• البداية
  • السابق
  • 169 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38860 / تحميل: 7014
الحجم الحجم الحجم
مسكن الفؤاد

مسكن الفؤاد

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ومات لعبد الله بن عامر المازنيرضي‌الله‌عنه ، في الطاعون الجارف ، سبعة بنين في يوم واحد ، فقال : إني مسلم مسلم.

وعن عبد الرحمن بن عثمان قال : دخلنا على معاذ وهو قاعد عند رأس ابن له ، وهو يجود بنفسه ، فما ملكنا أنفسنا أن ذرفت أعيننا ، وأنتحب بعضنا ، فزجره معاذ ، وقال : مه ، فو الله ليعلم الله برضاي ، لهذا أحب إلي من كل غزوة غزوتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإني سمعته يقول : « من كان له أبن وكان عليه عزيزاً ، وبه ضنيناً ، ومات فصبر على مصيبته واحتسبه ، أبدل الله الميت داراً خيراً من داره ، وقراراً خيراً من قراره ، وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان ».

فما برحنا حتى قضى ـ والله ـ الغلام حين أخذ المنادي لصلاة الظهر ، فرحنا نريد الصلاة ، فما جئنا إلا وقد غسله وحنطه وكفنه.

وجاء رجل بسريره غير منتظر لشهود الاخوان ، ولا لجمع الجيران ، فلما بلغنا ذلك تلاحقنا ، وقلنا : يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن ، هلا انتظرتنا حتى نفرغ من صلاتنا ، ونشهد ابن أخينا.

فقال : أمرنا أن لا ننتظر موتانا ساعة ماتوا بليل أو نهار ، قال : فنزل في القبر ، ونزل معه آخر ، فلما أراد الخروج ناولته يدي لأنتهضه(١) من القبر ، فأبى وقال : ما أدع ذلك لفضل قوتي ، ولكن أكره أن يرى الجاهل أن ذلك مني جزع ، أو استرخاء عند المصيبة ، ثم أتى مجلسه ، ودعا بدهن فأدهن وبكحل فاكتحل ، وببردة فلبسها ، وأكثر في يومه ذلك من التبسم ، ينوي به ما ينوي ، ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، في الله خلف عن كل هالك ، وعزاء من كل مصيبة ، ودرك لكل ما فات.

وروي : إن قوماً كانوا عند علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فاستعجل خادماً بشواء في التنور ، فأقبل به مسرعاً ، فسقط السفود(٢) من يده على ولد علي بن الحسينعليه‌السلام ، فأصاب رأسه فقتله ، فوثب علي بن الحسينعليهما‌السلام ، فلما رأى ابنه ميتاً ، قال للغلام : « أنت حر لوجه الله تعالى ، أما إنك لم تتعمده » ثم أخذ في جهاز أبنه(٣) .

____________

١ ـ في « ش » : لأنشطه.

٢ ـ السفود : بفتح السين وضمها ، حديدة ذات شعب معقفة يشوى بها اللحم. « لسان العرب ـ سفد ـ ٣ : ٢١٨ ».

٣ ـ كشف الغمة ٢ : ٨١ باختلاف يسير ، والبحار ٨٢ : ١٤٢.

٦١

وعن الأخنف بن قيس قال : تعلموا الحلم والصبر ، فاني تعلمته ، فقيل له : ممن؟ قال : من قيس بن عاصم ، قيل : وما بلغ من حلمه؟ قال : كنا قعوداً عنده ، إذ أُتي بابنه مقتولاً ، وبقاتله مكبولاً ، فما حل حبوته(١) ، ولا قطع حديثه حتى فرغ.

ثم التفت إلى قاتل ابنه فقال : يا أبن أخي ، ما حملك على ما فعلت؟ قال : غضبت ، قال : أوكلما غضبت أهنت نفسك ، وعصيت ربك ، وأقللت عددك؟ إذهب فقد اعتقتك.

ثم التفت إلى بنيه فقال : يا بني ، اعمدوا(٢) إلى إخيكم فغسلوه وكفنوه ، فإذا فرغتم منه فأتوني به لأصلي عليه ، فلما دفنوه قال لهم : إن امه ليست منكم ، وهي من قوم آخرين ، فلا أراها ترضى بما صنعتم ، فأعطوها ديته من مالي(٣) .

وروى الصدوق في ( الفقيه ) : انه لما مات ذر بن أبي ذر ـرحمه‌الله ـ وقف [ أبو ذر ](٤) على قبره فمسح القبر بيده ، ثم قال : رحمك الله يا ذر ، والله انك كنت بي لبراً ، ولقد قبضت وإني عنك لراض ، والله ما بي فقدك وما علي من عضاضة ، ومالي إلى أحد سوى الله من حاجة ، ولولا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك ، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ، والله ما بكيت لك ، ولكن بكيت عليك ، فليت شعري ما قلت ، وما قيل لك؟ اللهم إني قد وهبته ما افترضت عليه من حقي ، فهب له ما افترضت عليه من حقك ، فأنت أحق بالجود والكرم مني(٥) .

واسند الدينوري أن ذر بن عمر بن ذر لما مات وقف أبوه على قبره ، وقال : رحمك الله يا ذر ، ما علينا بعدك من خصاصة ، وما بنا إلى أحد مع الله حاجة ، وما يسرني أني كنت المقدم قبلك ، ولولا هول المطلع لتمنيت أن أكون مكانك ، وقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ، فليت شعري ماذا قلت ، وماذا قيل لك ، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إني قد وهبتك له حقي فيما بيني وبينه ، فاغفر له من الذنوب ما بينك وبينه ، فأنت أجود الأجودين وأكرم الاكرمين ، ثم انصرف وقال : فارقناك ، ولو أقمنا

__________________

١ ـ الحبوة من الاحتباء : وهو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، ويشد عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. « النهاية ١ : ٣٣٥ ».

٢ ـ في هامش « ح » : اقصدوا.

٣ ـ أخرج نحوه ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ : ١٣٦.

٤ ـ أثبتناه من الفقيه.

٥ ـ الفقيه ١ : ١١٧ / ٥٥٨ ، الكافي ٣ : ٢٥٠ / ٤ ، والبحار ٨٢ : ١٤٢.

٦٢

ما نفعناك(١) .

وروى المبرد قال : لما هلك ذر بن عمر وقف عليه أبوه وهو مسجى ، وقال : يا بني ، ما علينا من موتك غضاضة ، وما بنا إلى ما سوى الله من حاجة ، فلما دفن قام على قبره ، وقال : يا ذر ، غفر الله لك ، قد شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك ، لأنا لا ندري ما قلت ، ولا ما قيل لك. اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه مما افترضت عليه من حقي ، فهب له ما قصر من فيه حقك ، واجعل ثوابي عليه له ، وزدني من فضلك ، إني إليك من الراغبين. فسئل عنه ، فقيل : كيف كان معك؟ فقال : ما مشيت معه بليل قط إلا كان أمامي ، ولا بنهار قط إلا كان خلفي ، وما علا سطحاً قط وأنا تحته(٢) .

