الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام18%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96850 / تحميل: 7409
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

معرفةُ الله:

١. النظرُ إلى الكون عن طريق المخلوقات والواقعيّات، ضرورةُ وجود الله تعالى

إنّ أوّل خطوة يخطوها الإدراك والشعور لدى الإنسان واللذان وجِدا منذ وجوده، تُبيّن له حقيقة وجود الخالق والمخلوق؛ لأنّ أولئك الذين يشكّون في وجودهم وفي كلّ شيء، ويَعتبرون العالَم ظنّاً وخيالاً، فإنّنا نعلم أنّ الإنسان منذ وجوده يلازمه الإدراك والشعور، يرى نفسه والعالَم أجمع، أي أنّه لا يشكّ (بوجوده ولا يشكّ بأشياء أُخر غيره) وما زال الإنسان إنساناً، فإنّ هذا الإدراك والشعور يكمن فيه، وليس هناك مجال للشك والتردّد.

هذه الواقعيّة والوجود الذي يُثبته الإنسان أمامَ السوفسطائيين والمشكّكين، أمرٌ ثابت لا يعتريه البطلان، وفي الحقيقة أنّ كلام السوفسطائيين والمشكّكين بنفي واقعيّة قائمة في حدّ ذاتها، كلامٌ باطل لا يُبنى على الصحّة إطلاقاً، لذا فإنّ العالَم والكون ينطوي على واقعيّة ثابتة.

١٠١

ولكنّ كلّ من هذه الظواهر التي تنطوي على واقعيّة، والتي نشاهدها عياناً، تفقدُ واقعيّتها وتصير إلى الفناء، سواء في القريب أو البعيد من أدوار حياتها.

ومن هنا يتّضح: أنّ العالَم المشهود وأجزاءه، لم تكن عين الواقعيّة (والتي لا يمكن إنكارها)، بل تعتمد وتستند إلى واقعيّة ثابتة، وبتلك الواقعيّة تتّصف بالواقعيّة، وتتّصف بالوجود، وما دامت مرتبطة ومتصلة بها، فهي موجودة باقية، وما إن انقَطَعت عنها زالَت وفَنت (١)، ونحنُ نسمّي هذه الواقعيّة الثابتة التي لا يعتريها البطلان بـ (واجب الوجود) ، أو الله سبحانه.

٢. نظرةٌ أخرى عن طريق ارتباط الإنسان بالعالَم

إنّ الأسلوب الذي اتُبِع في الفصل السابق لإثبات وجود الله تعالى، أسلوبٌ بسيط ساذج، وواضح أنّ الإنسان مع فطرته التي أودَعها الله إيّاه، ينتهجها وليس هناك أيّ رادع أو مانع، ولكنّ معظم الناس مع ارتباطهم المستمرّ بالماديّات، وتفانيهم في اللذائذ المحسوسة، يصعُب عليهم الرجوع إلى الفطرة، وهي الفطرة الإلهيّة البيّنة.

فعلى هذا، فإنّ الإسلام بشرائعه المنزّهة، يعلن أنّ شريعته عامّة، والكلّ سواسية أمام الدين ومقاصده، فهو يُثبت وجود الله تعالى مع هؤلاء الناس عن

____________________

(١) وفي كتابه العزيز إشارة إلى هذا البرهان بقوله تعالى: ( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) سورة إبراهيم: الآية ١٠.

١٠٢

طريق وأسلوب آخر، وهو الفطرة الواضحة، والتي غَفل عنها البشر، فيُخاطب البشر بها، ويُعرّف الله جلّ شأنه عن طريقها.

فالقرآنُ الكريم، يتّخذ طُرقاً شتّى لأجل معرفة الله تعالى للبشر كافّة، فهو يُلفت الأنظار، ويوجّه الأفكار غالباً إلى خِلقة العالَم، والنظام والتنسيق القائم فيه، ويدعو إلى ملاحظة ودراسة الآفاق والأنفس؛ ذلك بأنّ الإنسان في حياته المحدودة، لا يتخلّف ولا يخرج عن الطبيعة والنظام الحاكم فيها مهما سَلك من سُبلٍ واستغرقَ من حالات، ولن يغضّ النظر عن المَشاهد الخلاّبة، سواء في الأرض أو في السماء، بما أوتيَ من شعورٍ وإدراك.

إنّ عالَم الوجود (١) بما يتّصف من سعة، فإنّ كلّ جزء منه، بل وجميع أجزائه، معرّضة للتغيير والتبديل المستمرّين، وتظهر في كلّ لحظة بشكلٍ جديد غير سابقتها.

ووفقاً للقوانين التي لا تَقبل الاستثناء، يتحقّق ما يجب تحقّقه، والكونُ بما فيه من أبعد مجرّة إلى أصغر ذرّة، والتي تؤلِّف العالَم أجمع، ينطوي على نظامٍ واضح بيّن، تجري وفقاً لقوانين مدهشة ومُحيّرة للعقول، وتُسيّر عملها من أدنى حالة إلى أكملها، كي توصلها إلى الهدف الأسمَى وهو الكمال.

وفوق الأنظمة الخاصّة، توجد أنظمة أعم، وهي النظام العام للكون، الذي يربط أجزاءه العديدة التي لا تُحصى بعضها ببعض، ويوفِّق بين الأنظمة الجزئيّة، ويَربطها بعضها بالبعض الآخر، فهي في سيرها المستمرّ لن تتّصف بالاستثناء أو الاختلال.

____________________

(١) يقول جلّ ثناؤهُ: ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ) سورة الجاثية: الآية (٣ - ٦).

١٠٣

فنظامُ الخِلقة مثلاً إذا أسكنَتْ الإنسان على الأرض، جَعَلت خلقتهُ تتناسب مع المحيط الذي يعيش فيه، وجَعلت المحيط بشكلٍ يتناسب وذلك المخلوق، كالمربّية العطوف التي تُربّي النُشّأ بكلّ عطفٍ وحنان، فالعالَم بما فيه من: شمسٍ، وقمر، ونجوم، وماء، وتراب، وليل، ونهار، والفصول السنويّة، والسحاب، والرياح، والأمطار، والكنوز التي تحت الأرض وفوقها، وبالتالي كلّ ما تَملك من قوّة، سُخِّرت لراحة الإنسان وسعادته، وإنّنا نلاحظ هذا الارتباط والتعاون في كلّ مظهرٍ من مظاهر الطبيعة، ومن كلّ ما يجاورنا من قريبٍ أو بعيد، وحتّى في البيت الذي نعيش فيه.

ومثل هذا الاتصال والارتباط، قائمٌ في جميع أجزاء الأجهزة الداخليّة لكلّ مظهرٍ من مظاهر هذا العالَم، فالطبيعة لمّا مَنَحت الإنسان الخير مثلاً، مَنحتهُ الأرجل للحصول عليه، واليد لتناوله، والفم لأكله، والأسنان لمضغه، ورَبطتهُ بسلسلة من الوسائل المرتبطة بعضها بالبعض الآخر كالسلاسل، والتي ترتبط بالهدف الغائي وهو البقاء والكمال لهذا المخلوق.

ولم يشكّ أحد من علماء العالَم أنّ الارتباطات اللامتناهيّة، والتي حَصَل عليها إثر الدراسات العلميّة لآلاف السنين، ما هي إلاّ طليعة وبداية مختصرة لأسرار الخِلقة، والتي تتبعها دراسات لا نهاية لها، وكلّ كشفٍ جديد بمثابة إنذار للبشريّة عن مجهولات لا حصر لها، وهل يمكن القول بأنّ هذا الكون الرَحب - مع استقلال أجزائه - يمتاز بوحدة واتصال ومع ما فيه من إتقان مدهش، يدلّ على علم وقدرة غير متناهية، وهل يمكن القول بأنّه وجِد دون خالق، ولم يكن هناك سبب أو هدف من إيجاده؟‍‍!

وهل يمكن التصديق بأنّ كلّ هذه الأنظمة سواء الجزئيّة منها أو الكليّة، وكذا النظام العام القائم في الكون - مع ما يتّصف به من ارتباط مُحكم - غير متناهٍ، والذي يسير وِفقَ نظام دقيقٍ خاص، ولا يقبل التغيير والاستثناء، كلّ هذا قد جاء دون حساب، وإنّما مجرّد المصادفة هي التي لعبت دورها في خَلقه وإيجاده؟ أم

١٠٤

أنّ كُلاًّ من هذه الظواهر والأجواء سواءً الصغيرة منها أو الكبيرة في العالَم، قد اتّخذت لها نهجاً قبل حدوثها وخلقتها، وبعد أن وجِدت سَلَكت ذلك السبيل والنهج؟

أم أنّ هذا الكون مع وحدتهِ الكاملة الشاملة، والاتّصال والارتباط القائم بينها، فهو ككلّ لا يعدو مجموعة متكاملة واحدة، قد أُنشئِت وخُلقت نتيجة لعوامل متعدّدة مختلفة، ويسير وفقاً لقوانين متباينة؟

من الطبيعي أنّ الشخص الذي يُرجع كلّ ظاهرة لمسبّب وكلّ معلول لعلّة - ويتّفق أحياناً أن يبحث عن مسبّب مجهول أيّاماً عديدة، ليصل في النهاية إلى العلّة، ويُتابع التقدّم العلمي - عند مشاهدة عدّة أحجار بصورة منتظمة منسّقة، ينسبها إلى علم وقدرة قامت بصنعها، وبذلك ينفي المصادفة مطلقاً، ويحكم بوجود تخطيط هادف، لم يكن ليحكم على وجود العالَم دون مسبّب، ولا يدّعي أنّ المصادفة هي التي أوجَدت هذا النظام والتنسيق.

لذا فإنّ الكون، بما فيه من أنظمة مهيمنة، مخلوقة خالق عظيم، هو الذي أوجَدها بعلمه وقدرته غير المتناهية، ويسيّرها إلى غاية، وما العوامل البسيطة التي تُنشئ الحوادث البسيطة في العالَم، إلاّ منتهية إليه، فهي تحت قدرته وهيمنته وتسخيره، وكلّ ما في الكون محتاج إليه، وهو غير محتاج لأحدٍ أو لشيء، ولم يكن معلولاً لعلّة، ولا مسبِّباً لسبب.

