الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة18%

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 208

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة
  • البداية
  • السابق
  • 208 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128691 / تحميل: 7999
الحجم الحجم الحجم
الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فهذا إن دلَّ على شيء فإنَّه يدل على أنَّه لا أقلَّ كتب شروح بعض الأدعية ولكن لم تصل إلينا ، وإلّا فما معنى نقله لما قدمه هناك.

نرجو العلي القدير أن يوفقنا للعثورعلى بقية هذا الشرح القيّم انه سميع مجيب.

وأمَّا الشرح فهو غني عن التعريف لما سوف تلمسه فيه مما أبدع فيه المؤلف من تطعيمه بشتى البحوث الفلسفية والطبيعية ، والكلامية ، وبحوث الهيئةوالنجوم ، وغيرها.

ولا غرابة فالمؤلف هو من عكف على آرائه الرياضية والنجومية علماء الشرق والغرب ، ولا زالوا ولم يتمكنوا من الوصول إلى حل قسم من مسائله.

ونظرا لأهمّيّة الكتاب فقد اعتمده جمع ممّن تأخر عنه ، منهم صاحب الرياض في شرحه للدعاء الثالث والأربعين من رياضه المتقدم.

ومنهم شيخ الإسلام العلّامة المجلسي كأحد مصادر كتابه « بحار الأنوار » وأورد أغلبه فيه ، اُنظر بحار الأنوار ٥٨ / ١٧٨ ـ ١٩٩ و ٢٩١ ـ ٢٩٣.

* * *

٢١

ترْجَمة المؤَلّف

اسمه ونسبه

هو : الفقيه المحقق ، والحكيم المتألّه ، والعارف البارع ، والمؤلف المبدع ، والبحاثة المكثر المُجيد ، والأديب الشاعر ، والضلّيع في الفنون بأَسرها ، نابغة الامة الاسلامية في عصره :

الشيخ أبو الفضائل محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمّد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل الحارثي الهَمْداني العاملي الجبعي.

نعم ، هوحارثي هَمْداني ، إذن هو من بيت المجد والشرف والولاء للعترة الطاهرة ، منذ عهد جدّه الأعلى الحارث بن عبد الله الأعور الهَمْداني(١) ، الذي بشّره أميرالمؤمنينعليه‌السلام  عند وفاته بنتيجة عقيدته الصحيحة به ، وولائه المخلص له.

وصحة هذا النسب الطاهر مما تسالم عليه جميع من ترجم له ، أو لوالده ،

________________________

(١) الحارث بن عبدالله الاعور ، عدّ في الأولياء من أصحاب أميرالمومنينعليه‌السلام  ، روى القرطبي في تفسيره الجامع ، باب ذكرجمل من فضائل القران ج ١ : ٥ ما لفظه وكفاه : الحارث : رماه الشعبيّ بالكذب ، وليس بشيء ولم يبن من الحارث كذب ، وإنّما نقم عليه إفراطه في حبّ علي وتفضيله له على غيره ، ومن هاهنا والله أعلم كذّبه الشعبي.

وهذا ديدنهم في كلّ من أحب علياً وآل علي.

ترجم له في تنقيح المقال ١ : ٢٤٥ ت ٢١٠٨ / رجال البرقي : ٤ / اختيار معرفة الرجال ١٨ ت ١٤٢١٤٣ وسير أعلام النبلاء ٤ : ١٥٢ / ت ٥٤ / تهذيب الكمال ٥ : ٥ : ٢٤٤ ت١٠٢٥. وغيرها كثير.

٢٢

وكما صرّح به جمع من أعلام الاُمة وأساطين الطائفة ممن عاصرها ، ومن تأخر عنهما في إجازاتهم(١) ، وقد عد منهم صاحب الغديرقدس‌سره عشرين علماً(٢) .

وأشاد به نظماً جمع ، منهم الشيخ جعفر الخطّي البحراني(٣) في قصيدة منها :

فيابن الاُولى أثنى الوصيّ عليهم

بماليس تثني وجهه يد إنكار(٤)

يلتقي نسبه الشريف مع نسب علم من أعلام القرن الجامع بين ، العلم والأدب ، والناشر لألوية الحديث ، الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الشيخ علي الكفعمي ، مؤلف المصباح ، والبلد الأمين ، وشرح الصحيفة ، ومحاسبة النفس ، الى غيرها.

وذلك أن الشيخ البهائي حفيد أخ الشيخ الكفعمي واليك مخططاً يوضح هذا :

________________________

(١) انظر البحارقسم الإجازات ج ١٠٥ : ١٤٦ و ١٠٧ : ١٤ و ٣٢ و ٣٨ وغيرها.

(٢) الغدير ١١ : ٢١٩ ، ضمن ترجمة والد الشيخ البهائي.

(٣) أبو الحر جعفر بن محمد بن علي بن ناصر بن عبد الامام الخطّي البحراني ينتهي نسبه الى عدنان عالم غلب عليه الادب والشعر فكان من الادباء الكاملين والشعراء المفلقين له إجازة من الشيخ البهائي وله ديوان شعر وغيره مات سنه ١٢٠٨ هـ ، له ترجمة في امل الآمل ٢ / ٥٤ ت ١٣٩ ، سلافة العصر٥٢٤ ، انوار البدرين : ٢٨٨ ت ٤ رياض العلماء ١ / ١١١ ، الروضة النضرة : ١١٣ ، نجوم السماء ١ / ٧٩.

(٤) اُنظر : الغدير ١١ : ٢٢١ / لؤلؤة البحرين : ١٦ ت ٥.

٢٣

٢٤

إذن فالشيخ البهائي محمد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمد أخ الشيخ إبراهيم الكفعمي.

هذا نسبه يصفه هوبنفسه قائلا : « إنّ آباءنا وأَجدادنا في جبل عامل كانوا دائماً مشتغلين بالعلم والعبادة والزهد ، وهم أصحاب كرامات ومقامات ».

في هذه البيئة ، ومن هذا البيت العلمي ورث المجد والسؤدد ، ومن هكذا محيط خرج الى الدنيا ، وليس بمنكرما للمحيط من أثر.

ولادته

تاريخها ومكانها

تاريخها :

اختلف المؤرخون فيها :

فمن ذاهب الى أنّها كانت عند المغرب يوم الخميس لثلاث عشر بقين من المحرم سنة ٩٥٣ ، واليه مال الشيخ البحراني وجمع(١) .

ومن ذاهب الى أنها كانت عند غروب شمس يوم الأربعاء لثلاث بقين من ذي الحجة(٢) .

ومن ذاهب ـ كالافندي وجمع ـ الى أنّها كانت « عند غروب الشمس يوم الاربعاء ١٧ ذي الحجة سنة ٩٥٣ »(٣) وذلك استناداً الى نص وجده بخط الشيخ البهائي على نسخة من إرشاد العلّامة الحلي حكاه عن خط والده حيث سجل فيه مواليد ووفيات جمع من الاُسرة.

وهناك من مال الى أَنها كانت سنة ٩٥١ ولم أجد من أيّده على ذلك ولعلها تصحيف ٩٥٣(٤) .

________________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٢.

(٢) سلافة العصر : ٢٩٠ / خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٠ / الحدائق النديّة : ٣ ، ٤٥.

(٣) رياض العلماء ٢ : ١١٠.

(٤) رياض العلماء٥ : ٩٧.

٢٥

ولهذا فقد ضبطها الشيخ القمي في هديته وكناه بقوله : ظنج.

وبناءً على نقل الشيخ المجلسي الاول فيكون مولده اما سنة ٩٤٨ أو ٩٤٩(١) .

وأما محلّها :

فالذي يستفاد من بعض سوانحه(٢) ، وبعض النصوص أَنّها كانت فيموطنه الأَصلّي بعلبك من جبل عامل.

وهو الحق في المقام.

وما ذهب اليه الطالوي في سانحاته من أنّها في قزوين(٣) .

والصنعائي من أنّها في أصفهان(٤) .

وأحمد رفعت(٥) ، وسامي باشا(٦) ، وقدري طوقان(٧) من أنها في آمل المازندرانية أو الخراسانية الى غير ذلك.

فهو مما لا شاهد له ولا دليل عليه ، اللهم إلّا التشابه اللفظي بين آمل وعامل.

* * *

________________________

(١) انظر روضة المتّقين ١٤ : ٤٣٥.

(٢) انظر الكشكول ١ : ٢١٣.

(٣) سانحات دمى العصر ٢ : ١٢٨.

(٤) نسمة السحر ٢ : ٢٥٥.

(٥) لغات تاريخية ٦ : ٢٠٠.

(٦) قاموس الاعلام ٢ : ١٤١١.

(٧) تراث العرب العلمي : ٤٧٤.

٢٦

أساتذته ومشايخه

« إنّ رحلات شيخنا البهائيّ لاقتناء العلوم ردحا من عمره ، وأسفاره البعيدة الى حواضر العالم الاسلامي حينذاك دون ضالّته المنشودة ، وتجوله دهراً في المدن والأمصار وراء اُمنيته الوحيدة ، واجتماعه في تلكم الحواضر مع أساطين الدين ، وعباقرة المذهب ، وأعلام الاُمّة ، وأساتذة كل علم وفنّ ، ونوابع الفواضل والفضائل.

تستدعي كثرة مشايخه في الأخذ والقراءة والرواية غير أنّ المذكور منهم في غضون المعاجم »(١) قلة لاتناسب ما سنعرف عن سياحته وتنقلاته وهم :

١ ـ والده المقدّس الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمّد ، صاحب النفس الطاهرة الزكية ، والهمّة الباهرة العليّة ، كان عالماً ماهراً ، محققاً متبحراً ، جامعاً أديباً منشأ شاعراً ، عظيم الشأن ، جليل القدر ، ثقةً ، من فضلاء تلامذة الشهيد الثانيقدس‌سره .

توفيقدس‌سره سنة ٩٨٤ ثامن ربيع الأول ، في المصلّى من قرى هجر من بلاد البحرين ، عن عمربلغ ٦٦ سنه ، حيث كانت ولادته سنة ٩١٨ في غرة محرم الحرا م(٢) .

وقد قرأ عليه ابنه ـ الشيخ البهائي ـ العلوم العربية والحديث والتفسير ، وروى عنه قراءةً وسماعاً واجازة لجميع ما للإجازة فيه مدخل من سائر العلوم العقلية والنقلية ، بحق روايته عن شيخنا الإمام قدوة المحققين الشهيد الثاني

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٥٠.

