الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام0%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 206
المشاهدات: 91925
تحميل: 6777

توضيحات:

الشيعة في الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91925 / تحميل: 6777
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

4. عالَمُ البرزخ

وممّا يُستفاد من القرآن الكريم والسُنّة: أنّ الإنسان يتمتّع بحياة مؤقّتة ومحدودة في الحدّ الفاصل بين الموت ويوم القيامة، والتي تُعتبر رابطة بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى (1) .

والإنسان بعد موته، يُحاسب محاسبة خاصّة من حيث الاعتقاد، والأعمال الحسنة والسيّئة التي كان عليها في الدنيا، وبعد هذه المحاسبة المختصرة، ووفقاً للنتيجة التي يحصل عليها، يُحكم عليه بحياة سعيدة أو شقيّة، ويكون عليها إلى يوم القيامة (2) .

وحالة الإنسان في عالَم البرزخ تُشابه كثيراً حالة الشخص الذي يُراد التحقيق معه لمَا قام به من أعمال، فيُجلب إلى دائرة قضائيّة كي تتمّ مراحل الاستجواب والاستنطاق منه، لغرض تنظيم ملفٍ له، وبعدها يقضي فترة ينتظر خلالها وقت محاكمته.

روح الإنسان في عالَم البرزخ، تعيش بالشكل الذي كانت عليه في الدنيا، فإذا كانت من الصُلحاء، تتمتّع بالسعادة والنعمة وجِوار الصُلحاء والمقرّبين لله تعالى، وإذا ما كانت من الأشقياء، تقضيها في النقمة والعذاب، ومصاحبة الأشرار، وأهل الضلال.

فاللهُ جلّ شأنهُ يصف حالة بعض السُعداء بقوله:

____________________

(1) البحار: ج2 باب عالَم البرزخ.

(2) البحار: ج2 باب عالَم البرزخ.

١٤١

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) .

وفي وصف حالة مجموعة أخرى، الذين كانوا يُنفقون أموالهم وثرواتهم في مشاريع غير مشروعة في الحياة الدنيا، يصفهم بقوله تعالى:

( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (2) .

5. يومُ القيامة، المعاد

ينفرد القرآن الكريم بين الكتب السماويّة، بالتحدّث عن المعاد والحشر تفصيلاً، في حين أنّ (التوراة) لم تُشر إلى هذا اليوم وهذا الموقف، وكتاب (الإنجيل) يشير إشارة مختصرة، والقرآن يذكرهُ ويُذكّر به في مئات الموارد، وبأسماء شتّى، ويَشرح عاقبة العالَم والبشريّة التي تنتظرهم، فتارةً باختصار وأخرى بإسهاب.

ويُذكّر مراراً أنّ الاعتقاد بيوم الجزاء (يوم القيامة) يعادل الاعتقاد بالله تعالى، ويُعتبر أحد الأصول الثلاثة للإسلام، ومُنكره (مُنكر المعاد)، خارج عن شريعة الإسلام وما عاقبته إلاّ الهلاك والخسران.

____________________

(1) سورة آل عمران: الآية 169 - 171.

(2) سورة المؤمنون: الآية 99 - 100.

١٤٢

وحقيقة الأمر هكذا، إذا لم تكن هناك محاسبة وجزاء وعقاب، فإنّ الدعوة الدينيّة بما تحتوي من أوامر الله ونواهيه، لم يكن لها أدنى فائدة أو أثر، وإنّ وجود النبوّة والإبلاغ وعدمه كان سواء، بل يُرجَّح عدمه على وجوده؛ لأنّ تقبّل الدين واتّباع موازين الشرع، لا يخلو من تكلّف وسلب الحريّة، وإذا كان اتّباع الدين لم يكن له أثر أو نتيجة، لن يتحمّل الناس هذا العبء وهذه المسؤوليّة، ولن يتخلّوا عن الحريّة الطبيعيّة.

ومن هنا يتّضح: أنّ أهميّة ذِكر يوم الحشر وتذكّرهُ يعادل أهميّة أصل الدعوة الدينيّة.

ويتّضح أيضاً: أنّ الاعتقاد بيوم الجزاء من أهمّ العوامل التي تجبر الإنسان على أن ينتهج الورع والتقوى، وأن يتجنّب الأخلاق الرذيلة، والمعاصي والذنوب، كما أنّ نسيانه أو عدم الاعتقاد به، سوف يكون أساساً وأصلاً لكلّ معصية أو ذنب، ويقول جلَّ مَن قائل:

( إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) (1) .

وممّا يُلاحظ في الآية، أنّ منشأ كلّ ضلال هو نسيان يوم الحساب.

والتدبّر في خِلقة الإنسان والعالَم، وكذا في الهدف من الشرائع السماويّة، يتّضح الغرض من اليوم الذي سَيُلاقيه الإنسان (يوم الجزاء).

ونحن عندما نتدبّر الأعمال والأفعال في الطبيعة، نرى أنّ كلّ عمل (والذي يحتوي على نوع من الحركة بالضرورة) لا يتمّ إلاّ عن غاية وهدف، ولم يكن العمل نفسه بالأصالة هو المقصود، بل إنّه مقدّمة لهدف وغاية فيكون مطلوباً لذلك الهدف أو لتلك الغاية، حتّى في الأعمال التي تُعتبر سطحيّة مثل: الأفعال الطبيعيّة، والأعمال الصبيانيّة ونظائرها، لو دقّقنا فيها لوجدنا فيها

____________________

(1) سورة ص: الآية 26.