وقدم على بعض الخلفاء قوم من بني عبس ، فيهم رجل ضرير ، فسأله عن عينيه ، فقال : بت ليلة في بطن واد ، ولم أعلم عبسياً يزيد ماله على مالي ، فطرقنا سيل ، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد ، غير بعير وصبي مولود ، وكان ( بعيراً صعباً فنفر )(٣) ، فوضعت الصبي واتبعت البعير ، فلم أجاوز إلا قليلاً حتى سمعت صيحة ابني ، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه وهو يأكله ، ولحقت البعير لأحبسه فبعجني(٤) برجله على وجهي فحطمه ، وذهب بعيني فأصبحت لا مال لي ، ولا أهل ، ولا ولد ، ولا بصر.

روي : أن عياض بن عقبة الفهري مات له ابن ، فلما نزل في قبره قال له رجل : والله انه كان لسيد الجيش فاحتسبه ، فقال : وما يمنعني ، وقد كان بالأمس زينة الحياة الدنيا ، وهو اليوم من الباقيات الصالحات!؟

وقال : أبو علي الرازي صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة ، ما رأيته ضاحكاً ولا مبتسماً قط إلا يوم مات ابنه علي ، فقلت له في ذلك ، فقال : إن الله سبحانه وتعالى أحب أمراً ، فأحببت ما أحب الله عزوجل.

واصيب عمرو بن(٥) كعب الهندي بتستر(٦) ، فكتموا أباه الخبر ، ثم بلغه فلم يجزع ، وقال : الحمد لله الذي جعل من صلبي من اصيب شهيداً. ثم استشهد له ابن آخر

__________________

١ ـ عيون الأخبار ٢ : ٣١٣.

٢ ـ أخرج قطعة منه المبرد في الكامل ١ : ١٤٠.

٣ ـ في « ش » : البعير صعباً فند.

٤ ـ البعج : الشق « لسان العرب ٢ : ٢١٤ ».

٥ ـ في « ح » : عمرو.

٦ ـ تستر : من مدن خوزستان ، وهو تعريب شوشتر. اُنظر « معجم البلدان ٢ : ٢٩ ».

٦٣

بجرجان(١) ، فلما بلغه الخبر قال : الحمد لله الذي توفى مني شهيداً آخر.

وروى البيهقي : أن عبد الله بن مطرف مات ، فخرج أبوه مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن ، فغضبوا وقالوا : يموت عبد الله وتخرج في ثياب حسنة مدهناً؟! قال : أفأستكين لها ، وقد وعدني ربي تبارك وتعالى عليها ثلاث خصال ، هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ، قال الله تعالى : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون )(٢) .

ودعا رجل من قريش إخواناً له ، فجمعهم على طعام ، فضربت ابناً له دابة لبعضهم فمات ، فأخفى ذلك عن القوم ، وقال لأهله : لا أعلمن صاحت منكم صائحة ، أو بكت منكم باكية ، وأقبل على إخوانه حتى فرغوا من طعامه ، ثم أخذ في جهاز الصبي ، فلم يفجأهم إلا بسريره ، فارتاعوا وسألوه عن أمره فأخبرهم ، فعجبوا من صبره وكرمه.

وذكر : أن رجلا من اليمامة دفن ثلاثة رجال من ولده ، ثم احتبى في نادي قومه يتحدث كأن لم يفقد أحداً ، فقيل له في ذلك ، فقال : ليسوا في الموت ببديع ، ولا أنا في المصيبة بأوحد ، ولا جدوى للجزع ن فعلام تلومونني؟

وأسند أبو العباس عن مسروق عن الأوزاعي ، قال : حدثنا بعض الحكماء ، قال : خرجت وأنا اُريد الرباط(٣) ، حتى إذا كنت بعريش(٤) مصر إذا أنا بمظلة ، وفيها رجل قد ذهبت عيناه ، واسترسلت يداه ورجلاه ، وهو يقول : لك الحمد سيدي ومولاي ، اللهم إني أحمدك حمداً يوافي محامد خلقك ، كفضلك على سائر خلقك ، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلاً.

فقلت : والله لأسألنه ، أعلمه أو أُلهمه إلهاماً؟ فدنوت منه ، وسلمت عليه ، فردّ فرد علي السلام ، فقلت له : رحمك الله ، إني أسألك عن شيء ، أتخبرني به أم لا؟ فقال : إن كان عندي منه علم أخبرتك به ، فقلت : رحمك الله ، على أي فضيلة من فضائله

__________________

١ ـ جرجان : مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان ، فبعض يعدها من هذه ، وبعض يعدها من هذه « معجم البلدان ٢ : ١١٩ ».

٢ ـ البقرة ٢ : ١٥٦ و ١٥٧.

٣ ـ الرباط : ملازمة ثغور البلاد واستعداد للعدو. « القاموس المحيط ـ ربط ـ ٢ : ٣٦٠ ».

٤ ـ العريش : مدينة بمصر على ساحل البحر الابيض المتوسط ، في حدود مصر على الشام « معجم البلدان ٤ : ١١٣ ».

٦٤

تشكره؟ فقال : أوليس ترى ما قد صنع بي؟ قلت : بلى ، فقال : والله لو أن الله تبارك وتعالى صب علي ناراً تحرقني ، وأمر الجبال فدمرتني ، وأمر البحار فغرقتني ، وأمر الأرض فخسفت بي ، ما ازددت فيه ـ سبحانه ـ إلا حباً ، ولا ازددت له إلا شكراً ، وإن لي إليك حاجة ، أفتقضيها لي؟ قلت : نعم ، قل ما تشاء ، فقال : بني لي كان يتعاهدني أوقات صلاتي ، ويطعمني عند إفطاري ، وقد فقدته منذ أمس ، فانظر هل تجده لي؟

قال : فقلت في نفسي : إن في قضاء حاجته لقربة إلى الله عزوجل ، فقمت وخرجت في طلبه ، حتى اذا صرت بين كثبان الرمال ، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام فأكله(١) ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، كيف آتي هذا العبد الصالح بخبر ابنه؟

قال : فأتيته ، وسلمت عليه ، فرد علي السلام فقلت : رحمك الله ، إن سألتك عن شيء تخبرني؟ فقال : إن كان عندي منه علم أخبرتك به ، قال ، فقلت : أنت أكرم على الله عزوجل وأقرب منزلة ، أو نبي الله أيوبعليه‌السلام ؟ فقال : بل ( نبي الله )(٢) أكرم على الله تعالى مني ، وأعظم عند الله تعالى منزلة مني ، قال : فقلت له : إنه ابتلاه الله تعالى فصبر ، حتى استوحش منه من كان يأنس به ، وكان عرضاً لمُرار الطريق(٣) ، واعلم أن ابنك الذي أخبرتني به ، وسألتني أن اطلبه لك افترسه السبع ، فأعظم الله أجرك فيه.

