الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام27%

الشيعة في الاسلام مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 206

الشيعة في الاسلام
  • البداية
  • السابق
  • 206 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96812 / تحميل: 7407
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في الاسلام

الشيعة في الاسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

[ المقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى]

الأسماء الحسنى

وسنوردها هنا بثلاث عبارات :

الاُولى : ما ذكرها الشيخ جمال الدين أحمد بن فهد(1) رحمه‌الله في عدّته ، أنّ الرضاعليه‌السلام روى عن أبيه عن آبائه عن علي(2) عليه‌السلام : أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من دعا بها استجيب له ومن أحصاها(3) دخل الجنّة ، وهي هذه :

الله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأول ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، الباري ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ،

__________________

(1) أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ، يروي عن الشيخ أبي الحسن علي بن الخازن تلميذ الشهيد وغيره ، له عدة مصنفات ، منها : عدّة الداعي ونجاح الساعي ، في آداب الدعاء ، مشهور نافع مفيد في تهذيب النفس ، مرتّب على مقدّمة في تعريف الدعاء وستّة أبواب ، توفي سنة ( 841 ه‍ ).

الكنى والألقاب 1: 368 ، أعيان الشيعة 3: 147 ، الذريعة 15 : 228 ، معجم رجال الحديث 2 : 189.

(2) في العدة : « عن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ لله عزّ وجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له ومن أحصاها دخل الجنة ».

(3) في هامش (ر) : « قال الصدوقرحمه‌الله : معنى إحصائها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها ، وليس معنى الإحصاء عدّها ، قاله الشيخ جمال الدين في عدته.

ووجدتُ بخط الشيخ الزاهدرحمه‌الله : أن هذه الأسماء حجاب من كل سوء ، وهي للطاعة والمحبة وعقد الألسن ولإبطال السحر ولجلب الرزق نافع إن شاء الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : التوحيد : 195 ، عدّة الداعي : 298.

٢١

العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، القاضي(4) ، المجيد ، الولي ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرّ ، الوتر ، النور ، والوّهاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، البرّ ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي(5) .

الثانية : ما ذكرها الشهيد(6) رحمه‌الله في قواعده ، وهي : الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الباري ، الخالق ، المصوّر ، الغفّار ، الوّهاب ، الرزّاق ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحليم ، العظيم ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، الجليل ، الرقيب ، المجيب ، الحكيم ، المجيد ، الباعث ، الحميد ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيّوم ، الماجد ، التوّاب ، المنتقم ، الشديد العقاب ، العفّو ، الرؤوف ، الوالي ، الغني ، المغني ، الفتّاح ، القابض ، الباسط ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الغفور ، الشكور ، المقيت ، الحسيب ، الواسع ، الودود ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، المحصي ، الواجد ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، البرّ ، ذو الجلال والإكرام ، المُقِسط ، الجامع ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، البديع ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ، الهادي ، الباقي(7) .

__________________

(4) في هامش (ر) : « قاضي الحاجات / خ ل ».

(5) عدّة الداعي : 298 ـ 299.

(6) أبو عبدالله محمد بن مكي العاملي الجزيني ، الشهيد الأول ، روى عن الشيخ فخر الدين محمد بن العلاّمة وغيره ، يروي عنه جماعة كثيرة منهم أولاده وبنته وزوجته ، له عدّة مصنّفات ، منها : القواعد والفوائد ، كتاب مختصر مشتمل على ضوابط كلية اُصولية وفرعية يستنبط منها الأحكام الشرعية ، استشهد مظلوماً سنة ( 786 ه‍ ).

رياض العلماء 5 : 185 ، الكنى والألقاب 2 : 342 ، تنقيح المقال 3 : 191 ، الذريعة 17 : 193.

(7) القواعد والفوائد 2: 166 ـ 174.

٢٢

قالرحمه‌الله : ورد في الكتاب العزيز من(8) الأسماء الحسنى : الربّ ، والمولى ، والنصير ، والمحيط ، والفاطر ، والعلاّم ، والكافي ، وذو الطّول ، وذو المعارج(9) .

الثالثة : ما ذكرها فخر الدين محمد بن محاسن(10) رحمه‌الله في جواهره ، وهي :

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، الباري ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرزّاق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعزّ ، المذلّ ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العليّ ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الماجد ، الباعث ، الشهيد ، الحقّ ، الوكيل ، القويّ ، المتين ، الوليّ ، الحميد ، المحصي ، المبدي ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحيّ ، القيوم ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البرّ ، التوّاب ، المنتقم ، العفوّ ، الرؤوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المُقسِط ، الجامع ، الغنيّ ، المُغني ، المانع ، الضارّ ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور. فهذه تسعة وتسعون اسماً رواها محمد بن إسحاق(11) في المأثور.

__________________

(8) في ( القواعد ) و (ر) و (م) : « في » وما أثبتناه من (ب) وهو الأنسب.

(9) القواعد والفوائد 2 : 174 ـ 175.

