الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة27%

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 208

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة
  • البداية
  • السابق
  • 208 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128703 / تحميل: 7999
الحجم الحجم الحجم
الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

« مَنْ باع عبداً وله مالٌ فمالُه للبائع إلّا أن يشترطه المبتاع »(١) .

وقد رواه الخاصّة - في الصحيح - عن محمّد بن مسلم عن الباقر أو الصادقعليهما‌السلام قال : سألته عن رجل باع مملوكاً فوجد له مالاً ، فقال : « المال للبائع إنّما باع نفسه إلّا أن يكون شرط عليه أنّ ما كان من مال أو متاع فهو له »(٦) ولو ملكه العبد لم يكن للبائع ، فلمّا جَعَله للبائع دلّ على أنّ العبد لم‌ يملك ، وثبت بذلك أنّ الإضافة مجاز.

ويفارق الحُرّ ؛ لأنّه غير مملوك.

وملك النكاح ؛ لأنّه موضع حاجة وضرورة ؛ لأنّه لا يستباح في غير ملك. ولأنّه لمـّا ملكه لم يملك السيّد إزالة يده عنه ، بخلاف المال.

والفائدة في القولين تظهر في الزكاة ، فإن قلنا : يملك ، فلا زكاة ؛ لضعف ملكه ، إذ لمولاه انتزاعه منه متى شاء. وإن قلنا : لا يملك ، وجبت الزكاة على المولى.

وإذا ملّكه جاريةً وقلنا : يملك ، استباح وطأها ، وإلّا فلا.

ويكفّر بالمال إن قلنا : يملك ، وإلّا بالصوم.

البحث الثاني : في المأذون له في الاستدانة.

مسألة ٥٨ : يجوز للسيّد أن يأذن لعبده في الاستدانة والتجارة وسائر التصرّفات إجماعاً. ولأنّه صحيح العبارة ، وإنّما مُنع من التصرّف لحقّ السيّد ، فإذا أمره ، زال المانع.

إذا ثبت هذا ، فإذا أذن له في الاستدانة ، فإن استدان للمولى بإذنه ، كان الضمان على المولى؛ لأنّه المستدين في الحقيقة ، والمملوك نائبه.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٨ / ٣٤٣٣ و ٣٤٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٧ ، مسند أحمد ٢ : ٧٣ / ٤٥٣٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٣ ( باب المملوك يباع ) ح ٢ ، التهذيب ٧ : ٧١ / ٣٠٦.

٦١

وإن استدان لنفسه بإذن المولى ، فإن استبقاه مملوكاً أو باعه ، فالضمان على المولى أيضاً ؛ لأنّه بإذنه دفع المالك ماله إليه.

ولما رواه أبو بصير عن الباقرعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دَيْن ، قال : « إن كان أذن له أن يستدين فالدَّيْن على مولاه ، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي‌ء على المولى ، ويستسعى العبد في الدَّيْن »(١) .

مسألة ٥٩ : لو أعتقه مولاه وقد أذن له في الاستدانة فاستدان ، فالأقرب إلزام العبد بما استدانه ؛ لأنّه أخرجه في مصلحته ، فكان عليه أداؤه ، بخلاف ما لو باعه مولاه أو استبقاه ؛ لأنّ التفريط من المولى بإذنه ، وعدم تمكن صاحب المال من أخذه.

ولما رواه عثمان بن عيسى عن ظريف الأكفاني قال : كان أذن لغلامٍ له في الشراء والبيع فأفلس ولزمه دَيْنٌ فأُخذ بذلك الدَّيْن الذي عليه ، وليس يساوي ثمنه ما عليه من الدَّيْن ، قال : فقال الصادقعليه‌السلام : « إن بعته لزمك ، وإن أعتقته لم يلزمك » فعتقه ولم يلزمه شي‌ء(٢) .

ويحتمل إلزام المولى ؛ لأنّه أذن له في الاستدانة ، فكأنّه قد أذن له في إتلاف مال الغير ، ولا شي‌ء للعبد حالة الإذن ، فتضمّن ذلك الالتزام بما يسدينه ، وهذا هو المشهور.

مسألة ٦٠ : لو استدان العبد بإذن المولى ثمّ مات المولى وعليه ديون وقصرت التركة عن الديون ، قُسّمت التركة على دَيْن المولى ودَيْن العبد بالنسبة ؛ لأنّهما معاً يستحقّان في ذمّة المولى.

ولما رواه زرارة ، قالت : سألتُ الباقرَعليه‌السلام : عن رجل مات وترك عليه

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٠٠ / ٤٤٥ ، الاستبصار ٣ : ١١ - ١٢ / ٣١.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٩ / ٤٤٣ ، الاستبصار ٣ : ١١ / ٢٩.

٦٢

دَيْناً وترك عبداً له مال في التجارة وولداً وفي يد العبد مال ومتاع وعليه دَيْنٌ استدانه العبد في حياة سيّده في تجارة ، فإنّ الورثة وغرماء الميّت اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد ، فقال‌ « أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد ، ولا على ما في يده من المتاع والمال إلّا أن يضمنوا(١) دَيْن الغرماء جميعاً ، فيكون العبد وما في يديه للورثة ، فإن أبوا كان العبد وما في يديه للغرماء ، يقوّم العبد وما في يديه من المال ثمّ يقسّم ذلك بينهم بالحصص ، فإن عجز قيمة العبد وما في يديه عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميّت ترك شيئاً » قال : « فإن فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دَيْن الغرماء ردّه على الورثة »(٢) .

مسألة ٦١ : لو أذن المولى لعبده في الشراء للعبد ، صحّ.

والأقرب أنّه لا يملكه العبد ، فحينئذٍ يملكه المولى ؛ لاستحالة ملكٍ لا مالك له ، ولكن للعبد استباحة التصرّف والوطي لو كان أمةً لا من حيث الملك ، بل لاستلزامه الإذن.

إذا عرفت هذا ، فليس الإذن في الاستدانة للمملوك إذناً لمملوك المأذون ؛ لاختصاصه بالمأذون، فلا يتعدّى إلى غيره بالأصل.

ولا بدّ في إذن الاستدانة من التصريح ، فلا يكفي السكوت لو رآه يستدين ، ولا ترك الإنكار.

أمّا أمر صاحبَ المال بالإدانة لعبده ، فالأقرب أنّه إذن للعبد ، فيستبيح العبد التصرّفَ ، ويتعلّق الضمان بالمولى ، بل هو أبلغ من الإذن للعبد فيه.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « يضمنوا » : « يظهر » والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) الكافي ٥ : ٣٠٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٩٩ - ٢٠٠ / ٤٤٤ ، الاستبصار ٣ : ١١ / ٣٠.

٦٣

البحث الثالث : في المأذون له في التجارة.

والنظر فيه يتعلّق بأُمور ثلاثة :

الأوّل: فيما يجوز له من التصرّفات.

مسألة ٦٢ : إذا أذن السيّد لعبده في التجارة ، اقتصر على ما حدّه له ، ولا يجوز له التعدّي إلى غيره ، سواء كان في جنس ما يشتريه ويبيعه أو في القدر أو في السفر إلى موضعٍ. وإن عمّم له ، جاز ، ولم يختصّ الإذن بشي‌ء من الأنواع دون شي‌ء.

ويستفيد المأذون له في التجارة بالإذن كلّ ما يندرج تحت اسم التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها ، كنشر الثوب وطيّه ، وحمل المتاع إلى المنزل والسوق ، والردّ بالعيب ، والمخاصمة في العهدة ونحوها ، فلا يستفيد به غير ذلك ، فليس له النكاح ؛ لأنّ الإذن تعلّق بالتجارة ، وهي لا تتناول النكاح ، فيبقى على أصالة المنع ، وكما أنّ المأذون له في النكاح ليس له أن يتّجر ، كذا بالعكس ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما لا يندرج تحت اسم الآخَر.

مسألة ٦٣ : ليس للمأذون في التجارة أن يؤاجر نفسه ؛ لأنّه لا يملك التصرّف في رقبة فكذا في منفعة ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم : إنّه يملك ذلك(٢) . وبه قال أبو حنيفة(٣) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٩ ، الوسيط ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٣ ، منهاج الطالبين : ١٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٤ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٣.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٥ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : =

٦٤

وهل له إجارة أموال التجارة ، كالعبيد والدوابّ؟ الأقرب : اتّباع العادة في ذلك.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ، كما أنّه لا يؤاجر نفسه.

والثاني : الجواز ؛ لاعتياد التّجار ذلك. ولأنّ المنفعة من فوائد المال ، فيملك العقد عليها كالصوف واللبن. ولأنّ ذلك أنفع للمالك ، فيكون محسناً به ، فلا سبيل عليه ؛ لقوله تعالى :( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) (٢) .

مسألة ٦٤ : لو أذن له السيّد في التجارة في نوع من المال ، لم يصر مأذوناً في سائر الأنواع وكذا لو أذن له في التجارة شهراً أو سنةً ، لم يكن مأذوناً بعد تلك المدّة ، عند علمائنا وبه قال الشافعي -(٣) اقتصاراً بالإذن على مورده ؛ لعدم تناوله غير ذلك النوع.

وقال أبو حنيفة : إنّ الإذن في نوع يقتضي الإذن في غيره ، وكذا الإذن في التجارة مدّةً يقتضي تعميم الأقارب ؛ لأنّ في الإذن في نوعٍ أو مدّة غروراً للناس ؛ لأنّهم يحسبونه مأذوناً له في كلّ نوع ، والغرور من المغرور صدر حيث بنى الأمر على التخمين ولم يفحص في البحث عن حاله ، كما‌

____________________

= ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٥٩ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

(١) التوبة : ٩١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، الوسيط ٣ : ١٩٦ ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٣ ٢٢٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

٦٥

أنّه لو لم يأذن لعبده في التجارة فعامل العبد فتوهّم الغير الإذنَ ، لم يلزم المولى حكمٌ ، كذا هنا(١) .

واعلم أنّ أبا حنيفة سلّم أنّه لو دفع المولى إليه ألفاً ليشتري به شيئاً ، لا يصير مأذوناً له في التجارة(٢) .

ولو دفع إلى ألفاً وقال : اتّجر فيه فله أن يشتري بعين ما دفع إليه وبقدره في الذّمة لا يزيد عليه.

ولو قال : اجعله رأس مالك وتصرّفْ واتّجر فيه ، فله أن يشتري بأكثر من القدر المدفوع إليه.

مسألة ٦٥ : لو أذن لعبده في التجارة وكان للمأذون عبد ، لم يكن لعبد المأذون التجارة ، ولا للمأذون أن يأذن له إلّا بإذن مولاه ؛ لأنّ المولى إنّما اعتمد على نظر المأذون ، فلم يكن له أن يتجاوزه بالاستنابة ، كالتوكيل ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : إنّ للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة(٤) .

وليس بمعتمد.