فقال : الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا ، ثم شهق شهقة وسقط على وجهه ، فجلست ساعة ثم حركته فإذا هو ميت ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، كيف أعمل في أمره؟ ومن يعينني على تغسيله وكفنه وحفر قبره ودفنه؟

فبينما أنا كذلك إذ أنا بركب(٤) يريدون الرباط ، فأشرت إليهم فأقبلوا نحوي حتى وقفوا علي ، وقالوا : من أنت؟ ومن هذا؟ فأخبرتهم بقصتي ، فعقلوا رواحلهم ، وأعانوني حتى غسلناه بماء البحر ، وكفناه بأثواب كانت معهم ، وتقدمت فصليت عليه مع الجماعة ، ودفناه في مظلته.

__________________

١ ـ في « ش » : يأكله.

٢ ـ في نسخة « ش » : أيوب.

٣ ـ عرضاً لمرار الطريق : لعل المراد منه انه كان معروضاً على الطريق يمر به الناس ، لا بيت له يكنه اُنظر « الصحاح ـ عرض ـ ٣ : ١٠٨٢ ».

٤ ـ في « ح » : بقفل ، والقفل : الجند إذا رجعوا من معسكرهم ، اُنظر « الصحاح ـ قفل ـ ٥ : ١٨٠٣ ».

٦٥

وجلست عند قبره آنساً به أقرأ القرآن إلى أن مضى من الليل ساعة(١) ، فغفوت غفوة فرأيت صاحبي في أحسن صورة وأجمل زي ، في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائماً يتلو القرآن ، فقلت له : ألست بصاحبي؟ قال : بلى ، قلت : فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ فقال : إعلم أني وردت مع الصابرين على الله عزوجل في درجة لم ينالوها إلا بالصبر على البلاء ، والشكر عند الرخاء ، فانتبهت(٢) .

وحكى الشعبيّ قال : رأيت رجلاً وقد دفن ابنه ، فلمّا حثا عليه التراب وقف على قبره ، وقال : يابنيّ ، كنت هبة ماجد ، وعطية واحد(٣) ، ووديعة مقتدر ، وعارية منتصر ، فاسترجعك واهبك ، وقبضك مالكك ، وأخذك معطيك ، فأخلفني الله عليك الصبر ، ولا حرمني الله بك الأجر ، ثم قال : أنت في حلّ من قبلي ، والله أولى عليك بالتفضّل مني.

ولما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، وأخوه سهل بن عبد العزيز ، ومولاه مزاحم ـ في أيام متتابعة ـ دخل عليه بعض أصحابه يعزيه ، وقال في جملة كلامه : والله ما رأيت مثل ابنك ابناً ، ولا مثل أخيك أخاً ، ولا مثل مولاك مولى ، فطأطأ رأسه ، ثم قال : أعد علي ما قلت ، فأعاده عليه ، فقال : لا والذي قضى عليهم ، ما أحب أن شيئا كان من ذلك لم يكن.

وقيل : بينما عمر بن عبد العزيز ذات يوم جالس إذ اتاه ابنه عبد الملك ، فقال : الله الله في مظالم بني أبيك فلان وفلان ، فوالله لوددت أن القدور قد غلت بي وبك فيما يرضي الله ، وانطلق فأتبعه أبوه بصره ، وقال : إني لأعرف خير أحواله ، قالوا : وما خير أحواله؟ قال : أن يموت فأحتسبه.

ولما دخل عليه أبوه في مرضه فقال له : كيف تجدك؟ قال : اجدني في الموت ، فاحتسبني يا أبه ، فإن ثواب الله عزوجل خير لك مني ، فقال : والله يا بني ، لئن تكون في ميزاني أحب إلي من أن أكون في ميزانك ، فقال ابنه : لئن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب.

فلما مات وقف على قبره ، وقال : رحمك الله يا بني ، لقد كنت ساراً مولوداً ، وباراً ناشئاً ، وما اُحب أني دعوتك فأجبتني.

__________________

١ ـ في نسخة « ش » : ساعات.

٢ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٤٩.

٣ ـ كذا ، والمناسب للسياق ، واجد ، بالجيم ، والواجد : الغني ، « الصحاح ـ وجد ـ ٢ : ٥٤٧ ».

٦٦

ومات له ابن آخر قبل عبد الملك ، فجاء فقعد عند رأسه ، وكشف الثوب عن وجهه ، وجعل ينظر إليه ويسدمع ، فجاء ابنه عبد الملك ، فقال : يا أبه ليشغلك ما أقبل من الموت عمن هو في شغل عما حل لديك ، فكأن قد لحقت بابنك وساويته تحت التراب بوجهك ، فبكى عمر ، ثم قال : رحمك الله يا بني ، فوالله إنك لعظيم البركة ما علمتك ، على أنك نافع الموعظة لمن وعضت.

٦٧

فصل

في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن

روي عن أنس بن مالك ، قال : كان ابن لأبي طلحةرضي‌الله‌عنه يشتكي ، فخرج أبو طلحة فقبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني؟ فقالت اُم سليم ، وهي اُم الصبي رضي الله عنها : هو أسكن ما كان ، فقربت له العشاء فتعشى ، ثم اصاب منها ، فلما فرغ قالت : فارق الصبي ، فلما اصبح أبو طلحة أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ، فقال : « أعرستم الليلة؟ » فقال : نعم ، فقال : « اللهم بارك لهما » فولدت غلاماً.

قالت : فقلت لأبي طلحة : احمله حتى تأتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعثت معه بتمرات ، فقال : « أمعه شيء؟ » قال : تمرات ، فأخذها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمضغها ، ثم أخذهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فيه فجعلها في في الصبي ، ثم حنكه ، وسماه عبد الله(١) .

قال رجل من الأنصار : فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤا القرآن ، يعني من أولاد عبد الله المولود(٢) .

وفي رواية أخرى : مات ابن لأبي طلحة من أم سليم ، فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، قال : فجاء ، فقربت إليه عشاء ، فأكل وشرب ، ثم تصنعت له أكثر مما كانت تتصنع له من قبل ذلك ، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها ، قال : يا أبا طلحة ، أرأيت قوماً أعاروا عارية أهل بيت فطلبوا عاريتهم؟ ألهم أن يمنعوهم؟ قال : لا ، قالت : فاحتسب ابنك ، قال : فغضب ، ثم قال : تركتني حتى إذا تلطخت ثم أخبرتني بابني(٣) .

