الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة27%

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة مؤلف:
تصنيف: متون الأدعية والزيارات
الصفحات: 208

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة
  • البداية
  • السابق
  • 208 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 128906 / تحميل: 8035
الحجم الحجم الحجم
الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

الحديقة الهلالية شرح دعاء الهلال من الصحيفة السجّاديّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

قال العلامة في التذكرة : إنَّ الأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنَّ حدبة الأرض مانعة لرؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربيّة لمن جد في السيرنحو المشرقوبالعكس(١) ، إنتهى كلامه زيد إكرامه [١٠ / أ].

و قال فخر المحقّقين في الإيضاح : الأقرب أنَّ الأرض كروية؟لأنَّ الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية ، وكذا في الغروب.

فكلّ بلد غربب بَعُد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة.

و إنَّما عرفنا ذلك بأرصاد الكسوفات القمرية ، حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية ، وأكثر من ساعات بلدنا في المساكنالشرقية ، فعرفنا أنَّ غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا ، وغروبها في المساكن الغربية بعدغروبها في بلدنا ، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد.

ولأنَّ السائر على خط من خطوط نصف النهار على الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي ، وبالعكس(٢) ، انتهى كلامه رفع الله مقامه ؛ وهو خلاصة ما ذكره صاحب المجسطي ، وغيره في هذا الباب.

ولا يخفى أن قولهرحمه‌الله  : ولأن السائر ، إلى آخره ، من تتمة الدليل ؛لأن اختلاف المطالع والمغارب لا يستلزم كروية الأرض بل استدارتها فيما بين الخافقين فقط ، فيتحقق لوكانت اسطوانية الشكل مثلاً كما لا يخفى.

ولنشرع الآن في شرح الدعاء.

________________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٦٠٣.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٢٥٢.

٨١

قال مولانا وإمامنا سيّد العابدين ، وقبلة أهل الحق واليقين ، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

« أيّها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردّد في منازل التقدير ، المتصرّف في فلك التدبير ».

لفظة « أي » : وسيلة إلى نداء [١٠ / ب ] المعرّف باللام ، كما جعلوا « ذو » وسيلة إلى الوصف بأسماء الأجناس ، و « الذي » وسيلة إلى وصف المعارف بالجمل ؛ لأنَّ إلصاق حرف النداء بذي اللام يقتضي تلاصق أداتي التعريف ، فإنّهما كمثلين كما قالوا ، وإنَّما جاز في لفظ الجلالة للتعويض ولزوم الكلمة المقدسة ، كما تقرر في محلّه ، واعطيت حكم المنادى ، والمقصود بالنداء وصفها ، ومن ثمّ التزم رفعه ، واقحمت هاء التنبيه بينهما تاكيداً للتنبيه المستفاد من النداء ، وتعويضاً عمّا تستحقه « أي » من الإضافة.

« والخلق » : في الأصل مصدر بمعنى الإِبداع والتقدير ، ثم استعمل بمعنى المخلوق ، كالرزق بمعنى المرزوق.

« والدائب » ـ بالدال المهملة واخره باء موحدة ـ : اسم فاعل من دَأَبَ فلان في عمله أي جدّ وتعب.

و جاء في تفسير قوله تعالى :( وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ) (١) ، أي مستمرين في عملهما على عادة مقررة جارية(٢) ، والمصدر

________________________

(١) إبراهيم ، مكية ، ١٤ : ٣٣.

(٢) تفسير التبيان ٦ : ٢٩٧ / مجمع البيان ٣ : ٣١٦ / تفسير الفخر الرازي ١٩ : ١٢٨ / الجامع لأحكام

٨٢

 « دَأْب » باسكان الهمزة وقد تحرك ، ودُؤُب بضمّتين(١) .

« والسرعة » : كيفية قائمة بالحركة ، بها تقطع من المسافة ما هو أطول في زمان مساوٍ أو أقصر ، وما هو مساوٍ في زمن أقصر.

ووصفهعليه‌السلام  القمر بالسرعة ربما يعطي بحسب الظاهر أن يكون المراد سرعته باعتبار حركته الذاتية ، وهي التي يدور بها على نفسه.

وتحرك جميع الكواكب بهذه الحركة ممّا قال به جم غفير من أساطين الحكماء ، وهو يقتضي كون المحو المرئي في وجه القمر شيئاً غيرثابت في جرمه ، وإلَّا لتبدل وصفه ، كما قاله سلطان المحققين(٢) قدس الله روحه في شرحالإشارات(٣) ، وستسمع فيه كلاماً إن شاء الله.

و الأظهر أنَّ ما وصفه بهعليه‌السلام  من السرعة إنَّما هو باعتبار حركته العرضية التي بتوسط فلكه ، فإن تلك الحركة على تقدير وجودها غيرمحسوسة ولامعروفة ، والحمل على المحسوس المتعارف أولى.

________________________

القرآن ٩ : ٣٦٧ / المفردات : ١٧٤.

(١) الصحاح ١ : ١٢٣ / تاج العروس ١ : ٢٤٢ مادة ( دأب ) فيهما.

(٢) سلطان المحققين ، الخواجه نصير الدين الطوسي ، محمد بن محمد بن الحسن الجهروردي القمي.حجة الفرقة الناجية ، فخر الشيعة الإمامية ، ناموس دهره ، فيلسوف عصره ، افضل الحكماء والمتكلمين ، سلطان العلماء والمحققين ، علامة البشر ، نصير الملة والدين ، الذي ارتفع صيته في الآفاق ، خضع له الموافق والمخالف؛ له مكتبة تناهز الأربع مئة ألف كتاب ، أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الأوقاف ، أسس المرصد المعروف بمراغه ، زها العلم في زمنه ؛ له مؤلفات منها تحرير اقليدس ، تحرير المجسطي ، شرح الاشارات ، الفصول النصيرية ، الفرائض النصيرية ، التذكرة النصيرية ، وغيرها.

مات سنة ٦٧٢ هـ = ١٢٧٣ م ودفن في الروضة المطهرة الكاظمية.

انظر : روضات الجنات ٦ : ٣٠٠ رقم ٥٨٨ / تاسيس الشيعة : ٣٩٥ / تنقيح المقال ٣ : ١٧٩ رقم ١١٣٢٢ / شذرات الذهب ٥ : ٣٣٩ / البداية والنهاية ١٣ : ٢٦٧ / جامع الرواة ٢ : ١٨٨ / تاريخ مختصر الدول : ٢٨٦ / فوات الوفيات ٣ : ٢٤٦ رقم ٤١٤ / تاريخ آداب اللغة العربية ٢ : ٢٤٥رقم ١ / أعيان الشيعة ٩ : ٤١٤ / نقد الرجال : ٣٣١ رقم ٦٩١ / أمل الآمل ٢ : ٢٩٩ رقم ٩٠٤.

(٣) شرح الاشارات والتنبيهات ٢ : ٣٤.

٨٣

و سرعة حركة القمر(١) بالنظر الى سائر الكواكب ؛ أما الثوابت فظاهر ، لكون حركتها أبطأ الحركات حتى أنَّ القدماء لم يدركوها ؛ وأمَّا السيارات فلأن زحل[١١ / أ] يتم الدور في ثلاثين سنة ، والمشتري في اثنتي عشرة سنة ، والمريخ في سنة وعشرة أشهر ونصف ، وكلاً من الشمس والزهرة وعطارد في قريب سنة ، وأما القمر فيتم الدور في قريب من ثمانية وعشرين يوماً.

هذا ولا يبعد أن يكون وصفهعليه‌السلام  القمر بالسرعة باعتبار حركته المحسوسة على أنّها ذاتية له ، بناء على تجويز كون بعض حركات السيارات فيأفلاكها من قبيل حركة الحيتان في الماء ، كما ذهب إليه جماعة ، ويؤيده ظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٢) .

ودعوى امتناع الخرق على الأفلاك لم تقرن بالثبوت ، وما لفَّقه الفلاسفة لاثباتها أوهن من بيت العنكبوت ؛ لابتنائه على عدم قبول الأفلاك باجزائها للحركة المستقيمة ، ودون ثبوته خرط القتاد(٣) ، والتنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ناطق بانشقاقها(٤) .

وما ثبت من معراج نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجسده المقدس الى السماء السابعة صاعداً شاهد بانخراقها.

________________________

(١) في هامش بعض النسخ ما لفظه : نُقل عن بعض الأكابر أنّ ما يدل على سرعة حركة القمر ـ أيضاً ـ التناسب العددي ببن « القي » واسم « السريع » ، إذ كلّ منهما ثلاثمائة وأربعون ، والتناسببحسب النقاط أيضاً ، هو من الأسرار!!!.

(٢) الأنبياء ، مكية ، ٢١ : ٣٣.

(٣) قوله : « دون ثبوته خرط القتاد » مثل مشهور يضرب للدلالة على استحالة حصول شيء ما والقتاد : شجر شاك صلب فيه مثل الابر ، والخرط نزع قشر الشجر جذباً بالكف. والمعنى أنتحمل نزع قشر القتاد أهون من حصول العمل.

انظر : لسان العرب ٣ : ٣٤٢ و ٧ : ٢٨٤ / مجمع الامثال ١ : ٢٦٥ ت ١٣٩٥. (٤) المراد بانشقاقها : انشعاب فيها في القيامة ، كقوله تعالى «وانشقت السماء فهي يومئذ واهية » [ الحاقة ، مكية ، ٦٩ : ١٦ ] وقوله تعالى : « إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت » [ انفطار ، مكية ، ٨٢ : ١ و ٢ ] إلى غير ذلك من الآيات ، « منه ». قدس سره ، هامش الأصل.

٨٤

تكملة :

أرادعليه‌السلام  بمنازل التقدير منازل القمر الثمانية والعشرين ، التي يقطعها في كل شهر بحركته الخاصة ، فيرى كلّ ليلة نازلاً بقرب واحد منها ، قال الله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) (١) .

و هي : الشرطان ، والبطين ، والثريا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة [ ١١ / ب ] ، والطرف والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعواء ، والسماك الأعزل ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدم ، والفرغ المؤخر ، والرشاء.

و هذه المنازل مشهورة فيما بين العرب ، متداولة في محاوراتهم ، مذكورة في أشعارهم ، وبها يتعرفون الفصول(٢) ، فإنهم لما كانت سنوهم ـ لكونها باعتبار الأهلّة ـ مختلفة الأوائل لوقوعها في وسط الصيف تارة وفي وسط الشتاء اخرى ، احتاجوا إلى ضبط السنه الشمسية ، ليشتغلوا في أشغال كل فصل منها بما يهمّهم في ذلك الفصل ، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأوَّل من الشمس في قريب من ثلاثين يوماً ، ويختفي في أواخر الشهر ليلتين أو ما يقاربهما ، فاسقطوا يومين من زمان الشهر فبقي ثمانية وعشرون ، وهو زمان ما بين ظهوره بالعشيات في أول الشهر وآخر رؤيته بالغدوات في أواخره ، فقسموا دور الفلك على ذلك ، فكان كلّ قسم اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقة تقريباً ، فسمّوا كل قسم منزلاً ، وجعلوا لها علامات من الكواكب القريبة من المنطقة ، وأصاب كلّ برج من البروج الاثني عشر منزلان وثلثاً.