(٢) ترجم له جمع منهم : البحراني في لؤلؤته : ٣٣ رقم ٦ / وألأميني في الغدير ١١ : ٢١٨ / والبغدادي في هديته ٢ : ٢٧٣ / والأفندي في رياضه ٢ : ١٠٨ / والحرّفي أمله ١ : ٧٤ رقم ٦٧ / والخوانساري فيروضاته ٢ : ٣٣٨ رقم ٢١٧ / والمامقاني في تنقيحه ١ : ٣٣٢ رقم ٢٩٤٨ / والقمي في سفينته ١ : ٢٧٢ ، وكناه ٢ : ١٠٢ ، وفوائده الرضوية : ١٣٨ / والشيخ النوري في خاتمة مستدركه ٣ : ٤٢١ / والسيد الأمين في أعيانه ٦ : ٥٦.

٢٧

طاب ثراه(١) .

٢ ـ الفقيه المحقق ، والمحدّث المتكلم ، الشيخ عبد العالي بن الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي ، نجل صاحب جامع المقاصد ، المولود سنة ٩٢٦ ، والمتوفى ٩٩٣ باصفهان ، ونقل منها بعد ثلاثين سنة ودفن في المشهد الرضوي على من حلّ فيه آلاف التحية والثناء(٢) .

٣ ـ محمّد بن محمّد بن محمّد بن أبي اللطف بن علي بن منصور المقدسي الشافعي الأشعري العلوي ، المولود سنة ٩٤٠ ، برع وهوشاب حتى فُضّل وقدم على من هو أسنّ منه حتى على أخويه ، وصار مفتياً للقدس الشريف على المذهب الشافعي ، مات سنة ٩٩٣(٣) .

وقد أَجاز الشيخ البهائي بإجازة مؤرخة سنة ٩٩٢ في شهرجمادى الأُولى منه(٤) .

ومن لطيف الأسانيد والطرق طريق الشيخ البهائي لرواية صحيح البخاري عن مؤلفه ، وهم ثلاثة عشر شيخاً جميعهم من المسمين بمحمّد ، إليك السند ـ مع حذف الألقاب والاقتصار على الإسم فقط ـ مع تتمته للشيخ البحراني :

.. الشيخ محمّد بن يوسف بن كنبار ، عن الشيخ محمّد بن ماجد البحراني ، عن الشيخ محمّد باقر المجلسي صاحب البحار ، عن أبيه الشيخ محمّد تقي المجلسي ، عن الشيخ محمّد بن الحسين البهائي ، عن محمّد بن محمّد بن محمّد أبي اللطف المقدسي ، عن أبيه محمّد بن محمّد ، عن شيخه محمّد بن ابي الشريف المقدسي ، عن محمّد بن أبي بكر ، عن محمّد المراغي ، عن محمّد بن إسماعيل القرشيدي ، عن السيّد محمّد بن سيف الدين قليج بن كيكذي العلائي ، عن محمّد ابن مسلم بن محمّد بن مالك الحنبلي ، عن أبي محمّد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد

________________________

(١) أعيان الشيعة ٩ : ٢٤٣.

(٢) له ترجمة في الأمل ١ : ١١٠ رقم ١٠٠ / ونقد الرجال : ١٨٨ رقم ١ / عالم آرا ١ : ١٥٤ / وأعيان الشيعه ٨ : ١٧ / ورياض العلماء ٣ : ١٣١ / وتكملة الأمل : ٢٦٥ رقم ٢٣٢ / واحياء الداثر : ١٢٢.

(٣) له ترجمة في شذرات الذهب ٨ : ٤٣١ / والكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة ١ : ٧.

(٤) بحار الأنوار ١٠٦ : ٩٧ رقم ٦٩.

٢٨

المقدسي ، عن محمّد بن عبد الواحد البزاز ، عن محمد بن أحمد حمدان ، عن محمّد ابن اليتيم ، عن محمّد بن يوسف الفريري ، عن محمّد بن إسماعيل البخاري بكتابهالمذكور ، وجميع مصنفاته.

٤ ـ الشيخ الفاضل الكامل المنطقي المولى عبدالله بن الحسين اليزدي الشهابادي المتوفى سنة ٩٨١(١) في اصفهان ، كان علّامة زمانه ، جليل القدر ، عالي المنزلة ، له مؤلفات منها : الحاشية على تهذيب المنطق للتفتازاني ، وحاشية على الأستبصار.

تلّمذ عليه جمع منهم صاحب المعالم ، والمدارك ، وشيخنا المؤلّف ، حيث أخذ عنه الحكمة والكلام وبعض المنقول.

٥ ـ المولى علي المذهب المدرس ، تلمّذ عليه في الرياضيات(٢) .

٦ ـ القاضي المولى أفضل القايني(٣) .

٧ ـ الشيخ أحمد الكجائي الكَهدمي الكَيلاني النُهْمَني(٤) ، المعروف بپير أحمد ، قرأ عليه في قزوين(٥) الرياضيات والحكمة ‎.

٨ ـ النطاسي المحنّك عماد الدين محمد بن مسعود الشيرازي ، قرأ عليه

________________________

(١) ترجم له كل من القمي في فوائده : ٢٤٩ : وسفينته ٢ : ١٣٢ / والحرّ في أمله ٢ : ١٦٠ ت ٤٦٥ / والأفندي في رياضه ٣ : ١٩١ / وروملوفي أحسن التواريخ : ١٢ : ٤٥٨ / والمدني في سلافته ٤٩٠ / وشيخ الذريعة في إحياء الداثر : ١٣٥ / والذريعة ٦ : ٥٣ ت ٢٦٨ / وكحّالة في معجم المؤلفين ٦ : ٤٩ / والمحبي في خلاصته ٣ : ٤٠ / والخوانساري في روضاته ٤ : ٢٢٨ رقم ٣٨٦ / والبغدادي في هديته ٤٧٣١.

هذا ويذهب البعض إلى أنّ وفاته كانت سنة ١٠١٥ منهم المحبي والبغدادي وانظر ماضي النجف وحاضره ٣ : ٣٨٣ حيث ترجم له ولمجموعة من ذريته.

(٢) عالم آرا ١ : ١٥٦.

(٣) عالم آرا ١ : ١٥٦ / إحياء الداثر : ٢٣.

(٤) قال شيخ الذريعة : إن كجاء قد تسمى ( نه مَنِيهَ ) لأن بها قراناً كبيراً مشهوراً بـ( نه من ) ، حيث كان وزنه تسعه أمنان ، بخط كوفي جلّي ، على جلد ظبي ، يقال أنّه بخط أميرالمؤمنينعليه‌السلام . انظر الروضة النضرة : ٣٤

(٥) له ترجمة في الروضة النضرة : ٣٤ / انظر الذريعة ١ : ٥١٩ ت ٢٥٣٣ ، ٥ : ١٣٩ ت ٥٧٨.

٢٩

الطب(١) .

٩ ـ الشيخ عمر العرضي ، أفاد منه في حلب(١) .

١٠ ـ الشيخ محمد بن محمد بن أبي الحسن علي بن محمد البكري ، اجتمع معه في مصر ، وحضر دروسه في الأزهر. المتوفى سنة ٩٩٣ هـ(٢) ، له : شرح مختصرأبي شجاع ، وديوان شعر(٣) .

١١ ـ محمد باقر بن زين العابدين اليزدي المتوفى حدود ١٠٥٦ ، كان من أعاظم الرياضيين ، له : عيون الحساب ، مطالع الأنوارفي الهيئة ، وغيرها(٤) .

ومما لاشك فيه أنّ هذا العدد المذكور من أساتذته وشيوخه لايلائم تلك السياحة التي أخذت من عمره أكثر من الثلث ، بل ومشابهته لفنون عدّة حتى الف في أغلبها الكتب.

ولكن ما الحيلة وهذا هو المحفوظ والذي عثرنا عليه منهم.

________________________

(١) ترجم له كلا من صاحب عالم آرا ١ : ١٦٨ وكذلك في ضمن ترجمة البهائي ١ : ١٥٦ / وإحياء الداثر : ٢٤٠ / والذريعة ٢ : ٢٦٢ ت ١٠٧١ ، ١١ : ١٣٣ ت ٨٣٠ ، ١٦٨ت ١٠٥٤ ، ١٨ : ١٩١ ت ١٣٥٩ و ٢١ : ٢٥٨ ت ٤٩٢٥.

(٢) عمربن عبدالوهاب بن ابراهيم العرضي الحلبي ألشافعي ، مفتي حلب ومحدّثها ، له : شرح الشفا للقاضي. واسمه فتح الغفار ، ذيل تاريخ ابن الحنبلي ، الدّر الثمين وغيرها.

مات سنة ١٠٢٤ هـ ١٦١٥ م.

خلاصة الأثر ٣ : ٢١٥ / ريحانة الألبا ١ : ٢٧٩ رقم ٤١ / كشف الظنون : ١٠٥٤ / هدية العارفين ١ : ٧٩٦ / معجم المؤلفين ٧ : ٢٩٦ وغيرها.

(٣) ترجم له الحنبلي في شذراته ٨ : ٤٣١ / والعبدروسي في نوره السافر ٢ : ٣٦٩ / والخفاجي في ريحانته٢ : ٢٢٠ ت ١٤٩ وانظر هامشه / والمحبي في خلاصته ١ : ١٤٥ / والمدني في سلافته : ٤٠٠.

(٤) من لطيف شعره :

قد بلينا بأمير

ظلم الناس وسبح

فهو كالجزار فيهم

يذكر الله ويذبح

 (٥) الروضة النضرة : ٧٥ / الذريعة ١٥ : ٣٨٧ ت ٢٣٧٦

٣٠

تلامذته

إنّ التأريخ حفظ لنا أسماء جمّ غفير ممن أخذ عن الشيخ المصنف علوم الدين ، والفلسفة والأدب من العلماء الأفذاذ ، ومن استجاز عنه للرواية.

وقد تجمع لدينا منهم عدد كبير ، أرجأنا تعدادهم الى موعد قريب. إن شاء الله(١) .

رحلاته

كانت رحلته الاُولى مع والده من مسقط رأسه إلى إيران ، وفيها تعلم الفارسية واتقنها حتى كأنّه ابن بجدتها ، درس وتعلم في حاضرتي العلم قزوين واصفهان على أبيه وغيره ممن مرّ من أساتذته ، وارتقى الى أوج الكمال ، وفي هذه الأثناء اقترن بزوجة صالحة فاضلة هي كريمة الشيخ العالم العامل شيخ الإسلام في الديار الإيرانية في حينه الشيخ زين الدين علي منشار العاملي(٢) .

ولمّا كانت وحيدة أبيها ، اذ لم يعقب غيرها ، فقد آلت اليها ـ واليه لا محالة ـ تركة أبيها ، ومنها مكتبته العامرة.

حيث كانت للشيخ المنشار مكتبة عظيمة كبيرة تربو على أربعة آلاف كتاب ، جلب أغلبها من الديار الهندية ، إذ كان قاطناً فيها فترة من الزمن(٣) .