وفي حديث آخر : لما كان آخر الليل قالت : يا أبا طلحة ، إن آل فلان استعاروا عارية تمتعوا بها ، فلما طلبت منهم شق عليهم ذلك ، قال : ما أنصفوا ، قالت :

__________________

١ ـ رواه البخاري في صحيحه ٧ : ١٠٩ ، ومسلم في صحيحه ٣ : ١٦٨٩ باختلاف يسير ورواه باختلاف في ألفاظه محمد بن علي العلوي في التعازي : ٢٥ / ٥٢.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ : ١٠٤.

٣ ـ صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٩.

٦٨

فإن فلاناً ـ لابنها ـ كان عارية من الله عزوجل ، وقبضه الله ، فاسترجع ، ثم غدا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بما كان ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « بارك الله لكما في ليلتكما ».

قال : فحملت وذكر الحديث ، وفيه ، فولدت غلاماً ، فمسح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهه ، وسماه عبد الله.

والحديث في ( عيون المجالس ) بزيادة غريبة في آخره ، ولفظه :

عن معاوية بن قرة ، قال : كان أبو طلحة يحب ابنه حباً شديداً ، فمرض فخافت اُم سليم على أبي طلحة الجزع حين قرب موت الولد ، فبعثته إلى النبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما خرج أبو طلحة من داره توفي الولد ، فسجته اُم سليم بثوب ، وعزلته في ناحية من البيت ، ثم تقدمت إلى أهل بيتها ، وقالت لهم : لا تخبروا أبا طلحة بشيء.

ثم أنها صنعت طعاماً ، ثم مست شيئاً من الطيب ، فجاء أبو طلحة من عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما فعل ابني؟ فقالت له : هدأت نفسه ، ثمّ قال : هل لنا مانأكل؟ فقامت فقربت إليه الطعام ، ثمّ تعرضت له فوقع عليها ، فلمّا اطمأنّ قالت له : يا أبا طلحة اتغضب من وديعة كانت عندنا ، فرددناها إلى أهلها؟ فقال : سبحان الله ، لا ، فقالت : ابنك كان عندنا وديعة فقبضه الله تعالى ، فقال أبو طلحة : فأنا أحق بالصبر منك.

ثم قام من مكانه ، فاغتسل ، وصلّي ركعتين ، ثم انطلق إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره بصنيعهما ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فبارك الله لكما في وقعتكما ، ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الذي جعل في اُمتي مثل صابرة بني أسرائيل » فقيل : يا رسول الله ، ما كان من خبرها؟

قال : « كانت في بني إسرائيل امرأة ، وكان لها زوج ، ولها منه غلامان ، فأمرها بطعام ليدعو عليه الناس ففعلت ، واجتمع الناس في داره ، فانطلق الغلامان يلعبان ، فوقعا في بئر كان في الدار ، فكرهت أن تنغص على زوجها الضيافة ، فأدخلتهما البيت ، وسجتهما بثوب ، فلما فرغوا دخل زوجها ، فقال : أين ابناي؟ قالت : هما في البيت ، وإنها كانت قد تمسحت بشيء من الطيب ، وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ، ثم قال : أين ابناي؟ قالت : هما في البيت ، فناداهما أبوهما ، فخرجا يسعيان ، فقالت المرأة :

٦٩

سبحان الله! والله لقد كانا ميتين ، ولكن الله تعالى أحياهما ثواباً لصبري »(١) .

وقريب من هذا ما رويناه في ( دلائل النبوة ) عن أنس بن مالك ، قال : دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ، فلم نبرح حتى قضى ، فبسطنا عليه ثوباً ، واُم له عجوز كبيرة عند رأسه ، فقلنا لها : يا هذه ، احتسبي مصيبتك على الله عزوجل ، فقالت : مات ابني؟ قلنا نعم ، قالت : حقاً تقولون؟ قلنا : نعم ، قال فمدت يدها ، وقالت : اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك ، وهاجرت إلى رسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله رجاء ان تعينني عند كل شدة ورخاء ، فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم ، فكشف الثوب عن وجهه بيده ، ثمّ مابرحنا حتى طعمنا معه(٢) .

وهذا الدعاء من المرأة رحمها الله إدلال على الله ، واستئناس به يقع منه للمحبين كثيراً ، فيقبل دعاءهم ، وإن كان في التذكير بنحو ذلك ما يظهر منه قلة الادب. لو وقع من غيرهم ، ولذلك بحث طويل وشواهد من الكتاب والسنة ، يخرج ذكره عن مناسبة المقام.

ومن لطيف ما اتفق فيه مناجاة برخ الاسود الذي أمر الله تعالى كليمه موسىعليه‌السلام أن يسأله ليستسقي لبني اسرائيل بعد ان قحطوا سبع سنين ، وخرج موسى ليستسقي لهم في سبعين الفا ، فأوحى الله إليه : « كيف استجيب لهم وقد أظلت عليهم ذنوبهم ، وسرائرهم خبيثة ، يدعونني على غير يقين ، ويأمنون مكري! إرجع إلى عبد من عبادي ، يقال له : برخ ، يخرج حتى استجيب له ».

فسأل عنه موسىعليه‌السلام فلم يعرف ، فبينا موسىعليه‌السلام ذات يوم يمشي في طريق ، فإذا بعبد أسود بين عينيه تراب من أثر السجود ، في شملة قد عقدها على عنقه ، فعرفه موسى بنور الله تعالى فسلم عليه ، فقال : ما اسمك؟ قال : إسمي برخ ، فقال : أنت طلبتنا منذ حين ، اخرج استسق لنا ، فخرج ، فقال في كلامه : اللهم ما هذا من فعالك ، وما هذا من حلمك ، وما الذي بدالك! أنقصت عليك عيونك ، أم عاندت الرياح عن طاعتك ، أم نفد ما عندك! أم اشتد غضبك على المذنبين ، الست كنت غفاراً قبل خلق الخاطئين؟! خلقت الرحمة ، وأمرت بالعطف ، أم ترينا أنك ممتنع ، أم

__________________

١ ـ أخرجه المجلسي في بحار الانوار ٨٢ : ١٥٠.

٢ ـ دلائل النبوة ٦ : ٥٠ باختلاف في ألفاظه ، وأخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥١.

٧٠

تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة؟! فما برح برخ حتى ( أفاضت وخاضت )(١) بنو إسرائيل بالقطر.

