الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة18%

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 208

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة
  • البداية
  • السابق
  • 208 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128688 / تحميل: 7998
الحجم الحجم الحجم
الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

 الاحتمالات التي يمكن القول بها ، ولم يجزم بشيء منها ، وقد وصل إلينا من الأقوال إثنى عشر قولاً ، أوردتها مع ما يرد عليها في المجلد الثاني من كتابي الموسوم بالكشكول(١) وأذكر هنا [٢٤ / ب] منها خمسة.

ا لأول : أنّها آثار في وجهه المظلم ، تأدّت إلى وجهه المضيء.

و أورد عليه : أنّه لو كان كذلك لكانت أطرافه أشدّ ظلمة ، وأوساطه أشدّ ضوءاً.

ا لثاني : أنها أجرام مختلفة مركوزة مع القمر في تدويره ، غير قابلة للإنارة بالتساوي ، وهو مختار سلطان المحققينقدس‌سره في التذكرة(٢) .

و أورد عليه : أنّ ما يتوسط بينه وبين الشمس من تلك الأجرام وكذا بيننا وبينه في كل زمان ، ووضع شيء آخر لتحرك التدوير على نفسه ، فكيف يرى دائماً على نهج واحد غيرمختلف.

وقد يعتذر له : بأن التفاوت المذكور لا يحس به في صفحة القمر ، لصغرها وبعد المسافة.

الثالث : أنّ الأشعة تنعكس إليه من البحار ، وكرة البخار ـ لصقالتها ـ انعكاساً بيناً ، ولا تنعكس كذلك من سطح الربع المكشوف لخشونته ، فيكون المستنير من وجهه ـ بالأشعة النافذة إليه على الاستقامة ، والأشعة المنعكسة معاً ـ أضوء من المستنير بالأشعة المستقيمة والمنعكسة من الربع المكشوف ، وهذا مختار صاحب التحفة(٣) .

وأورد عليه : أن ثبات الانعكاس دائماً على نهج واحد ـ مع اختلاف أوضاع الأشياء المنعكس عنها من البحار والجبال في جانبي المشرق والمغرب ـ مستحيل.

________________________

(١) الكشكول : مع دقة البحث وتكراره لم أجده.

(٢) التذكرة : أواخر الفصل السابع من الباب الأول.

(٣) التحفة : مخطوط.

١٢١

و اعتذر له بما اعتذر لأستاذه.

الرابع : إنّ سطح القمر لمّا كان صقيلاً كالمرآة فالناظر يرى فيه صور البحار ، والقدر المكشوف من الأرض ، وفيه عمارات وغياض وجبال ، وفي البحار مراكب وجزائر مختلفة الأشكال ، وكلها يظهر للناظر أشباحها في صفحة القمر ، ولا يميز بينها لبعدها ، ولا يحس منها إلّا بخيال ، وكما لا ترى مواضع الأشباح في المرايا مضيئة ، فكذلك لا يرى تلك المواضع فيه براقة ، أو أنه يرى صورة العمارات والغياض والجبال مظلمة كما هي عليه في الليل ، وصورة البحار مضيئة ، أو بالعكس فإنّ صورتي الأرض والماء منطبعان فيه ، كما أنّ الأرض لكثافتها تقبل ضوء الشمس أكثر مما يقبله الماء للطافته ، فكذا صورتاهما ، وهذا الوجه مختار الفاضل النيسابوري(١) في شرح التذكرة(٢) [٢٥ / أ] ومال إليه أُستاذ أستاذنا المحقق البرجندي(٣) ، في شرح التذكرة أيضاً(٤) ، والإيراد والاعتذار كما

________________________

(١) الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ، نظام الدين أو النظام الاعرج ، عالم فاضل ، محقق مشارك في علوم عدة ، له : شرح النظام في فن التصريف ، وشرح التذكرة النصيرية ، واسمه توضيح التذكرة ، وتفسير غرائب القرآن ، شرح الشافية قسم التصريف لابن الحاجب ، الشمسية في الحساب.

١٢٢

لم أعثرعلى من صرح بتاريخ وفاته على نحو القطع ، نعم فرغ من تاليف توضيح التذكرة في أول ربيع الأول سنة ٧١١ هـ ، وقيل انه توفي بعد سنة ٨٥٠ وقيل ٨٢٨ وقيل أنه من أعلام القرن التاسع = ١٤٢٤ ، ١٤٤٦ م.

روضات الجات ٣ : ١٠٢ ت ٢٦٠ / الكنى والالقاب ٣ : ٢٥٦ / أعيان الشيعة ٥ : ٢٤٨ / بغية الوعاة ١ : ٥٢٥ ت ١٠٨٨ / معجم المؤلفين ٣ : ٢٨١ ، ٢٩١. معجم المفسرين ١ : ١٤٥ كشف الظنون : ٣٩٢ ، ١٠٢١ ، ١٠٦٢ / الذريعة ٤ : ٤٩٢ ت ٢٢٠٦ ، و ١٣ : ١٤٤ ت ٤٧٨ ، وغيرها.

(٢) مخطوط.

(٣) المحقق البيرجندي ، عبد العلي بن محمد حسين ، فقيه أُصولي مشارك ، له في الفلك والرياضيات مؤلفات ، منها : شرح التذكرة فرغ منه سنة ٩٨٤ ، وشرح زبدة الأصول ، شرح المجسطي ، شرح المنار للنسفي في علم الأصول ، شرح الرسالة العضدية ، وغيرها توفي سنة ٩٣٢ هـ = ١٥٢٥ م.

هدية الاحباب : ١٢٦ / هدية العارفين ١ : ٥٨٦ / معجم المؤلفين ٥ : ٢٦٦ / الذريعة ١٣ : ١٤٤ ت ٤٧٨ / الأعلام ٤ : ٣٠ / كشف الظنون ١ : ٤١ ، ٣٩٢ ، و ٢ : ١٢٩٦ ، ١٨٢٦ ، ١٩٧١.

(٤) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة.

١٢٣

سبق.

ا لخامس : أنّ أجراماً صغيرة نيّرة مركوزة في جرم الشمس ، أو في فلكها الخارج المركز ، بحيث تكون متوسطة دائماً بين جرم الشمس والقمر ، وهي مانعة من وقوع شعاع الشمس على مواضع المحو من القمر ، وهذا الوجه للمدقق الخفري(١) أورده في شرح التذكرة(٢) ، ومنتهى الإِدراك(٣) واستحسنه.

وأقول : فيه نظر ، فإن تلك الأجرام إن كانت صغيرة جداً ، تلاقت الخطوط الخارجة من حولها إلى القمر بالقرب منها ، ولم يصل ظلّها إليه ، وإن كان لها مقدار يعتد به بحيث يصل ظلّها إلى جرم القمر فوصوله إلى سطح الأرض في بعض الأوقات كوقت الاستقبال أولى ، فكان ينبغي أن يظهر على سطح الأرض كما يظهر ظلّ الغيم ونحوه ، وليس فليس ، والله أعلم بحقائق الأمور.

خاتمة :

ما مرّ من أن اكتساب النور من الشمس مختص بالقمر لا يشاركه فيه غيره من الكواكب هو القول المشهور(٤) ، وعليه الجمهور فإنهم مطبقون على أنّ أنوار ما عداه من الكواكب ذاتية غير مكتسبة من الشمس ، واستدلوا على ذلك : بأنها لو استفادت النور من الشمس لظهر فيها التشكلات البدرية والهلالية ، بالبعد

__________________

(١) شمس الدين ، محمد بن أحمد الخفري الشيرازي ، فاضل حكيم محقق ، من تلامذة صدر الحكماء الدشتكي الشيرازي ، كان في غاية الفطنة ، وسرعة الخاطر ، جمع أقسام الحكمة ، سكن كاشان ، وكان معاصراً للمحقق الشيخ علي بن عبد العالي الكركي ، له مؤلفات ، منها : رسالة في اثبات الواجب ، وحل ما لا ينحل ، ومنتهى الإدراك ، وشرح التذكرة باسم التكملة ، وغيرها والخفري نسبة إلى خفر بلدة من بلاد شيراز ، فيها قبر الحكيم جاماسب ، توفي سنة ٩٥٧ = ١٥٥٠ م.

مجالس المؤمنين ٢ : ٢٣٣ / الكنى والألقاب ٢ : ٢١٨ / هدية الأحباب : ١٥١ / الذريعة ١٣ : ١٤٤ ت ٤٧٩ و ٤ : ٤٠٩ ت ١٨٠٥.

(٢) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة.

(٣) مخطوط.

(٤) قد فصّل الكلام على ذلك في الكشكول ١ : ٧١ ـ ٧٦ ، فراجع.

١٢٤

والقرب منها كما في القمر ، هكذا أورده [٢٥ / ب] فيها(١) وفي نهاية الإدراك(٢) .

وأقول : فيه نظر ، فإنّ القائل باستفادتها النور من الشمس ليس عليه أن يقول بأنّ المستضيء منها إنما هو وجهها المقابل للشمس فقط ، ليلزمه اختلاف تشكلاتها كالقمر ، بل أن يقول بنفوذ الضوء في أعماقها كالقطعة من البلّور إذا وقع عليها ضوء الشمس ، بان الناظر إليها من جميع الجهات يبصرها مضيئة باجمعها ، فتبصر.

ثمّ إنّ صاحب التحفة أورد على الدليل المذكور : أنّ اختلاف التشكلات إنّما يلزم في السفليين لا في بقية الكواكب التي فوق الشمس ، لكون وجهها المقابل لنا هو المقابل للشمس ، بخلاف القمر فيمكن أن يستفيد النور منها ولا يظهر فيها التشكلات الهلالية بالقرب من الشمس(٣) .

و ما يقال من أنه : يلزم انخسافها في مقابلات الشمس مدفوع بأن ظل الأرض لا يصل إلى أفلاكها.

ثمّ إنّه أجاب عن هذا الإيراد : بأن تلك الكواكب إذا كانت على سمت الرأس ، غير مقابلة للشمس ، ولا مقارنة لها ، لم يكن وجهها المقابل لنا هو المقابل لها بل بعضه ، ويلزم اختلاف التشكلات الهلالية.

ثمّ قال ، فإن قيل : إنّما لا يرى شيء منها هلالياً لخفاء طرفيه ، لصغر حجم الكوكب في المنظر ، وظهوره من البعد المتفاوت مستديراً.

قلنا [٢٦ / أ] : لو كان كذلك لرؤي الكوكب في قرب الشمس أصغر منه في بعدها هذا كلامه.

وأقول : فيه نظر ، فإن للخصم أن يقول : إنما يلزم ذلك لو وقعت دائرة

________________________

(١) التحفة : مخطوط.

(٢) نهاية الادراك : مخطوط.

(٣) التحفة : مخطوط.

١٢٥

الرؤية فيها مقاطعة لدائرة النور ، ولمَ لا يجوز أن لا تقع أبدا إلا داخلها؟ إمّا موازية لها إذا كان الكوكب على سمت الرأس في مقابلة الشمس ، أو غير موازية إما مماسة لها كما لعله يتفق في التربيع ، أوغيرمماسّة كما في غيره.

و لا يندفع هذا إلا إذا ثبت لقاطع الدائرتين على سطح الكوكب كما في القمر ، ودون ثبوته خرط القتاد(١) .

