الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة27%

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 208

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة
  • البداية
  • السابق
  • 208 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128713 / تحميل: 7999
الحجم الحجم الحجم
الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قال العلامة في التذكرة : إنَّ الأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنَّ حدبة الأرض مانعة لرؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربيّة لمن جد في السيرنحو المشرقوبالعكس(١) ، إنتهى كلامه زيد إكرامه [١٠ / أ].

و قال فخر المحقّقين في الإيضاح : الأقرب أنَّ الأرض كروية؟لأنَّ الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية ، وكذا في الغروب.

فكلّ بلد غربب بَعُد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة.

و إنَّما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية ، حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية ، وأكثر من ساعات بلدنا في المساكنالشرقية ، فعرفنا أنَّ غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا ، وغروبها في المساكن الغربية بعدغروبها في بلدنا ، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد.

ولأنَّ السائر على خط من خطوط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي ، وبالعكس(٢) ، انتهى كلامه رفع الله مقامه ؛ وهو خلاصة ما ذكره صاحب المجسطي ، وغيره في هذا الباب.

ولا يخفى أن قولهرحمه‌الله  : ولأن السائر ، إلى آخره ، من تتمة الدليل ؛لأن اختلاف المطالع والمغارب لا يستلزم كروية الأرض بل استدارتها فيما بين الخافقين فقط ، فيتحقق لوكانت اسطوانية الشكل مثلاً كما لا يخفى.

ولنشرع الآن في شرح الدعاء.

________________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٠٣.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.

٨١

قال مولانا وإمامنا سيّد العابدين ، وقبلة أهل الحق واليقين ، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

« أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في منازل التقدير ، المتصرّف في فلك التدبير ».

لفظة « أي » : وسيلة إلى نداء [١٠ / ب ] المعرّف باللام ، كما جعلوا « ذو » وسيلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، و « الذي » وسيلة إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنَّ إلصاق حرف النداء بذي اللام يقتضي تلاصق أداتي التعريف ، فإنّهما كمثلين كما قالوا ، وإنَّما جاز في لفظ الجلالة للتعويض ولزوم الكلمة المقدسة ، كما تقرر في محلّه ، واعطيت حكم المنادى ، والمقصود بالنداء وصفها ، ومن ثمّ التزم رفعه ، واقحمت هاء التنبيه بينهما تاكيداً للتنبيه المستفاد من النداء ، وتعويضاً عمّا تستحقه « أي » من الإضافة.

« والخلق » : في الأصل مصدر بمعنى الإِبداع والتقدير ، ثم استعمل بمعنى المخلوق ، كالرزق بمعنى المرزوق.

« والدائب » ـ بالدال المهملة واخره باء موحدة ـ : اسم فاعل من دَأَبَ فلان في عمله أي جدّ وتعب.

و جاء في تفسير قوله تعالى :( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) (١) ، أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية(٢) ، والمصدر

________________________

(١) إبراهيم ، مكية ، ١٤ : ٣٣.

(٢) تفسير التبيان ٦ : ٢٩٧ / مجمع البيان ٣ : ٣١٦ / تفسير الفخر الرازي ١٩ : ١٢٨ / الجامع لأحكام

٨٢

 « دَأْب » باسكان الهمزة وقد تحرك ، ودُؤُب بضمّتين(١) .

« والسرعة » : كيفية قائمة بالحركة ، بها تقطع من المسافة ما هو أطول في زمان مساوٍ أو أقصر ، وما هو مساوٍ في زمن أقصر.

ووصفهعليه‌السلام  القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية ، وهي التي يدور بها على نفسه.

وتحرك جميع الكواكب بهذه الحركة ممّا قال به جم غفير من أساطين الحكماء ، وهو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئاً غيرثابت في جرمه ، وإلَّا لتبدل وصفه ، كما قاله سلطان المحققين(٢) قدس الله روحه في شرحالإشارات(٣) ، وستسمع فيه كلاماً إن شاء الله.

و الأظهر أنَّ ما وصفه بهعليه‌السلام  من السرعة إنَّما هو باعتبار حركته العرضية التي بتوسط فلكه ، فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غيرمحسوسة ولامعروفة ، والحمل على المحسوس المتعارف أولى.

________________________

القرآن ٩ : ٣٦٧ / المفردات : ١٧٤.

(١) الصحاح ١ : ١٢٣ / تاج العروس ١ : ٢٤٢ مادة ( دأب ) فيهما.

(٢) سلطان المحققين ، الخواجه نصير الدين الطوسي ، محمد بن محمد بن الحسن الجهروردي القمي.حجة الفرقة الناجية ، فخر الشيعة الإمامية ، ناموس دهره ، فيلسوف عصره ، افضل الحكماء والمتكلمين ، سلطان العلماء والمحققين ، علامة البشر ، نصير الملة والدين ، الذي ارتفع صيته في الآفاق ، خضع له الموافق والمخالف؛ له مكتبة تناهز الأربع مئة ألف كتاب ، أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الأوقاف ، أسس المرصد المعروف بمراغه ، زها العلم في زمنه ؛ له مؤلفات منها تحرير اقليدس ، تحرير المجسطي ، شرح الاشارات ، الفصول النصيرية ، الفرائض النصيرية ، التذكرة النصيرية ، وغيرها.

مات سنة ٦٧٢ هـ = ١٢٧٣ م ودفن في الروضة المطهرة الكاظمية.

انظر : روضات الجنات ٦ : ٣٠٠ رقم ٥٨٨ / تاسيس الشيعة : ٣٩٥ / تنقيح المقال ٣ : ١٧٩ رقم ١١٣٢٢ / شذرات الذهب ٥ : ٣٣٩ / البداية والنهاية ١٣ : ٢٦٧ / جامع الرواة ٢ : ١٨٨ / تاريخ مختصر الدول : ٢٨٦ / فوات الوفيات ٣ : ٢٤٦ رقم ٤١٤ / تاريخ آداب اللغة العربية ٢ : ٢٤٥رقم ١ / أعيان الشيعة ٩ : ٤١٤ / نقد الرجال : ٣٣١ رقم ٦٩١ / أمل الآمل ٢ : ٢٩٩ رقم ٩٠٤.

(٣) شرح الاشارات والتنبيهات ٢ : ٣٤.

٨٣

و سرعة حركة القمر(١) بالنظر الى سائر الكواكب ؛ أما الثوابت فظاهر ، لكون حركتها أبطأ الحركات حتى أنَّ القدماء لم يدركوها ؛ وأمَّا السيارات فلأن زحل[١١ / أ] يتم الدور في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنة وعشرة أشهر ونصف ، وكلاً من الشمس والزهرة وعطارد في قريب سنة ، وأما القمر فيتم الدور في قريب من ثمانية وعشرين يوماً.

هذا ولا يبعد أن يكون وصفهعليه‌السلام  القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنّها ذاتية له ، بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات فيأفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء ، كما ذهب إليه جماعة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٢) .

ودعوى امتناع الخرق على الأفلاك لم تقرن بالثبوت ، وما لفَّقه الفلاسفة لاثباتها أوهن من بيت العنكبوت ؛ لابتنائه على عدم قبول الأفلاك باجزائها للحركة المستقيمة ، ودون ثبوته خرط القتاد(٣) ، والتنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ناطق بانشقاقها(٤) .

وما ثبت من معراج نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجسده المقدس الى السماء السابعة صاعداً شاهد بانخراقها.

________________________

(١) في هامش بعض النسخ ما لفظه : نُقل عن بعض الأكابر أنّ ما يدل على سرعة حركة القمر ـ أيضاً ـ التناسب العددي ببن « القي » واسم « السريع » ، إذ كلّ منهما ثلاثمائة وأربعون ، والتناسببحسب النقاط أيضاً ، هو من الأسرار!!!.

(٢) الأنبياء ، مكية ، ٢١ : ٣٣.

(٣) قوله : « دون ثبوته خرط القتاد » مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما والقتاد : شجر شاك صلب فيه مثل الابر ، والخرط نزع قشر الشجر جذباً بالكف. والمعنى أنتحمل نزع قشر القتاد أهون من حصول العمل.

انظر : لسان العرب ٣ : ٣٤٢ و ٧ : ٢٨٤ / مجمع الامثال ١ : ٢٦٥ ت ١٣٩٥. (٤) المراد بانشقاقها : انشعاب فيها في القيامة ، كقوله تعالى «وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » [ الحاقة ، مكية ، ٦٩ : ١٦ ] وقوله تعالى : « إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت » [ انفطار ، مكية ، ٨٢ : ١ و ٢ ] إلى غير ذلك من الآيات ، « منه ». قدس سره ، هامش الأصل.

٨٤

تكملة :

أرادعليه‌السلام  بمنازل التقدير منازل القمر الثمانية والعشرين ، التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة ، فيرى كلّ ليلة نازلاً بقرب واحد منها ، قال الله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (١) .

و هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة [ ١١ / ب ] ، والطرف والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك الأعزل ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدم ، والفرغ المؤخر ، والرشاء.

و هذه المنازل مشهورة فيما بين العرب ، متداولة في محاوراتهم ، مذكورة في أشعارهم ، وبها يتعرفون الفصول(٢) ، فإنهم لما كانت سنوهم ـ لكونها باعتبار الأهلّة ـ مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء اخرى ، احتاجوا إلى ضبط السنه الشمسية ، ليشتغلوا في أشغال كل فصل منها بما يهمّهم في ذلك الفصل ، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأوَّل من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ، ويختفي في أواخر الشهر ليلتين أو ما يقاربهما ، فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون ، وهو زمان ما بين ظهوره بالعشيات في أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات في أواخره ، فقسموا دور الفلك على ذلك ، فكان كلّ قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً ، فسمّوا كل قسم منزلاً ، وجعلوا لها علامات من الكواكب القريبة من المنطقة ، وأصاب كلّ برج من البروج الاثني عشر منزلان وثلثاً.

ثم توصلوا إلى ضبط السنة الشمسية بكيفية قطع الشمس[ ١٢ / أ ] لهذه

________________________

(١) يس ، مكية ، ٣٦ : ٣٩.

(٢) للتوسعة في معرفة ذلك أنظر : عجائب المخلوقات : ٣٣ ذيل حياة الحيوأن / وعلم الفلك.

٨٥

المنازل ، فوجدوها تقطع كلّ منزل في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وذلك لأنهم رأوها تستتر دائماً ثلاثة منها ما هي فيه بشعاعها ، وما قبلهابضياء الفجر ، وما بعدها بضياء الشفق.

فرصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ، ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين ظهوري كل منزلين ثلاثة عشر يوما بالتقريب ، فأيام المنازل ثلاثمائة وأربعة وستون ، لكنّ الشمس تعود إلى كل منزل بعد قطع جميعها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، وهي زائدة على أيَّام المنازل بيوم ، فزادوا يوماً في منزل الغفر ، وانضبطت لهم السنة الشمسية بهذا الوجه ، وتيسر لهم الوصول إلى تعرّف أزمان الفصول وغيرها.

تذنيب :

القمر إذا أسرع في سيره فقد يتخطى منزلاً في الوسط ، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل ، أول الليلتين في أوله ، وآخرهما في آخره ، وقد يرى في بعض الليالي بين منزلين.

فما وقع في الكشاف ، وتفسير القاضي عند قوله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) (١) من أنه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولايتقاصر عنه(٢) ، ليس كذلك فاعرفه.

إكمال :

الظاهر أن مرادهعليه‌السلام  بتردد القمر في منازل التقدير ، عوده اليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق ، فتكون كلمة « في » بمعنى إلى ، ويمكنأن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفاً للتردد ، فان حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية وغربية جعل كانه لتحركه فيها بالحركتين

________________________

(١) يس ، مكية ، ٣٦ : ٣٩.

(٢) تفسير الكشاف ٤ : ١٦ ، انوار التنزيل ٤ : ١٨٨.

٨٦

المختلفتين متردد يقدّم رجلاً ويؤخر أُخرى.

وأما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم ، ويرى أنّ للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكوناً حال حركة الرحى ، وللرحي سكوناً حال حركتها ، فتشبيهه بالمتردد أظهر كما لا يخفى.

إيضاح :

« الفلك » ، مجرى الكواكب ، سمّي به تشبيهاً بفلكة المغزل(١) في الاستدارة والدوران.

قال : الشيخ أبو ريحان البيروني(٢) : إنَّ العرب والفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكاً واحداً ، فإن العرب تسمي السماء فلكاً تشبيهاً لها بفلك الدولاب والفرس سموها بلغتهم آسمان ، تشبيها لها بالرحى فإنّ « آس » هو الرحى بلسانهم ، و « مان » دال على التشبيه(٣) ، انتهى [١٢ / ب].

والمراد بـ « فلك التدبير » ، أقرب الأفلاك التسعة إلى عالم العناصر ، أي : الفلك الذي به تُدبّر بعض مصالح عالم الكون والفساد.

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (٤) أنّ المراد بها الأفلاك(٥) ؛ وهو أحد الوجوه التي أوردها الشيخ الجليل أمين

________________________

(١) انظر : لسان العرب ١٠ : ٤٧٨ ، مادة ( فلك ).

(٢) محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي ، من نوابغ العلماء ، فيلسوف رياضي ، سكن الهند فترة ، له المام بالفلسفة اليونانية والهندية ، اشتهر بالهيئة ، له مؤلفات كثيرة محصورة في فهرست مخصوص بها ، يقع في ستين صفحة ، منها : التفهيم ، الآثار الباقية ، الجماهر.

والبيروني قيل نسبة إلى سكناه خارج خوارزم ، بناءاً على قراءتها بالتخفيف ، وقيل أنها مدينة في السند. مات سنة ٤٤٠ هـ = ١٠٤٨ م له ترجمه في : اللباب ١ : ١٩٧ / عيون الأنباء : ٤٥٩ / الأعلام ٥ : ٣١٤ / معجم الادباء ١٧ : ١٨٠ رقم ٦٢ / تاريخ مختصر الدول : ١٨٦ / روضات الجنات ٧ : ٣٥١ رقم ٦٦٩ / الذريعة ١ : ٥٠٧ رقم ٢٥٠١ / وانظر مقدمة التفهيم الفارسية.

(٣) التفهيم لأوائل صناعة التنجيم : ٤٥ / وانظر فرهنك جامع آنندراج ١ : ٧٢.

(٤) النازعات ، مكية ، ٧٩ : ٥.

(٥) اختلفت مذاهب المفسرين في قبول ذلك ورده أنظر كلاّ من : القرطبي في تفسيره

٨٧

الإسلام أبو علي الطبرسيرضي‌الله‌عنه في تفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان ، عند تفسيرهذه الآية(١) .

ويمكن أن يكون على ضرب من المجاز ، كما يسمى ما يقطع به الشيء قاطعاً.

وربّما يوجد في بعض النسخ : « المتصرف في فلك التدوير » ، وهو صحيح أيضاً ، وإن كانت النسخة الاُولى أصح ، والمراد به رابع أفلاك القمر ، وهو الفلك الغير المحيط بالأرض ، المركوز هو فيه ، المتحرك ـ أسفله على توالي البروج ، وأعلاه بخلافه ، مخالفاً لسائر تداوير السيارة ـ كلّ يوم ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وأربعاً وخمسين ثانية. وهو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه لمسمى بالحامل ، المباعد مركزه مركز العالم بعشر درج ، المتحرك على التوالي كلّ يوم أربعاً وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة وثلاثاً وخمسين ثانية.

وهو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم ، المماسّ مقعّره محدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمُتِّمَمين متدرجي الرّقة إلى نقطتي الأوج والحضيض ، المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة وتسع دقائق وسبع ثوان.

وهو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم ، ومنطقته منطقة البروج ، والمماسّ محدّبه مقعر ممثل عطارد ، المتحرك كالثاني كلّ يوم ثلاث دقائق واحدى عشرة ثانية.

* * *

________________________

٩١ : ٤٩١ / والفخر الرازي في تفسيره ٣١ : ٢٧ ـ ٣٢ بتفصيل فيهما ، وتفسير أبو السعود ٩ : ٩٦ / والبيضاوي ٥ : ١٧١ / والبحر المحيط ٩ : ٤٩١ / والنهر الماد ٨ : ٤١٨ / الكشاف٤ : ٦٩٣.

(١) مجمع البيان ٥ : ٤٣٠

٨٨

وهم وتنبيه :

من غرائب الأوهام ما حكم به صاحب المواقف(١) ، من أنَّ غاية الغلظ في كلّ من المتممين مساوية لبعد مركز الحامل عن مركز العالم(٢) .

و هذا مما يكذبه العيان ويبطله قاطع البرهان [١٣ / أ] ، وكونها ضعفا له مما لا ينبغي أن يرتاب فيه من له أدنى تخيل ، ويمكن إقامة البرهان عليه بوجوه عديدة.

ويكفي في التنبيه عليه أنَّ التفاضل بين نصفي قطري الحامل والمائل بقدرما بين المركزين ، فيكون ضعف ذلك تفاضل القطرين(٣) .

ولنا على ذلك برهان هندسي أوردناه في شرحنا على شرح الجغميني(٤) .

والعجب من المحقق الدواني(٥) كيف وفق صاحب المواقف على ذلك الوهم ،

________________________

(١) عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، عضد الدين الفارسيّ ، ألشافعي ، الملقب بالعضدي أوالعضد الايجي ، نسبة الى بلدة في نواحي شيراز ، أخذ عن مشايخ عصره أمثال الشيخ الهنكي ، ولازمه ، ولي القضاء للمماليك ، برع في المعقول والأصول والمعاني والعربية ، له شرح المختصر ، والمواقف في الكلام ، تلمذ عليه الكرماني ، والعفيفي ، والتفتازاني. له محنة مع صاحب كرمان حبسه على أثرها فمات في الحبس سنة ٧٥٦ هـ = ١٣٥٥ م.

له ترجمة في : الدرر الكامنة ٢ : ٣٢٢ رقم ٢٢٧٨ / طبقات الشافعية الكبرى ٦ : ٠٨ ١ / شذراتالذهب ٦ : ١٧٤ / هدية ألأحباب : ٢١٨ / بغية الوعاة ٢ : ٧٥ رقم ١٤٧٦ / روضات الجنات ٥ : ٤٩ رقم ٤٣٨ / معجم المؤلفين ٥ : ١١٩ / الأعلام ٣ : ٢٩٥ / الكنى والألقاب ٢ : ٤٧٢.

(٢) المواقف : ٢٠٨.

(٣) تاتي الإشارة إلى البرهان على ذلك قريبا ، وأورد الاعتراض بصورة مفصلة مع البرهان في الكشكول ٢ : ٣٤٨.

(٤) ألجغميني : تسمية للكتاب باسم نسبة المؤلف ، إذ اسمه الأصلي ملخص الهيئة أو الهيئة البسيطة ومؤلفه محمود بن محمد بن عمر الجغميني ، وجغمين من قرى خوارزم له شروح ولشروحه شروح منها شرح الشيخ المصنفقدس‌سره ولا زأل الشرح مخطوطا.

(٥) محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين الحكيم المتكلم ، من أفاضل المحققين والفلاسفة

٨٩

وأصرَّ على حقيته قائلاً : إن البرهان القائم على خلافه مخالف للوجدان فلا يلتفت إليه.

وأعجب من ذلك أنَّه استدلَّ على حقية ما زعمه حقاً بأنه لو فرض تطابق المركزين ثم حركة الحامل إلى الأوج فبقدر ما يتباعد المركزان يتباعد المحيطان(١) .

وأنت ، وكل سليم التخيل تعلمان أن دليله هذا برهان تامّ على نقيض مدّعاه ، فإيراده له من قبيل إهداء السلاح إلى الخصم حال الجدال ، وصدورمثله عجيب من مثله.

تبصرة :

لا يبعد أن تكون الإضافة في « فلك التدبير » من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف ، كقولهم مجلس الحكم ، ودار القضاء ، أي الفلك الذي هو مكان

________________________

في القرن التاسع ، سطع نجمه في بلدته شيراز مهد الفلسفة ، استبصر آخر أمره ، له كتب منها شرح هياكل ألنور ، ألأربعون السلطانية ، شرح خطبة الطوالع ، وغيرها تصل الى ألستين مؤلفاً اختلف في تاريخ وفاته فقيل : ٩٠٢ ، ٩٠٦ ، ٩٠٧ ، ٩٠٨ ، ٩١٨ ، ٩٢٨ هـ = ١٤٩٦ ـ ١٥٢١ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١٥٤ / الضوء اللامع ٧ : ١٣٣ / شذرات ألذهب ٨ : ١٧٠ ، معجم المؤلفين ٩ : ٤٧ / الأعلام ٦ : ٣٢.

(١) حاصل البرهان على ما جاء في الكشكول ٢ : ٢٠٤ هو :

إذا تماست دأئرتان من داخل صغرى وعظمى ، فغاية البعد بين محيطيهما بقدر ضعف ما بين مركزيهما ، كدائرتي « أ ب حـ ، أ د هـ » ألمتماستين على نقطة « أ » ، وقطر العظمى « أ هـ » ، وقطر الصغرى « ا حـ » وما بين المركزين « رح ». فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » ؛ لأنا إذا توهمنا حركة الصغرى لينطبق مركزها على مركز العظمى ، ونسميها حينئذٍ دائرة « ط ي » فقد تحرك محيطها على قطر العظمى بقدر حركة مركزها فخطوط « أ ط ر ح ى » متساوية ، وخطا « أ ط ى هـ » متساويان أيضاً ، لأنهما الباقيان بعد أسقاط نصفي قطر الصغرى من نصفي قطر العظمى ، فخط « رح » ألذي كان يساوي خط « أ ط » يساوي خط « ي هـ » أيضا ، وقد كان يساوي خط « حـ ي » ، فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » وذلك ما أردناه ، والتقريب ظاهر كما لا يخفى.