قال : فلما رجع برخ استقبل موسىعليه‌السلام ، فقال : كيف رأيت حين خاصمت ربي ، كيف انصفني؟(٢)

رجعنا إلى أخبار الصابرات :

وروي : أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها لما جاء خبر ولدها ـ محمد بن أبي بكر ـ أنه قتل وأحرق بالنار في جيفة حمار ، قامت إلى مسجدها ، فجلست فيه ، وكظمت الغيظ حتى تشخب ثديها دماً(٣) .

وروي عن حمنة(٤) بنت جحش رضي الله عنها : أنها قيل لها : قتل أخوك ، قالت : رحمه الله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، قالوا : وقتل زوجك ، قالت : واحزناه ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أن للزوج من المرأة لشعبة ماهي لشيء »(٥) .

وروي : ان صفية بنت عبد المطلب أقبلت لتنظر إلى أخيها لأبويها ـ حمزة بن عبد المطلب ـ باُحد ، وقد مثل به ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابنها الزبير : « القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها » فقال لها : يا أماه ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرك ان ترجعي ، قالت : ولم ، وقد بلغني أنه قد مثل بأخي؟ وذلك في الله عزوجل ، فما أرضانا بما كان من ذلك! فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله.

فلما جاء الزبير إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بقولها ، فقال له : « خل سبيلها » فأتته ، ونظرت إليه ، وصلت عليه ، واسترجعت ، واستغفرت له(٦) .

وعن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال : لما قتل حمزةرضي‌الله‌عنه يوم اُحد ، أقبلت صفية تطلبه ، لا تدري ما صنع به ، قال : فلقيت علياً والزبير ، فقال عليعليه‌السلام للزبير : « أذكر لاُمك » فقال الزبير : لا ، بل اذكر انت لعمتك ، قالت : ما فعل حمزة؟ فأرياها أنهما لا يدريان ، قال : فجاءت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « إني أخاف

____________

١ ـ في « د » : اخضلت.

٢ ـ أخرجه الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء ٨ : ٨١.

٣ ـ روى القصة مفصلة الدميري في حياة الحيوان الكبرى ١ : ٢٤٧.

٤ ـ في « ح » : جهينة ، والصواب ما أثبتناه من « د » ، راجع « اُسد الغابة ٥ : ٤٢٨ ».

٥ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٧ ، المستدرك على الصحيحين ٤ : ٦٢.

٦ ـ السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ١٠٣.

٧١

على عقلها » قال : فوضع يده على صدرها ، ودعا لها ، فاسترجعت ، وبكت ، قال : ثم جاءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقام عليه ، وقد مثل به ، فقال : « لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطيور وبطون السباع »(١) .

واستشهد شاب من الأنصار يقال له : خلاد يوم بني قريظة ، فجاءت أمه متنقبة فقيل لها : تتنقبين يا اُم خلاد وقد رزئت بخلاد! فقالت : لئن كنت رزئت خلاداً ، فلم ارزأ حيائي(٢) ، فدعا له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : « إن له أجرين ، لأن أهل الكتاب قتلوه »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : لما كان يوم اُحد حاص أهل المدينة حيصة ، فقالوا : قتل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة ، فخرجت امراة من الأنصار متحزنة ، فاستقبلت بأبيها وأبنها وزوجها وأخيها ، لا أدري أيهم استقبلت أولاً ، فلما مرت على آخرهم قالت : من هذا؟ قالوا : أخوك ، وأبوك ، وزوجك ، وابنك ، قالت : ما فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : أمامك ، فمشت حتى جاءت إليه ، فأخذت بناحية ثوبه ، وجعلت تقول : بأبي أنت وامي يا رسول الله ، لا ابالي إذا سلمت من عطب.

وروى البيهقي قال : مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بامرأة من بني دينار(٤) ، وقد أصيب زوجها وأبوها وأخوها معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باُحد ، فلما نعوا إليها ، قالت : ما فعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : خيراً يا أم فلان ، وهو يحمد الله كما تحبين ، قالت : أرونيه حتى انظر إليه ، فأشير لها إليه ، حتى إذا رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل(٥) .

وخرجت السمراء بنت قيس ـ أخت أبي حزام ـ ، وقد اصيب ابناها ، فعزاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهما ، فقالت : كل مصيبة بعدك جلل(٦) ، والله لهذا

__________________

١ ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٩٧.

٢ ـ في « د » و « ح » : حبابه ، وما أثبتناه من منتخب كنز العمال.

٣ ـ منتخب كنز العمال ١ : ٢١٢ باختلاف في ألفاظه.

٤ ـ في « د » : ذبيان ، وفي « ح » : دينارة ، وفي هامش « ح » : صباره ، والظاهر كلها تصحيف ، والصواب ما أثبتناه ، وبنو دينار : بطن من بني النجار من الخزرج من الأنصار. اُنظر « معجم قبائل العرب ١ : ٤٠١ ».

٥ ـ السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ١٠٥ ، ورواه الواقدي في المغازي ١ : ٢٩٢ باختلاف في ألفاظه.

٦ ـ الجلل : الأمر العظيم والهين ، وهو من الاضداد ، والمراد هنا : كل مصيبة بعدك هينة. اُنظر « الصحاح

٧٢

النقع(١) الذي أرى على وجهك أشد من مصابهما.

وروي : أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ، ومعه ابن له ، فقال لابنه : أي بني تقدم فقاتل حتى احتسبك ، فحمل فقاتل فقتل ، ثم تقدم أبوه فقاتل فقتل ، قال : فاجتمع النساء عند امه معاذة العدوية زوجة صلة ، فقالت لهن : مرحباً بكن إن كنتن ( جئتن لتهنئتي )(٢) ، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.

وروي : أن عجوزاً من بني بكر بن كلاب كان يتحدث قومها عن عقلها وسدادها ، فأخبر بعض من حضرها ، وقد مات ابن لها ، وكان واحدها ، وقد طالت علته ، وأحسنت تمريضه ، فلما مات قعدت بفنائها ، وحضرها قومها ، فأقبلت على شيخ منهم فقالت : يا فلان ، ما حق من أسبغت عليه النعمة ، وأُلبس العافية ، واعتدلت به النظرة ، أن لا يعجز عن التوثق لنفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوته(٣) ، ينزل الموت بداره ، فيحول بينه وبين نفسه؟ ثم أنشأت تقول شعراً :

هو أبني وأنسي أجره لي وعزني

على نفسه رب اليه ولاؤها

فإن أحتسب أوجر وإن ابكه أكن

كباكية لم يغن شيئاً بكاؤها

 فقال لها شيخ : إننا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء ، فلا يجزعن أحد بعدك ، ولقد كرم صبرك ، وما أشبهت النساء ، فقالت له : إنه ما ميز امرؤ بين الجزع وصبر ، إلا وجد بينهما منهجين بعيدي التفاوت في حالتيهما :

أما الصبر : فحسن العلانية ، محمود العاقبة.