ثم إنّ الذي ما زال يختلج بخاطري : أنّ القول بعدم الفرق بين القمر وسائر الكواكب في أنّ أنوار الجميع مستفادة من الشمس غير بعيد عن الصواب ، وقد ذهب إليه جماعة من أساطين الحكماء ، ووافقهم الشيخ السهروردي(٢) حيث قال في الهياكل : إنّ رخش ـ يعني الشمس ـ قاهر الغسق ، رئيس السماء ، فاعل النهار ، صاحب العجائب ، عظيم الهيئة ، الذي يعطي جميع الأجرام ضوءها ، ولا يأخذ منها(٣) . هذا كلامه.

وقد ذهب الشيخ العارف محيي الدين بن عربي(٤) أيضا إلى هذا القول ،

________________________

(١) ولا يخفى أيضا أنه لا يكفي اثبات مجرد التقاطع على أي وجه كان بل لا بد من اثبات وقوعه على وجه يظهر أثره للحس ولعل في قولنا كما في القمرنوع اشارة إلى هذا ، منه. قدس سره ، هامش الخطوط.

(٢) شهاب الدين السهروردي ، يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي صاحب السيمياء الشافعي الحكيم الصوفي المتكلم له في الفقه والأُصول يد ، ولد في سهرورد من قرى زنجان نشأ في مراغة وعاش في أصفهان ثم رحل إلى بغداد وحلب له في الشعر والنثر والأدب عامة يد. أفتى الفقهاء بإباحة دمه لما نسب إليه من انحلال في العقيدة ، له مؤلفات منها. التلويحات ، التنقيحات ، حكمه الإشراق ، هياكل النور ، الألواح العمادية.

مات خنقاً في السجن سنة ٥٨٧ هـ = ١١٩١ م.

ترجم له في : وفيات الأعيان ٦ : ٢٦٨ ت ٨١٣ / معجم الادباء ١٩ : ٣١٤ ت ١٢٣ / لسان الميزان ٣ : ١٥٦ ت ٥٥٣ / مرآة الجنان ٣ : ٤٣٤ / شذرات الذهب ٤ : ٢٩٠ / سير أعلام النبلاء ٢١ : ٢٠٧ ت ١٠٢ / عيون الأنباء : ٦٤١ وغيرها.

(٣) الهياكل : ٣٩ ، أواخر الهيكل الخامس منه.

(٤) محيي الدين بن عربي ، محمد بن علي بن محمد الطائي ، الأندلسي المكي ، الشامي ، أبو بكر ، لقب بالشيخ الأكبر ، من كبار المتكلمين في العلوم ، قدوة القائلين بوحدة الوجود ، اختلف فيه علماء الرجال بين مزندق له وموثق بل وجعله قطباً ، له من المؤلفات ـ على ما قيل ـ أربعمائة كتاب

١٢٦

وصرح به في الفتوحات المكيّة(١) ، ووافقه جمع من الصوفية ، والله أعلم بحقائق الأشياء.

ولي في هذا الباب رسالة مبسوطة فمن أرادها فليقف عليها(٢) .

* * *

________________________

ورسالة ، منها : الفتوحات المكية ، التفسير ، إحياء علوم الدين ، محاضرة الأبرار ، فصوص الحكم وغيرها سمع من ابن بشكوال بمرسيه ، ورحل إلى بغداد ، ومكة ، ودمشق ، له شعر يوصف بالرقة منه :

إذا حلّ ذكركم خاطري

فرشت خدودي مكان التراب

وأقعدني الذل في بابكم

قعود الأسارى لضرب الرقاب

مات سنة ٦٣٨ هـ = ١٢٤٠ م ودفن في صالحية دمشق له ترجمة في : البداية والنهاية ١٣ : ١٥٦ / فوات الوفيات ٢ : ٤٣٥ ت ٤٨٤ / ميزان الاعتدال ٣ / ٦٥٩ ت ٧٩٨٤ / لسان الميزان ٥ : ٣١١ ت ١٠٣٨ / شذرات الذهب ٥ : ١٩٠ / طبقات الأولياء : ٤٦٩ ت ١٥٣.

(١) الفتوحات المكية ٣ : ٤٣٧ ، ذيل الفصل الرابع.

(٢) وهي رسالة في أن أنوار سائر الكواكب مستفادة من الشمس. انظر الكشكول ١ : ١٧.

١٢٧

 قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  [٢٦ / ب].

« سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ، والطف ما صنع في شأنك ، جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث ، فأَسأل الله ربي وربك ، وخالقي وخالقك ، ومقدري ومقدرك ، ومصوري ومصورك ، أن يصلّي على محمد وآله ، وأَن يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيام ، وطهارة لا تدنسها الآثام ، هلال أمن من الأفات ، وسلامة من السيئات ، هلال سعد لانحس فيه ، ويمن لا نكد معه ، ويسر لا يمازحّه عسر ، وخير لا يشوبه شر ، هلال أمن وإيمان ، ونعمة واحسان ، وسلامة واسلام ».

« سبحان » مصدر كغفران ، بمعنى التنزيه عن النقائص ، ولا يستعمل إلا محذوف الفعل منصوباً على المصدرية ، فسبحان الله معناه تنزيه الله ، كأنه قيل اُسبحه سبحاناً ، واُبرؤه عما لا يليق بعزجلاله براءة.

قال الشيخ أبو علي الطبرسي طاب ثراه : أنّه صار في الشرع علماً لأعلى مراتب التعظيم ، التي لا يستحقها إلّا هو سبحانه ، ولذلك لا يجوز أن يستعمل في غيره تعالى ، وإن كان منزها عن النقائص(١) .

و إلى كلامه هذا ينظر ما قاله بعض الأعلام : من أن التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلاثة أنواع :

________________________

(١) مجمع البيان ١ : ٧٣ ، عند تفسير الآية ٣٠ من سورة البقرة.

١٢٨

[ أ ] : تنزيه الذات عن نقص الإمكان الذي هومنبع السوء.

[ ب] : وتنزيه الصفات عن وصمة الحدوث ، بل عن كونها مغايرة للذات المقدسة ، وزائدة عليها.

[ جـ ] : وتنزيه الأفعال عن القبح والعبث ، وعن كونها جالبة إليه تعالى نفعاً أودافعة عنه سبحانه ضررا كأفعال العباد [٢٧ / أ].

و « ما » في قولهعليه‌السلام  : « ما أعجب » إمّا موصولة ، أو موصوفة ، أو استفهامية ، على خلاف المشهور في ما التعجبية.

و هي مبتدأ والماضي بعدها صلتها أو صفتها على الاُوليين ، والخبر محذوف ، أي الذي ـ أو شيء ـ صيّره عجيباً أمر عظيم أو هو الخبر على الأخير.

و « ما » في « ما دبر » مفعول أعجب ، وهي كالأولى على الاُوليين ، والعائد المفعول محذوف ، والأمر والشأن مترادفان.

و فصل جملة « جعلك » عما قبلها للاختلاف خبراً وانشاءً مع كون السابقة لا محل لها من الإعراب.

و « الشهر » مأخوذ من الشهرة ، يقال : شهرت الشيء شهراً أي أظهرته وكشفته ، وشهرت السيف أخرجته من الغلاف(١) وتشبيه الشهر في النفس بالبيت المقفول استعارة بالكناية ، وإثبات المفتاح له استعارة تخييلية ، ولا يخفى لطافة تشبيه الهلال بالمفتاح.

وا لجار ـ في قولهعليه‌السلام  « لأمر حادث » ـ متعلّق بحادث السابق ، أي أن حدوث ذلك الشهر وتجدّده لأجل إمضاء أمر حادث مجدّد ، ويجوز تعلقه ب ـ « جعل ».

و تنكير « أمر » للإبهام وعدم التعيين ، أي أمر مبهم علينا حاله ، كما قالوه في

________________________

(١) أنظر : تاج العروس ٣ : ٣٢٠ / معجم مقاييس اللغة ٣ : ٢٢٢ مادة ( شَهَرَ ) فيهما

١٢٩

قوله تعالى :( أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا ) (١) : أن المراد أرضاً منكورة مجهولة.

والفاء في « فاسال الله » فاء السببية ، كما في قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ) (٢) .

فإنّ ذلك الأمر المجدد الذي جعل تجدّد الشهر لإمضائه فيه لمّا كان مبهماً صارإبهامه سبباً لأن يسأل الله سبحانه أن يكون بركة وأمناً وسلامة ، وما هو من هذا القبيل ، ولا يبعد أن تجعل فصيحة كما قالوه في قوله تعالى :( فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ ) (٣) ، إما بتقدير شرط كما هو رأي صاحب الكشاف ، أي [٢٧ / ب] إذا كان كذلك فأسأل الله؟ أو غير شرط ، كما هو رأي صاحب المنهاج ، أي وهو مبهم فأسأل الله(٤) .

والحقّ أن تصدير الشرط لاعتباره لا ينافي كون الفاء فصيحة ، وأنّ الناقل واهم كما نبه المحقق الشريف في بحث الإيجاز والإطناب من شرح المفتاح.

تتمة :

عدولهعليه‌السلام  في قوله : « فاسأل الله » عن الإضمار الذي هو مقتضى الظّاهر ، جرياً على وتيرة الضمائر الأربعة السابقة ، أي الإظهار لعلّه للتعظيم ، والاستلذاذ ، والتبرّك ، وإرادة الوصف بما بعده إذ المضمر لا يوصف ، وقول الكسائي ، بجواز وصف ضمير الغائب ضعيف ، وأمّا جعل ما بعده هنا حالاً فلا

________________________

(١) يوسف ، مكية ، ١٢ : ٩.

(٢) الحج ، مدنية ، ٢٢ : ٦٣.

(٣) الأعرا ف ، مكية ، ٧ : ١٦٠.

(٤) رأي الزمخشري لم اعثر عليه في كتبه المتوفرة لديّ ، هذا وفي الأصل المخطوط ورد ( المنهاج ) وفي المطبوعة ( المفتاح ). ولدى مراجعة مفتاح العلوم : ١١٧ ـ ١١٨ وجدناه يصرح بالشرطية حيث يقول : « وفي خبر المبتدأ متضمناً لمعنى الشرط بكونه موصولاً أو موصوفاً » إذن يحتمل أن يكون المنهاج إشارة إلى أحد مؤلفات الزمخشري ، وهو مذكور في عدادها. ولم أعثر عليه.

وانظر : رصف المعاني ١ : ٤٤٨ حيث يؤيد فيه نظرية صاحب الكشاف عند قوله : « واعلم أن النصب على الجواب بالفاء إنما هو بعد الشرط والجزاء أصلاً » ...

١٣٠

يخلومن بعد بحسب المعنى.

و الكلام فيما يتعلق بلفظ الجلالة المقدسة تقدّم مبسوطاً في فواتح الشرح(١) .

و إضافة الرب » إلى ياء المتكلم من إضافة الصّفة إلى غير المعمول نحو كريم البلد ، إذ الصّفة المشبّهة لاشتقاقها من اللازم لا مفعول لها ، لاضافتها اللفظيّة منحصرة في إضافتها إلى الفاعل ، فلذلك جاز وصف المعرفة بها.

فإنّ قلت : المعطوف على النعت نعت ، واسم الفاعل أعني « خالقي » مضاف إلى المفعول.

قلت : بعد تسليم أنّه نعت حقيقة هو بمعنى الماضي ، فإضافته معنويّة من قبيل « ضارب زيد أمس ». وتسميتهم المضاف إليه حينئذ مفعولاً نظراً إلى المعنى لا إلى أنّ محلّه النصب ، كما إذا كان إسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال ، على أنّا لو قطعنا النّظر عن كونه بمعنى الماضي لأمكن جعل مثل هذا من جزئيات قاعدتهم المشهورة وهي أنّه « يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل » كما قالوا في نحو : « ربّ شاة وسخلتها ».