(10) لم أجد من تعرّض لترجمته ، حتّى أن الشيخ العلاّمة الطهراني في الذريعة 5 : 257 حينما ذكر الجواهر ، قال : للشيخ فخر الدين محمد بن محاسن ينقل عنه الكفعمي في آخر البلد الأمين ، فالظاهر أنّه لم يجد له ترجمة أيضاً ، بل إنّما عرف كتابه واسمه من نقل الكفعمي عنه ، ومحمد بن محاسن نفسه الذي يأتي بعنوان البادرائي.

(11) يحتمل أن يكون هو : محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف بن علي القونوي الرومي ، من كبار تلاميذ الشيخ محيي الدين ابن العربي ، بينه وبين نصير الدين الطوسي مكاتبات في بعض المسائل الحكمية ، له عدّة مصنّفات ، منها : شرح الأسماء الحسنى ، مات سنة ( 673 ه‍ ).

كشف الظنون 2: 1956 ، أعلام الزركلي 6 : 30.

٢٣

ولمّا كانت كلّ واحدة من هذه العبارات الثلاث تزيد على صاحبتيها بأسماء وتنقص عنهما بأسماء ، أحببت أن أضع عبارة رابعة مشتملة على أسماء العبارات الثلاث ، مع الإشارة إلى شرح كلّ اسم منها ، من غير إيجاز مخلّ ولا إسهاب مملّ.

وسمّيت ذلك بالمقام الأسنى في تفسير الأسماء الحسنى.

فنقول وبالله التوفيق :

الله :

اسم ، علم ، مفرد ، موضوع على ذات واجب الوجود.

وقال الغزّالي(12) : الله اسم للموجود الحق ، الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المتفرّد بالوجود الحقيقي ، فإن كلّ موجود سواه غير مستحقّ للوجود بذاته ، وإنّما استفاد الوجود منه(13) .

وقيل : الله اسم لمن هو الخالق لهذا العالم والمدبر له.

وقال الشهيد في قواعده : الله اسم للذات لجريان النعوت عليه ، وقيل : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا : الله ، فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال.

قالرحمه‌الله : وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والند والضد(14) .

وقد اختلف في اشتقاق هذا الاسم المقدّس على وجوه عشرة ، ذكرناها

__________________

(12) أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزّالي ، الملقّب بحجّة الإسلام الطوسي ، تفقّه على أبي المعالي الجويني ، له عدّة مصنّفات ، منها : إحياء علوم الدين ، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وغيرهما ، مات سنة ( 502 ه‍ ).

المنتظم 9 : 168 ، وفيات الأعيان 4 : 216 ، الكنى والألقاب 2 : 450.

(13) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 14.

(14) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٤

على حاشية الصحيفة في دعاء زين العابدينعليه‌السلام إذا أحزنه أمر(15) .

واعلم أنّ هذا الاسم الشريف قد امتاز عن غيره من أسمائه ـ تعالى ـ الحسنى بوجوه عشرة :

أ : أنّه أشهر أسماء الله تعالى.

ب : أنّه أعلاها محلاًّ في القرآن.

ج : أنّه أعلاها محلاًّ في الدعاء.

د : أنّه جعل أمام سائر الأسماء.

ه‍ : أنّه خصّت به كلمة الإخلاص.

و : أنّه وقعت به الشهادة.

ز : أنّه علم على الذات المقدّسة ، وهو مختصّ بالمعبود الحقّ تعالى ، فلا

__________________

(15) وهي كما في حاشية المصباح : 315 نقلاً عن الفوائد الشريفة في شرح الصحيفة :

« الأول : أنّه مشتقّ من لاه الشيء إذا خفي ، قال شعر :

لاهت فما عرفت يوماً بخارجةٍ

يا ليتها خرجت حتى عرفناها

الثاني : أنّه مشتقّ من التحيّر ، لتحيّر العقول في كنه عظمته ، قال :

ببيداء تيه تأله العير وسطها

مخفقـة بالآل جرد وأملق

الثالث : أنّه مشتقّ من الغيبوبة ، لأنّه سبحانه لا تدركه الأبصار ، قال الشاعر :

لاه ربّي عن الخلائق طراً

خالق الخلق لا يُرى ويرانا

الرابع : أنّه مشتقّ من التعبّد ، قال الشاعر :

لله درّ الغانيــات المُـدَّهِ

آلهن واسترجعن من تألّهي

الخامس : أنّه مشتق من أله بالمكان إذا أقام به ، قال شعر :

ألهنا بدارٍ لا يدوم رسومها

كأن بقاها وشامٌ على اليدِ

السادس : أنّه مشتقّ من لاه يلوه بمعنى ارتفع.

السابع : أنّه مشتقّ من وَلَهَ الفصيلُ باُمّه إذا ولع بها ، كما أنّ العباد مولهون ، أي : مولعون بالتضرّع إليه تعالى.