ولو أذن له السيّد في ذلك ففَعَل ، جاز ، ثمّ ينعزل مأذون المأذون بعزل السيّد له أو للمأذون ، سواء انتزعه من يد المأذون أو لا ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٦ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ٥ و ٩ و ١٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٥ - ٢٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦.

(٣) الوسيط ٣ : ١٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

٦٦

وقال أبو حنيفة : إذا لم ينتزعه ، لم ينعزل(١) .

وهل للمأذون أن يوكّل غيره في آحاد التصرّفات؟ الأولى المنع ؛ لأنّ السيّد لم يرض بتصرّف غيره.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّ له ذلك ؛ لأنّها تصدر عن نظره ، وإنّما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه(٢) .

والمعتمد : الأوّل.

مسألة ٦٦ : ليس للمأذون التصدّق ، إلّا مع علم انتفاء كراهيّة المولى ، ولا ينفق على نفسه من مال التجارة ؛ لأنّه ملك لسيّده.

وعند أبي حنيفة له ذلك(٣) .

والشافعي(٤) وافقنا على ما قلناه.

ولا يتّخذ الدعوة للمجهزين(٥) .

ولا يعامل سيّده بيعاً وشراءً ؛ لأنّ تصرّفه لسيّده ، بخلاف المكاتب يتصرّف لا لسيّده ، وبه قال الشافعي(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز : ٤ : ٣٦٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٦ - ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٥ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦.

(٤) الوسيط ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٥) قال المطرزي في المغرب ١ : ١٠١ : والمجاز عند العامّة : الغليّ من التّجار. وكأنّه اُريد المجهز ، وهو الذي يبعث التّجار بالجهاز ، وهو فاخر المتاع ، أو يسافر به ، فحُرّف إلى المجاهز.

(٦) الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

٦٧

وقال أبو حنيفة : له أن يعامل سيّده(١) .

وربما قيّد بعض الشافعيّة ذلك بما إذا ركبته الديون(٢) .

مسألة ٦٧ : لو احتطب المأذون له في التجارة أو اصطاد أو قَبِل الوصيّة أو أخذ من معدن أو مباح ، لم ينضمّ إلى مال التجارة ، فليس له التصرّف فيه إلّا بإذن مولاه ؛ لأنّه مال اكتسبه بغير التجارة ، فيكون للسيّد ، والسيّد لم يأذن له في التصرّف فيه ولا سلّمه إليه ليكون رأس المال ، وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

وقال بعضهم : له ذلك ؛ لأنّه من جملة أكسابه(٤) (٥) .

وهو غير دالّ على الغرض ؛ إذ الكسب لا ينافي المنع.

مسألة ٦٨ : وفي انعزال المأذون بالإباق نظر ، أقربه ذلك ، قضاءً للعادة ، فإنّ خروجه عن طاعة مولاه يؤذن بكراهة المولى لتصرّفه حيث خروج عن الأمانة ، وبه قال أبو حنيفة(٦) .

ويحتمل أن لا ينعزل بالإباق ، بل له التصرّف في البلد الذي خرج إليه ، إلّا إذا خصّ السيّد الإذن بهذا البلد ؛ لأنّ الإباق عصيان ، فلا يوجب‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧.

(٣) الوسيط ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٥١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اكتسابه ». وما أثبتناه من المصادر.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٤.

(٦) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٧ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٦ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

٦٨

الحجر ، كما لو عصى السيّد من وجهٍ آخَر.

والفرق ظاهر ؛ فإنّ قهر المولى على نفسه بالإباق يقتضي قهره على ما بيده ، فلا يناسب الإذن له في التصرّف فيه.

ولو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها ، ففيه هذا الخلاف. ولا خلاف في أنّ له أن يأذن لمستولدته في التجارة(١) .

وعندنا لو أذن لجاريته في التجارة ثمّ استولدها ، لم يبطل الإذن.

مسألة ٦٩ : لو شاهد عبده يبيع ويشتري فسكت عنه ولم ينكر عليه ولم يظهر منه أثر الاختيار ، لم يصر مأذوناً له في التجارة - وبه قال الشافعي(٢) - كما لو رآه ينكح فسكت ، لم يكن مأذوناً له في النكاح ، كذا هنا.

وقال أبو حنيفة : إنّه يكون مأذوناً له في التجارة بمجرّد السكوت(٣) .

مسألة ٧٠ : لو ركبت المأذونَ الديونُ ، لم يزل ملك سيّده عمّا في يده ، فلو تصرّف فيه المولى ببيعٍ أو هبةٍ أو إعتاقٍ بإذن المأذون والغرماء ، جاز ، فيكون الدَّيْن في ذمّة العبد.

فإن أذن العبد دون الغرماء ، لم يجز عند الشافعي(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

(٢) الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ١١ ، المغني ٥ : ٢٠٠.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٨٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ١٩٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ١١ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٥٨ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٥٦ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

٦٩

وإن أذن الغرماء دون العبد ، فللشافعيّة وجهان(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا ركبته الديون ، يزول ملك السيّد عمّا في يده ، ولا يدخل في ملك الغرماء(٢) .

وهو يستلزم المحال ، وهو وجود ملكٍ لا مالك له.

والأقرب : أنّ ما في يده لمولاه ، ويصحّ تصرّفه فيه بجميع أنواع التصرّفات ، ولا اعتراض للمولى ولا الغرماء.

مسألة ٧١ : لو أقرّ العبد المأذون بديون المعاملة ، ففي قبوله إشكال ينشأ من أنّه يملك ذلك فيملك الإقرار به ، ومن أنّه إقرار في حقّ المولى.

والمعتمد : الثاني.

وقالت الشافعيّة : إنّه يُقبل ، ولا فرق بين أن يُقرّ بها لأجنبيّ أو لولده أو لأبيه(٣) .

وقال أبو حنيفة : لا يُقبل إقراره لهما(٤) .

أمّا لو أقرّ بغير دَيْن المعاملة فإنّه غير نافذ ، وكذا لو أقرّ المأذون ؛ لأنّه إقرار في حقّ المولى.

مسألة ٧٢ : إذا أقرّ العبد بجناية توجب القصاص أو الدية ، أو أقرّ بحدٍّ أو تعزير ، لم يُقبل إقراره في حقّ مولاه بمعنى أنّه لا يقتصّ منه ما دام مملوكاً ، ولا يطالب بالمال ولا بالحدّ ولا بالتعزير ، سواء كان مأذوناً له في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٤ : ٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

(٣) الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٥.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢٥ : ٨٠ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

٧٠

التجارة والاستدانة أو لا - وبه قال زفر والمزني وداوُد الظاهري وابن جرير الطبري(١) لأنّه إقرار في حقّ المولى. ولأنّه يسقط حقّ السيّد به ، فأشبه إقراره بالخطأ.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك : يُقبل إقراره بما يوجب القصاص ، ويكون للمقرّ له استيفاؤه؛ لأنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد على العبد يُقبل إقرار العبد فيه كالطلاق ، بخلاف جناية الخطأ ؛ لأنّ العبد تلحقه التهمة في ذلك ، ولهذا يُقبل إقرار السيّد بها ، وفي مسألتنا لا تلحقه التهمة ؛ لأنّه يتلف بذلك نفسه ، ولهذا يُقبل إقرار المرأة بالقتل وإن تضمّن إبطال حقّ الزوج ، ولا يُقبل بما يحرمها عليه مع سلامتها(٢) .

ونمنع عموميّة أنّ ما لا يُقبل فيه إقرار السيّد يُقبل فيه إقرار العبد. والتمسّك بالإطلاق تمسّكٌ بأمرٍ جزئيّ لا يدلّ على الحكم الكلّي.

وقال أحمد : يُقبل إقراره فيما دون النفس ، ولا يُقبل في النفس ؛ لما روي عن أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام أنّه قطع عبداً بإقراره(٣) .

____________________

(١) المغني ٤ : ٣٢٣ ، و ٥ : ٢٧٣ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ٢٩٩ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الهداية للمرغيناني ٤ : ١٦٩ ، المبسوط للسرخسي ٩ : ١٠٠ ، الام ٦ : ٢١٧ ، المهذّب للشيرازي ٢ : ٣٤٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٢ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، و ٨ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٨٢ ، التفريع ٢ : ٢٣١.

(٣) المغني ٤ : ٣٢٣ ، و ٥ : ٢٧٣ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ ٢٨٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٤ : ٢٩٩ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧.

٧١

ونحن نمنع ذلك ، وإنّما قطعه بالبيّنة.

إذا ثبت هذا ، فإن اُعتق نفذ إقراره ، وطُولب بمقتضاه.

وإن أقرّ بجناية الخطأ ، فعندنا لا يُقبل إقراره في حقّ مولاه على ما تقدّم.

وقال الشافعي(١) هنا بقولنا.

ويتعلّق الإقرار بذمّته يتبع به إذا اُعتق وأيسر ، بخلاف المحجور عليه للسفه إذا أقرّ بالجناية ، فإنّه لا يلزم لا حال الحجر ولا بعد فكّه ؛ لأنّا أبطلنا إقراره لسفهه فلا نلزمه إيّاه ؛ لأنّ ذلك تضييع لماله الذي حفظناه بالحجر ، والعبد رشيد ، وإنّما رددنا إقراره لحقّ سيّده ، فإذا زال حقّه وملك المال ، ألزمناه حقّ إقراره.

مسألة ٧٣ : لو أقرّ العبد بسرقة سواء كان مأذوناً أو لا ، لم ينفذ إقراره في حقّ مولاه ؛ لأنّه إقرار على الغير ، فإن اُعتق ، اُلزم بمقتضاه ، سواء كانت السرقة ممّا توجب القطع أو لا ، كالسرقة من غير حرز أو لما دون النصاب ويكون المقرّ به في ذمّته تالفاً أو باقياً ؛ لأنّه متّهم في إقراره.

وقال الشافعي : إن كانت السرقة لا توجب القطع ، لم يُقبل في حقّ المولى ، ويتبع العبد بها بعد العتق. وإن أوجبت القطع ، صحّ إقراره في وجوب القطع عليه ، كما يصّح فيما يوجب القصاص(٢) .

وأمّا المسروق فإن كان تالفاً ، فهل يصّح إقراره ويتعلّق برقبته ، أو‌ يكون في ذمّته؟ للشافعيّة قولان(٣) :

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٨ : =

٧٢

أحدهما : أنّه يصحّ ، ويتعلّق برقبته ؛ لأنّ إقراره متضمّن للعقوبة ، فلا تهمة فيه ، كما لو أقرّ بجناية العمد ، فإنّه يصحّ ، وإن كان الوليّ إذا عفا وجب المال في رقبته.

والثاني : لا يجب في رقبته ، وإنّما يتعلّق بذمّته ؛ لأنّه إقرار بالمال ، فأشبه ما لا يجب به القطع. ويفارق الإقرار بالقصاص ؛ لإقراره بالعقوبة ، وإنّما يصير مالاً بعفو الولي واختياره ، وهنا يُقر(١) بالمال. ألا ترى أنّه إذا أقام المسروق منه شاهداً وامرأتين ، ثبت المال دون القطع ، ولو شهد بقتل العمد شاهد وامرأتان ، لم تثبت العقوبة ولا الدية ، فإن رجع عن إقراره ، سقط القطع ، ويتعلّق المسروق بذمّته قولاً واحداً ؛ لأنّ التهمة تلحقه الآن.