والمباحث [٢٨ / أ] المتعلّقة بالصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتحقيق تشبيهها في بعض الأدعية بالصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم ، والكلام في تحقيق معنى الآل واشتقاقه من آل يؤل ، وإيراد ما يرد على أن آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقيقة هم الأئمة المعصومون سلام الله عليهم قد مر الكلام فيها في الفواتح(٢) فلا معنى لإعادته.

و « البركة » : النماء والزيادة في الخير ، ولعل المراد بها هنا الترقي في معارج القرب ، ومدارج الاُنس يوماً فيوماً ، فإن « من استوى يوماه فهو مغبون »(٣) .

________________________

(١) أنظر صحيفة : ٩٣ ، هامش ٢.

(٢) أنظر الهامش المتقدم.

(٣) معاني الأخبار : ٣٤٢ حديث ٣ / امالي الصدوق : ٥٣١حديث ٤ مجلس ٩٥.

١٣١

و « محق » : الشيء محقاً أبطله ومحاه ، ومنه سمّيت الليالي الثلاث الأخيرة من الشهر محاقا ، لمحق نور القمر فيها.

و « الطهارة » : النزاهة من الأدناس ، ويندرج فيها نزاهة الجوارح عن الأفعال المستقبحة ، واللسان عن الأقوال المستهجنة ، والنفس عن الأخلاق المذمومة ، والأدناس الجسمانية ، والغواشي الظلمانية ، بل النزاهة عن كل ما يشغل عن الإقبال على الحق تعالى كائنا ما كان ، وذلك بخلع النعلين والتجرد عن الكونين ، فإنهما محرمان على أهل الله تعالى.

و « الدنس » : الوسخ ، وتدنيس الآثام للطهارة القلبية ظاهر ، فإن كل معصية يفعلها الإنسان يحصل منها ظلمة في القلب ، كما يحصل من نَفَس الإنسان ظلمة في المراة ، فإذا تراكمت ظلمات الذنوب على القلب صارت ريناً وطبعاً ، كما تصير الأنفاس والأبخرة المتراكمة على جرم المراة صدءً.

و إسناد المحق إلى الأيام ، والتدنيس إلى الآثام مجاز عقلي ، والملابسة في الأول زمانيّة ، وفي الثاني سببية.

و « الأمن » : اطمئنان القلب ، وزوال الخوف من مصادمة المكروه.

و « السّعد » والسّعادة مترادفان ، وربما فسرا بمعاونة الأُمور الإلهية الانسان على نيل الخير ، ويضادهما النحس [٢٨ / ب] والشقاوة.

و المراد « بالنكد » عسر المعاش وضيقه ، أو تعسر الوصول إلى المطلب الحقيقي ، لما يعتري السالك من العوائق الموجبة لبعد المسافة ، وطول الطريق والله أعلم.

تبصرة :

أمثال ما تضمّنه هذا الدعاء من سؤالهعليه‌السلام  الطهارة الغير المدنّسة بالآثام ، والسلامة من السيئات ، والتوفيق للتوبة ، مع أنهعليه‌السلام  معصوم

١٣٢

عن الأدناس والذنوب ، قد تقدم الكلام فيه في الفواتح(١) وذكرت هناك أن مثل هذا كثير في كلام أئمتنا سلام الله عليهم ، كما نقل عن الكاظمعليه‌السلام  أنه كان يقول في سجدة الشكر :« ربِّ عصيتك بلساني ، ولو شئت وعزتك لأخرستني ، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني » (٢) إلى آخر الدعاء.

بل وقع مثل ذلك في كلام سيد المرسلين وأشرف الأولين والآخرينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطاهرين كما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ( إنّي لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثرمن سبعين مرّة )(٣) وقد قلنا هناك : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك المعصومين من عترته سلام الله عليهم ، لغاية اهتمامهم باستغراق أوقاتهم في الإقبال على الله سبحانه ، والإعراض عما عداه ، وانجذابهم بكليتهم إلى جنابه جلّ شأنه ، وترك ما سواه ، كانوا يعدون صرف لمحة من اللمحات في الأشغال البدنية ، واللوازم البشرية من المأكل والمشرب والمنكح ، وأمثالها من المباحات ، نقصا وانحطاطاً ، ويسمون توجه البال في آن من الآنات إلى شيء من هذه الحظوظ الدنيوية إثماً وعصياناً وذنباً ، ويستغفرون الله تعالى منه.

وقد سلك على منوالهم ، واقتدى بأقوالهم ، وأفعالهم ، المتألهون والعرفاء من أصحاب الحقيقة ، الذين نفضوا عن [٢٩ / أ] ذيول سرائرهم غبار هذه الخربة الدنية ، وكحّلوا عيون بصائرهم بكحل الحكمة النبوية.

وأما نحن معاشر القاصرين عن الارتقاء إلى هذه الدرج العلّية والمحجوبين عن سعادة الاعتلاء على تلك المراتب السنية ، فلا مندوحة لنا عن جعل عظائم

________________________

(١) أنظر صحيفة : ١٢٨هامش ١.

(٢) مصباح المتهجد : ٥٨ ـ ٥٩ ، مقطع من دعاء طويل.

(٣) درر اللآلي العمادية ١ : ٣٢ / ب ، مخطوط.

وصحيح مسلم ٤ : ٢٠٧٥ رقم ٢٧٠٢ / وسنن أبي داود ٢ : ٨٤ رقم ١٥١٥ ، وفيهما « مائة مرة » ، وأنظر النهاية في غريب الحديث ٣ : ٤٠٣ مادة « غين » وتاج العروس ٩ : ٢٩٧ / والفائق ٣ : ٨٢ وفيه « كذا وكذا مرة ».

١٣٣

جرائمنا ـ حال قراءة تلك الفقر ـ نصب أعيننا ؛ وقبائح أعمالنا ـ عند تلاوة تلك الفصول ـ مطمح نظرنا.

تذكرة :

ينبغي لنا إذا تلونا قولهعليه‌السلام  : « هلال أمن من الآفات » أن لا نقصرها على الافات البدنية ، بل نطلب معها الأمن من الآفات النفسية أيضاً ، من الكبر والحسد ، والغلّ والغرور ، والحرص وحب المال والجاه ، وغير ذلك من دواعي النفس وحظوظها ، ومشتهياتها البهيمية والسبعية ، فإنّ طلب الأمن من هذه الآفات التي بمنزلة الكلاب العاوية والحيات الضارية الموجبة للهلاك الحقيقي أهم وأحرى وأليق وأولى ، وقد قدّمنا في الحديقة الأخلاقية من شرحنا هذا وهي الحديقة العشرون في شرح دعائهعليه‌السلام  في مكارم الأخلاق كلاماً فيما يعين على إلاحتراز عن هذه الافات ، وقلنا هناك : أنه لا يحصل الأمن التام منها إلاّ بإخراج التعلق بالدنيا من سويداء الفؤاد ، وقلع هذه الشجرة الخبيثة من أرض القلب ، فإنه ما دام الإقبال على الدنيا متمكناً في النفس ، لا يمكن حسم مواد هذه الافات عنها رأساً ، بل كلّما دفعتها وحسمتها عادت إلى ما كانت عليه أولاً(١) .

وقد شبه بعض أصحاب القلوب(٢) ذلك بحال شخص عرض له مهم يحتاج إلى فكر وتأمل تام ، فاراد أن يصفو وقته ، ويجتمع باله ، ليتفكر في هذا المهم ، فجلس تحت شجرة ، واشتغل بالفكر فيه ، وكانت العصافير ـ وغيرها من الطيور ـ تجتمع على تلك الشجرة ، وتشوش عليه فكره باصواتها وتكدر وقته ، فأخذ خشبة وضرب بها الشجرة ، فهربت العصافير والطيور عنها ، ثم اشتغل بفكره فعادت كما كانت فطردها مرة أخرى فعادت أيضاً ، وهكذا مراراً فقال له شخص : يا هذا ، إن أردت الخلاص فاقطع الشجرة من أصلها فإنها ما دامت باقية فإنّ العصافير والطيور تجتمع عليها ألبتة.

________________________

(١) انظر صحيفة : ١٣٠هامش : ١.

(٢) لعله اشارة الى الشهيد الثاني في اسرار الصلاة : ١١.

١٣٤

 و بعضهم شبه ذلك بقصة الكردي الذي قتل أُمه ، كما يحكى أنّ شخصاً من الأكراد كانت أُمّه معروفة بعدم العفة وتدنس الأزار ، وكان الناس يعيّرونه بذلك وهو يتوقع الفرصة لحسم تلك المادة.

فدخل يوماً إلى البيت فوجد معها رجلاً يزني بها ، فشق بالسكين صدرها واستراح من شنعتها.

فقال له أصحابه ومعارفه : يا هذا ، إنّ قتل الرجل كان أولى من قتل الأم ، فإنه أمرمستقبح!!

فقال : إني لو لم أقتلها كان يلزمني [٣٠ / ] أن أقتل في كلِّ يوم شخصاً جديداً ، وهذا الأمر لا يتناهى إلى حد.

وأنا قد نظمت قصة هذا الكردي في كتابي الموسوم بسوانح سفر الحجاز(١) هكذا :

كان في الأكراد شخص ذو سداد

اُمه ذات اشتهار بالفساد

لم تخيّب من نوال طالبا

لن تَكُفَّ عن وصال راغبا

دارها مفتوحة للداخلين

رجلها مرفوعة للفاعلين

فهي مفعول بها في كل حال

فعلها تمييز أفعال الرجال

كان ظرفا مستقراً وكرها

جاء زيدٌ قام عمرو ذكرها

جاءها بعض الليالي ذو أمل

فاعتراها الابن في ذاك العمل

شقّ بالسكين فوراً صدرها

في محاق الموت أخفى بدرها

مكّن الغيلان من أحشائها

خلّص الجيران من فحشائه

قال بعض القوم من أهل الملام :

لمْ قتلت الاُم يا هذا الغلام؟

كان قتل المرء أولى يا فتى

إنّ قتل الاُم لم شيءٌ ما أتى!!

قال : يا قوم اتركوا هذا العتاب

إنّ قتل الاُم أدنى للصواب!

 ________________________

(١) سوانح سفر ألحجاز : مخطوط ، أحتمل البعض أنّها منظومة « نان وحلوا » أورد في السلافة منها حدود ٦٠ بيتاً ، انظر الذريعة ١٩ : ٣١٩ ، ١٢ : ٢٥٣ ، ٢٤ : ٣٠.

١٣٥

كنت لو أبقيتها فيما تريد

كلّ يوم قاتلاً شخصاً جديد

إنّها لو لم تذق حدّ الحسام

كان شغلي دائماً قتل الأنام!!

أيّها المأسور في قيد الذنوب

أيّها المحروم من سرّ الغيوب

أنت في أسر الكلاب العاويه

من قوى النفس الكفور الجانيه

كل صبح مع مساء لا تزال

مع دواعي النفس في قيل وقال [٣١ / أ]

كلّ داع حيَّة ذات التقام

قل مع الحيات كم هذا المقام؟

إن تكن من لسع ذي تبغ الخلاص

أو تَرُم من عضّ هاتيك المناص

فاقتل النفس الكفور الجانيه

قتل كرديّ لأم زانيه

أيها الساقي أدر كأس المُدام

واجعلن في دورها عيشي المدام

خلص الأرواح من قيد الهموم

أطلق الأشباح من أسر الغموم

فالبهائي الحزين الممتحن

من دواعي النفس في أسر المحن(١)

تبيين :

يمكن أن يراد بالإحسان : في قولهعليه‌السلام  : « ونعمة وإحسان » معناه الظاهري المتعارف ، والأنسب أن يراد به المعنى المتداول على لسان أصحاب القلوب ، وهو الذي فسره سيد الأولين والآخرينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجمعين ، بقوله : ( الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك )(٢) .