١٠٥

وحدانيّةُ الله تعالى

كلّ واقعيّة من واقعيّات العالَم، تُعتبر واقعيّة محدودة، أي أنّها تتمتّع بالوجود على وجود فرض (فرضُ وجود السبب والشرط) ، وتُعتبر أيضاً وفقاً لفرض وتقدير (فرضُ عدم السبب والشرط) عدماً، ولحقيقة وجودها حدٌّ محدود، إذ لا توجد خارج ذلك الحدّ، فالله جلّ شأنه هو المنزّه عن الحدّ والمحدوديّة؛ لأنّ واقعيّته مطلقة، فهو موجود بأيّ تقدير، ولم يكن محتاجاً لأيّ سببٍ وشرط ولا مرتبطاً بأيّة علّة.

ولا يسعنا أن نفترض عدداً لأمر غير محدود وغير متناهٍ، فإذا ما افتُرض ثانٍ، فإنّه غير الأوّل، وفي النتيجة: الاثنان محدودان متناهيان، وسيضع كلّ منهما حدّاً فاصلاً للآخر، فلو افترضنا على سبيل المثال حجماً غير محدود وغير متناه، لا يسعنا افتراض حجم آخر إزاءه، ولو قُدِّر أن افترَضنا هذا، فإنّ الثاني هو الأوّل، فعلى هذا، فإنّ الله تعالى أحد لا شريك له (١).

____________________

(١) يُروى أنّ إعرابيّاً قامَ يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، أتقول إنّ الله واحد، فَحملَ الناس عليه وقالوا: أمَا ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (دعوهُ، فإنّ الذي يريده الإعرابي هو الذي نريده من القوم، ثُمّ قال:

يا إعرابي، إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجل، ووجهان يثبتان فيه، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه: فقول القائل واحد يقصد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز؛ لأنّ ما لا ثانيَ له يدخل في باب الأعداد، أمَا ترى أنّه كفرَ مَن قال إنّه ثالث ثلاثة، وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع والجنس فهذا ما لا يجوز؛ لأنّه تشبيه، وجَلّ ربّنا تعالى عن ذلك، وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه: فقول القائل هو واحد ليس له في الأشياء شَبه، كذلك ربّنا، وقول القائل إنّه عزّ وجل أحديّ المعنى يعني به أنّه لا ينقسم في وجودٍ، ولا عقل، ولا وَهمٍ، كذلك ربّنا عزّ وجل) بحارُ الأنوار ج٢: ٦٥.

ويقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (معرفتهُ (الله) عينُ ذاته)، أي أنّ إثبات وجود الله تعالى، وهو وجود غير متناهٍ وغير محدود، كافٍ في إثبات وحدانيّته؛ لأنّ الثاني لا يُتصوّر لغير المتناهي.

١٠٦

٣. الذاتُ والصفات

لو نظرنا إلى الإنسان مثلاً من زاوية العقل، سنرى له ذاتاً، وهذه الذات هي عين إنسانيّته الخاصّة به، ويمتاز بصفات أيضاً، وهذه الصفات التي تُعرّف كُنه ذاته، فمثلاً أنّه ابن لفلان، عالِمٌ قادر، طويل، جميل، أو صفات أخرى مغايرة.

فبعضُ هذه الصفات كالأولى، لا تنفصل عن الذات، وبعضها الآخر كالعلم مثلاً، يمكن أن تنفصل عن الذات أو تتغيّر، وعلى أيّة حال، فإنّ كُلاً من هذه الصفات، ليست بالذات، كما أنّ كلّ واحدة منها غير الأخرى.

وهذا الموضوع (الذات مغايرة للصفات، والصفات تختلف فيما بينها)، خيرُ دليلٍ على أنّ الذات التي تتّصف بصفة، والصفة التي تُعيّن وتُعرّف الذات، كلاهما محدودتان ومتناهيتان؛ لأنّ الذات إذا كانت غير محدودة وغير متناهية، لكانت تشمل الصفات، وكذا الصفات كانت كلّ واحدة منها تشتمل على الأخرى، فتصبح في النتيجة كلّها شيئاً واحداً، فمثلاً لو كانت الذات الإنسانيّة هذه تنحصر في القدرة، وكانت القدرة والعلم وكذا طول القامة والجمال كلّ واحدة منها عين الأخرى،

١٠٧

لكانت كلّ هذه المفاهيم لا تَعدو المفهوم الواحد.

يتّضح ممّا سبق: لا يمكن إثبات صفة (بالمعنى السابق) لذات الله عزّ وجل؛ لأنّ الصفة لا تتحقّق من غير تحديدٍ لها، وذاته المقدّسة منزّهة من أي تحديد (حتّى من هذا التنزيه الذي يُعتبر في الحقيقة إثبات صفة له).

٤. معاني صفات الله تعالى

نعلمُ أنّ في العالَم كثيراً من الكمالات التي تظهر بشكل صفات، فهذه الصفات المثبتة متى ما ظهرت في شيء، تسعى في تكامل المتَّصف، وتمنحهُ قيمة أكثر، كما يتّضح ذلك من مقارنة جسم حيّ كالإنسان مع جسمٍ غير حيّ كالحجر.

ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الكمالات قد مَنحها الله تعالى، وإذا ما كان هو مفتقداً لها لمَا مَنحها (فاقدُ الشيء لا يُعطيه) وجَعلها تتدرج في طريق الكمال، فعلى هذه يجب أن يقال - وفقاً لحكم العقل السليم -: إنّ الخالق يتّصف بالعلم والقدرة وكلّ كمال واقعي.

وفضلاً عن هذا، فإنّ آثار العلم والقدرة وبالتالي آثار الحياة، واضحة في نظام الخِلقة.

وبما أنّ ذات الله غير محدودة وغير متناهية، فالكمالات هذه إن اعتُبرت صفات له، فإنّها في الحقيقة عين ذاته،

١٠٨

وكذا كلّ واحدة منها هي عين الأخرى (١)، وأمّا الاختلاف الذي يُشاهَد بين الذات والصفات، وبين الصفات نفسها، فتنحصر في المفهوم، وفي الحقيقة ليس هناك سوى مبدأ واحد غير قابل للانقسام.

فالإسلام يُلزم مُتّبعيه كي لا يقعوا في مثل هذا الاشتباه (المحدوديّة بالتوصيف، أو نفي أصل الكمال)، يَضعهم بين النفي والإثبات (٢) ، ويأمرهُ بهذا الاعتقاد: أنّ الله عالم لا كعلم غيره، وله القدرة، وليس كقدرة الآخرين، فهو يَسمع لا بأُذن، ويرى لا بعين، وهكذا…

٥. مزيدٌ من التوضيح في معاني الصفات

الصفاتُ نوعان: صفاتُ كمال، وصفات نقص.

فالصفاتُ الكماليّة - كما أشرنا إليها - معانٍ إثباتيّة، تَمنح المتّصف بها قيمة وجوديّة أكثر، وآثاراً وجوديّة أوسع، ويتّضح ذلك من مقارنة موجود حيّ عالِم قادر، مع موجودٍ آخر غير حيّ، غير عالِم وغير قادر.

وأمّا صفاتُ النقص: فهي صفات تغايرها.

عندما نُمعن النظر في صفات النقص، نجدها بحسب المعنى منفيّة، تفتقر إلى الكمال،

____________________

(١) عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (لم يزل اللهُ جلّ وعزّ ربّنا والعلم ذاتهُ ولا معلوم، والسَمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مُبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور) البحار ج٢: ١٥٢.

(٢) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): (إنّ الله نورٌ لا ظلمة فيه، وعلمٌ لا جهلَ فيه، وحياة لا موت فيه)البحار ج٢: ١٢٩.

وقد سُئل الإمام الرضا (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: (... إنّ للناس في التوحيد ثلاثة مراتب: إثبات بتشبيه، ومذهب النفي، ومذهب إثبات بلا تشبيه، فمذهبُ الإثبات بتشبيه لا يجوز، ومذهب النفي لا يجوز، والطريق في المذهب الثالث إثبات بلا تشبيه) البحار ج٢: ٩٤.

١٠٩

وإلى نوع من قيَم الوجود، مثل: الجهل، والعجز، والقُبح، والسُقم وأمثالها.

وحَسب ما تقدّم: أنّ نفي صفات النقص تعني صفات الكمال، كما أنّ نفي الجهل يعني العلم، ونفي العجز يعني القدرة، ومن هنا نجد القرآن الكريم يُثبت كلّ صفة كماليّة لله تعالى بشكلٍ مباشر، وينفي كلّ صفة نقص عنه، كما في قوله تعالى: ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) ، ( هُوَ الْحَيُّ ) ، ( لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ) ، ( وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ ) .

وممّا تجدرُ ملاحظتهُ: أنّ الله تعالى واقعيّة مطلقة، ليس له حدّ ونهاية، فعلى هذا (١) فإنّ أيّة صفة كماليّة تُطلق عليه، لا تعني المحدوديّة، فإنّه ليس بمادّة وجسم، ولا يُحدّد بزمانٍ أو مكان، ومُنزّه من كلّ صفة حاليّة حادثة، وكلّ صفةٍ تَثبت له حقيقة، فهي بعيدة عن المحدوديّة وهو القائل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (٢).

٦. صفاتُ الفعل

فالصفاتُ (فضلاً عمّا سَبق) تنقسم انقساماً آخر وهي: صفاتُ الذات، وصفات الفعل.

فالصفةُ أحياناً تكون قائمة بالموصوف مثل: الحياة، والعلم، والقدرة، فتتحقّق هذه في الإنسان الحيّ القادر، ونستطيع أن نفترض إنساناً متّصفاً بهذه الصفات، فلو لم نفترض غيره،

____________________

(١) يقول الإمام السادس: (لا يوصَف الله تعالى بزمان، أو مكان، ولا حركة، ولا انتقال، ولا سكون، بل هو خالق الزمان، والمكان، والحركة، والسكون، والانتقال) البحار ج٢: ٩٦.