ثم توصلوا إلى ضبط السنة الشمسية بكيفية قطع الشمس[ ١٢ / أ ] لهذه

________________________

(١) يس ، مكية ، ٣٦ : ٣٩.

(٢) للتوسعة في معرفة ذلك أنظر : عجائب المخلوقات : ٣٣ ذيل حياة الحيوأن / وعلم الفلك.

٨٥

المنازل ، فوجدوها تقطع كلّ منزل في ثلاثة عشر يوماً تقريباً.

وذلك لأنهم رأوها تستتر دائماً ثلاثة منها ما هي فيه بشعاعها ، وما قبلهابضياء الفجر ، وما بعدها بضياء الشفق.

فرصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر ، ثم بشعاعها ثم بضياء الشفق فوجدوا الزمان بين ظهوري كل منزلين ثلاثة عشر يوما بالتقريب ، فأيام المنازل ثلاثمائة وأربعة وستون ، لكنّ الشمس تعود إلى كل منزل بعد قطع جميعها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً ، وهي زائدة على أيَّام المنازل بيوم ، فزادوا يوماً في منزل الغفر ، وانضبطت لهم السنة الشمسية بهذا الوجه ، وتيسر لهم الوصول إلى تعرّف أزمان الفصول وغيرها.

تذنيب :

القمر إذا أسرع في سيره فقد يتخطى منزلاً في الوسط ، وإن أبطأ فقد يبقى ليلتين في منزل ، أول الليلتين في أوله ، وآخرهما في آخره ، وقد يرى في بعض الليالي بين منزلين.

فما وقع في الكشاف ، وتفسير القاضي عند قوله تعالى :( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ) (١) من أنه ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولايتقاصر عنه(٢) ، ليس كذلك فاعرفه.

إكمال :

الظاهر أن مرادهعليه‌السلام  بتردد القمر في منازل التقدير ، عوده اليها في الشهر اللاحق بعد قطعه إياها في السابق ، فتكون كلمة « في » بمعنى إلى ، ويمكنأن تبقى على معناها الأصلي بجعل المنازل ظرفاً للتردد ، فان حركته التي يقطع بها تلك المنازل لما كانت مركبة من شرقية وغربية جعل كانه لتحركه فيها بالحركتين

________________________

(١) يس ، مكية ، ٣٦ : ٣٩.

(٢) تفسير الكشاف ٤ : ١٦ ، انوار التنزيل ٤ : ١٨٨.

٨٦

المختلفتين متردد يقدّم رجلاً ويؤخر أُخرى.

وأما على رأي من يمنع جواز قيام الحركتين المختلفتين بالجسم ، ويرى أنّ للنملة المتحركة بخلاف حركة الرحى سكوناً حال حركة الرحى ، وللرحي سكوناً حال حركتها ، فتشبيهه بالمتردد أظهر كما لا يخفى.

إيضاح :

« الفلك » ، مجرى الكواكب ، سمّي به تشبيهاً بفلكة المغزل(١) في الاستدارة والدوران.

قال : الشيخ أبو ريحان البيروني(٢) : إنَّ العرب والفرس سلكوا في تسمية السماء مسلكاً واحداً ، فإن العرب تسمي السماء فلكاً تشبيهاً لها بفلك الدولاب والفرس سموها بلغتهم آسمان ، تشبيها لها بالرحى فإنّ « آس » هو الرحى بلسانهم ، و « مان » دال على التشبيه(٣) ، انتهى [١٢ / ب].

والمراد بـ « فلك التدبير » ، أقرب الأفلاك التسعة إلى عالم العناصر ، أي : الفلك الذي به تُدبّر بعض مصالح عالم الكون والفساد.

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (٤) أنّ المراد بها الأفلاك(٥) ؛ وهو أحد الوجوه التي أوردها الشيخ الجليل أمين

________________________

(١) انظر : لسان العرب ١٠ : ٤٧٨ ، مادة ( فلك ).

(٢) محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي ، من نوابغ العلماء ، فيلسوف رياضي ، سكن الهند فترة ، له المام بالفلسفة اليونانية والهندية ، اشتهر بالهيئة ، له مؤلفات كثيرة محصورة في فهرست مخصوص بها ، يقع في ستين صفحة ، منها : التفهيم ، الآثار الباقية ، الجماهر.

والبيروني قيل نسبة إلى سكناه خارج خوارزم ، بناءاً على قراءتها بالتخفيف ، وقيل أنها مدينة في السند. مات سنة ٤٤٠ هـ = ١٠٤٨ م له ترجمه في : اللباب ١ : ١٩٧ / عيون الأنباء : ٤٥٩ / الأعلام ٥ : ٣١٤ / معجم الادباء ١٧ : ١٨٠ رقم ٦٢ / تاريخ مختصر الدول : ١٨٦ / روضات الجنات ٧ : ٣٥١ رقم ٦٦٩ / الذريعة ١ : ٥٠٧ رقم ٢٥٠١ / وانظر مقدمة التفهيم الفارسية.

(٣) التفهيم لأوائل صناعة التنجيم : ٤٥ / وانظر فرهنك جامع آنندراج ١ : ٧٢.

(٤) النازعات ، مكية ، ٧٩ : ٥.

(٥) اختلفت مذاهب المفسرين في قبول ذلك ورده أنظر كلاّ من : القرطبي في تفسيره

٨٧

الإسلام أبو علي الطبرسيرضي‌الله‌عنه في تفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان ، عند تفسيرهذه الآية(١) .

ويمكن أن يكون على ضرب من المجاز ، كما يسمى ما يقطع به الشيء قاطعاً.

وربّما يوجد في بعض النسخ : « المتصرف في فلك التدوير » ، وهو صحيح أيضاً ، وإن كانت النسخة الاُولى أصح ، والمراد به رابع أفلاك القمر ، وهو الفلك الغير المحيط بالأرض ، المركوز هو فيه ، المتحرك ـ أسفله على توالي البروج ، وأعلاه بخلافه ، مخالفاً لسائر تداوير السيارة ـ كلّ يوم ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وأربعاً وخمسين ثانية. وهو مركوز في ثخن ثالث أفلاكه لمسمى بالحامل ، المباعد مركزه مركز العالم بعشر درج ، المتحرك على التوالي كلّ يوم أربعاً وعشرين درجة واثنتين وعشرين دقيقة وثلاثاً وخمسين ثانية.

وهو واقع في ثخن ثاني أفلاكه المسمى بالمائل الموافق مركزه مركز العالم ، المماسّ مقعّره محدب النار الفاضل عن الحامل الموافق له في ميل منطقته عن منطقة البروج بمُتِّمَمين متدرجي الرّقة إلى نقطتي الأوج والحضيض ، المتحرك على خلاف التوالي كل يوم إحدى عشرة درجة وتسع دقائق وسبع ثوان.

وهو واقع في جوف أول أفلاكه المسمى بالجوزهر الموافق مركزه مركز العالم ، ومنطقته منطقة البروج ، والمماسّ محدّبه مقعر ممثل عطارد ، المتحرك كالثاني كلّ يوم ثلاث دقائق واحدى عشرة ثانية.

* * *

________________________

٩١ : ٤٩١ / والفخر الرازي في تفسيره ٣١ : ٢٧ ـ ٣٢ بتفصيل فيهما ، وتفسير أبو السعود ٩ : ٩٦ / والبيضاوي ٥ : ١٧١ / والبحر المحيط ٩ : ٤٩١ / والنهر الماد ٨ : ٤١٨ / الكشاف٤ : ٦٩٣.

(١) مجمع البيان ٥ : ٤٣٠

٨٨

وهم وتنبيه :

من غرائب الأوهام ما حكم به صاحب المواقف(١) ، من أنَّ غاية الغلظ في كلّ من المتممين مساوية لبعد مركز الحامل عن مركز العالم(٢) .

و هذا مما يكذبه العيان ويبطله قاطع البرهان [١٣ / أ] ، وكونها ضعفا له مما لا ينبغي أن يرتاب فيه من له أدنى تخيل ، ويمكن إقامة البرهان عليه بوجوه عديدة.

ويكفي في التنبيه عليه أنَّ التفاضل بين نصفي قطري الحامل والمائل بقدرما بين المركزين ، فيكون ضعف ذلك تفاضل القطرين(٣) .

ولنا على ذلك برهان هندسي أوردناه في شرحنا على شرح الجغميني(٤) .

والعجب من المحقق الدواني(٥) كيف وفق صاحب المواقف على ذلك الوهم ،

________________________

(١) عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار ، عضد الدين الفارسيّ ، ألشافعي ، الملقب بالعضدي أوالعضد الايجي ، نسبة الى بلدة في نواحي شيراز ، أخذ عن مشايخ عصره أمثال الشيخ الهنكي ، ولازمه ، ولي القضاء للمماليك ، برع في المعقول والأصول والمعاني والعربية ، له شرح المختصر ، والمواقف في الكلام ، تلمذ عليه الكرماني ، والعفيفي ، والتفتازاني. له محنة مع صاحب كرمان حبسه على أثرها فمات في الحبس سنة ٧٥٦ هـ = ١٣٥٥ م.

له ترجمة في : الدرر الكامنة ٢ : ٣٢٢ رقم ٢٢٧٨ / طبقات الشافعية الكبرى ٦ : ٠٨ ١ / شذراتالذهب ٦ : ١٧٤ / هدية ألأحباب : ٢١٨ / بغية الوعاة ٢ : ٧٥ رقم ١٤٧٦ / روضات الجنات ٥ : ٤٩ رقم ٤٣٨ / معجم المؤلفين ٥ : ١١٩ / الأعلام ٣ : ٢٩٥ / الكنى والألقاب ٢ : ٤٧٢.

(٢) المواقف : ٢٠٨.

(٣) تاتي الإشارة إلى البرهان على ذلك قريبا ، وأورد الاعتراض بصورة مفصلة مع البرهان في الكشكول ٢ : ٣٤٨.

(٤) ألجغميني : تسمية للكتاب باسم نسبة المؤلف ، إذ اسمه الأصلي ملخص الهيئة أو الهيئة البسيطة ومؤلفه محمود بن محمد بن عمر الجغميني ، وجغمين من قرى خوارزم له شروح ولشروحه شروح منها شرح الشيخ المصنفقدس‌سره ولا زأل الشرح مخطوطا.

(٥) محمد بن أسعد الصديقي الدواني ، جلال الدين الحكيم المتكلم ، من أفاضل المحققين والفلاسفة

٨٩

وأصرَّ على حقيته قائلاً : إن البرهان القائم على خلافه مخالف للوجدان فلا يلتفت إليه.

وأعجب من ذلك أنَّه استدلَّ على حقية ما زعمه حقاً بأنه لو فرض تطابق المركزين ثم حركة الحامل إلى الأوج فبقدر ما يتباعد المركزان يتباعد المحيطان(١) .