وإن كانت العين المسروقة قائمةً ، فإن كانت في يد السيّد وأنكر السيّد ، قُدّم قوله مع اليمين ، وأوجب إقرار العبد القطع ، ولا يجب به ردّ العين ، وإنّما يثبت بدلها في ذمّته ، كالحُرّ إذا أقرّ بسرقة عين في يد مَنْ يدّعيها لنفسه ، فإنّه يُقطع ولا يردّ ويغرمها.

وإن كانت في يد العبد ، اختلفوا في ذلك على طريقين :

قال ابن سريج في ردّ ذلك قولين ، كما لو كانت العين تالفةً(٢) .

وقال غيره : لا تردّ العين قولاً واحداً ؛ لأنّ يده كيد سيّده ، ولو كانت في يد سيّده لم تردّ. ولأنّ هذا يؤدّي إلى أن يُقبل إقراره في أكثر من قيمته ، وهو أن تكون العين أكثر منه قيمةً(٣) .

وهذا كلّه عندنا بالطل ، وإنّ إقراره لا ينفذ لا في المال ولا في القطع.

____________________

= ٣٢٦ ٣٢٧ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(١) في « س ، ي » : « أقرّ ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٧٣

إذا ثبت هذا ، فإنّ الشافعيّة قالوا : إنّه يُقطع ، ولا تردّ العين ، وبه قال مالك وأحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يُقطع ولا تردّ العين - وهو مذهبنا - لأنّ العين يُحكم بأنّها للسيّد ، ولا يجوز أن يُقطع في ملك سيّده(٢) .

وقال محمّد : يُقطع وتردّ العين ؛ لأنّه إنّما أقرّ بسرقة العين ، فإذا أوجبنا القطع فيها وجب ردّها(٣) .

واحتجّ الشافعي بأنّه أقرّ بسرقة عينٍ هي ملكٌ لغيره في الظاهر ، فوجب أن يُقبل إقراره في القطع دون العين ، كما لو أقرّ الحُرّ بسرقة مال في يد غيره(٤) .

ونمنع أنّها ملك الغير ، بل هي ملك السيّد.

تذنيب : لو صدّق المولى العبد في إقراره بما يوجب القصاص أو الحدّ ، قُبِل ، واستوفي من العبد ما يقتضيه إقراره.

مسألة ٧٤ : مَنْ عامَل المأذونَ وهو لا يعرف رقّه ، صحّ تصرّفه ، ولا يشترط علمه بحاله.

ولو عرف رقّه ، لم يجز له معاملته ، إلّا أن يعرف إذن السيّد.

ولا يكفي قول العبد : أنا مأذون ؛ لأنّ الأصل عدم الإذن ، فأشبه ما إذا‌ زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون. ولأنّه مدّعٍ لنفسه ، فلا تُقبل دعواه إلّا ببيّنة ، وبه قال الشافعي(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، المغني ٤ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٨٢.

(٢) المغني ٤ : ٣٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨.

(٣) اُنظر : الحاوي الكبير ٥ : ٣٧٤.

(٤) المغني ٤ : ٣٢٤.

(٥) الوسيط ٣ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

٧٤

وقال أبو حنيفة : يكفي قول العبد ، كما يكفي قول الوكيل(١) .

قالت الشافعيّة : بينهما فرق ؛ لأنّ في الوكيل لا حاجة إلى دعوى الوكالة ، بل تجوز معاملته بناءً على ظاهر الحال وإن لم يدّع شيئاً ، وهنا بخلافه(٢) .

وإنّما يُعرف كونه مأذوناً إمّا بسماع الإذن من السيّد أو ببيّنة تقوم عليه.

ولو شاع في الناس كونه مأذوناً ، فوجهان ، أصحّهما عندهم : يكتفى به(٣) أيضاً ؛ لأنّ إقامة البيّنة لكلّ معاملٍ ممّا يعسر(٤) .

والوجه عندي : عدم الاكتفاء ، والعسر يندفع بإثبات ذلك عند الحاكم.

ولو عرف كونه مأذوناً ثمّ قال العبد : حجر عليَّ السيّد ، لم يعامل.

فإن قال السيّد : لم أحجر عليه ، فوجهان للشافعيّة:

أصحّهما عندهم : أنّه لا يعامل أيضاً ؛ لأنّه العاقد ، والعقد باطل بزعمه.

والثاني : أنّه يجوز معاملته - وهو مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة - اعتماداً‌ على قول السيّد(٥) .

مسألة ٧٥ : لو عامل المأذونَ مَنْ عرف رقَّه ولم يعرف إذنه ثمّ بانَ كونه مأذوناً ، صحّت المعاملة ؛ لظهور الإذن المقتضي لصحّتها ، وليس العلم

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فيه » بدل « به ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوسيط ٣ : ١٩٧ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦ ، منهاج الطالبين ٣ : ١٠٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

٧٥

به شرطاً في الصحّة ، بل في العلم بها.

وقالت الشافعيّة : إنّه يلحق بما إذا باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيّ فبانَ ميّتاً(١) .

ويقرب منه قولان للشافعيّة فيما إذا كذب مدّعي الوكالة ثمّ عاملة ثمّ ظهر صدق دعوى الوكيل في الوكالة(٢) .

وكلّ هذا عندنا يقع صحيحاً ؛ لما قلناه من أنّ العلم شرط في العلم.

ولو عرف كونه مأذوناً فعامَلَه ثمّ امتنع من التسليم إلى أن يقع الإشهاد على الإذن ، فله ذلك ، خوفاً من خطر إنكار السيّد ، كما لو صدق مدّعي الوكالة بقبض الحقّ ثمّ امتنع من التسليم حتى يشهد الموكّل على الوكالة.

وهل يجوز معاملة مَنْ لا يعرف رقّه وحُرّيّته؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّ الأصل الحُرّيّة وعدم الحجر ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : المنع ؛ لأنّ الأصل بقاء الحجر الثابت عليه بالصغر(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا أطلق له الإذن في الشراء ، انصرف إلى النقد ، فإن أذن له في النسيئة ، جاز ، فيثبت الثمن في ذمّة المولى ، وليس له الاستدانة إلّا مع ضرورة التجارة المأذون له فيها ، فيلزم الدَّيْن المولى ؛ لأنّ الإذن في الشي‌ء يستلزم الإذن فيما لا يتمّ ذلك الشي‌ء إلّا به.

أمّا لو استدان لغير مصلحة التجارة ، فإنّه لا يلزم المولى ، بل يتبع به بعد العتق ، فإن اُعتق اُخذ منه ، وإلّا ضاع.

ولا يستسعى على رأي ؛ لأنّ في ذلك إضراراً بالمولى ، فكان المؤدّي المولى.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

(٢ و٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦.

٧٦

النظر الثاني : في العهدة.

مسألة ٧٧ : إذا باع المأذون سلعةً وقبض الثمن فظهرت السلعة مستحقّةً وقد تلف الثمن في يد العبد ، فللمشتري الرجوع ببدله على السيّد ؛ لأنّ العقد له والعبد نائب عنه وعبارته مستعارة ، فكأنّه البائع والقابض للثمن ، وهو أحد قولي الشافعيّة. وفي الثاني : يرجع المشتري على العبد ببدله ؛ لأنّه المباشر للعقد(١) .

ولم قولان آخَران :

أحدهما : أنّه لا يرجع على العبد ولا السيّد ؛ لأنّ السيّد بالإذن قد أعطاه استقلالاً ، فشرط من معاملة قصر الطمع عن يده وذمّته(٢) .

والثاني : أنّه إن كان في يد العبد وفاء ، فلا يطالَب السيّد ؛ لحصول غرض المشتري ، وإلّا طُولب السيّد(٣) .

وقال ابن سريج : إن كان السيّد قد دفع إليه عين ماله وقال : بِعْها وخُذْ ثمنها واتّجر فيه ، أو قال : اشتر هذه السلعة وبِعْها واتّجر في ثمنها ، ففَعَل ثمّ‌ ظهر الاستحقاق وطالَبه المشتري بالثمن ، فله أن يطالب السيّد بقضاء الدَّيْن عنه ؛ لأنّه أوقعه في هذه الغرامة. وإن اشترى باختياره سلعةً وباعها ثمّ ظهر الاستحقاق ، فلا(٤) .

مسألة ٧٨ : المأذون له في التجارة إذا اشترى شيئاً للتجارة ، طُولب

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٦ - ٢٢٧.

(٢) كذا ، في العزيز شرح الوجيز : « فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمّته ».

(٣) الوسيط ٣ : ١٩٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

٧٧

السيّد بالثمن ؛ لأنّه نائب عنه ووكيل له.

وللشافعيّة الأوجُه الثلاثة(١) السابقة في المسألة السابقة.

والوجه الأوّل والثاني جاريان في عامل القراض مع ربّ المال ؛ لتنزيل ربّ المال العهدة على المال المعيّن(٢) .

ولو دفع شخص إلى وكيله مالاً وقال : اشتر لي عبداً وأدِّ هذا في ثمنه ، فاشترى الوكيل ، ففي مطالبة الموكّل بالثمن عند الشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه يطالَب ، ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل ؛ لأنّ الوكيل سفير محض ، والمأذون مملوكه يلزمه الامتثال والتزام(٣) ما يلزمه السيّد ذمّته.

وأحسنهما عندهم : طرد القولين فيه(٤) .

والوجه : أن نقول : إن كان الموكّل قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في العقد فاشترى الوكيل به ، لم يطالَب الموكّل. وإن لم يدفعه ، بطل الشراء إن سمّى الموكّل ؛ لمخالفته أمره ، وإن لم يسمّه ، وقع الشراء له ، وكان عليه الثمن ، فلا يطالَب الموكّل. وإن لم يكن قد عيّن المدفوع في الثمنيّة في‌ العقد ، كان للبائع مطالبة الموكّل.

مسألة ٧٩ : إذا توجّهت المطالبة على العبد ، لم تسقط ، ولا تندفع عنه بعتقه ، لكن في رجوعه بالمغروم بعد العتق للشافعيّة وجهان :

أحدهما : يرجع ؛ لانقطاع استحقاق السيّد بالعتق.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلزام ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

٧٨

وأظهرهما عندهم : لا يرجع ؛ لأنّ المؤدّي بعد العتق كالمستحقّ بالتصرّف السابق على الرقّ ، وهذا كالخلاف في السيّد إذا أعتق العبد - الذي آجره - في أثناء مدّة الإجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدّة الواقعة بعد العتق؟(١)

مسألة ٨٠ : لو سلّم إلى عبده ألفاً للتجارة فاشترى بالعين شيئاً ثمّ تلف الألف في يده ، انفسخ العقد ، كما لو تلف المبيع قبل القبض.

