كما قال للرجلين فسكت محمد فلم يجبه فخرج و قد طمع فيه بسكوته و قال أشهد أن هذا هو المهدي الذي بشر به رسول الله ص و أنه قائم أهل البيت و ادعى أن علي بن الحسين ع أوصى إلى محمد بن عبد الله بن الحسن ثم قدم المغيرة الكوفة و كان مشعبذا فدعا الناس إلى قوله و استهواهم و استغواهم فاتبعه خلق كثير و ادعى على محمد بن عبد الله أنه أذن له في خنق الناس و إسقائهم السموم و بث أصحابه في الأسفار يفعلون ذلك بالناس فقال له بعض أصحابه إنا نخنق من لا نعرف فقال لا عليكم إن كان من أصحابكم عجلتموه إلى الجنة و إن كان من عدوكم عجلتموه إلى النار و لهذا السبب كان المنصور يسمي محمد بن عبد الله الخناق و ينحله ما ادعاه عليه المغيرة.ثم تفاقم أمر الغلاة بعد المغيرة و أمعنوا في الغلو فادعوا حلول الذات الإلهية

١٢١

المقدسة في قوم من سلالة أمير المؤمنين ع و قالوا بالتناسخ و جحدوا البعث و النشور و أسقطوا الثواب و العقاب و قال قوم منهم إن الثواب و العقاب إنما هو ملاذ هذه الدنيا و مشاقها و تولدت من هذه المذاهب القديمة التي قال بها سلفهم مذاهب أفحش منها قال بها خلفهم حتى صاروا إلى المقالة المعروفة بالنصيرية و هي التي أحدثها محمد بن نصير النميري و كان من أصحاب الحسن العسكري ع و المقالة المعروفة بالإسحاقية و هي التي أحدثها إسحاق بن زيد بن الحارث و كان من أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب كان يقول بالإباحة و إسقاط التكاليف و يثبت لعلي ع شركة مع رسول الله ص في النبوة على وجه غير هذا الظاهر الذي يعرفه الناس و كان محمد بن نصير من أصحاب الحسن بن علي بن محمد بن الرضا فلما مات ادعى وكالة لابن الحسن الذي تقول الإمامية بإمامته ففضحه الله تعالى بما أظهره من الإلحاد و الغلو و القول بتناسخ الأرواح ثم ادعى أنه رسول الله و نبي من قبل الله تعالى و أنه أرسله علي بن محمد بن الرضا و جحد إمامة الحسن العسكري و إمامة ابنه و ادعى بعد ذلك الربوبية و قال بإباحة المحارم.و للغلاة أقوال كثيرة طويلة عريضة و قد رأيت أنا جماعة منهم و سمعت أقوالهم و لم أر فيهم محصلا و لا من يستحق أن يخاطب و سوف أستقصي ذكر فرق الغلاة و أقوالهم في الكتاب الذي كنت متشاغلا بجمعه و قطعني عنه اهتمامي بهذا الشرح و هو الكتاب المسمى بمقالات الشيعة إن شاء الله تعالى.قوله ع و الزموا السواد الأعظم و هو الجماعة و قد جاء في الخبر عن

١٢٢

رسول الله ص هذه اللفظة التي ذكرها ع و هي يد الله على الجماعة و لا يبالي بشذوذ من شذ و جاء في معناها كثير نحو قوله ع الشيطان مع الواحد و هو من الاثنين أبعد و قوله لا تجتمع أمتي على خطإ و قوله سألت الله ألا تجتمع أمتي على خطإ فأعطانيها و قوله ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و قوله لا تجتمع أمتي على ضلالة و سألت ربي ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها و لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلال و لا خطإ و قوله ع عليكم بالسواد الأعظم و قوله من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه و قوله من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية و قوله من سره بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة.و الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا.ثم قال ع من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه يعني الخوارج و كان شعارهم أنهم يحلقون وسط رءوسهم و يبقى الشعر مستديرا حوله كالإكليل.قال و لو كان تحت عمامتي هذه أي لو اعتصم و احتمى بأعظم الأشياء حرمة فلا تكفوا عن قتله.ثم ذكر أنه إنما حكم الحكمان ليحييا ما أحياه القرآن أي ليجتمعا على ما شهد القرآن باستصوابه و استصلاحه و يميتا ما أماته القرآن أي ليفترقا و يصدا و ينكلا عما كرهه القرآن و شهد بضلاله.و البجر بضم الباء الشر العظيم قال الراجز