وأنت ، وكل سليم التخيل تعلمان أن دليله هذا برهان تامّ على نقيض مدّعاه ، فإيراده له من قبيل إهداء السلاح إلى الخصم حال الجدال ، وصدورمثله عجيب من مثله.

تبصرة :

لا يبعد أن تكون الإضافة في « فلك التدبير » من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف ، كقولهم مجلس الحكم ، ودار القضاء ، أي الفلك الذي هو مكان

________________________

في القرن التاسع ، سطع نجمه في بلدته شيراز مهد الفلسفة ، استبصر آخر أمره ، له كتب منها شرح هياكل ألنور ، ألأربعون السلطانية ، شرح خطبة الطوالع ، وغيرها تصل الى ألستين مؤلفاً اختلف في تاريخ وفاته فقيل : ٩٠٢ ، ٩٠٦ ، ٩٠٧ ، ٩٠٨ ، ٩١٨ ، ٩٢٨ هـ = ١٤٩٦ ـ ١٥٢١ م.

له ترجمة في : هدية الأحباب : ١٥٤ / الضوء اللامع ٧ : ١٣٣ / شذرات ألذهب ٨ : ١٧٠ ، معجم المؤلفين ٩ : ٤٧ / الأعلام ٦ : ٣٢.

(١) حاصل البرهان على ما جاء في الكشكول ٢ : ٢٠٤ هو :

إذا تماست دأئرتان من داخل صغرى وعظمى ، فغاية البعد بين محيطيهما بقدر ضعف ما بين مركزيهما ، كدائرتي « أ ب حـ ، أ د هـ » ألمتماستين على نقطة « أ » ، وقطر العظمى « أ هـ » ، وقطر الصغرى « ا حـ » وما بين المركزين « رح ». فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » ؛ لأنا إذا توهمنا حركة الصغرى لينطبق مركزها على مركز العظمى ، ونسميها حينئذٍ دائرة « ط ي » فقد تحرك محيطها على قطر العظمى بقدر حركة مركزها فخطوط « أ ط ر ح ى » متساوية ، وخطا « أ ط ى هـ » متساويان أيضاً ، لأنهما الباقيان بعد أسقاط نصفي قطر الصغرى من نصفي قطر العظمى ، فخط « رح » ألذي كان يساوي خط « أ ط » يساوي خط « ي هـ » أيضا ، وقد كان يساوي خط « حـ ي » ، فخط « حـ هـ » ضعف خط « رح » وذلك ما أردناه ، والتقريب ظاهر كما لا يخفى.

لاحظ الشكل :

٩٠

التدبير ومحله ، نظراً إلى أنَّ ملائكة سماء الدنيا يدبرون أمر العالم السفلّي فيه ، أو إلى أنَّ كلاً من السيارات السبع تدبر في فلكها أمراً هي مسخرة له بأمرخالقها ومبدعها ، كما ذكره جماعة من المفسرين [١٣ / ب] في تفسير قوله تعالى :( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (١) (٢) .

و يمكن أن يراد بـ « فلك التدبير » مجموع الأفلاك التي تتدبر بها الأحوال المنسوبة إلى القمر بأسرها ، وتنضبط بها الأمور المتعلقة به بأجمعها ، حتى تشابه حركة حامله حول مركز العالم ، ومحاذاة قطر تدويره نقطة سواه إلى غيرذلك.

وتلك الأفلاك الجزئية هي الأربعة السالفة مع ما زيد عليها لحل ذينك الإشكالين ، ومع ما لعلَّه يُحتاج إليه أيضا في انتظام بعض أموره وأحواله التي ربما لم يطلع عليها الراصدون في أرصادهم ، وإنما يطلع عليها المؤيدون بنور الإمامة والولاية.

________________________

(١) النازعات ، مكية ، ٧٩ : ٥.

(٢) تقدمت الإشارة إليهم في الهامش رقم « ٥ » صحيفة : ١٥ وقد جاء في هامش الأصل ما لفظه :

روى الشيخ الجليل أبو علي في تفسيره الصغير [ جمع الجوامع ٢ : ٦٠٠] قولاً : بان المقسّمات فيقوله تعالى «فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا » [ الذاريات ، مكية ، ٥١ : ٤ ] هي الكواكب ، منه. قدّس سرّه.

٩١

وحينئذٍ يراد بالتدبير التدبير الصادر عن الفلك نفسه ، وتكون اللام فيه للعهد الخارجي ، أي التدبير الكامل الذي ينتظم به جميع تلك الأمور ، والله أعلم.

تتمة :

لا يبعد أن يراد بـ « فلك التدبير » الفلك الذي يدبره القمر نفسه ، نظرا إلى ما ذهب إليه طائفة من أن كلّ واحد من السيارات السبع مدبِّر لفلكه ، كالقلب في بدن الحيوان.

قال سلطان المحققين ، نصير الملة والحق والدين قدس الله روحه ، في شرح الإشارات : ذهب فريق إلى أن كل كوكب منها ينزل مع أفلاكه منزلة حيوان واحد ذي نفس واحدة ، تتعلق بالكوكب أول تعلقها ، وبأفلاكه بواسطة الكوكب ، كما تتعلق نفس الحيوان بقلبه أولاً ، وبأعضائه الباقية بعد ذلك ، فالقوة المحركة منبعثة عن الكوكب الذي هو كالقلب في أفلاكه ، التي هي كالجوارح والأعضاء الباقية(١) ، انتهى كلامه زيد إكرامه.

ويمكن أن يكون هذا هومعنى ما أثبته له [١٤ / أ]عليه‌السلام  من التصرف في الفلك ، والله أعلم بمقاصد أوليائه سلام الله عليهم أجمعين.

خاتمة :

خطابهعليه‌السلام  للقمر ، ونداؤه له ، ووصفه إيَّاه بالطاعة والجد ، والتعب والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، ربما يعطي بظاهره كونه ذا حياة وإدراك ، ولا استبعاد في ذلك نظراً إلى قدرة الله تعالى ، إلّا أنّه لم يثبت بدليل عقليّ قاطع يشفي العليل ، أو نقليّ ساطع لا يقبل التأويل ، نعم أمثال هذه الظواهر ربما تشعر به ، وقد يُستند في ذلك بظاهر قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ

________________________

(١) شرح الإشارات والتنبيهات ٢ : ٣٢.

٩٢

وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (١) ، فإن الواو والنون لا تستعمل حقيقة لغير العقلاء.

و قد أطبق الطبيعيون على أنَّ الأفلاك بأجمعها حية ناطقة عاشقة ، مطيعة لمبدعها وخالقها ، وأكثرهم على أنَّ غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه ، والتقرب إليه جل شأنه ، وبعضهم على أن حركاتها لورود الشوارق القدسية عليها آناً فآنا ، فهي من قبيل هزَّة الطرب والرقص الحاصل من شدّة السرور والفرح.

و ذهب جمّ غفير منهم إلى أنه لا ميت في شيء من الكواكب أيضا ، حتى اثبتوا لكلّ واحد منها نفساً على حِدَة تحركه حركة مستديرة على نفسه ، وابن سينا(٢) في الشفاء مال إلى هذا القول ورجحه(٣) وحكم به في النمط السادس من الإشارات(٤) ، ولو قال به قائل لم يكن مجازاً ، فإن كلام ابن سينا وأمثاله وإن لم يكن حجة يركن إليها الديانيون في أمثال هذه المطالب ، إلاّ إنه يصلح للتأييد.

و لم يرد في الشريعة المطهرة ـ على الصادع بها وآله أفضل الصلوات وأكمل التسليمات ـ ما ينافي ذلك القول ، ولا قام دليل عقليّ على بطلانه.

وإذا جاز أن يكون لمثل البعوضة والنملة فما دونها حياة ، فأيّ مانع من أن

________________________

(١) الأنبياء ، مكية ، ٢١ : ٣٣.

(٢) ابن سينا ، الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري ، أبو علي الملقب بالشيخ الرئيس ، الفيلسوف الشهير ، نادرة الزمان ، أعجوبة الدهر ، له مشاركة في أغلب العلوم والفنون ، افتى على المذهب الحنفي وعمره اثنتا عشرة سنة ، صنف القانون في الطب ولما يبلغ السابعة عشرة ، له الشفاء ، والإشارات ، وغيرها كثير ، أخذ الفقه عن أسماعيل الزاهد ، والفلسفة والمنطق ، عن النائلي ، وأعتمد على نفسه في حل أكثر المطالب ، مات سنة ٤٢٧ وقيل ٢٨ هـ = ١٠٣٥ ـ ١٠٣٦ م.

له ترجمة في روضات الجنات ٣ : ١٧٠ ت ٢٦٨ / وفيات الأعيان ٢ : ١٥٧ ت ١٩٠ / مرآة الجنان ٣ : ٤٧ / الكنى وألألقاب ١ : ٣٢٠ / عيون الأنباء : ٤٣٧ / خزانة ألأدب ٤ : ٤٦٦ / لسان الميزان ٢ : ٢٩١ ت ١٢١٨ / سير أعلام النبلاء ١٧ : ٥٣١ ت ٣٥٦ / الجواهر المضية ٢ : ٦٣ / البداية والنهاية١٢ : ٤٢ / ميزان ألاعتدال ١ : ٥٣٩ ت ٢٠١٤ / دائرة ألمعارف الاسلامية ١ : ٢٠٣ / وغيرها كثير.

(٣) الشفاء ٢ : ٤٥ ، الفصل السادس ، حركات الكواكب من السماء والعالم ، قسم الطبيعيات.

(٤) الاشارات والتنبيهات ٢ : ٣٤.

٩٣

يكون لمثل تلك الأجرام الشريفة أيضاً ذلك.

وقد ذهب جماعة إلى أنَّ لجميع إلأشياء نفوساً مجرَّدة ونطقاً ، وج علوا قوله تعالى :( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (١) محمولاً على ظاهره.

وليس غرضنا من هذا الكلام توجيح القول بحياة الأفلاك ، بل كسر سورة استبعاد المصرين على ، إنكاره وردّه ، وتسكين صولة المشنعين على من قال به أو جوّزه.

وقد قدمنا في فواتح هذا هذا الشرح ـ الذي نسأل الله أن يوفقنا لإتمامه ـ كلاماً مبسوطاً في هذا [ ١٤ / ب ] الباب ، ذكرنا ما قيل فيه من الجانبين(٢) ، والله الهادي.

* * *

________________________

(١) الاسراء ، مكية ، ١٧ : ٤٤.

(٢) هذا وغيره كثير مما يأتي يدل على أنه كتب غير هذا الشرح أيضا لباقي الأدعية ، ولكن لم تصل الينا لحد ألآن ، نسأل الله التوفيق للعثور على الباقي.

٩٤

قال مولانا وإمامناعليه‌السلام  :

« امنت بمن نوّر بك الظُلمَ ، وأوضح بك البُهَم ، وجعلك آية من ايات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والاُفول ، والإنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ».