الثامن : أنّه مشتقّ من الرجوع ، يقال : ألهت إلى فلان ، أي : فزعت إليه ورجعت ، والخلق يفزعون إليه تعالى في حوائجهم ويرجعون إليه ، وقيل للمألوه [ إليه ] إله ، كما قيل للمؤتمّ به إمام.

التاسع : أنّه مشتقّ من السكون ، وألهت إلى فلان أي : سكنت ، والمعنى أنّ الخلق يسكنون إلى ذكره.

العاشر : أنّه مشتقّ من الإلهيّة. وهي القدرة على الاختراع ».

٢٥

يطلق على غيره حقيقةً ولا مجازاً ، قال تعالى :( هل تَعلَمُ لهُ سَميّاً ) (16) أي : هل تعلم أحداً يسمّى الله ؟ وقيل : سميّاً أي : مثلاً وشبيهاً.

ح : أنّ هذا الاسم الشريف دالّ على الذات المقدّسة الموصوفة بجميع الكمالات ، حتى لا يشذّ به شيء ، وباقي أسمائه تعالى لا تدلّ آحادها إلاّ على آحاد المعاني ، كالقادر على القدرة والعالم على العلم. أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : الرحمن ، فإنّه اسم للذات مع اعتبار الرحمة ، وكذا الرحيم والعليم. والخالق : اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. والقدّوس : اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص. والباقي : اسم اللذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. والأبديّ : هو المستمرّ في جميع الأزمنة ، فالباقي أعمّ منه. والأزلي : هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحقّقة والمقدّرة. فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط(17) .

ط : أنّه اسم غير صفة ، بخلاف سائر أسمائه تعالى ، فإنها تقع صفات ، أمّا أنّه اسم غير صفة ، فلأنّك تصف ولا تصف به ، فتقول : إله واحد ، ولا تقول : شيء إله ، وأمّا وقوع ما عداه من أسمائه الحسنى صفات ، فلأنّه يقال : شيء قادر وعالم وحيّ إلى غير ذلك.

ي : أن جميع أسمائه الحسنى يتسمّى بهذا الاسم ولا يتسمّى هو بشيء منها ، فلا يقال : الله اسم من أسماء الصبور أو الرحيم أو الشكور ، ولكن يقال : الصبور اسم من أسماء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد قيل : إنّ هذا الاسم المقدّس هو الاسم الأعظم. قال ابن فهد في عدّته : وهذا القول قريب جداً ، لأنّ الوارد في هذا المعنى

__________________

(16) مريم 19 : 65.

(17) القواعد والفوائد 2: 166.

٢٦

كثيراً(18) .

ورأيت في كتاب الدرّ المنتظم في السرّ الأعظم ، للشيخ محمد بن طلحة بن محمد ابن الحسين(19) : أنّ هذا الاسم المقدّس يدلّ على الأسماء الحسنى كلّها التي هي تسعة وتسعون اسماً ، لأنك إذا قسمت الاسم المقدّس في علم الحروف على قسمين كان كلّ قسم ثلاثة وثلاثين ، فتضرب الثلاثة والثلاثين في حروف الاسم المقدّس بعد إسقاط المكرر وهي ثلاثة تكون عدد الأسماء الحسنى ، وذكر أمثلة اُخر في هذا المعنى تركناها اختصاراً(20) .

ورأيت في كتاب مشارق الأنوار وحقائق الأسرار ، للشيخ رجب بن محمد بن رجب الحافظ(21) : أن هذا الاسم المقدس أربعة أحرف ـ الله ـ فإذا وقفت على الأشياء عرفت أنها منه وبه وإليه وعنه ، فإذ أُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كلّ شيء ، فإن اُخذ اللام وترك الألف بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإن اُخذ

__________________

(18) عدّة الداعي : 50.

(19) أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي الشافعي ، له عدّة مصنفات ، منها : الدرّ المنظم في السرّ الأعظم أو الدرّ المنظم في اسم الله الأعظم ، مات سنة ( 652 ه‍ ).

شذرات الذهب 5 : 259 ، أعلام الزركلي 6 : 175.

علماً بأنّ في (ر) و (ب) و (م) ذكر : الدرّ المنتظم وفي مصادر الترجمة : الدر المنظم ، وكذا ذكر في (ر) و (ب) : محمد بن طلحة بن محمد بن الحسين ، وفي المصادر : ابن الحسن ، فتأمّل.

(20) في حاشية (ر) : « منها : أنك إذا جمعت من الاسم المقدّس طرفيه ، وقسّمت عددهما على حروفه الأربعة ، وضربت ما يخرج القسمة فيما له من العدد في علم الحروف ، يكون عدد الأسماء الحسنى. وبيانه : أن تأخذ الألف والهاء وهما بستة ، وتقسِّمها على حروف الأربعة ، يقوم لكل حرف واحد ونصف ، فتضربة به فيما للإسم المقدّس من العدد وهو ستة وستين ، تبلغ تسعة وتسعين عدد الأسماء الحسنى. منهرحمه‌الله ».