وأما الجزع : فغير معرض شيئاً مع إثمه.

ولو كانا في صورة رجلين ، لكان الصبر أولاهما بالغلبة ، وبحسن الصورة ، وكرم الطبيعة في عاجل الدين وآجله في الثواب ، وكفى بما وعد الله عزوجل لمن ألهمه إياه.

وعن جويرية بن أسماء : أن ثلاثة أخوة شهدوا تستر ، واستشهدوا ، وبلغ ذلك أمهم ، فقالت : مقبلين أم مدبرين؟ فقيل لها : بل مقبلين ، فقالت : الحمد لله ، نالوا والله الفوز ، وحاطوا الذمار ، بنفسي هم وأبي وامي ، وما تأوهت ، ولا دمعت لها عين.

__________________

ـ جلل ـ ٤ : ١٦٥٩ ».

١ ـ النقع : الغبار. « الصحاح ـ نقع ـ ٣ : ١٢٩٢ ».

٢ ـ في « د » : جئتني لتهنئنني.

٣ ـ في « ح » بعقوبته ، والصواب ما في المتن ، والعقوة : الساحة وما حول الدار. « الصحاح ـ عقا ـ ٦ : ٢٤٣٣ ».

٧٣

وعن أبي قدامة الشامي قال : كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات ، فدخلت بعض البلدان ، ودعوت الناس للغزاة ، ورغبتهم في الجهاد ، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها ، ثم تفرق الناس وركبت فرسي ، وسرت إلى منزلي ، فإذا أنا بأمرأة من أحسن الناس وجهاً تنادي : يا أبا قدامة ، فمضيت ولم أجب ، فقالت : ما هكذا كان الصالحون ، فوقفت ، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة ، وانصرفت باكية ، فنظرت في الرقعة وإذا فيها مكتوب : أنت دعوتنا إلى الجهاد ، ورغبتنا في الثواب ، ولا قدرة لي على ذلك ، فقطعت أحسن ما في ، وهما ضفيرتاي ، وأنفذتهما(١) إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله ، فيغفر لي.

فلما كان صبيحة القتال ، فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل حاسراً ، فتقدمت إليه وقلت : يا غلام ، أنت فتى غر(٢) راجل ، ولا آمن أن تجول الخيل فتطؤك بأرجلها ، فارجع عن موضعك هذا ، فقال : أتأمرني بالرجوع ، وقد قال الله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الادبار ) (٣) ؟ وقرأ الآية إلى آخرها.

فحملته على هجين كان معي ، فقال : يا أبا قدامة ، أقرضني ثلاثة أسهم ، فقلت : أهذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت : بشرط إن من الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك ، قال : نعم ، فأعطيته ثلاثة أسهم ، فوضع سهماً في قوسه ورمى به ، فقتل رومياً ، ثم رمى بالآخر فقتل رومياً ، ثم رمى بالآخر ، وقال : السلام عليك يا أبا قدامة سلام مودع ، فجاءه سهم فوقع بين عينيه ، فوضع رأسه على قربوس سرجه ، فتقدمت إليه ، وقلت : لا تنسها ، فقال : نعم ، ولكن لي إليك حاجة ، إذا دخلت المدينة فأت والدتي ، وسلم خرجي(٤) إليها وأخبرها ، فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك ، فسلم عليها ، فهي العام الأول أصيبت بوالدي ، وفي هذا العام بي ، ثم مات ، فحفرت له ، ودفنته.

فلما هممت بالإنصراف عن قبره قذفته الارض ، فألقته على ظهرها ، فقال أصحابه : غلام غر ، ولعله خرج بغير إذن امه ، فقلت : إن الإرض لتقبل من هو شر من

__________________

١ ـ في « ح » : وأرسلتها.

٢ ـ في الحديث : « المؤمن غر كريم » يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة ، وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه ، وليس ذلك منه جهلاً ، ولكنه كرم وحسن خلق « النهاية ـ غرر ـ ٣ : ٣٥٤ ».

٣ ـ الأنفال ٨ : ١٥.

٤ ـ الخرج : وعاء « الصحاح ـ خرج ـ ١ : ٣٠٩ ».

٧٤

هذا ، فقمت وصليت ركعتين ، ودعوت الله ، فسمعت صوتاً يقول : يا أبا قدامة ، أترك ولي الله ، فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته.

فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته ، فما قرعت الباب خرجت أخته إلي ، فلما رأتني عادت إلى امها ، وقالت : يا أماه ، هذا أبو قدامة ، وليس معه أخي ، وقد أُصبنا في العام الاول بأبي ، وفي هذا العام بأخي ، فخرجت اُمه ، فقالت : أمعزيناً أم مهنئاً؟ فقلت : ما معنى هذا؟ قالت : إن كان ابني مات فعزني ، وإن كان استشهد فهنئني ، فقلت : لا ، بل قد مات شهيداً ، فقالت له علامة ، فهل رأيتها؟ فقلت : نعم ، لم تقلبه الارض ، ونزلت الطيور ، فأكلت لحمه ، وتركت عظامه ، فدفنتها ، فقالت : الحمد لله.

فسلمت إليها الخرج ، ففتحته وأخرجت منه مسحاً وغلاً من حديد ، قالت : إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح ، وغلّ نفسه بالغل وناجى مولاه ، وقال في مناجاته : إلهي احشرني من حواصل الطيور. فاستجاب الله سبحانه دعاءه رحمه الله.

وروى البيهقي عن أبي عباس السراج ، قال : مات لبعضهم ابن ، فدخلت على اُمه ، فقلت لها : اتقي الله واصبري ، فقالت : مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع.

وقال ابان بن تغلبرحمه‌الله : دخلت على امرأة ، وقد نزل بابنها الموت ، فقامت إليه فغمضته وسجته ، ثم قالت : يا بني ، ما الجزع في ما لا يزول؟ وإنما البكاء في ما ينزل بك غداً؟ يا بني ، تذوق ما ذاق أبوك ، وستذوقه من بعدك امك ، وإن أعظم الراحة لهذا الجسد النوم ، والنوم أخو الموت ، فما عليك إن كنت نائماً على فراشك ، أو على غيره ، وإن غداً السؤال والجنة والنار ، فإن كنت من أهل الجنة فما ضرك الموت ، وإن كنت من أهل النار فما تنفعك الحياة ، ولو كنت أطول الناس عمراً ، والله يا بني لولا أن الموت أشرف الاشياء لابن آدم ، لما أمات الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبقى عدوه أبليس لعنه الله(١) .