« الإيمان » ، وان اختلفت الاُمة في أنه التصديق القلبي وحده ، أو الإقرار اللساني وحده ، أو كِلا الأمرين معا ، أو أحدهما ، أو مع العمل الأركاني ، كما تقدم تفصيله وتحقيق الحق فيه في فواتح هذا الشرح(١) .

________________________

(١) الإيمان في اللغة هو التصديق أو إظهار الخضوع والقبول. يقال : آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآمنت به ، اي صدقته وأظهرت له الخضوع والقبول لما يقوله.

انظر : الصحاح ٥ : ٢٠٧١ / القاموس ١٥١٨ / مجمل اللغة ١ : ١٠٢ / ومعجم مقاييس اللغة.

وبتفصيل في لسان العرب ١٣ : ٢٣.

وفي عرف أهل الكلام من ألمسلمين على أربعة معان هي :

١ ـ الإيمان : فعل قلبي ، وهو قسمان :

أ ـ تصديق خاص أي تصديق الرسول الأعظم بما جاء به من الله تعالى مع حفظ المظاهر ـ إجمالاً أوتفصيلاً ـ ذهب إليه الأشاعرة والماتريديه ، ومن المعتزلة الصالحي وابن الراوندي.

ب ـ معرفة الله تعالى مع توحيده بالقلب ، وأضاف قسم منهم : وما جاء به الرسل. والإقرار اللساني بركن فيه عندهم. ذهب إليه الجهمية ، وبعض الفقهاء.

٢ ـ الإيمان عمل لساني ، وهو قسمان :

أ ـ إضافة المعرفة القلبية ، واليه ذهب غيلان الدمشقي.

ب ـ الإيمان مجرد الإقرار اللساني لا غير ، واليه مال الكرامية.

٩٥

.............................................................................

________________________

٣ ـ الإيمان عمل القلب واللسان معا ، وفيه أقوال :

أ ـ إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، واليه ذهب أبو حنيفة ، وأغلب الفقهاء ، وقسم من المتكلمين.

ب ـ تصديق بالقلب واللّسان معاً ، وهو قول الأشعري ، والمريسي.

ج ـ اقرار باللسان واخلاص بالقلب.

٤ ـ الإيمان فعل بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، واليه ذهب أصحاب الحديث ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والاوزاعي ، والمعتزلة ، والخوارج ، والزيدية.

ولآراء الجميع تفصل في كتبهم.

هذا ، وما لنا ولأقوألهم وآرائهم ، هاك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « الإيمان : معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان » نهج البلاغة ، الحكمة ٢٢٧.

وقول الإمام الصادق عليه السلام :

« ليس الإيمان بالتحلّن ، ولا بالتمنّي ، ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال ».

وهكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « الإيمان قول وعمل أخوان شريكان ».

وقول الإمام الرضا عليه السلام :

« الإيمان : عقد بالقلب ، ولفظ باللّسان ، وعمل بالجوارح ، لا يكون ألإيمان إلّا هكذا ».

٩٦

ولا يخفى أنَّ الإيمان أمر ـ مفهوم ـ إعتباري ، قابل للزيادة والنقصان ، والشدّة وألضعف ، وعليه شواهد من القران الكريم والروايات.

والاسلام : يتحقق بإظهار الشهادتين فقط لا غير ، فتكون النسبة بينه والإيمان هي العموم والخصوص المطلق ، إذ كل مؤمن مسلم وزيادة. وليس كلّ مسلم مؤمنا. والقرآن الكريم شاهد عليه ، قال الثه تعالى : «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم » [ الحجرات ، مدنية ، ٤٩ : ١٤]

وهكذا قول الإمام الصادق عليه السلام : « الإسلام : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والتصديق برسول الله (ص) ؛ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس. والايمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل ، وألإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ».

وإلى الفرق بينهما اشار عليه السلام كما في الكافي « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلاعمل ».

هذا هو رأي الشيعة الإمامية الإثني عشرية بنحو الإجمال ، وللتوسعة في جميع ما تقدم ينظر :

الكافي ٢ : ٢٤ ـ ٢٨ / معاني الأخبار : ١٨٦ ، باب معنى الاسلام والايمان / حق اليقين للسيد شبر٢ : ٣٣١ بتفصيل لطيف / تفسير ألقرآن الكريم للمولى الشيرازي ١ : ٢٤٥ / بحار الأنوار٦٥ : ٢٢٥ ـ ٣٠٩ / إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : ٤٣٦ / تجريد الاعتقاد : ٣٠٩ / كشف

٩٧

إ لَّا أنَّ الإيمان المعدى بالباء لا خلاف بينهم في أنَّه التصديق القلبي بالمعنى اللغوي.

و « النور » والضوء مترادفان لغة ، وقد تسمى تلك الكيفية إن كانت من ذات الشيء ضوءاً ، وإن كانت مستفادة من غيره نورا ، وعليه قوله تعالى :( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا ) (١) .

و « الظُلَم » : جمع ظلمة ، ويجمع على ظُلُمات أيضاً ، وهي عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا(٢) .

و « البُهَم » ـ بضم الباء الموحدة وفتح الهاء ـ : جمع بُهْمة ، بضم الباء وإسكان الهاء ، وهي مما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً(٣) .

و « الآية » : العلامة.

و « السلطان » : مصدر بمعنى الغلبة والتسلط ، وقد يجىء بمعنى الحجة والدليل ، لتسلطه على القلب وأخذه بعنانه.

و « المِهْنة » ـ بفتح الميم ، وكسرها ، واسكان الهاء ـ : الخدمة والذل والمشقة ، والماهن : الخادم.

و « امْتهنه » : استعمله في المهنة.

و « طلوع » الكوكب : ظهوره فوق الأفق أومن تحت شعاع الشمس.

________________________

المراد : ٤٥٤ / توضيح المراد : ٨٧٤ / تفسير القمي ١ : ٣٠ / مقالات الاسلاميين : ١٣٢ / ٢٦٦ / الفصل في الملل والنحل ٣ : ٢٢٥ / ٣٩ / الذريعة إلى مكارم الشريعة ١ : ١٢٦ ـ ١٣٠ / فتح القدير ١ : ٣٤ / الكشاف ١ : ٣٧ / كشاف اصطلاحات الفنون ١ : ٩٤ / المفردات : ٢٥ / حاشية الكنبوي على شرح الجلال ١ : ١٩٥. وغيرها من كتب الكلام والتفاسير في تفسير الآية ٣ منسورة البقرة.

(١) يونس ، مكية ، ١٠ : ٥.

(٢) الصحاح ٥ : ١٩٧٨ / تاج العروس ٨ : ٣٧٤ / المفردات : ٣١٥. وانظر للتفصيل ، لسان العرب١٢ : ٣٧٧.

(٣) معجم مقاييس اللغة ١ : ٣١١ / تاج العروس ٨ : ٢٠٦ / لسان العرب ١٢ : ٥٦.

٩٨

« وافوله غروبه تحته ».

و « الكسوف » ، زوال الضوء عن الشمس أو القمر للعارض المخصوص ، وقد يفسر الكسوف بحجب القمر ضوء الشمس عنّا ، أو حجب الأرض ضوءالشمس عنه ، وهو تفسير للشيء بسببه.

و قال جماعة من أهل اللغة : الأحسن أن يقال في زوال ضوء الشمس كسوف ، وفي زوال ضوء القمر خسوف(١) [١٥ / أ] ، فإن صحّ ما قالوه فلعلهعليه‌السلام  أراد بالكسوف زوال الضوء المشترك بين الشمس والقمر لا المختص بالقمر وهو الخسوف ، ليكون خلاف الأحسن(٢) فتدبر.

و لا يخفى أنَّ امتهان القمر حاصل بسبب كسف الشمس أيضاً ، فانه هوالساتر لها ، ولما كان شمول الكسوف للخسوف أشهر من العكس اختارهعليه‌السلام  ، والله أعلم.

كشف نقاب :

لمّا افتتحعليه‌السلام  الدعاء بخطاب القمر ، وذكر أوصافه وأحواله ، منالطاعة والجدّ والسرعة ، والتردد في المنازل ، والتصرف في الفلك ، وأراد أنيذكر جملاً اُخرى من أوصافه وأحواله سوى ما مر ؛ جرى عليه « السلام على النمط الذي افتتح عليه الدعاء من خطاب القمر ، ونقل الكلام من أسلوب إلى آخر ؛ على ما هودأب البلغاء المفلقين من تلوين الكلام في أثناء المحاورات كما ذكره صاحب المفتاح في بحث الالتفات(٣) ؛ وجعل تلك الجمل ـ مع تضمنها لخطاب القمر وذكر أحواله ـ موشحة بذكر الله سبحانه ، والثناء عليه جلَّ شأنه ، تحاشيا

________________________

(١) ينظر صحاح اللغة ٤ : ١٣٥٠ و ١٤٢١ / القاموس : ١٠٩٧ / تاج العروس ٦ : ٨٤ ، ٢٣٢ / وانظر المفردات : ١٤٨ المواد ( خسف ، كسف ).

(٢) والذي جعله أهل اللغة خلاف الأحسن هو إطلاق الكسوف على الخسوف ، وحده الأعلى الأمر الشامل له ولغيره ، وهذا كما قالوه : من أنَّ تعدية ألصلاة بعلى إذا أُريد بها مجموع المعاني الثلاثة لاتدل على التضمنية. ( منه ).

(٣) مفتاح العلوم : ٨٦ ، ١٨١.

٩٩

عن أنْ يتمادى به الكلام خالياً عن ذكر المفضل المنعام ، فقال : « آمنت بمن نوّربك الظلم » إلى آخره ، معبّراً عن المؤمَن به جلَّ شأنه بالموصول ليجعل الصلة مشعرة ببعض أحوال القمر ، ويعطف عليها الأحوال الاُخر فتتلائم جمل الكلام ، ولا تخرج عن الغرض المسوق له من بيان تلك الأوصاف والأحوال.

و التعبير بالنكرة الموصوفة وإن كان يحصل به هذا الغرض أيضاً إلَّا أن المقام ليس مقام التنكيركما لا يخفى.

فإن قلت : مضمون الصلة لا بدَّ أن يكون أمراً معلوماً للمخاطب ، معهوداً بينه وبين المتكلم انتسابه إلى الموصول قبل ذكر الصلة ، ولذلك لم يجز كونها إنشائية كما قرروه ، والمخاطب هنا هو القمر وهو ليس من ذوي العلم فكيف يلقى إليه الموصول مع الصلة؟.

قلت : كونه من غيرذوي العلم ليس أمرا مجزوماً به ، وقد مر الكلام فيه قبيل هذا(١) ، سلّمنا ، لكن تنزيل غير العالم منزلة العالم لاعتبار مناسب غيرقليل في كلام البلغاء ، فليكن هذا منه ، على أنَّ التنزيل المذكور لا مندوحة عنه في أصل نداء القمر وخطابه ، فإن الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ، فلا بدّ من تنزيله منزلة من يفهم.