و ينبغي حينئذ أن يراد بالإيمان والإسلام في قولهعليه‌السلام  : « هلال أمن وإيمان ، وسلامة وإسلام » ، المرتبتان المعروفتان بعين اليقين ، وحق اليقين ، على ما مرّ شرحه في الفواتح.

هذا ، وقد طلبعليه‌السلام  الأمن في هذا الدعاء مرتين ، مرة مقيداً بكونه من الآفات ، ومرة مطلقا ، وكذلك طلب السلامة مرتين مرة مقيداً بكونها

________________________

(١) أورد الأبيات في الكشكول أيضاً ١ : ٢٢٨.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٤٤ / سنن الترمذي ٤ : ٦ رقم ٢٦١٠ / سنن أبن ماجة ١ : ٢٤ ، ٢٥ رقم ٦٣ ، ٦٤ / سنن ابو داود ٤ : ٢٢٣ رقم ٤٦٩٥ / مسند أحمد بن حنبل ١ : ٥١ ، ٥٢ و ٢ : ١٠٧ ، ٤٢٦ و ٤ : ١٢٩ ، ١٦٤ / كنز العمال ٣ : ٢١ رقم ٥٢٤٩ و ٥٢٥٠ / حلية الأولياء ٨ : ٢٠٢.

١٣٦

من السيئات. وأُخرى مطلقاً.

و يمكن أن يراد بالمطلقة سلامة القلب عن التعلّق بغير الحقّ جلّ وعلا ، كما قاله بعض المفسرين(١) في تفسيرقوله تعالى :( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ [٣١ / ب]إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (٢) .

وأما الأمن المطلق فلعل المراد به طمأنينة النفس بحصول راحة الأنس ، وسكينة الوثوق ، فإنّ السالك ما دام في سيره إلى الحق يكون مضطرباً غيرمستقر الخاطر لخوف العاقبة ، وما يعرض في أثناء السير من العوارض العائقة عن الوصول.

فإذا هبَّ نسيم العناية الأزلية ، وارتفعت الحجب الظلمانية ، واندكت جبال التعيّنات الرسمية ، تنوّر القلب بنور العيان ، وحصلت الراحة والاطمئنان ، وزال الخوف ، وظهرت تباشير الأمن والأمان.

وهذان المقامان ـ أعني : مقامي الأمن والسلامة ـ من مقامات أصحاب النهايات ، لا من أحوال أرباب البدايات ، وقد أشار إليهما مولانا وأمامنا أمير المؤمنينعليه‌السلام  الذي إليه تنتهي سلسلة أهل الحقيقة والعرفان سلام الله عليه وعلى من ينتسب إليه في كلام لهعليه‌السلام  أورده السيد الرضي(٣) رضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة ، وهو قولهعليه‌السلام  في وصف من سلك طريق الوصول

__________________

(١) منهم الزمخشري في كشافه ٣ : ٣٢١ ، والبيضاوي في انواره ٤ : ١٠٦.

(٢) الشعراء ، مكية ، ٢٦ : ٨٨.

(٣) السيد الشريف الرضي ، ذو الحسبين ، أبو الحسن ، محمد بن الحسين الموسوي ، لم ير إنسان العين مثله ، وقد عقمت الدهور عن ألإتيان بمثله ، أمره في الفقه والجلالة أشهر من أن يذكر ، اتفق عليه المخالف والمؤالف ، روى عن جمع منهم الشيخ المفيد ، وهارون التلعكبري ، وغيرهم ، ومن العامة الطبري المالكي ، والفارسي اللغوي ، والسيرافي ، والقاضي عبد الجبار. وعنه أخذ وروى شيخ الطائفة الطوسي ، والدوريستي ، والنيسابوري ، وابن قدامة شيخ ابن شاذان ، وغيرهم.

له : أخبار قضاة بغداد ، تعليق خلاف الفقهاء ، تلخيص البيان ، حقائق التأويل ، ديوان شعره ، المجازات النبوية ، وكفاه فخراً جمعه لنهج البلاغة.

١٣٧

 ( قدأحيى عقله(١) وأمات نفسه ، حتى دق جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق(٢) ، فأبان له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ، ودار الإقامة ، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة ، بما استعمل قلبه وأرضى ربه(٣) انتهى كلامه صلوات الله عليه وسلامه.

ولعلّ السعد الذي لا نحس فيه ، واليمن [٣٢ / ] الذي لا نكد معه ، واليسر الذي لا يمازجه عسر والخير الذي لا يشوبه شر ، من لوازم هذين المقامين وفقنا الله سبحانه مع سائر الأحباب للارتقاء إليهما بمنه وكرمه إنه سميع مجيب.

________________________

مات في الكاظمية سنة ٤٠٦ هـ = ١٠١٥ م.

له ترجمة في أعيان الشيعة ٩ : ٢١٦ / أمل الأمل ٢ : ٢٦١ رقم ٧٦٩ / إنباه الرواة ٣ : ١١٤ رقم ٦٣٢ / البداية والنهاية ١٢ : ٣ / تاريخ بغداد ٢ : ٢٤٦ / ٧١٥ / تاسيس الشيعة : ٣٣٨ / تذكرة الحفاظ ٣ : ٢٨٩ / تنقيح المقال ٣ : ١٠٧ رقم ١٠٥٩٠ / جامع الرواة ٢ : ٩٩ / الخلاصة : ١٦٤ رقم ١٧٦ / الدرجات الرفيعة : ٤٦٦ / رجال النجاشي : ٣٩٨ / ١٠٦٥ / روضات الجنات ٦ : ١٩٠ / ٥٧٨ ومصادره شذرات الذهب ٣ : ١٨٢ / الفوائد الرجالية ٣ : ٨٧.

هذا غيض من فيض من مصادرترجمته ، كفانا مؤنة جمعها فضيلة البحاثة. الدكتور الشيخ محمد هادي الاميني ، في رسالة بعنوان مصادر ترجمة الشريف الرضي ، وتربو على المائتين.

(١) هكذا وردت في الأصل ، وفي نهج البلاغة وشروحه وردت( قلبه ).

(٢) هذه هي البروق اللامعة الدائرة على ألسنة أصحاب الحقيقة من الصوفية والحكماء المتألهين.

ولعل أول من سماها بهذا الإسم هو عليه السلام ، فحذا القوم حذوه ، فإنه عليه السلام رئيسهم وسيدهم ، وقد نقله إبن سينا عنهم في الإشارات عند ذكر السالك ٣ : ٣٨٤ قال : ثم إنه إذا بلغت الإرادة والرياضة حداً ما عنت له خلسات من إطلاع نور الحق لذيذة ، كانها بروق تومض ثم تخمد عنه ، وهي التي تسمى عندهم أوقاتاً ، وكل وقت يكتنفه وجد إليه ، ووجد عليه. إلى آخر ما قاله.

وقال القشيري في الرسالة عند ذكر الاُمور الواردة على العارفين ٤ : ١٤٤ : هي بروق تلمع ثم تخمد ، وانوار تبدوا ثم تخفى ، ما أحلى لو بقيت مع صاحبها إلى آخر ما قاله ، وكان الحلاج يعبر عن تلك البروق بالنور الشعشعاني ، وهذه اللفظة مما انكره عليه الظاهريون من علماء عصره ، وهو أحد الاُمور التي جعلوها من البواعث على قتله ، « منه ». قدس سره ، هامش المخطوط.

(٣) نهج البلاغة ٢ : ٢٢٩ ، خطبة رقم ٢١٥.

١٣٨

توضيح :

خطابهعليه‌السلام  في هذا الدعاء بعضه متوجه إلى الهلال ، ومختص به ، كقولهعليه‌السلام  : « جعلك مفتاح شهر حادث » وقولهعليه‌السلام  : « أنْ يجعلك هلال بركة ، وهلال أمن ، وهلال سعد ».

و بعضه متوجه إلى جرم القمر ، كقولهعليه‌السلام  : « وامتهنك بالزيادة والنقصان » ، فإن الهلال وإن حصل له الزيادة لكن لا يحصل له النقصان.

و أما إطلاق الهلال عليه في ليلتي ست وعشرين ، وسبع وعشرين ـ كما ذكره صاحب القاموس(١) ـ فالظاهر أنّه مجاز كما مرّ(٢) ، وعلى تقدير أن يكون حقيقة فليس هوالمخاطب بذلك قطعاً.

وكقولهعليه‌السلام  « والإنارة والكسوف » فإنّ الكسوف لا يكون بشيء من معنييه للهلال.

و يمكن أن قولهعليه‌السلام  : « المتردد في منازل التقدير » مما يتوجه إلى جرم القمر أيضاً. لا الهلال لأن الجمع المضاف يفيد العموم ، والهلال ـ وان كان يقطعها بأجمعها أيضاً ـ إلّا أنّ الظاهر أن مرادهعليه‌السلام  قطعها في كلّ شهر.

ثم لا استبعاد في أن يكون بعض تلك الفقر مقصوداً بها بعض الجرم أعني الهلال ، وبعضها مقصوداً بها كله.

ويمكن أن يجعل المقصود بكل الفقر كلّ الجرم ، بناء على [٣٣ / ] أنْ يراد من الهلال جرم القمر في الليالي الثلاث الأول ، لا المقدار الذي يرى منه مضيئاً فيها ، كما أنّ البدر هو جرم القمر ليلة الرابع عشر لا المقدار المرئي منه فيها.

وهذا وإن كان لا يخلو من بعد إلّا أنه يصير به الخطاب جارياً على وتيرة

________________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٧١ مادة « هلل » ، وأنظر صحيفة ١ من كتابنا هذا.

(٢) أنظر صحيفة : ٦٥ من كتابنا هذا.

١٣٩

واحدة كما هو الظاهر.

تكملة :

جَعْلهعليه‌السلام  مدخول « ما » التعجبية فعلاً دالاً على التعجب بجوهره ، ينبىء عن شدة تعجبهعليه‌السلام  من حال القمر ، وما دبره الله سبحانه فيه ، وفي أفلاكه بلطائف صنعه وحكمته ، وهكذا كلّ من هو أشد اطلاعاً على دقائق الحكم المودعة في مصنوعات الله سبحانه فهو أشد تعجباً ، وأكثر استعظاماً.

و معلوم أن ما بلغ إليه علمهعليه‌السلام  من عجائب صنعه جلّ وعلا ، ودقائق حكمته في خلق القمر ، ونضد أفلاكه ، وربط ما ربطه به من مصالح العالم السفلّي ، وغير ذلك فوق ما بلغ إليه أصحاب الأرصاد ، ومن يحذو حذوهم من الحكماء الراسخين بأضعاف مضاعفة ، مع أنّ الذي اطلع عليه هؤلاء ـ من أحواله ، وكيفية أفلاكه ، وما عرفوه مما يرتبط به من أمور هذا العالم ـ اُمور كثيرة ، يحار فيها ذو اللبّ السليم ، قائلاً :( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ) (١) .

و تلك الأمور ثلاثة أنواع :

الأول : ما يتعلق بكيفية أفلاكه ، وعدّها ونضدها ، وما يلزم من حركاتها من الخسوف والكسوف ، واختلاف التشكلات [٣٤ / أ] وتشابه حركة حامله حول مركز العالم لا حول مركزه ومحاذاة قطر تدويره نقطة سوى مركز العالم ، إلى غيرذلك مما هو مشروح في كتب الهيئة.