(٢) سورة الشورى: الآية ١١.

١١٠

نرى تارةً أنّه لا يتحقّق بالموصوف فحسب، فإذا أراد الموصوف أن يتّصف بصفةٍ لابدّ من تحقّق شيء آخر مثل: الكتابة، الخطابة، الطلب، ونظائرها؛ لأنّ الإنسان إنّما يستطيع الكتابة عندما يتوفّر لديه القلم والدواة والورق مثلاً، ويستطيع أن يكون خطيباً عند تحقّق مُستمع، ويستطيع أن يكون طالباً عندما يتوفّر المطلوب، ولا يكفي أن نفترض للإنسان تَحقُّق هذه الصفات.

من هنا يتّضح: أنّ الصفات الحقيقيّة لله تعالى (كما سبقت الإشارة إليه عين الذات)، هي من النوع الأوّل، وأمّا النوع الثاني، والذي يستلزم تحقّقه لشيء آخر، فإنّ كلّ شيء غير مخلوق له، ويأتي بعده في مرحلة الوجود، وكلّ صفةٍ يوجدها مع وجوده، لا يمكن أن تُعتبر صفة لذاته أو عين ذاته تعالى.

فالصفاتُ التي يتّصف بها تعالى عن تحقّق الخِلقة هي: الخالقيّة، الربّانيّة، والمُحيي، والمُميت، والرزّاق، وأمثالها، لم تكن عين ذاته، بل زائدة على الذات وصفات للفعل.

والمقصود من صفات الفعل : هو أن تُتخذ معنى الصفة من الفعل لا من الذات، مثل: الخالقيّة، أي يتّصف بهذه الصفة بعد تحقّق الخلقة للمخلوقات، فهو قائم منذ قيامها (أي موجود منذ وجودها)، ولا علاقة لها بذاته تعالى، كي تتغيّر من حالٍ إلى حال عند تحقّق الصفة.

تَعتبر الشيعة صِفَتي الإرادة والكلام، والذي يُفهم من معنى اللفظ (الإرادة بمعنى الطلب، والكلام بمعنى الكشف اللفظي عن المعنى) من صفات الفعل (١) ، والغالبيّة من أهل السُنّة يعتبرونها بمعنى العلم، وصفات لذاته تعالى.

____________________

(١) قال أبو عبد الله (عليه السلام): (لم يزل الله جلّ اسمه عالِماً بذاته ولا معلول، ولم يزل قادراً بذاته ولا مقدور، قلتُ: جُعلتُ فداك، فلم يزل متكلّماً؟ قال: الكلام مُحدَث كان الله عزّ وجل وليس بمتكلّم، ثُمّ أحدثَ الكلام) البحار ج٢: ١٤٧.

قال الرضا (عليه السلام): (الإرادة من المخلوق، الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأمّا من الله عزّ وجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك؛ لأنّه لا يَروي، ولا يهمّ، ولا يتفكّر) البحار ج٢: ١٤٤.

١١١

٧. القضاءُ والقدر

إنّ قانون العليّة في الكون سارٍ ومهيمن، بحيث لا يقبل الاستثناء، ووفقاً لهذا القانون كلّ مظهر من مظاهر هذا العالَم، يرتبط بعِلل عند وجودها (الأسباب والشروط اللازمة للتحقّق)، ومع توفّر كلّ تلك الشروط (والتي تُدعى العلّة التامّة) يتحتّم وجود تلك الظاهرة (المعلول المفروض)، ولو فرضنا عدم تحقّق تلك الأسباب كلّها أو بعضها، فإنّه يستحيل تحقّق وجود تلك الظاهرة.

مع الإمعان في هذه النظريّة، يتّضح لنا موضوعان:

الأوّل: لو قُدِّر أن نقارن بين ظاهرة (المعلول) مع العلّة التامّة بأجمعها، وكذلك مع الأجزاء لتلك العلّة التامّة، تكون النسبة بينها وبين العلّة التامة نسبة الضرورة (الجبر)، ولكانت النسبة بينها وبين كلّ من أجزاء العلّة التامّة (والتي تُعتبر علّة ناقصة) نسبة الإمكان؛ لأنّ جزء العلّة بالنسبة إلى المعلول يُعطي إمكان التحقّق والوجود، ولا يُعطي ضرورة الوجود.

على هذا، فالكون وجزء من أجزائه يستلزم علّة تامّة في تحقّق وجوده، والضرورة مهيمنة عليها بأسرها، وقد نُظّم هيكلها من مجموعة حوادث ضروريّة وقطعيّة، فمع الوصف هذا، فإنّ صفة الإمكان في أجزائها (الظواهر التي ترتبط مع غير العلّة التامّة لها) محفوظة.

١١٢

فالقرآن الكريم في بيانه يُسمّي هذا الحُكم الضروري بالقضاء الإلهي؛ لأنّ الضرورة هذه تنبع من وجود الخالق، ولهذا يكون حكماً وقضاءً عادلاً حتميّاً غير قابل للتخلّف، إذ لا يقبل الاستثناء أو التبعيض.

ويقول جلّ شأنه: ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ) (١) .

ويقول: ( وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (٢) .

ويقول: ( وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ) (٣) .

الثاني: إنّ كُلاً من أجزاء العلّة، لها مقدارها الخاص بها تمنحها إلى المعلول، وتَحقّق المعلول وظهوره يُطابق مجموع المقادير التي تُعيّنها العلّة التامّة، فمثلاً: العِلل التي تُحقّق التنفّس للإنسان لا تُحقّق التنفّس المطلق، بل يتنفّس الإنسان مقداراً معيّناً من الهواء المجاور لفمه وأنفه وفي زمانٍ ومكان معيّنين، ووفقَ طريقة معيّنة، ويتمّ ذلك عن طريق مجرى التنفّس، حيث يصل الهواء إلى الرئتين، وهكذا الرؤية والإبصار، فإنّ العِلل الموجودة لها في الإنسان (والذي هو جزء منها)، لم تُحقّق إبصاراً من دون قيد أو شرط، بل يُحقّق إبصاراً مُعيّناً من كلّ جهة، بواسطة الوسائل اللازمة له، وهذه الحقيقة سارية في كلّ ظواهر الطبيعة، والحوادث التي تتّفق فيها لا تتخلّف.

والقرآن الكريم يُسمّي هذه الحقيقة بـ (القدر) ويَنسبها إلى خالق الكون ومصدر الوجود، بقوله تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) (٤) .

ويقول: ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (٥) .

وكما أنّ كلّ ظاهرة وحادثة في نَظم الخلقة تُعتبر ضروريّة الوجود وفقاً للقضاء الإلهي، ويتحتّم وجوده، فكذلك وفقاً للقدر فإنّ كلّ ظاهرة أو حادثة عند تحقّقها لا تتخلّف عن المقدار المُعيّن لها من قِبَل الله تعالى.

____________________

(١) سورة الأعراف: الآية ٥٤.

(٢) سورة البقرة: الآية ١١٧.

(٣) سورة الرعد: الآية ٤١.

(٤) سورة القمر: الآية ٤٩.

(٥) قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنّ الله إذا أرادَ شيئاً قدّره، وإذا قضاهُ أمضاه) البحار ج٣: ٣٥.

١١٣

٨. الإنسانُ والاختيار

كلّ ما يقوم به الإنسان من فعل، يُعتبر ظاهرة من ظواهر عالَم الخِلقة، ويرتبط تحقّقه كسائر الظواهر بالعلّة ارتباطاً كاملاً، وبما أنّ الإنسان هو جزء من عالَم الخلقة، ويرتبط مع سائر الأجزاء الأخرى من العالَم، فإنّها بدورها تؤثر في أفعال الإنسان.

وعلى سبيل المثال: فإنّ قطعة الخبز التي يريد الإنسان تناولها، يستلزم الوسائل: كاليد، والفم، والعلم، والقدرة، والإرادة، ويستلزم أيضاً وجود الخبز في الخارج، وفي متناوَل يده، وعدم المانع والحاجز، وشروط أخرى، من زمانٍ أو مكانٍ، ومع فقدان إحداها يتعذّر تحقّق الفعل، ومع تحقّق كلّ تلك العوامل (تحقّق العلّة التامّة)، فإنّ تحقّق الفعل ضروري.

وكما أشرنا آنفاً: فإنّ ضرورة الفعل بالنسبة إلى مجموع أجزاء العلّة التامّة تُعتبر نسبة إمكان، ولا يتنافى مع نسبة الفعل إلى الإنسان الذي هو أحد أجزاء العلّة التامّة.

إنّ الإنسان له اختيار الفعل، وضرورة نسبة الفعل إلى مجموع أجزاء العلّة، لا يستلزم الضرورة بالنسبة إلى فعل بعض من أجزائها وهو الإنسان.

والإدراك البسيط للإنسان يؤيِّد هذا القول، فإنّنا نراهُ يُميّز - بحُكم الفطرة الإلهيّة المودَعة لديه - بين الأكل والشرب، والذهاب والإياب، وبين الصحّة والسُقم، والكبير والصغير، والقسم الأوّل الذي يرتبط بإرادة الإنسان ارتباطاً مباشراً، يُعتبر من إرادة الشخص، فيُحاسب في مواضع الأمر،

١١٤

والنهي، والمدح، والذم، خلافاً للقسم الثاني، الذي يترتّب فيه تكليفٌ على الإنسان.

كان في صدر الإسلام بين أهل السُنّة، مذهبان معروفان بالنسبة إلى أفعال الإنسان، ففريقٌ كان يرى أنّ أفعال الإنسان متعلّقة بإرادة الله تعالى لا تخلّفَ فيها، فكان يدّعي أنّ الإنسان مجبور في أفعاله، ولا أثرَ لمَا يمتاز به من اختيار وإرادة، والفريق الآخر، كان يدّعي أنّ الإنسان مستقلّ في أفعاله، وليس له ارتباط بإرادة الله سبحانه، ويعتبرونه خارجاً عن حُكم القَدر.