لاحظ الشكل :

٩٠

التدبير ومحله ، نظراً إلى أنَّ ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلّي فيه ، أو إلى أنَّ كلاً من السيارات السبع تدبر في فلكها أمراً هي مسخرة له بأمرخالقها ومبدعها ، كما ذكره جماعة من المفسرين [١٣ / ب] في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (١) (٢) .

و يمكن أن يراد بـ « فلك التدبير » مجموع الأفلاك التي تتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها ، وتنضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها ، حتى تشابه حركة حامله حول مركز العالم ، ومحاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غيرذلك.

وتلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين ، ومع ما لعلَّه يُحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره وأحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم ، وإنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة والولاية.

________________________

(١) النازعات ، مكية ، ٧٩ : ٥.

(٢) تقدمت الإشارة إليهم في الهامش رقم « ٥ » صحيفة : ١٥ وقد جاء في هامش الأصل ما لفظه :

روى الشيخ الجليل أبو علي في تفسيره الصغير [ جمع الجوامع ٢ : ٦٠٠] قولاً : بان المقسّمات فيقوله تعالى «فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا » [ الذاريات ، مكية ، ٥١ : ٤ ] هي الكواكب ، منه. قدّس سرّه.

٩١

وحينئذٍ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه ، وتكون اللام فيه للعهد الخارجي ، أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور ، والله أعلم.

تتمة :

لا يبعد أن يراد بـ « فلك التدبير » الفلك الذي يدبره القمر نفسه ، نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كلّ واحد من السيارات السبع مدبِّر لفلكه ، كالقلب في بدن الحيوان.

قال سلطان المحققين ، نصير الملة والحق والدين قدس الله روحه ، في شرح الإشارات : ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة ، تتعلق بالكوكب أول تعلقها ، وبأفلاكه بواسطة الكوكب ، كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولاً ، وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه ، التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية(١) ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

ويمكن أن يكون هذا هومعنى ما أثبته له [١٤ / أ]عليه‌السلام  من التصرف في الفلك ، والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين.

خاتمة :

خطابهعليه‌السلام  للقمر ، ونداؤه له ، ووصفه إيَّاه بالطاعة والجد ، والتعب والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ، ولا استبعاد في ذلك نظراً إلى قدرة الله تعالى ، إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقليّ قاطع يشفي العليل ، أو نقليّ ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به ، وقد يُستند في ذلك بظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ

________________________

(١) شرح الإشارات والتنبيهات ٢ : ٣٢.

٩٢

وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (١) ، فإن الواو والنون لا تستعمل حقيقة لغير العقلاء.

و قد أطبق الطبيعيون على أنَّ الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة ، مطيعة لمبدعها وخالقها ، وأكثرهم على أنَّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه ، والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آناً فآنا ، فهي من قبيل هزَّة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح.

و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنه لا ميت في شيء من الكواكب أيضا ، حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفساً على حِدَة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا(٢) في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه(٣) وحكم به في النمط السادس من الإشارات(٤) ، ولو قال به قائل لم يكن مجازاً ، فإن كلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب ، إلاّ إنه يصلح للتأييد.

و لم يرد في الشريعة المطهرة ـ على الصادع بها وآله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ـ ما ينافي ذلك القول ، ولا قام دليل عقليّ على بطلانه.

وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة ، فأيّ مانع من أن

________________________

(١) الأنبياء ، مكية ، ٢١ : ٣٣.

(٢) ابن سينا ، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري ، أبو علي الملقب بالشيخ الرئيس ، الفيلسوف الشهير ، نادرة الزمان ، أعجوبة الدهر ، له مشاركة في أغلب العلوم والفنون ، افتى على المذهب الحنفي وعمره اثنتا عشرة سنة ، صنف القانون في الطب ولما يبلغ السابعة عشرة ، له الشفاء ، والإشارات ، وغيرها كثير ، أخذ الفقه عن أسماعيل الزاهد ، والفلسفة والمنطق ، عن النائلي ، وأعتمد على نفسه في حل أكثر المطالب ، مات سنة ٤٢٧ وقيل ٢٨ هـ = ١٠٣٥ ـ ١٠٣٦ م.

له ترجمة في روضات الجنات ٣ : ١٧٠ ت ٢٦٨ / وفيات الأعيان ٢ : ١٥٧ ت ١٩٠ / مرآة الجنان ٣ : ٤٧ / الكنى وألألقاب ١ : ٣٢٠ / عيون الأنباء : ٤٣٧ / خزانة ألأدب ٤ : ٤٦٦ / لسان الميزان ٢ : ٢٩١ ت ١٢١٨ / سير أعلام النبلاء ١٧ : ٥٣١ ت ٣٥٦ / الجواهر المضية ٢ : ٦٣ / البداية والنهاية١٢ : ٤٢ / ميزان ألاعتدال ١ : ٥٣٩ ت ٢٠١٤ / دائرة ألمعارف الاسلامية ١ : ٢٠٣ / وغيرها كثير.

(٣) الشفاء ٢ : ٤٥ ، الفصل السادس ، حركات الكواكب من السماء والعالم ، قسم الطبيعيات.

(٤) الاشارات والتنبيهات ٢ : ٣٤.

٩٣

يكون لمثل تلك الأجرام الشريفة أيضاً ذلك.

وقد ذهب جماعة إلى أنَّ لجميع إلأشياء نفوساً مجرَّدة ونطقاً ، وج علوا قوله تعالى :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (١) محمولاً على ظاهره.

وليس غرضنا من هذا الكلام توجيح القول بحياة الأفلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على ، إنكاره وردّه ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوّزه.

وقد قدمنا في فواتح هذا هذا الشرح ـ الذي نسأل الله أن يوفقنا لإتمامه ـ كلاماً مبسوطاً في هذا [ ١٤ / ب ] الباب ، ذكرنا ما قيل فيه من الجانبين(٢) ، والله الهادي.

* * *

________________________

(١) الاسراء ، مكية ، ١٧ : ٤٤.

(٢) هذا وغيره كثير مما يأتي يدل على أنه كتب غير هذا الشرح أيضا لباقي الأدعية ، ولكن لم تصل الينا لحد ألآن ، نسأل الله التوفيق للعثور على الباقي.

٩٤

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  :

« امنت بمن نوّر بك الظُلمَ ، وأوضح بك البُهَم ، وجعلك آية من ايات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والاُفول ، والإنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ».

« الإيمان » ، وان اختلفت الاُمة في أنه التصديق القلبي وحده ، أو الإقرار اللساني وحده ، أو كِلا الأمرين معا ، أو أحدهما ، أو مع العمل الأركاني ، كما تقدم تفصيله وتحقيق الحق فيه في فواتح هذا الشرح(١) .

________________________

(١) الإيمان في اللغة هو التصديق أو إظهار الخضوع والقبول. يقال : آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنت به ، اي صدقته وأظهرت له الخضوع والقبول لما يقوله.

انظر : الصحاح ٥ : ٢٠٧١ / القاموس ١٥١٨ / مجمل اللغة ١ : ١٠٢ / ومعجم مقاييس اللغة.

وبتفصيل في لسان العرب ١٣ : ٢٣.

وفي عرف أهل الكلام من ألمسلمين على أربعة معان هي :

١ ـ الإيمان : فعل قلبي ، وهو قسمان :

أ ـ تصديق خاص أي تصديق الرسول الأعظم بما جاء به من الله تعالى مع حفظ المظاهر ـ إجمالاً أوتفصيلاً ـ ذهب إليه الأشاعرة والماتريديه ، ومن المعتزلة الصالحي وابن الراوندي.

ب ـ معرفة الله تعالى مع توحيده بالقلب ، وأضاف قسم منهم : وما جاء به الرسل. والإقرار اللساني بركن فيه عندهم. ذهب إليه الجهمية ، وبعض الفقهاء.

٢ ـ الإيمان عمل لساني ، وهو قسمان :

أ ـ إضافة المعرفة القلبية ، واليه ذهب غيلان الدمشقي.

ب ـ الإيمان مجرد الإقرار اللساني لا غير ، واليه مال الكرامية.

٩٥

.............................................................................

________________________

٣ ـ الإيمان عمل القلب واللسان معا ، وفيه أقوال :

أ ـ إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، واليه ذهب أبو حنيفة ، وأغلب الفقهاء ، وقسم من المتكلمين.

ب ـ تصديق بالقلب واللّسان معاً ، وهو قول الأشعري ، والمريسي.

ج ـ اقرار باللسان واخلاص بالقلب.

٤ ـ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، واليه ذهب أصحاب الحديث ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والاوزاعي ، والمعتزلة ، والخوارج ، والزيدية.

ولآراء الجميع تفصل في كتبهم.

هذا ، وما لنا ولأقوألهم وآرائهم ، هاك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان : معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان » نهج البلاغة ، الحكمة ٢٢٧.

وقول الإمام الصادق عليه السلام :

« ليس الإيمان بالتحلّن ، ولا بالتمنّي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال ».

وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الإيمان قول وعمل أخوان شريكان ».

وقول الإمام الرضا عليه السلام :

« الإيمان : عقد بالقلب ، ولفظ باللّسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون ألإيمان إلّا هكذا ».

٩٦

ولا يخفى أنَّ الإيمان أمر ـ مفهوم ـ إعتباري ، قابل للزيادة والنقصان ، والشدّة وألضعف ، وعليه شواهد من القران الكريم والروايات.

والاسلام : يتحقق بإظهار الشهادتين فقط لا غير ، فتكون النسبة بينه والإيمان هي العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مؤمن مسلم وزيادة. وليس كلّ مسلم مؤمنا. والقرآن الكريم شاهد عليه ، قال الثه تعالى : «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم » [ الحجرات ، مدنية ، ٤٩ : ١٤]

وهكذا قول الإمام الصادق عليه السلام : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله (ص) ؛ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل ، وألإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ».

وإلى الفرق بينهما اشار عليه السلام كما في الكافي « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلاعمل ».