وإن اشترى في الذمّة على عزم صرف الألف في الثمن ، فالأقرب : أنّه لا يجب على السيّد دفع البدل ؛ لأنّه أذن بالمعاملة بما دفعه ، وهو ينصرف إلى الشراء بالعين ، لكنّ السيّد إن دفع ألفاً آخَر ، أمضى العقد ، وإلّا فللبائع فسخ العقد ، وهو أحد أقوال الشافعيّة.

والثاني : أنّه ينفسخ بالعقد ، كما لو اشترى بالعين ؛ لأنّ المولى حصر إذنه في التصرّف في ذلك الألف وقد فات محلّ الإذن ، فبطل البيع.

والثالث : أنّه يجب على السيّد ألفٌ آخَر ؛ لأنّ العقد وقع له ، والثمن غير متعيّن ، فعليه الوفاء بإتمامه(٢) .

ولا بأس به إن كان السيّد قد أطلق له ذلك ، بل هو المتعيّن حينئذٍ ، وإلّا فالوجه ما قلناه.

وللشافعيّة وجهٌ رابع ، وهو : أن يكون الثمن في كسب العبد(٣) .

وكذا لو دفع إلى عامل القراض ألفاً للقراض ، فاشترى العامل بمالٍ في الذمّة وتلف الألف عنده ، هل يجب على ربّ المال ألفٌ آخَر ، أو

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧.

٧٩

ينقلب العقد إلى العامل؟ إن قلنا بالأوّل ، فعلى السيّد ألفٌ آخَر. وإن قلنا بالثاني ، انفسخ العقد.

وإذا قلنا على السيّد ألفٌ آخَر ، فهل للعبد أن يتصرّف فيه بالإذن السابق ، أم لا بدّ من إذنٍ جديد؟ فيه وجهان كالوجهين في أنّه إذا أخرج ألفاً آخَر في صورة القراض ، فرأس المال ألفٌ أو ألفان؟ إن قلنا : ألفٌ ، فلا بدّ من إذنٍ جديد. وإن قلنا : ألفان ، كفى الإذن السابق.

والألف الجديد إنّما يطالب به البائع دون العبد ، ولا شكّ أنّ العبد لا يمدّ يده إلى ألف من مال السيّد وأنّه لا يتصرّف فيما قبضه البائع ، وإنّما تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسببٍ من الأسباب ورجع الألف.

مسألة ٨١ : إذا اتّجر المأذون وحصل عليه ديون وفي يده مال وكان الذي استدانه في مصلحة التجارة ، قُضيت ديونه ممّا في يده ، وإن شاء المولى دفع من عنده. وإن لم يكن بقي في يده شي‌ء ، فإنّ الديون تكون(١) في ذمّته يُتبع بها إذا أُعتق وأيسر إن صرفها في غير مصلحة التجارة.

والشافعيّة أطلقوا وقالوا : لا يتعلّق برقبته وبه قال مالك لأنّه دَيْنٌ ثبت على العبد برضا مَنْ له الدَّيْن ، فوجب أن لا يتعلّق برقبته ، كما لو استقرض بغير إذن سيّده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يُباع العبد فيه إذا طالَبه الغرماء ببيعه ؛ لأنّه دَيْنٌ تعلّق بالعبد بإذن سيّده ، فوجب أن يباع فيه ، كما لو رهنه(٣) .

____________________

(١) في « ي » : « تبقي » بدل « تكون ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٧ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٢ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢٧ - ٢٢٨ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٢٤٥ - ٢٥٦ ، المغني ٤ : ٣٢٢.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٩٠ ، المغني ٤ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٥ : ٣٦٢ ، الوجيز ١ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٠٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

تتمة : [١٥]

ا لتنكير في قولهعليه‌السلام  : «وَجَعَلَكَ آيةً من آيات مُلكِهِ » ، يمكن أن يكون للنوعيّة ، كما قالوه في قوله تعالى :( وعلى أبصارهم غشاوة ) (١) (٢) ، والأظهر أن يُجعل للتعظيم.

فإن قلت : احتمال التحقير أيضاً قائم ، وهذا كما قالوه في قوله تعالى :( إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن ) (٣) : إنّ التنكير فيه يحتمل التعظيم والتحقير معاً ، أي عذاب شديد هائل ، أو عذاب حقير ضعيف ، فلمطويت عنه كشحاً!؟.

قلت : الاحتمالان في الآية الكريمة متكافئان بحسب ما يقتضيه الحال ، فلذلك جوزهما علماء المعاني من غيرترجيح ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الحمل على التحقير وان كان لا يخلو من وجه ـ أيضاً ـ نظراً إلى ما هو أعظم منه من آيات ملكه جلَّ شأنه ، إلَّا أنَّ الحمل على التعظيم كأنَّه أوفق بالمقام ، وأنسب بمقتضى الحال ، فلذلك ضربت عن ذكره صفحاً.

وإن أبَيْت إلَّا أن تساوي الأمرين في ذلك فلا مشاحة معك ، وللناس فيما يعشقون مذاهب.

و قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك » إلى آخره ، مبين ومفسّر للآية والعلامة ، وكون إحدى الجملتين مبيناً ومفسراً لبعض متعلقات الاُخرى لا يوجب كمال الاتصال بينهما المقتنر لفصلها عنها ، إنَّما الموجب له أن تكون الثانية مبينة وكاشفة عن نفس الأولى ، كما في قوله تعالى :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ

________________________

(١) البقرة ، مدنية ، ٢ : ٧.

(٢) أنظر الكشاف للزمخشري ١ : ٥٣.

(٣) مريم ، مكية ، ١٩ : ٤٥.

١٠١

يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ) (١) فان القول المذكور مبين للوسوسة وكاشف عنها.

وأما امتهان القمر بالأمور المذكورة فهو نفس علامة الملك والسلطنة ، لانفس جعله علامة لهما ، فلا مانع من وصل جملته بجملة الجعل فتدبر ، على أنّ أحوال القمر التي هي علاماتٌ لملكه وسلطانه جلَّ شأنه ليست منحصرة في الامتهان بالأمور المذكورة بل لها أفراد أُخر ، وكذلك الجعل المذكور ، فوصل جملة الامتهان بما قبلها يجري مجرى عطف الخاص على العام كما لا يخفى.

وتقديم الظرفين في قولهعليه‌السلام  : » أنت له مطيع وإلى إرادته سريع « للدلالة على الاختصاص ، كما في قوله تعالى :( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) (٢) .

ويمكن أن يكون رعاية السجع أيضاً ملحوظة ، والله أعلم [١٦ / أ].

إيضاح :

الباء في قولهعليه‌السلام  « نوّر بك الظُلَم » إما للسببية أو للالة.

ثم إنَّ جعلنا الضوء عرضاً قائماً بالجسم ـ كما هو مذهب أكثر الحكماء(٣) ، ومختار سلطان المحققين قدّس الله روحه في التجريد(٤) ـ فالتركيب من قبيل سوّدت الشيء وبيّضته ، أي صيرته متصفاً بالسواد والبياض.

و إن جعلناه جسما ـ كما هو مذهب القدماء من أنه أجسام صغار شفافة تنفصل عن المضيء وتتصل بالمستضيء ـ فالتركيب من قبيل لبّنته وتمرته ، أي صيّرته ذا لبن أو تمر(٥) .

________________________

(١) طه ، مكية ، ١٢٠ : ٢٠.

(٢) التغابن ، مدنية ، ٦٤ : ١.

(٣) منهم الفخر الرازي ، انظر التفسير الكبير ١٧ : ٣٥.

(٤) تجريد الاعتقاد : ١٦٧.

(٥) للتوسعة في بحث الضوء أُنظر مطالع الأنظار شرح طوالع الأنوار ١ : ٢٤٥ ، كشّاف اصطلاحات

١٠٢

وهذا القول وإن كان مستبعداً بحسب الظاهر إلّا أنَّ إبطاله لا يخلو من إشكال ، كما أنَّ إثباته كذلك.

و قد استدلوا عليه : بأنَّه متحرك منتقل ، فإنه ينحدر من الشمس إلى الأرض ، وينتقل من مكان إلى آخر ، والأعراض ليست كذلك.

وأجاب القائلون بعَرضيّته : بأنه ليس ثمة حركة وانتقال ، وإنَّما هو حدوث ؛ فإن مقابلة الجسم الكثيف للمضيء معدّ لحدوث الضوء فيه ، والحركة والانتقال محض توهّم.

وسببه : أنَّ حدوث الضوء في الجسم السافل لما كان بسبب مقابلته للجسم العالي تُخيِّل أنَّه انحدر من العالي إلى السافل.

وحدوثه في القابل لما كان تابعاً لوضعه ومحاذاته للمضيء ـ بحيث إذا زالت تلك المحاذاة إلى قابل آخر زال الضوء عن الأول وحدث في ذلك الآخر ـ ظُنّ أنّه انتقل من الأول إلى الثاني.

واستدلوا على بطلان القول بجسميته : بأنّه محسوس بحس البصر ، فلو كان جسماً [١٦١ / ب] لكان ساتراً لما يحيط به ، وكان الأشد ضوءاً أشد استتاراً.

واعترض عليه : بأنَّ الحائل بين الرائي والمرئي إنَّما يستر المرئي إذا كان كثيفاً لعدم نفوذ شعاع البصر فيه أما إذا كان شفافاً فلا ؛ فإن صفحة البلّور تزيد ما خلفها ظهوراً وانكشافاً ، ولذلك يستعين بها الطاعنون في السن على قراءة الخطوط الدقيقة.

واُجيب عنه : بانه لو كان جسماً لم تكن كثرته موجبة لشدة الإحساس بما تحته ، لأنّ الحس يشتغل به ، فكلَّما كان أكثركان الاشتغال به أكثرفيقل الاحساس بما وراءه ، ألا ترى أنَّ تلك الصفحة إذا غلظت جدا أوجبت لما تحتها ستراً ، وأنَّ الاستعانة بالرقيقة منها إنَّما هي للعيون الضعيفة لاحتياجها إلى جمع

__________________

الفنون ١ : ٨٧٠ وغيرها.

١٠٣

الروح الباصرة ـ على ما بُينّ في موضعه ـ دون القوية ، بل هي حجاب لها عن رؤية ما وراءها. هكذا أورده شارح المواقف(١) ، والشارح الجديد للتجريد(٢) .

و أقول : في هذا الجواب نظر ، فإنَّ لهم أن يقولوا أنَّ الملازمة ممنوعة ، فإن بعض الأجسام الشفافة يوجب كثرتها وغلظها زيادة ظهور ما خلفها لحس البصر ، ولهذا ترى الشمس والقمر وسائر الكواكب حال كونها قريبة من الأفق ، أعظم منها حال كونها على سمت الرأس ، مع أنّها وهي على الاُفق ، أبعد عنّا منها وهي على سمت الراس بأزيد من نصف قطر الأرض ، كما لا يخفى على من له أدنى تخيل ؛ وما ذلك إلّا لأن سمك البخار وغلظه بين البصر والكوكب حال قربه من الأفق أكثر مما بينهما حال كونه على سمت الرأس كما بُيّن باستبانة الثاني من ثالثة [١٧١ / أ] كتاب الأصول.