أرمي عليها و هي شي‏ء بجر

١٢٣

أي داهية.و لا ختلتكم أي خدعتكم ختله و خاتله أي خدعه و التخاتل التخادع و لا لبسته عليكم أي جعلته مشتبها ملتبسا ألبست عليهم الأمر ألبسه بالكسر.و الملأ الجماعة من الناس و الصمد القصد.قال سبق شرطنا سوء رأيهما لأنا اشترطنا عليهما في كتاب الحكومة ما لا مضرة علينا مع تأمله فيما فعلاه من اتباع الهوى و ترك النصيحة للمسلمين

١٢٤

128 و من كلام له ع فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة

يَا أَحْنَفُ كَأَنِّي بِهِ وَ قَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ اَلَّذِي لاَ يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَ لاَ لَجَبٌ وَ لاَ قَعْقَعَةُ لُجُمٍ وَ لاَ حَمْحَمَةُ خَيْلٍ يُثِيرُونَ اَلْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ اَلنَّعَامِ قال الشريف الرضي أبو الحسنرحمه‌الله تعالى يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ثُمَّ قَالَ ع وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ اَلْعَامِرَةِ وَ اَلدُّورِ اَلْمُزَخْرَفَةِ اَلَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ اَلنُّسُورِ وَ خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ اَلْفِيَلَةِ مِنْ أُولَئِكَ اَلَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ وَ لاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ أَنَا كَابُّ اَلدُّنْيَا لِوَجْهِهَا وَ قَادِرُهَا بِقَدْرِهَا وَ نَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا اللجب الصوت و الدور المزخرفة المزينة المموهة بالزخرف و هو الذهب.و أجنحة الدور التي شبهها بأجنحة النسور رواشينها و الخراطيم ميازيبها.

١٢٥

و قوله لا يندب قتيلهم ليس يريد به من يقتلونه بل القتيل منهم و ذلك لأن أكثر الزنج الذين أشار إليهم كانوا عبيدا لدهاقين البصرة و بناتها و لم يكونوا ذوي زوجات و أولاد بل كانوا على هيئة الشطار عزابا فلا نادبة لهم.و قوله و لا يفقد غائبهم يريد به كثرتهم و أنهم كلما قتل منهم قتيل سد مسده غيره فلا يظهر أثر فقده.و قوله أنا كأب الدنيا لوجهها مثل الكلمات المحكية

عن عيسى ع أنا الذي كببت الدنيا على وجهها ليس لي زوجة تموت و لا بيت يخرب وسادي الحجر و فراشي المدر و سراجي القمر

أخبار صاحب الزنج و فتنته و ما انتحله من عقائد

فأما صاحب الزنج هذا فإنه ظهر في فرات البصرة في سنة خمس و خمسين و مائتين رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة.و أكثر الناس يقدحون في نسبه و خصوصا الطالبيين و جمهور النسابين اتفقوا على

١٢٦

أنه من عبد القيس و أنه علي بن محمد بن عبد الرحيم و أمه أسدية من أسد بن خزيمة جدها محمد بن حكيم الأسدي من أهل الكوفة أحد الخارجين مع زيد بن علي بن الحسين ع على هشام بن عبد الملك فلما قتل زيد هرب فلحق بالري و جاء إلى القرية التي يقال لها ورزنين فأقام بها مدة و بهذه القرية ولد علي بن محمد صاحب الزنج و بها منشؤه و كان أبو أبيه المسمى عبد الرحيم رجلا من عبد القيس كان مولده بالطالقان فقدم العراق و اشترى جارية سندية فأولدها محمدا أباه.و كان علي هذا متصلا بجماعة من حاشية السلطان و خول بني العباس منهم غانم الشطرنجي و سعيد الصغير و بشير خادم المنتصر و كان منهم معاشه و من قوم من كتاب الدولة يمدحهم و يستمنحهم بشعره و يعلم الصبيان الخط و النحو و النجوم و كان حسن الشعر مطبوعا عليه فصيح اللهجة بعيد الهمة تسمو نفسه إلى معالي الأمور و لا يجد إليها سبيلا و من شعره القصيدة المشهورة التي أولها:

١٢٧

رأيت المقام على الاقتصاد

قنوعا به ذلة في العباد

و من جملتها

إذا النار ضاق بها زندها

ففسحتها في فراق الزناد

إذا صارم قر في غمده

حوى غيره السبق يوم الجلاد

و من الشعر المنسوب إليه:

و أنا لتصبح أسيافنا

إذا ما انتضين ليوم سفوك

منابرهن بطون الأكف

و أغمادهن رءوس الملوك

و من شعره في الغزل

و لما تبينت المنازل بالحمى

و لم أقض منها حاجة المتورد

زفرت إليها زفرة لو حشوتها

سرابيل أبدان الحديد المسرد

لرقت حواشيها و ظلت متونها

تلين كما لانت لداود في اليد

و من شعره أيضا

و إذا تنازعني أقول لها قري

موت يريحك أو صعود المنبر

ما قد قضى سيكون فاصطبري له

و لك الأمان من الذي لم يقدر

و قد ذكر المسعودي في كتابه المسمى مروج الذهب أن أفعال علي بن محمد صاحب الزنج تدل على أنه لم يكن طالبيا و تصدق ما رمي به من دعوته في النسب لأن ظاهر حاله كان ذهابه إلى مذهب الأزارقة في قتل النساء و الأطفال و الشيخ الفاني و المريض

١٢٨

و قد روي أنه خطب مرة فقال في أول خطبته لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر لا حكم إلا لله و كان يرى الذنوب كلها شركا.و من الناس من يطعن في دينه و يرميه بالزندقة و الإلحاد و هذا هو الظاهر من أمره لأنه كان متشاغلا في بدايته بالتنجيم و السحر و الأصطرلابات.و ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أن علي بن محمد شخص من سامراء و كان يعلم الصبيان بها و يمدح الكتاب و يستميح الناس في سنة تسع و أربعين و مائتين إلى البحرين فادعى بها أنه علي بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ع و دعا الناس بهجر إلى طاعته فاتبعه جماعة كثيرة من أهلها و اتبعه جماعة أخرى فكانت بسببه بين الذين اتبعوه و الذين أبوه عصبية قتل فيها بينهم جماعة فانتقل عنهم لما حدث ذلك إلى الأحساء و ضوى إلى حي من بني تميم ثم من بني سعد يقال لهم بنو الشماس فكان بينهم مقامه و قد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي ص فيما ذكر حتى جبي له الخراج هنالك و نفذ حكمه فيهم و قاتلوا أسباب السلطان لأجله و وتر منهم جماعة كثيرة فتنكروا له فتحول عنهم إلى البادية و لما انتقل إلى البادية صحبه جماعة من أهل البحرين منهم رجل كيال من أهل الأحساء يقال له يحيى بن محمد الأزرق مولى بني دارم و يحيى بن أبي