هذا هو رأي الشيعة الإمامية الإثني عشرية بنحو الإجمال ، وللتوسعة في جميع ما تقدم ينظر :

الكافي ٢ : ٢٤ ـ ٢٨ / معاني الأخبار : ١٨٦ ، باب معنى الاسلام والايمان / حق اليقين للسيد شبر٢ : ٣٣١ بتفصيل لطيف / تفسير ألقرآن الكريم للمولى الشيرازي ١ : ٢٤٥ / بحار الأنوار٦٥ : ٢٢٥ ـ ٣٠٩ / إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٤٣٦ / تجريد الاعتقاد : ٣٠٩ / كشف

٩٧

إ لَّا أنَّ الإيمان المعدى بالباء لا خلاف بينهم في أنَّه التصديق القلبي بالمعنى اللغوي.

و « النور » والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشيء ضوءاً ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه قوله تعالى :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا ) (١) .

و « الظُلَم » : جمع ظلمة ، ويجمع على ظُلُمات أيضاً ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا(٢) .

و « البُهَم » ـ بضم الباء الموحدة وفتح الهاء ـ : جمع بُهْمة ، بضم الباء وإسكان الهاء ، وهي مما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً(٣) .

و « الآية » : العلامة.

و « السلطان » : مصدر بمعنى الغلبة والتسلط ، وقد يجىء بمعنى الحجة والدليل ، لتسلطه على القلب وأخذه بعنانه.

و « المِهْنة » ـ بفتح الميم ، وكسرها ، واسكان الهاء ـ : الخدمة والذل والمشقة ، والماهن : الخادم.

و « امْتهنه » : استعمله في المهنة.

و « طلوع » الكوكب : ظهوره فوق الأفق أومن تحت شعاع الشمس.

________________________

المراد : ٤٥٤ / توضيح المراد : ٨٧٤ / تفسير القمي ١ : ٣٠ / مقالات الاسلاميين : ١٣٢ / ٢٦٦ / الفصل في الملل والنحل ٣ : ٢٢٥ / ٣٩ / الذريعة إلى مكارم الشريعة ١ : ١٢٦ ـ ١٣٠ / فتح القدير ١ : ٣٤ / الكشاف ١ : ٣٧ / كشاف اصطلاحات الفنون ١ : ٩٤ / المفردات : ٢٥ / حاشية الكنبوي على شرح الجلال ١ : ١٩٥. وغيرها من كتب الكلام والتفاسير في تفسير الآية ٣ منسورة البقرة.

(١) يونس ، مكية ، ١٠ : ٥.

(٢) الصحاح ٥ : ١٩٧٨ / تاج العروس ٨ : ٣٧٤ / المفردات : ٣١٥. وانظر للتفصيل ، لسان العرب١٢ : ٣٧٧.

(٣) معجم مقاييس اللغة ١ : ٣١١ / تاج العروس ٨ : ٢٠٦ / لسان العرب ١٢ : ٥٦.

٩٨

« وافوله غروبه تحته ».

و « الكسوف » ، زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص ، وقد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنّا ، أو حجب الأرض ضوءالشمس عنه ، وهو تفسير للشيء بسببه.

و قال جماعة من أهل اللغة : الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف ، وفي زوال ضوء القمر خسوف(١) [١٥ / أ] ، فإن صحّ ما قالوه فلعلهعليه‌السلام  أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس والقمر لا المختص بالقمر وهو الخسوف ، ليكون خلاف الأحسن(٢) فتدبر.

و لا يخفى أنَّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس أيضاً ، فانه هوالساتر لها ، ولما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختارهعليه‌السلام  ، والله أعلم.

كشف نقاب :

لمّا افتتحعليه‌السلام  الدعاء بخطاب القمر ، وذكر أوصافه وأحواله ، منالطاعة والجدّ والسرعة ، والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، وأراد أنيذكر جملاً اُخرى من أوصافه وأحواله سوى ما مر ؛ جرى عليه « السلام على النمط الذي افتتح عليه الدعاء من خطاب القمر ، ونقل الكلام من أسلوب إلى آخر ؛ على ما هودأب البلغاء المفلقين من تلوين الكلام في أثناء المحاورات كما ذكره صاحب المفتاح في بحث الالتفات(٣) ؛ وجعل تلك الجمل ـ مع تضمنها لخطاب القمر وذكر أحواله ـ موشحة بذكر الله سبحانه ، والثناء عليه جلَّ شأنه ، تحاشيا

________________________

(١) ينظر صحاح اللغة ٤ : ١٣٥٠ و ١٤٢١ / القاموس : ١٠٩٧ / تاج العروس ٦ : ٨٤ ، ٢٣٢ / وانظر المفردات : ١٤٨ المواد ( خسف ، كسف ).

(٢) والذي جعله أهل اللغة خلاف الأحسن هو إطلاق الكسوف على الخسوف ، وحده الأعلى الأمر الشامل له ولغيره ، وهذا كما قالوه : من أنَّ تعدية ألصلاة بعلى إذا أُريد بها مجموع المعاني الثلاثة لاتدل على التضمنية. ( منه ).

(٣) مفتاح العلوم : ٨٦ ، ١٨١.

٩٩

عن أنْ يتمادى به الكلام خالياً عن ذكر المفضل المنعام ، فقال : « آمنت بمن نوّربك الظلم » إلى آخره ، معبّراً عن المؤمَن به جلَّ شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر ، ويعطف عليها الأحوال الاُخر فتتلائم جمل الكلام ، ولا تخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف والأحوال.

و التعبير بالنكرة الموصوفة وإن كان يحصل به هذا الغرض أيضاً إلَّا أن المقام ليس مقام التنكيركما لا يخفى.

فإن قلت : مضمون الصلة لا بدَّ أن يكون أمراً معلوماً للمخاطب ، معهوداً بينه وبين المتكلم انتسابه إلى الموصول قبل ذكر الصلة ، ولذلك لم يجز كونها إنشائية كما قرروه ، والمخاطب هنا هو القمر وهو ليس من ذوي العلم فكيف يلقى إليه الموصول مع الصلة؟.

قلت : كونه من غيرذوي العلم ليس أمرا مجزوماً به ، وقد مر الكلام فيه قبيل هذا(١) ، سلّمنا ، لكن تنزيل غير العالم منزلة العالم لاعتبار مناسب غيرقليل في كلام البلغاء ، فليكن هذا منه ، على أنَّ التنزيل المذكور لا مندوحة عنه في أصل نداء القمر وخطابه ، فإن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، فلا بدّ من تنزيله منزلة من يفهم.

و اللام في « الظُلِّم » للاستغراق ، أعني : العرفي منه لا الحقيقي ، والمراد الظُلّم المتعارف تنويرها بالقمر ، من قبيل جمع الأمير الصاغة.

ويمكن جعله للعهد الخارجي.

و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي ، فإن المعرف بها هوحصة معينة من الجنس أيضاً ، غايته أنَّ التعيين فيها نشأ من العرف ، وقد أوضحت هذا في تعليقاتي على المطول(٢) .

________________________

(١) انظر صحيفة : ٩١ ، بحث « خاتمة ».

(٢) مخطوط لم ير النور بعد.

١٠٠

وضعتْ إلاّ على يحيى بن زَكريّا والحسين بن عليِّعليهم‌السلام، قلت: أيّ شيء كان بكاؤها؟ قال: كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثَّوب شبه أثر البراغيث من الدَّم ».

١٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن الفضل(*) ، عن حنان « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما تقول في زيارة قبر أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه بلغنا عن بعضهم أنّها تَعدِلُ حَجّة وعُمرة؟ قال: لا تعجب بالقول هذا كلّه(١) ، ولكن زُرْه ولا تجفه فإنَّه سيِّد الشُّهداء؛ وسيِّد شَباب أهل الجنّة، وشبيهه يحيى بن زَكريّا وعليهما بكتِ السّماء والأرض ».

حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصَفّار، عن عبدالصَّمد بن محمّد، عن حَنان بن سَدير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله سواء.

حدَّثني أبي - رحمه الله تعالى - وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حَنان بن سَدير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

١٤ - وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى - عن غير واحدٍ - عن جعفر بن بَشير، عن حمّاد، عن عامِر بن مِعقَل، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كان قاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا، وقاتل الحسينعليه‌السلام ولد زنا، ولم تبكِ السّماء عَلى أحدٍ إلاّ عليهما، قال: قلت: وكيف تبكي؟ قال: تطلع الشَّمس في حمرة، وتغيب في حمرة ».

حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيّ، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير بإسناده مثله.

١٥ - وحدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين - رحمهما الله - جميعاً، عن سعد بن

__________________

١ - في بعض النّسخ، وفي البحار: « لا تعجب، ما أصاب مَن يقول هذا كلّه ». وقال المجلسي ( ره ) -: قوله: « ما أصاب » محمولٌ على التّقيّة.

* - فيه كلام، راجع ص ٣٠٥.

١٠١

عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن عبدالله بن هِلال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إنَّ السَّماء بَكَتْ على الحسين بن عليٍّ ويحيى بن زَكريّا، ولم تبكِ على أحدٍ غيرهما، قلت: وما بُكاؤها؟ قال: مَكثوا أربعين يوماً تطلع الشّمس بحُمْرَة وتَغرُب بحُمرَة، قلت: فذاك بُكاؤها؟ قال: نَعَم ».

١٦ - وعنهما، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن البرقيِّ محمّد بن خالد، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ، عن الحسن بن الحكم النَّخَعيِّ، عن كثير بن شِهاب الحارثيّ « قال: بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنينعليه‌السلام في الرُّحْبَة إذ طلع الحسين عليه فضَحِك عليُّعليه‌السلام ضَحْكاً حتى بَدَتْ نَواجِذُه، ثمَّ قال: إنّ الله ذكر قوماً وقال: «فَما بَكَتْ عَلَيْهمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرينَ »، والّذي فَلَق الحبَّةَ وبرَأ النَّسَمَةَ ليُقتلنَّ هذا ولتبكينّ عليه السَّماء والأرض ».

١٧ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن البرقيِّ، عن عبدالعظيم الحسنيِّ، عن الحسن(١) ، عن أبي سَلَمَة « قال: قال جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : ما بكتِ السَّماء والأرض إلاّ على يحيى بن زَكريّا والحسينعليهم‌السلام ».

١٨ - حدَّثني أبي؛ وأخي - رحمهما الله - عن أحمدَ بن إدريس؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن العَمْرَكي بن عليٍّ البوفكيِّ قال: حدَّثنا يحيى - وكان في خدمة أبي جعفر الثّانيعليه‌السلام - عن عليِّ(٢) ، عن صَفوانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته في طريق المدينة - ونحن نُريد المكّة - فقلت: يا ابن رسول الله ما لي أراك كئيباً حَزيناً مُنْكسراً؟! فقال: لو تسمع ما أسمع لشَغَلَك عن مسألتي، قلت: فما الَّذي تَسمَعُ؟! قال: ابتهال الملائِكة إلى اللهِ(٣) عزَّوجلَّ على قَتَلةِ أمير المؤمنين وقتلة الحسينعليهما‌السلام ، ونوح الجنّ وبُكاء الملائكة الَّذين حوله وشدَّة

__________________

١ - الظّاهر هو ابن الوشّاء، أو المراد ما تقدّم « ابن الحكم النّخعيّ »، والأوّل أظهر، وأبو سلمة هو سالم بن مُكرم.