فكانا ينتفعان منها وينهلان منها نميراً صافياً.

وعلى أية حال فقد حاز لدى سلطان وقته ـ الشاه عباس الكبير ـ أعلى المراتب وهي مشيخة الاسلام ، وله ألف الجامع العباسي في الفقه.

________________________

(١) في مقدمة كتاب شرح قصيدته « سرى البرق » للشيخ جعفر النقدي إن شاء الله تعالى.

(٢) الشيخ زين الدين علي منشار العاملي ، شيخ الاسلام ، فاضل جليل من المعاصرين للشاه طهماسب الصفوي ، ومن تلامذة الشيخ علي الكركي.

ترجم له في رياض العلماء ٢٦٦ / ٤ ، عالم ارا ١٥٤ / ١.

(٣) الفوائد الرضوية : ٥١٠.

٣١

ولكن الذي يظهر جلّياً لمن يسبر أحوال الشيخقدس‌سره يرى وبوضوح أنه لم يكن يرى لتلك المناصب الدنيوية قيمة ، بل كان يجعلها وراء ظهره ، وهذا واضح لحبه للوحدة والعزلة وللسير على طريقة أهل السلوك والعرفان والسياحة مختاراً للفقر الذي كان به يفخر فخر الكائناتصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومرجحاً له على تمام المناصب والرتب.

هذا وبعد أن ولي في حاضرة العلم وعاصمة الحكومة مشيخة الاسلام ؛بعد والد زوجته الشيخ علي المنشار حيث كان فيها شيخ الاسلام أيام الشاه طهماسب الصفوي ؛ « رغب في الفقر والسياحة ، واستهب من مهاب التوفيق رياحه ، فترك تلك المناصب ، ومال لما هو لحاله مناسب »(١) .

وقد بدأ سياحته بحج بيت الله الحرام ، ومن ثم زيارة المدينة المنورة على من حلّ فيها الآف الثناء ، ومن ثم شهرعصا الترحال وساح في أرض الله الواسعة ردحاً من عمره(٢) ، كان خلالها متخفياً مستتراً كما يظهر من الحوادث والمجريات ، مع أنّ شهرته كانت مطبقة في الآفاق.

فقد زار خلالها كلاً من الأعتاب المقدسة في العراق ، والإمام الرضاعليه‌السلام  في خراسان ، ومن ثمّ قصد هرات وعاد منها الى مشهد الامام الرضا ، ومنها آذربايجان وزار خلالها مصر ، والقدس الشريف ، ودمشق الشام ، وحلب ، وغيرها من البلاد.

توقف في كلّ بلد مدة ، صاحب جمعاً كثيراً من أهل الكمال والمعرفةوالفضل مما لم يكن ميسورا لكلّ أحد ، وكان خلالها مورد احترام الآخرين ، واستفاد وأفاد كثيراً.

هذا ، وقد وقعت له مباحثات علمية ومذهبية كثيرة مع علماء المذاهب الاخرى أذعن فيها الجميع له.

________________________

(١) السلافة : ٢٩٠.

(٢) يذهب السيد المدني الى أنها طالت مدة ثلاثين سنة ، وقد استبعدها العلامة المحقق الحجّة السيد الخرسان ، انظر مقدمة الكشكول : ٦٥.

٣٢

ومن المؤسف حقاً عدم تدوين الشيخ البهائي لاخبار سياحته التي استمرت هذه المدة الطويلة ، مع فضله وكثرة علومه واطلاعه ، اذ مما لاشك فيه وقوع امور لطيفه وقضايا عجيبة تظهر من ثناء بعض من تعرض لسياحته ، فلودونت لكانت من أنفس الكتب.

إليك شطراً منها :

.. كان يجتمع مدة إقامته بمصر بالاستاذ محمد بن أبي الحسن البكري(١) وكان يبالغ في تعظيمه.

فقال له الشيخ البهائي مرة : يا مولانا أنا درويش فقير فكيف تعظمني هذا التعظيم؟!

قال : شممت منك رائحة الفضل.

فامتدح استاذه بقصيدته التي مطلعها :

يا مصر سقياً لك من جنة

قطوفها يانعة دانية

ويصف الرضي المقدسي(٢) الشيخ ـ عند لقائه له في القدس الشريف ـ ومحاولته القراءة عليه قائلاً :

« ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم ، فنزل في بيت المقدس بفناء الحرم ، عليه سيماء الصلاح ، وقد اتسم بلباس السياح ، وقد تجنب الناس ، وأنس بالوحشة دون الايناس ، وكان يألف من الحرم فناء المسجد الاقصى ، ولم يسند أحد مدة الإقامة إليه نقصاً ، فاُلقي في روعي أنّه من كبار العلماء الأعاظم ، فما زلت لخاطره أتقرب ، ولما لا يرضيه أتجنب ، فاذا هو ممن يرحل اليه للأخذ منه ، وتشدّ له الرحال للرواية عنه ، يسمى بهاء الدين محمد الهمداني الحارثي ، فسألته عند ذلك القراءة عليه »(٣) .

________________________

(١) تقدمت ترجمته ومصادرها في صحيفة : ١٢.

(٢) يوسف بن أبي اللطف رضي الدين المقدسي الحنفي ، فاضل أديب ، له تعليقة على تفسير ارشاد العقل السليم ، شرح قصيدة البردة ، توفي سنة ١٠٠٦.

ترجم له في : معجم المؤلفين ٣٢٦ / ١٣ ، هدية العارفين ٥٦٥ / ٢ ، خلاصة الاثر ٤ / ٢٧٢.

(٣) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤١ / السانحات ٢ : ١٢٦.

٣٣

وهذه نادرة تدلّنا على مدى ما للمظاهر من تأثير في النفوس ، وهي حادثة جرت للشيخ في دمشق الشام مع الشيخ البوريني الصفوري(١) يحكيها لناالمحبي(٢) وخلاصتها :

أنّ الشيخ البهائي لما ورد دمشق نزل عند بعض التجار الكبار في محله الخراب ، واجتمع مع صاحب الروضات في مزارات تبريز الحافظ حسين الكربلائي القزويني التبريزي(٣) .

ثم إنّ الشيخ طلب من مضيفه الاجتماع بالشيخ البوريني ، فأعد التاجر دعوة تأنق فيها ، ودعا غالب أهل الفضل من محلته ومنهم البوريني.

دخل البوريني المجلس ، والبهائي بهيئة السياح متصدراً له ، والجمع محدق به بأدب.

عجب البوريني من ذلك ، لعدم معرفته وسماعه بقدوم الشيخ ، فلم يعبأبه ، ونحاه عن مجلسه ، وجلس فيه غير ملتفت إليه ، شارعاً في بث معارفه الى أن حانت صلاة العشاء.

________________________

(١) بدر الدين ، الحسن بن محمد بن محمد البوريني الشافعي ، ولد في قرية صفورية ، وهاجر الى دمشق ، ومنها الى بيت المقدس ، اشتغل بالدرس والوعظ في مدارس ومساجد الشام ، كان عالماً محققاً ، فصيح العبارة ، طليق اللّسان ، له : تراجم الأعيان ، ديوان شعر ، ومن بديع شعره :

يقولون : في الصبح الدعاء مؤثر

فقلت : نعم ، لو كان ليلي له صبح

 ومنه

أيا قمراً بتّ في ليل هجره

اُراقب أسراب الكواكب حيرانا

خبأتك في عيني لتخفى الورى

لذلك قالوا : إنّ في العين إنسانا

 ويروى الشطر الثاني :

وما كنت أدري أنّ للعين إنسانا

مات سنة ١٠٢٤ هـ.

خلاصة الأثر ٢ : ٥١ / ريحانة الألباء ١ : ٤٢.

(٢) محمد أمين بن فضل الله المحبي الاموي الدمشقي ، مؤرخ أديب شاعر ، مشارك ، له : نفحة الريحانة ، خلاصة الأثر ، ديوان شعر ، وغيرها توفي سنة ١١١١ هـ ١٦٩٩ م.

سلك الدرر ٤ : ٨٦ / معجم المؤلفين ٩ : ٧٨ / هدية العارفين ٢ : ٣٠٧

(٣) انظر الذريعة ١١ : ٢٧٩ رقم ١٧١١ و ٢٨٠ رقم ١٧١٤.

٣٤

ثم جلسوا ، فابتدر الشيخ البهائي في نقل بعض القضايا والأبحاث ، وهكذا الى أن أورد بحثاً في التفسير عويصاً ، فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجميع ، ثم دقّق العبارة حتى لم يفهم ما يقوله إلّا البوريني ، ثم أغمض في العبارة فلم يفهم حتى البوريني.

هذا والجمع صموت جمود ، لا يدرون ما يقولون ، غير أنّهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب.

عندها نهض البوريني واقفاً على قدميه فقال : إن كان ولابد فأنت البهائيّ الحارثيّ ، إذ لا أحد اليوم بهذه المثابة إلّا هو.

فاعتنقا ، وأخذا في إيراد أنفس ما يحفظان.

وسأله الشيخ البهائي كتمان أمره ، وافترقا ، ولم يقم بعدها ، بل رحل الى حلب(١) .

ويذكر العرضي(٢) في ترجمته قال : قدم ( حلب ) مستخفياً في زمن السلطان مراد بن سليم(٣) ، مغيراً صورته بصورة رجل درويش ، فحضردرس الوالد الشيخ عمر(٤) ، وهولايظهر أنّه طالب عالم ، حتى فرغ من الدرس.

فسأل الوالد عن أدلة تفضيل الصدّيق على المرتضى ، فذكر أحاديث منها حديث « ما طلعت الشمس » وغيرها.

فردّ عليه ، ثم ذكرأشياء كثيرة تقتضي التفضيل للمرتضى ، فشتمه الوالد!!! وقال له : رافضي شيعي ، وسبّه وسكت!!

________________________

(١) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٣ ، وانظر : سانحات دمى القصر ٢ : ١٢٧.

(٢) أبوالوفاء بن عمر بن عبد الوهاب الشافعي العرضي ، عالم فاضل ، مشارك ، مفتي الشافعية بحلب ، له : معادن الذهب في الأعيان المشرفة بهم حلب ، طريق الهدى ، شرح الألفية ، حاشية على أنوار التنزيل ، وغيرها.

توفي سنة : ١٠٧١ هـ ـ ١٦٦١ م.

كشف الظنون ١ : ١٤٨ / هدية العارفين ٢ : ٢٨٨ / ريحانة الألبا ١ : ٢٦٩ رقم ٣٩ خلاصة الأثر١ : ١٤٨ / معجم المؤلفين ١٣ : ١٦٥ وغيرها.

(٣) هو السلطان مراد بن السلطان سليم بن السلطان سليمان القانوني المتوفى ٤ ج ١ سنة ١٠٠٣.