وممّا يُروى عن أهل البيت (عليهم السلام)، وهو مطابق مع ظاهر تعاليم القرآن: أنّ الإنسان مختار في أفعاله، ليس بمستقلّ، إذ إنّ الله تعالى قد أراد الفعل عن طريق الاختيار، وهذا ما عبّرنا عنه سابقاً، أنّ الله سبحانه أرادَ الفعل عن طريق مجموع أجزاء العلّة التامّة، والتي إحداها إرادة الإنسان وأصبحت ضرورة، وفي النتيجة: إنّ مثل هذا الفعل الذي يرتبط بإرادة الله تعالى ضروري، والإنسان أيضاً مختار فيه، أي أنّ الفعل يُعتبر ضروريّاً بالنسبة إلى مجموع أجزاء علّته، ولكنّه اختيار وممكن بالنسبة إلى أحد أجزائه وهو الإنسان.

والإمام السادس (عليه السلام) يقول: (لا جبرَ ولا تفويض، بل أمرٌ بين أمرين) (١) .

____________________

(١) عن أبي جعفر أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إنّ الله عزّ وجل أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثُمّ يُعذِّبهم عليها، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون) بحار الأنوار ج٣: ١٥.

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (اللهُ أكرم من أن يُكلِّف الناس ما لا يُطيقون، واللهُ أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد) البحار ج٣: ١٥.

١١٥

معرفةُ النبي

١. نحو الهدف، الهداية العامّة.

٢. الهداية الخاصّة.

٣. العقلُ والقانون.

٤. الشعور المرموز، أو ما يسمّى بـ(الوحي).

٥. الأنبياء وعصمة النبوّة.

٦. الأنبياء والشرائع السماويّة.

٧. الأنبياء ودليل (الوحي) والنبوّة.

٨. عدد الأنبياء.

٩. الأنبياء أولو العزم، حَمَلة الشرائع السماويّة.

١٠. نبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

١١. النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن.

١. نحو الهدف، الهداية العامّة

تبدأ حبّة الحنطة بالنموّ عند توفّر العوامل المساعدة لها، بعد أن توضَع في التربة، وبمرور الزمن تتحوّل من حالةٍ إلى أخرى، وفي كلّ لحظة تتّخذ حالة وشكلاً غير ما كانت عليها قَبل لحَظات، وتسلك طريقاً وفقاً لنظامٍ خاص،

١١٦

حتّى تزداد نموّاً، فتَصبح سنبلة، وإذا ما سَقطت حبّة قَمح على الأرض، سَلكت الطريق ذاته، حتّى تصل النهاية وهكذا، وإذا ما سَقطت بذرة فاكهة على الأرض، تبتدئ بالحركة والنموّ فيخترق الغشاء نتوءٌ أخضر، ويسلك طريقاً خاصّاً منتظماً، حتّى يزداد في نموّه ويَصبح شجرة مثمرة.

وإذا ما استقرّت نطفة حيوان في بيضة، أو في رَحم أُم، تشرع بالنموّ والتكامل، وتسلك سلوكاً تختصّ به تلك النطفة لذلك الحيوان، حتّى تصل إلى فردٍ كامل من ذلك النوع.

إنّ هذا السلوك الخاصّ والمنتظم يُشاهد في كلّ من أنواع الكائنات الحيّة في العالَم، ويُعتبر من مميّزاتها وفطرتها الخاصّة، ولن تجد في الحياة نقيضاً لهذه السُنّة، أي يستحيل أن تتبدّل حبّة قمح إلى حيوان، ولا نطفة حيوان إلى شجرة، وإذا ما حَدث تغيير في تكوين حيوان أو نبات، بأن ينقصها عضو أو جزءٌ، فإنّ السبب في ذلك يعود إلى مرضٍ أو ما شابه.

إنّ النظام القائم والمستمرّ في الكون، وخِلقة الأجسام المتنوّعة، واختصاص كلّ نوع منها في سلوك خاصّ، نحو التطوّر والتكامل، يحتاج إلى نظام خاصّ به، لا ينكرهُ أيّ محقِّق متتبّع، ومن هذه النظريّة البيّنة نستنتج موضوعين:

١) إنّ في جميع المراحل التي يطويها نوع من أنواع الكائنات الحيّة في العالَم، اتصالاً وارتباطاً قائماً بينها، وكأنّ هناك قوّة تُسيّرها هذا المسير الخاصّ في كلّ مراحلها التطوّريّة.

٢) إنّ هذا الاتصال والارتباط المُتتالي يهدف في مرحلته الأخيرة إلى تكوين بَني نوعه، فكما أنّ البذرة عندما توضَع في التربة تهدف في طريقها منذ مراحلها الأولى إلى أن تنشأ شجرة، وكذلك النطفة في رحم الأُم تهدف في مراحلها الأوّليّة إلى أن تكون حيواناً متكاملاً، وللوصول إلى التكامل، نراها تسلك نهجاً خاصّاً في حياتها.

١١٧

والقرآن العظيم في تعليماته يؤيِّد هذه الحركة وهذا الاندفاع، كما أنّ أنواع الكائنات الحيّة في العالَم تهتدي بهدى الله تعالى في طريق تكاملها وكمالها، ويَستدلّ بآيات من الذِكر الحكيم في هذا الشأن، كما في قوله تعالى:

( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (١) .

وفي سورة الأعلى، الآية ٣٢ يقول جلّ ذِكره:

( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) .

وكذا يُشير إلى النتائج التي ذُكرت آنفاً في سورة البقرة، الآية ١٤٨، يقول جلّ شأنه: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) .

ويقول جلّ مَن قائل في سورة الدخان، الآية ٣٩: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) .

٢. الهدايةُ الخاصّة

بديهيٌ أنّ النوع الإنساني لا يُستثنى عن هذه الهداية التكوينيّة التي تُهيمن على جميع الكائنات في العالَم، إنّها تسيطر على الإنسان أيضاً، وبما أنّ كلّ كائن يستمرّ في طريقه نحو التكامل بما لديه من قدرة وقابليّة، فكذلك الإنسان يُساق نحو الكمال الواقعي بواسطة الهداية التكوينيّة.

قد يشترك الإنسان في كثيرٍ من صفاته ومميّزاته مع سائر أنواع الكائنات الحيّة من حيوان أو نبات، لكنّه يتميّز بخصائص خاصّة به تَجعلهُ يمتاز عن غيره، ألا وهو العقل.

____________________

(١) سورة طه: الآية ٥٠.

١١٨

فالعقلُ يدعو الإنسان إلى التفكّر والتدبّر، وأن ينتفع من كلّ وسيلةٍ ممكنة، لتُحقّق أهدافه وأغراضه، فهو يَعرج إلى السماء حيناً، فيسير في الفضاء اللامتناهي، ويغوص في أعماق البحار أحياناً، فهو يدأب في استثمار أنواع الحيوان والنبات والجماد على ظهر البسيطة، وقد يتجاوز هذا الحدّ بأن يتّجه إلى استثمار بَني نوعه.

والإنسانُ حَسب طبعه الأوّلي، يرى حرّيته المطلقة في سعادته وكماله، وبما أنّ وجوده وجود اجتماعي، ومتطّلباته في الحياة متعدّدة، والتي لا ينالها لوحده وبنفسه فَحسب، بل بالتعاون مع أبناء نوعه وهم يتّصفون بالغرائز ذاتها، بما فيها حُبّ الذات والحرّية، إذ تفرض عليه طبيعة المجتمع أن يُضحّي بقسط من حرّيته في هذا السبيل قبال المنافع التي يحصل عليها من الآخرين، فهو يُقدِّم خدمة وينتفع بما يُقدِّمه الآخرون من خَدمات، أي أنّه يتقبّل الحياة الاجتماعيّة التي تتّصف بالتعاون، بإكراهٍ وفرض.

وهذه الحقيقة تظهر جَلية لدى الأطفال والفتيان، إذ إنّهم في البداية يُحقّقون ما تصبو إليه نفوسهم بالفرض تارةً والبكاء تارةً أخرى، فهم يرفضون كلّ قانون أو عادة أو ما شاكل ذلك، ولكن على مرّ الزمان، وحَسَب تطوّرهم الفكري يُدركون أنّ الحياة لا تتلائم مع الفرض والطغيان، فيمارسون ما يمارسهُ الفرد في المجتمع بشكلٍ تدريجي، حتّى يصلوا إلى ما يصل إليه الفرد في مجتمعه، من إتّباع العادات والسُنن والقانون، بالتالي يُصبحون وهو يألفون المجتمع.

والإنسانُ بعد تقبّلهِ الحياة الاجتماعيّة التي قوامها التعاون، يرى ضرورة القانون الحاكم على الحياة، وهو الذي يُعيّن واجبات كلّ فردٍ من أفراد المجتمع، ويضع الجزاء لكلّ مَن يُخالف القانون، فإذا عمّ القانون وسادَ المجتمع، عندئذٍ ينال كلّ من أفراد المجتمع السعادة المطلوبة، التي طالما تمنّاها.

١١٩

هذا القانون: هو القانون العَمَلي الذي ما برحَ البشر منذ نشأته وإلى يومنا هذا يرجوهُ ويرغب في الوصول إليه، وطالما كان يستهلّ به أهدافه وأغراضه، ويسعى في تحقّقه، ومن الطبيعي إذا كان الأمر يستحيل تحقّقه على البشريّة، ولم يكن مفروضاً عليها، لمَا كانت تهدف إليه دوماً (١) .

والله جلّ شأنه يُشير إلى حقيقة المجتمع البشري بقوله: ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ) (٢) .

وقد أشار الذكر الحكيم إلى حُبّ النفس والأنانيّة بقوله تعالى: ( إِنَّ الإِنْسَان خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ) (٣) .

٣. العقلُ والقانون

لو تأمّلنا جيّداً، لرأينا أنّ القانون الذي ما برحَ البشر ينتظره، والناس مع ما لديهم من إدراك فطري إلهي، ويُدركون لزوم إجرائه كي يضمن لهم سعادتهم، هو القانون الذي يستطيع أن يُسيّر البشريّة إلى السعادة دون انحيازٍ أو تبعيض،

____________________

(١) ترغب البشريّة عادةً وحتّى الشعوب البدائيّة حَسَب طبعها، في أن يعيش الجميع في جوّ مِلؤهُ الصُلح والراحة والاطمئنان.