٢ - كأنّه ابن الحكم الكوفيّ الثّقة.

٣ - ابتهل إلى الله: تضرّع ودعا.

١٠٢

جَزعِهم، فمن يتهنّأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم؟!! - وذكر الحديث - ».

١٩ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله؛ وعبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ العَلويّ، عن الحسن بن الحكم النّخعيِّ، عن كثير ابن شِهاب الحارثيِّ « قال: بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنينعليه‌السلام بالرُّحْبة إذ طلع الحسينعليه‌السلام قال: فضحك عليٌّعليه‌السلام حتّى بَدَتْ نَواجذه، ثمَّ قال: إنّ الله ذكر قوماً فقال: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ »، والَّذي فَلَق الحَبّة وبَرَأ النَّسَمَة لَيقتلنَّ هذا ولتبكينَّ عليه السّماء والأرض »(١) .

٢٠ - وعنه، عن نَصر بن مُزاحم، عن عُمَرَ بن سعد(٢) قال: حدَّثني أبو مُعْشر، عن الزُّهْريّ « قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام أمطرتِ السّماء دماً ». وقال عمر بن سعد: وحدَّثني أبو مَعْشَر، عن الزَّهريّ « قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام لم يبق في بيت المَقْدِس حَصاةٌ إلاّ وجد تحتها دمٌ عَبيط ».

٢١ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن(٣) محمّد بن الحسن بن مَهزيار(٤) ، عن أبيه، عن عليِّ بن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن فَضالَة بن أيّوبَ، عن داودَ ابن فَرْقَد « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: كان الَّذي قَتَلَ الحسينَ بنَ عليٍّعليهما‌السلام ولد زنا، والَّذي قَتل يحيى بن زَكريّا ولد زنا، وقال: احمرَّتِ السَّماء حين قُتل الحسين بن عليٍّ سنة، ثمّ قال: بَكتِ السَّماء والأرض على الحسين بن عليٍّ وعلى يحيى بن زَكريّا، وحُمرتها بُكاؤها ».

* * * * *

__________________

١ - تقدّم الخبر آنفاً بتفاوت يسير تحت رقم ١٦.

٢ - تقدّم ذكره في ص ٧١، وأبو مَعشَر هو يوسف بن يزيد البرّاء العطّار، المعنون في تهذيب التّهذيب.

٣ - كذا في النّسخ والبحار، والظّاهر تصحيف الواو بـ « عن ».

٤ - هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار.

١٠٣

الباب التّاسع والعشرون

( نوح الجنِّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن نصر بن مُزاحِم، عن عُمَرَ بنِ سعد، عن عَمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، عن اُمّ سلمة زوجة النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله قالتْ: ما سمعت نوح الجنّ منذ قبض الله نبيَّه إلاّ اللَّيلة، ولا أراني إلاّ وقد أصبت بابني الحسين، قالتْ: وجاءت الجنّيَّة منهم وهي تقول:

أيا عَينايّ فَانْهَمِلا بِجهْدٍ

فَمنْ يَبْكي عَلى الشُّهداء بَعْدي

عَلى رَهْطٍ تُقُودُهُمُ المنايا

إلى مُتَجبِّرٍ مِنْ نَسْلِ عَبْد (١)

٢ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن إبراهيم بن عُقْبَة، عن أحمدَ بن عَمرو بن مسلم، عن المَيثميّ(٢) « قال: خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام فمرُّوا(٣) بقرية يقال لها: شاهيّ(٤) إذ أقبل عليهم رَجلان: شيخٌ وشابٌّ فسلّما عليهم، قال: فقال الشّيخ: أنا رَجلٌ من الجنّ وهذا ابن أخي أردنا نَصرَ هذا الرَّجل المظلوم، قال: فقال لهم الشّيخ الجنّي: قد رَأيت رأياً، فقال الفتية الإنسيّون: وما هذا الرَّأي الَّذي رأيت؟ قال: رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة، فقالوا له: نِعْمَ ما

__________________

١ - في أمالي الصّدوق: « في ملك عبد ». وقوله: « فانهملا » فيه: « فانهملي ».

٢ - كان من أولاد ميثم التّمّار، وهو أحمد بن الحسن بن إسماعيل، مِن أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، وهو ثقة.

٣ - في البحار: « فعرّسوا ».

٤ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : « شاهي » موضع بقرب القادسيّة، وأظنّها تنسب إلى شاه بن شاه بن لان بن نريمان الّذي هبط إلى تلك الدّيار بأمر كسرى بن هرمز لمحاربة الأتراك النّازلة بها.

١٠٤

رأيتَ، قال: فغابَ يومه وليلته، فلمّا كان من الغد إذا هم بصَوتٍ يسمعونه ولا يَرَونَ الشّخص وهو يقول:

وَاللهِ ما جِئتُكُمْ حَتّى بَصُرْتُ بِهِ

بِالطَّفِّ مُنْعَفَر الخَدَّينِ مَنحُورا

وَحَولَهُ فِتْيَةٌ تَدْمي نُحورُهُم

مِثْلَ المصابيح يَملُونَ (١) الدُّجى نُورا

وَقَدْ حَثَثْتُ قَلوصي (٢) كَيْ اُصادِفَهم

مِن قَبْلِ ما أنْ يُلاقُوا الخُرُدُ الحُورا (٣)

كان الحُسَينُ سِراجاً يُسْتَضاءُ بِهِ

اللهُ يَعْلم أنّي لم أقُلِ زُورا

مجاوِراً لِرَسُولِ اللهِ في غُرَفٍ

وَلِلْبَتول (٤) وَلِلطَّيّارِ مَسْرُورا

 فأجابه بعض الفِتْية من الإنسِيّين يقول:

اذْهَبْ فلا زالَ قَبرٌ أنْتَ ساكِنُهُ

إلى القِيامَةِ يَسْقَى الْغَيث ممطُورا

وَقَدْ سَلَكْتُ سَبيلاً أنْتَ سالِكُهُ

وَقَدْ شَرِبْتُ بكَأسٍ كانَ مَغْزورا (٥)

وفِتْيَةٌ فَرَّغُوا لله أنْفُسَهُم

وفارَقُوا المالَ والأحْبابَ والدُّورا

 ٣ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب قال: حدّثني عُمَرُ بن سعد؛ وعَمروُ بنُ ثابت، عن أبي زياد القَندي (٦) « قال: كان

__________________

١ - في مجالس المفيد: « يعلون ».

٢ - القلوص: بالفتح -: النّاقة الطّويلة القوائم، خاصّ بالإناث.

٣ - قال الفيروزآبادي: « الخَرِيدُ، وبِهَاءٍ، والخَرودُ: البِكْر لم تُمْسَس، أو الخَفِرَةُ الطَّويلةُ السُّكوتِ، الخافِضَةُ الصَّوتِ المُتَسَتَّرَةُ، والجمع: خَرائِد وخُرُد و [خُرَّد] » وقال الشّارح في التّاج: الأخيرة ( يعني خُرَّد ) نادرة، لاُنّ فعيلة لا تجمع على فُعَّل. وفي البحار - نقلاً عن أمالي الشّيخ ومجالس المفيد « الحرد » - بالحاء المهملة -، وله بيان راجع ج ٤٥ ص ٢٤٠.

٤ - في مجالس المفيد: « وللوصيّ ».

٥ - في القاموس: « الغَزير: الكثير من كلّ شي ء، ومن الآبار والينابيع: الكثيرة الماء ». وفي بعض النّسخ: « مغروراً » بالرّاء المهملة. وما في المتن مثل ما في البحار.

٦ - كذا في النّسخ، وفي مجمع الزّوائد الهيثميّ: « عن أبي جناب الكلبيّ » مكان « عن أبي زياد القنديّ »، وفيه: « قال: حدّثني الجصّاصون قالوا: كنّا إذا خرجنا إلى الجبّان باللَّيل عند مقتل الحسين سمعنا الجنّ ينوحون عليه ويقولون: مسح الرّسول - إلخ ».

١٠٥

الجَصّاصون (١) يسمعون نَوحَ الجنِّ حين قُتل الحسينعليه‌السلام في السَّحر بالجَبّانَة (٢) وهم يقولون:

مَسَحَ الرَّسُولُ جَبينَهُ

فَلَهُ بَريقٌ في الخدُود

أبَواهُ مِنْ عُلْيا قُرَيْشٍ

جَدُّهُ خَيرُ الجدُودِ

 ٤ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب قال: قال عُمَرُ بن سعد: حدَّثني الوليد بن غَسّان - عمّن حدَّثه - « قال: كانت الجنّ تنوح على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام تقول:

لمنِ الاُبْياتُ بِالطَّفِّ عَلى كُرْه بَنينه

تلك أبياتُ الحسين يَتَجاوَبْنَ الرَّنيِنَه (٣)

٥ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمة قال: حدَّثني أيّوب بن سليمانَ بن أيّوب الفَزاري(٤) ، عن عليِّ بن الحَزَوَّر(٥) « قال: سمعت ليلى وهي تقول: سمعت نوح الجنّ على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام وهي تقول:

يا عينُ جُودي بالدُّمُوعِ فإنَّما

يَبْكي الحَزِينُ بِحُرْقَةٍ وتَفَجَّع

يا عَينُ ألْهاكَ الرِّقابُ بِطيبةٍ

مِنْ ذِكْرِ آل مُحَمَّدٍ وَتَوجّع

باتَتْ ثَلاثاً بالصَّعيدِ جُسُومُهُمْ

بَين الوُحوشِ وكُلُّهم في مَصْرَع

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن نَصر بن مُزاحم، عن عبدالرَّحمن بن أبي حمّاد، عن أبي ليلى الواسِطيّ، عن

__________________

١ - الجصّ - بفتح الموحّدة وكسرها -: ما تُطلى به البيوت، والجصّاص: عامله.

٢ - الجبّانة - بالفتح ثمّ التّشديد -؛ والجبّان في الأصل الصّحراء، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة، وبالكوفة محالّ تسمّى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل. ( المعجم ).

٣ - الرَّنين: الصّوت مطلقاً وقيل: الصّوت مع بكاء، وفي أساس البلاغة: سمعت له رنّة ورَنيناً، أي صيحة حزينة.

٤ - نسبة إلى حيٍّ من غَطَفان أبوها فَزارة بن ذُبيان.

٥ - الحَزَوَّر - بالحاء المهملة والزّاي المفتوحتين، والواو المشدّدة بعدها راء -.