وعن المبرد قال : أتيت امرأة أعزيها عن ابنها ، فجعلت تثني عليه ، فقالت : كان ـ والله ـ ماله لغير بطنه ، وأمره لغير عرسه ، وكان رحب الذراع بالتي لا تشينه ، فإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعاً ، فقلت لها : وهل لك منه خلف؟ ـ وأنا أعني الولد ـ ، فقالت : نعم بحمد الله كثير الطيب ، ثواب الله عزوجل ، ونعم العوض في الدنيا والآخرة.

__________________

١ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٢.

٧٥

وعنه : أنه خرج إلى اليمن ، فنزل على امرأة لها مال كثير ورقيق وولد وحال حسنة ، فاقام عندها مدة ، فلما أراد الرحيل قال : إلك حاجة؟ قالت : نعم ، كلما نزلت هذه البلاد فانزل علي.

وإنه غاب اعواما ، ثم نزل عليها ، فوجدها قد ذهب مالها ورقيقها ، ومات ولدها ، وباعت منزلها ، وهي مسرورة ضاحكة ، فقال لها : أتضحكين مع ما قد نزل بلك؟ فقالت : يا عبد الله كنت في حال النعمة في أحزان كثيرة ، فعلمت أنها من قلة الشكر ، فأنا اليوم في هذه الحالة أضحك شكراً لله تعالى على ما أعطاني من الصبر.

وعن مسلم بن يسار قال : قدمت البحرين فأضافتني امرأة لها بنون ورقيق ومال ويسار ، وكنت أراها محزونة ، فغبت عنها مدة طويلة ، ثم أتيتها فلم أر ببابها إنساً ، فاستأذنت عليها ، فإذا هي ضاحكة مسرورة ، فقلت لها : ما شأنك؟ قالت : إنك لما غبت عنا لم نرسل شيئاً في البحر إلا غرق ، ولا شيئاً في البر إلا عطب ، وذهبت الرقيق ، ومات البنون ، فقلت لها : يرحمك الله ، رأيتك محزونة في ذلك اليوم ، ومسرورة في هذا اليوم ، فقالت : نعم ، إني لما كنت فيما كنت فيه من سعة الدنيا ، خشيت أن يكون الله تعالى قد عجل لي حسناتي في الدنيا ، فلما ذهب مالي وولدي ورقيقي رجوت أن يكون الله تعالى قد ذخر لي عنده شيئاً(١) .

وعن بعضهم قال : خرجت أنا وصديق لي إلى البادية ، فضللنا الطريق ، فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدنا نحوها فسلمنا ، فإذا بامرأة ترد علينا السلام ، وقالت : ما أنتم؟ قلنا : ضالون فأتيناكم فاستأنسنا بكم ، فقالت : يا هؤلاء ، ولّوا وجوهكم عنّي ، حتى أقضي حقكم ما أنتم له أهل ، ففعلنا ، فألقت لنا مسحاً ، وقالت : اجلسوا عليه إلى أن يأتي أبني.

ثم جعلت ترفع طرف الخيمة وتردها ، إلى أن رفعته مرة فقالت : أسأل الله بركة المقبل ، أما البعير فبعير ابني ، وأما الراكب فليس هو به ، قال : فوقف الراكب عليها ، وقال : يا اُم عقيل ، عظم الله أجرك في عقيل ولدك ، فقالت : ويحك مات!؟ قال : نعم ، قالت : وما سبب موته؟ قال : ازدحمت عليه الابل فرمت به في البئر فقالت : انزل واقض ذمام القوم ، ودفعت إليه كبشاً فذبحه وأصلحه ، وقرب إلينا الطعام ، فجعلنا نأكل ، ونتعجب من صبرها.

__________________

١ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٢.

٧٦

فلما فرغنا خرجت إلينا وقالت : يا قوم ، هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئاً؟ فقلت : نعم ، قالت : فاقرأ علي آيات أتعزى بها عن ولدي ، فقلت : يقول الله عزوجل :( وبشر الصابرين الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ) (١) . قالت : بالله انها في كتاب الله هكذا؟ قلت : والله إنها لفي كتاب الله هكذا ، فقالت : السلام عليكم ، ثم صفت قدميها وصلت ركعات ، ثم قالت : اللهم إني قد فعلت ما أمرتني به ، فأنجز لي ما وعدتني به ، ولو بقي أحد لأحد ـ قال : فقلت في نفسي تقول : لبقي ابني لحاجتي إليه ، فقالت ـ : لبقي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته.

فخرجت وأنا أقول : ما رأيت أكمل منها ولا أجزل ، ذكرت ربها بأكمل خصاله وأجمل خلاله. ثم إنها لما علمت ان الموت لا مدفع له ، ولا محيص عنه ، وأن الجزع لا يجدي نفعاً ، والبكاء لا يرد هالكاً ، رجعت إلى الصبر الجميل ، واحتسبت ابنها عند الله تعالى ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة(٢) .

ونحوه ما أخرجه ابن أبي الدنيا ، قال : كان رجل يجلس إلي ، فبلغني انه شاكٍ(٣) فأتيته أعوده ، فإذا هو قد نزل به الموت ، وإذا اُمّ له عجوز كبيرة عنده ، فجعلت تنظر حتى غمض وعصب وسجي ، ثم قالت : رحمك الله ، اي بني ، فقد كنت بنا باراً ، وعلينا شفيقاً ، فرزقني الله عليك الصبر ، فقد كنت تطيل القيام ، وتكثر الصيام ، لا حرمك الله تعالى ما أملت فيه من رحمته ، وأحسن فيك العزاء ، ثم نظرت إليّ وقالت : أيها العائد قد رأيت واعظاً ونحن معك.

وروى البيهقي عن ذي النون المصري ، قال : كنت في الطواف ، وإذا أنا بجاريتين قد أقبلتا ،

وأنشأت إحداهما تقول :

صبرت وكان الصبر خير ( مغبة )(٤)

وهل الجزع مني ليجدي فأجزع

صبرت على ما لو تحمل بعضه

جبال برضوى أصبحت تتصدع

ملكت دموع العين ثم رددتها

إلى ناظري فالعين في القلب تدمع

 __________________

١ ـ البقرة ٢ : ١٥٥ ـ ١٥٧.

٢ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٥٢.

٣ ـ الشاكي : المريض. « الصحاح ـ شكا ـ ٦ : ٢٣٩٥ ».

٤ ـ في « ح » : مطية.