وكذلك حال الصفحة من البلور ، فإنّها إذا رقّت جداً لم تؤثر في الإعانة على قراءة الخطوط الرقيقة ، بل لا بدّ لها من غلظ يعتدّ به ، ومن ثم نرى الطاعنين في السن ربما يستعينون بمضاعفتها على قراءة تلك الخطوط ، على أنّه لا يلزم من كون ازدياد ثخن البلور مؤدياً إلى ستر ما وراءه أن يكون ازدياد ثخن كلّ شفاف مؤدياً إلى ذلك.

ألا ترى أنّ ثخن مجموع كرتي الهواء والنار والأفلاك التي تحت فلك الثوابت تزيد على خمسة وعشرين ألف ألف فرسخ كما بينوه ، ومع ذلك لا تحجب أبصارنا عن رؤية ما وراءها ، ولم لا يجوز أن لا تصل مراتب ثخن الضوء ـ على تقدير جسميته ـ إلى حدّ يصير به عائقاً عن الاحساس بما خلفه ؛ وأن يكون الضوء بالنسبة إلى كلّ العيون بمنزلة الصفحة الغير الغليظة جدا من البلور بالنسبة إلى عيون الطاعنين في السن.

________________________

(١) شرح المواقف ٢ : ١٤٩ ، وما بعدها ، القسم الثاني من المبصرات.

(٢) شرح التجريد : ٢٤١ ، عند قول الخواجه نصير : « ولو كان الثاني جسماً لحصل ضد المحسوس ».

وأنظر كشف المراد : ٢٣٢.

١٠٤

فكما أنَّ هذه لا تبصر الأشياء الصغيرة والخطوط الدقيقة إلّا بتوسط تلك الصفحة ، فكذلك تلك لا تبصر شيئاً من الأشياء إلّا بتوسط الضوء ، وكما أنَّ هذه لا تشغل البصر عن الإحساس بما وراءها فكذلك تلك والله أعلم بحقائق الاُمور.

تبصرة :

لعلّهعليه‌السلام  أراد بالظلم في قوله : « نوّر بك الظُلَم » الأهوية المظلمة ، لا الظلمات أنفسها ، فإنّها لا تتصف بالنور.

و تجويز كونهعليه‌السلام  أراد ذلك مبني على أن الهواء يتكيّف بالضوء ، وهو مختَلَف فيه ، فالذين جعلوا اللون شرطاً في التكيف بالضوء منعوا منه.

و أورد عليهم : أنّا نرى عند الصبح ما يقارب الاُفق مضيئاً ، وما هو إلّا الهواء المتكيف بالضوء.

و أجابوا : بأن ذلك للأجزاء البخارية المختلطة به ، والكلام في الهواء الصّرف الخالي من الشوائب البخارية والدّخانية القابلة للضوء بسبب كونها متلونة في الجملة.

و رده الفخر الرازي : بأنّه يلزم من ذلك أن الهواء كلما كان أصفى كان الضوء الحاصل فيه قبل الطلوع وبعد الغروب أضعف ، وكلّما كان البخار والغبار فيه أكثر كان الضوء أقوى ؛ لكن الأمر بالعكس [١٧١ / ب](١) ، هذا كلامه ، وللتأمل فيه مجال واسع.

واستدل في الملخص على استضاءة الهواء بأنّه لو لم يتكيف بالضوء لوجب أن نرى بالنهار الكواكب التي في خلاف جهة الشمس ؛ لأن الكواكب باقية على ضوئها ، والحس لم ينفعل على ذلك التقدير من ضوء أقوى من ضوئها يمنع

________________________

(١) حكاه عنه شارح المواقف ٢ : ١٥٤.

١٠٥

الإحساس بها(١) .

والحق أن تكيّف الهواء بالضوء في الجملة مما لا ينبغي أن يرتاب فيه فارادتهعليه‌السلام  بالظُلم الأهوية المظلمة لا مانع منه.

ويجوز أن يريدعليه‌السلام  بالظُلَم الأجسام المظلمة سوى الهواء ، وهذا أحسن ؛ لاستغنائه عن تجشم الاستدلال على قبول الهواء للضوء ، وسلامته عن ثبوت الخلاف ، والله أعلم.

إكمال :

يمكن أن يكون مرادهعليه‌السلام  بتنوير الظلم إعدامها ، بإحداث الضوء في محالّها ، وهذا يبتني على القول بأن الظُلمه كيفية وجودية ، كما ذهب إليه جماعة ، وهذا الرأي وان كان الأكثر على بطلانه إلا أنّ دلائلهم على بطلانه ليست بتلك القوة ، فهو باق على أصل الإمكان إلى أن يذود عنه قاطع البرهان ، فلو جوّز مجوّز احتمال كونه أحد محامل كلامهعليه‌السلام  لم يكن في ذلك حرج.

و أجود تلك الدلائل ما ذكروا من : أنّ الظلمة لو كانت كيفية وجودية لكانت مانعة للجالس في الغار المظلم من رؤية من هو في هواء مضيء خارج الغار ، كما هي مانعة له من إبصار من هو في الغار ، وذلك للقطع بعدم الفرق في الحائل المانع من الإبصار بين أن يكون محيطا بالرائي أو بالمرئي أو متوسطاً بينهما.

و ربما منع ذلك بأنها ليست بمانعة ، بل إحاطة الضوء بالمرئي شرط للرؤية ، وهو منتف في الغار ر [١٨ / أ] ، أو يقال : العائق عن الرؤية هو الظلمة(٢) المحيطة بالمرئي لا الظلمة المحيطة بالرائي ، أو الظلمة مطلقاً.

وليس ذلك بأبعد مما يقال : شرط الرؤية هو الضوء المحيط بالمرئي ، لا

________________________

(١) الملخص : مخطوط.

(٢) في المصدر الآتي : « هو الضوء المحيط ». ولعل الصحيح المثبت بمقارنة ما بعده. وانظر شرح المراقف ٢ : ١٤٩.

١٠٦

الضوء المحيط بالرائي ، ولا الضوء مطلقاً.

وقولهم : لا فرق في الحائل بين أن يكون محيطاً بالرائي أو المرئي مسلّم فيما إذا كانت ذات الشيء مانعة من الإبصار ، لا فيما تكون مانعة بشرطه ، هكذا أورده الشارح الجديد للتجريد(١) ، وهو كلام جيّد لا غبار عليه.

وقال الفخر الرازي في المباحث المشرقية : الظلمة أمر عدّمي ، لأنا إذا غمضنا العين كان حالنا كما إذا فتحناها في الظلمة ، فكما أنّا عند التغميض لا ندرك شيئاً ، فكذلك إذا فتحناها في الظلمة وجب أن لا ندرك كيفية في الجسم المظلم ، ولأنّا لو قدّرنا خلو الجسم عن النور من غير انضياف صفة اُخرى إليه لم يكن حاله إلّا هذه الظلمة ، ومتى كان كذلك لم تكن الظلمة أمراً وجودياً(٢) . إنتهى كلامه.

و أورد عليه : أنّه كلام ظاهري إقناعي ، يتطرق إليه الخدش والمنع من جوانبه ، ومثله في المقام البرهاني مما لا يصغى إليه.

توضيح حال :

أ رادعليه‌السلام  « بالزيادة والنقصان » زيادة نور القمر ونقصانه بحسب ما يظهر للحس ، لأن الزيادة والنقصان حاصلان له في الواقع وبحسب نفس الأمر ، لأن الأزيد من نصفه منير دائماً ، كما بيّن في محله ، وأمّا زيادته في الاجتماع ونقصانه في الاستقبال كما هو شأن الكرة الصغيرة المتنيرة من الكبيرة حالتي القرب والبعد فليس الكلام فيهما ، إنّما الكلام في الزيادة والنقصان المسببين عن البعد والقرب ، المدركين بالحس.

وربّما يتراءى لبعض الأفهام من ظاهر قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » أنّ زيادة نور القمر ونقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة ، وحاصلان في نفس الأمر ، كما هو معتقد كثير من الناس ، وهذا وإن كان ممكناً

________________________

(١) شرح التجريد لعلاء الدين القوشجي : ٢٤٢ ، عند شرح قول المحقق الطوسي : والظلمة عدم ملكة.

(٢) المباحث المشرقية ١ : ٣٠٤ ، ألفصل الثامن من الباب الثالث في الكيفيات المبصرة.

١٠٧

نظراً إلى قدرة الله تعالى ـ على أن يحدث في جرمه أول الشهر شيئاً يسيراً من النور ، ويزيده على التدريج إلى أن يصير بدراً ، ثم يسلبه عنه شيئاً فشيئاً إلى المحاق ـ إلّا أن حمل كلامهعليه‌السلام  على ما هو متفق عليه بين أساطين علماء الهيئة حتى عدّ من الحدسيات أليق وأولى ، وهم مع قطع النظر عما أوجب تحدّسهم بذلك إنّما اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، كشيث [١٨ / ب ] على نبينا وعليه السلام ، المشتهر في زمانهم بفيثاغورس ، وقيل : إنّه أغاتا ريمون(١) ؛ وكإدريس على نبيّنا وعليه السلام ، المدعو على لسانهم بهرمس.

و قد نقل جماعة من المفسرين منهم الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي طاب مثواه ـ عند تفسير قوله تعالى :( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) (٢) ـ أنّ علم الهيئة كان معجزة لهعليه‌السلام  (٣) .

و نقل السيد الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي الدين علي بن طاوس ـ قدس الله روحه ـ في كتاب فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم قولاً بأن أبرخس وبطليموس كانا من الأنبياء ، وأنّ أكثر الحكماء كانوا كذلك ، وإنما التبس على الناس أمرهم لأجل أسمائهم اليونانية(٤) (٥) . هذا ما نقله طاب ثراه ، ولا استبعاد فيه(٦) .

________________________

(١) اختلف في ضبطه ، فورد تارة « اغاثاريمون » وأخرى « اغاثاذيمون » وغيرها.

(٢) مريم : مكية ، ١٩ : ٥٦.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٥١٩ ، وأنظر أيضاً التفسير الكبير ٢١ : ٢٣٣ / الجامع لأحكام القرآن ١١ : ١١٧ / عرائس المجالس : ٤٩ / فرج المهموم : ٢١ ، ٥٠ ، ٧٨ ومواضع اخر.

(٤) فرج المهموم : ١٥١ حكاه عن كتاب ريحان المجالس وتحفة الموانس تاليف احمد بن الحسين بن علي الرحمي.