١٠٦

عبدالله بن حَسّان الكِنانيّ قال: بَكتِ الجنُّ على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام فقالت:

ماذا تَقُولونَ إذْ قالَ النَّبي لَكم

ماذا فَعلْتم وَأنْتم آخِرُ الاُمم؟

بأهْلِ بَيْتي وإخْواني ومَكْرُمَتي

مِنْ بَين أسْرى وَقَتْلى ضُرِّجُوا بِدَم؟

٧ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم قال: حدَّثني سَلَمةُ قال: حدَّثني عليُّ بن الحسن(١) ، عن مُعَمّر بن خَلاّد، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام « قال: بينما الحسينعليه‌السلام يسير في جوف اللّيل وهو متوجّه إلى العِراق وإذا برجل يَرتجز ويقول:؛

وحدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن مُعمّر بن خلاّد، عن الرّضاعليه‌السلام ، مثل ألفاظ سَلَمَةَ، قال: وهو يقول:

يا ناقَتي لا تَذْعَري مِنْ زَجْري

وشَمِّري قَبْل طُلُوعِ الْفَجر

بِخَيرِ رُكْبانٍ وخَيْر سَفْرِ

حتّى تَحلّى بِكَريمِ النّجْر

بماجِد الجدِّ رَحيبِ الصَّدْرِ

أتى بِهِ اللهُ (٢) لِخير أمر

 ثَمَّتَ أبقاهُ بقاءَ الدَّهْر

سَأمْضي وما بِالمَوتِ عارٌ عَلى الْفَتى

إذا ما نَوى حَقّاً وجَاهَد مُسْلِماً

وآسَى الرِّجالَ الصّالِحينَ بنَفسِه

وفارَقَ مَبْثوراً وخالَفَ مُجْرماً

فَإنْ عِشْتُ لَمْ أنْدَم وَإنْ مِتُّ لَمْ اُلَم

كَفى بِكَ ذُلا أنْ تَعيشَ وَترْغَماً (٣)

٨ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله بن أبي خَلَف، عن محمّد بن يحيى المُعاذيِّ قال: حدَّثني الحسين(٤) بن موسى الأصمّ، عن عَمرو، عن جابر(٥) ، عن محمّد بن عليّعليهما‌السلام « قال: لمّا همَّ الحسينعليه‌السلام « قال: لمّا همَّ الحسينعليه‌السلام بالشُّخوص من المدينة أقْبَلَتْ نساءُ بني عبدالمطّلب فاجتمعن للنِّياحة مشى فيهنِّ

__________________

١ - الظّاهر هو ابن فضّال.

٢ - كذا في النّسخ، ولعلّ الصّواب: « أثابه الله ».

٣ - في بعض النّسخ: « كفى بك موتاً أن تذلّ وتغرماً ».

٤ - في بعض النّسخ، « الحسن ».

٥ - هو جابر بن يزيد الجعفيّ الكوفيّ، وراويه هو عمرو بن شمر الجعفيّ الكوفيّ.

١٠٧

الحسينعليه‌السلام فقال: أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نِساء بني عبدالمطّلب: فلمن نستبقي النِّياحة والبُكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ، وفاطمةُ ورقيّةُ وزينبُ واُمُّ كلثوم (١) ؟!! فننشدك الله جعلنا الله فِداك من الموت، يا حبيب الأبرار من أهل القبور، وأقبلتْ بعض عَمَاته تبكي وتقول: اشهد يا حسين لقد سمعتُ الجنَّ ناحَتْ بنَوحِك وهم يقولون:

فإنَّ قَتيلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِم

أذلَّ رِقاباً مِنْ قُرَيْش فَذَلت

حَبيبُ رَسولِ اللهِ لم يَكُ فاحِشاً

أبانَتْ مُصيبَتُكَ الاُنوفَ وَجَلَّت

 وقلن أيضاً:

بَكُّوا (٢) حُسَيناً سَيِّداً

وَلِقَتْلِهِ شابَ الشَّعَر

وَلِقَتْلِهِ زَلْزَلتم

وَلِقَتْلِهِ انْخَسَفَ القَمَر (٣)

وَاحْمَرَّت آفاقُ السَّماءِ

مِنَ الْعَشيَّةِ وَالسَّحَر

وَتَغَبّرَتْ شَمْسُ الْبِلاد

بهم واظلَمَتِ الْكُوَر (٤)

ذاكَ ابنُ فاطمةَ المُصابُ

بِهِ الخَلائقُ والبَشَر

أورَثْتنا ذُلا بِهِ

جَدّعَ الاُنوفُ مَعَ الغَرَر

 ٩ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن يحيى المُعاذيّ، عن عبّاد بن يعقوبَ، عن عَمرو بن ثابت، عن عمرِ[و] بن عِكرِمَة قال: أصبحنا صَبيحة(٥) قتل الحسينعليه‌السلام بالمدينة فإذا مولى لنا يقول: سمعنا البارِحَةَ مُنادياً ينادي ويقول:

أيُّها القاتِلونَ ظلماً (٦) حُسَيناً

أبْشِرُوا بالْعَذابِ والتَّنْكيل

__________________

١ - كلّهنّ بنات رسول الله صلوات الله عليه وعليهنّ.

٢ - في بعض النّسخ: « أبكي ».

٣ - في جلّ النّسخ: « انكسف القمر ».

٤ - المراد بالشّمس ضياؤها لا اصلها، والكور جمع كورة، وهي البقعة الّتي جمع فيها المساكن والقرى.

٥ - في جلّ النّسخ: « ليلة ».

٦ - في جلّ النّسخ: « جهلاً ».

١٠٨

كلُّ أهلِ السَّماءِ يَدعُو عَلَيكم

مِن نَبيٍّ ومَلأَكٍ وَقَبيل

قد لُعِنْتم عَلى لِسانِ ابن داوُ

دَ وذي الرُّوح (١) حامل الإنجيل

١٠ - حدّثني حكيم بن داودَ بن حكيم، عن سَلَمةَ بنِ الخطّاب قال: حدَّثني عبدالله بن محمّد بن سِنان، عن عبدالله بن القاسم بن الحارث، عن داودَ الرَّقيّ قال: حدَّثتْني جدَّتي أنَّ الجنّ لمّا قتل الحسينعليه‌السلام بَكَتْ عليه بهذه الأبيات:

يا عَينُ جُودي بالعِبَر وابكي فقد حَقّ الخبر

أبكي ابنَ فاطمةَ الَّذي وَرَد الفُراتَ فما صدَر(٢)

الجِنُّ تَبْكي شَجْوَها(٣) لما اُتي مِنْهُ الخَبَر

قُتِلَ الحسينُ وَرَهْطُهُ تَعْساً لِذلِكَ(٤) مِنْ خبر

فلأبْكينَّكَ حُرقَةً عِنْدَ العِشاء وبالسَّحر

ولأبينَّك ما جَرى عِرقٌ وما حمل الشَّجر

* * * * *

الباب الثّلاثون

( دعاء الحمام ولعْنها على قاتل الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسين بن يَزيدَ النَّوفَليِّ، عن إسماعيلَ بن أبي زياد السَّكونيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: اتّخذوا الحمام الرَّاعبيّة في بيوتكم(٥) ، فإنّها تلعن قَتلةَ الحسينعليه‌السلام ».

٢ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن أحمدَ بن إدريس بن أحمد، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي

__________________

١ - كذا، وفي التّواريخ و « مثير الأحزان » لابن نما: « ابن داوود وموسى وحامل الإنجيل ».

٢ - أي لم يرجع.

٣ - الشّجو: الهمّ والحزن.

٤ - التَّعْس: الهلاك.

٥ - المراد بالرّاعبيّة الحمامة، وهي ترعب في صوتها ترعيباً.

١٠٩

حمزةَ، عن صَندل (١) ، عن داودَ بن فَرْقَد « قال: كنت جالساً في بيت أبي عبداللهعليه‌السلام فنظرت إلى الحمام الرَّاعي يُقَرقِر (٢) طَويلاً، فنظر إليَّ أبو عبداللهعليه‌السلام فقال: يا داودُ أتدري ما يقول هذا الطّير؟ قلت: لا جُعلتُ فِداك، قال: تدعو على على قَتَلة الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فاتّخذوه في منازلكم ».

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ بإسناده مثله.

الباب الحادي والثّلاثون

( نَوح البوم (٣) ومصيبتها على الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بنِ الوليد؛ وجماعةُ مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد، عن صفوانَ بن يحيى، عن الحسين بن أبي غُنْدَر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سَمعتُه يقول في البومة، قال: هل أحدٌ منكم رآها بالنّهار، قيل له: لا، تَكاد تظهر بالنّهار ولا تظهر إلاّ ليلاً، قال: أما إنّها لم تزل تأوي العمران أبداً، فلمّا أن قتل الحسينعليه‌السلام آلت على نفسها أن لا تأوي العُمْران ابداً ولا تأوي إلاّ الخراب، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها اللّيل فإذا جنّها اللّيل ( كذا ) فلا تزال ترنّم على الحسينعليه‌السلام حتّى تصبح ».

٢ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم، عن سَلَمة بن أبي الخطّاب، عن الحسين بن عليِّ بن صاعد البَربَريِّ قيّماً لقبر الرّضاعليه‌السلام قال: حدَّثني أبي « قال: دخلتُ على الرِّضاعليه‌السلام فقال لي: تَرى هذه البوم ما يقول النّاس؟ قال: قلت: جُعِلتُ فِداك جِئنا نَسألك، فقال: هذه البومة كانت(٤) على عهد جدِّي

__________________

١ - في بعض النّسخ: « صفوان ».

٢ - قرقرت الحمامة والدّجاجة: ردّدت صوتها.

٣ - البوم طائر الظّلام، وهي بالفارسية: « جغد ».

٤ - في البحار: « دخلت على الرّضا عليه السلام فقال لي: ما يقول النّاس؟ قال: قلت: جعلت فداك جئنا نسألك، قال: فقال لي: ترى هذه البومة كانت - إلخ ».

١١٠

رَسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأوي المنازل والقصور والدُّور، وكانت إذا أكل النّاس الطّعام تطير وتقع أمامَهم، فيرمى إليها بالطّعام وتسقي وترجع إلى مكانها، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام خرجت من العُمران إلى الخراب والجبال والبراري، وقالت: بئس الاُمّة أنتم! قتلتم ابن بنت نبيّكم، ولا آمنكم على نفسي ».

٣ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال - عن رجل - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ البوم لتصوم النّهار فإذا أفطرت تدلّهت(١) على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام حتّى تصبح ».

٤ - حدّثني عليُّ بن الحسين بن موسى، عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن الحسن بن عليِّ، الميثميِّ(٢) « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا يعقوب(٣) رأيت بومةً بالنّهار تنفّس قطّ، فقال: لا، قال: وتدري لم ذلك؟ قال: لا، قال: لأنّها تظلُّ يومها صائمة على ما رزقها الله، فإذا جَنّها اللّيل أفطرت على ما رُزقت، ثمَّ لم تزل ترنّم على الحسين بن عليّعليهما‌السلام حتى تصبح ».