(٤) تقدمت ترجمته صحيفة : ٤.

٣٥

ثم إنّ الشيخ البهائي أمر بعض التجار أن يصنع وليمة يجمع فيها بين الشيخ عمر وبينه.

امتثل التاجر ذلك ، ودعاهما وأخبر الشيخ الوالد أنّ هذا هو الملّا بهاء الدين عالم بلاد العجم.

وعندما استقر المقام بهما.

قال الشيخ البهائي للوالد : شتمتمونا.

فقال : ما علمت أنّك الملا بهاء الدين!!! ولكن إيراد مثل هذا الكلام بحضور العوامّ لا يليق!

بعد هذه الفترة الطويلة عاد الى محطته الاُولى أصفهان ، فتوجهت اليه أنظار الأعاظم ، منتهلة من نميره الصافي العذب ، مستفيدة من أنوار أفكاره البكر ، حتى اختصه الشاه عباس الصوفي حضراً وسفراً حتى صحبه معه في سفره الى التربة المقدسة ، حيث مرقد الإمام الثامن سيراً على الأقدام وفاءاً لنذر كانه نذره.

وقد اشتهرت عنه حكايات في سياحته كثيرة ، منها ممكنة ، ومنهامستبعدت أو ملحقة بالخرافات.

* * *

٣٦

آيات المدح وجمل الثناء

اعترف عامة من ترجم للمصنفقدس‌سره بل وجميع من تأخّرعنه ، بعظم شخصيته العلمية العملاقة في افق العلم ، وسماء المعرفة ، تقدم اليك نبذاً يسيرة :

قال شيخ الحفاظ والمحدثين العلّامة الأميني :

.. بهاء الملّة والدين ، واستاذ الأساتذة والمجتهدين ، وفي شهرته الطائلة وصيته الطائر في التضلّع من العلوم ، ومكانته الراسية من الفضل والدين ، غنى عن تسطير ألفاظ الثناء عليه ، وسرد جمل الإطراء له.

فقد عرفه من عرفه ، ذلك الفقيه المحقق ، والحكيم المتأله ، والعارف البارع ، والمؤلّف المبدع ، والبحاثة المكثر المجيد ، والأديب الشاعر ، والضلّيع من الفنون بأسرها ، فهو أحد نوابع الامة الإسلامية ، والأوحدي من عباقرتها الأماثل(١) .

ويصفه المحبّي بقوله :

.. بطل العلم والدين الفذ ، صاحب التصانيف والتحقيقات ، وهوأحق من كلّ حقيق بذكر أخباره ، ونشر مزاياه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه.

وكان اُمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم ، والتضلع بدقائق الفنون ، وما أظن الزمان سمح بمثله ، ولا جاد بندّه ، وبالجملة فلم تتشنف الأسماع بأعجب من أخباره(٢) . وقال شيخ الأمل في ترجمته :

حاله في الفقه والعلم والفضل والتحقيق والتدقيق وجلالة القدر وعظم الشأن وحسن التصنيف ورشاقة العبارة وجمع المحاسن أظهر من أن يذكر ، وفضائله أكثر من أن تحصر ، وكان ماهراً متبحراً جامعاً كاملاً شاعراً أديباً منشئاً

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٤٩.

(٢) خلاصة الأثر ٣ : ٤٤٠.

٣٧

ثقةً ، عديم النظير في زمانه في الفقه والحديث والمعاني والبيان والرياضي وغيرها(١) .

ويطريه السيد التفرشي بقوله :

جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلوّ رتبته في كل فنون الاسلام كمن له فن واحد ، له كتب نفيسة جيدة(٢) .

وأمّا الأردبيلي فيطريه قائلاً :

جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ووفورفضله ، وعلوّمرتبته أحداً في كلّ فنون الإسلام كمن كان له فن واحد ، له كتب نفيسة جيده منها(٣) .

ويصفه المجلسي الأول قائلاً :

الشيخ الاعظم ، والوالد المعظم ، الامام العلّامة ، ملك الفضلاء والاُدباء والمحدثين ، بهاء الملة والحق والدين(٤) .

وفي مورد آخر يقول :

شيخنا واستاذنا ومن استفدنا منه ، بل كان الوالد المعظم ، كان شيخ الطائفة في زمانه ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، كثير الحفظ ، ما رأيت بكثرة علومه ، ووفورة فضله ، وعلو مرتبته أحداً …(٥) .

ووصفه السيد المدني في سلافته قائلاً :

« علم الائمة الأعلام ، وسيد علماء الاسلام ، وبحر العلم المتلاطمة بالفضائل أمواجه ، وفحل الفضل الناتجة لديه أفراده وأزواجه ، وطود المعارفالراسخ ، وقضاؤها الذي لاتحدّ له فراسخ ، وجوادها الذي لايؤمل له لحاق ،

________________________

(١) أمل الآمل ١٥٥ : ١.

(٢) نقد الرجال : ٣٠٣ رقم ٢٦٠.

(٣) جامع الرواة ٢ : ١٠٠.

(٤) روضة المتقين ١ : ٢٢.

(٥) روضة المتقين ١٤ : ٤٣٤.

٣٨

وبدرها الذي لا يعتريه محاق ، الرُحَلَة الذي ضربت اليها أكباد الإبل ، والقبلة التي فطركل قلب على حبها وجبل.

فهو علّامة البشر ، ومجدّد دين الأئمة على رأس القرن الحادي عشر ، اليه انتهت رياسة المذهب والملّة ، وبه قامت قواطع البراهين والأدلة ، جمع فنون العلم وانعقد عليه الإجماع ، وتفرد بصنوف الفضل فبهر النواظر والأسماع ، فما من فنّ إلاوله فيه القدح المعلّى والمورد العذب المحلّى ، إن قال لم يدع قولاً لقائل ، أو طال لم يأت غيره بطائل ، وما مثله ومن تقدّمه من الأفاضل والأعيان إلّا كالملة المحمدية المتأخّرة عن الملل والاديان ، جاءت اخر ففاقت مفاخراً وكل وصف قلته في غيره فإنه في تجربة الخواطر »(١) .

ويطريه صاحب نسمة السحر قائلاً :

« رجل الدهر ، وجامع الفخر ، ورب الشوارد ، وقيد الأوابد ، فهو وارث علم الرئيس ابن سينا في تلك الفنون والحال لاهل الطريقة حقيقة نورطور سيناء فيه يهتدون ، لم يلحق في طريق ، ولم يرفع في فريق ، فهوحيناً وزير السيف والعلم ، وإذ به وزير الدفتر والنون والقلم »(٢) .

ويطريه شيخ الخزانة الشيرازي بقوله :

« بهاء الحق وضياؤه ، وعزّالدين وعلاؤه ، واُفق المجد وسماؤه ، ونجم الشرف وسناؤه ، وشمس الكمال وبدره ، وروض الجمال وزهره ، وبحر الفيض وساحله ، وبر اِلبر ومراحله ، وواحد الدهر ووحيده وعماد العصر وعميده ، وعلم العلم وعلامته ، وراية الفضل وعلامته ، ومنشأ الفصاحة ومولدها ، ومصدر البلاغة وموردها ، وجامع الفضائل ومجمعها ، ومنبع الفواضل ومرجعها ، ومشرق الافادة ومشرعها ، وسلطان العلماء وتاج قمتهم ، وبرهان الفقهاء وتتمة أئمتهم ، وخاتم المجتهدين وزبدتهم ، وقدوة المحدثين وعمدتهم ، وصدر المدرسين واُسوتهم ، وكعبة الطالبين وقبلتهم ، مشهورجميع الآفاق ، وشيخ الشيوخ على الاطلاق ، كهف

________________________

(١) سلافة العصر : ٢٨٩.

(٢) نسمة السحر : ٣٠٣ مخطوط

٣٩

الإسلام والمسلمين ، مروج أحكام الدين ، العالم العامل الكامل الأوحد بهاء الملّة والحق والدين »(١) .

ويطريه الخفاجي قائلاً :

« زين بمآثره العلوم النقلية والعقلية ، وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية ، لاسيما الرياضيات وهو في ميدان الفصاحة فارس وأيَّ فارس ، وإن غصنه أينع وربا بربوة فارس فإنّ شجرته نبتت عروقها بنواحي الشام الزاهية المغارس ، والعرق نزّاع وإنْ أثّر الجوار في الطباع »(٢) .

وهذا الحنفي في شرحه على رائية المصنف والمسماة « وسيلة الفوزوالامان » يقول في حقه :

« صاحب التصانيف والتحقيقات ، وهوم أَحقّ من كل حقيق بذكرأَخباره ونشر مزاياه ، وإتحاف العالم بفضائله وبدائعه ، وكان اُمّة مستقلة في الأَخذ بأطراف العلوم والتضلّع من دقائق الفنون ، وما أَظن أَنّ الزمان سمح بمثله ولا جاد بنده ، وبالجملة فلم تتشنّف الأسماع بأَعجب من أَخباره »(٣) .

وقد ذكره الشهاب في كتابيه وبالغ في الثناء عليه(٤) وقد أطال أَبوالمعالي الطالوي في الثناء عليه وكذلك البديعي(٥) .

هذا غيض من فيض مما قيل أَويمكن أن يقال في حقّ شيخنا المصنف ، علم الأعلام ومن عُرِفت مكانته السامية في دنيا الفضل والفضيلة والدين ، حتى قيل في حقه : « لايدرك بحر وصفه الاغراق ، ولا تلحقه حركات الأَفكار ،

________________________

(١) خزانة الخيال : ٤٢١.

(٢) إشارة للحديث الشريف « العرق دساس » وانظر ريحانة الألبا ١ : ٢٠٧.

(٣) فتح المنان شرح قصيدة الفوز والأمان : ٣٦٧ من الطبعة الاولى ، حيث إن الطبعة الملحقة بالكشكول والتي بتحقيق طاهرأحمد الزاوي ـ طالتها يد الخيانة العلمية فحرفتهما ، وأسقطت منها مواردة إحداها ترجمة الشيخ المصنف.

(٤) أي في ريحانة الألباء ١ : ٢٠٧ رقم ٧٢ ونفحة الريحانة ٢ : ٢٨٢ رقم ٩٤.

(٥) سانحات دمي القصر ٢ : ١٢٦. والبديعي ، هو يوسف بن عبدالله الدمشقي الحلبي ، ولعل ذلك فيحدائق الأدب ـ انظر معجم المؤلفين ١٣ : ٢٨٠.

٤٠

ولو كان في مضمار الدهر لها السباق »(١) .

نعم هناك من اجترأ الوقيعة فيه ، وما ذاك إلّا لقلة دين ، وإلّا فلم؟!!!!