١٢٩

ثعلب و كان تاجرا من أهل هجر و بعض موالي بني حنظلة أسود يقال له سليمان بن جامع و كان قائد جيشه حيث كان بالبحرين.ثم تنقل في البادية من حي إلى حي فذكر عنه أنه كان يقول أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إمامتي منها أني لقيت سورا من القرآن لم أكن أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة منها سبحان و الكهف و صاد و منها أني ألقيت نفسي على فراشي و جعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له و أجعل مقامي به إذا نبت البادية بي و ضقت ذرعا بسوء طاعة أهلها فأظلتني سحابه فبرقت و رعدت و اتصل صوت الرعد منها بسمعي فخوطبت فقيل لي اقصد البصرة فقلت لأصحابي و هم يكتنفونني إني أمرت بصوت من هذا الرعد بالمصير إلى البصرة.و ذكر عنه أنه عند مصيره إلى البادية أوهم أهلها أنه يحيى بن عمر أبو الحسين المقتول بناحية الكوفة في أيام المستعين فاختدع بذلك قوما منهم حتى اجتمع عليه منهم جماعة فزحف بهم إلى موضع من البحرين يقال له الردم فكانت بينه و بين أهله وقعة عظيمة كانت الدبرة فيها عليه و على أصحابه قتلوا فيها قتلا ذريعا فتفرقت عنه العرب و كرهته و تجنبت صحبته.فلما تفرقت العرب عنه و نبت به البادية شخص عنها إلى البصرة فنزل بها في بني ضبيعة فاتبعه بها جماعة منهم علي بن أبان المعروف بالمهلبي من ولد المهلب بن أبي صفرة و أخواه محمد و الخليل و غيرهم و كان قدومه البصرة في سنة أربع و خمسين و مائتين

١٣٠

و عامل السلطان بها يومئذ محمد بن رجاء و وافق ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية و السعدية فطمع في أحد الفريقين أن يميل إليه فأرسل أربعة من أصحابه يدعون إليه و هم محمد بن سلم القصاب الهجري و بريش القريعي و علي الضراب و الحسين الصيدناني و هم الذين كانوا صحبوه بالبحرين فلم يستجب لهم أحد من أهل البلد و ثار عليهم الجند فتفرقوا و خرج علي بن محمد من البصرة هاربا و طلبه ابن رجاء فلم يقدر عليه و أخبر ابن رجاء بميل جماعة من أهل البصرة إليه فأخذهم فحبسهم و حبس معهم زوجة علي بن محمد و ابنه الأكبر و جارية له كانت حاملا و مضى علي بن محمد لوجهه يريد بغداد و معه قوم من خاصته منهم محمد بن سلم و يحيى بن محمد و سليمان بن جامع و بريش القريعي فلما صاروا بالبطيحة نذر بهم بعض موالي الباهليين كان يلي أمر البطيحة فأخذهم و حملهم إلى محمد بن أبي عون و هو عامل السلطان بواسط فاحتال لابن أبي عون حتى تخلص هو و أصحابه من يده ثم صار إلى بغداد فأقام بها سنة و انتسب في هذه السنة إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد و كان يزعم أنه ظهر له أيام مقامه ببغداد في هذه السنة آيات و عرف ما في ضمائر أصحابه و ما يفعله كل واحد منهم و أنه سأل ربه أن يعلمه حقيقة أمور كانت في نفسه فرأى كتابا يكتب له على حائط و لا يرى شخص كاتبه.قال أبو جعفر و استمال ببغداد جماعة منهم جعفر بن محمد الصوحاني من ولد زيد بن صوحان العبدي و محمد بن القاسم و غلامان لبني خاقان و هما مشرق و رفيق فسمى مشرقا حمزة و كناه أبا أحمد و سمى رفيقا جعفرا و كناه أبا الفضل فلما انقضى عامه ذلك ببغداد عزل محمد بن رجاء عن البصرة فوثبت رؤساء الفتنة بها من البلالية و السعدية