(21) رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بالحافظ ، من متأخّري علماء الإمامية ، كان ماهراً في أكثر العلوم ، له يد طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها ، وقد أبدع في كتبه حيث استخرج أسامي النبي والأئمةعليهم‌السلام من الآيات ونحو ذلك من غرائب الفوائد وأسرار الحروف ، له أشعار لم يرعين الزمان مثلها في مدح أهل البيتعليهم‌السلام ، من مصنافته : مشارق أنوار اليقين في كشف حقائق أسرار أمير المؤمنين ، توفي في حدود سنة ( 813 ه‍ ).

رياض العلماء 2 : 304 ، الكُنى والألقاب 2 : 148 ، أعيان الشيعة 6 : 46.

٢٧

الألف من إله بقي له ، وله كلّ شيء ، فإن اُخذ من له اللام بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له ، وهو لفظ يوصل إلى ينبوع العزة ، ولفظ هو مركب من حرفين ، والهاء أصل الواو ، فهو حرف واحد يدل على الواحد الحق ، والهاء أول المخارج والواو أخرها ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن(22) .

ولمّا كان الاسم المقدّس الأقدس أرفع أسماء الله تعالى شأناً وأعلاها مكاناً ، وكان لكمالها جمالاً ولجمالها كمالاً ، خرجنا فيه بالإسهاب عن مناسبة الكتاب ، والله الموفّق للصواب.

الرحمن الرحيم :

قال الشهيدرحمه‌الله : هما اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة : رقّة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله تعالى إنّما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال(23) (24) .

وقال صاحب العدّة : الرحمن الرحيم مشتقّان من الرحمة وهي النعمة ،

__________________

(22) مشارق الأنوار : 32 ـ 33 ، وفيه : « والقرآن له ظاهر وباطن ، ومعانيه منحصرة في أربع أقسام ، وهي أربع أحرف وعنها ظهر باقي الكلام ، وهي ( أل‍ ل‍ ه ) ، والألف واللام منه آلة التعريف ، فإذا وضعت على الأشياء عرفتها أنّها منه وله ، وإذا اُخذ منه الألف بقي لله ، ولله كل شيء ، وإذا اُخذ منه ( ل‍ ) بقي إله ، وهو إله كلّ شيء ، وإذا اُخذ منه الألف واللام بقي له ، وله كلّ شيء ، وإذا اُخذ الألف واللامان بقي هو ، وهو هو وحده لا شريك له. والعارفون يشهدون من الألف ويهيمنون من اللام ويصلون من الهاء. والألف من هذا الاسم إشارة إلى الهويّة التي لا شيء قبلها ولا بعدها وله الروح ، واللام وسطاً وهو إشارة إلى أنّ الخلق منه وبه وإليه وعنه ، وله العقل وهو الأول والآخر ، وذلك لأنّ الألف صورة واحدة في الخطّ وفي الهجاء ».

(23) القواعد والفوائد 2 : 166 ـ 167.

(24) في هامش (ر) : « وقال السيد المرتضى : ليست الرحمة عبارة عن رقّة القلب والشفقة ، وإنّما هي عبارة عن الفضل والإنعام وضروب الإحسان ، فعلى هذا يكون إطلاق لفظ الرحمة عليه تعالى حقيقة وعلى الأول مجاز. منهرحمه‌الله تعالى ».

٢٨

ومنه :( وما أرسلناك إلاّ رحمّة للعالمينّ ) (25) أي : نعمة ، ويقال للقرآن رحمة وللغيث رحمة ، أي : نعمة ، وقد يتسمّى بالرحيم غيره تعالى ولا يتسمّى بالرحمن سواه ، لأن الرحمن هو الذي يقدر على كشف الضر والبلوى ، ويقال لرقيق القلب من الخلق : رحيم ، لكثرة وجود الرحمة منه بسبب الرقة ، وأقلها الدعاء للمرحوم والتوجع له ، وليست في حقّه تعالى كذلك ، بل معناها إيجاد النعمة للمرحوم وكشف البلوى عنه ، فالحدّ الشامل أن تقول : هي التخلص من أقسام الآفات ، وإيصال الخيرات إلى أرباب الحاجات(26) .

وفي كتاب الرسالة الواضحة(27) : أنّ الرحمن الرحيم من أبنية المبالغة ، إلاّ أنّ فعلان أبلغ من فعيل ، ثم هذه المبالغة قد توجد تارة باعتبار الكمّية ، واُخرى باعتبار الكيفية :

فعلى الأول قيل : يا رحمن الدنيا ـ لأنّه يعمّ المؤمن والكافر ـ ورحيم الآخرة لأنه يخص الرحمة بالمؤمنين ، لقوله تعالى :( وكان بالمؤمنين رحيماً ) (28) .

وعلى الثاني قيل : يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا ، لأنّ النعم الاُخروية كلّها جسام ، وأمّا النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة.

وعن الصادقعليه‌السلام : الرحمن اسم خاصّ بصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ بصفة خاصة(29) .