هذا يوسف المغربيّ(٢) له هجاء للشيخ البهائي ، وليس ذلك لسبب ظاهر سوى الغيرة والحسد من علمه ومعرفته وشهرته ، أو لغلبته له في ميادين العلمحيث يقول :

إنّ اليهوديّ غدا عاملاً

في الناس بالحور بالباطل

يعمل في الدين كما يشتهي

فلعنة الله على العاملي(٣)

هذا ، ولون اخرمن الوقيعة فيه ، هو للمحبي مع اعترافه بفضله وعلمه ، ومع هذا ينسبه الى الغلوّ في الحب! حب من؟ حب آل البيت: ، وينسب الزندقة الى موال آخر ، ويعتذر للشيخ حيث يقول : « إلا أنّه لم يكن على مذهب الشاه في زندقته!!! ـ والسبب في ذلك ـ انتشار صيته ـ البهائي ـ في سداد دينه إلا أنّه غالى في حب آل البيت »(٤) .

نعم ، ما أجرأه على الوقيعة في مؤمن يقول : ربي الله.

لكنّ الرجل مندفع بدافع البغضاء ، فيقذف ولا يكترث ، ويقول ولايبالي.

وليت شعري أيّ غلو وقف عليه في حب الشيخ الأجل ـ البهائي ـ لآل بيت نبيه الأطهر؟!

نعم ، لم يجد شيئاً من الغلوّ ، لكنّه يحسب كل فضيلة رابية جعلها اللّه سبحانه لآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكل عظمة اختصهم بها غلواً ، وهذا من

________________________

(١) ريحانة الالبا ١ : ٢٠٧.

(٢) يوسف بن زكريا المغربي ، شاعر ، نزل مصر للدراسة ، له مؤلفات ، توفي سنة ١٠١٩.

له ترجمة في خلاصة الأثر ٤ : ٥٠١ ـ ٥٠٣ / نفحة الريحانة ٤ : ٤٠٦ ـ ٤٠٩ الاعلام ٨ : ٢٣١ / هدية العارفين ٢ : ٥٦٦ / معجم المؤلفين ١٣ : ٣٠١ / كشف الظنون ١ : ٨٢٩ ريحانة الألبا ٢ : ٣٢ رقم ١٨٦.

(٣) بهاء الدين العاملى : ٣٠.

(٤) خلاصة الاثر ٣ : ٤٤١.

٤١

عادة القوم سلفا وخلفا ، والى الله المشتكى(١) .

نعم ، إنّها وكما قيل :

............................

شنشنة أَعرفها من أخزم(٢)

ولعل بهذا أمكن القارئ من تكوين صورة واضحة عن الشيخ البهائيقدس‌سره .

ثم إنّ بعض الحوادث والقصص فيها من الدلالة على سمّو الخلق وصفاء الباطن الشيء الكثير ، بالخصوص سمّوخلق العلماء ، فانه فوق كل اعتبار.

و القصة هي :

أ ن الشاه عباس ركب يوماً إلى بعض متنزهاته ، وكان الشيخ البهائي وألمير الداماد في موكبه ، إذ كان لايفارقهما غالباً ، وكان الداماد عظيم الجثة ، والبهائي نحيفها.

فأراد الشاه أن في خبر صفاء الخواطر بينهما.

فقال للداماد وهو راكب فرسه في مؤخرة الجمع ، وقد ظهرت عليه آثار الإعياء والتعب ، والبهائي في مقدمة الجمع :

يا سيدنا ، ألا تنظر الى هذا الشيخ كيف تقدّم بفرسه ، ولم يمش على وقاركما تمشي أنت؟

فقال الداماد : أيها الملك ، إنّ جواد الشيخ قد استخفه الطرب بمن ركبه ، فهو لا يستطيع التأنّي ، ألا تعلم مَنْ الذي ركبه؟

ثم قال الملك للبهائي : يا شيخنا ألا تنظر الى هذا السيّد كيف أتعب مركبه بجثمانه الثقيل؟ والعالم ينبغي أن يكون مرتاضاً مثلك خفيف المؤنة.

فقال البهائي : أيها الملك إنّ جواد الشيخ أعيى بما حمل من علمه الذي لا يستطيع حمله الجبال.

فعند ذلك نزل الشاه عن جواده وسجدلله شكراً على ان يكون علماء دولته بهذا الصفاء.

________________________

(١) الغدير ١١ : ٢٥٢ بتصرف.

(٢) أنظر : « مجمع ألأمثال ١ : ٣٦١ / ١٩٣٣».

٤٢

فأكرم به من ملك كامل وسلطان عادل! وأكرم بهما من عالمين مخلصين!

لكن هناك من يدّعي وجود نفرة بينما ، وهي بعيدة كلّ البعد ، ويدلّنا على ذلك صورة رسالة عثرنا عليها(١) موجهة من الشيخ البهائي الى السيد الداماد قدس سرهما اليك هي :

طوبى لك أيّها المكتوب ، حيث تتشرف بملامسة سيدنا ومخدومنا ، بل مخدوم العالمين ، سمّي خامس أجداده الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين(٢) .

سلام الله عليكم.

لاحاجة الى ما استقرعليه العرف العام ، واستمربه الرسم بين الأنام ، من توشيح الخطاب ، وترشيح مبتدأ الكتاب ، بذكر المزايا والألقاب ، ونشر معالى المآثر في كل باب ، إذ هو فيما نحن فيه كفت شهرته مؤنة التصدي لتحريره ، وأغنى ارتكازه في الخواطر عن التعرض لشرحه وتقريره ، ولوأنّا أطلقنا عنان القلم في هذا المضمار ، وأجرينا فلك البيان في ذا البحر الزخّار لكنّا بمنزلة من يصف الشمس بالضياء ، أوينعت حاتم بالسخاء ، ولنا دنيا المقام بأفصح لسان ، إنّ العيان يغني عن البيان.

وأمّا شرح شدة التعطش الى رشف راح الوصال ، وحدة التحرق والتلهف الى شرف الإتصال فأعظم من ان يحويه نطاق الكلام ، أو تنبئ عنه ألسنة الأقلام ، فلذلك طوينا كشحاً عن مدّ أطناب الاطناب في ذلك ، فضربنا صفحاً عن إنارة شهاب الاسهاب في تلك المسالك ، واقتصرنا على إهداء طرائف صحائف تسليمات تنهل عن رياض الوداد هواطلها ، وشرائف لطائف تحيات تتبختر في مسالك الاتحاد قوافلها وخوالص خصائص دعوات تتهادى في جادة

________________________

(١) نبهنا عليها فضيلة العلّامة المحقق الحجة السيدعبد العزيز الطباطبائي. والنسخة محفوظة في مكتبة ملك بطهران ضمن مجمو‎عة برقم ٢٨٤٢ تسلسلها ١٠٣ في الصفحة ١٧٧ ـ ١٧٨ انظرفهرستها ٦ : ١٣٧.

(٢) هذا مما تعارفت على المظروف في تلك الحقبة.

٤٣

الاخلاص رواحلها وتصدح في حدائق المودة والاخلاص بلابلها.

هذا وإنّ مجاري أحوال المحب القديم ، الذي هو خالص بالوداد ، مقيم على ما يوجب مزيد الحمد ويستدر أخلاف الشكر ، والأوقات! ـ بتوفيق الله سبحانه ـ مصروفة في تدارك ما فات ، والاستعداد لما هوعن قريب آت.

والمأمول من الألطاف القدسية الاجراء على صفحة الخاطر الأنور ، والضمير الأطهر بما يسنح من صوالح الدعوات المعطرة مشامّ الاجابات ، وفتح أبواب المكاتبات والمراسلات الجالية عن القلب صدأ الآلام والكربات ، الجالبة الى النفس أعظم الأفراح والمسرات.

والسلام عليكم وعلى العاكفين ببابكم ، واللائذين بأعتابكم ورحمة الله وبركاته.

مخلصكم حقا وصدقاً

بهاء الدين

أمّا جواب السيد الدامادقدس‌سره فهو آية من آيات الود والصفاء والمحبة والاخلاص اليك هو وإنك خيرحكم :

ياليتني كنت شيئا من هذه الأرقام ، حيث يلحظها بعين عنايته شيخنا الأفخم الأعظم ، ومخدومنا الأعلم الأكرم ، نطاق الايمان ، وعروة الدين ، قدوة أهل الحق واسوة أهل اليقين ، لازال مجده وبهاؤه ممدوداً بالتظليل على رؤوس المؤمنين وعلى مفارق العالمين(١) .

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد هبت ريح الانس من سمت القد س ، فاتتني بصحيفة منيفة كأنها بفيوضها بروق العقل بوِمُوضها ، وكأنها بمطاويها أطباق الأفلاك بدواريها ، وكأنّ أرقامها باحكامها طبقات الملك والملكوت بنظامها ، وكأن ألفاظها برطوباتها أنهار العلوم بعذوباتها ، وكأن معانيها بأفواجها بحار الحقائق بأمواجها. وأيم الله إن

________________________

(١) تقدم انه مما يكتب على المظروف.

٤٤

طباعها من تنعيم ، ومزاجها من تسنيم ، وإنّ نسيمها من جنان الوَمَضوت ، وإنّ رحيقها لِمَنْ دنان الملكوت.

فاستقبلتها القوى الروحية ، وبرزت اليها القوى العقلية ، ومدت لها قَطَنَة سوامع الشعر أعناقها من كوى الحواس ، وروازن المدارك وشبابيك المشاعر ، وكادت حمامة النفس الناطقه تطير من وكرهاً شغفاً وهزازا ، وتستطار الى عالمهاشوقا واهتزازا ، فلعمري لقد تروّيت ولكني لفرط ظمئي ما ارتويت.

شربت الحبّ كأساً بعد كاس

فما رويت وقد نفد الشراب

 فلازالت مراحمكم الجبلّيلة مدركة للتائقين بأضواء الألطاف الخفية والجلية.

ثم إنّ صورة مراتب الشوق والإخلاص ، التي هي ما وراء ما يتناهى بما لايتناهى ، أظنّها لهي المنطبعة كما هي عليها في خاطركم الأقدس الأنور ، الذي هولاستجرار الوجوه كمرآة مجلوة ، ولغوامض أفانين العلوم ومعضلاتها كمصفاة مسطرة.

وإنكم لأنم بمزيد فضلكم المؤملون لامرار المخلص على حواشي الضمير المقدس المستنير عند صوالح الدعوات السانحات في مئنة الاستجابة ومظنّة الاجابة ، بسط الله ظلالكم وخلد مخدمكم وخلانكم.

والسلام على جنابكم الأرفع الأبهى ، وعلى من يلوذ ببابكم الألمع الأسمى ، ويعكف بفنائكم الأوسع الأسطع الاسنى ، ورحمة الله وبركاته أبداً سرمدا.