١٤٣

غايات وأغراضاً تُناسب نوع الفعل، كما في الأعمال الطبيعيّة التي تتّصف بالحركة غالباً، فإنّ الغاية التي تسعى إليها هذه الحركة تُعتبر الغاية والهدف لها، وأمّا في لعب الأطفال وما يتناسب مع نوع اللُعبة، فإنّ هناك غاية خياليّة وهميّة، والهدف من اللعب هو الوصول إليه.

وفي الحقيقة أنّ خِلقة الإنسان والعالَم من أعمال الله تعالى، وأنّه منزّه من أن يقوم بأعمال عبث، دون هدف أو غرض، فهو الذي يَخلق، ويَرزق ويُميت، وهكذا يَخلق ويُهلك، فهل يُتصوّر أن يكون خلقه هذا دون هدف معيّن وغرضٍ محكم يتابعه.

إذاً لابدّ لخلق الكون والإنسان، هدف وغاية ثابتة، وإنّ الفائدة منه لا تعود إلى الله الغنيّ المتعال، وكلّ ما فيه يعود للمخلوق، إذاً يجب الاعتراف بأنّ الكون بما فيه الإنسان يتّجه ويسير نحو خلقة معيّنة خاصّة، ووجود أكمل، لا يتّصفان بالفناء والزوال.

وإذا أمعَنا النظر في حالة الناس ووضعهم، ومدى تأثّرهم بالتربية الدينيّة، فإنّنا نرى أنّ الناس ينقسمون إلى قسمين، إثر الإرشادات الإلهيّة، والتربية الدينيّة، وهم: الأخيار والأشرار، ومع هذا الوصف، لم نجد أيّ امتياز أو فارق في هذه الحياة، بل على العكس، وغالباً ما تكون الموفقيّة للأشرار والظالمين، أمّا الأخيار فإنّهم على صلة بالفتن والمشاكل والحياة السيّئة والحرمان وتحمّل الظلم.

والحال هذه تقتضي العدالة الإلهيّة أن تكون هناك نشأة أخرى، حتّى يجد فيها كلّ من الفريقين المذكورين، جزاء أعمالهم، ويُحيون حياة تناسب حالهم، ويشير الله تعالى في كتابه العزيز إلى هاتين الحالتين بقوله:

( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (1) .

____________________

(1) سورة الدخان: الآية 38.

١٤٤

( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (1) .

ويَذكر في آيةٍ أخرى، وقد جمعَ فيها الدليلين بقوله جلّ شأنه:

( أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) (2) .

6. بيانٌ آخر

قد أشرنا في الفصل الثاني من الكتاب في مبحث الظاهر والباطن القرآني، أنّ المعارف الإسلاميّة في القرآن الكريم، مبيّنة من طُرق مختلفة، والطُرق المذكورة بشكلٍ تنقسم إلى قسمين: الظاهر، والباطن.

والمراد من طريق الظاهر : هو البيان الذي يتناسب ومستوى أفكار العامّة، على خلاف الطريق الباطن الذي يختصّ بالخاصّة منهم، ويُدرك مع روح الحياة المعنويّة.

والبيان الذي يؤخذ عن طريق الظاهر مؤدّاه: أنّ الله تعالى الحاكم المطلق لعالَم الخلقة، فكلّ ما في هذا الكون مُلكه، فهو الذي خَلَق الملائكة التي لا يُعلم إحصاؤها كي تكون مطيعة ومنفذّة لأوامره، يُرسلهم إلى حيث شاء من الكون، ولكلّ بقعة من عالَم الطبيعة وما يلازمها من نظام، ترتبط بمجموعة خاصّة من الملائكة موكّلين عليها.

____________________

(1) سورة ص: الآية 27 - 28.

(2) سورة الجاثية: الآية 21 - 22.

١٤٥

والنوع الإنساني من مخلوقاته وعباده الذين يجب عليهم اتّباع أوامره ونواهيه، والإطاعة له، وما الأنبياء إلاّ حَمَلة شرائعهِ وقوانينه، يبعثهم إلى الناس لبيان وإجراء تلك الشرائع والقوانين.

فالله جلّ ثناؤه، لمّا جَعلَ الثواب والأجر لمَن آمنَ وأطاع، جعلَ العقاب والعذاب لمَن كفرَ وعصى، وهو القائل: ( وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ) ، ولمّا كان عادلاً فعدالتهُ تقتضي أن يفصل بين الفريقين في النشأة الأخرى، وهما: الأخيار والأشرار ، وأن يُمتّع الأخيار بالنعيم، وللأشرار الشقاء.

وقد وعدَ الله تعالى بمقتضى عدله، أن يَحشر الناس الذين مرّوا في الحياة الدنيا دون استثناء، ويُحاسبهم حساباً دقيقاً في معتقداتهم وأعمالهم، من صغيرةٍ أو كبيرة، ويقضي بينهم بالحقّ والعدل، وفي النهاية، سيوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، ويأخذ لكلّ مظلوم نصيبه ممّن ظلمهُ، ويُعطي أجر عَمل كلّ عامل، ويُصدر الحكم لفريق في الجنّة وفريق في السعير.

هذا هو البيان الظاهري للقرآن الكريم، وقد جاء مطابقاً لفكر الإنسان الاجتماعي، لتكون فائدته أعمّ، ونطاقه أشمل.

أمّا الذين تعمّقوا في الحقائق، ولهم القدرة على فهم المعنى الباطني للقرآن الكريم، فهم يُدركون الآيات القرآنيّة على مستوى أرفع من العامّة، والقرآن الكريم يُلوّح - خلال تعابيره البسيطة - أحياناً بالمعنى الباطني تلويحاً.