٧٧

فقلت : مماذا يا جارية؟ فقالت : من مصيبة نالتني ، لم تصب أحداً قط ، قلت : وما هي؟ قالت : كان لي شبلان يلعبان أمامي ، وكان أبوهما ضحى بكبشين ، فقال أحدهما لأخيه : يا أخي اريك كيف ضحى أبونا بكبشه ، فقام وأخذ الآخر شفرة فنحره ، وهرب القاتل فدخل ابوهما ، فقلت : إن ابنك قتل أخاه وهرب ، فخرج في طلبه ، فوجده قد افترسه السبع ، فرجع الاب فمات في الطريق ظمأً وجوعاً.

وروى بعضهم هذه الرواية ، وزاد فيها : قال : رايت امرأة حسناء ، ليس بها شيء من الحزن ، وقالت : والله ما أعلم أحداً اُصيب بما اُصبت به ، وأوردت القصة ، فقلت لها : كيف أنت والجزع؟ فقالت : لو رايت فيه دركاً ما اخترت عليه شيئاً ، ولو دام لي لدمت له.

وحكى بعضهم ، قال : اُصيبت امرأة بابن لها فصبرت ، فقيل لها في ذلك ، فقالت : آثرت طاعة الله تعالى على طاعة الشيطان.

٧٨

الباب الثالث : في الرضا

قال الله تعالى :( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم ) (١) ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) (٢) .

إعلم أن الرضا ثمرة المحبة لله ، من أحب شيئاً أحب فعله والمحبة ثمرة المعرفة ، فإن من أحب شخصاً إنسانياً لا شتماله على بعض صفات الكمال أو نعوت الجمال ، يزداد حبه له كلما زاد به معرفة وله تصوراً.

فمن نظر بعين بصيرته إلى جلال الله تعالى وكماله ـ الذي يطول شرح تفصيل بعضه ، ويخرج عن مقصود الرسالة ـ أحبه ، والذين آمنوا أشد حباً لله ، ومتى أحبه استحسن كل أثر صادر عنه ، وهو يقتضي الرضا.

فالرضا ثمرة من ثمرات المحبة ، بل كل كمال فهو ثمرتها ، فإنها لما كانت فرع المعرفة استلزم تصور رحمته رجاؤه ، وتصور هيبته الخشية له ، ومع عدم الوصول إلى المطلوب الشوق ، ومع الوصول الأنس ، ومع إفراط الأنس الإنبساط ، ومع مطالعة عنايته التوكل ، ومع استحسان ما يصدر عنه الرضا ، ومع تصور قصور نفسه في جنب كماله وكمال إحاطة محبوبه به وقدرته عليه التسليم إليه ، ويتشعب من التسليم مقامات عظيمة ، يعرفها من عرفها ، وينتهي الأمر به إلى غاية كل كمال.

واعلم ان الرضا فضيلة عظيمة للإنسان ، بل جماع أمر الفضائل يرجع إليها ، وقد نبه الله تعالى على فضله ، وجعله مقروناً برضا الله تعالى وعلامة له ، فقال :( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) (٣) ( ورضوان من الله أكبر ) (٤) وهو نهاية الاحسان ، وغاية الإمتنان.

وجعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليلاً على الايمان ، حين سأل طائفة من أصحابه ، « ما أنتم؟ » قالوا : مؤمنون ، فقال : « ما علامة إيمانكم؟ » قالوا نصبر على البلاء ، ونشكر عند الرخاء ، ونرضى بمواقع القضاء ، فقال : « مؤمنون ورب الكعبة »(٥) .

__________________

١ ـ الحديد ٥٧ : ٢٣.

٢ ـ المائدة ٥ : ١١٩ ، التوبة ٩ : ١٠٠ المجادلة ٥٨ : ٢٢ ، البينة ٩٨ : ٨.

٣ ـ المائدة ٥ : ١١٩ ، والتوبة ٩ : ١٠٠ ، والمجادلة ٥٨ : ٢٢ ، والبينة ٩٨ : ٨.

٤ ـ التوبة ٩ : ٧٢.

٥ ـ ورد باختلاف في ألفاظه في التمحيص : ٦١ : ١٣٧ ، ودعائم الاسلام ١ : ٢٢٣ وأخرجه الفيض

٧٩

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، فإن رضي اصطفاه »(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا كان يوم القيامة أنبت الله تعالى لطائفة من أمتي أجنحة ، فيطيرون من قبورهم إلى الجنان ، يسرحون فيها ، ويتنعمون كيف يشاؤون ، فتقول لهم الملائكة : هل رأيتم الحساب؟ فيقولون : ما راينا حساباً ، فيقولون : هل جزتم الصراط؟ فيقولون : ما رأينا صراطاً ، فيقولون : هل رايتم جهنم؟ فيقولون : ما راينا شيئاً ، فتقول الملائكة : من اُمة من أنتم؟ فيقولون من اُمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقولون : نشدناكم الله ، حدثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا؟ فيقولون : خصلتان كانتا فينا ، فبلغنا الله تعالى هذه المنزلة بفضل رحمته ، فيقولون : وما هما؟ فيقولون : كنا إذا خلونا نستحي أن نعصيه ، ونرضى باليسير مما قسم لنا ، فتقول الملائكة : حق لكم هذا »(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أعطوا الله الرضا من قلوبكم ، تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم والإفلاس »(٣) .

وفي أخبار موسىعليه‌السلام ، أنهم قالوا : سل لنا ربك أمراً إذا نحن فعلناه ( يرضى به عنا )(٤) فأوحى الله تعالى إليه : « قل لهم : يرضون عني ، حتى أرضى عنهم »(٥) .

ونظيره ما روي عن نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه قال : « من أحب أن يعلم ما له عند الله عزوجل ، فلينظر ما لله عزوجل عنده ، فإن الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه »(٦) .

و في أخبار داودعليه‌السلام : « ما لأوليائي والهم بالدينا ، إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم ، يا داود ، إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون »(٧) .

____________

الكاشاني في المحجة البيضاء ٧ : ١٠٧.

١ ـ المحجة البيضاء ٨ : ٦٧ و ٨٨ ، والبحار ، ٨٢ : ١٤٢ / ٢٦.

٢ ـ المحجة البيضاء ٨ : ٨٨.

٣ ـ روى الكليني نحوه في الكافي ٢ : ٢٠٣ / ١٤ ، وأخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٤٣.

٤ ـ في « ش » : يرضى الله عنا.

٥ ـ المحجة البيضاء ٨ : ٨٨ ، والبحار ٨٢ : ١٤٣.

٦ ـ المحاسن : ٢٥٢ / ٢٧٣ ، مشكاة الانوار : ١١ ، عدة الداعي : ١٦٧ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٩٥ باختلاف يسير.

٧ ـ أخرجه المجلسي في البحار ٨٢ : ١٤٣.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169