(٥) أي لما كانت اسماؤهم موافقة لأسماء بعض حكماء اليونان ، ألّذين ينسب إليهم فساد الإعتقاد ، أشتبه على الناس حالهم ، وظنوا أن أصحاب تلك الأسامي باجمعهم على نهج واحد من الاعتقاد ، منه ـ قدس سره ، هامش الأصل.

(٦) والذي يؤيد ما ذهبا إليه قدس الله ارواحهم رأي جمع من ألمؤرخين منهم المقدسي حيث يقول في كتابه : « ونبأه الله بعد وفاة آدم وأنزل عليه النجوم والطب واسمه عند اليونانيين هرمس »

١٠٨

وكلّ من له أدن خوض في هذا العلم الشريف لا يرتاب في أنّ اصول مطالبه متلّقاة من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ويحكم حكماً قطعياً لا يشوبه شوب شبهة بأنّ القوة البشرية لم تستقل بادراك خبايا حقائقه ولم تستبدّ باستنباط خفايا دقائقه ، وأنّ ما وصل إليه أصحاب هذا الفن بأرصادهم الجسمانية مقتبس من مشكاة أصحاب الأرصاد الروحانية سلام الله عليهم أجمعين.

إشارة فيها إنارة :

لمّا كان نور القمر مستفاداً من الشمس ، وكانت أعظم منه كما بُيّن في محله(١) ، كان الأكثرمن نصفه متسنيراً بضوئها دائماً والأقل من نصفه مظلماً دائماً ؛ لما ثبت في الشكل الثاني من مقالة أرسطرخس(٢) فى جرمي النيرين ، من

________________________

وكذلك في مورد آخر : « وأما الحرانية فانهم يقولون : لن تحصى اسماء الرسل الذين دعوا إلى ألله ، وان مشهورهم أراني ، أغتاذيمون ، ـ أو أغاثاذيمون ـ وهرمس ، وسولن جدّ أفلاطون لأمه ، ومن القدماء من يقول ، بنبوة أفلاطون ، وسقراط وأرسطاطاليس ». وحكى ابن أبي أصيبعة في عيون أنبائه عن ، كتاب مختار الحكم ما لفظه « وأما هرمس هذا فهو الأول ولفظه أرمس وهو أسم عطارد ، ويسمى عند أليونانيين أطرسمين ، وعند ألعرب إدريس ، وعند العبرانيين أخنوخ مولده بمصر » ونسب إلى أبي معشر البلخي في كتابه الالوف قوله : « وتسميه الفُرس اللهجد ، وتفسيره ذو ألعدل ، وهو الذي تذكر الحرانية نبوته وهو أول من تكلم في ألأشياء العلوية من الحركات النجومية ، وأن جده كيومرت ـ وهو آدم ـ علّمه ساعات الليل والنهار » ولم يقتصر ذلك على المؤرخين بل ذكره المفسرون أيضاً.

انظرللجميع : مروج الذهب ١ : ٥٠ و ٢ : ١٥٢ / طبقات الحكماء : ٥ ـ ١٠ / عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ١ ٣ ـ ٣٢ / البدء والتاريخ ٣ : ١٢ و ٣ : ٨ / تاريخ الحكماء : ١ و ٣٤٦ / تاريخ مختصر الدول ٧ ، ٨ / تاريخ علم الفلك : متفرقة / مجمع ألبيان ٣ : ٥١٩ / التفسير الكبير ٢١ : ٢٣٣ تفسير القرطبي ١١ / ١١٧ / العرائس : ٤٩ / الملل وألنحل ٢ : ٤٧ / فرج ألهموم : ٢٢ / مفاتيح العلوم : ١١٣ / البداية والنهاية ١ : ٩٩ / الكامل في التاريخ ١ : ٣٤ ـ ٣٥ / شرح حكمة الاشراق : ٢١.

(١) قد ثبت في الأجرام : أن ألشمس ستة آلاف وستمائة وأحد وأربعون مثلاً للقمر ، منه. قدّس سره ، هامش المخطوط.

(٢) ارسطرخس ، أو ارسطوخس ، يوناني اسكندراني ، خبير بعلم النجوم ـ الفلك ـ قيّم به ، من أوحدي الناس في زمانه ، له : حد الشمس والقمر. تلمذ عليه الملك بطليموس ، عاش في

١٠٩

 أ نّه إذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة أعظم منها كان المضيء من الصغرى(١) أعظم من نصفها(٢) ، والفصل المشترك بين المنير والمظلم منه دائرة قريبة من

________________________

القرن الثالث قبل الميلاد ، وجاء في آخر كتابه : أنّ ارسطرخس أصله أرشطو ، ومعناه الصالح ، وارخش ومعناه الرأس ، فركبوا واسقطوا الواو والألف تخفيفاً.

له ترجمة في تاريخ الحكماء : ٧٠ / الفهرست للنديم : ٣٣٠ / لغة نامه دهخدا « حرف الألف » : ١٨٢٣.

(١) وعلى هذا المطلب دليل لطيف سوى هذا أوردته في حواشي تشريح الأفلاك « منه » قدس ، هامش المخطوط.

(٢) لصعوبة الحصول على المصدر إليك نص الشكل الثاني : ( ب ) اذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة عظمى منها ، كان الجزء المضيء منها أعظم من نصفها ، فيقبل الضوء كرة مركزها( أ ) عن كرة أعظم مركزها( ب ). ، وليحط بهما مخروط رأسه ـ ح ـ ومحوره ( ح ب ) ، وليمر به سطح كيف أتفق ، ولتحدث عنه في الكرتين عظيمتا ( ج د ) و ( هـ ز ) وفي المخروط خط ( ح ج ، ح د ) ونصل ( ج د ، هـ ز ) فالقطعة من الكرة ألتي عليها( هـ ط ز ) وقاعدتها الدائرة التي قطرها( هـ ز ) هي التي تقبل الضوء لكونها محاذية لكرة ( د ج ـ ) لأن خير ( ج هـ ، د ز ) من خطوط الشعاعات الواصلة بينها ومركز الدائرة في قطعة ( هـ ط ز ) فهي أعظم من نصف الكرة وذلك ما أردناه.

إليك المخطط.

١١٠

العظيمة تسمى دائرة النور ، وتفصل أيضاً بين المرئي وغير المرئي منه دائرة اُخرى تسمى دائرة الرؤية ، وهي أيضا قريبة من العظيمة وليست عظيمة(١) ؛ لما ثبت في الشكل الرابع والعشرين من مناظر إقليدس(٢) أنّ ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها(٣) ، ويحيط به دائرة وهاتان الدائرتان يمكن أن تتطابقا

________________________

انظر : كتاب جرمي انيرين وبعديها : ٤ ، ضمن رسائل الخواجة نصير الدين الطوسي.

(١) إعلم أن المحقق النيشابوري أستدل في شرح التذكرة على أن دائرة الرؤية غير عظيمة بأن اقليدس بيّن في الثامن والعشرين من كتاتبه في المناظر[١١] : أنّ ما بين العينين إذا كان اصغر من قطر الكرة رؤي أصغر من نصف. ونحن انما عدلنا عن هذا الاستلال لأنّ المحقق الطوسيقدس‌سره بيّن في تحرير مناظر اقليدس خلاف هذا الشكل ، وفي أخويه ، وهما إذا كان ما بين العين أعظم من قطر الكرة ، رؤي منها أعظم من نصفها ، وإلّا فإنّ المراد بالعين في هذا ألشكل واخويه هما عينا شخصين لا شخص واحد ، لا عينيه بمنزلة عين واحدة عند أصحاب المناظر ، كما صرح به المحقق البيرجندي في شرح التذكرة ، ويظهر من كلام القوم ، منه قدس سره ، هامش ألمخطوط.

(٢) اقليدس الأول ـ ومعناه المفتاح ـ أو اوقليدس بن نوقراطس الدمشقي بن برنيقس ، حكيم فيلسوف رياضي ، يوناني الجنس ، شامي الديار ، نجار الصنعة ، ولد في صور أو الاسكندرية ، أب الرياضيات الفعلية ، له مؤلفات في الهندسة والرياضيات غاية في النفع ، لا زالت هي الأساس في هذا العلم حتى بعد مرور ٢٣ قرناً عليها ، نقلت مؤلفاته إلى العربية بواسطة ألعالم العربي حنين بن إسحاق ، ونقحها ثابت بن قره حدود سنة ٢١١ هـ.

له حكم جليلة منها : قال له رجل : أني لا آلو جهداً في أن أفقدك حياتك ، فقال له : إنّي لا آلو جهداً في أن أفقدك غضبك.

قال له الملك بطليموس ـ وكان يحضر درسه في الرياضيات ـ يوماً ، بعد أن أعياه فهم الدرس : أما هناك طريقة أسهل لفهم الرياضيات؟ فقال له : ليس في ألرياضيات طريق ملكية!!.

وقال : العمل على الإنصاف ترك ألإقامة على المكروه. له مؤلفات منها : اصول اقليدس أو اقليدس تسمية للكتاب باسم المؤلف ، المناظر ، التحرير ، ألمرايا. وخير شروحها شرح الفيلسوف الأعظم الخواجة نصير الدين الطوسي.

له ترجمة في تاريخ اليعقوبي ١ : ١٢٠ / دائرة معارف القرن العشرين ١ : ٤٣٣ / دائرة معارف البستاني ٤ : ٩١ / تاريخ الحكماء : ٦٢ / فهرست النديم : ٣٢٥ / مختصر الدول : ٣٨ / طبقات الحكماء : ٣٩ رقم ١٤ / لغة نامة دهخدا : ٣١٦٩ من حرف الألف.

(٣) لما تقدم في الهامش الأسبق اليك نص المصدر :

ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها ، وتحيط بها دائرة ، فلتكن الكرة مركزها « أ » ، والبصر « ب » ، ونصل « ب أ » ، ونخرج سطحاً طر ـ به ، ونقطع ألدائرة العظمى في الكرة التي عليها

١١١

[١٩ / ] ، وقد تتفارقان إما متوازيتين أو متقاطعتين ، أو لا ذا ولا ذاك. كما أوضحناه في تعليقاتنا على فارسية الهيئة(١) ولنأخذهما هنا عظيمتين كما فعل بعض

________________________

« ج ح ط د » ، ونرسم على قطر « ب أ » دائرة « أ ب ج » ، ونصل « ب ج » ، « ب د » ، « أج » ، « أ د ». فلأن « أج ب » نصف دائرة تكون زاوية « أج ب » قائمة ، وكذلك زاوية « أ د ب » ، « د ب ج ب د » تماسان دأئرة « ج ح ط » ونصل « ج د » ونخرج من « أ » ، خط « ح أ ط » موازياً له ، فزاوية « ك » قائمة.

واذا أدرنا مثلث « ب ك ج » على محور « ب ك » ألثابت إلى أن يعود إلى موضعه رسمت نقطة « ج » دائرة على ألكرة ، وبكون « ب ج » في جميع المواضع مماسا للكرة ، فترى الكرة بمنزلة تلك الدائرة ، ويكون المرئي منها أقل من نصفها لأن نصف الكرة ما يحويه « ح ج » ، « د ط » و « ج د » المرئي من شعاعي « ب ج » ، « ك د » أقل منه وذلك ما أردناه. وإليك التخطيط :

أنظر كتاب المناظر : ١٠ ، منظر ( كد ) ضمن رسائل الخواجه نصير الدين الطوسي.