ومن الوِجهة الفلسفيّة، فإنّ الطلب والميل والرغبة ما هي إلاّ أوصاف وارتباطات قائمة على طرفين: كالطالب والمطلوب، والمُحبّ والمحبوب، و… وواضحٌ إن لم يكن هناك محبوب، فالكلام عن المُحبّ عَبث.

وصَفوة القول: إنّ الأمور هذه ترجع إلى إدراك نقصٍ في الوجود الإنساني، فإذا تعذّر الكمال، لم يكن هناك معنىً للنقص.

(٢) سورة الزخرف: الآية ٣٢.

(٣) سورة المعارج: الآية ٢١.

١٢٠

وأن ينشر بينها الكمال، ويُرسي قواعده.

ومن البديهي لم تُدرك البشريّة حتّى الآن طوال أجيال متعاقبة مضت من حياة البشريّة، مثل هذا القانون الذي قوامهُ العقل، ولو قُدِّر أن يصدر إلى حيّز الوجود، لفَهمتهُ البشريّة في حياتها الطويلة بما تمتاز به من تعقّل وتدبّر، وكانت تلتزم به في مجتمعاتها.

وبعبارةٍ أوضح: لو كان هناك قانون كامل عام، بحيث يستجيب لمَا تصبو إليه البشريّة من سعادة، ويُرشد البشريّة من حيث الفطرة والتكوين، لأدركهُ كلّ إنسان بما لديه من إمكانات عقليّة، كما يُدرك ما ينفعهُ أو يضرّه، وكذا سائر الضروريّات في حياته، ولكن لم يتحقّق مثل هذا القانون بعد.

والقوانين التي توضَع من قِبَل شخصٍ حاكم أو أشخاص، أو جوامع بشريّة، نجدها مورد احترام وتصديق لدى فئة، ومورد رفض واعتراض لدى آخرين، وهناك مَن اطّلع عليها وعَرفها، وآخرون لم يطّلعوا، ولن تجد وجه اشتراك في المجتمعات البشريّة - بما أنّهم يشتركون في كونهم بشراً، وأنّهم يتّصفون بالفطرة الإلهيّة - في إدراك هذه القوانين.

4. الشعور المرموز، أو ما يُسمّى بـ(الوحي)

وممّا تقدّم يتّضح: أنّ القانون الذي يضمن السعادة للبشريّة، لا يُدركه العقل، وبمقتضى نظريّة الهداية العامّة، التي ترى ضرورة هذا الإدراك في النوع البشري، لابدّ من وجود جهازٍ آخر بين النوع الإنساني يُدرك ذلك، كي يرشده إلى الواجبات الواقعيّة للحياة، وتكون في متناول يد الجميع، وهذا الشعور والإدراك هو غير العقل والحسّ، إنّه ما يُسمّى بـ (الوحي) .

١٢١

ومن الطبيعي أنّ وجود مثل هذه القوّة في البشر، لا يتحتّم أن يكون في جميع أفراد البشر، كما هو في القوّة المودَعة في الإنسان للتناسل، في حين أنّ إدراك لذّة الزواج، والتأهّب له، يتحقّق في الأفراد عند بلوغهم، وشعور (الوحي) الذي لا يَظهر لدى الأفراد، هو شعورٌ مرموز، كما هو الحال في إدراك وشعور اللذّة في الزواج عند مَن لم يصل إلى سنّ البلوغ، فيبقى هذا الإدراك غير معروف لديه.

واللهُ تعالى يشير في خطابه عن (الوحي) بالنسبة إلى الشريعة وعجز العقل بقوله:

( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) .

5. الأنبياءُ وعصمة النبوّة

إنّ ظهور الأنبياء يؤيِّد نظريّة (الوحي) الذي سبقَ ذكره، أنّ أنبياء الله تعالى كانوا ممّن ادّعى (الوحي) والنبوّة، وفي ادّعائهم هذا أقاموا الحُجج والبراهين، وبلّغوا الناس ما تحتويه شريعة الله سبحانه، ألا وهو القانون الذي يمنحهم السعادة وجعلوها في متناول أيدي الجميع، ولمّا كان الأنبياء يمتازون بـ(الوحي) والنبوّة، فعند ظهورهم في كلّ زمنٍ كانوا قِلّة، فجعلَ الله هداية الناس على عاتق هؤلاء، بما أُمروا من دعوةٍ وإبلاغ، وما ذلك إلاّ لتعمّ وتتمّ وتكتمل تلك الدعوة.

ومن هنا يتّضح: وجوب عصمة الأنبياء، فهم مصونون من الخطاء في تلقّي (الوحي) من جانب الله تعالى، وفي حفظه، وإيصاله إلى الناس؛ فإنّهم بعيدون كلّ البُعد عن المعصية والخطأ؛ لأنّ تلقّي الوحي - كما ذُكر - وحفظه وإبلاغه،

١٢٢

يشتمل على الأركان الثلاثة للهداية التكوينيّة، ولا معنى بأن يكون هناك خطأ في التكوين، فضلاً عن أنّ المعصية والتخلّف عن أداء الدعوة والإبلاغ، عَمل يُخالف الدعوة، ويوجِب سلب ثقة الناس واطمئنانهم بصحّة الدعوة وصدقها، ونتيجةً لذلك ينتفي الغرض والهدف الأساسي للدعوة.

والخالق جلّ شأنه يشير إلى عصمة الأنبياء في كتابه المجيد بقوله: ( وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (1).

وهو القائل أيضاً: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ ) (2).

6. الأنبياء والشرائع السماويّة

إنّ ما حصلَ عليه الأنبياء عن طريق (الوحي) وإبلاغهم الناس على سبيل الخير والأحكام الإلهيّة هو الدين، وباتّخاذه نهجاً لهم في سبيل الحياة والوظائف والواجبات الإنسانيّة، يضمن لهم السعادة (3) .

يشتمل التشريع الإلهي بشكلٍ عام على جانبين: الاعتقادي، والعلمي.

فالجانب الاعتقادي: يحتوي على مجموعة معتقدات أساسيّة، تَفرض على الإنسان أن يتّخذها أساساً لحياته، وهي الأُسس العامّة الثلاثة: التوحيد، والنبوّة، والمعاد، وإذا أُهمِلت إحداها لم يتحقّق اتّباع الدين.

____________________

(1) سورة الأنعام: الآية 87.

(2) سورة الجنّ: الآية 28.

(3) يراجع مقدّمة الكتاب.

١٢٣

والجانب العملي: يتألّف من مجموعة وظائف أخلاقيّة عمليّة، تحتوي على وظائف معيّنة يتقيّد بها الإنسان أمام الله تعالى وأمامَ المجتمعات البشريّة.

ومن هنا تنقسم الواجبات الفرعيّة في الشرائع السماويّة، والتي نُظِّمت للإنسان على قسمين: الأخلاق، والأعمال ، وكلّ من هاتين تنقسم إلى قسمين أيضاً.

فأمّا الأخلاق والأعمال التي ترتبط بالله الخالق فهي: الخُلق، وصفة الإيمان، والإخلاص، والتسليم، والرضا، والخشوع، وكذا الصلاة، والصوم، والفدية وغيرها، وهذه المجموعة من الأعمال تسمّى بـ (العبادات) ، وتُعبّر عن خشوع الإنسان وعبوديّته لربّه.

وأمّا ما يتعلّق بالمجتمع من الأخلاق والأعمال فهي: الصفات الحَسَنة، كحُبّ النوع، والمساعدة، والعدالة، والسخاء، وما يرتبط بآداب المعاشرة، والمعاملة وغيرها، وهذه الأعمال الخاصّة هي ما تسمّى بـ (المعاملات) .

ومن جهةٍ أخرى: فإنّ النوع الإنساني يتّجه نحو الكمال بصورة تدريجيّة، والمجتمع البشري يتكامل بمرور الزمان، وإنّ ظهور هذا النَسخ من التكامل ضروري في الشرائع السماويّة، ويؤيِّد القرآن الكريم هذا التكامل التدريجي (إذ يمكن الوصول إليه عن طريق العقل)، وممّا يُستفاد من آياته، أنّ الشرائع اللاحقة أكمل من الشرائع السابقة بقوله تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) (1) .

وممّا تُبيّنه النظريّات العلميّة، ويُصرِّح به القرآن الكريم: أنّ حياة المجتمعات البشريّة في هذا العالَم ليست أبديّة، ومن الطبيعي أنّ التكامل لبَني نوعها لم يكن غير متناهٍ، فمِن هذه الجهة، ستتوقّف جميع الوظائف الإنسانيّة

____________________

(1) سورة المائدة: الآية 48.

١٢٤

من حيث الاعتقاد والعمل في مرحلة معيّنة، وتَبعاً لهذه الحقيقة، فإنّ النبوّة والشريعة أيضاً يوماً ما ستصل إلى آخر مرحلة من مراحل الكمال والاعتقاد، وبثّ القوانين العَمليّة، وبذلك تكون النهاية والخاتمة لها.

ومن هنا نرى القرآن الكريم يوضِّح هذه الحقيقة ويُصرِّح بأنّ الإسلام، الدين الذي اختارهُ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: آخر الأديان السماويّة وأكملها، والكتاب العزيز لا يُنسخ، والنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو خاتم الأنبياء، والإسلام يحتوي على كافّة الوظائف والواجبات، كما في قوله تعالى: ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ ) (1) .

ويقول أيضاً: ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) (2) .

وقوله تعالى: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (3) .

7. الأنبياءُ ودليل الوحي والنبوّة

إنّ الكثير من علماء اليوم الذين حقّقوا في موضوع (الوحي) والنبوّة، قد فسّروا موضوع (الوحي) والنبوّة والأمور المرتبطة بهما، على الأُسس التي يقوم عليها علم النفس وعلم الاجتماع، بقولهم: إنّ الأنبياء كانوا أُناساً أطهاراً، ذَوي هِمم عالية، مُحبّي البشريّة، ولغرض تقدّمها وتطوّرها من الناحية الماديّة والمعنويّة، وكذا تزكية المجتمعات المنحطّة خلقيّاً، نظّموا ووضعوا قوانين خاصّة،

____________________

(1) سورة حم سجدة: الآية 42.