وعن أبي عبيدة(30) : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وكرر لضرب

__________________

(25) الأنبياء 21 : 107.

(26) عدّة الداعي : 303 ـ 304 ، باختلاف.

(27) الرسالة الواضحة في تفسير سورة الفاتحة ، للمصنف الشيخ علي بن إبراهيم الكفعمي : مخطوطة.

(28) الأحزاب 33 : 43.

(29) مجمع البيان 1 : 21.

(30) أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري النحوي اللغوي ، أول من صنّف غريب الحديث ، وكان أبو نؤاس الشاعر يتعلّم منه ويصفه ويذمّ الأصمعي ، له عدّة مصنفات ، منها : مجاز القرآن الكريم وغريب القرآن ومعاني القرآن ، مات سنة ( 209 ه‍ ) وقيل غير ذلك.

وفيات الأعيان 5 : 235 ، الكنى والألقاب 1 : 116.

٢٩

من التأكيد(31) .

وعن السيد المرتضى(32) رحمه‌الله : أن الرحمن مشترك فيه اللغة العربية والعبرانية والسريانية ، والرحيم مختصّ بالعربية.

قال الطبرسي(33) : وإنّما قدّم الرحمن على الرحيم ، لأن الرحمن بمنزلة الاسم العلم ، من حيث أنه لا يوصف به إلاّ الله تعالى ، ولهذا جمع بينهما تعالى في قوله :( قلِ ادعوا اللهَ أو ادعوا الرحمنَ ) (34) فوجب لذلك تقديمه على الرحيم ، لأنه يطلق عليه وعلى غيره(35) .

الملك :

التامّ الملك ، الجامع لأصناف المملوكات ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(31) اُنظر : مجمع البيان 1 : 20.

(32) أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام ، المشهور بالسيد المرتضى ، جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد وحاز من الفضائل ما تفرّد به وتوحّد وأجمع على فضله المخالف والمؤالف ، كيف لا وقد أخذ من المجد طرفيه واكتسى بثوبيه وتردّى ببرديه ، روى عن جماعة عديدة من العامة والخاصة منهم الشيخ المفيد والحسين بن علي بن بابويه أخي الصدوق والتلعكبري ، روى عنه جماعة كثيرة من العامة والخاصة منهم : أبو يعلى سلار وأبو الصلاح الحلبي وأبو يعلى الكراجكي ومن العامة : الخطيب البغدادي والقاضي بن قدامة ، له عدّة مصنفات مشهورة ، منها الشافي في الإمامة لم يصنّف مثله والذخيرة ، توفي سنة ( 433 ه‍ ) وقيل ( 436 ه‍ ).

وفيات الأعيان 3 : 313 ، رياض العلماء 4 : 14، الكنى والألقاب 2 : 439.

(33) أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي المشهدي ، من أكابر مجتهدي علمائنا ، يروي عن الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي وغيره ، يروي عنه ولده الحسن وابن شهرآشوب والشيخ منتجب الدين وغيرهم ، له عدة مصنفات ، منها : مجمع البيان لعلوم القرآن ، وهو تفسير لم يعمل مثله عيّن كل سورة أنّها مكّية أو مدنية ثم يذكر مواضع الاختلاف في القراءة ثم يذكر اللغة والعربية ثم يذكر الإعراب ثم الأسباب والنزول ثم المعنى والتأويل والأحكام والقصص ثم يذكر انتظام الآيات ، توفي سنة ( 548 ه‍ ) في سبزوار وحمل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مغتسل الرضاعليه‌السلام وقبره مزار.

رياض العلماء 4 : 340 ، الكنى والألقاب 2 : 403 ، الذريعة 20 : 24.

(34) الإسراء 17 : 110.

(35) مجمع البيان 1 : 21 ، باختلاف.

٣٠

وقال الشهيد : الملك المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كلّ موجود في ذاته وصفاته(36) .

والملكوت : ملك الله ، زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت ، من الرهبة والرحمة.

القدوس :

فعول من القدس وهو الطهارة ، فالقدّوس : الطاهر من العيوب المنزّه عن الأضداد والأنداد ، والتقديس : التطهير ، وقوله تعالى حكاية عن الملائكة :( ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّسُ لكَ ) (37) أي : ننسبك إلى الطهارة.

وسمّي بيت المقدس بذلك ، لأنه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب. وقيل للجنة : حظيرة القدس ، لأنها موضع الطهارة من الأدناس والآفات التي تكون في الدنيا.

السلام :

معناه ذو السلامة ، أي : سلم في ذاته عن كل عيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة تلحق المخلوقين ، والسلام مصدر وصف به تعالى للمبالغة. وقيل : معناه المسلم ، لأن السلامة تنال من قبله.

وقوله :( لهم دارُ السلام ) (38) يجوز أن تكون مضافة إليه تعالى ، ويجوز أن يكون تعالى قد سمّى الجنة سلاماً ، لأن الصائر إليها يسلم من كلّ آفة.

* * *

__________________

(36) القواعد والفوائد 2 : 167.