مخلصكم الملتاع

محمد باقر الداماد الحسيني

وحكايات ما وقع بينهما من المصافاة والمصادقة كثيرة ، وهكذا يسعد الزمان وأهله بامثال هؤلاء العلماء وهؤلاء الملوك.

٤٥

و يؤكد ذلك السمو والصفاء أيضاً ما نقله السيد الأمين عن المنشئ في عالِمه حيث يقول :

تقلّد الشيخ منصب شيخ الإسلام في اصفهان ، زمن الشاه عباس الكبيرخلفاً للشيخ علي المنشار ، وتبوأ مكانته المعروفة في عهد الشاه المذكور ، ولم يكن لأحد من كبار الرجال الصفويين مركز يداني مركزه ، ولذلك كثر حسّاده ومناوئوه وكثر الدسّ حوله ، حتى تمنّى أَنّ والده لم يخرج به من جبل عامل الى الشرق ، في كلمة قوية عبّر بها عن تبّرمه من فساد الأَخلاق في كثيرمن أَبناء زمانه ومعاصريه.

فقال طيّب الله ثراه : لولم يأت والدي قدّس الله روحه من بلاد العرب ، ولولم يختلط بالملوك ، لكنت من اتقى الناس وأَعبدهم وأَزهدهم ، لكنه طاب ثراه أخرجني من تلك البلاد وأقام في هذه الديار ، فاختلطت بأَهل الدنيا ، واكتسبت أخلاقهم الرديئة ، واتصفت بصفاتهم ، ثم لم يحصل لي من الاختلاط بأهل الدنيا إلّا القيل والقال ، والنزاع والجدال ، وآل الأمر أنْ تصدى لمعارضتي كلّ جاهل ، وجسرعلى مباراتي كل خامل(١) .

هذا نصّ عبارة الشيخ ، وهي نفثة مصدور ، عبّربها ـ كما قلنا ـ عن آلامه وامتعاضه وتكاثر حسّاده ومنافسيه وما كان أكثر هؤلاء الحساد والمنافسين بلاشك إلّا من ذوي الأطماع وعباد المصالح الشخصية والجاه الزائف ، ولكنهم معذلك لم ينالوا منه منالاً ولا استطاعوا أَن يزعزعوا من مركزه الكبير.

ا ُ نظره يقول :

قد جرى ذكري يوماً في بعض المجالس العالية ، والمحافل السامية ، فبلغني أنّ بعض الحضّار ـ ممن يدعي الوفاق وعادته النفاق ، ويظهر الوداد ودأبه العناد ـ جرى في ميدان البغي والعدوان ، وأطلق لسانه في الغيبة والبهتان ، ونسب إليّ من العيوب ما لم تزل فيه ، ونسي قوله تعالى :( أيحب أحَدكم أن يأكل لحم

________________________

(١) الكشكول ١ : ٢١٣ ، اعيان الشيعة ٩ : ٢٤٠ ، ولم اعثر عليه في عالم آرا وانظر ١ : ١٥٥ وانظر ريحانة الأدب ٣ : ٤٠٣.

٤٦

أخيه ) (١) .

فلما علم أني علمت بذلك ، ووقفت على سلوكه في تلك المسائل ، كتب إليّ رقعة طويلة الذيل ، مشحونة بالندم والويل ، يطلب فيها الرضا ، ويلتمس الإغماض عمّا مضى.

فكتبت اليه في الجواب : جزاك الله خيراً فيما أهديت إليّ من الثواب ، وثَقّلت به ميزان حسناتي يوم الحساب ، فقد روينا عن سيد البشر ، والشفيع المشفع في المحشر أنه قال :

( يجاء بالعبد يوم القيامة ، فتوضع حسناته في كفة ، وسياته في كفة ، فترجح السيئات فتجيء بطاقة فتقع في كفة الحسنات فترجح بها. فيقول : يارب ماهذه البطاقة؟!! فيقول عزّوجل : هذا ما قيل فيك وأنت منه بريء ).

فهذا الحديث قد أوجب بمنطوقه عليّ أن أشكر ما أسديته من النعم إليّ ، فكثّر الله خيرك وأجزل مبرك.

مع أني لو فرض أنّك شافهتني بالسفاهة والبهتان ، وواجهتني بالوقاحة والعدوان ، ولم تزل مصراً على شناعتك ليلاً ونهاراً ، مقيماً على سوء صناعت كسراً وجهاراً ، ما كنت اُقابلك إلا بالصفح والصفا ، ولا اُعاملك إلا بالمودة والوفاء ، فإنّ ذلك من أحسن العادات ، وأتم السعادات ، وإن بقيت مدة الحياة اعز من أن تصرف في غيرتدارك ما فات ، وتتمة هذا العمر القصير لاتسمع مؤاخذة احد على التقصير(٢) .

نعم هذه أخلاق لومزجت بها البحر لعذب ماؤه طعماً.

وكان ذلك من بواعث تنغيص عيشه ، وتكدير صفو حياته أحياناً ، وطالما نفّس عن كربه بالعزلة أو بالسياحة والرحلة.

__________________

(١) الحجرات ، مدنية ، ٤٩ : ١٢.

(٢) الكشكول ١ : ٢١٠ / سلافة العصر : ٢٩٢.

٤٧

أدبه

إن شيخنا المصنفقدس‌سره على توغله في العلوم عامة ، وتسنّمه المناصب العالية ، لم يكن تاركاً لحلبة الأدب نظماً ونثراً. يصف أدبه المدني قائلاً :

« وأما أدبه فالروض المتأرج أنفاسه ، المتضوّع بنثره ونظمه ورده وآسه ، المستعذب قطافه وجناه ، والمستظرف لفظه ومعناه »(١) .

لِمَ لايكون كذلك وهو « تسجيل حي لخواطر يعيشها الأديب وتثيرها أماني مضطرمة ، والام محمومة ، فينظمها ليؤدي بها خدمة انسانية ، وواجباً أخلاقياً إصلاحياً بطريقة النقد البناء »(٢) .

نعم إن « شعره الحسن النائب مناب سلامة الرحيق ، فيه ماشئت من رقة الألفاظ ولطافة معان تتعلم منها السحر غمزات وألحاظ وتفنن »(٣) .

هذا وقد نظم الشيخقدس‌سره باللغتين الفارسية والعربية فأجاد فيها وأفاد.

وأمّا نثره ، فهوكما قال المحبي :

« إذا طلعت أغصان أقلامه في رياض أدبه الجنيّة الغروس ، سجدتلها ، الأقلام سجدة الشكرفي محاريب الطروس ، فأقلام إفاداته لانسب باعياء قط ، وصحائف فجره لم تسنن من حسود بنقط »(٤) .

مع كل هذا لم نجد لم ديوان شعرمجموع ، غير أن شعره مبثوث في كشكوله وغيره من مؤلفاته ، نعم جمع شعره بالعربية الشيخ محمد رضا بن الشيخ الحر العاملي في ديوان(٥) ، ولم نعثر عليه.

________________________

(١) سلافة العصر : ٢٩١.

(٢) مقدمة الكشكول : ٩٢ ، بتصرف.

(٣) نفحة الريحانة : ٢ : ٢٩٣.

(٤) نفحة الريحانة : ٢ : ٢٩٣.

(٥) أمل الآمل ١ / ١٥٧.

٤٨

وقد تجمع لدينا مجموع لابأس به ، نرجو التوفيق لجمع أكثر منه ونشره مع شرح قصيدته ـ التي هي من غررشعره ـ رائيته الشهيرة التي يمدح فيها الامام الحجة المنتظر صلوات الله عليه وعجل فرجه تناهز الخمسين بيتاً.

و هي :

سرى البرق كل من نجد فجدد تذكاري

عهوداً بحزوى والعذيب وذي قار

وهيج من أشواقنا كل كامن

واجج في احشائنا لاهب النار

ألا يا لييلات الغوير وحاجر

سقيت بهام من بني المزن مدرار

ويا جيرة بالمأزمين خيامهم

عليكم سلام الله من نازح الدار

خليلي مالي والزمان كأنما

يطالبني في كل وقت بأوتار

فابعد أحبابي واخلى مرابعي

وابدلني من كل صفو بأكدار

وعادل بي من كان اقصى مرامه

من المجد أن يسمو إلى عشر معشاري

ألم يدر أني لا اذل لخطبه

وإن سامني بخسًا وارخص اسعاري

مقامي بفرق الفرقدين فما الذي

يؤثره مسعاه في خفض مقداري

واني امرؤ لا يدرك الدهر غايتي

ولا تصل الأيدي الى سر أغواري

اُخالط أبناء الزمل بمقتضى

عقولهم كي لا يفوهوا بانكار

واظهر اني مثلهم تستفزني

صروف الليالي باحتلاء وامرار

واني ضاوي القلب مستوفز النهي

اسر بيسر أو امل باعسار

ويضجرني الخطب المهول لقاؤه

ويطربني الشادي بعود ومزمار

ويصمي فؤادي ناهد الثدي كاعب

باسمر خطار واحور سحار

واني سخي بالدموع لوقفة

على طلل بال ودارس احجار

وما علموا اني امرؤ لا يروعني

توالي الرزايا في عشي وابكار

إذ دك طور الصبر من وقع حادث

فطوراصطباري شامخ غير منهار

وخطب يزيل الروع ايسر وقعه

كؤود كوخز بالأسنة سعار

تلقيته والحتف دون لقائه

بقلب وقور في الهزاهز صبار

ووجه طليق لا يمل لقاؤه

وصدر رحيب من ورود واصدار

ولم اُبده كي لا يساء لوقعه

صديقي ويأسي من تعسره جاري

 