١٣١

ففتحوا المحابس و أطلقوا من كان فيها فتخلص أهله و ولده فيمن تخلص فلما بلغه ذلك شخص عن بغداد فكان رجوعه إلى البصرة في شهر رمضان من سنة خمس و خمسين و مائتين و معه علي بن أبان المهلبي و قد كان لحق به و هو بمدينة السلام مشرق و رفيق و أربعة أخر من خواصه و هم يحيى بن محمد و محمد بن سلم و سليمان بن جامع و أبو يعقوب المعروف بجربان فساروا جميعا حتى نزلوا بالموضع المعروف ببرنخل من أرض البصرة في قصر هناك يعرف بقصر القرشي على نهر يعرف بعمود بن المنجم كان بنو موسى بن المنجم احتفروه و أظهر أنه وكيل لولد الواثق في بيع ما يملكونه هناك من السباخ.قال أبو جعفر فذكر عن ريحان بن صالح أحد غلمان الشورجيين الزنوج و هو أول من صحبه منهم قال كنت موكلا بغلمان مولاي أنقل الدقيق إليهم فمررت به و هو مقيم بقصر القرشي يظهر الوكالة لأولاد الواثق فأخذني أصحابه و صاروا بي إليه و أمروني بالتسليم عليه بالإمرة ففعلت ذلك فسألني عن الموضع الذي جئت منه فأخبرته أني أقبلت من البصرة فقال هل سمعت لنا بالبصرة خبرا قلت لا قال فخبر البلالية و السعدية قلت لم أسمع لهم خبرا فسألني عن غلمان الشورجيين و ما يجري لكل جماعة منهم من الدقيق و السويق و التمر و عمن يعمل في الشورج من الأحرار و العبيد فأعلمته ذلك فدعاني إلى ما هو عليه فأجبته فقال لي احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان فأقبل بهم إلي و وعدني أن يقودني على من آتيه به منهم و أن يحسن إلي و استحلفني ألا أعلم أحدا بموضعه و أن أرجع إليه فخلى سبيلي فأتيت بالدقيق الذي معي إلى غلمان مولاي و أخبرتهم خبره و أخذت له البيعة عليهم و وعدتهم عنه بالإحسان و الغنى و رجعت إليه من غد ذلك اليوم و قد وافاه رفيق غلام الخاقانية

١٣٢

و قد كان وجهه إلى البصرة يدعو إليه غلمان الشورج و وافى إليه صاحب له آخر يعرف بشبل بن سالم قد كان دعا إليه قوما منهم أيضا و أحضر معه حريرة كان أمره بابتياعها ليتخذها لواء فكتب فيها بالحمرة( إِنَّ اَللَّهَ اِشْتَرى‏ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ) الآية و كتب اسمه و اسم أبيه عليها و علقها في رأس مردي و خرج وقت السحر من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان فلما صار إلى مؤخر القصر الذي كان فيه لقيه غلمان رجل من الشورجيين يعرف بالعطار متوجهين إلى أعمالهم فأمر بأخذ وكيلهم فأخذ و كتف و استضم غلمانه إلى غلمانه و كانوا خمسين غلاما ثم صار إلى الموضع المعروف بالسنائي فاتبعه الغلمان الذين كانوا فيه و هم خمسمائة غلام فيهم الغلام المعروف بأبي حديد و أمر بأخذ وكيلهم و كتفه ثم مضى إلى الموضع المعروف بالسيرافي فاتبعه من كان فيه من غلمان و هم مائة و خمسون غلاما منهم زريق و أبو الخنجر ثم صار إلى الموضع المعروف بسبخة ابن عطاء فأخذ طريفا و صبيحا الأعسر و راشد المغربي و راشد القرمطي و كل هؤلاء من وجوه الزنج و أعيانهم الذين صاروا قوادا و أمراء في جيوشهم و أخذ معهم ثمانين غلاما.ثم أتى إلى الموضع المعروف بغلام سهل الطحان فاستضاف من كان به من الغلمان ثم لم يزل يفعل مثل ذلك في يومه حتى اجتمع إليه بشر كثير من الزنج ثم قام فيهم

١٣٣

آخر الليل خطيبا فمناهم و وعدهم أن يقودهم و يرئسهم و يملكهم الأموال و الضياع و حلف لهم بالأيمان الغليظة ألا يغدر بهم و لا يخذلهم و لا يدع شيئا من الإحسان إلا أتى إليهم.ثم دعا وكلاءهم فقال قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم و قهرتموهم و فعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم و كلفتموهم ما لا يطيقونه فكلمني أصحابي فيكم فرأيت إطلاقكم.فقالوا له أصلحك الله إن هؤلاء الغلمان أباق و إنهم سيهربون منك فلا يبقون عليك و لا علينا فخذ من مواليهم مالا و أطلقهم.فأمر الغلمان فأحضروا شطوبا ثم بطح كل قوم وكيلهم فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة و أحلفهم بطلاق نسائهم ألا يعلموا أحدا بموضعه ثم أطلقهم فمضوا نحو البصرة و مضى رجل منهم حتى عبر دجيل الأهواز فأنذر الشورجيين ليحفظوا غلمانهم و كان هناك خمسة عشر ألف غلام زنجي ثم سار و عبر دجيلا و سار إلى نهر ميمون بأصحابه و اجتمع إليه السودان من كل جهة.فلما كان يوم الفطر جمعهم و خطب خطبة ذكر فيها ما كانوا عليه من سوء الحال و أن الله تعالى قد استنقذهم من ذلك و أنه يريد أن يرفع أقدارهم و يملكهم العبيد و الأموال و المنازل و يبلغ بهم أعلى الأمور ثم حلف لهم على ذلك فلما فرغ من خطبته