(37) البقرة 2 : 30.

(38) الأنعام 6 : 127.

٣١

المؤمن :

المصدّق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق ، ويحتمل ذلك وجهان :

أ : أنّه يصدق عبادّه وعده ، ويفي لهم بما ضمنه لهم.

ب : أنّه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيّب آمالهم ، قاله البادرائي.

وعن الصادقعليه‌السلام : سمّي تعالى مؤمناً ، لأنه يؤمن عذابه من أطاعه(39) .

وفي الصحاح(40) : الله تعالى مؤمن ، وهو : الذي آمن عباده ظلمه(41) .

المهيمن :

قال العزيزي(42) في غريبه والشهيد في قواعده : هو القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم(43) .

وقال صاحب العدّة : المهيمن : الشاهد ، ومنه قوله تعالى :( ومهيمناً عليه ) (44) أي : شاهداً ، فهو تعالى الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل ، وقيل : هو الرقيب على الشيء والحافظ له ، وقيل : هو الأمين(45) .

__________________

(39) التوحيد : 205.

(40) كتاب الصحاح لأبي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري الفارابي ، ابن اُخت أبي إسحاق الفارابي صاحب ديوان الأدب ، له عدّة مصنّفات ، منها : هذا الكتاب ـ الصحاح ـ وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من التهذيب وأقرب متناولاً من مجمل اللغة ، مات سنة ( 393 ه‍ ).

يتيمة الدهر 4 : 468 ، معجم الاُدباء 5 : 151، النجوم الزاهرة 4 : 207.

(41) الصحاح 5 : 2071 ، أمن.

(42) أبو بكر محمد بن عزيز السجستاني العزيزي. اشتهر بكتابه غريب القرآن ، وهو على حروف المعجم صنّفه في (15) سنة ، مات سنة ( 330 ه‍ ).

أعلام الزركلي 6 : 268.

(43) غريب القرآن ـ نزهة القلوب ـ : 209 ، القواعد والفوائد 2 : 167.

(44) المائدة 5 : 48.

(45) عدّة الداعي : 304 ـ 305 ، باختلاف.

٣٢

وإلى القول الأوسط ذهب الجوهري ، فقال : المهيمن الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف(46) .

قلت : إنّما كان المهيمن من آمن ، لأن أصل مهيمن مؤيمن ، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجهما ، كما في هرقت الماء وأرقته ، وإيهاب وهيهات ، وإبرية وهبرية للخزاز الذي في الرأس ، وقرأ أبو السرائر الغنوي(47) : هياك نعبد وهياك نستعين(48) .

قال الشاعر :

وهياك والأمر الذي إن توسعت

موارده ضاقت عليك مصادره

العزيز :

الغالب القاهر ، أو ما يمتنع الوصول إليه ، قاله الشهيد في قواعده(49) .

وقال الشيخ علي بن يوسف بن عبد الجليل(50) في كتابه منتهى السّؤول في شرح الفصول : العزيز هو الحظير الذي يقلّ وجود مثله ، وتشتدّ الحاجة إليه ، ويصعب الوصول إليه ، فليس العزيز المطلق إلاّ هو تعالى.

وقال صاحب العدّة : العزيز المنيع الذي لا يُغلب ، ويقال : من عزّ بزّ ،

__________________

(46) الصحاح 6 : 2217 ، همن.

(47) كذا ، ولم أجد هذا الاسم في كتب التراجم.

(48) قال الزمخشري في الكشّاف 1 : 62 : « وقرئ إياك بتخفيف الياء واياك بفتح الهمزة والتشديد وهياك بقلب الهمزة هاء ».

قال طفيل الغنوي :

فهياك والأمر الذي ان تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره.

(49) القواعد والفوائد 2 : 167.

(50) ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، عالم فاضل كامل ، من أجلة متكلمي الإمامية وفقهائهم ، يروي عن الشيخ فخر الدين ولد العلاّمة ، يروى عنه ابن فهد الحلي ، له عدة مصنفات ، منها : منتهى السّؤول في شرح الفصول ، وهو شرح على فصول خواجه نصير الدين الطوسي في اُصول الدين ، وهو شرحُ بالقول يعني قوله قوله.

رياض العلماء 4 : 293 ، الذريعة 23 : 10.

٣٣

أي : من غلب سلب ، ومنه قوله تعالى :( وعزّني في الخطابِ ) (51) أي : غلبني في محاورة الكلام ، وقد يقال العزيز للملك ، ومنه قوله تعالى :( يا أيها العزيزُ ) (52) أي : يا أيها الملك(53) .

والعزيز أيضاً : الذي لا يعادله شيء ، والذي لا مثل له ولا نظير.

الجبار :

القهار ، أو المتكبر ، أو المتسلّط ، أو الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق ، أو الذي تنفذ مشيته على سبيل الإجبار في كل أحد ولا تنفذ فيه مشية أحد. ويقال : الجبّار العالي فوق خلقه ، ويقال للنخل الذي طال وفات اليد : جبّار.