ا لثاني : ما يرتبط بنوره من التغيرات في بعض الأجسام العنصرية ، كزيادة الرطوبات في الأبدان بزيادته ، ونقصانها بنقصانه ، وحصول البُحارين(٢) للأمراض ، وزيادة مياه البحار والينابيع زيادة بينة في كل يوم من النصف ألأول

________________________

(١) آل عمران ، مكية ، ٣ : ١٩١.

(٢) البحارين ، البحران هو : التغير الذي يحدث للعليل فجأة في الأمراض الحمية الحادة ، بصحبه عرق غزير وانخفاض سريع في الحرارة. ولمزيد الاطّلاع انظر : القانون ٣ : ١٠٨ / الدلائل : ٢١٩ المعجم الوسيط ١ : ٤٠ ، لسان العرب ١٧ : ٤٩ ، الملحق العلمي.

١٤٠

من الشهر ، ثم أخذها في النقصان يوماً فيوماً في النصف الأخير منه ، وزيادة أدمغة الحيوانات وألبانها بزيادة النور ، ونقصانها بنقصانه.

و كذلك زيادة البقول والثمار نمواً ونضجاً عند زيادة نوره ، حتى أنّ المزاولين لها يسمعون صوتاً من القثاء والقرع والبطيخ عند تمدده وقت زيادة النور ، وكإبلاء نور القمر الكتان ، وصبغه بعض الثمار ، إلى غيرذلك من الأمور التي تشهد بها التجربة(١) .

قالوا : وإنّما اختص القمر بزيادة ما نيط به من أمثال هذه الأمور بين سائر الكواكب لأنه أقرب [٣٤ / ب] إلى عالم العناصر منها ؛ ولأنه مع قربه أسرع حركة فيمتزج نوره بأنوار جميع الكواكب ، ونوره أقوى من نورها ، فيشاركها شركة غالب عليها فيما نيط بنورها من المصالح بإذن خالقها ومبدعها جلّ شأنه.

ا لثالث : ما يتعلق به من السعادة والنحوسة ، وما يرتبط به من الأمور التي هو علامة على حصولها في هذا العالم ، كما ذكره الديانيون من المنجمين ، ووردت به الشريعة المطهرة على الصادع بها أفضل التسليمات.

كما رواه الشيخ الجليل عماد الإِسلام ، محمد بن يعقوب الكليني قدس الله روحه ، في الكافي عن الصادقعليه‌السلام  ، قال : « من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى »(٢) .

وكما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن الكاظمعليه‌السلام  : « من تزوج في محاق الشهر فليسلّم لسقط الولد »(٣) .

وكما رواه شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي طاب ثراه في تهذيب الأخبار عن الباقرعليه‌السلام  : « أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بات ليلة

________________________

(١) لمعرفة المزيد من ذلك انظر : كتاب الدلاثل : ٨٢ وما بعدها ، وغيره من الكتب المختصّة بهذا العلم.

(٢) الكافي ٨ : ٢٧٥ ، الحديث ٤١٦ / وأنظر علل الشرائع : ٥١٤.

(٣) الكافي ٥ : ٤٩٩ ، الحديث ٢ / وانظر من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٤ ، الحديث ١٢٠٦ / تهذيب الأحكام ٧ : ٤١١ ، الحديث ١٦٤٣ / علل الشرائع : ٥١٤.

١٤١

عند بعض نسائه فانكسف القمرفي تلك الليلة فلم يكن منه فيها شيء.

فقالت له زوجته : يا رسول الله بابي أنت وأمي كل(١) هذا البُغْض؟

فقال : لها : ( ويحك هذا الحادث في السماء فكرهت أن [٣٥ / أ]

وفي آخر الحديث ما يدل على أن المجامع في تلك الليلة إن رزق من جماعه ولداً وقد سمع بهذا الحديث لا يرى ما يحب(٢) .

هداية :

ما يدعيه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلوية إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال ، أو أنّها شريكة في التاثير ، فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده.

و علم النجوم المبتني على هذا كفر والعياذ بالله ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحته.

وإن قالوا : إنّ اتصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته وإرادته ؛ كما أنّ

________________________

(١) لفظة « كل » يمكن أن تقرأ بالنصب على المفعولية المطلقة ، أي : تبغضي كلّ هذا البعض ؛ ويمكن أن تكونة مرفوعة بالإبتداء بحذف الخبر ، أي : كلُّ هذا البغض حاصل منك لي ، منه قدس سره ، هامش المخطوط.

ثم أن هذا المقطع من الحديث ـ قول الزوجة ـ ورد بالفاظ مختلفة انظر مصادر ألحديث الآتية.

والفيض الكاشاني ـ قدس سره ـ في كتابه الوافي ١٢ : ١٠٥ ، أو المجلد ألثالث كتاب النكاح الباب ١٠٦ ، بعد أن أثبت أن بين الفقيه والتهذيب والكافي اختلاف في هذه العبارة قال : قولها : أكل هذا البغض ، تقديره اتبغضني بغضا يبلغ كل هذا ، فحذف واقيم مقام المحذوف ، وقد صحف بتصحيفات باردة ، وفسر تفسيرات كاسدة ، وليس إلّا كما ذكرناه فانه كلمة شائعة لها نظيرات.

(٢) التهذيب ٧ : ٤١١ قطعة من الحديث ١٦٤٢ وفيه « كل هذا للبغض ». وفيه ما لا يخفى حيث إنّ اللام فيه للعهد ، وهو بعيد / وفي الطبعة الحجرية منه ٢ : ٢٢٩ نحوه ، وفي هامشه : أكل هذا للبغض ، وفي ترتيب التهذيب ٣ : ١٢٧ هكذا : أكلّ هذا البغض / وفي الكافي ٥ : ٤٩٨ / حديث ١ / من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٥٥ حديث ١٢٠٧ / المحاسن : ٣١١ حديث ٢٦ من كتاب العلل / وانظر روضة المتقين ٨ : ١٩٧. وفي الجميع كما تقدم قطعة من حديث.

١٤٢

حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحوه وكما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة ؛ فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده.

وما روي من صحة علم النجوم ، وجواز تعلمه محمول على هذا المعنى ، كما رواه الشيخ الجليل عماد الاسلام محمد بن يعقوب الكليني ، في كتاب الروضة من الكافي ، عن عبد الرحمن بن سيابة(١) ، قال ، قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام  : جعلت فداك إنّ الناس يقولون : إن النجوم لا يحل [٣٥ / ب] النظر فيها ، وهي تعجبني ، فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شيء يضر بديني ، وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها ، وأشتهي النظر فيها.

فقالعليه‌السلام  : « ليس كما يقولون ، لا تضرّ بدينك ».

ثم قال : « إنكم تبصرون في شيء منها كثيره لا يدرك ، وقليله لا ينتفع به ، تحسبون على طالع القمر ».

ثم قال : « أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة »؟ فقلت : لا والله.

قال : « أتدري كم بين الزهرة والقمر من دقيقة »؟ قلت : لا والله.

قال : « أفتدري كم بين الشمس وبين السكينة(٢) من دقيقة »؟ قلت : لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط.

فقال : « أفتدري كم بين السكينة واللوح المحفوظ من دقيقة »؟ قلت :

________________________

(١) عبد الرحمن بن سيابة الكوفي البجلي البزار ، من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام . وروى عنه. وعنه روى أبان بن عثمان الأحمر ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمد بن عيسى عن البرقي عنه ، ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم. اعتمده الإمام الصادقعليه‌السلام  في توزيع المال على عيالات من قتل مع زيد بن علي بن الحسينعليهما‌السلام .

تنقيح المقال ٢ : ١٤٤ رقم ٦٣٧٨ / رجال الشيخ الطوسي : ٢٣٠ رقم ١٢٠ / جامع الرواة ١ : ٤٥١ / مجمع الرجال ٤ : ٧٩ / اختيار معرفة الرجال ، الأرقام : ٦٢٢ ، ٧٣٤ ، ١٤٧ ، وغيرها / معجم رجال الحديث ٩ : ٣٣٢ / ٦٣٨٥.

(٢) في المصدر عوضها « السنبلة » ، والمثبت أفضل للمجهولية.

١٤٣

لا ، ماسمعته من منجم قط.

قال : « ما بين كلّ منهما إلى صاحبه ستون دقيقة ».

ثم قال : « يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع عليه علم القصبة التي في وسط الأجمة ، وعدد ما عن يمينها ، وعدد ما عن يسارها ، وعددما خلفها ، وعدد ما أمامها ، حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة(١) ».

إكمال :

ا لأمور التي يحكم بها المنجمون ، من الحوادث الاستقبالية ، اُصول بعضها مأخوذ من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ، وبعض الاصول يدعون فيها التجربة ؛ وبعضها مبتنٍ على اُمور متشعبة لا تفي القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها ، كما يؤمي إليه قول الصادقعليه‌السلام  : « كثيره لا يدرك ، وقليله لاينتج »(٢) ، فلذلك وجد الاختلاف في كلامهم ، وتطرق الخطأ إلى بعض أحكامهم.

ومن اتفق له الجري على الأصول الصحيحة صح كلامه ، وصدّقت أحكامه لا محالة ، كما نطق به كلام الصادقعليه‌السلام  في الرواية المذكورة قبيل هذا الفصل(٣) ، ولكن هذا أمر عزيز المنال ، لا يظفر به إلّا القليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ولابن سينا كلام في هذا الباب ، قال في فصل المبدأ والمعاد ، من إلهيات الشفاء : لو أمكن انساناً من الناس أن يعرف الحوادث التي في الأرض والسماء جميعا ، وطبائعها لفهم كيفية [جميع] ما يحدث في المستقبل.

وهذا المنجّم القائل بالأحكام ـ مع أن أوضاعه الأولى ، ومقدماته ، ليست مستندة(٤)

__________________

(١) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ رقم ٢٣٣.

(٢) الكافي( الروضة ) ٨ : ١٩٥ حديث ٢٣٣ وفيه : « وقليله لا ينتفع ».

(٣) انظر صفحة ٥٩ هامش ٣.

(٤) في المصدر : تستند.

١٤٤

إلى برهان ، بل عسى أن يدّعي فيها التجربة أو الوحي ، وربما حاول قياسات شعرية أوخطابية في إثباتها ـ فإنه إنما يعول على دلائل جنس واحد من أسباب الكائنات ، وهي التي في السماء ، على أنّه لا يضمن من عنده الإحاطة بجميع الأحوال التي في السماء ، ولو ضمن لنا ذلك ووفّى به لم يمكنه أن يجعلنا [ونفسه] بحيث تقف على وجود جميعها في كل وقت. وإن كان جميعها ـ من حيث فعله وطبعه ـ معلوماً عنده.

ثم قال في آخر كلامه : فليس لنا اذن إعتماد على أقوالهم ، وأن سلّمنا [متبرعين] أن جميع ما يعطونا من مقدماتهم الحكمية صادقة(١) .

خاتمة :

قد ألف السيد الجليل الطاهر ، ذو المناقب والمفاخر ، رضي الدين علي بن طاووس قدس الله روحه ، كتاباً ضخماً ، سماه « فرج الهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم »(٢) ، يتضمن الدلالة على كون النجوم علامات ودلالات على ما يحدث في هذا العالم ، وأنّ الأحاديث عن الأنبياء من لدن إدريس على نبينا وعليه السلام إلى عهد أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ناطقة بذلك(٣) [٣٦ / ].

و ذكر أن إدريس أول من نظر في علم النجوم(٤) ، وأن نبوة موسىعليه‌السلام  عُلمت بالنجوم(٥) .