و اللام في « الظُلِّم » للاستغراق ، أعني : العرفي منه لا الحقيقي ، والمراد الظُلّم المتعارف تنويرها بالقمر ، من قبيل جمع الأمير الصاغة.

ويمكن جعله للعهد الخارجي.

و الحق أن لام الاستغراق العرفي ليست شيئا وراء لام العهد الخارجي ، فإن المعرف بها هوحصة معينة من الجنس أيضاً ، غايته أنَّ التعيين فيها نشأ من العرف ، وقد أوضحت هذا في تعليقاتي على المطول(٢) .

________________________

(١) انظر صحيفة : ٩١ ، بحث « خاتمة ».

(٢) مخطوط لم ير النور بعد.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

في الكامل و الطبرانيّ و ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنّ رجلاً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله إنّي إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء و أخذتني شهوتي، و إنّي حرّمت عليّ اللحم فنزلت:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) .

و فيه: أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم: أنّ عبدالله بن رواحة ضافه ضيف من أهله و هو عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظاراً له، فقال لامرأته: حبسّت ضيفي من أجلي هو حرام عليّ، فقالت امرأته: هو عليّ حرام، قال الضيف: هو عليّ حرام، فلمّا رأى ذلك وضع يده و قال: كلوا بسم الله، ثمّ ذهب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره، فقال النبي:صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أصبت فأنزل الله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) .

أقول: من الممكن أن يكون السببان المذكوران في الروايتين الأخيرتين من تطبيق الرواة، و هو شائع في روايات أسباب النزول، و من الممكن أن يقع لنزول الآية أسباب عديدة.

و في تفسير العيّاشيّ، عن عبدالله بن سنان قال: سألته عن رجل قال لامرأته: طالق، أو مماليكه أحرار إن شربت حراماً و لا حلالاً فقال: أمّا الحرام فلا يقربه حلف أو لم يحلف، و أمّا الحلال فلا يتركه فإنّه ليس أن يحرّم ما أحلّ الله لأنّ الله يقول:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) فليس عليه شي‏ء في يمينه من الحلال.

و في الكافي، بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول في قول الله عزّوجلّ:( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) قال:( اللغو) قول الرجل:( لا و الله، و بلى و الله) و لا يعقد على شي‏ء.

أقول: و روى العيّاشيّ في تفسيره عن عبدالله بن سنان مثله، و عن محمّد بن مسلم مثله و فيه: و لا يعقد عليها.

و في الدرّ المنثور: أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال: لما نزلت:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) في القوم الّذين حرّموا النساء و اللحم على

١٢١

أنفسهم قالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا الّتي حلفنا عليها؟ فأنزل الله:( لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) .

أقول: و الرواية تشاكل ذيل الرواية الاُولى الّتي أوردناها في صدر البحث غير أنّها لا تنطبق على ظاهر الآية فإنّ الحلف على ترك واجب أو مباح لا يخلو من عقد عليه، و قد قوبل في الآية قوله:( بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ) بقوله:( بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) و دلّ ذلك على كون اللغو من اليمين ما لا عقد عليه، و هذا الظاهر إنّما يوافق الرواية المفسّرة للغو اليمين بقول القائل: لا و الله، و بلى و الله، من غير أن يعقد على شي‏ء، و أمّا اليمين الملغاة شرعاً ففيها عقد على ما حلف عليه فالمتعيّن أن يستند إلغاؤه إلى السنّة دون الكتاب.

على أنّ سياق الآية أدّل دليل على أنّها مسوقة لبيان كفّارة اليمين و الأمر بحفظها استقلالاً لا على نحو التطفّل كما هو لازم هذا التفسير.

١٢٢

( سورة المائدة الآيات ٩٠ - ٩٣)

يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ( ٩٠) إِنّمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ( ٩١) وَأَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنّمَا عَلَى‏ رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ( ٩٢) لَيْسَ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيَما طَعِمُوا إِذَا مَا اتّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ ثُمّ اتّقَوْا وَآمَنُوا ثُمّ اتّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ( ٩٣)

( بيان)

الآيات متلائمة سياقاً فكأنّها نزلت دفعة أو هي متقاربة نزولاً، و الآية الأخيرة بمنزلة دفع الدخل على ما سنبيّنه تفصيلاً، فهي جميعاً تتعرّض لحال الخمر، و بعضها يضيف إليها الميسر و الأنصاب و الأزلام.

و قد تقدّم في قوله تعالى:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) البقرة: ٢١٩، في الجزء الأوّل، و في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‏ حتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) النساء: ٤٣ في الجزء الرابع من هذا الكتاب أنّ هاتين الآيتين مع قوله تعالى:( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ ) الأعراف: ٣٣، و هذه الآية المبحوث عنها:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ - إلى قوله -فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) إذا انضمّ بعضها إلى بعض دلّت سياقاتها المختلفة على تدرّج الشارع في تحريم الخمر.

لكن لا بمعنى السلوك التدريجيّ في تحريمها من تنزيه و إعافة إلى كراهية إلى

١٢٣

تحريم صريح حتّى ينتج معنى النسخ، أو من إبهام في البيان إلى إيضاح أو كناية خفيّة إلى تصريح لمصلحة السياسة الدينيّة في إجراء الأحكام الشرعيّة فإنّ قوله تعالى:( وَ الْإِثم ) آية مكّيّة في سورة الأعراف إذا انضمّ إلى قوله تعالى:( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ) و هي آية مدنيّة واقعة في سورة البقرة أوّل سورة مفصّلة نزلت بعد الهجرة أنتج ذلك حرمة الخمر إنتاجاً صريحاً لا يدع عذراً لمعتذر، و لا مجالاً لمتأوّل.

بل بمعنى أنّ الآيات تدرّجت في النهي عنها بالتحريم على وجه عامّ و ذلك قوله تعالى:( وَ الْإِثْمَ ) ، ثمّ بالتحريم الخاصّ في صورة النصيحة و ذلك قوله:( قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) ، و قوله:( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‏ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ) إن كانت الآية ناظرة إلى سكر الخمر لا إلى سكر النوم، ثمّ بالتحريم الخاصّ بالتشديد البالغ الّذي يدلّ عليه قوله:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) الآيتان.

فهذه الآيات آخر ما نزل في تحريم الخمر يدلّ على ذلك أقسام التأكيد المودعة فيها من( إِنَّما ) و التسمية بالرجس، و نسبته إلى عمل الشيطان، و الأمر الصريح بالاجتناب، و توقّع الفلاح فيه، و بيان المفاسد الّتي تترتّب على شربها، و الاستفهام عن الانتهاء، ثمّ الأمر بإطاعة الله و رسوله و التحذير عن المخالفة، و الاستغناء عنهم لو خالفوا.

و يدلّ على ذلك بعض الدلالة أيضاً قوله تعالى في ذيل الآيات:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) إلخ بما سيأتي من الإيضاح.

قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ ) إلى آخر الآية قد تقدّم الكلام في أوّل السورة في معنى الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام فالخمر ما يخمر العقل من كلّ مائع مسكر عمل بالتخمير، و الميسر هو القمار مطلقاً، و الأنصاب هي الأصنام أو الحجارة الّتي كانت تنصب لذبح القرابين عليها و كانت تحترم و يتبرّك بها، و الأزلام هي الأقداح الّتي كانت يستقسم بها، و ربّما كانت تطلق على السهام الّتي كانت يتفاءل بها عند ابتداء الاُمور و العزيمة عليها كالخروج إلى سفر و نحوه

١٢٤

لكنّ اللفظ قد وقع في أوّل السورة للمعنى الأوّل لوقوعه بين محرّمات الأكل فيتأيّد بذلك كون المراد به ههنا هو ذلك.

فإن قلت: الميسر بعمومه يشمل الأزلام بالمعنى الآخر الّذي هو الاستقسام بالأقداح، و لا وجه لإيراد الخاصّ بعد العامّ من غير نكتة ظاهرة فالمتعيّن حمل اللفظ على سهام التفؤل و الخيرة الّتي كان العمل بها معروفاً عندهم في الجاهليّة قال الشاعر:

فلئن جذيمة قتلت ساداتها

فنساؤها يضربن بالأزلام

و هو - كما روي - أنّهم كانوا يتّخذون أخشاباً ثلاثة رقيقة كالسهام أحدها مكتوب عليه( افعل) و الثاني مكتوب عليه لا تفعل و الثالث غفل لا كتابة عليه فيجعلها الضارب في خريطة معه و هي متشابه فإذا أراد الشروع في أمر يهمّه كالسفر و غير ذلك أخرج واحداً منها فإن كان الّذي عليه مكتوب( افعل) عزم عليه، و إن خرج الّذي مكتوب عليه( لا تفعل) تركه، و إن خرج الثالث أعاد الضرب حتّى يخرج واحد من الأوّلين، و سميّ استقساماً لأنّ فيه طلب ما قسّم له من رزق أو خير آخر من الخيرات.

فالآية تدلّ على حرمته لأنّ فيه تعرّضاً لدعوى علم الغيب، و كذا كلّ ما يشاكله من الأعمال كأخذها الخيرة بالسبحة و نحوها.

قلت: قد عرفت أنّ الآية في أوّل السورة:( وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ) ظاهرة في الاستقسام بالأقداح الّذي هو نوح من القمار لوقوعه في ضمن محرّمات الأكل، و يتأيّد به أنّ ذلك هو المراد بالأزلام في هذه الآية.

و لو سلّم عدم تأيّد هذه بتلك عاد إلى لفظ مشترك لا قرينة عليه من الكلام تبيّن المراد فيتوقّف على ما يشرحه من السنّة، و قد وردت عدّة أخبار من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام في جواز الأخذ بالخيرة من السبحة و غيرها عند الحيرة.

و حقيقته أنّ الإنسان إذا أراد أن يقدم على أمر كان له أن يعرف وجه المصلحة فيه بما أغرز الله فيه من موهبة الفكر أو بالاستشارة ممّن له صلاحيّة المعرفة بالصواب

١٢٥

و الخطأ، و إن لم يهده ذلك إلى معرفة وجه الصواب، و تردّد متحيّراً كان له أن يعيّن ما ينبغي أن يختاره بنوع من التوجّه إلى ربّه.

و ليس في اختيار ما يختاره الإنسان بهذا النوع من الاستخارة دعوى علم الغيب و لا تعرّض لما يختصّ بالله سبحانه من شؤون الاُلوهيّة، و لا شرك بسبب تشريك غير الله تعالى إيّاه في تدبير الاُمور و لا أيّ محذور دينيّ آخر إذ لا شأن لهذا العمل إلّا تعيّن الفعل أو الترك من غير إيجاب و لا تحريم و لا أيّ حكم تكليفيّ آخر، و لا كشف عمّا وراء حجب الغيب من خير أو شرّ إلّا أنّ خير المستخير في أن يعمل أو يترك فيخرج عن الحيرة و التذبذب.

و أمّا ما يستقبل الفعل أو الترك من الحوادث فربّما كان فيه خير و ربّما كان فيه شرّ على حدّ ما لو فعله أو تركه عن فكر أو استشارة، فهو كالتفكّر و الاستشارة طريق لقطع الحيرة و التردّد في مقام العمل، و يترتّب على الفعل الموافق له ما كان يترتّب عليه لو فعله عن فكر أو مشورة.