(١) إنّ التطابق قد يحصل في ألإجتماع المرئي ، ويقع في كسوف تام. والتواري يكون في الاستقبال إن اتصل سمتهما ، والمخروطي على الاستقامة. والتقاطع كما في التربيع. والتقارن بلا توار ولا تقاطع قد يتحقق في المحاق ، وفي الاستقبال أيضاً ، إذا لم يحصل الشرط المذكور ، منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٢

الأعلام ، اذ لا تفاوت في الحس بين كلّ منهما وبين العظيمة ، ونجعل ما يقارب التطابق تطابقاً ، ونقول :

ا ذا اجتمع الشمس والقمر(١) صار وجهه المضيء إليها ، والمظلم إلينا ، وتتطابق الدائرتان وهو المحاق ، فإذا بُعد عنها يسيراً تقاطعت الدائرتان على حوادّ ومنفرجات ، ويرى من وجهه المضيء ما وقع منه بين الدائرتين في جهة الحادتين اللتين إلى صوب الشمس وهو الهلال.

ولا تزإل هذه القطعة تتزايد بتزايد البعد عن الشمس والحوادّ تتعاظم ، وإلمنفرجات تتصاغر حتى يصير التقاطع بين الدائرتين على قوائم ، ويحصل التربيع ، فيرى من الوجه المضيء نصفه ، ولا يزال يتزايد المرئي من المضيء ويتعاظم انفراج الزاويتين الأوليين إلى وقت الاستقبال ، فتطابق الدائرتان مرة ثانية ويصير الوجه المضيء إلينا وإلى الشمس معاً ، وهو البدر.

ثم يقع التقارب فيعود تقاطع الدائرتين على المختلفات أولاً ، ثم على قوائم ثانياً ، وحصل التربيع الثاني(٢) ، ثم يؤول الحال إلى التطابق فيعود المحاق ، وهكذا إلى ما يشاء الله سبحانه.

________________________

(١) المراد باجتماعهما كون موضعهما نقطة من مركز التربيع والاجتماع ، إما مستتر إن مرّ بهما خط خارج من مركز العالم. أو مرئي إن مر بهما خط خارج من موضع الناظر ، ويقال له الإجتماع الكسوفي ، منه قدس سره. هامش المخطوط.

(٢) إنّما قلنا في التربيع الأول « يحصل » بصيغة المضارع وفي التربيع الثاني « حصل » بصيغة الماضي لملاحظة نكتة وهي : أن تقاطع تينك الدائرتين على قوائم إنّما يكون قبل ألتربيع الأول ، وبعد التربيع ألثاني بزمان قليل ، لا في آن التربيع ، والّا لزم وقوع قائمتين في المثلث الحاصل من الخطوط ، الواصل أحدها من مركزي الشمس ودائرة النور ، وألاخرى بين المركزين والبصر الذي هو بمنزلة مركز الأرض ، إحدى القائمتين عند مركز الأرض لأن وترها ربع الدور ، والاخرى عند مركز الشمس ومركزها عموداً على سطحها ، وكون ألواصل بين البصر ومركز هذه الدائرة في سطحها ، فيحيط هذان الخطان لا محالة بزاوية قائمة ، ولا يجوز أن يكون تقاطع تينك الدائرتين على زوايا قوائم بعد التربيع الأول ، وقبل الثاني ، وإلا لزم في المثلث عند البصر لكون وترها أكثر عند مركز الدائرة ، منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٣

 تبيان:

لا يخفي أن حكمهم بأن نور القمر مستفاداً من الشمس ليس مستنداً إلى مجرد ما يشاهد من اختلاف المتشكلات النورية بقربه وبعده عن الشمس ، فإنّ هذا وحده لا يوجب ذلك الحكم قطعاً ، بل لا بد مع ذلك من ضمّ أُمور اُخر ، كحصول الخسوف عند توسط الأرض بينه وبين الشمس ، إلى غيرذلك من الأمارات التي يوجب اجتماعها ذلك الحكم ، لجواز أن يكون نصفه مضيئاً من ذاته ونصفه مظلما ، ويدور على نفسه بحركة مساوية لحركة فلكه.

فإذا تحرك بعد المحاق يسيراً رأيناه هلالاً ، ويزداد فنراه بدراً ، ثم يميل نصفه المظلم شيئاً فشيئاً إلى أن يؤول إلى المحاق.

أ قول : وهذا هو مقصود ابن الهيثم(١) بلا شك ومرية ، لا ما ظنّه صاحب حكمة العين(٢) حيث قال : زعم ابن الهيثم : أن القمر كرة يصفها مضيء

________________________

(١) أبو علي ، الحسن بن ألحسن بن الهيثم ، وقيل : محمد بن الحسين ، علم من أعلام الرياضيات ، والطبيعيات ، وألطب ، والفلسفة ، فاضل النفس ، قوي ألذكاء ، لم يماثله أحد من أهل زمانه في الرياضيات ، لخص كثيراً من كتب ارسطو طاليس ، وشرحها ، وهكذا جالينوس ، كان حسن الخط جيده ، أصله من البصرة ، أقام في مصر اخريات عمره ، له المناظر الجامع في أصول الحساب ، الطب ، تحليل المسائل ألهندسية ، مقالة في الضوء ، اختلاف منظر القمر ، وغيرها كثير مات سنة ٤٣٠ هـ ١٠٣٨ م.

له ترجمة في : طبقات ألأطباء : ٥٥٠ / دائرة المعارف الاسلامية ١ : ٢٩٨ / تاريخ ألحكماء : ١٦٥ / تاريخ مختصر ألدول : ١٨٢ / كشف الظنون ١ : ١٣٨ / الأعلام ٦ : ٨٤ ، ٢ : ١٨٧ / معجم المؤلفين ٣ : ٢١٥.

(٢) هو : علي بن عمر بن علي ، المعروف بدبيران المنطقي ، أو الكاتبي القزويني ، الشافعي ، من أساتذة فنون الحكمة وألكلام ، والطب والنجوم ، و. و. و. ، دعاه الخواجه نصير الدين الطوسي للمشاركة في رصد مراغة سنة ٦٥٠ فأجاب ، وبدأ أعماله وتحقيقاته هناك مع زملائه ألأفاضل. تتلمذ على جمع منهم النصير الطوسي ، ومحمد بن أشرف الحكيم الحسيني ، والأثير ألاساغوجي ، وكان له تلامذة يشار إليهم بالبنان ، منهم : العماد القزويني ، والكازروني ، وألعلامة الحلي. له مؤلفات منها : رسالة إثبات الواجب ، الشمسية في المنطق ، عين القواعد ،

١١٤

 ونصفها مظلم ، وتتحرك على نفسها ، فاذا مال النصف المضيء إلينا نراه هلالاً ، وتتحرك بحيث يصيرنصفها المضيء كله إلينا عند المقابلة وعلى هذا دائماً.

ثم قال : وهوضعيف ، وإلّا لما انخسف [٢٠ / ] في شيء من الاستقبالات أصلاً(١) ، انتهى كلامه.

وقد وافقه صاحب المواقف في هذا الظن قائلاً : إنَّ الخسوف يبطل كلام ابن الهيثم(٢) .

و هذا منهما عجيب ، وابن الهيثم أرفع شانا في هذا العلم من أن يظن صدور مثل هذا عنه ، وكلامه ينادي بأنّ قصده ما ذكرناه ، حيث قال : إنّ التشكلات النورية للقمر لا يوجب الجزم بأن نوره مستفاد من الشمس ، لاحتمال أن يكون القمركرة نصفها مضيء ونصفها مظلم ، ويتحرك على نفسه ، فيرى هلالاً ، ثم بدراً ، ثم ينمحق ، وهكذا دائماً(٣) انتهى كلامه ، وهو كلام لا غبار عليه أصلاً.

والعجب أنّ هذا الكلام نقله شارح حكمة العين(٤) عنه ، ولم يتفطن لما هو مقصوده منه ، فإياك وقلة التأمل.

________________________

بحر الفوائد ، جامع الدقائق ، المفصل في شرح المحصل ، وحكمة العين أو عين القواعد وغيرها كثير.

مات سنة ٦٧٨ وقيل ٦٧٥ هـ = ١٢٧٩ ـ ١٢٧٦ م.

له ترجمة في فوات الوفيات ٣ : ٥٦ رقم ٣٤٦ / الاعلام ٤ : ٣١٥ / تاريخ مختصر الدول : ٢٨٧ / تاريخ الفلك : ٣٦ / معجم المؤلفين ٧ : ١٥٩ / مقدمة حكمة العين فارسية / كشف الظنون ١ : ٦٨٥ / هدية العارفين ١ : ٧١٣ ناسباً له إلى التشيع / هدية الأحباب : ٢٤٢.

(١) حكمة العين ، ذيل المبحث الخامس من المقالة الثالثة من القسم الثاني في العلم الطبيعي. وانظر شرح حكمة العين للبخاري : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٢) المواقف : ٢١٤ ، وانظر شرح الشريف الجرجاني ٢ / ٤٣٧ ، المقصد الثالث في كسوف الشمس ، من القسم الثاني في الكواكب ، من الموقف الرابع في الجواهر.

(٣) أنظر الهامش رقم (١).

(٤) انظر الهامش رقم (٢).

١١٥

إرشاد :

لعلك تقول ـ عند ملاحظة قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » ـ : أنَّ حصول الإمتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر ، فما معنى حصول الامتهان له بزيادة النور؟ فاقول فيه وجهان :

ا لأول : أنّه لمّا كان أحد وجهيه مستنيراً بالشمس دائماً ، وكانت زيادة نوره إنما هي بحسب إحساسنا فقط ، وقد سخره الأمر الالهي لأن يتحرك في النصف الأول من الشهر على نهج لا يزيد به المنير منه في كل ليلة إلّا شيئاً يسيراً ، لا يستطيع أن يتخطاه ، ولا يقدر على أن يتعدّاه ، أثبتعليه‌السلام  له الامتهان ، بسبب إذلاله وتسخيره للزيادة على هذا الوجه المقرر ، والنهج الخاص. وقد شبّه بعضهم حال القمر ، في ظهور القدر المرئيّ منه شيئاً فشيئاً في النصف الأول من الشهر إلى أن يصير بدراً ، ثم استتاره شيئاً فشيئاً في النصف الثاني إلى أن يختفي ؛ بما إذا أمر السيد عبده بان لا يكشف النقاب عن وجهه للناظرين إلّا على التدريج شيئاً فشيئاً في مدة معينة ، وأنّه متى انكشف وجهه بأجمعه فليبادر في الحال إلى ستره ، وارخاء النقاب عليه شيئاً فشيئاً إلى أن يختفي بأجمعه عن الأبصار.