فالقرآن الكريم مع تعبيراته المختلفة، يَذكر إجمالاً أنّ الطبيعة بجميع أجزائها، والإنسان أحدها، مع سيرها التكويني (والتي تسير نحو الكمال)، تصيرُ إلى الله تعالى، وسيأتي اليوم الذي تُنهى حركتها وسيرها، وتفقد إنيّتها واستقلالها كلّياً.

والإنسان وهو جزء من أجزاء هذا الكون، فإنّ طريق تكامله الخاصّ يتمّ عن طريق الشعور والعلم، يُسرع في طريقه إلى الله تعالى، واليوم الذي

١٤٦

يُختتم به هذا الانطلاق، سيُشاهِد عياناً حقانيّة الله الأحد، وسيرى أنّ القدرة والمُلك وكلّ صفة من صفات الكمال تنحصر في ذاته القدسيّة، ومن هذا الطريق ستنجلي له حقيقة الأشياء كلّها.

وهذا هو أوّل منزل وموقف من العالَم الأبدي، فإذا كان الإنسان في هذه الدنيا، بإيمانه وعمله الصالح، أوجدَ ارتباطاً واتّصالاً بالله تعالى واستأنس به، وبالمقرّبين من عباده، سيحظى بسعادة لا توصف، وسيكون في جوار الله سبحانه، ويكون قرين الصالحين في العالَم العُلوي، وإذا ما كان ممّن تربطهم علاقة وثيقة بهذه الدنيا الدنيئة، ولذائذها الزائلة، فقد قطعَ اتصاله بالعالَم العُلوي، ولم تقم بينه وبين خالقه رابطة أو اتصال ولا مع المقرّبين من عباده، فإنّه سيُحاط بعذابٍ دائم، وخزي أبدي.

صحيحٌ أنّ الأعمال الحسنة والسيّئة للإنسان في هذه الدنيا تزول وتذهب، لكنْ صور الأعمال هذه تستقرّ في باطنه، وأينما رحلَ فهي معه، وتكون مصدر حياته الآتية سواء في السعادة أو الشقاء.

وكُلّ ما ذُكر يمكن استنتاجه من الآيات التالية:

يقول جلّ مَن القائل: ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ) (1).

ويقول: ( أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ) (2) .

ويقول: ( وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) (3) .

ويقول: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (4) .

ويُخاطب الله سبحانه يوم القيامة بعض أفراد البشر، بقوله:

____________________

(1) سورة العلق: الآية 8.

(2) سورة الشورى: الآية 53.

(3) سورة الانفطار: الآية 19.

(4) سورة الفجر: الآية 27 - 30.

١٤٧

( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (1) .

وفي تأويل القرآن الكريم، والحقائق التي تنبع منه الآيات، يقول جلّ اسمهُ:

( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) (2) .

ويقول تعالى:

( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) (3).

ويقول تعالى شأنه:

( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ) (4).

ويقول تعالى ذكره:

( مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ ) (5) .

ويقول تعالى اسمه:

( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (6) .

ويقول سبحانه:

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (7).

____________________

(1) سورة ق: الآية 22.

(2) سورة الأعراف: الآية 53.

(3) سورة النور: الآية 25.

(4) سورة الانشقاق: الآية 6.

(5) سورة العنكبوت: الآية 5.

(6) سورة الكهف: الآية 110.

(7) سورة الفجر: الآية 27 - 30.

١٤٨

ويقول سبحانه وتعالى:

( فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى *وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى * فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) (1) .

ويتعرّض القرآن الكريم عن كُنه جزاء الأعمال قائلاً:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (2) .

7. استمرارُ الخلقة وتعاقبها

إنّ عالَم الخِلقة الذي نشاهده، ذو عمرٍ محدود، وسيأتي اليوم الذي يفنى ويزول فيه، كما يؤيِّد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله تعالى: ( مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (3).

وهل خُلقَ عالَم، وهل كان هناك إنسان، قبل ظهور عالَمنا هذا والبشر الذي يعيش فيه حاليّاً؟ وهل بعد زوال وفناء هذا العالَم بما فيه، والذي يخبر به القرآن الكريم، سينشأ عالَم آخر وسيُخلق بشر، فهذه أسئلة لا نجد جوابها في القرآن الكريم إلاّ تلويحاً، لكنْ الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، تُجيب بإيجابٍ عن هذه الأسئلة (4).

____________________

(1) سورة النازعات: الآية 34 - 41.

(2) سورة التحريم: الآية 7.

(3) سورة الأحقاف: الآية 3.

(4) البحار ج14: 79.

١٤٩

معرفةُ الإمام

1. معنى الإمام.

2. الإمامة وخلافة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في الحكومة الإسلاميّة.

3. تأييدٌ للأقوال السابقة.

4. الإمامةُ في العلوم التشريعيّة.

5. الفرقُ بين النبيّ والإمام.

6. الإمامةُ في باطن الأعمال.

7. أئمّةُ الإسلام وقادته.

8. موجزٌ عن حياة الأئمّة الاثني عشر.

9. بحثٌ في ظهور المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من وجهة نظر العامّة.

10. بحثٌ في ظهور المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) من وجهة نظر الخاصّة.

1. معنى الإمام

تُطلق كلمةُ الإمام أو القائد على شخصٍ يقود جماعة أو فئة، ويتحمّل عبء هذه المسؤوليّة، إمّا في المسائل الاجتماعيّة أو السياسيّة أو الدينيّة، ويرتبط عملهُ بالمحيط الذي يعيش فيه، ومدى سعة المجال للعمل فيه أو ضيقه.