١٣٤

أمر الذين فهموا عنه قوله أن يفهموه من لا فهم له من عجمهم لتطيب بذلك أنفسهم ففعلوا ذلك.قال أبو جعفر فلما كان في اليوم الثالث من شوال وافاه الحميري أحد عمال السلطان بتلك النواحي في عدد كثير فخرج إليه صاحب الزنج في أصحابه فطرده و هزم أصحابه حتى صاروا في بطن دجلة و استأمن إلى صاحب الزنج رجل من رؤساء السودان يعرف بأبي صالح القصير في ثلاثمائة من الزنج فلما كثر من اجتمع إليه من الزنج قود قواده و قال لهم من أتى منكم برجل من السودان فهو مضموم إليه.قال أبو جعفر و انتهى إليه أن قوما من أعوان السلطان هناك منهم خليفة بن أبي عون علي الأبلة و منهم الحميري قد أقبلوا نحوه فأمر أصحابه بالاستعداد لهم فاجتمعوا للحرب و ليس في عسكره يومئذ إلا ثلاثة أسياف سيفه و سيف علي بن أبان و سيف محمد بن سلم و لحقه القوم و نادى الزنج فبدر مفرج النوبي و المكنى بأبي صالح و ريحان بن صالح و فتح الحجام و قد كان فتح حينئذ يأكل و بين يديه طبق فلما نهض تناول ذلك الطبق و تقدم أمام أصحابه فلقيه رجل من عسكر أصحاب السلطان فلما رآه فتح حمل عليه و حذفه بالطبق الذي كان في يده فرمى الرجل سلاحه و ولى هاربا و انهزم القوم كلهم و كانوا أربعة آلاف فذهبوا على وجوههم و قتل من قتل منهم و مات بعضهم عطشا و أسر كثير منهم فأتى بهم صاحب الزنج فأمر بضرب أعناقهم فضربت و حملت الرءوس على بغال كان أخذها من الشورجيين كانت تنقل الشورج.

١٣٥

قال أبو جعفر و مر في طريقه بالقرية المعروفة بالمحمدية فخرج منها رجل من موالي الهاشميين فحمل على بعض السودان فقتله و دخل القرية فقال له أصحابه ائذن لنا في انتهاب القرية و طلب قاتل صاحبنا فقال لا سبيل إلى ذلك دون أن نعرف ما عند أهلها و هل فعل القاتل ما فعل عن رأيهم و نسائلهم أن يدفعوه إلينا فإن فعلوا و إلا حل لنا قتالهم و عجل المسير من القرية فتركها و سار.قال أبو جعفر ثم مر على القرية المعروفة بالكرخ فأتاه كبراؤها و أقاموا له الأنزال و بات ليلته تلك عندهم فلما أصبح أهدى له رجل من أهل القرية المسماة جبى فرسا كميتا فلم يجد سرجا و لا لجاما فركبه بحبل و سنفه بحبل ليف.قلت هذا تصديق قول أمير المؤمنين ع كأنه به قد سار في الجيش الذي ليس له غبار و لا لجب و لا قعقعة لجم و لا حمحمة خيل يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام.قال أبو جعفر و أول مال صار إليه مائتا دينار و ألف درهم لما نزل القرية المعروفة بالجعفرية أحضر بعض رؤسائها و سأله عن المال فجحد فأمر بضرب عنقه فلما خاف