٤٩

ومعضلة دهماء لا يهتدى لها

طريق ولايهتدى الى ضوئها الساري

تشيب النواصي دون حل رموزها

ويحجم عن اغوارها كل مغوار

اجلت جياد الفكر في حلباتها

ووجهت تلقاها صوائب انظاري

فابرزت من مستورها كل غامض

وثقفت منها كل قسور سوار

أأضرع للبلوى واغضي على القذى

وارضى بما يرضى به كل مخوار

وافرح من دهري بلذة ساعة

واقنع من عيشي بقرص واطمار

إذ لا ورى زندي ولا عز جانبي

ولا بزغت في قمة المجد اقماري

ولا بل كفي بالسماح ولا سرت

بطيب احاديثي الركاب واخباري

ولا انتشرت في الخافقين فضائلي

ولاكان في المهدي رائق اشعاري

خليفة رب العالمين وظله

على ساكني الغبراء من كل ديار

هو العروة الوثقى الذي من بذيله

تمسك لا يخشى عظائم اوزار

امام هدى لاذ الزمان بظله

والقى اليه الدهر مقود خوار

ومقتدر لو كلف الصم نطقها

بأجذارها فاهت إليه بأجذار

علوم الورى في جنب ابحر علمه

كغرفة كف أو كغمسة منقار

فلو زار افلاطون اعتاب قدسه

ولم يعشه عنها سواطع انوار

رأى حكمة قدسية لا يشوبها

شوائب انظار وادناس افكار

بإشراقها كل العوامل اشرف

لما لاح في الكونين من نورها الساري

امام الورى طود النهى منبع الهدى

وصاحب سر الله في هذه الدار

به العالم السفلي يسمو ويعتلي

على العالم العلوي من غير انكار

ومنه العقول العشر تبغي كمالها

وليس عليها في التعلم من عار

همام لو السبع الطباق تطابقت

على نقض ما يقضيه من حكمه الجاري

لنكس من ابراجها كل شامخ

وسكن من افلاكها كل دوار

ولانتثرت منها الثوابت خيفة

وعاف السرى في سورها كل سيار

أيا حجة الله الذي ليس جارياً

بغير الذي يرضاه سابق اقدار

ويا من مقاليد الزمان بكفه

وناهيك من مجد به خصه الباري

اغث حوزة الايمان واعمر ربوعه

فلم يبق منها غير دارس آثار

٥٠

وانقذ كتاب الله من يد عصبة

عصوا وتمادوا في عتو واصرار

يحيدون عن آياته لرواية

رواها أبو شعيون عن كعب الأحبار

وفي الدين قد قاسوا وعاثوا وخبطوا

بآرائهم تخبيط عشواء معسار

وانعش قلوباً في انتظارك قرحت

واضجرها الأعداء أية اضجار

وخلص عباد الله من كل غاشم

وطهر بلاد الله من كل كفار

وعجل فداك العالمون بأسرهم

وبادرعلى اسم الله من غير انظار

تجد من جنود الله خيركتائب

واكرم اعوان وأشرف انصار

بهم من بني همدان اخلص فتية

يخوضون اغمار الوغى غير فكار

بكل شديد الباس عبل شمردل

الى الحتف مقدام على الهول صبار

تحاذره الأبطال في كل موقف

وترهبه الفرسان في كل مضمار

أيا صفوة الرحمن دونك مدحة

كدر عقود في ترائب ابكار

يهنا ابن هاني ان اتى بنظيرها

ويعنو لها الطائي من بعد بشار

اليك البهائي الحقير يزفها

كغانية مياسة القد معطار

تغار إذا قيست لطافة نظمها

بنفحة ازهار ونسمة اسحار

إذا رددت زادت قبولاً كانها

أحاديث تجد لا تمل بتكرار

وقد جاراها جمع وشرحها آخرون فممن جاراها :

العلّامة الأمير السيد علي بن خلف المشعشعي الحويزي(١) بقصيدة مطلعها :

هي الدار ما بين العذيب وذي قار

عنت غير سحم ما ثلات وأحجار

________________________

(١) السيد علي خان بن خلف المطلب بن حيدر بن محمد بن فلاح الموسوي الحسيني المشعشعي الحويزي ، والي الحويزة ، شاعر أديب جليل القدر ، له تصانيف ، منها : النور المبين ، ديوان شعر ، خير المقال شرح القصيدة المقصورة في الأدب ، وغيرها.

له ترجمة في أمل الآمل ٢ / ١٨٦ ت ٥٥٤ / رياض إلعلماء ٤ / ٧٧ ، سلافة العصر : ٥٤٥ الفوائد الرضوية : ٢٩٠ / أعيان الشيعة ٨ / ٢٣٥ الاجازة الكبيرة للسيد الجزائري : ٨١ / معجم المؤلفين ٧ / ٨٦.

٥١

والعلّآمة الشيخ جعفر بن محمد الخطي المعاصرللشيخ البهائي إجتمع معه في اصفهان فانشده الشيخ رائيته طالباً منه مجاراتها ، فطلب الشيخ الخطي تاجيله ثلاثة أيام ثم لم يرتض ذلك لنفسه فقام في المجلس مرتجلاً قصيدته العصماء التيأولها :

هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري

فسقياً فخير الدمع ما كان للدارِ

 ومنهم الشاعر الفذ الفاضل علي بن زيدان العاملي المتوفى ١٢٦٠ بمعركة ( جنوب لبنان ) جارى قصيدة الشيخ بعصماء أولها :

حنانيك هل من وقفة أيها الساري

على الدار في حكم الصبابة من عارِ؟

وممن شرحها :

الشيخ أحمد بن علي المنيني الدمشقي وطبع الشرح آخر الكشكول في الطبعة المحرفة المصرية.

ومنهم العلّامة الجليل حجة البحث والتأريخ الشيخ جعفر النقديقدس‌سره وبكتابه الذي أسماه منن الرحمان.

يقع بجزءين طبع في النجف الأشرف سنة ١٣٤٤ في المطبعة المرتضوية ، والان قيد التحقيق نأمل من العلي القدير التوفيق لإ تمامه.

* * *

٥٢

مؤلفاته وآثاره

ممّا لاشك فيه أن تأريخ العلم ومعاجم التراجم تحفل بذكر عدد كبير من علماء المسلمين ، منهم من نراه قد اقتصرعلى فنّ من فنون المعرفة ، أوعالم من علوم الشريعة ؛ ومنهم من انقطع لعلوم الدنيا لاغير ، وكل منهم عاش إطارفنه وعلمهوما كتبه فيه.

ولكن نرى الشيخ البهائيقدس‌سره جمع من العلوم أكثرها ، واختص بكتابة المختصرات الحاوية لعصارة مجلدات وتفوق فيها.

فنراه فقيهاً مع الفقهاء ، محدّثاً مع أهل الحديث ، مفسّراً مع المفسرين ، أديبا مع الاُدباء ، ورياضياً وفيلسوفاً مع أصحاب التعاليم ، وو وو وإنّ قسماً من آثاره في الرياضيات والفلك لازالت مرجعاً لكثيرين من علماء المشرق والمغرب ومعيناً يرتشف منه طلاب المدارس والجامعات وعلوم الدين.

وما ذاك إلا لأنه « زين بمآثره العلوم العقلية والنقلية ، وملك بذهنه جواهرها السنية ، لا سيّما الرياضيات فانّه راضها وغرس في حدائق الألباب رياضها »(١) .

إذن هو بحق مشارك عجيب في جميع ألوان الصرفة والعلوم من عقلية ونقلية ، وقد وفق في أغلب ما كتبه ، بدليل ما نراه من اهتمام العلماء في شرحكتبه وآثاره ، وفعاليتها مع مرور الزمن ، وبقاؤها جديدة طريفة.

عزيزي القارئ كنا قد هيّئنا سرداً لما عثرنا عليه من أسماء مؤلفات الشيخ وشروحها وما علق عليها ، وحيث اقترح علينا بعض الفضلاء إلحاقها بأمكنة وجود المخطوط منها وبيان المطبوع ، ارتأينا إرجاء نشرها حيث لنا موعد مع الشيخ المصنف في شرح قصيدته ( سرى البرق ) فإلى هناك آملين منها الدعاء بالتوفيق للوصول للمأمول.

________________________

(١) ريحانة الألباء ١ : ٢٠٧.

٥٣

وفاته

كما اختلف المؤرخون في ولادته ومحلها ، فقد اختلفوا في سنة وفاته ، ويومها دون محلها.

اذ من الثابت أنها كانت في أصفهان ، في الثاني عشر او الثامن عشر من شهر شوال.

أما السنة فهناك أقوال خمسة هي :

١ ـ أنها كانت سنة ١٠٢٩ ، ومستنده التاريخ الذي صنعه الشيخ صالح البحراني ، المعاصر للسيد الجزائري وهو :

بدر العراقين خبا ضوؤه

ونيّر الشام وبدر الحجاز

أردت تاريخاً فلم أهتد

له فاُلهمت قل : ( الشيخ فاز )(١)

ويدفعه وجود نسخة من الإثني عشريات الخمس بخط تلميذه محمد هاشم الاتكاني فرغ منها في شوال ١٠٢٩ ، وعليها إجازة للشيخ البهائي في العشر الأوسط من أول ربيعي١٠٣٠ ، وفى آخر الصلاتية بلاغ مؤرخ في العشر الأول من شهر رجب من عام ١٠٣٠(٢) .

٢ ـ كونها سنة ١٠٣٠ ، وهو المنقول عن جمع ، منهم تلميذه ومصاحبه السيدحسين بن السيد حيدر بن الحسيني الكركي حيث يقول على ما حكي عنه : « وتوفى قدس الله روحه ـ الشيخ البهائي ـ في أصفهان في شهر شوال سنة ألف وثلاثين وقعت رجوعنا من زيارة بيت الله الحرام »(٣) .

وقد تساءل المحقق الحجة السيد المهدي من آل الخرسان في مقدمته عن هذه الزيارة وماهيتها قائلاً :

__________________

(١) روضات الجنات ٧ : ٧٩ / زهر الربيع ٢ : ٩ / كشكول البحراني ٢ : ٢٤٥.

(٢) انظر الذريعة ١ : ٢٣٩ ت ١٢٦٦ / الروضة النضرة : ٦٣٠. وقد رأيت مصورتها لدى العلّامة السيدأحمد الحسيني دام عزه.

(٣) روضات الجنات ٧ : ٥٩.

٥٤

 « أهي عمرة رمضانية؟ أم هي حج؟ ولا يكون الرجوع منه في شوال. أم أنّها كانت في سنة ١٠٢٩ ولم يصرح به أحد »؟(١) .

والذي يبعد احتمال سفر الشيخ أساساً هو ما عثرعليه من كتب كان أوقفها على الروضة المقدسة الرضوية ، وإجازات أجازها لتلامذته وغيرهم في هذه الفترة وهي آواخرسنة ١٠٢٩ وأوائل ١٠٣٠.

نعم عود الضمير في قول السيد الكركي « رجوعنا » كان سبباً في عدم وضوح الكلام إذ اخذ متكلماً مع الغير.

ولكن أخذه للمتكلم لوحده بقصد التعظيم ـ ولا مانع منه إذا عُرف مقام المتكلم ـ يصيّر الزيارة زيارته هو ، ولا بد أنّها كانت سنة ١٠٢٩ فيصح ما نقل عنه.

ويؤيده ما ذكره الخونساري في روضاته : من أنه راى في بعض التعليقات القديمة على كتاب توضيح المقاصد للشيخ البهائي أنّه توفي ثاني عشر شوال سنة ١٠٣٠ وتاريخه بالفارسية :

بي سر وپا گشت شرع

وأفسر فضل اُوفتاد(٢)

وممن ذهب إلى أنّها في سنة ١٠٣٠ تلميذه المولى المجلسيّ الأول حيث يقول : ومات سنة ١٠٣٠ في اصفهان ونقل جثمانه إلى مشهد الامام الرضا(٣) .