١٥٠

إنّ الشريعة الإسلاميّة المقدّسة - كما اتّضح في الفصول السابقة - تنظر إلى الحياة العامّة للبشر من كلّ جهة، فهي تُصدّر أوامرها لإرشاد الإنسان في الحياة المعنويّة، وكذا في الحياة الصوريّة من الناحية الفرديّة، وتتدخّل في إدارة شؤونه، كما تتدخّل في حياته الاجتماعيّة والقياديّة (الحكومة) أيضاً.

وعلى ما مرّ ذِكره، فإنّ الإمام أو القائد الديني في الإسلام، يمكن أن يكون مورد اهتمام من جهاتٍ ثلاث:

الأولى: من جهة الحكومة الإسلاميّة.

الثانية: من جهة بيان المعارف والأحكام الإسلاميّة ونشرها.

الثالثة: من جهة القيادة والإرشاد في الحياة المعنويّة.

تعتقدُ الشيعة بأنّ المجتمع الإسلامي يحتاج إلى الجهات الثلاث التي سَبق ذكرها، احتياجاً مُبرماً، والذي يتصدّى لقيادة الجهات الثلاثة - بما فيها قيادة المجتمع - يجب أن يُعيّن من قِبَل الله والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، عِلماً بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أيضاً يُعيّن الإمام بأمرٍ من الله تعالى.

2. الإمامةُ وخلافة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في الحكومة الإسلاميّة

إنّ الإنسان بما يمتاز به من مواهب إلهيّة، يُدرك جيّداً ومن دون تردّد أنّ أيّ مجتمعٍ متآلف في أيّة بقعة، أو مملكة، أو مدينة، أو قرية، أو قبيلة، وحتّى في بيتٍ واحد يتألّف من عدّة أفراد، لن يستطيع أن يعيش ويستمرّ في حياته دون قائد أو ناظر عليه، فهو الذي يجعل الحياة نابضة، يُحرّك عجلات اقتصادها، يُحفّز كلّ فردٍ من أفراد المجتمع بانجاز وظيفته الاجتماعيّة، فالمجتمع الفاقد لقائد، لا يستطيع أن يستمرّ في حياته،

١٥١

وفي أقلّ فترةٍ ممكنة ينهار قوامه، ويسير نحو الهمجيّة والتحلّل الخُلقي.

فعلى هذا، فالشخص الذي يتولّى قيادة مجتمع (سواء أكان كبيراً أم صغيراً)، ويُعير اهتماماً لمنصبه ومقامه، يُبدي عنايته لبقاء ذلك المجتمع، نجدهُ يُعيّن خَلَفاً له فيما لو أراد أن يغيب عن محلّ عملهِ (سواء أكانت الغيبة مؤقّتة أم دائميّة)، ولن يتخلّى عن مقامه ما لم يُعيّن أحداً، ولن يترك بلاده أو بقعته دون ناظرٍ أو حارس عليها أو قائدٍ لها؛ لأنّه يعلم جيّداً أنّ غضّ النظر عن هذه المهمّة وعدم استخلاف أحد، يؤدّي بمجتمعه إلى الزوال والاضمحلال، كما لو أرادَ ربّ البيت أن يسافر عدّة أيّام أو أشهر، فإنّه يختار أحدهم (أو أحداً غيرهم) مكانه، ويَلقي إليه مقاليد الإدارة للبيت، وهكذا الرئيس لمؤسّسة، أو المدير لمدرسة، أو الصاحب لحانوت، وهو يُشرف على موظّفين أو صُنّاع يعملون تحت إمرته، فلو قدُِّر أن يترك محلّ عملهِ لساعات قليلة فإنّه يختار أحدهم ويُعيّنه مكانه، كي يتسنّى للآخرين الرجوع إليه في المشكلات أو المعضلات، وقِس على هذا…

الإسلامُ دينٌ قوامهُ الفطرة، وذلك بنصّ القرآن الحكيم والسُنّة النبويّة، وهو نظام اجتماعي، يُدركه كلّ مَن له إلمام بهذا الدين، ومَن ليس له صلة به، والعنايةُ الخاصّة التي قد بذلها الله جلّ وعَلا، ونبيّه الكريم (صلّى الله عليه وآله) لهذا الدين الجامع، لا ينكرها أحد، ولا يسعنا مقارنته مع أيّ شيء آخر.

فالنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كان لا يترك المجتمع الذي دخلَ في الإسلام، أو المجتمع الذي قد سيطرَ عليه الإسلام، وكذا كلّ بلدةٍ أو قرية كانت تقع تحت إمرة المسلمين، دون أن يرسل إليها والياً أو عاملاً في وقت مُبكّر، كي يُدير شؤون تلك المجتمعات أو البقاع، وكان هذا دَأب النبي (صلّى الله عليه وآله) في الجهاد، فعندما كان يرسل كتيبة إلى مكانٍ ما، كان يُعيّن قائداً لها، وكان يُعيّن أكثر من قائد أحياناً، كما حدثَ ذلك في حرب (مؤتة) ، إذ عيّنَ (صلّى الله عليه وآله) أربعة، فإذا ما قُتل الأوّل، استخلفهُ الثاني من بعده،

١٥٢

وإذا ما قُتل الثاني، استخلفهُ الثالث… وهكذا.

وقد أبدى الإسلام عنايته بموضوع الخلافة والاستخلاف عناية تامّة، فلم يتغافل عن هذا الموضوع، ومتى ما أراد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يترك المدينة، كان يستخلف أحداً.