نعم ربّما أمكن لمتوهّم أن يتوهّم التعرّض لدعوى علم الغيب فيما ورد من التفؤّل بالقرآن و نحوه فربّما كانت النفس تتحدّث معه بيمن أو شأمة، و تتوقّع خيراً أو شرّاً أو نفعاً أو ضرّاً، لكن قد ورد في الصحيح من طرق الفريقين: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتفأل بالخير و يأمر به، و ينهى عن التطيّر و يأمر بالمضيّ معه و التوكّل على الله تعالى.

فلا مانع من التفؤل بالكتاب و نحوه فإن كان معه ما يتفأل به من الخير و إلّا مضى في الأمر متوكّلاً على الله تعالى، و ليس في ذلك أزيد ممّا يطيب به الإنسان نفسه في الاُمور و الأعمال الّتي يتفرّس فيها السعادة و النفع، و سنستوفي البحث المتعلّق بهذا المقام في كلام موضوع لهذا الغرض بعينه.

فتبيّن أنّ ما وقع في بعض التفاسير من حمل الأزلام على سهم التفأل و استنتاج حرمة الاستخارة بذلك ممّا لا ينبغي المصير إليه.

و أمّا قوله:( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) فالرجس الشي‏ء القذر على ما ذكره الراغب

١٢٦

في مفرداته فالرجاسة بالفتح كالنجاسة و القذارة هو الوصف الّذي يبتعد و يتنزّه عن الشي‏ء بسببه لتنفّر الطبع عنه.

و كون هذه المعدودات من الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجساً هو اشتمالها على وصف لا تستبيح الفطرة الإنسانيّة الاقتراب منها لأجله، و ليس إلّا أنّها بحيث لا تشتمل على شي‏ء ممّا فيه سعادة إنسانيّة أصلاً سعادة يمكن أن تصفو و تتخلّص في حين من الأحيان كما ربّما أومأ إليه قوله تعالى:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) البقرة: ٢١٩، حيث غلب الإثم على النفع و لم يستثن.

و لعلّه لذلك نسب هذه الأرجاس إلى عمل الشيطان و لم يشرك له أحداً، ثمّ قال في الآية التالية:( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ ) .

و ذلك أنّ الله سبحانه عرف الشيطان في كلامه بأنّه عدوّ للإنسان لا يريد به خيراً البتّة قال تعالى:( إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) يوسف: ٥، و قال:( كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ) الحجّ: ٤، و قال:( وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً، لَعَنَهُ اللهُ ) النساء: ١١٨، فأثبت عليه لعنته و طرده عن كلّ خير.

و ذكر أنّ مساسه بالإنسان و عمله فيه إنّما هو بالتسويل و الوسوسة و الإغواء من جهة الإلقاء في القلب كما قال تعالى حكاية عنه:( قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) الحجر: ٤٢، فهدّدهم إبليس بالإغواء فقط، و نفى الله سبحانه سلطانه إلّا عن متّبعيه الغاوين، و حكى عنه فيما يخاطب بني آدم يوم القيامة قوله:( وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) إبراهيم: ٢٢، و قال في نعت دعوته:( يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ‏ - إلى أن قال -إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) فبين أنّ دعوته لا كدعوة إنسان إنساناً إلى أمر بالمشافهة بل بحيث يرعى الداعي المدعوّ من غير عكس.

١٢٧

و قد فصل القول في جميع ذلك قوله تعالى:( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) الناس: ٥، فبيّن أنّ الذي يعمل الشيطان بالتصرّف في الإنسان هو أن يلقي الوسوسة في قلبه فيدعوه بذلك إلى الضلال.

فيتبيّن بذلك كلّه أنّ كون الخمر و ما ذكر بعدها رجساً من عمل الشيطان هو أنّها منتهية إلى عمل الشيطان الخاصّ به، و لا داعي لها إلى الإلقاء و الوسوسة الشيطانيّة الّتي تدعو إلى الضلال، و لذلك سمّاها رجساً و قد سمّى الله سبحانه الضلال رجساً في قوله:( وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ، وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ) الأنعام: ١٢٦.

ثمّ بيّن معنى كونها رجساً ناشئاً من عمل الشيطان بقوله في الآية التالية:( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ ) أي إنّه لا يريد لكم في الدعوة إليها إلّا الشرّ و لذلك كانت رجساً من عمله.

فإن قلت: ملخّص هذا البيان أنّ معنى كون الخمر و أضرابها رجساً هو كون عملها أو شربها مثلاً منتهياً إلى وسوسة الشيطان و إضلاله فحسب، و الّذي تدلّ عليه عدّة من الروايات أنّ الشيطان هو الّذي ظهر للإنسان و عملها لأوّل مرّة و علّمه إيّاها.

قلت: نعم، و هذه الأخبار و إن كانت لا تتجاوز الآحاد بحيث يجب الأخذ بها إلّا أنّ هناك أخباراً كثيرة متنوّعة واردة في أبواب متفرّقة تدلّ على تمثّل الشيطان للأنبياء و الأولياء و بعض أفراد الإنسان من غيرهم كأخبار اُخر حاكية لتمثّل الملائكة، و اُخرى دالّة على تمثّل الدنيا و الأعمال و غير ذلك و الكتاب الإلهيّ يؤيّدها بعض التأييد كقوله تعالى:( فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا ) مريم: ١٧، و سنستوفي هذا البحث إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الإسراء في الكلام على قوله تعالى:( سُبْحانَ الّذي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ ) الإسراء: ١، أو في محلّ آخر مناسب لذلك.

١٢٨

و الّذي يجب أن يعلم أنّ ورود قصّة مّا في خبر أو أخبار لا يوجب تبدّل آية من الآيات ممّا لها من الظهور المؤيّد بآيات اُخر، و ليس للشيطان من الإنسان إلّا التصرّف الفكريّ فيما كان له ذلك بمقتضى الآيات الشريفة، و لو أنّه تمثّل لواحد من البشر فعمل شيئاً أو علّمه إيّاه لم يزد ذلك على التمثّل و التصرّف في فكره أو مساسه علماً فانتظر ما سيوافيك من البحث.

و أمّا قوله تعالى:( فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) فتصريح بالنهي بعد بيان المفسدة ليكون أوقع في النفوس ثمّ ترجّ للفلاح على تقدير الاجتناب، و فيه أشدّ التأكيد للنهي لتثبيته أن لا رجاء لفلاح من لا يجتنب هذه الأرجاس.

قوله تعالى: ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ ) إلى آخر الآية قال الراغب في المفردات: العدو التجاوز و منافاة الالتيام فتارة يعتبر بالقلب فيقال له: العداوة و المعاداة، و تارة بالمشي فيقال له: العدو، و تارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان و العدو قال:( فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) و تارة بأجزاء المقرّ فيقال له: العدواء يقال: مكان ذو عدواء أي غير متلائم الأجزاء فمن المعاداة يقال: رجل عدوّ و قوم عدوّ قال:( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) و قد يجمع على عدىً (بالكسر فالفتح) و أعداء قال:( وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ ) ، انتهى.

و البغض و البغضاء خلاف الحبّ و الصدّ الصرف، و الانتهاء قبول النهي و خلاف الابتداء.

ثمّ إنّ الآية - كما تقدّم - مسوقة بياناً لقوله:( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) أو لقوله:( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) أي إنّ حقيقة كون هذه الاُمور من عمل الشيطان أو رجساً من عمل الشيطان أنّ الشيطان لا بغية له و لا غاية في الخمر و الميسر - اللّذين قيل: إنّهما رجسان من عمله فقط - إلّا أن يوقع بينكم العداوة و البغضاء بتجاوز حدودكم و بغض بعضكم بعضاً، و أن يصرفكم عن ذكر الله و عن الصلاة في هذه الاُمور جميعاً أعني الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام.

١٢٩

و قصر إيقاع العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر لكونهما من آثارهما الظاهرة أمّا الخمر فلأنّ شربها تهيّج سلسلة الأعصاب تهيجاً يخمّر العقل و يستظهر العواطف العصبيّة فإن وقعت في طريق الغضب جوّزت للسكران أيّ جناية فرضت و إن عظمت ما عظمت، و فظعت ما فظعت ممّا لا يستبيحه حتّى السباع الضارية، و إن وقعت في طريق الشهوة و البهيميّة زيّنت للإنسان أيّ شناعة و فجور في نفسه أو ماله أو عرضه و كلّ ما يحترمه و يقدّسه من نواميس الدين و حدود المجتمع و غير ذلك من سرقة أو خيانة أو هتك محرم أو إفشاء سرّ أو ورود فيما فيه هلاك الإنسانيّة، و قد دلّ الإحصاء على أنّ للخمر السهم الأوفر من أنواع الجنايات الحادثة و في أقسام الفجورات الفظيعة في المجتمعات الّتي دار فيها شربها.

و أمّا الميسر و هو القمار فإنّه يبطل في أيسر زمان مسعاة الإنسان الّتي صرفها في اقتناء المال و الثروة و الوجاهة في أزمنة طويلة فيذهب به المال و ربّما تبعه العرض و النفس و الجاه فإن تقمّر و غلب و أحرز المال أدّاه ذلك إلى إبطال السير المعتدل في الحياة و التوسّع في الملاهي و الفجور، و الكسل و التبطّؤ عن الاشتغال بالمكسب و اقتناء موادّ الحياة من طرقها المشروعة، و إن كان هو المغلوب أدّاه فقدان المال و خيبة السعي إلى العداوة و البغضاء لقميرة الغالب، و الحسرة و الحنق.

و هذه المفاسد و إن كانت لا تظهر للأذهان الساذجة البسيطة ذاك الظهور في النادر القليل و المرّة و المرّتين لكنّ النادر يدعو إلى الغالب، و القليل يهدي إلى الكثير و المرّة تجرّ إلى المرّات و لا تلبث إن لم تمنع من رأس أن تشيع في الملأ، و تسري إلى المجتمع فتعود بلوى همجيّة لا حكومة فيها إلّا للعواطف الطاغية و الأهواء المردية.

فتبيّن من جميع ما تقدّم أنّ الحصر في قوله:( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ ) راجع إلى مجموع المعدودات من حيث المجموع غير أنّ الصدّ عن ذكر الله و عن الصلاة من شأن الجميع، و العداوة و البغضاء يختصّان بالخمر و الميسر بحسب الطبع.

١٣٠

و في إفراز الصلاة عن الذكر في قوله تعالى:( وَ يَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَ عَنِ الصَّلاةِ ) مع كون الصلاة من أفراد الذكر دلالة على مزيد الاهتمام بأمرها لكونها فرداً كاملاً من الذكر، و قد صحّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه قال: الصلاة عمود الدين‏، و دلالة القرآن الكريم في آيات كثيرة جدّاً على الاهتمام بأمر الصلاة بما لا مزيد عليه ممّا لا يتطرّق إليه شكّ و فيها مثل قوله تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ) (إلى آخر الآيات) المؤمنون: ٢، و قوله تعالى:( وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) الأعراف: ١٧٠، و قوله تعالى:( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلَّا الْمُصَلِّينَ ) الآيات: المعارج: ٢٢ و قوله:( اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) العنكبوت: ٤٥، و قال تعالى:( فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللهِ ) الجمعة: ٩، يريد به الصلاة، و قال:( وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) طه: ١٤، إلى غير ذلك من الآيات.