ونقل أن نبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً مما علمه بعض المنجمين ،

________________________

(١) الشفاء ، قسم الاهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الأول : ٤٤٠. وما بين المعقوفات من المصدر.

(٢) ضبط المؤلفقدس‌سره الاسم هكذا : ( فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم ) ، أنظر صحيفة : ٩ منه.

(٣) أنظر : الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حُجة : ٨٥.

(٤) أنظر ، صحيفة : ٢١ ، ٢٢ ، منه.

(٥) راجع ، صحيفة : ٢٧ ، منه.

١٤٥

وصدّق به بالدلائل النجومية(١) .

وأنّ بعض أحوال مولانا وإمامنا صاحب الأمرعليه‌السلام  مما أخبر به بعض المنجمين من اليهود بقم ، وذكر أنّ بعض أكابر قم واسمه أحمد بن إسحاق(٢) أحضر ذلك المنجم اليهودي وأراه زايجة طالع ولادة صاحب الأمرعليه‌السلام  ، فلمّا أمعن النظر فيها قال : لا يكون مثل هذا المولود إلّا نبياً ، أو وصيّ نبيّ ، وأنّ النظر يدل على أنه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبراً وبحراً حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلأ دان بدينه وقال بولايته(٣) .

وروى عطر الله مرقده في الكتاب المذكورعن يونس بن عبد الرحمن(٤) ، قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام  : أخبرني عن علم النجوم ما

________________________

(١) راجع ، صحيفة : ٢٩ ـ ٣٥ ، منه.

(٢) لعله أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي ، ثقة عين جليل القدر ، شيخ القميين ووافدهم على الأئمةعليه‌السلام  عدّ من أصحاب الإمام الجواد والهادي والعسكريعليه‌السلام  ومن الاثبات الثقات السفراء الذين ترد عليهم التوقيعات عن الناحية المقدسة. ولم اجد ما ذكره السيد ابن طاووس عنه في شيء من كتب التراجم المشار اليها. له كتب منها علل الصلاة وعلل الصوم ومسائل الرجال وغيرها.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٥٠ ت ٢٩٤ / رجال النجاشي : ٩١ ت ٢٢٥ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٩٨ ت ١٣ ، ٤٢٧ ت ١ / الفهرست للشيخ : ٢٦ ت ٧٨ / الخلاصة ١٥ ت ٨ من القسم الأول / مجمع الرجال ١ : ٩٥ ـ ٩٧ / رجال ابن داود : ٣٦ ت ٥٩.

(٣) فرج المهموم : ٣٦ ـ ٣٧.

(٤) يونس بن عبد الرحمن ، أبو محمد ، مولى علي بن يقطين ، من أصحاب الإمام الكاظم والإمام الرضاعليهما‌السلام ، وثقه كل من ترجم له ، وصفه النديم بقوله : « علآمة زمانه ، كثير التصنيف والتاليف » ولم لا؟‍‍‍‍‍‍‍‍! وهو أحد وجوه الطائفة ، عظيم المنزلة. وكان الإمام الرضاعليه‌السلام  يشير اليه في الفقه والفتيا ، منها قوله : ـ عندما سأله عبد العزيز القمي وكيلهعليه‌السلام  عمن ياخذ معالم دينه ـ خذ عن يونس بن عبد الرحمن. مات سنة ٢٠٨ هـ = ٨٢٣ م.

ترجم له في : تنقيح المقال ٣ : ٣٣٨ ت ١٣٣٥٧ / جامع الرواة ٦ : ٢٩٣ الرجال للنجاشي : ٤٤٦ ت ١٢٠٨ / رجال بن داود : ٣٨٠ ت ١٧٠٨ الفهرست للطوسي : ١٨١ ت ٧٨٩ / مجمعالرجال ٦ : ٢٩٣ / الفهرست للنديم : ٢٧٦ / اختيار معرفة الرجال الأرقام : ٣٥٧ ، ٤٠١ ، ٤٧٧ ، ٤٧٩ ، ٥٠٣ ، والفهرست من ٣١٨ ـ ٣٢٢ / الخلاصة : ١٨٤ ت ١ / معجم رجال الحديث ٢٠ : ١٩٨ ت ١٣٨٣٤ / رجال الشيخ الطوسي : ٣٦٤ ت ١١ و ٣٩٤ ت ٢.

١٤٦

هو؟

قال : « علم من علم الأنبياء ».

قال « قلت : كان علي بن أبي طالب [عليه‌السلام ] يعلمه؟.

فقال : « كان أعلم الناس به »(١) .

و أورد قدس الله روحه أحاديث متكثرة من هذا القبيل طوينا الكشح عن ذكرها خوفاً من التطويل(٢) .

و ذكر طاب ثراه ما أورده السيد الجليل ، جمال العترة ، الرضيرضي‌الله‌عنه ، في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، للمنجم الذي نهاه عن المسير إلى النهروان(٣) (٤) ؛ ثم إنهرحمه‌الله  أطنب في تضعيف تلك الرواية وتزييفها ، بالطعن في سندها [٣٧ / ] تارة ، وفي متنها اُخرى.

أمّا السند ، فقال : إن في طريقها عمر بن سعد بن أبي وقاص(٥) ،

________________________

(١) فرج المهموم : ٢.

(٢) فرج المهموم : ٨٥.

(٣) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة رقم ٧٦ اولها : « أتزعم أنك تهدي ألى الساعة ».

(٤) النهروان : ـ بفتح النون وكسرها أغلب ـ ثلاثة مدن عليا ووسطى وسفلى ، بلدة واسعة تقع بين بغداد وواسط ، كانت بها وقعت لأمير المؤمينعليه‌السلام  مع الخوارج مشهورة سنة ٣٧ ـ ٣٨ اثبت فيهاعليه‌السلام  عدة اُمور غيبية ، منها موضوع ذو الثدية ، ومنها عدد ألقتلى منالفريقين ، ومنها موضع الخوراج عندما أخبره المخبر عن ارتحالهم ، وغير ذلك مما كان سبباً لوضوح الحق لجمع من الشاكين.

أنظر : معجم البلدان ٥ : ٣٢٥ / مراصد الإطلاع ٣ : ١٤٠٧ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٩ و ١٧٥ / البداية والنهاية ٥ : ٣١٢.

(٥) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، أبو حفص ، قاتل الإمام الحسينعليه‌السلام  في وقعة كربلاء الشهيرة. قتله وأولاده المختار بن عبيدة الثقفيرحمه‌الله  ، في وقعة الجارز قرب الموصل سنة ٦٦ ، ٦٧ وقيل ٦٥= ٦٨٤ ـ ٦٨٦.

إنظر : سيرأعلام النبلاء ٤ : ٣٤٩ ت ١٢٣ / الجرح والتعديل ٦ : ١١١ ت ٥٩٢ / مراة الجنان١ : ١٤١ / ميزان الإعتدال ٣ : ١٩٨ ت ٦١١٦ وغيرها كثير.

١٤٧

مقاتل(١) الحسينعليه‌السلام  (٢) .

________________________

(١) كذا في الأصل المخطوط وبعض النسخ ألناقلة عن المصدر ، ولعله من باب انه لم يباشر القتل بيده وانما كان الآمر ، إذ الصحيح كما في المصدر « قاتل ».

(٢) الظاهر أن السيد ابن طاووس قدس الله سره يناقش سند الرواية ألتي روأها الشيخ ألصدوق فان سندهقدس‌سره في اماليه هكذا « حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي القرشي ، عن نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبدالله بن عوف بن أم الأحمر ، قال : « ».

١٤٨

فانه توهم أن عمر بن سعد هذا هو بن أبي وقاص وهذا منه عجيب لاُمور هي :

أولاً : أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قتل سنة ٦٥ أو ٦٦ أو ٦٧ كما تقدم.

ثانياً : أن نصر بن مزاحم المنقري ألراوي عنه هو صاحب وقعة صفين.

ثالثاً : أن نصر هذا توفي سنة ٢١٢ هـ ويعد من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام.

رابعاً : أن عمر بن سعد لم يكن معروفاً بروأيته للأخبار حتى أنه لم يرو عنه العامة في صحاحهم شيئاً إلا النسائي.

خامساً : عند مراجعة كتاب وقعة صفين نراه يشخصه هكذا « عمر بن سعد بن أبي ألصيد الأسدي » ويحيل عليه في باقي الموارد بقوله عن « عمر بن سعد » أو « عمرو » ولا بد أن يكون هو هذا لا ذاك.

سادساً : قال في تنقيح المقال في مقام الرد على النجاشي ما لفظه : « ولذا أعترض بعضهم على النجاشي في اطلاقه روايته عن الضعفاء بانه قد روى عن عمرو بن سعيد وزرارة الثقتين ».

اذن مما يمكن الجزم بان السيد ابن طاووس قد وهم في ذلك.

ثم إن كان في هذا السند خدشة فما بال الطرق الباقية والأسانيد الاُخرى فانه لدى التتبع وجدنا لها عدة طرق هي :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق ، وهي التي وقعت مورد الكلام والبحث من قبل السيد ابن طاووس.

ب ـ رواية الإحتجاج ، رواها الشيخ الطوسي وفيها أن المنجم من أصحابه ، وهي نحو رواية الأمالى.

جـ ـ رواية الاحتجاج ، وهي مفصلة غير الاولى رواها بسنده إلى سعيد بن جبير.

د ـ رواية نهج البلاعة ، رواها ألسيد ألرضي قدس سره بسنده وفيها أن المنجم من أصحابه وهي نحو رواية الشيخ الصدوق وألاحتجاج الاولى.

هـ ـ رواية فرج المهموم ، روى السيد ابن طاووس هذه بسنده الى محمد بن جرير الطبري الى قيس بن سعد وهي رواية مفصلة وفيها اسئلة واجوبة

و ـ رواية فرج المهموم ، وهي الثانية رواها السيد بسنده الى الأصبغ بن نباته وهي قريبة من حيث اللفظ بالأولى.

١٤٩

و أما المتن ، فقال طاب ثراه : إني رأيت فيما وقفت عليه أنّ المنجم الذي قال لأمير المؤمنينعليه‌السلام  هذه المقالة هو عفيف بن قيس(١) ، أخو الأشعث ابن قيس(٢) ، ولو كانت هذه الرواية صحيحة على ظاهرها لكان مولانا علي عليه

ز ـ رواية إبن الأثير ، حكى الواقعة إبن ألأثير في كامله من دون الإشارة الى تفصيلها.

هذا ونحن في مقام تعريف هذا الراوي وقفنا حيارى إذ هو تارة يرد « عمر بن سعد » ، واُخرى « عمرو بن سعد » ، وثالثة هما ولكن أبني « سعيد » ، ورابعة هو « عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي » ، ومعه لم نتمكن من ترجمته ترجمة وافية.

١٥٠

نعم اشار الأستاذ عبد السلام هارون ألى ان له ترجمة في الميزان وذلك في هامش كتاب وقعة صفين : ٣. ولم نعرف الدليل الذي استند اليه في تطبيق المترجم في ميزان الإعتدال على المذكورفي وقعة صفين ، اللهم إلا لقول الذهبي « شيعي بغيض ».

ولدى مراجعة هذه الروايات وما كتب حول الواقعة نرى أيضاً أن ألمنجم تارة لم يصرح به ، وثانية : أنه من أصحابه ، وثالثة : أنه عفيف بن قيس أخ الأشعث بن قيس ، ورابعة : أنه دهقان من دهاقنة المدائن الفرس ، وخامسة : أن الدهقان هو سر سفيل ، وسادسه : أنّه سر سقيل بن سوار ، وسابعة : أنه مسافر بن عفيف ألأزدي. وثامنة : أنه عفيف ولكن في وقعة النخيلة مع أصحاب المستورد من بني سعد بعد وقعة النهروان.