وفي الوقت الذي أراد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) الهجرة من مكّة إلى المدينة، عيّن عليّاً خليفة له في مكّة، للقيام بالأعمال الخاصّة به لفترة قصيرة، كأداء الأمانات إلى أهلها، وقد أوصى (صلّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) أن يقوم بأداء الديون وما يتعلّق بشؤونه الخاصّة، بعد وفاته (صلّى الله عليه وآله).

ووفقاً لهذه القاعدة، فإنّ الشيعة تدّعي أنّه لن يُتصوّر أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قُبيل وفاته، لم يوصِ لأحد يستخلفه في شؤون الأُمّة من بعده، أو أنّه لم يُعيّن شخصاً يقوم بإدارة المملكة الإسلاميّة.

وليس هناك من شكّ، والفطرة الإنسانيّة تقرّ بذلك: بأنّ نشوء مجتمع يرتبط بمجموعة من عادات وتقاليد مشتركة تقرّها أكثريّة ساحقة لذلك المجتمع، وكذا يرتبط بقاؤها ودوامها بحكومة عادلة تتبنّى إجراء تلك العادات والتقاليد إجراءً كاملاً، وهذا الأمر لا يخفى على الشخص اللبيب أو أن يتغافل عنه، في حين أنّه ليس هناك مجال للشك في الشريعة الإسلاميّة، بما فيها من دقّة ونظام، ولِمَا كان يُبديه النبيّ الكريم (صلّى الله عليه وآله) من احترام وتقدير لتلك الشريعة، إذ كان يُضحّي بما في وسعه في سبيلها، أن يهمل الموضوع أو يتركه، عِلماً بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان نابغة زمانه، في قوّة تفكّره، وفراسته وتدبيره (فضلاً عن ملازمات الوحي والنبوّة وما تتبعها من تأييدات).

وكما نجد في الأخبار المتواترة عن طريق العامّة والخاصّة، في كُتب الأحاديث والروايات (باب الفتن وغيرها)، أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يُنبئ بالفتن والمِحن التي ستلاقيها الأُمّة الإسلاميّة بعده، وما يشوب الإسلام من فساد، كحكومة آل مروان وغيرهم، الذين غيّروا وحرّفوا الشريعة السمحاء، فكيف

١٥٣

مَن يهتمّ بأمورٍ تحدث بعد سنوات عديدة متأخّرة عن وفاته، وما تنطوي عليها من فِتن ومصائب، يتغافل عن موضوع يحدث بُعيد وفاته، وفي الأيّام الأُوَل بعد رحلته (صلّى الله عليه وآله)؟! ولا يُبدي عنايته لموضوعٍ خطير من جهة، وبسيط من جهةٍ أخرى، في حين كان يُبدي اهتمامه لأبسط الأمور الاعتياديّة: كالأكل، والشرب، والنوم وما شاكل، فنجدهُ يُصدر الأوامر اللازمة لهذه المسائل الطبيعيّة، فكيف لا يُبدي اهتماماً لمسائل أساسيّة هامّة أو أن يختار الصمت إزاءها، ولا يُعيّن أحداً مكانه؟

وعلى فرض المحال، لو كان تعيين القائد لمجتمع إسلامي في الشريعة الإسلاميّة، منوطاً بالمجتمع نفسه، لكانَ لزاماً على النبي (صلّى الله عليه وآله)، أن يُصرِّح في هذا الخصوص ويشير إليه إشارة وافية، ويُعطي الأُمّة الإرشادات اللازمة، كي تصبح واعية أمام موضوعَ يضمن لها تقدّمها وتكاملها، ويتوقّف عليه شعائر دينها.

في حين أنّنا لم نجد مثل هذا التصريح، ولو كان هناك نصٌّ صريح لمَا خالفهُ مَن جاء من بعده؛ وذلك ما حدثَ من الخليفة الأوّل، وانتقال الخلافة إلى الثاني بوصيّة منه، والرابع أوصى لابنه، أمّا الخليفة الثاني فقد دفعَ الثالث إلى منصّة الخلافة بحُجّة أنّه أحالَ الأمر من بعده إلى شورى تتضمّن ستّة أعضاء، وقد عيّن هؤلاء الأعضاء، وكذا كيفيّة انتخابهم.

أمّا معاوية، فقد استعمل الشدّة في صُلح الإمام الحسن (عليه السلام)، واستتبّ لهُ الأمر، وبعدها صارت الخلافة وراثيّة، وتغيّرت الشعائر الدينيّة من: جهادٍ، وأمرٍ بالمعروف، ونهي عن المنكر، وإقامة الحدود وغيرها، كلّ هذه قد زالت عن المجتمع الإسلامي، فأضحَت جهود الشارع هباءً (1) .

____________________

(1) فيما يتعلّق بموضوع الإمامة وخلافة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والحكومة الإسلاميّة، تراجَع المصادر التالية: تاريخ اليعقوبي ج2: 26 - 61، السيرة لابن هشام ج2: 223 - 271.

تاريخ أبي الفداء ج1: 126، غاية المرام: ص 664 نقلاً عن مسند أحمد وغيرها.

١٥٤

أمّا الشيعة، فقد حَصلت على هذه النتيجة خلال البحث والدراسة في الدرك الفطري للإنسان، والسيرة المستمرّة للعقلاء، وبالتعمّق والفحص في الأُسس الأساسيّة للشريعة الإسلاميّة التي مرامها إحياء هذه الفطرة الإنسانيّة، وبالتأمّل في الحياة الاجتماعيّة التي كان ينهجها النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - وكذا بدراسته الحوادث المؤسفة التي حَدثت بعد وفاته، والتي عانَت الأُمّة الإسلاميّة منها عناءً بالغاً، ودراسة وضع الحكومات الإسلاميّة في القرن الأوّل، وما لازَمها من قصور عن أداء وظائفهم - تصل إلى هذه النتيجة.