١٣٦

أحضر له هذا القدر و أحضر له ثلاثة برازين كميتا و أشقر و أشهب فدفع أحدها إلى محمد بن سلم و الآخر إلى يحيى بن محمد و الآخر إلى مشرق غلام الخاقانية و وجدوا في دار لبعض الهاشميين سلاحا فانتهبوه فصار ذلك اليوم بأيدي بعض الزنج سيوف و آلات و أتراس.قال أبو جعفر ثم كانت بينه و بين من يليه من أعوان السلطان كالحميري و رميس و عقيل و غيرهم وقعات كان الظفر فيها كلها له و كان يأمر بقتل الأسرى و يجمع الرءوس معه و ينقلها من منزل إلى منزل و ينصبها أمامه إذا نزل و أوقع الهيبة و الرهبة في صدور الناس بكثرة القتلى و قلة العفو و على الخصوص المأسورين فإنه كان يضرب أعناقهم و لا يستبقي منهم أحدا.قال أبو جعفر ثم كان له مع أهل البصرة وقعة بعد ذلك سار يريدها في ستة آلاف زنجي فاتبعه أهل الناحية المعروفة بالجعفرية ليحاربوه فعسكر عليهم فقتل منهم مقتلة عظيمة أكثر من خمسمائة رجل فلما فرغ منهم صمد نحو البصرة و اجتمع أهلها و من بها من الجند و حاربوه حربا شديدا فكانت الدائرة عليه و انهزم أصحابه و وقع كثير منهم في النهرين المعروفين بنهر كثير و نهر شيطان و جعل يهتف بهم و يردهم و لا يرجعون و غرق من أعيان جنده و قواده جماعة منهم أبو الجون و مبارك البحراني و عطاء البربري و سلام الشامي فلحقه قوم من جند البصرة و هو على قنطرة نهر كثير فرجع إليهم بنفسه و سيفه في يده فرجعوا عنه حتى صاروا إلى الأرض و هو يومئذ في دراعة و عمامة و نعل و سيف و في يده اليسرى ترس و نزل عن القنطرة فصعدها البصريون يطلبونه فرجع إليهم فقتل منهم رجلا بيده على خمس مراق من القنطرة و جعل يهتف بأصحابه و يعرفهم مكانه و لم يكن بقي معه في ذلك الموضع من أصحابه

١٣٧

إلا أبو الشوك و مصلح و رفيق و مشرق غلاما الخاقانية و ضل أصحابه عنه و انحلت عمامته فبقي على رأسه كور منها أو كوران فجعل يسحبها من ورائه و يعجله المشي عن رفعها و أسرع غلاما الخاقانية في الانصراف و قصر عنهما فغابا عنه فاتبعه رجلان من أهل البصرة بسيفيهما فرجع إليهما فانصرفا عنه و خرج إلى الموضع الذي فيه مجمع أصحابه و قد كانوا تحيروا فلما رأوه سكنوا.قال أبو جعفر ثم سأل عن رجاله و إذا قد هرب كثير منهم و نظر فإذا هو من جميع أصحابه في مقدار خمسمائة رجل فأمر بالنفخ في البوق الذي كانوا يجتمعون لصوته فنفخ فيه فلم يرجع إليه أحد.قال و انتهب أهل البصرة سفنا كانت معه و ظفروا بمتاع من متاعه و كتب من كتبه و أصطرلابات كان معه ثم تلاحق به جماعة ممن كان هرب فأصبح و إذا معه ألف رجل فأرسل محمد بن سلم و سليمان بن جامع و يحيى بن محمد إلى أهل البصرة يعظهم و يعلمهم أنه لم يخرج إلا غضبا لله و للدين و نهيا عن المنكر فعبر محمد بن سلم حتى توسط أهل البصرة و جعل يكلمهم و يخاطبهم فرأوا منه غرة فوثبوا عليه فقتلوه و رجع سليمان و يحيى إلى صاحب الزنج فأخبراه فأمرهما بطي ذلك عن أصحابه حتى يكون هو الذي يخبرهم.فلما صلى بهم العصر نعى إليهم محمد بن سلم و قال لهم إنكم تقتلون به في غد عشرة آلاف من أهل البصرة.قال أبو جعفر و كان الوقعة التي كانت الدبرة عليه فيها يوم الأحد لثلاث عشرة