(2) سورة الأحزاب: الآية 40.

(3) سورة النحل: الآية 89.

١٢٥

ودَعوا الناس إليها، ولمّا كان الناس في ذلك الوقت لم يَخضعوا أمام المنطق والعقل، فما كان منهم إلاّ أن ينسبوا أفكارهم وأنظمتهم إلى العالَم العلوي كي يستطيعوا بذلك أن يجلبوا رضا الناس ويُخضعوهم لقيادتهم، وكان اعتقاد البعض أنّ روحهم هي روح القدس وما الفكر الذي يتجلّى إلاّ (الوحي والنبوّة)، وما الوظائف والواجبات التي تُستنتج من ذلك إلاّ (الشريعة السماويّة)، والكلام الذي يتضمّن ذلك كان يسمّى (الكتابُ السماويّ) .

فالذي ينظر بتأمّل وإنصاف إلى الكتب السماويّة، وخاصّة القرآن الكريم، وكذا إلى الشرائع التي جاء بها الأنبياء، لا يشكّ في بطلان هذه النظريّة؛ وذلك أنّ الأنبياء لم يكونوا رجال سياسة، بل كانوا رجالاً يتّصفون بالصدق والصفاء والخلوص، وكلّما كانوا يَدركونه يتفوّهونَ به، وكلّما كانوا يقولون به كانوا يعملون به، وكلّما كانوا يزعمونه هو: أنّ هناك شعوراً مرموزاً، وإمداداً غيبيّاً، يفيض عليهم، وأنّهم عن هذا الطريق يتلقّون الوظائف الاعتقاديّة والعلميّة من جانب الله تعالى، لإبلاغ الناس وإرشادهم.

ومن هنا يتّضح: أنّ ادّعاء النبوّة يحتاج إلى حُجّة ودليل، ولا يكفي أن تكون الشريعة التي جاء بها النبيّ توافق العقل، فإنّ صحّة الشريعة لها طريق آخر للإثبات، وهو: إنّه على اتّصال بالعالَم العُلوي (الوحي) والنبوّة، وقد أُنيطت به هذه المسؤوليّة من قِبَل الله تعالى، وهذا الادّعاء يفتقد إلى دليل عند إقامته.

وعلى هذا، نجد أنّ السُذّج من الناس (كما يُخبر به القرآن الكريم)، كانوا يطالبون الأنبياء بالمعجزة لصِدق دعواهم.

ويُستنتج من هذا المنطق الساذج والصحيح هو: أنّ (الوحي) والنبوّة الذي يدّعيه المُرسَل، لم يكن ليحصل في سائر الناس، والذين هم مثله، ولابدّ من قوّة غيبيّة قد أودَعها الله تعالى نبيّه بنحو يخرق العادة به، والتي بواسطتها

١٢٦

يُصغى إلى كلام الله تعالى، ويوصلها إلى الناس وفقاً لمسؤوليّته، وإذا كان هذا المُعجز صحيحاً، فالرسول يريد من الله تعالى أن يُعينه على معجز آخر، كي يُصدِّق الناس نبوّته ومدّعاه.

ويتّضح أنّ مطالبة الناس الأنبياء بالمعجزة أمرٌ يوافق المنطق الصحيح، وعلى الأنبياء لإثبات نبوّتهم أن يأتوا بالمعجزة، إمّا ابتداءً أو وفقاً لمَا يُطالب به المجتمع.

والقرآن الكريم يؤيِّد هذا المنطق، ويشير إلى معاجز الأنبياء إمّا ابتداءً، أو بعد مطالبة الناس إيّاهم.

وتجدرُ الإشارة إلى أنّ الكثير من المحقّقين مع أنّهم لم ينكروا المعجزة (خرق العادة)، إلاّ أنّ كلامهم لم يكن مُدعَماً بدليل، وهو أنّ العِلل والأسباب للحوادث التي حَصلنا عليها حتّى الآن كانت بالتجربة والفحص، وليس لدينا أيّ دليل أنّها دائميّة، ولن تتحقّق أيّة حادثة أو ظاهرة إلاّ بعِللها وأسبابها.

وأمّا المعاجز التي تُنسب إلى الأنبياء، لم تكن مخالفة للعقل أو يستحيل إقامتها (كزوجيّة العدد 3)، لكنّها خرقٌ للعادة في حين أنّ موضوع خرق العادة يُرى ويُسمع من المرتاضين أيضاً.

8. عدد الأنبياء

ممّا يُنقل في تاريخ الماضين، أنّ أنبياء كثيرين أُرسلوا وبُعثوا، ويؤيِّد القرآن الكريم كثرة الأنبياء، ويَذكر أسماء بعضهم، إلاّ أنّه لم يُصرِّح بعددهم.

ولم نحصل على عددهم من الروايات بصورة قطعيّة، إلاّ أنّ الرواية المعروفة والتي تُنقل عن (أبي ذر الغفاري) عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يُبيّن فيها أنّ عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي.

١٢٧

9. الأنبياءُ أولو العزم، حَمَلةُ الشرائع السماويّة

وممّا يُستفاد من القرآن الكريم: أنّ الأنبياء كلّهم لم يأتوا بشرائع، بل إنّ خمسةً منهم قد جاءوا بشرائع سماويّة، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهؤلاء هم أولو العزم، وأمّا سائر الأنبياء فإنّهم يتّبعون أولي العزم في شرائعهم.

وقوله تعالى:

( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ) (1).

ويقول تعالى:

( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ) (2).

____________________

(1) سورة الشورى الآية: 12، ولو كان هناك غيرهم لذَكَرهم تعالى في الآية.

(2) سورة الأحزاب: الآية 7.

١٢٨

10. نبوّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

يُعتبر نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) آخر الأنبياء الذين كانوا يمتازون بالكُتب والشرائع، وقد آمنَ به المسلمون.

ولِد النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَبل بدء التاريخ الهجري القمري بثلاث وخمسين سنة، في مدينة (مكّة) من مُدن الحجاز، في قبيلة (بني هاشم) من قريش، والتي هي من أشرف القبائل العربيّة.

أبوهُ (عبد الله)، وأُمّه (آمنة)، وقد فقدَ أبويه منذ أوائل طفولته، وتكفّلهُ جدّه لأبيه (عبد المطّلب)، وسرعان ما وافاه الأجل، حتّى تعهّد تربيته عمّه (أبو طالب) وأسكنهُ معهُ في داره.

ترعرعَ ونشأ في بيت عمّه، وقد صَحبَ عمّه في سفرة تجاريّة إلى الشام وذلك قبل سنّ البلوغ، كان النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُميّاً، ولكنّه بعد البلوغ والرشد اشتهرَ بعقله وأدَبه وأمانته، ونتيجةً لذلك جَعلتهُ (خديجة) - والتي كانت من أثرى القريشيّات - مُشرفاً على أموالها، وإدارة أمورها التجاريّة.

سافرَ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمرّة الثانية إلى الشام لغرض التجارة، وإثرَ نبوغهِ فقد نالَ أرباحاً جمّة، ولم تمضِ فترة، حتّى اقترحَت خديجة عليه موضوع الزواج، وافقَ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على اقتراحها، وبعد الزواج حيث كان في سنّ الخامسة والعشرين وحتّى بلوغه سنّ الأربعين، كان يُمارس عمله، فحصلَ على شهرة في تدبيره وأمانته فلم يَعبد صنماً (عِلماً بأنّ الدين السائد في ذلك الوقت هو عبادة الأصنام)، وأحياناً كان يَعتكف للعبادة.

١٢٩

فاختارهُ الله للنبوّة في الأربعين من عمره، عندما كان متفرِّغاً للعبادة في غار (حِرَاء) (1) وأُمِر أن يُبلِّغ، ونَزلَت عليه أوّل سورة من سور القرآن (2) ، ورجعَ إلى بيته في اليوم نفسه، فرأى ابن عمّه (عليّ بن أبي طالب عليه السلام) في الطريق، فعرضَ عليه الإسلام فآمنَ به، وبعد دخوله البيت، أسلَمَت زوجته خديجة.

والنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند بدء دعوته، واجهَ من الناس مواجهة عنيفة مؤلمة، حتّى اضطرّ إلى كتمان دعوته وجَعلها سرّية، ثُمّ أُمِر ثانية أن يُبلِّغ دعوتهُ عشيرته الأقربين، ولكنّها لم تُجدِ، إذ لم يؤمن به سوى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) (3) .

وبعد ذلك، أعلنَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعوتهُ بأمرٍ من الله تعالى، وما أن أعلنَ النبيّ الدعوة حتّى شاهدَ ردود الفعل من أهل مكّة، مقرونة بالأذى والتعذيب بالنسبة له وللمسلمين الذين أسلموا حديثاً، ممّا اضطرّ بعض المسلمين ترك ديارهم إثر الاضطهادات التي كانت تقوم بها قريش، فهاجروا إلى الحبشة، وتحصّن النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع عمّه (أبي طالب)، وأفراد من قبيلته بني هاشم في (شِعْب أبي طالب) (4) لمدّة ثلاث سنين، في غاية من الضغط والشدّة، فلم يُعاملهم أحد، ولم يُعاشرهم، ولم يستطيعوا الخروج من الشِعب.

ولم ينته كفّار مكّة وعَبَدة أصنامها، من الإيذاء والاهانة والاستهزاء بكلّ أنواعها تجاههم، وكانوا يلتجئون أحياناً عن طريق المُسالمة، والوعد بالأموال الطائلة كي يَصرفوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن دعوته، وقد اقترحوا عليه

____________________

(1) غار في جبل (تُهامة) على مقربة من مكّة.

(2) سورة العَلق.