ولزيادة الإطلاع انظر : الاحتجاج : ٢٣٩ ، ٢٤٠ / أمالي ألشيخ الصدوق : ٣٣٨ ت ١٦ من المجلس ٦٤ / الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٣ والكامل في الادب ٢ : ١٩٣ / فرج ألمهموم : ٥٦ ، وغيرها / وبحار الأنوار٥٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٨ / منهاج البراعة ٥ : ٢٧٠ ، مصادر نهج البلاغة واسانيده ٢ : ٨١ ـ ٨٥.

________________________

(١) أجمع ، المؤرخون أنه ابن عم ألأشعث ، واخيه لأُمه ، روى عن النبي ، وعنه أبناه اياس ويحيى وقد اختلف أرباب التراجم في أنّه بن معدى كرب والذي وفد على ألنبي ، أو هو غيره ، ينقل عنه تمنيه أن لو كان أسلم يوم وفد فكان ثاني أمير المؤمنينعليه‌السلام  وذلك في قصة مسطورة.له ترجمة في : تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٠ رقم ٤٢٧ / الإصابة ٢ : ٤٨٧ / الجرح والتعديل ٧ : ٢٩ / الإستيعاب ٣ : ١٦٣ / اسد الغابة ٣ : ٤١٤.

(٢) الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية الكندي ، أبو محمد ، قيل أسمه معدي كرب ، غلب عليه الأشعث لشعث رأسه ، له صحبة ، كان من قواد أمير المؤمنينعليه‌السلام  يوم صفين ، تزوج أم فروة أخت أبي بكر ، روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعنه روى أبو وائل ، والشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وعبد الرحمن بن مسعود ، والسبيعي ، غلب عليه سوء العاقبة حتى اعان على قتل أمير المؤمنين. ونهيهعليه‌السلام  من الصلاة في مسجده وقد عده الإمام الباقر من المساجد الملعونة مات سنة ٤٠ هـ = ٦٦٠ م.

له ترجمة في : سير اعلام النبلاء ٢ : ٣٧ رقم ٨ / تهذيب التهذيب ١ : ٣١٣ رقم ٦٥٣ / اإستيعاب ١ : ١٠٩ / أسد ألغابة ١ : ٩٧ / الإصابة ١ : ٥١ رقم ٢٥٥ / خلاصة تذهيب

١٥١

السلام قد حكم في صاحبه هذا ـ الذي قد شهد مصنف نهج البلاغة أنّه من أصحابه أيضاً ـ بأحكام الكفار إما بكونه مرتداً عن الفطرة فيقتله في الحال ، أوبردّة عن غير الفطرة فيتوّبه ، أو يمتنع من التوبة فيقتله ، لأنّ الرواية قد تضمنت أنّ « المنجم كالكافر »(١) ، أو كان يجري عليه أحكام الكهنة أو السحرة ، لأنّ الرواية تضمنت أن « المنجم كالكاهن أو الساحر ».

وما عرفنا إلى وقتنا هذا أنّهعليه‌السلام  حكم على هذا المنجم الذي هوصاحبه بأحكام الكفار ولا السحرة ، ولا الكهنة ، ولا أبعده ، ولا عزره ، بلقال : « سيروا على اسم الله » ، والمنجم من جملتهم لأنه صاحبه ، وهذا يدل على تباعد الرواية من صحة النقل ، أو يكون لها تأويل غيرظاهرها موافق للعقل.

ومما ينبه على بطلان ظاهر هذه الرواية قول الراوي فيها : إنّ من صدّقك فقد كذّب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله.

ونعلم أنّ الطلائع للحروب يدلّون على السلامة من هجوم الجيوش ، وكثيرمن النحوس ، ويبشرون بالسلامة ، وما لزم من ذلك أن نوليهم الحمد دون ربهم ، ومثال ذلك [٣٨ / أ] كثير فتكون لدلالات النجوم اُسوة بما ذكرناه من الدلالات على كل معلوم(٢) . هذا كلامه أعلى الله مقامه. فتأمل مبانيه بعين البصيرة ، وتناول معانيه بيد غير قصيرة ، والله الهادي.

* * *

________________________

الكمال : ٣٩ / تنقيح المقال ١ : ١٤٩ رقم ٩٧٤.

(١) نهج البلاغة ١ : ١٢٤ خطبة ٧٦. وكذا ما بعدها.

(٢) فرج المهموم : ٥٦ ـ ٥٩.

١٥٢

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  :

« اللهم ، اجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر إليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه للتوبة ، واعصمنا فيه من الحَوْبة ، واحفظنا من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة ، إنك المنان الحميد ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ».

أ صل « اللّهمّ » عند الخليل(١) وسيبويه(٢) يا الله ، فحذف حرف المندا ،

________________________

(١) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي ، الأزدي ، اليحمدي ، ألأديب ألنحوي ، العروضي ، نسبة ألى علم العروض الذي اخترعه ، سأل يوماً عن ما يقوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام  ، فقال : ما أقول في حق أمرىء كتمت مناقبه أوليائه خوفاً ، واعدائه حسداً ، ثم ظهرمن بين الكمتين ما ملأ الخافقين. وسأل أيضاً ما ألدليل على أن علياً إمام الكل في الكل؟ فقال : أحتياج ألكل إليه ، واستغنائه عن كل ، كان من كبار أصحابنا المجتهدين ، وفضله وعلمه أشهرمن أن يذكر ، شيخ الناس في علوم الأدب ، والبلاغة ، زهده وقناعته مشهوران ، له العين في اللغة وكفى ، ومعاني الحروف ، وتفسير حروف اللغة ، وكتاب العروض ، وغيرها.

مات سنة ١٧٠ هـ =٧٨٦ م.

له ترجمة في : تنقيح المقال ١ : ٤٠٢ / م ٣٧٦٩ / الخلاصة : ٦٧ ت ١٠ رجال ابن داود : ١٤١ت ٥٦٤ / اعيان الشيعة ٦ : ٣٣٧ / تأسيس الشيعة : ١٥٠ ، ١٧٨ / سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٢٩ت ١٦١ / الفهرست للنديم : ٤٨ / طبقات القراء ١ : ٢٧٥ ت ١٢٤٢ / خلاصة تذهيب الكمال : ١٠٦ / البداية والنهاية ١٠ : ١٦١ / الجرح والتعديل ٣ : ٣٨٠ ت ١٧٣٤ الأنساب : ٤٢١ ، ب / شذرات ألذهب ١ : ٢٧٥ / روضات الجنات ٣ : ٢٨٩ ت ٢٩٤.

(٢) سيبويه ، عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر ، أصله من فارس ، نشأ في البصرة ، أخذ العربية عن جمع من فطاحلها الى أن عدّ من أبناء بجدتها ، بل أصبح علامة الدنيا فيها ، أمثال الخليل ،

١٥٣

وعوض عنه الميم المشددة(١) .

وقال ، الفرّاء(٢) وأتباعه : أصلها يا الله أُمّنا بالخير ، فخففت بالحذف لكثرة الدوران على الألسن ،(٣) .

واُورد عليه : أنّه لو كان كذلك لقيل في نحو اللّهمّ اغفر لنا ، اللهم واغفرلنا بالعطف ، كما يقال : اُمنا بالخير واغفر لنا ، ورفضهم ذلك رأساً بحيث لم

________________________

ويونس ، والأخفش ، وعيسى ، وغيرهم له : الكتاب وكفى به ، حتى أنه أصبح يهدى ( اهداه الجاحظ الى محمد بن عبد الملك ) ، وقال في حقه ـ الجاحظ ـ : إن جميع كتب الناس عيال عليه مات سنة ١٨٠ هـ = ٧٩٦ م وقيل غيرذلك.

له ترجمة في : تاريخ بغداد ١٢ : ١٩٥ ت ٦٦٥٨ / بغية الوعاة ٢ : ٢٢٩ ت ١٨٦٣ / وفيات الأعيان ٣ : ٤٦٣ ت ٥٠٤ / البداية والنهاية ١٠ : ١٧٦ شذرات الذهب ١ : ٢٥٢ / الفهرست للنديم : ٥٧ / معجم الأدباء ١٦ : ١١٤ ت ١٣ سير أعلام النبلاء ٨ : ٣٥١ ت ٩٧ / روضات الجنات ٥ : ٣١٩ / ٥٣١ / الكامل ٥ : ١٤٢ / انباه الرواة ٢ : ٤٣٦ رقم ٥١٥ / مرآة الجنان ١ : ٤٤٥.

(١) لرأي سيبويه أنظر : الكتاب ١ : ٣٦١ ، باب ما ينصب على المدح والتعظيم وفيه حكى قول الخليل / ولسان العرب ١٣ : ٤٧٠ / تاج العروس ٩ : ٣٧٤ / مادة « اله » فيهما.

(٢) الفراء يحيى بن زياد الأقطع الديلمي النحوي ، أبو زكريا. إمام أهل اللغة من الكوفيين وأعلمهم بالنحو والأدب. له في الفقه والكلام وكذا النجوم والطب يد تذكر ، قال ثعلب : لولا الفرّاء لماكانت عربية ولسقطت.

له مؤلفات كثيرة أملاها كلها حفظاً ، منها : معاني القرآن ، المذكر والمؤنث ، اللغات ، ألفاخر ، مشكل اللغة.

والأقطع عرف به أبوه زياد ؛ لقطع يده في معركة فخ حيث شهدها مع الحسين بن علي بن الحسن المثلّث ، وكان من الشيعة الإمامية ، وكان الفرّاء يظهر الاعتزال مستتراً به.

أخذ عن أبي بكر بن عياش ، والكسائي ، ومحمد بن حفص. وروى القراءة عن عاصم وإبنالجهم ، مات سنة ٢٠٧ هـ = ٨٢٣ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ٢٣٠ / وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ت ٨٩٨ / روضات الجنّات ٨ : ٢٠٩ ت ٧٥١ / البداية والنهاية ١٠ : ٢٦١ / رياض ألعلماء ٥ : ٣٤٧ / معجم الأدباء ٢٠ : ٩ ت ٢ / تذكرة الحفّاظ ١ : ٣٧٢ ت ٣٦٨ / غاية النهاية ٢ : ٣٧١ ت ٣٨٤٢ / تهذيب التهذيب١١ : ١٨٦ت ٣٥٤ / تاريخ بغداد ١٤ : ١٤٩ ت ٧٤٦٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٩ / تأسيس الشيعة : ٦٩ ، ٣٢١ / سير أعلام النبلاء ١٠ : ١١٨ت ١٢.

(٣) اُنظر معاني القرآن ١ : ٢٠٣.

١٥٤

يسمع منهم أصلاً يدل على أنّ الأصل خلافه.

وقد يذبّ عنها بأنها لما خففت صارت كالكلمة الواحدة ، فلم يعامل ما يدل على الطلب ـ أعني لفظة « اُمّ » ـ معاملة الجملة ، بل جعلت بمنزلة دال زيد مثلاً ، فلم يعطف عليها شيء كما لا يعطف على جزء الكلمة الواحدة [٣٨ / ب].

« والطلوع » : يمكن أن يراد به الخروج من تحت الشعاع ، وأن يراد به ظهوره للحس كما هو الظاهر ، وكذلك يمكن أن يراد به الطلوع الخاص في هذه الليلة ، وأن يراد به الطلوع في الزمان الماضي مطلقاً.