إنّ هناك نصوصاً كافية قد صُرّحت من قِبَل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في خصوص تعيين إمام وخليفة من بعده، وإنّ الآيات والأخبار المتواترة القطعيّة تشير إلى هذا المعنى: كآية الولاية، وحديث غدير خُم (1)، وحديث السفينة، وحديث الثقلين، وحديث الحقّ، وحديث المنزلة، وحديث دعوة العشيرة الأقرَبين وغيرها، ولكنّ المراد من الآيات والأحاديث الآنفة الذكر قد أُوِّلَ وحُرِّف لأسبابٍ ودواعٍ.

____________________

(1) ويُستدلّ بآياتٍ من الذكر الحكيم لإثبات خلافة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) منها الآية: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) الآية 55 من سورة المائدة.

اتّفق المفسّرون شيعةً وسُنّة، أنّ الآية المذكورة نَزَلت في شأن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وتؤيّد ذلك المزيد من الروايات عن طريق العامّة والخاصّة.

وممّا يُنقل عن أبي ذر الغفاري أنّه قال: (صلّيتُ مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً من الأيّام صلاة الظهر، فسألَ سائل في المسجد فلم يُعطه أحد، فرفعَ السائل يده إلى السماء وقال: اللهمّ اشهد أنّي سألتُ في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلم يُعطني أحد شيئاً، وكان عليّ راكعاً وأومى إليه بخُنصره اليمنى، وكان يتختّم فيها، فأقبلَ السائل حتّى أخذَ الخاتم من خُنصره، وذلك بعين النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلمّا فرغَ من صلاته، رفعَ رأسه إلى السماء وقال:

(اللهمّ سألك موسى فقال: ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) ، فأنزلتَ عليه قرآناً ناطقاً: ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا ) .

اللهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك، اللهمّ واشرَح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً، أشدُد به ظهري).

قال أبو ذر: فو الله ما استتمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الكلمة، حتّى نزلَ عليه جبرئيل (عليه السلام) من عند الله تعالى، فقال: (يا محمّد، اقرأ، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): وما أقرأ؟ قال جبرئيل (عليه السلام): اقرأ: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ). =

١٥٥

____________________

= ومن الآيات التي يُستدلّ بها على خلافة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) هي الآية: ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) .

والآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) الآية 6 من سورة المائدة.

فظاهرُ الآية يدلّ على أنّ الكفّار كانوا يأملون في انتهاء الدعوة الإسلاميّة وزوال معالِمها، ولكنّ الله سبحانه وتعالى قد أبدلَ أُمنيّاتهم إلى يأس بالآية المذكورة، لقد أكملَ دينهُ وقوّم بنيانه، وربّما لم يكن الأمر هذا من الأحكام الجزئيّة في الإسلام، بل أمرٌ ينطوي على أهميّة خاصّة يعتمد عليه بقاء الإسلام واستمراره.

لعلّ ظاهر الآية هذه يرتبط بالآية الأخيرة من السورة ذاتها: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) الآية 72 من سورة المائدة.

تدلّ هذه الآية: على أنّ هناك أمراً خطيراً، أُنذرَ به الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) لابدّ من تحقّقه، فإذا ما أهملَ فيه، فإنّ رسالة الإسلام وأهدافه ستتعرّض للخطر، والأمر بما ينطوي عليه من أهميّة خاصّة، فإنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان يخشى المعارضة من قِبَل المخالفين، وكان ينتظر الفرصة المناسبة لبيانه وإظهاره، لذا كان يؤجّل إعلان الأمر للأُمّة الإسلاميّة، حتّى نزلَ الوحي من السماء، يَطلب فيها ربّ العالمين من الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) أن يُبادر في إعلانه دون تأمّل وتهاون، وألاّ يخشى أحداً سوى الله جلّ وعَلا.

فالموضوع هذا لم يكن من نسخ الأحكام؛ لأنّ عدم تبليغ الأحكام الإسلاميّة أو إعلان ثلّة منه، لا يَعني تزلزل الكيان الإسلامي بأسره، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنّ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كان يخشى من تبيان الأحكام الإسلاميّة للأُمّة الإسلاميّة.

فهذه الشواهد والقرائن، تؤيِّد الأخبار أنّ الآيات التي ذُكرت، قد نَزلت في غدير خُم في شأن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأيّده الكثير من المفسّرين من إخواننا أهل السُنّة.

وممّا يُروى عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دعا الناس إلى علي (عليه السلام) في غدير خُم، فأخذَ بضبعيه فَرَفعهما، حتّى نظرَ الناس إلى بياض إبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثُمّ لم يفترقوا حتّى نَزَلت هذه الآية: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعلي من بعدي، ثُمّ قال: مَن كنتُ مولاه فعليٌ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر مَن نصرهُ، واخذُل مَن خَذلهُ) غاية المرام: البحراني صفحة 336.