و قد ذكر سبحانه أوّلاً ذكره و قدّمه على الصلاة لأنّها هي البغية الوحيدة من الدعوة الإلهيّة، و هو الروح الحيّة في جثمان العبوديّة، و الخميرة لسعادة الدنيا و الآخرة يدلّ على ذلك قوله تعالى لآدم أوّل يوم شرع فيه الدين:( قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى‏، وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً، وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‏ ) طه: ١٢٤، و قوله تعالى:( وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَ لكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً ) الفرقان: ١٨، و قوله تعالى:( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ) النجم: ٣٠.

فالذكر في الآيات إنّما هو ما يقابل نسيان جانب الربوبيّة المستتبع لنسيان العبوديّة و هو السلوك الدينيّ الّذي لا سبيل إلى إسعاد النفس بدونه قال تعالى:

١٣١

( وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ) الحشر: ١٩.

و أمّا قوله تعالى:( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) فهو استفهام توبيخيّ فيه دلالة مّا على أنّ المسلمين لم يكونوا ينتهون عن المناهي السابقة على هذا النهي، و الآية أعني قوله:( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ ) ، إلخ كالتفسير يفسّر بها قوله:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ) أي إنّ النفع الّذي فرض فيهما مع الإثم ليس بحيث يمكن أن يفرز أحياناً من الإثم أو من الإثم الغالب عليه كالكذب الّذي فيه إثم و نفع، و ربّما اُفرز نفعه من إثمه كالكذب لمصلحة إصلاح ذات البين.

و ذلك لمكان الحصر في قوله:( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ ) ، إلخ بعد قوله:( رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) فالمعنى أنّها لا تقع إلّا رجساً من عمل الشيطان، و أنّ الشيطان لا يريد بها إلّا إيقاع العداوة و البغضاء بينكم في الخمر و الميسر و صدّكم عن ذكر الله و عن الصلاة فلا يصاب لها مورد يخلص فيه النفع عن الإثم حتّى تباح فيه، فافهم ذلك.

قوله تعالى: ( أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا ، إلى آخر الآية) تأكيد للأمر السابق باجتناب هذه الأرجاس أوّلاً بالأمر بطاعة الله سبحانه و بيده أمر التشريع، و ثانياً بالأمر بطاعة الرسول و إليه الإجراء، و ثالثاً بالتحذير صريحاً.

ثمّ في قوله:( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) تأكيد فيه معنى التهديد و خاصّة لاشتماله على قوله:( فَاعْلَمُوا ) فإنّ فيه تلويحاً إلى أنّكم إن تولّيتم و اقترفتم هذه المعاصي فكأنّكم ظننتم أنّكم كابرتم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نهيه عنها و غلبتموه، و قد جهلتم أو نسيتم أنّه رسول من قبلنا ليس له من الأمر شي‏ء إلّا بلاغ مبين لما يوحى إليه و يؤمر بتبليغه، و إنّما نازعتم ربّكم في ربوبيّته.

و قد تقدّم في أوّل الكلام أنّ الآيات تشتمل على فنون من التأكيد في تحريم هذه الاُمور، و هي الابتداء بقوله:( يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا ) ، ثمّ الإتيان بكلمة الحصر، ثمّ التوصيف بالرجس، ثمّ نسبتها إلى عمل الشيطان، ثمّ الأمر بالاجتناب صريحاً،

١٣٢

ثمّ رجاء الفلاح في الاجتناب، ثمّ ذكر مفاسدها العامّة من العداوة و البغضاء و الصرف عن ذكر الله و عن الصلاة، ثمّ التوبيخ على عدم انتهائهم، ثمّ الأمر بطاعة الله و رسوله و التحذير عن المخالفة، ثمّ التهديد على تقدير التولّي بعد البلاغ المبين.

قوله تعالى: ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ) إلى آخر الآية الطعم و الطعام هو التغذّي، و يستعمل في المأكول دون المشروب، و هو في لسان المدنيّين البرّ خاصّة، و ربّما جاء بمعنى الذوق، و يستعمل حينئذ بمعنى الشرب كما يستعمل بمعنى الأكل قال تعالى:( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي ) البقرة: ٢٤٩، و في بعض الروايات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال في ماء زمزم: أنّه طعام طعم و شفاء سقم.

و الآية لا تصلح بسياقها إلّا أن تتّصل بالآيات السابقة فتكون دفع دخل تتعرّض لحال المؤمنين ممّن ابتلي بشرب الخمر قبل نزول التحريم أو قبل نزول هذه الآيات، و ذلك أنّ قوله فيها:( فِيما طَعِمُوا ) مطلق غير مقيّد بشي‏ء ممّا يصلح لتقييده، و الآية مسوقة لرفع الحظر عن هذا الطعام المطلق، و قد قيّد رفع الحظر بقوله:( إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا ) و المتيقّن من معنى هذا القيد - و قد ذكر فيه التقوى ثلاث مرّات - هو التقوى الشديد الّذي هو حقّ التقوى.

فنفي الجناح للمؤمنين المتّقين عن مطلق ما طعموا (الطعام المحلّل) إن كان لغرض إثبات المفهوم في غيرهم أي إثبات مطلق المنع لغير أهل التقوى من سائر المؤمنين و الكفّار ناقضه أمثال قوله تعالى:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ) الأعراف: ٣٢، على أنّ من المعلوم من مذاق هذا الدين أنّه لا يمنع أحداً عن الطيّبات المحلّلة الّتي تضطرّ الفطرة إلى استباحتها في الحياة.

و إن لم تكن الآية مسوقة لتحريمه على غير من ذكر عاد المعنى إلى مثل قولنا: يجوز الطعام للّذين آمنوا و عملوا الصالحات بشرط أن يتّقوا ثمّ يتّقوا ثمّ يتّقوا، و من المعلوم

١٣٣

أنّ الجواز لا يختصّ بالّذين آمنوا و عملوا الصالحات بل يعمّهم و غيرهم، و على تقدير اختصاصه بهم لا يشترط فيه هذا الشرط الشديد.

و لا يخلو عن أحد هذين الإشكالين جميع ما ذكروه في توجيه الآية بناءً على حمل قوله:( فِيما طَعِمُوا ) على مطلق الطعام المحلّل فإنّ المعنى الّذي ذكروه لا يخرج عن حدود قولنا: لا جناح على الّذين آمنوا و عملوا الصالحات إذا اتّقوا المحرّمات أن يطعموا المحلّلات، و لا يسلم هذا المعنى عن أحد الإشكالين كما هو واضح.

و ذكر بعضهم: أنّ في الآية حذفاً، و التقدير: ليس على الّذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا و غيره إذا ما اتّقوا المحارم، و فيه أنّه تقدير من غير دليل مع بقاء المحذور على حاله.

و ذكر بعضهم: أنّ الإيمان و العمل الصالح جميعاً ليس بشرط حقيقيّ بل المراد بيان وجوب اتّقاء المحارم فشرّك معه الإيمان و العمل الصالح للدلالة على وجوبه، و فيه أنّ ظاهر الآية أنّها مسوقة لنفي الجناح فيما طعموا، و لا شرط له من إيمان أو عمل صالح أو اتّقاء محارم على ما تقدّم، و ما أبعد المعنى الّذي ذكره عن ظاهر الآية.

و ذكر بعضهم: أنّ المؤمن يصحّ أن يطلق عليه أنّه لا جناح عليه، و الكافر مستحقّ للعقاب فلا يصحّ أن يطلق عليه هذا اللفظ، و فيه أنّه لا يصحّ تخصيص المؤمنين بالذكر فليكن مثل قوله تعالى:( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ) الأعراف: ٣٢، و قوله:( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى‏ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) الأنعام: ١٤٥ حيث لم يذكر في الخطاب مؤمن و لا كافر، أو مثل قوله:( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى -‏ إلى قوله -إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) الحجرات: ١٣ حيث وجّه الخطاب إلى الناس الشامل للمؤمن و الكافر.

و ذكر بعضهم: أنّ الكافر قد سدّ على نفسه طريق معرفة التحريم و التحليل فلذلك خصّ المؤمن بالذكر، و فيه ما في سابقه من الإشكال مع أنّه لا يرفع الإشكال الناشئ

١٣٤

من قوله:( إِذا مَا اتَّقَوْا ) إلخ.

فالّذي ينبغي أن يقال: إنّ الآية في معنى الآيات السابقة عليها على ما هو ظاهر اتّصالها بها، و هي متعرّضة لحال من ابتلي من المسلمين بشرب الخمر و طعمها، أو بالطعم لشي‏ء منها أو ممّا اقتناه بالميسر أو من ذبيحة الأنصاب كأنّهم سألوا بعد نزول التحريم الصريح عن حال من ابتلي بشرب الخمر، أو بها و بغيرها ممّا ذكره الله تعالى في الآية قبل نزول التحريم من إخوانهم الماضين أو الباقين المسلمين لله سبحانه في حكمه.

فاُجيب عن سؤالهم أن ليس عليهم جناح إن كانوا من الّذين آمنوا و عملوا الصالحات إن كانوا جارين على صراط التقوى بالإيمان بالله و العمل الصالح ثمّ الإيمان بكلّ حكم نازل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ الإحسان بالعمل على طبق الحكم النازل.

و بذلك يتبيّن أنّ المراد بالموصول في قوله:( فِيما طَعِمُوا ) هو الخمر من حيث شربها أو جميع ما ذكر من الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام من حيث ما يصحّ أن يتعلّق بها من معنى الطعم، و المعنى: ليس على الّذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما ذاقوه قبل نزول التحريم من خمر أو منها و من غيرها من المحرّمات المذكورة.

و أمّا قوله:( إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا ) فظاهر قوله:( إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) إنّه إعادة لنفس الموضوع المذكور في قوله:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ ) للدلالة على دخالة الوصف في الحكم الّذي هو نفي الجناح كقوله تعالى في خطاب المؤمنين:( ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ) البقرة: ٢٣٢، و هو شائع في اللسان.

و ظاهر قوله:( ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ) اعتبار الإيمان بعد الإيمان، و ليس إلّا الإيمان التفصيليّ بكلّ حكم حكم ممّا جاء به الرسول من عند ربّه من غير ردّ و امتناع، و لازمه التسليم للرسول فيما يأمر به و ينهى عنه قال تعالى:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ ) الحديد: ٢٨، و قال تعالى:( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ - إلى أن قال -فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ

١٣٥

بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء ٦٥، و الآيات في هذا المعنى كثيرة.