(3) وفقاً لروايات أهل البيت (عليهم السلام) ولأَشعَار قالها أبو طالب، تعتقد الشيعة أنّه أسلَمَ، وبما أنّه كان المُدافع الوحيد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يكتُم إسلامه، كي يحتفظ بقدرته الظاهريّة أمام قريش.

(4) حصار كان في إحدى وديان (مكّة).

١٣٠

الرئاسة والسلطان أحياناً أخرى، وكان وَعدهم ووعيدهم سيّان عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان ممّا يزيد في عزمهِ وإرادته.

وقد اقترحوا عليه مرّةً المال الكثير والرئاسة، فأجابهم النبيّ قائلاً: (والله، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترُك هذا الأمر حتّى يُظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركتهُ).

خرجَ النبيّ من (شِعب أبي طالب) حوالي السنة العاشرة من بعثتهِ، ولم يمضِ زمن حتّى توفيَ عمّه أبو طالب، وتوفيَت زوجتهُ الوفيّة أيضاً.

فلم يكن للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ملجأ، ممّا دعا كفّار مكّة إلى أن يُخطّطوا في قتله، فحاصروا دارهُ من كلّ جانب، كي يحملوا عليه في آخر الليل، ويُقطّعوه إرباً إرباً في مضجعه.

ولكنّ الله جلّ شأنهُ أطلعهُ بالأمر، وأمَرهُ بالهجرة إلى (يثرب) (1) ، فاستخلفَ عليّاً (عليه السلام) في فراشه، وخرجَ ليلاً برعاية الله وعنايته من داره واجتازَ الأعداء، واختفى في غار تَبعد عدّة فراسخ من مكّة المكرّمة، وخرجَ من الغار بعد ثلاثة أيّام، بعد أن يئس الأعداء من الوصول إليه، وبعد أن بَحثوا ونقّبوا تلك المنطقة وحواليها، فعادوا إلى مكّة، عندئذٍ أخذَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُتابع طريقه إلى (يثرب).

أمّا أهل يثرب، فقد آمنوا به كبارهم وأسيادهم، وبايعوه، فاستقبلوهُ بحفاوةٍ بالغة، وقدّموا له أموالهم وأنفسهم.

فأسّس الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولأوّل مرة، أوّل مجتمع إسلامي صغير في مدينة (يثرب)، وعقدَ مع الطوائف اليهوديّة - التي كانت تستقرّ في المدينة وأطرافها - معاهدات، وكذا مع القبائل العربيّة القويّة لتلك المنطقة، وقامَ بنشر دعوتهِ الإسلاميّة، وعُرِفت مدينة يثرب بـ (مدينةُ الرسول) .

____________________

(1) منطقة تقرُب من المَدينة.

١٣١

وعلى مرّ الأيّام، قَويت شوكة الإسلام، واستطاع المسلمون - الذين كانوا يعيشون في اضطهاد القُرشيين - أن يَتركوا دورهم وسُكناهم في مكّة، مُهاجرين إلى المدينة شيئاً فشيئاً، والتفّوا حول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسُمّوا بـ (المهاجرين) ، كما اشتهرَ أصحابه وأعوانه من يثرب بـ (الأنصار) .

نالَ الإسلام تقدّماً سريعاً، لكنْ عبدة الأصنام من قريش، والطوائف اليهوديّة المستقرّة في الحجاز، لا يزالون حَجَر عثرة أمامَ هذه الحركة، فحاولوا القيام بأعمال تخريبيّة لصدّ النبيّ والمسلمين، وذلك بمساعدة المنافقين، الذين كانوا في صفوف المسلمين، ولم يُعرفوا بأيّ شكلٍ من الأشكال، فكانوا يخلقون المشاكل، ويسبّبون المصائب، والحوادث المستحدَثة، حتّى آلَ الأمر إلى الحرب، فَنشبت الحروب المتعدّدة بين الإسلام وعَبَدة الأصنام واليهود، فكانت الغلبة غالباً لجيش الإسلام، يَقرُب إحصاء تلك الحروب من ثمانين و نيف معركة بما فيها المعارك الدامية الكبرى، والصغيرة منها، وفي كلّ هذه المعارك، كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشارك المسلمين في قتالهم: كمعركة بدر، وأُحد، والخندق، وخيبر وغيرها، وكانت الغَلَبة في معظمها تتمّ على يد علي (عليه السلام).

والإمام علي (عليه السلام) هو الوحيد الذي ما تراجعَ ولا فَشلَ في إحداها، وطوال هذه المعارك التي دامت عشر سنوات بعد الهجرة النبويّة، قُتلَ من المسلمين أقلّ من مائتين، ومن الكفّار ما يقرُب الألف.

ونتيجةُ المثابرة والتضحية والفداء - الذي عُرف به المهاجرون والأنصار خلال السنوات العشر بعد الهجرة - عمّ الإسلام (شبه الجزيرة العربيّة) وحُرِّرت الرسائل إلى ملوك الدول الأخرى مثل: (إيران)، و(الروم)، و(مصر)، و(الحبشة) تدعوهم إلى الإسلام.

كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يواسي الفقراء في معيشتهم، فلا تختلف حياته عن حياتهم، وكان يفتخر بالفقر (1) ، وكان يستغلّ أوقاته، لا تمرّ لحظة إلاّ وهو دائب في عمل.

____________________

(1) وفي رواية مشهورة يقول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الفقرُ فَخري)، ولمزيد الاطّلاع في هذا الفصل يُراجع: كتاب سيرة ابن هشام، والسيرة الحَلَبيّة، وكتاب البحار ج6 وغيرها.

١٣٢

وكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُقسِّماً أوقاته إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: للعبادة وذِكر الله تعالى، الثاني: لهُ ولعياله وبيته، الثالث: للناس، فكان يسعى في نشر المعارف الإسلاميّة وتعليمها وما يتعلّق بشؤون المجتمع الإسلامي، وتصحيح الأهداف والسُبل التي تؤدّي إليه، وكذا السعي في رفع حوائج المسلمين، وتحكيم العلاقات الداخليّة والخارجيّة، وسائر الأمور المرتبطة بها.

وبعد إقامته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عشر سنوات في المدينة، فارقَ الدنيا على أثر سمٍّ دُسّ في طعامه على يد امرأة يهوديّة، طرَحَهُ في فراشه أيّاماً، وممّا جاء في الروايات أنّ آخر ما تكلّم به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وصيّته في العبيد والنساء.

11. النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن

كان الناس يُطالبون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالمعجزة، كما كانوا يطالبون سائر الأنبياء، فكان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يؤيِّد المعاجز لدى الأنبياء، والقرآن الكريم يُصرِّح بذلك.

تُذكر للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) معاجز كثيرة، إلاّ أنّ البعض منها لا تتّصف بالقطعيّة في روايتها، ولم تكن مورد قبولٍ واعتماد، ولكنّ المعجزة الباقية له (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والتي لا تزال حيّة هي (القرآن الكريم) كتابهُ السماوي.

فالقرآن الكريم كتاب سماوي يشتمل على ستّة آلاف ونيف آية، وينقسم إلى مائة وأربع عشرة سورة بما فيها المطوّلة والقصيرة.

نَزَلت الآيات القرآنيّة الكريمة بصورة تدريجيّة، خلال أيّام بعثته ودعوته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طوال ثلاث وعشرين سنة، وكانت توحى إليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بصور مختلفة، من: سورة، أو آية، أو أقلّ من آية، وفي أوقات متفاوتة، في ليلٍ أو نهار، في سفرٍ أو حضر، في الحرب أو السلم، وفي أيّام شديدة أو رخاء.

١٣٣

والقرآن الكريم في آيات عدّة، يُصرِّح تصريحاً، بأنّه معجزة وقد تحدّى العرب في ذلك اليوم، إذ كانت في القمّة من الفصاحة والبلاغة، هذا ما يشهد به التأريخ، وكان في المقدّمة من حيث البيان والتعبير، بقوله تعالى في كتابه العزيز:

( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ) (1) .

( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ ) (2) .

( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ ) (3) .

فتحدّاهم القرآن بهذه الآيات قائلاً: إذا كنتم تظنّون أنّه من كلام البشر، أو من عند محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو أنّه قد أخذها من أحدٍ، فأتوا بمثله، أو بعشر سورٍ منه، أو بسورةٍ واحدة من سورهِ، واستعينوا بأيّةِ وسيلة شئتم في تحقيق هذا الأمر، وما كان جواب الفصحاء والبلغاء من العرب أن قالوا: إنّه لسحرٌ ويعجز مَن مثلنا أن يأتي به (4) .

إنّ القرآن الكريم لم يتحدَّ العلماء من جهة الفصاحة والبلاغة فحسب، بل تحدّاهم من جهة المعنى أيضاً، وتحدّى الجِنّ والإنس بما يمتلكون من قدرات فكريّة خلاّقة؛ لأنّه يشتمل على البرنامج الكامل للحياة الإنسانيّة، ولو مُحِّص تمحيصاً دقيقاً، لوجِدَ أنّهُ الأساس والأصل في مجالات الحياة الإنسانيّة كلّها، بما فيها الاعتقادات والأخلاق والأعمال التي ترتبط بالإنسان، فإنّه يعالج كلّ جانب من جوانبها بدقّة تامّة، فهو من الله الحقّ، ودينهُ دين الحقّ أيضاً.

____________________

(1) سورة الطور: الآية 34.

(2) سورة هود: الآية 15.

(3) سورة يونس: الآية 38.

(4) وممّا نُقلَ عن أشهر مشاهير العرب في القرآن في قوله تعالى: ( فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ ) سورة المُدّثر: الآية 24 - 25.

١٣٤

الإسلامُ دينٌ يستلهم أحكامه وموادّه من الله الحقّ، وليس من رغبة أكثريّة الناس، أو من فكر شخصٍ حاكم قدير.

إنّ الركن الأساسي لهذا القانون الشامل هو الكلمة الحقّة، وهو الإيمان بالله الأحد، وإنّ جميع العلوم تنبثق من التوحيد، ومن ثُمّ تُستنبط الأخلاق الإنسانيّة المُثلى من هذه الأصول، وتصبح جزءاً من هذا القانون، ثُمّ تُنظّم وتُنسّق الكلّيات والجزئيّات والتي هي خارجة عن نطاق إحصاء البشر، وتدرس الوظائف التي ترتبط بها، والتي تنبع من التوحيد وتصدر منه.