والشيخ القمي في هديته وضبطه بقوله : « تلخ »(٤) .

والنصر آبادي في تذكرته(٥) .

________________________

(١) مقدمة الكشكول الطبعة النجفية : ٩٧.

(٢) روضات الجنات ٧ : ٧٩ ، وانظر التذكرة للنصرآبادي : ١٥١ ، وبهجة الآمال ٦ : ٤٠٥ ، وريحانة : الأدب ٣ : ٣١٩ ، ومعنى البيت هكذا

اُترك من كلمة « شرع » الرأس إشارة الى حرف الشين ، والرجل إشارة الى حرف العين ، وأفسر أي اترك الفاء من كلمة فضل فالباقي من الأول الراء وهي( ٢٠٠ ) والضاد واللام وهما( ٨٣٠ ) فالمجموع ١٠٣٠. أمل الآمل ١ / ٢٥ ت ١.

(٣) روضة المتقين ١٤ : ٤٣٥ بتصرف.

(٤) هدية الاحباب : ١٢٤.

(٥) تذكرة النصرآبادي : ١٥١.

٥٥

وبه جزم جمع منهم محمد قاسم بن مظفر المنجم المعاصرللشيخ البهائي في كتابه التنبيهات(١) .

والمنشئ في كتابه تاريخ عالم آرا ، حيث ضبط الوفاة في حوادث عام ١٠٣٠ وقال ما ترجمته : ( توفى يوم الثلاثاء ١٢ شوال سنة ١٠٣٠ ) ، ولكنه بُعيد ذلك ينقل تاريخين :

أحدهما ، بعد حسابه يكون ١٠٣٠ ، وهو التاريخ الذي صنعه محمد صالح ابن اخ المنشئ وهو : ( أفسوس زمقتداي دوران ) ـ والثاني : ١٠٣١(٢) وهوإمّا غفلة أو ليظهر الترديد ، ومنه بعيد.

والتفرشي في نقده(٣) .

٣ ـ أنّها كانت سنة١٠٣١. واليه مال جمع منهم المحبّي في خلاصته(٤) والسيد المدني في سلافته وحدائقه(٥) واقدم منهما معاصر الشيخ وتلميذه نظام الدين الساوجي متمّم الجامع العباسي(٦) . ومن هنا يتصف هذا القول بنحومن القوة والشيخ يوسف البحراني في لؤلؤته(٧) وآخرون.

________________________

(١) بما أن المنجم هذا لضبطه الحوادث الفلكية أهمية خاصة وخاصة إذا أراد أن يستدل منها على حدوث امور فلابد أن تكون مضبوطة لايتطرق إليها الشك والاحتمال ، أضف إلى ذلك كونه معاصراً للحادثة المستدل عليها ، فانظره يقول ما : إنّ رجوع المريخ في برج العقرب دليل على بروزحادثة في دنيا الإسلام تكون سبباً لحصول وهن وضعف فيه ، وقد عاد سنة ١٠٣٠ وحال المشتري في ألضعف ، وبعد التفكر والتدبر وقع في خاطري أنّه يموت من العلماء وهذا ما حصل بوفاة الشخ البهائيقدس‌سره . وانظرمجلة نورعلم ٧ س ٢ : ٧٦.

(٢) تاريخ عالم آرا ٢ : ٩٦٨ ، إن المؤرخ الاسكندر ببك تركمان والملقب بالمنشئ له أهمية خاصة بسب كونه مؤرخ الدولة في حينه ، والذي كان يسجل الحوادث أولاً بأول ، ولمعاصرته لها ، ولذا فانّ ما يذكره له من الأهمّية مكان خاص. وانظرمجلة نورعلم ٧ س ٢ : ٧٦.

(٣) نقد الرجال : ٣٠٣ ت ٢٠٦.

(٤) خلاصة الأثر ٣ : ٤٥٤.

(٥) سلافة العصر : ٢٩١ / الحدائق النديّة : ٤.

(٦) حيث يقول ما معّربه : وعند اتمام الباب الخامس في الثاني عشرمن شهرشوال سنة ١٠٣١هجري انتقل الى جوار ربه الرحيم انظر الجامع العباسي : ١٣٧ ، مقدمة الباب السادس.

(٧) لؤلؤة البحرين : ٢٢ ، ونسب ١٠٣٠ للقيل.

٥٦

ويؤيده التاريخ الذي وضعه اعتماد الدولة ميرزا ابوطالب حيث يقول : فيه : ( شيخ بهاء الدين واي )(١) ، وبحسابه الأبجدي يكون ١٠٣١. وهو الظاهر من زبدة المقال وشرحها حيث جاء فيها :

وابن الحسين سبط عبد الصمد

بهاء ديننا جليل أوحدي

حاز العلوم كلها واستكملا

وعمره : ملح ، توفى في : غلا(٢)

واليه مال القمي في كناه(٣) والشيخ الطهراني في مصفى المقال(٤) .

٤ ـ أنها كانت سنة ١٠٣٢ واليه ذهب صاحب رياض العارفين(٥) .

٥ ـ كونها سنة١٠٣٥ وقد نسبه في الأمل الى مشايخه(٦) ، وهو بعيد. وقد نقل في الروضات عن الأمل أنه سمع من المشايخ أنّها كانت سنة ثلاثين بعد الألف(٧) ، ولعله في الأمل من تصحيفات النسخة ومنه سرت الى الباقين(٨) .

الرأي المختار

وعلى أية حال فان المعتمد المشهور هو القول الثاني ، أي أنّ وفاة الشيخقدس‌سره كانت سنة ١٠٣٠ ، لقوة القرائن والمصادر الذاهبة إليه المعاصرة له.

عمره الشريف :

وأمّا سني عمره الشريف فهي بعد ذلك معلومة ، اذ هي على المختار ٧٧سنة.

بناء على أنّ ولادته كانت سنة ٩٥٣ كما هو الحق المشهور.

وأمّا بناء على أنّها سنة ٩٥١ فيكون عمره الشريف : ٧٩ سنة.

________________________

(١) عالم آرا ٢ : ٩٦٨. ولعل همزة بهاء زائدة تكتب ولا تحسب اولا تكتب. فيتحد مع الذي قبله.

(٢) انظر بهجة الآمال في شرح زبدة المقال ٦ : ٣٩١.

(٣) الكنى والألقاب ٢ : ١٠١.

(٤) مصفى المقال : ٤٠٤.

(٥) رياض العارفين ، وانظر ريحانة الأدب ٣٢٠ : ٣.

(٦) أمل الآمل ١ / ١٥٨.

(٧) روضات الجنات ٧ / ٦٢.

(٨) إذ أنّ الصفر كانت كتابته اقرب الى ألخمسة.

٥٧

و مهما يكن من أمر ـ كما عرفت ـ فإن الشيخ لبّى نداء ربه الكريم في مدينة أصفهان يصف الشيخُ المولى المجلسي الأول الصلاة عليه قائلاً : « تشرّفت بالصلاة عليه في جميع الطلبة والفضلاء وكثير من الناس ، يقربون من خمسين ألف »(١) .

و نقل جثمانه الشريف الطاهر إلى مرقده الأخير في مشهد الإمام الرضا عليه آلاف التحيّة والثناء ، ليدفن في داره المجاورة للحرم الشريف وتصبح فيما بعد جزءاً منه كما هو المشاهد اليوم ، حيث يمرّمن عنده آلاف الزائرين مترحّمين على ذلك الذي كان اُمّة لوحده اُمّة في كل شيء.

فسلام عليه يوم ولد ، ويوم مات ، ويوم يبعث حيّاً.

وليكن هذا آخرما نورده في هذه المقدّمة ، والحمد لله رب العالمين أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً ، وصلّى الله على سيدنا محمد النبي واله الطيّبين الطاهرين.

* * *

________________________

(١) روضة المتّقين ١٤ : ٤٣٦.

٥٨

منهج التحقيق

اعتمدت في عملي على نسخة الأصل ، التي هي بخطّ المصنّفقدس‌سره ، والتي أرشدني إليها سماحة العلامة المتتبّع السيد عبدالعزيز الطباطبائي دام مجده مشكوراً ، بعد أن كدت أتيه في بحر اختلافات أربع نسخ ـ محفوظة في خزانة المكتبة الرضوية العامرة ـ لما في الرسالة من بحوث في الهيئة ، وغيرها ، ممّا تحتاج إلى مقدّمات لاتعزب عن القارئ المطلع ، ولما فيها من أخطاء.

والنسخة المعتمدة محفوظة في خزانة المكتبة المركزية لجامعة طهران العامرة برقم «١» ، فاعتمدتها أصلاً للعمل ، كما هو المتّبع مع نسخة المصنّف لدى العثور عليها عادة.

والنسخة هي بطول ٣١ سنتمتر ، وعرض ٥ / ٢٠ سنتمتر ، وتحوي كل صفحة ٢١ سطراً ، و ١٥ كلمة في كل سطرتقريباً. ومجموعها ٣٣ ورقة.

وخطّها نسخ وتاريخها سنة ١٠٠٣.

وهي السنة الي تشرف فيها لزيارة العتبات المقدّسة في العراق وكان في هذا التأريخ في مدينة الكاظمية المقدسه لزيارة مرقد الإمامين الكاظمينعليها‌السلام .

وكان عملي فيها كالآتي :

١ ـ توزيع النصّ وضبطه بصورة صحيحة كما يراه القارئ العزيز.

٢ ـ توزيع الأعلام الواردة في الرسالة.

٣ ـ شرح ما لعله بحاجة إلى شرح.

٤ ـ إثبات جميع ما على النسخة من هوامش في محلّها.

٥ ـ إرجاع الأقوال إلى المصادر المنقولة عنها.

٦ ـ إرجاع الأحاديث إلى المصادر الحديثة الاُمّ.

٧ ـ الاشارة إلى موارد الآيات الكريمة.

٨ ـ عمل الفهارس الفنّية اللازمة للرسالة.

٥٩

شكر وتقدير

وأنا أختم مقدّمتي هذه أرى لزاماً عليَّ أن أشكر الذوات الّذين ساعدونيفي عملي هذا ، ومنهم :

سماحة آية الله الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، على مراجعته الكتاب ونقده له.

فضيلة الأخ الكبير الاُستاذ أسد مولوي ، لما لمست لديه من طيبة ومحبّة ، حيث كان لي خيرِمعين ومرشد في مراحل العمل.

ولما تبذله مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث من جهودمشكورة في مجال عملها الذي لايعلم بما تتحمّله في سبيل أداء رسالتها إلآ الله العلي القدير.

ولما بَذَلَتْه لكي ترى هذه الرسالة النور.

فلها منّي ومن كل المعنيين بتراث أهل البيت: جميل الشكروالتقدير.

قم

٩ / ربيع الأول / ١٤١٠

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208