وقد ذُكرت ستّة أحاديث عن طُرق العامّة، وخمسة عشر حديثاً عن طُرق الخاصّة في شأن نزول الآية المذكورة. =

١٥٦

____________________

= وصَفوةُ القول: إنّ أعداء الإسلام - الذين طالما حاولوا الإطاحة بالإسلام وقِيمه، وتناولوا شتّى الوسائل لهذا الغرض - باءت محاولاتهم هذه بالفشل، وقد خيّمَ اليأس عليهم، فأصبحوا متربّصين للأمر، وبعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يُعتبر حافظاً للإسلام وحارساً له، وبوفاته يتزلزل قوام الإسلام، وتنهدم أركانه، إلاّ أنّ هذه الأُمنيات فُنِّدت في يوم غدير خُم، إذ أعلنَ نبيّ الإسلام أنّ عليّاً خليفتهُ ووصيّهُ الذي سيستخلفهُ للحفاظ على كيان الإسلام فعرّفهُ للأُمّة، وبعد عليّ أُنيطت هذه المسؤوليّة الخطيرة لآل علي. ولمزيدٍ من الاطّلاع يُراجع: تفسير الميزان، الجزء الخامس صفحة 177 - 214، والجزء السادس صفحة 50 - 64، من مصنّفات مؤلِّف هذا الكتاب.

حديثُ الغدير: عند عودة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من حَجّة الوداع، مكثَ في مكانٍ يُدعى (غدير خُم) ، فأمرَ أن يُجمع المسلمون العائدون من الحجّ، فاجتمعوا فخطبَ فيهم، ونَصّبَ عليّاً قائداً للأُمّة الإسلاميّة من بعده، فأعطاهُ الولاية، وجَعلهُ خليفة للمسلمين من بعده.

عن البرّاء قال: كنّا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حَجّة الوداع، فلمّا أتينا على غدير خُم، كَشحَ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحت شجرتين ونوديَ في الناس: الصلاة جامعة، ودعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّاً، وأخذَ بيده فأقامهُ عن يمينه، فقال: (ألستُ أولى بكلّ امرئٍ من نفسه، قالوا: بلى، قال: فإنّ هذا مولى مَن أنا مولاهُ، اللهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه)، فلقيهُ عُمر بن الخطّاب فقال: (هنيئاً لك، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلّ مؤمن ومؤمنة).

البداية والنهاية ج5: 208، و ج7: 346، ذخائر العقبى للطبري، طبع القاهرة 1356 صفحة 67، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ ج2: 23، وقد جاء هذا الحديث في كلّ من: الخصائص للنسائي، طبع النجف 1369 صفحة 31، وغايةُ المرام للبحراني: صفحة 79، عن 89 طريقاً من العامّة، و43 طريقاً من الخاصّة.

حديثُ السفينة: عن ابن عبّاس (رضي الله عنهما) قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مَثلُ أهل بيتي كسفينة نوح، مَن رَكبها نجا، ومَن تعلّقَ بها فازَ، ومَن تَخلّف عنها غَرق)، ذخائر العقبى: صفحة 20، الصواعق المُحرقة لابن حجر: طبع القاهرة، صفحة 84 و 150، تاريخ الخلفاء للسيوطي: صفحة 307، كتاب نور الأبصار للشبلنجي: طبع مصر، صفحة 114، غاية المرام للبحراني: صفحة 237، وقد جاء الحديث المذكور في هذه الكُتب بأحد عشر طريقاً من العامّة، وسبعة طُرق من الخاصّة.

حديثُ الثَقَلين: عن زيد بن أرقم قال، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (كأنّي قد دُعيتُ فأجَبتُ، إنّي قد تركتُ فيكم الثَقلين: كتابُ الله، وعِترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تُخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يَفترقا حتّى يَردا عليّ الحوض). البداية والنهاية ج5: 209، ذخائر العقبى: صفحة 16، الفصول المهمّة: صفحة 22، الخصائص: صفحة 30، الصواعق المحرقة: صفحة 147، وقد نُقل هذا الحديث في غاية المرام عن العامّة والخاصّة، 39 طريقاً عن العامّة، و82 طريقاً عن الخاصّة.

=

١٥٧

3. تأييدٌ للأقوال السابقة

كانت أُخريات أيّام النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والتي قد مرضَ فيها، وهناك جمعٌ من الصحابة قد حضروا عنده، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله):

(هَلمّوا أكتُب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدهُ أبداً).

____________________

= وحديث الثقلين هذا، يُعتبر من الأحاديث القطعيّة، ورويَ بأسانيد كثيرة وبعبارات مختلفة وأنّه متّفق على صحّته، سُنّة وشيعة، ويستفاد من الحديث المذكور ونظائره، أمورٌ منها:

1) لو بقيَ القرآن بين الناس حتّى قيام الساعة، فالعترةُ باقية أيضاً، أي لا يخلو زمنٍ من وجود إمام وقائد حقيقي للأُمّة.

2) لقد قدّمَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن طريق هاتين الأمانتين، كلّ ما يحتاج إليه المسلمون من الناحية العلميّة والدينيّة، وعرّف أهل بيته مرجعاً علميّاً ودينيّاً للأُمّة الإسلاميّة، وأيّد أقوالهم وأعمالهم تأييداً مطلقاً.

3) لا يفترق القرآن عن أهل البيت، ولا يحقّ لمسلم أن يبتعد عنهم، تاركاً نهجهم وإرشادهم.

4) لو أطاع الناس أهل البيت وتمسّكوا بأقوالهم، لن يضلّوا، وسوف يكون الحقّ حليفاً لهم.