الباب الثّاني والثّلاثون

( ثواب مَن بكى على الحسين بن علي عليهما السلام)

١ - حدِّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: أيّما مؤمنٍ دمعتْ عَيناه لقتل الحسين

__________________

١ - قال في القاموس: « الدَّلْه، ويحرّك، والدلُوه: ذَهاب الفُؤاد من هَمٍّ ونحوه. ودَلَّهه العِشْقُ تَدْليهاً فتَدَلَّه » وفي جلّ النّسخ: « اندبت »، وما في المتن مثل ما في البحار.

٢ - في جلّ نسخ الكتاب: « عن الحسن بن علي الميثمي »، والصّواب ما في المتن.

٣ - كأنّه ابن شعيب بن ميثم الأسديّ الثّقة.

١١١

ابن عليٍّعليهما‌السلام دمعةً حتّى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه فينا لاُذى مسّنا مِن عَدوِّنا في الدُّنيا بوَّأه الله بها في الجنّة مبوَّأ صِدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مَسَّه أذىً فينا فَدَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه مِن مَضَاضةِ (١) ما اُوذِي فينا صرَّف اللهُ عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة مِن سَخطه والنّار ».

٢ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إنَّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلِّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فإنّه فيه مأجورٌ ».

٣ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين الزَّيّات، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبة، عن أبي هارون المكفوف « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل له -: ومَن ذُكِر الحسينُعليه‌السلام عنده فخرج مِن عينه مِن الدُّموع مقدار جناح ذُباب كان ثوابه على الله عزَّوجلَّ ولم يرض له بدون الجنّة ».

٤ - حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة بن الخطاب قال: حدثنا بكار بن أحمد القسام؛ والحسن بن عبدالواحد، عن مخول بن إبراهيم، عن الربيع ابن منذر، عن أبيه « قال: سمعت علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول: من قطرت عيناه فينا قطرةً ودمعت عيناه فينا دمعةً بوّأه الله بها في الجنة غُرَفاً يسكنها أحقاباً وأحقاباً ».

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن حمزة بن عليَّ الأشعريّ، عن الحسن بن معاوية بن وَهب - عمّن حدّثه - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يقول: - وذكر مثل حديث محمّد بن جعفر الرَّزَّاز سواء(٢) .

__________________

١ - المَضاضَة - بالفتح -: وجع المصيبة. ( البحار ).

٢ - أي ما تقدّم تحت رقم ١.

١١٢

٥ - حدّثني محمّد بن جعفر القُرشيِّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن عليٍّ، عن ابن أبي عُمَير، عن عليِّ بن المغيرة، عن أبي عُمارة المنشِد « قال: ما ذكر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام عند أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام في يومٍ قطّ فرُئي أبو عبداللهعليه‌السلام في ذلك اليوم متبسِّماً قطّ إلى اللَّيل ».

٦ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن مِسْمَع بن عبدالملك كِرْدين البصريّ « قال: قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : يا مِسْمَع أنت مِن أهل العِراق؛ أما تأتي قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قلت: لا؛ أنا رَجلٌ مشهورٌ عند أهل البصرة، وعندنا مَن يتّبع هوى هذا الخليفة، وعدوّنا كثير مِن أهل القبائل مِن النُّصّاب وغيرهم، ولستُ آمنهم أنْ يرفعوا حالي عند ولد سليمان(١) فيُمثِّلون بي(٢) ، قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله وأستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ فأمتنع مِن الطّعام حتّى يستبين ذلك في وَجهي، قال: رحِمَ الله دَمعتَك، أما إنّك مِن الَّذين يُعدُّون مِن أهل الجزع لنا، والّذينَ يَفرحون لِفَرحِنا ويحزنون لِحُزننا ويخافون لَخوْفنا ويأمنون إذا أمنّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملكَ الموت بك، وما يلقّونك به مِن البشارة أفضل، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدُّ رَحمةً لك من الاُمّ الشّفيقة على ولدها، قال: ثمَّ استعبر واستعبرتُ معه، فقال: الحمد للهِ الّذي فضّلنا على خلقِه بالرَّحمة وخصَّنا أهل البيت بالرَّحمة، يا مِسمَع إنَّ الأرض والسَّماء لتبكي مُنذُ قُتل أمير المؤمنينعليه‌السلام رَحمةً لنا، وما بكى لنا مِن الملائكة أكثر وما رَقأتْ دُموع الملائكة منذ قُتلنا، وما بكى أحدٌ رَحمةً لنا ولما لقينا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدَّمعة من عينه، فإذا سالَتْ دُموعُه على خَدِّه، فلو أنَّ قطرةً مِن دُموعِه سَقَطتْ في جهنَّم لأطْفَئتْ حَرَّها حتّى لا

__________________

١ - يعني سليمان بن عبدالملك، والمراد ولده حاكم الكوفة.

٢ - مثّل بفلان أي نكّله، وصنع به صنيعاً يحذّر غيره.

١١٣

يوجد لها حَرٌّ، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند مَوته فرحَةً لا تزال تلك الفرْحَة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه مِن ضروب الطَّعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، يا مِسْمع مَن شرب منه شَربةً لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً، وهو في بَرْدِ الكافور وريح المِسْك وطعم الزَّنجبيل، أحلى مِن العَسل، وألين مِن الزَّبد، وأصْفى مِن الدَّمع، وأذكى مِن العَنبر يخرج من تَسْنيم (١) ، ويمرُّ بأنهار الجِنان يجري على رَضْراض (٢) الدُّرِّ والياقوت، فيه من القِدْحان أكثرُ من عدد نجوم السَّماء، يوجد ريحه مِن مَسيرةِ ألف عام، قِدْحانه مِن الذَّهب والفِضّة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشّارب منه كلُّ فائحة حتّى يقول الشّارب منه: يا ليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بَدلاً، ولا عنه تَحويلاً، أما إنّك يا [ابن] كِرْدين ممّن تروي منه، وما مِن عَين بَكتْ لنا إلاّ نَعِمَتْ بالنّظر إلى الكوثر وسُقِيتْ منه (٣) ، وأنَّ الشَّارب منه ممّن أحبَّنا ليعطى مِن اللَّذَّة والطَّعم والشَّهوة له أكثر ممّا يعطاه مَن هو دونه في حُبِّنا.

وإنْ على الكوثر أمير المؤمنينعليه‌السلام وفي يده عصاً مِن عَوسَج يحطم بها أعداءَنا، فيقول الرَّجل منهم: إنّي أشهد الشَّهادتين، فيقول: انطلقْ إلى إمامك فلانٍ فاسأله أنْ يشفع لك، فيقول: تبرَّأ منّي إمامي الَّذي تذكره، فيقول: ارجع إلى ورائِك فقلْ للَّذي كنتَ تتولاّه وتقدِّمه على الخلق فاسأله إذ كان خير الخلق عِندَك أن يشفعَ لك، فإنَّ خيرَ الخلق مَن يَشفَع(٤) ، فيقول: إنّي اُهلك عَطَشاً، فيقول له: زادكَ اللهُ ظَمأُ وزادَكَ اللهُ عَطَشاً.

قلت: جُعِلتُ فِداك وكيف يقدر على الدُّنوّ مِن الحوض ولم يقدر عليه

__________________

١ - هو عين في الجنّه وهو أشرف شراب في الجنّة. ( مجمع البيان ).

٢ - الرّضراض: الحصاء، أو الصِّغار منها.

٣ - إسناد السَّقْي إلى العين مجازيٌّ لسببيّتها لذلك. ( البحار ).

٤ - في بعض النّسخ: « حقيقٌ أن لا يردّ إذا شفع ».

١١٤

غيره؟ فقال: ورع عن أشياء قبيحةٍ، وكفّ عن شتمنا [أهل البيت] إذا ذكرنا، وترك أشياء اجترء عليها غيره، وليس ذلك لِحبّنا ولا لِهوى منه لنا، ولكن ذلك لشدَّة اجتهاده في عبادته وتَدَيُّنه ولما قد شغل نفسه به عن ذكر النّاس، فأمّا قلبه فمنافق ودينه النَّصب واتّباع أهل النَّصب وولاية الماضينَ وتقدُّمه لهما على كلِّ أحدٍ ».

٧ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عبدالله بن المغيرة، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن عبدالله بن بُكَير الاُرجانيِّ(١) . وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبدالله بن زُرارة، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن عبدالله بن بُكَير « قال: حَجَجْتُ مع أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل(٢) - فقلت: ياابن رسول الله لو نُبِش قبرُ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام هل كان يُصابُ في قبره شيءٌ؟ فقال: ياابن بُكَير ما أعظم مسائِلُك، إنَّ الحسينعليه‌السلام مع أبيه واُمّه وأخيه في منزل رَسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه يُرزقون ويحبون(٣) وأنّه لعَلى يمين العَرش متعلّق ( كذا ) يقول: يارَبِّ أنْجزْ لي ما وَعَدتَني، وإنّه لينظر إلى زُوَّاره، وأنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماءِ آبائهم وما في رِحالهم من أحَدِهم بولده، وأنّه لينظر إلى مَن يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي

__________________

١ - قال العلاّمة الأمينّيرحمه‌الله : أرّجان بفتح أوّله وتشديد ثانيه تارة، وبالتّخفيف اُخرى -: مدينة مِن بلاد فارِس، وفي بعض النّسخ: « ارحمانيّ »، وأظنّه تصحيف أرْخُمانيّ - بالفتح ثم السكون وضم الخاء المعجمة -: بلدة من مدن فارس. و « عبدالله بن بكير » أو « عبدالله بن بكر » - كما في بعض النسخ - ليس هو من ولد أعين، وله ابن اسمه الحسين ابن عبدالله الأرجانيّ.

٢ - سيأتي الخبر بتمامه في باب نوادر الزّيارات تحت رقم ٢.

٣ - فيه سقط، والسّاقط قوله: « كما يرزقون، فلو نُبِشَ في أيّامه لوُجِدَ، وأمّا اليوم فهو حيُّ عند ربّه يرزق وينظر إلى مُعَسكَره، وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله - إلخ ». كما يأتي في النّوادر.

١١٥

لَو عَلِمتَ ما أعدّ اللهُ لك لَفَرِحْتَ أكثر ممّا حَزِنْتَ، وإنّه ليستغفر له مِن كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ ».

٨ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمةَ، عن يعقوبَ بن يزيدَ، عن ابن أبي عُمير، عن بكر بن محمّد، عن فُضيل بن يَسار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن ذُكِرنا عندَه ففاضَتْ عَيناه ولو مثل جَناح بَعُوضةٍ(١) غُفِرَ له ذنوبُه ولو كانت مِثلَ زَبَد البَحر ».