المتكبّر :

ذو الكبرياء ، وهو : الملك ، أو ما يرى الملك حقيراً بالنسبة إلى عظمته ، قاله الشهيد(54) .

وقال صاحب العدّة : المتكبّر المتعالي عن صفات الخلق ، ويقال : المتكبّر على عتاة خلقه ، وهو مأخوذ من الكبرياء ، وهم اسم التكبّر والتعظّم(55) .

الخالق :

هو المبدئ للخلق والمخترع لهم على غير مثال سبق ، قاله البادرائي في جواهره.

__________________

(51) ص 38 : 23.

(52) يوسف 12 : 78 ، 88.

(53) عدّة الداعي : 305.

(54) القواعد والفوائد 2 : 167.

(55) عدّة الداعي : 305 ، باختلاف.

٣٤

وقال الشهيد : الخالق ، المقدّر(56) .

قلت : وهو حسن ، إذ قد يراد بالخلق التقدير ، ومنه قوله تعالى :( إنّي أخلقُ لكم منَ الطينِ كهيئةِ الطيرِ ) (57) أي : اُقدّر.

البارئ :

الخالق ، والبرية : الخلق ، وبارئ البرايا أي : خالق الخلائق.

المصوّر :

الذي أنشأ خلقه على صور مختلفه ليتعارفوا بها ، قال تعالى :( وصوّركم فأحسنَ صوَركُم ) (58) .

وقال الغزّالي في تفسير أسماء الله تعالى الحسنى : قد يظنّ أنّ الخالق والبارئ والمصور ألفاظ مترادفة ، وأن الكلّ يرجع إلى الخلق والاختراع ، وليست كذلك ، بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود مفتقر إلى تقديره أولاً ، وإلى إيجاده على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثاً ، والله تعالى خالق من حيث أنّه مقدر ، وبارئ من حيث أنه مخترع موجد ، ومصوّر من حيث أنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب. وهذا كالبناء مثلاً ، فإنه يحتاج إلى مقدّر يقدّر ما لابدّ منه : من الخشب ، واللبن ، ومساحة الأرض ، وعدد الأبنية وطولها وعرضها ، وهذا يتولاّه المهندس فيرسمه ويصوّره ، ثم يحتاج إلى بنّاء يتولّى الأعمال التي عندها تحدث اُصول الأبنية ، ثم يحتاج إلى مزيّن ينقش ظاهره ويزيّن صورته ، فيتولاه غير البناء. هذه هي العادة في التقدير في البناء والتصوير ، وليس كذلك في أفعاله تعالى ، بل هو المقدّر والموجد والصانع ، فهو الخالق والبارئ والمصور(59) .

__________________

(56) القواعد والفوائد 2 : 167.

(57) آل عمران 3 : 49.

(58) غافر 40 : 64 ، التغابن 64 : 3.

(59) المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى : 18.

٣٥

الغفّار :

هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح ، قاله الشهيد(60) .

وقال البادرائي : هو الذي يغفر ذنوب عباده ، وكلّما تكررت التوبة من المذنب تكررت منه تعالى المغفرة ، لقوله :( وإني لغفّارٌ لِمن تابَ ) (61) الآية. والغفر في اللغة : الستر والتغطية ، فالغفّار : الستّار لذنوب عباده.

القهّار القاهر :

بمعنى ، وهو : الذي قهر الجبابرة وقهر العباد بالموت ، غير أنّ قهّار وغفّار وجبّار ووهّاب ورزّاق وفتاح ونحو ذلك من أبنية المبالغة ، لأنّ العرب قد بنت مثال من كرر الفعل على فعّال ، ولهذا يقولون لكثير السؤال : سأّال وسأّالة.

قال :

سَأّالةٌ للفتى ما ليس في يده

ذهّابة بعقول القوم والمالي

وكذا ما بني على فعلان وفعيل كرحمن ورحيم ، إلاّ أن فعلان أبلغ من فعيل. وبنت مثال من بالغ في الأمر وكان قوياً عليه على فعول ، كصبور وشكور. وبنت مثال من فعل الشيء مرّة على فاعل ، نحو سائل وقاتل. وبنت مثال من اعتاد الفعل على مِفعال ، مثل امرأة مذكار إذا كان من عادتها أن تلد الذكور ، ومئناث إذا كان من عادتها أن تلد الإناث ، ومعقاب إذا كان من عادتها أن تلد نوبة ذكراً ونوبة اُنثى ، ورجل منعال ومفضال إذا كان ذلك من عادته.

الوهّاب :

هو من أبنية المبالغة كما مرّ آنفاً ، وهو الذي يجود بالعطايا التي لا تفنى ، وكّل من وهب شيئاً من أعراض الدنيا فهو واهب ولا يسمّى وهّاباً ، بل الوهّاب

__________________

(60) القواعد والفوائد 2 : 168.

(61) طه 20 : 82.

٣٦

من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا ودامت ، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ولا ولداً لعقيم ، قاله البادرائي.