5) كلّ ما يحتاج إليه الناس من علوم ومسائل دينيّة، فهي موجودة لدى أهل البيت، وكلّ مَن يُتابع طريقهم، لن يضلّ ولن يَهلك، وينال السعادة الحقيقيّة، أي أنّ أهل البيت مصونون من الاشتباه والخطأ، وبهذه القرينة: يتّضح أنّ المراد من أهل البيت والعترة، ليس كلّ أقرباء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأولاده، بل المراد عدّة معدودة منهم، وهم الذين قد نالوا المقام الأسمى من العلوم الدينيّة، ولم يعترهم الخطأ والنسيان، كي تتوفّر لديهم صلاحيّة القيادة للأُمّة، وهم: عليّ بن أبي طالب، والأحد عشر من وِلده، فإنّ مقام الإمامة لهم الواحد بعد الآخر، كما تشير الروايات إلى هذا المعنى.

١٥٨

قال بعضهم: إنّ رسول الله قد غَلبهُ الوَجع وعندكم القرآن، حَسبُنا كتاب الله، فاختلفَ الحضور بالبيت واختصموا، فمنهم مَن يقول: قَرّبوا يكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم مَن يقول غير ذلك، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (قُوموا) (1) .

معَ ما تقدّم من البحث، ومع الالتفات إلى أنّ الذين مانعوا من تدوين كلمة الرسول العظيم (صلّى الله عليه وآله)، هم أنفسهم قد حَظوا في اليوم التالي بالخلافة الانتخابيّة، وكان الانتخاب دون علم عليّ (عليه السلام) وأصحابه، فجعلوهم أمام أمرٍ واقع، وهل هناك شكّ في أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان يريد تعيين علي، ليجعله خليفة له من بعده؟

وما كان الهدف من المعارَضة إلاّ جَعل المحيط مضطرباً، يقضي بانصراف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن الأمر، ولم يكن الغرض اتّصاف النبيّ بالهَذَيان، وغَلَبة المرض عليه، وذلك لأسبابٍ:

أوّلاً: فضلاً من أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) طوال فترة مرضه، لم يُسمع منه كلام لا يُليق بمقامه، ولم ينقل أحد هذا المعنى، فإنّه لا يحقّ لمسلم - وفقاً للموازين الدينيّة - أن ينسب إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الهَذَيان والكلام العبث، عِلماً بأنّه (صلّى الله عليه وآله) مصونٌ ومعصوم من قِبَل الله تعالى.

ثانياً: لو كان المراد من الكلام المعنى الحقيقي له، فلا حاجة إلى ذِكر العبارة التي تلتها (كفانا كتاب الله)، إذ لو كان المراد نسبة الهذَيان إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لكفى ذِكر مرضهِ، لا أن يؤيَّد القرآن، ويُنفى قول الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وهذا الأمر لا يخفى على رجلٍ صحابي: من أنّ القرآن الكريم قد فرضَ على الأُمّة الإسلاميّة اتّباع النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وأنّهُ مفروض الطاعة، وكلامه عِدلٌ للقرآن، والناس ليس لهم أيّ اجتهادٍ أو اختيار أمام حُكم الله ورسوله.

____________________

(1) البداية والنهاية ج5: 227، شرحُ ابن أبي الحديد ج1: 133، الكامل في التاريخ ج2: 217، تاريخ الرُسل والمُلوك للطبري ج2: 436.

١٥٩

ثالثاً: إنّ ما حَدثَ في مرض الرسول (صلّى الله عليه وآله)، قد حدَث أيضاً في مرض الخليفة الأوّل، عندما كان يوصي إلى الخليفة الثاني من بعده، وعثمان حاضر يُحرِّر ما يُملي عليه الخليفة الأوّل، إذ أُغميَ على الخليفة، والخليفة الثاني لم يَعترض عليه كما اعترضَ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) (1) .

وفضلاً عن هذا كلّه، فإنّ الخليفة الثاني قد اعترفَ في حديثٍ له لابن عبّاس قائلاً (2) : إنّني أدركتُ أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يريد أن يوصي لعلي، إلاّ أنّ مصلحة المسلمين كانت تستدعي ذلك، ويقول أيضاً: إنّ الخلافة كانت لعلي (3) ، فإذا ما كانت الخلافة صائرة إليه، لفُرض على الناس اتّباع الحقّ، ولم تَرضخ قريش لهذا الأمر، فرأيتُ من المصلحة ألاّ ينالها، ونحّيتهُ عنها.

عِلماً بأنّ الموازين الدينيّة تُصرِّح أنّ المتخلِّف عن الحقّ يجب أن يعود إليه، لا أن يترك الحقّ لصالح المُتخلِّف.

وممّا تتناقلهُ كُتب التاريخ: أنّ الخليفة الأوّل أمرَ بمحاربة القبائل المسلمة التي امتنعت من إعطاء الزكاة، قال: (والله، لو مَنعوني عِقالاً كانوا يؤدّونه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لأُقاتلنّهم على منعهِ) (4) .

والمراد من هذا القول: هو أنّ إقامة الحقّ وإحيائه واجب مهما بلغَ الثمن، وبديهي أنّ موضوع الخلافة حقّ أيضاً إلاّ أنّه أغلى من العِقال وأثمن.

4. الإمامةُ في العلوم التشريعيّة

أشرنا في الفصول المتقدّمة، في معرفة النبيّ (الرسول) وقلنا: وفقاً للقانون الثابت والضروري للهداية العامّة، أنّ أيّ نوعٍ من أنواع الكائنات يسير نحو الكمال والسعادة المناسبة له، وذلك عن طريق الفطرة والتكوين.

____________________

(1) الكامل لابن الأثير ج2: 292.

(2) شرحُ ابن أبي الحديد ج2: 134.

(3) تاريخ اليعقوبي ج2: 137.

(4) البداية والنهاية ج6: 311.

١٦٠