١٣٨

ليلة خلون من ذي القعدة سنة خمس و خمسين و مائتين فلما كان يوم الإثنين جمع له أهل البصرة و حشدوا لما رأوا من ظهورهم عليه يوم الأحد و انتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي و كان من غزاة البحر في الشذا و له علم بركوبها و الحرب فيها فجمع المطوعة و رماه الأهداف و أهل المسجد الجامع و من خف معه من حزبي البلالية و السعدية و من غير هذه الأصناف من الهاشميين و القرشيين و من يحب النظر و مشاهدة الحرب من سائر أصناف الناس و شحن ثلاثة مراكب من الشذا بالرماة و جعل الناس يزدحمون في الشذا حرصا على حضور ذلك المشهد و مضى جمهور الناس رجالة منهم من معه سلاح و منهم من لا سلاح معه بل نظارة فدخلت السفن النهر المعروف بأم حبيب بعد زوال الشمس من ذلك اليوم في المد و مرت الرجالة و النظارة على شاطئ النهر قد سدوا ما ينفذ فيه البصر كثرة و تكاثفا فوجه صاحب الزنج صاحبه زريقا و أبا الليث الأصبهاني فجعلهم كمينا من الجانب الشرقي من نهر شيطان و كان مقيما بموضع منه و وجه صاحبيه شبلا و حسينا الحمامي فجعلهما كمينا في غربيه و مع كل من الكمينين جماعة و أمر علي بن أبان المهلبي أن يتلقى القوم فيمن بقي معه من جمعه و أمره أن يستتر هو و أصحابه بتراسهم و لا يثور إليهم منه ثائر حتى يوافيهم القوم و يخالطوهم بأسيافهم فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم و تقدم إلى الكمينين إذا جاوزهما الجمع و أحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبي النهر و يصيحا بالناس.و كان يقول لأصحابه بعد ذلك لما أقبل إلى جمع البصرة و عاينته رأيت أمرا هائلا راعني و ملأ صدري رهبة و جزعا ففزعت إلى الدعاء و ليس معي من أصحابي إلا نفر يسير منهم مصلح و ليس منا أحد إلا و قد خيل إليه مصرعه فجعل مصلح يعجبني من

١٣٩

كثرة ذلك الجمع و جعلت أومئ إليه أن اسكت فلما قرب القوم مني قلت اللهم إن هذه ساعة العسرة فأعني فرأيت طيورا بيضا أقبلت فتلقت ذلك الجمع فلم أستتم دعائي حتى بصرت بسميرية من سفنهم قد انقلبت بمن فيها فغرقوا ثم تلتها الشذا فغرقت واحدة بعد واحدة و ثار أصحابي إلى القوم و خرج الكمينان من جنبي النهر و صاحوا و خبطوا الناس فغرقت طائفة و قتلت طائفة و هربت طائفة نحو الشط طمعا فأدركها السيف فمن ثبت قتل و من رجع إلى الماء غرق حتى أبيد أكثر ذلك الجمع و لم ينج منهم إلا الشريد و كثر المفقودون بالبصرة و علا العويل من نسائهم.قال أبو جعفر و هذا يوم الشذا الذي ذكره الناس في أشعارهم و عظموا ما فيه من القتل فكان ممن قتل من بني هاشم جماعة من ولد جعفر بن سليمان و انصرف صاحب الزنج و جمع الرءوس و ملأ بها سفنا و أخرجها من النهر المعروف بأم حبيب في الجزر و أطلقها فوافت البصرة فوقفت في مشرعة تعرف بمشرعة القيار فجعل الناس يأتون تلك الرءوس فيأخذ رأس كل رجل أولياؤه و قوي صاحب الزنج بعد هذا اليوم و سكن الرعب قلوب أهل البصرة منه و أمسكوا عن حربه و كتب إلى السلطان بخبره فوجه جعلان التركي مددا لأهل البصرة في جيش ذوي عدة و أسلحة.

١٤٠