حدَّثني محمّد بن عبدالله، عن أبيه، عن أحمدَ بنِ أبي عبدالله البَرقيِّ، عن أبيه، عن بَكرِ بنِ محمّد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

٩ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن الحسن بن عليِّ، عن العَلاء بن رَزين القَلاّء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: أيّما مؤمنٍ دَمَعَتْ عيناه لِقَتلِ الحسينعليه‌السلام دَمْعَةً حتّى تَسيل على خَدِّه بَوَّأه الله بها غُرفاً في الجنّة يَسكنها أحقاباً ».

١٠ - وعنه، عن سَلَمَةَ، عن عليِّ بن سَيف، عن بَكر بن محمّد، عن فَضَيل بن فَضالة(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن ذُكِرْنا عِنده ففاضَتْ عَيناه حرَّم اللهُ وَجْهَه على النّار ».

الباب الثّالث والثّلاثون

( مَن قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبْكى)

١ - حدَّثنا أبو العبّاس القُرشيُّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبَة، عن أبي هارونَ المكفوف « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا أبا هارون أنشدني في الحسينعليه‌السلام ؟ قال: فأنشدته فبكى،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « مثل جناح ذُباب ».

٢ - عدَّه الشّيخ في رجاله من أصحاب الصّادق عليه السلام، وقال: « الفضيل بن فضالة التّغلبيّ، كوفيّ ». وفي بعض النّسخ: « عن فضيل؛ وفضالة، عن أبي عبدالله عليه السلام ».

١١٦

فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرّقّة - قال: فأنشدته:

امْرُرْ عَلى جَدَثِ (١) الحسينِ

فَقُلْ لأعْظُمِهِ الزَّكيَّة

 قال: فبكى، ثمَّ قال: زِدْني، قال: فأنشدته القصيدة الاُخْرى، قال: فبكى، وسمعتُ البكاء مِن خلفِ السَّتر، قال: فلمّا فرغتُ قال لي: يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين شِعراً فبكى وأبكى عَشْراً كُتبتْ لهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شِعراً فبكى وأبكى خمسةً كُتبت لهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتبتْ لهما الجنّة، ومَن ذكر الحسينعليه‌السلام عنده فخَرج مِن عينه مِن الدُّموع مِقدار جَناح ذُباب كان ثوابه على الله، ولم يَرضَ له بدون الجنّة ».

٢ - حدَّثني أبو العبّاس(٢) ، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن الحسن بن عليِّ بن أبي المغيرة، عن أبي عُمارة المُنْشِد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا أبا عُمارة أنْشِدْني في الحسينعليه‌السلام ، قال: فأنشدته فبكى، ثمَّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلتُ أُنشِدُه ويبكي حتّى سَمعتُ البكاء مِن الدَّار، فقال لي: يا أبا عُمارة مَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى خمسينَ فله الجنَّة، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى أربعين فلَه الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شِعراً فأبكى ثلاثين فلَهُ الجنة، ومَن أنشَدَ في الحسينِ شِعراً فأبكى عشرين فلَه الجنّة، ومن أنشدَ في الحسين شِعراً فأبكى عشرة فلَه الجنّة، ومَن أنشَدَ في الحسينعليه‌السلام شِعراً فأبكى واحِداً فله الجنّة، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فبكى فلَه الجنّة، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فتباكى فلَه الجنّة ».

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عُمَير، عن عبدالله بن حسّان، عن ابن أبي شعبة(٣) ، عن عبدالله بن غالب « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فأنشدته مَرْثِيةَ الحسينعليه‌السلام ، فلمّا انتهيتُ إلى هذا الموضع:

لَبلِيَّة تَسقو حُسَيناً

بمَسقاةِ الثَّرى غَير التُّرابِ

 فصاحت باكية من وراء السّتر: واأبتاه!!! ».

__________________

١ - الجدث: القبر.

٢ - يعني الرّزّاز.

٣ - هو عبيدالله بن علي بن أبي شعبة الحلبيّ.

١١٧

٤ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن أنشَدَ في الحسينعليه‌السلام بيت شعرٍ فبكى وأبكى عشرةً فله ولهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنّة، فلم يزل حتّى قال: مَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنّه قال: أو تباكى - فله الجنّة ».

٥ - حدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيلَ، عن صالح بن عُقْبَة، عن أبي هارونَ المكفوف « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقال لي: أنشِدْني، فأنشدتُه، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:

أُمْرُرُ عَلى جَدَثِ الحُسَينِ

فَقُل لأعْظُمِهِ الزَّكيَّةِ

قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: مُرَّ، فمررت، قال: ثمَّ قال: زِدني زِدني، قال: فأنشدته:

يا مَريمُ قُومي فانْدُبي مَولاكِ

وَعَلى الحُسَين فأسْعِدي بِبُكاكِ

قال: فبكى وتهايج النّساء!! قال: فلمّا أن سَكتن قال لي: يا أبا هارون مَن أنشد في الحسينعليه‌السلام فأبكى عشرة فله الجنّة، ثمَّ جعل ينقّص واحِداً واحِداً حتّى بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحِداً فله الجنّة، ثمّ قال: مَن ذَكرَه فبكى فله الجنّة ».

٦ - وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لكلِّ شيءٍ ثواب إلاّ الدَّمعة فينا »(١) .

٧ - حدّثني محمّد بن أحمد بن الحسين العسكريّ، عن الحسن بن عليِّ بن مهزيار، عن أبيه، عن محمّد بن سِنان، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن أنشد في الحسين بيتَ شعرٍ فبكى وأبكى

__________________

١ - أي ثواب معيّن إلاّ الدّمعة فينا، فلها ثواب لا يعلم حدّه، وذلك كناية عن كثرة الثَواب. وفي البحار: « لكلّ سرّ - إلخ » وله بيان راجع ج ٤٤ ص ٢٨٧.

١١٨

عشرةً فله ولهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنّة، فلم يزل حتّى قال: مَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنّه قال: أو تباكى - فله الجنّة ».

الباب الرّابع والثّلاثون

( ثواب مَن شَرِب الماءَ وذَكر الحسين عليه السلام ولعنَ قاتلَه)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيُّ، عن محمّد بن الحسين، عن الخشّاب، عن عليِّ بن حَسّان، عن عبدالرَّحمن بن كثير، عن داودَ الرَّقّيّ « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام إذ استسقى الماءَ، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغْرَورَقتْ عَيناه بدُمُوعِه، ثمَّ قال لي: يا داودُ لعن الله قاتل الحسين، فما مِن عبدٍ شرب الماءَ فذكر الحسينعليه‌السلام ولعنَ قاتله إلاّ كتب الله له مائة ألف حَسَنةٍ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئةٍ، ورفع له مائة ألف درجةٍ، وكأنّما أعتق مائة ألف نَسَمةٍ، وحَشَره الله تعالى يوم القيامة ثلجَ الفُؤاد(١) ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن عليِّ بن محمّد، عن سَهل بن زياد، عن جعفر بن إبراهيم الحَضرَميّ، عن سعد بن سعد مثله(٢) .

الباب الخامس والثّلاثون

( بكاء « عليّ بن الحسين » على « الحسين بن علي » عليهم السلام)

١ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن جماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود المُسترق - عن بعض أصحابنا - عن

__________________

١ - أي مطمئنّة.

٢ - فيه كلام، راجع البحار ج ٤٤ ص ٣٠٣ و ٣٠٤. والخبر مذكور في الكافي ج ٦ ص ٣٩١ وسنده غير ما ذكر في الكتاب، وكذا في البحار.

١١٩

أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: بكى عليُّ بن الحسين على أبيه حسين بن عليٍّ صلوات الله عليهما عشرين سَنَة - أو أربعين سَنَة(١) -، وما وضع بين يديه طعاماً إلاّ بكى على الحسين حتّى قال له مولى له: جُعلتُ فِداك يا ابن رَسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون مِن الهالِكين، قال: «إنَّما أشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى اللهِ وأعْلمُ مِنَ اللهِ ما لا يَعْلَمُون (٢) »، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خَنَقَتني العَبرة(٣) لذلك ».

٢ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزَّيّات، عن عليِّ بن أسباط، عن إسماعيلَ بن منصور - عن بعض أصحابنا - « قال: أشرف مولى لعليِّ بن الحسينعليهما‌السلام وهو في سقيفة له ساجدٌ يبكي، فقال له: يا مولاي يا عليَّ بن الحسين أما آنَ لِحُزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسَه إليه وقال: ويلك - أو ثَكَلَتكَ اُمُّك - [والله] لقد شكى يعقوبُ إلى رَبّه في أقلّ ممّا رأيت حتّى قال: « يا أسَفى عَلى يُوسُفَ(٤) »، إنّه فَقَدَ ابْناً واحِداً، وأنا رَأيت أبي وجماعة أهل بيتي يُذبَّحون حَولي، قال: وكان عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عَمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: إنّي أذكر يومهم مع أبي عبدالله الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام فأرقّ لهم »(٥) .

__________________

١ - الشّكّ من الرّاوي. وعاش السّجّاد بعد أبيهعليهما‌السلام ٣٤ سنة.

٢ - يوسف: ٨٦. وهو قول يعقوبعليه‌السلام حين قال ولده: «تَالله تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أوْ تَكُونَ مِنَ الهلكينَ *قال إنّما أشكو - الآية ». وقال في المجمع: قيل: البث ما أبداه والحزن ما أخفاه.

٣ - خنقه خنقاً عصر حلقه حتى يموت.

٤ - يوسف: ٨٤.

٥ - الّذين قتلوا مع الحسينعليه‌السلام مِن أولاد عقيل ستّة بل سبعة، وهم: ١ - عبدالرّحمن بن عقيل واُمّه اُمّ ولد، ٢ - جعفر بن عقيل، واُمّه اُمّ الثّغر بنت عامر، ٣ - عبدالله بن عقيل، واُمّه اُمّ ولد. ٤ - محمّد بن مسلم بن عقيل، واُمّه اُمّ ولد، ٥ - عبدالله بن مسلم، واُمّه رقية بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ،

٦ - محمّد بن أبي سعيد الأحول ابن عقيل، اُمّه اُمّ ولد، وهؤلاء مع مسلم بن عقيل صاروا سبعة، وأمّا من أولاد جعفر بن أبي طالب المقتول بكربلاء ثلاثة، وهم: عون بن عبدالله بن جعفر، واُمّه زينب عليها السلام، محمّد وعبيدالله ابنا عبدالله بن جعفر، واُمّهما خوصاء. ثمّ إنّ عقيل عاش معدماً، وعبدالله بن جعفر بخلافه، كما في الإصابة لابن حجر وغيرها.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208