و كذلك قولهعليه‌السلام  : « وأزكى من نظر إليه » وتزكية النفس تطهيرها عن الرذائل والأدناس ، وجعلها متصفة بما يُعدها لسعادة الدارين ، وفلاحالنشأتين.

« والعبادة » أقس الذل والخضوع ، ولذلك لا تليق إلا لله.

« والتوبة » لغة : الرجوع(١) ، وتضاف إلى العبد ، وإلى الرب تعالى ، ومعناها على الأول : الرجوع عن المعصية إلى الطاعة ، وعلى الثاني : الرجوع عن العقوبة إلى العفو والرحمة.

وفي الاصطلاح : الندم على الذنب ، لكونه ذنباً.

وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بها من المباحث ، في الحديقة الحادية والثلاثين(٢) في شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب التوبة.

وقد أوردنا فيها أيضاً كلاماً مبسوطاً في شرح الأربعين حديثاً(٣) الذي ألفناه

________________________

(١) الصحاح ١ : ٩١ / القاموس : ٧٩ ، مادة « توب » فيهما.

(٢) أنظر صحيفة ١٣١ هامش ١.

(٣) الأربعين : ٢٣٢ ، عند شرحه للحديث الثامن والثلاثون الذي رواه بسنده عن الإمام الصادقعليه‌السلام     عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

مَن تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته.

ثم قال : إن السنة لكثير ،

١٥٥

بعون الله تعالى.

تتمة :

لعل المراد من العصمة في قولهعليه‌السلام  : « واعصمنا فيه من الحوبة » ، معناها اللّغوي ، أي الحفظ عن السوء ، فإن ارادة معناها الاصطلاحي المذكور في الكلام ـ أعني لطف يفعله الله بالمكلّف ، بحيث لا يكون له معه داع إلى فعل المعصية مع قدرته عليها ـ لا يساعد عليه قولهعليه‌السلام  « من الحوبة » ، لأنّ العصمة بهذا المعنى لم يعهد [٣٩ / ] تعديتها بلفظة من.

« والحوبة » ـ بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة ـ : الخطيئة.

و « الإيزاع » : الإلهام ، والمشهور في تعريفه أنه إلقاء الخبر في القلب مندون استفاضة فكرية ، وينتقض طرده بالقضايا البديهية ، وعكسه بالانشائيات بعامة التصورات ، ولو قيل : إنّه إلقاء المعنى النظري في القلب من دون استفاضة فكرية لكان أحسن ، مع أن فيه ما فيه.

و المراد بايقاع « الشكر » في القلب ليس الشكر الجناني فقط بل ما يعم الأنواع الثلاثة ، والغرض صرف القلب إلى أداء الشكر اللساني والجناني والأركاني بأجمعها.

و قد تقدم الكلام في الشكر مبسوطاً في الحديقة التحميدية ـ وهي شرح الدعاء الأول من هذا الكتاب الشريف ، الذي أرجو من الله سبحانه التوفيق لإكماله ـ وذكرنا هناك نبذة من مباحث الحمد والشكر ، وما قيل من الطرفين في

________________________

من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته.

ثم قال : إن الشهر لكثير ،

من تاب قبل موته بجمعة قل الله توبته.

ثم قال : إن الجمعة لكثير ،

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته.

ثم قال : إن يوما لكثير ،

من تاب قبأ ، أن يعاين قبل الله توبته.

١٥٦

وجوب شكر المنعم عقلاً وسمعاً ، وما سنح لنا من الكلام في دفع شبه القائلين بانحصار وجوبه في السمع ، وبيان فساد معارضتهم خوف العقاب على ترك الشكر بخوف العقاب على فعله(١) .

و « الجنن » بضم الجيم وفتح النون : جمع جُنّة ـ بالضم ـ وهي الستر.

و « العافية » دفع الله سبحانه عن العبد ما هو شرّ له ، ويستعمل في الصحة البدنية والنفسية معاً ، وقد تقدم الكلام فيها في الحديقة الثالثة والعشرين وهي شرح دعائهعليه‌السلام  في طلب العافية(٢) .

تبصرة :

الضمائر الراجعة إليه سبحانه من أول هذا الدعاء إلى هنا بأجمعها ضمائرغيبة ، ثم إنّهعليه‌السلام  عدل عن ذلك الأسلوب وجعلها من هنا إلى آخر الدعاء ضمائر خطاب ، ففي كلامهعليه‌السلام  التفات من الغيبة إلى الخطاب.

ولا يخفي أن بعض اللطائف والنكت التي أوردها المفسرون فيما يختص بالالتفات في سورة الفاتحة يمكن جريانه هنا(٣) .

وأنا قد تفردت ـ بعون الله وحسن توفيقه ـ باستنباط نكت لطيفة في ذلك الالتفات ، مما لم يسبقني إليها سابق ، وقد أوردت جملة منها فيما علّقته من الحواشي على تفسير البيضاوي(٤) ، وشرذمة منها في تفسيري الموسوم بالعروة الوثقى(٥) ، وبعض تلك النكت يمكن اجراؤها فيما نحن فيه ، فعليك بمراجعتها ، وملاحظة ما يناسب المقام منها.

________________________

(١) و (٢) انظر صحيفة : ١٥٠ هامش : ٢.

(٣) على نحو المثال أنظر : انوار التنزيل ١ : ٣١ / الكشاف ١ : ١٣ / الفخر الرازي ١ : ٢٥٣. وما يتعلق من التفاسير في الآية ٥ من سورة الفاتحة.

(٤) المطبوع على الحجر في هامش التفسير أنظر صحيفة : ٢ منه.

(٥) المعروة الوثقى : ٣٣ ، ضمن الحبل المتين ، وعدّ فيه نحواً من ١٤ نكتة.

١٥٧

والضمائر المجرورة في قولهعليه‌السلام  : « وأسعد من تعبد لك فيه » إلى آخر الدعاء راجعة إلى الهلال بمعنى الشهر ، وليس كذلك المرفوع في طلع عليه ، والمجرور في نظر إليه ، ففي الكلام استخدام من قبيل قول البحتري(١) [٤٠ / ] :

فسقى الغضا والساكنيه وإن هم

شبّوه بين جوانحي وضلوعي(٢)

ولعلّه لا يقدح في تحقق الاستخدام كون إطلاق الهلال على الشهر مجازاً لتصريح بعض المحققين من أهل الفن بعدم الفرق بين كون المعنيين في الاستخدام حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين ، وأن قصره بعضهم على الحقيقيين ، على أن كون الاطلاق المذكور مجازاً محل كلام.

وتعبيرهعليه‌السلام  عن اقتراف المعصية بالمباشرة استعارة مصرّحة ، فإن حقيقة المباشرة إلصاق البشرة بالبشرة.

والاضافة في « جنن العافية » من قبيل لجين الماء ، ويجوز جعله استعارة بالكناية مع الترشيح.

________________________

(١) أبو عبادة البحتري ، الوليد بن عتبة وقيل عبيد الطائي ، شاعر كبير ، أحد أشعر أبناء زمانه وهم : المتنبي ، وأبو تمام ، والبحتري ، ولد في منبج بالقرب من حلب رحل الى العراق زمن المتوكل العباسي له ديوان شعر مطبوع يوصف شعره لسلاسته وقوته بسلاسل الذهب والحماسة ـ. مات سنة ٢٤٨ هـ = ٨٩٨ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١١٧ / وفيات الاعيان ٦ : ٢١ رقم ٧٧٠ / تاريخ بغداد ١٣ : ٤٧٦ رقم ٧٣٢١ / دائرة المعارف الإسلامية ٣ : ٣٦٥ / الاعلام ٨ : ١٢١ / معجم الادباء ١٩ : ٢٤٨ / ٩٣ / مرآة الجنان ٢ : ٢٠٢ / الاغاني ٢١ : ٣٧ / شذرات الذهب ٢ : ١٨٦. وغيرهاكثير.

(٢) الديوان ١ : ١٧٠ من قصيدة يمدح فيها ابن نيبخت وفيه :

فسقى الغضا والنازليه وان هم

شبوه بين جوانح وقلوب

وانظر معاهد التنصيص ٢ : ٢٦٩ ت ١٢٣ وجامع الشواهد ٢ : ١٦٩

استشهد به كل من صاحب المطول والمختصر في بحث الاستخدام من علم البديع باعتبار كلمة ( الغضا وان لها معنيان )

١٥٨

خاتمة :

اسم التفضيل في قولهعليه‌السلام  : « اللّهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه » ، كما يجوز أنْ يكون للفاعل على ما هو القياس ، يجوز أن يكون للمفعول أيضاً ، كما في نحو : أعذر ، وأشهر ، وأشغل ، أي اجعلنا من أعظم المرضيين عندك.

فإن قلت : مجيء اسم التفضيل بمعنى المفعول غير قياسيّ ، بل هومقصورعلى السماع.

قلت : لمّا وقع في كلامهعليه‌السلام  كفى ذلك في تجويز هذا الاحتمال ، ولا يحتاج فيه إلى السماع من غيره قطعاً ، فإنهعليه‌السلام  أفصح العرب في زمانه.

هذا ، وفي كلام بعض أصحاب القلوب ، أنّ علامة رضى الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه تعالى ، وهذا يشعر بنوع من اللزوم بين الأمرين.

ولو اُريد باسم التفضيل هنا ما يشملهما ، من قبيل استعمال المشترك في معنييه معاً لم يكن فيه كثير بعد ، ومثله في كلام البلغاء غير قليل [٤١ / أ].

وتعدية الرضاء بالقضاء ، على بقية المطالب التسعة ـ التي ختم بهاعليه‌السلام  هذا الدعاء ـ للاعتناء به ، والاهتمام بشأنه ، فإنّ الرضا بالقضاء من أجلّ المقامات ، وَمَنْ حازه فقد حاز أكمل السعادات ، وصحت منه دعوى المحبة ، التي بها يرتقي إلى أرفع الدرجات ، ولم يتشعب خاطره بورود الحادثات ، واعتوار المصيبات ، ولم يزل مطمئنّ البال ، منشرح الصدر ، متفرغ القلب للاشتغال بمايعنيه من الطاعات والعبادات ، ومن لم يرض القضاء دخل في وعيد « من لم يرض بقضائي »(١) الحديث.

________________________

(١) الظاهر انه اشارة للحديث الشريف الذي رواه الشيخ الصدوققدس‌سره بسنده الى الإمام علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن آبائه عن جده امير المؤمنين قال : « سمعت رسول الله

١٥٩

ومع ذلك لا يزال محزوناً مهموماً ، ملازماً للتلهف والتأسف ، على أنّه لمكان كذا؟ ولِمَ لا يكون كذا؟ ، فلا يستقر خاطره أصلاً ، ولا يتفرغ لما يَعنيه أبداً.

ونعم ما قال بعض العارفين : « إنّ حسرتك على الأمور الفانية ، وتدبيرك للأمور الاتية قد أذهبا بركة ساعتك التي أنت فيها ».

* * *

________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلهاً غيري ). وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( في كل قضاء الله خيرة المؤمن ) ».

انظر : عيون اخبار الرضا ١ : ١٤١ ت ٤٢ / التوحيد : ٣٧١ ت ١١ / وعنهما في البحار ٦٨ : ١٣٨ ت ٢٥ / دعوات الراوندي : ١٦٩ رقم ٤٧١ / وعنه في البحار ٧٩ : ١٣٢ ت ١٦ / وهكذاكنز العمال ١ : ١٠٦ ت ٤٨٢ ، ٤٨٣ ، عن الطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الايمان / والجامع الصغير ٢ : ٦٤٦ ت ٩٠٢٧ / فيض القدير ٦ : ٢٢٤ ت ٩٠٢٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208