في الدين الإسلامي ارتباطٌ وثيق بين الأصول والفروع، على نحوٍ يرجع كلّ حُكم فرعي من أيّ باب - إذا ما مُحِّص - إلى كلمة التوحيد وينتهي إليه، وكلمة التوحيد مع ارتباطها بتلك الأحكام والمواد تصبح فرعاً منه.

وطبيعيٌ أنّ التنظيم والتنسيق النهائي لمثل هذا القانون الوسيع الشامل، مع ما يمتاز به من وحدة وارتباط كهذه، خارجة عن نطاق شخصٍ متضلّع في علم الحقوق والقانون، وإن كان من أشهر مشاهيرهم، فضلاً من أنّ الفهرست الابتدائي له ليس بالأمر اليسير، فكيف برجلٍ يعيش في زمنٍ يتّصف بالحياة البدائيّة، في خضمّ الآلاف من المشاكل والمصائب التي تُهدّد الأموال والأرواح، والعام والخاص، وتُنشئ الحروب الدامية، والفتن الداخليّة والخارجيّة، وفي النهاية يبقى منفرداً أمام العالَم أجمع.

هذا، فضلاً من أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يتعلّم القراءة والكتابة عند معلِّم، لقد قضى ثُلثي عمره وحياته قَبل دعوته (1) في بيئة تفتقر إلى حضارة، ولم تَسمع بمدينة أو حضارة،

____________________

(1) وفي القرآن الكريم عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ( فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) سورة يونس: الآية 16.

ويقول أيضاً: ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) سورة العنكبوت: الآية 48.

ويقول أيضاً: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ) سورة البقرة: الآية 23.

١٣٥

كانوا يعيشون في أرض صحراء قاحلة، وجوّ مُهلك، مع أتعس الظروف الحياتيّة، عِلماً بأنّها كانت تُستعمر من قِبَل الدول المجاورة بين آونةٍ وأخرى، ومع كلّ هذه الظروف والأحوال نجد القرآن الكريم يتحدّى من طريقٍ آخر، وهو: أنّه أُنزِل بصورة تدريجيّة مع ظروف متفاوتة مختلفة، في أيّام الفِتن والأيّام الاعتياديّة، في الحرب والصلح، وفي أيّام القدرة، وأيّام الضَعف وغيرها، خلال ثلاث وعشرين سنة.

ولو لم يكن من كلام الله تعالى، وكان من صُنع البشر، لوجِدَ فيه تناقضاً وتضادّاً كثيراً، فلابدّ أن يأتي آخرهُ أجود وأحسن من أوّله، وأكثر تطوّراً، وهذا ممّا يؤيّده التكامل التدريجي للبشر، في حين نرى أنّ الآيات المكيّة والمدنيّة على نمطٍ واحد، لم يختلف آخرها عن أوّلها، كتاب متشابَه الأجزاء، يُحيّر العقول في قدرة بيانه ووحدة تنسيقه (1).

____________________

(1) في قوله تعالى شأنهُ: ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) سورة النساء: الآية 82.

١٣٦

معرفةُ المَعاد

1. الإنسانُ روح وجسم.

2. مبحثٌ في حقيقة الروح من منظارٍ آخر.

3. الموتُ من وجهة نظر الإسلام.

4. عالَم البرزخ.

5. يومُ القيامة، المَعاد.

6. بيانٌ آخر.

7. استمرارُ وتعاقب الخِلقة.

1. الإنسانُ روح وجسم

إنّ كلمة الروح والجسم والنفس قد كثُرَ استعمالها في القرآن والسُنّة، عِلماً بأنّ تصوّر الجسم والبدن الذي يتمّ عن طريق الحسّ قد يكون أمراً بسيطاً، إلاّ أنّ تصوّر الروح والنفس لا يخلو من إبهامٍ وغموض.

إنّ الباحثين والمتكلّمين والفلاسفة سواء من الشيعة أو السُنّة، لهم نظريّات متفاوتة في حقيقة الروح، ولكنّ الروح والبدن من وجهة نظر الإسلام هما واقعيّتان متضادّتان،

١٣٧

فالبَدَن يفقد خواصّه الحياتيّة بالموت، ويضمحل بصورة تدريجيّة، ولكنّ الروح ليست هكذا، فإنّ الحياة أصالة للروح، وما دامت الروح في الجسم، فإنّ الجسم يستمدّ حياته منها، وعندما تُفارق الروح البدن، وتقطع علاقتها به، لا يقوى البدن من القيام بأيّ عملٍ، إلاّ أنّ الروح تستمرّ في حياتها.

وممّا يُستنبط من تدبّر الآيات القرآنيّة، وكلام أهل بيت العصمة (عليهم السلام): أنّ الروح الإنسانيّة غير ماديّة، ولكنّها تُنشئ نوعاً من العلاقة والوحدة مع الجسم، إذ يقول الله تعالى في كتابه المبين:

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (1) .

ويتّضح من سياق الآيات: أنّ أوائلها تصف الخلقة الماديّة بشكلها التدريجي، وأواخرها عندما تشير إلى خلقة الروح أو الشعور والإرادة؛ فإنّها تصفها بخلقة أخرى، تختلف عن خِلقتها الأولى.

وفي آيةٍ أخرى، في الردّ على مَن يستبعد (المعاد) أو ينكرهُ يقول: إنّ الإنسان بعد موته وتفتّت أجزائه، وتمازجها مع أجزاء التربة، كيف تُستعاد خلقته، ويصبح كما كان إنساناً كاملاً، يقول الله سبحانه: ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (2) ، أي أنّ الأرواح تُقبض على يد مَلَك الموت من أبدانكم، وتُحفظ عندنا.

وفضلاً عن هذا، فإنّ القرآن الكريم، يُعرِّف الروح بصورتها المطلقة غير الماديّة بقوله تعالى: ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (3) .

____________________

(1) سورة المؤمنون: الآية 12 - 14.

(2) سورة السجدة: الآية 11.

(3) سورة الإسراء: الآية 85.

١٣٨

وفي آيةٍ أخرى من الذِكر الحكيم يتطرّق إلى موضوع الأمر بقوله: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) . وبمقتضى هذه الآيات: أنّ أمْر الله تعالى في خِلقته للأشياء لم يكن تدريجيّاً، ولم يكن محدّداً بزمانٍ أو مكان، ولمّا كانت الروح أمراً من الله، إذاً فهي ليست بمادّة، ولم يكن في كُنهها خاصّة المادّة التي تتّصف بالتدرّج والزمان والمكان.

2. مبحثٌ في حقيقة الروح من منظارٍ آخر

إنّ التتبّعات العقليّة تؤيِّد القرآن الكريم أيضاً في موضوع الروح، كلُّ مِنّا يُدرك حقيقة من وجوده، والتي نُعبّر عنها بالـ(أنا)، وهذا الإدراك موجود في الإنسان بصورة مستمرّة، وأحياناً ينسى بعض أعضاء جسمه من رأسٍ، أو يد، أو سائر الأعضاء، وحتّى جسمه كلّياً، ولكن يدرك الـ(أنا) عندما يكون هو موجوداً، وهذا (المشهود) كما هو مشهود، غير قابل للانقسام والتجزئة، ومع أنّ جسم الإنسان في تغيير وتحوّل دائم، ويتّخذ أمكنة مختلفة له، وتمرّ عليه أزمنة مختلفة إلاّ أنّ الحقيقة المذكورة وهي الـ(أنا)، ثابتة في واقعيّتها لا تقبل التغيير أو التبديل، وواضح إذا كانت مادّة، كانت تتقبّل خواص المادّة، بما فيها الانقسام وتغيّر الزمان والمكان.

نعم، إنّ الجسم يتقبّل كلّ هذه الخواص، وبما أنّ هذه الخواص لها ارتباط روحي، فتُنسب إلى الروح، ولكن مع تأمّل وتدبّر يتجلّى للإنسان، أنّ هذا المكان وذلك المكان، وكذا هذا الشكل وذلك الشكل، وهذه الناحية وتلك،

____________________

(1) سورة يس: الآية 82.

١٣٩

كلّها من خواصّ البدن، والروح منزّه منها، وكلّ من هذه الصفات تنتقل إليها عن طريق البدن.

يسري هذا البيان في خاصيّة الإدراك والشعور على (العلم)، والذي هو من مميّزات الروح، وبديهي أنّ العلم إذا كان يتّصف بما تتّصف به المادّة، لكن تباعاً يتقبّل الانقسام والتجزئة والزمان والمكان.

إنّ هذا البحث العقلي واسع مطوّل، تتبعهُ أسئلة وأجوبة، ولا يسعهُ كتابنا هذا، وهذا المقدار من البحث إنّما أُدرِج هنا على سبيل الإشارة، ولغرض استقصائه واستقرائه يستلزم الرجوع إلى الكتب الفلسفيّة الإسلاميّة.

3. الموتُ من وجهة نظر الإسلام

إنّ النظرة العابرة تفترض أنّ موت الإنسان فناؤه وعدمه، وحُدِّد حياة الإنسان بالأيّام التي يعيشها فيما بين ولادته ووفاته، في حين نرى أنّ الإسلام يَعتبر الموت انتقالاً من مرحلة حياتيّة إلى مرحلة حياتيّة أخرى، وللإنسان حياة أبديّة لا نهاية لها، وما الموتُ الذي يَفصل بين الروح والجسم إلاّ ليوردهُ المرحلة الأخرى من حياته، وإنّ السعادة والشقاء فيها يعتمدان على الأعمال الحسنة أو السيّئة في مرحلة قَبل الموت، وممّا يُروى عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما مضمونه، تظنّون أنّكم تَفنونَ بالموت، ولكنّكم تنتقلون من بيتٍ لآخر (1) .

____________________

(1) بحار الأنوار ج3: 161 الاعتقادات للصدوق.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206