و ظاهر قوله:( ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا ) إضافة الإحسان إلى الإيمان بعد الإيمان اعتباراً، و الإحسان هو إتيان العمل على وجه حسنة من غير نيّة فاسدة كما قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) الكهف: ٣٠، و قال:( الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ) آل عمران: ١٧٢، أي يكون استجابتهم ابتغاءً لوجه الله و تسليماً لأمره لا لغرض آخر، و من الإحسان ما يتعدّى إلى الغير، و هو أن يوصل إلى الغير ما يستحسنه، قال تعالى:( وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) البقرة: ٨٣، و قال:( وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ ) القصص: ٧٧.

و المناسب لمورد الآية هو المعنى الأوّل من معنيي الإحسان، و هو إتيان الفعل على جهة حسنة فإنّ التقوى الدينيّ لا يوفى حقّه بمجرّد الإيمان بالله و تصديق حقّيّة دينه ما لم يؤمن تفصيلاً بكلّ واحد واحد من الأحكام المشرّعة في الدين فإنّ ردّ الواحد منها ردّ لأصل الدين، و لا أنّ الإيمان التفصيليّ بكلّ واحد واحد يوفى به حقّ التقوى ما لم يحسن بالعمل بها و في العمل بها بأن يجري على ما يقتضيه الحكم من فعل أو ترك، و يكون هذا الجري ناشئاً من الانقياد و الاتّباع لا عن نيّة نفاقيّة فمن الواجب على المتزوّد بزاد التقوى أن يؤمن بالله و يعمل صالحاً، و أن يؤمن برسوله في جميع ما جاء به، و أن يجري في جميع ذلك على نهج الاتّباع و الإحسان.

و أمّا تكرار التقوى ثلاث مرّات، و تقييد المراتب الثلاث جميعاً به فهو لتأكيد الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعاً للتقوى الواقعيّ من غير غرض آخر غير دينيّ، و قد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ التقوى ليس مقاماً خاصّاً دينيّاً بل هو حالة روحيّة تجامع جميع المقامات المعنويّة أي إنّ لكلّ مقام معنويّ تقوى خاصّاً يختصّ به.

فتلخّص من جميع ما مرّ أنّ المراد بالآية أعني قوله:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا

١٣٦

وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ) إلى آخر الآية، أنّه لا جناح على الّذين آمنوا و عملوا الصالحات فيما ذاقوه من خمر أو غيره من المحرّمات المعدودة بشرط أن يكونوا ملازمين للتقوى في جميع أطوارهم و متلبّسين بالإيمان بالله و رسوله، و محسنين في أعمالهم عاملين بالواجبات و تاركين لكلّ محرّم نهوا عنه فإن اتّفق لهم أن ابتلوا بشي‏ء من الرجس الّذي هو من عمل الشيطان قبل نزول التحريم أو قبل وصوله إليهم أو قبل تفقّههم به لم يضرّهم ذلك شيئاً.

و هذا نظير قوله تعالى في آيات تحويل القبلة في جواب سؤالهم عن حال الصلوات الّتي صلّوها إلى غير الكعبة:( وَ ما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ) البقرة: ١٤٣.

و سياق هذا الكلام شاهد آخر على كون هذه الآية:( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ ، إلخ) متّصلة بما قبلها من الآيات و أنّها نازلة مع تلك الآيات الّتي لسانها يشهد أنّها آخر الآيات المحرّمة للخمر نزولاً، و أنّ بعض المسلمين كما يشعر به لسان الآيات - على ما استفدناه آنفاً - لم يكونوا منتهين عن شربها ما بين الآيات السابقة المحرّمة و بين هذه الآيات.

ثمّ وقع السؤال بعد نزول هذه الآيات عن حال من ابتلي بذلك و فيهم من ابتلي به قبل نزول التحريم، و من ابتلي به قبل التفقّه، و من ابتلي به لغير عذر فاُجيبوا بما يتعيّن به لكلّ طائفة حكم مسألته بحسب خصوص حاله، فمن طعمها و هو على حال الإيمان و الإحسان، و لا يكون إلّا من ذاقها من المؤمنين قبل نزول التحريم أو جهلاً به فليس عليه جناح، و من ذاقها على غير النعت فحكمه غير هذا الحكم.

و للمفسّرين في الآية أبحاث طويلة، منها ما يرجع إلى قوله:( فِيما طَعِمُوا ) و قد تقدّم خلاصة الكلام في ذلك.

و منها ما يرجع إلى ذيل الآية من حيث تكرّر التقوى فيه ثلاث مرّات، و تكرّر الإيمان و تكرّر العمل الصالح و ختمها بالإحسان.

فقيل: إنّ المراد بقوله:( إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) اتّقوا المحرّم و ثبتوا على الإيمان و الأعمال الصالحة، و بقوله:( ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ) ثمّ

١٣٧

اتّقوا ما حرّم عليهم بعد كالخمر و آمنوا بتحريمه، و بقوله:( ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا ) ثمّ استمرّوا و ثبتوا على اتّقاء المعاصي و اشتغلوا بالأعمال الجميلة.

و قيل: إنّ هذا التكرار باعتبار الحالات الثلاث: استعمال الإنسان التقوى و الإيمان بينه و بين نفسه، و بينه و بين الناس، و بينه و بين الله تعالى، و الإحسان على هذا هو الإحسان إلى الناس ظاهراً.

و قيل: إنّ التكرار باعتبار المراتب الثلاث: المبدإ و الوسط و المنتهى، و هو حقّ التقوى.

و قيل: التكرار باعتبار ما يتّقى فإنّه ينبغي أن تترك المحرّمات توقّياً من العقاب، و الشبهات تحرّزاً عن الوقوع في الحرام، و بعض المباحات تحفّظاً للنفس عن الخسّة، و تهذيباً عن دنس الطبيعة.

و قيل: إنّ الاتّقاء الأوّل اتّقاء عن شرب الخمر و الإيمان الأوّل هو الإيمان بالله، و الاتّقاء الثاني هو إدامة الاتّقاء الأوّل و الإيمان الثاني إدامة الإيمان الأوّل، و الاتّقاء الثالث هو فعل الفرائض، و الإحسان فعل النوافل.

و قيل: إنّ الاتّقاء الأوّل اتّقاء المعاصي العقليّة، و الإيمان الأوّل هو الإيمان بالله و بقبح هذه المعاصي، و الاتّقاء الثاني اتّقاء المعاصي السمعيّة و الإيمان الثاني هو الإيمان بوجوب اجتناب هذه المعاصي، و الاتّقاء الثالث يختصّ بمظالم العباد و ما يتعلّق بالغير من الظلم و الفساد، و المراد بالإحسان الإحسان إلى الناس.

و قيل: إنّ الشرط الأوّل يختصّ بالماضي، و الشرط الثاني بالدوام على ذلك و الاستمرار على فعله، و الشرط الثالث يختصّ بمظالم العباد، إلى غير ذلك من أقوالهم.

و جميع ما ذكروه ممّا لا دليل عليه من لفظ الآية أو غيرها يوجب حمل الآية عليه، و هو ظاهر بالتأمّل في سياق القول فيها و الرجوع إلى ما قدّمناه.

١٣٨

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ، عن هشام بن سالم عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: بينا حمزة بن عبد المطّلب و أصحاب له على شراب لهم يقال له السكركة. قال: فتذاكروا الشريف فقال لهم حمزة: كيف لنا به؟ فقالوا: هذه ناقة ابن أخيك عليّ، فخرج إليها فنحرها ثمّ أخذ كبدها و سنامها فأدخل عليهم، قال: و أقبل عليّعليه‌السلام فأبصر ناقته فدخله من ذلك، فقالوا له: عمّك حمزة صنع هذا، قال: فذهب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكا ذلك إليه.

قال: فأقبل معه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقيل لحمزة: هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالباب، قال: فخرج حمزة و هو مغضب فلمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الغضب في وجهه انصرف قال: فقال له حمزة: لو أراد ابن أبي طالب أن يقودك بزمام فعل، فدخل حمزة منزله و انصرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال: و كان قبل اُحد، قال: فأنزل الله تحريم الخمر فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآنيتهم فاُكفئت، قال: فنودي في الناس بالخروج إلى اُحد فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و خرج الناس و خرج حمزة فوقف ناحية من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فلمّا تصافحوا حمل في الناس حتّى غيب فيهم ثمّ رجع إلى موقفه، فقال له الناس: الله الله يا عمّ رسول الله أن تذهب و في نفس رسول الله عليك شي‏ء، قال: ثمّ حمل الثانية حتّى غيب في الناس ثمّ رجع إلى موقفه فقالوا له: الله الله يا عمّ رسول الله أن تذهب و في نفس رسول الله عليك شي‏ء.

فأقبل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا رآه نحوه أقبل مقبلاً إليه فعانقه و قبّل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بين عينيه ثمّ قال: احمل على الناس فاستشهد حمزة، و كفّنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تمرة.

ثمّ قال أبوعبداللهعليه‌السلام : نحو من سرياني هذا، فكان إذا غطّى وجهه انكشف رجلاًه و إذا غطّى رجلاه انكشف وجهه قال: فغطّى بها وجهه، و جعل على رجليه أذخر.

١٣٩

قال فانهزم الناس و بقي عليّعليه‌السلام فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما صنعت؟ قال: يا رسول الله لزمت الأرض فقال: ذلك الظنّ بك، قال: و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنجز لي يا ربّ ما وعدتني فإنّك إن شئت لم تعبد.

و عن الزمخشريّ في ربيع الأبرار، قال: اُنزل في الخمر ثلاث آيات:( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ ) فكان المسلمون بين شارب و تارك إلى أن شربها رجل فدخل في صلاته فهجر فنزل:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى) فشربها من شربها من المسلمين حتّى شربها عمر فأخذ لحي بعير فشّج رأس عبدالرحمن بن عوف، ثمّ قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يغفر:

و كأين بالقليب قليب بدر

من القنيات و الشرب الكرام

و كأين بالقليب قليب بدر

من السري المكامل بالسنام

أ يوعدنا ابن كبشة أن نحيى

و كيف حياة أصداء و هام

أ يعجز أن يردّ الموت عنّي

و ينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمن عنّي

بأنّي تـارك شهر الصيام

فقل لله: يمنـعني شرابـي

و قل لله: يمنعني طـعامي

فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج مغضباً يجرّ رداءه فرفع شيئاً كان في يده ليضربه، فقال: أعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فأنزل الله سبحانه و تعالى:( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ إلى قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) فقال عمر: انتهينا.

و في الدرّ المنثور،: أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبوالشيخ و ابن مردويه و النحّاس في ناسخه عن سعد بن أبي وقّاص قال: فيّ نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا فأتاه ناس فأكلوا و شربوا حتّى انتشوا من الخمر، و ذلك قبل أن تحرّم الخمر فتفاخروا فقالت الأنصار: الأنصار: خير، و قالت قريش: قريش خير فأهوى رجل بلحي جزور فضرب على أنفي ففزره - فكان سعد مفزور الأنف - قال: فأتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ ) ، إلى آخر الآية.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208