ا لوجه الثاني : أن يكون مرادهعليه‌السلام  الامتهان [٢١ / ] بمجموع الزيادة والنقصان ، أعني التغير من حال إلى حال ، وعدم البقاء على شكل واحد ، ولعل هذا الوجه أقرب ، وهو جار فيما نسبهعليه‌السلام  إليه من الامتهان بالطلوع والافول ، والإنارة والكسوف.

و يمكن أن يوجه امتهانه بالإنارة بوجه آخر ، وهو : أن يراد بها إعطاؤه النور للغير ـ كوجه الأرض مثلاً ـ لا اتصافه هو بالنور ، فان الإنارة والإضاءة كما جاءا في اللغة لازمين فقد جاءا متعديين أيضاً(١) ، وحينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف

________________________

(١) انظر لسان العرب ١ : ١١٢ / الصحاح ١ : ٦٠ ، مادة « ضوء » فيهما.

ولسان العرب ٥ : ٢٤٠ / الصحاح ٢ / ٨٣٩ ، مادة « نور » فيهما.

١١٦

كسفه للشمس ، ليتم المقابلة ، ويصير المعنى امتهنك بأن تفيض النور على الغير تارة وتسلبه عنه أُخرى ، ولو أريد المعنى الشامل للخسوف أو نفس الخسوف أيضا لم يكن فيه بعد ، والله أعلم.

تمهيد :

لمّا كانت الشمس ملازمة لمنطقة البروج ، وكانت أعظم من الأرض(١) كان المستنير بأشعتها أعظم من نصفها ، والمظلم أقل كما عرفت سابقاً ، وحصل مخروط مؤلف من قطعتين ، ترتسم احداهما من الخطوط الشعاعية الواصلة بين الشمس وسطح الأرض ، ويسمى مخروط النور والمخروط العظيم ، والاخرى من ظل الأرض وتسمى مخروط الظلّ ، والمخروط الصغير ، ويحيط به طبقة يشوبها ضوء مع بياض يسير ، ثم طبقة اُخرى يشوبها مع ضوء يسيرصفرة ، ثم طبقة أخرى يشوبها يسير حمرة ، وهذه الطبقات الثلاث تظهر للبصر في المشرق من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بهذا الترتيب ، وبعكسه بعد غروبها في المغرب ، وقاعدة المخروط العظيم [٢٢ / ] على كرة الشمس منصّفة بمنطقة البروج ، وسهمه في سطحها ، وينتهي رأسه في أفلاك الزهرة عند كون الشمس في الأوج ، وفيما دونه فيما دونها ، وقاعدة المخروط الصغير صغيرة على وجه الأرض ، وهي الفصل المشترك بين المنير منها والمظلم ، وهذان المخروطان يتحركان(٢) على سطح الأرض كأنهما جبلان شامخان ، يدوران حولها على التبادل ، أحدهما أبيض ساطع ، والاخر أسود حالك ، عليه ملابس متلونة ، ويتحرك الأبيض من المشرق إلى المغرب ، وهو النهار لمن هو تحته ، والأسود بالعكس وهو الليل لمن هو تحته ، فتبارك الله أحسن الخالقين.

________________________

(١) لما ثبت في الأجرام : أن الشمس مائة وستة وستون مثلاً وربع وثلثي مثل الأرض. منه ، قدس سره ، هامش الأصل.

(٢) وحركتها بقدر الفاضل بين حركة الفلك الأعلى ـ أعني الحركة اليومية ـ والحركة الحاصلة للشمس. وفي التحفة : إن هذه الحركة بحسب الحركة الأولى ، وفيه ما فيه ، ولعل مراده ما ذكرناه ، وإن كانت عبارته قاصرة عن مراده منه ، قدس سره. هامش المخطوط.

١١٧

وإذا توهّمنا سطحاً كرّياً مركزه مركز العالم ، يمر بمركز القمر وبالمخروط الصغير فالدائرة الحادثة منه على جرم القمر تسمى صفحة القمر ، والحادثة على سطح المخروط دائرة الظّل ، ومركزها على منطقة البروج.

تلويح فيه توضيح :

إذا لاقى القمر مخروط الظّل في الاستقبال ، ووقعت صفحته كلّها أو بعضها في دائرة الظل ، انقطعت الأشعة الشمسيّة عنه كلاً أو بعضا ، وهو الخسوف الكلّي أو الجزئي ، ولكون غاية عرض القمر ـ وهي خمسة أجزاء ـ أعظم من مجموع نصفي قطري صفحته ودائرة الظلّ ، لم ينخسف في كلّ استقبال(١) [٢٣ / أ] ، بل إذا كان عديم العرض ، أو كان عرضه ـ وهو بُعد مركزه عن مركز دائرة الظل ـ أقل من نصفها(٢) إذ لو كان مساويا لها ماسّ القمر محيط دائرة الظلّ من خارج على نقطة في جهة عرضه ، ولم ينخسف ، وان كان أكثر فبطريق أولى ، أما إن كان العرض أقل من النصفين انخسف أقل من نصف قطره إن كان العرض الأقل أكبر من نصف قطر دائرة الظلّ ، ونصف قطره إن كان مساويا له ، لمرور دائرة الظلّ بمركز الصفحة حينئذ ، وأكثر منه(٣) إن كان أقل منه ، وأكثرمن فضل نصف قطر دائرة الظلّ على نصف قطر القمر ، وكله(٤) غير(٥) ماكث إن كان مساوياً لفضل نصف قطر دائرة الظلّ على نصف قطر القمر ، لمماسّة القمر محيط الظلّ من داخل على نقطة في جهة عرضه ، وماكثاً بحسب ما

________________________

(١) لو كان مدار القمر في سطح منطقة البروج ، لا نخسف في كل استقبال ، لكون مركز دائرة الظلّ أبداً منها ، لكنه لما كان القمر في منطقة الحامل لم يدخل شيء منه في دائرة الظل إلآ إذا قارب وهذا ظاهرجلي. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٢) أي : من مجموع نصفي الشطرين. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٣) أي : وانخسف أكثر من نصفي قطره لا كلّه إن كان العرض أقل من نصف قطر دائرة الظل وأكثر من عليه. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٤) أي : والخسف كلّه حال كون الخسوف غير ماكث. منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

(٥) بالنصب حال من « كلّه » منه. قدس سره ، هامش المخطوط.

١١٨

يقع في دائرة الظل إن كان أقل من هذا الفصل ، وغاية المكث إذا كان عديم العرض ، وأول الخسوف يشبه أثراً دخانياً ، ثم يزداد تراكماً بازدياد توغل القمر في الظلّ ، بان كان عرضه أقل من عشر دقائق كان لونه أسود حالكاً ، وإلى عشرين فأسود ضارباً إلى خضرة ، وإلى ثلاثين فإلى حمرة ، وإلى أربعين فإلى صفرة ، وإلى خمسين فأغبر ، وإلى ستين فأشهب.

و ابتداء الانجلاء من شرقي القمر [٢٣ / ب] ، كما أن ابتداء الخسوف كذلك.

تنبيه وتبيين :

الأحوال المشهورة الحاصلة للقمر كثيرة ، فبعضها يشاركه فيها سائر الكواكب ، كالإنارة والطلوع والأُفول ونحوها ، وهي كثيرة ولا حاجة داعية إلى ضبطها ، وبعضها امور تختص به لا توجد في غيره من الكواكب ، وقد اعتنى أهل الهيئة بالبحث عنها ، وأشهرها ستة :

سرعة الحركة ، واختلاف تشكلاته النورية ، واكتسابه النور من الشمس ، وخسوفه لحيلولة الأرض بينهما ، وحجبه لنورها بالكسف لها ، وتفاوت أجزاء صفحته في النور وهو المسمى بالمحو.

وهذه الأحوال الستة يمكن فهمها من كلامهعليه‌السلام  بعضها بالتصريح وبعضها بالتلويح.

أمّا سرعة حركته واختلاف تشكّلاته فظاهر ؛ وأمّا كسفه للشمس وخسوفه فلما مرّ من حمل الكسوف في كلامهعليه‌السلام  على ما يشمل الأمرين معاً ؛ وأمّا اكتسابه النور من الشمس فلدلالة اختلاف التشكّلات مع الخسوف عليه.

فهذه الأمور الخمسة تفهم من كلامهعليه‌السلام  على هذا النهج ، وبقي الأمر السادس ـ أعني تفاوت أجزائه في النور ـ فإنّ في إشعار كلامهعليه‌السلام  به نوع خفاء ؛ ويمكن أن يومىء إليه قولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة

١١٩

و النقصان ». فإن المراد زيادة النور ونقصانه ، ولا معنى لتفاوت أجزائه في النور إلّا زيادته في بعض ونقصانه في بعض آخركما لا يخفى [٢٤ / أ].

فقد تضمن كلامهعليه‌السلام  مجموع تلك الأحوال الستة المختصة بالقمر ، وقد مر الكلام في الأربعة الاُول منها ، وبقي الكلام في الأخيرين فنقول :

أ مّا الكسوف : فهو ذهاب الضوء عن جرم الشمس في الحسّ كلّا أو بعضاً ، لستر القمر وجهها المواجه لنا كلاً أو بعضاً ، وذلك عند كونهما بحيث يمرخط خارج من البصر بهما ، إمّا مع اتحاد موضعيهما المرئيين ، أو كون البعد بينهما أقل من مجموع نصفي قطريهما ، فلو تساويا ماسّها ولا كسف ، وإن زاد الأول فبالأولى ، فإن وقع مركزاهما على الخط المذكور كسفها كلّها بلا مكث ، إن كان قطراهما متساويين حساً ، ومع مكثه إن كان قطراها أصغر ، وبقي منها حلقة نورانية إن كان قطرها أعظم ، وإن لم يقعا على ذلك الخط كسف منها بعضاً أبداً إلّا إذا كان قطره أعظم حسا فقد يكسفها حينئذ كلا ، وربما يبقي منها حلقةً نورانية مختلفة الثخن أو قطعة نعلية إن كان قطره أصغر.

و لمّا كان الكسوف غير عارض للشمس لذاتها ، بل بالقياس إلى رؤيتها بحسب كيفية توسط القمر بينها وبين الأبصار ، أمكن وقوعه في بقعة دون أُخرى ، مع كون الشمس فوق أفقيهما ، وكونه في احداهما كلّياً أو أكثر ، وفي أُخرى جزئياً أو أقل ، وابتداء الكسوف من غربيّ الشمس ، كما أنّ ابتداء الانجلاء كذلك.

تتمة :

وأمّا محو القمر : ـ وهي الظلمة المحسوسة في صفحته ـ فأمره ملتبس ، والآراء فيه متشعبة والأقوال متخالفة ، وابن سينا في الشفاء(١) أطنب في بيان

________________________

(١) الشفاء ، الطبيعيات ٢ : ٣٧ ، الفصل الخامس أحوال الكواكب ومحو القمر.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208