وقال صاحب العدّة : الوّهاب الكثير الهبة ، والمفضال في العطية(62) .

وقال الشهيد : الوهّاب المعطي كل ما يحتاج إليه لكلّ من يحتاج إليه(63) .

الرزّاق الرازق :

بمعنى ، وهو : خالق الأرزقة والمرتزقة والمتكفّل بإيصالها لكلّ نفس ، من مؤمن وكافر ، غير أنّ في الرزّاق المبالغة.

الفتاح :

الحاكم بين عباده ، وفتح الحاكم بين الخصمين : إذا قضى بينهما ، ومنه :( ربّنا افتح بيننا وبينَ قومنا بالحقِ ) (64) أي : احكم.

وهو أيضاً الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ، وهو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

العليم :

العالم بالسرائر والخفيات وتفاصيل المعلومات قبل حدوثها وبعد وجودها(65) .

__________________

(62) عدّة الداعي : 311.

(63) القواعد والفوائد 2 : 68.

(64) الأعراف 7 : 89.

(65) في هامش (ر) : « والعليم مبالغة في العالم ، لأنّ قولنا : عالم ، يفيد أنّ له معلوماً ، كما أنّ قولنا : سامع ، يفيد أنّ له مسموعاً ، وإذا وصفناه بأنّه عليم أفاد أنّه متى صحّ معلوم فهو عالم به ، كما أنّ سميعاً يفيد

٣٧

القابض الباسط :

هوالذي يوسع الرزق ويقدره بحسب الحكمة.

ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما ـ كالخافض والرافع ، والمعزّ والمذلّ ، والضارّ والنافع ، والمبدئ والمعيد ، والمحيي والمميت ، والمقدّم والمؤخّر ، والأول ، والآخر ، والظاهر والباطن ـ لأنّه أنبأ عن القدرة ، وأدلّ على الحكمة ، قال الله تعالى :( واللهُ يقبضُ ويبسطُ ) (66) فإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت الصفة على المنع والحرمان ، وإذا وصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين. فالأولى لمن وقف بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كلّ اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

الخافض الرافع :

هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين بالاسعاد. وقوله :( خافضةُ رافعةٌ ) (67) أي : تخفض أقواماً إلى النار وترفع أقواماً إلى الجنة ، يعني : القيامة.

المعزّ المذلّ :

الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممّن يشاء ، أو الذي أعزّ بالطاعة أولياءه ، فأظهرهم على أعدائه في الدنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى ، وأذل أهل

__________________

أنّه متى وجد مسموع فلابدّ أن يكون سامعاً له ، والعلوم كلّها من جهته تعالى ، لأنّها لا تخلو من أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها ، أو استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها ، فلا علم لأحد إلاّ الله تعالى. منهرحمه‌الله ».

(66) البقرة 2 : 245.

(67) الواقعة 56 : 3.

٣٨

الكفر في الدنيا ، بأن ضربهم بالرق والجزية والصغار ، وفي الآخرة بالخلود في النار(68) .

السميع :

بمعنى السامع ، يسمع السّر والنجوى ، سواء عنده الجهر والخفوت والنطق والسكوت. وقد يكون السميع بمعنى القبول والإجابة ، ومنه قول المصلّي : سمع الله لمن حمده ، معناه : قبل الله حمد من حمده واستجاب له. وقيل : السميع العليم بالمسوعات ، وهي : الأصوات والحروف.

البصير :

العالم بالخفيّات ، وقيل : العالم بالمبصرات.

وفي عبارة الشهيد ،السميع : الذي لا يعزب عن إداركه مسموع خفيّ أو ظاهر ، والبصير : الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسّة والمعاني القديمة(69) .

الحَكَم :

هو الحاكم الذي سلّم له الحكم ، وسمّي الحاكم حاكماً لمنعه الناس من التظالم(70) .

__________________

(68) في هامش (ر) : « وقيل يعزّ المؤمن بتعظيمه والثناء عليه ، ويذلّ الكافر بالجزية والسبي ، وهو سبحانه وإن أفقر أولياءه وابتلاهم في الدنيا ، فإنّ ذلك ليس على سبيل الإذلال ، بل ليكرمهم بذلك في الآخرة ، ويحلّهم غاية الإغزاز والإجلال ، ذكر ذلك الكفعمي في كتابه جُنّة الأمان الواقية. منهرحمه‌الله ».

انظر : جُنّة الأمان الواقية ـ المصباح ـ : 322.

(69) القواعد والفوائد 2 : 168.

(70) في هامش (ر) : « قلت : ومن ذلك اُخذ معنى الحكمة ، لأنّها تمنع من الجهل. وحكمة الدابة ما أحاط بالحنك ، سمّيت بذلك لمنعها من الجماح ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يده

٣٩

العدل :

أي : ذو العدل ، وهو مصدر اُقيم مقام الأصل ، وحفّ به تعالى للمبالغة لكثرة عدله. والعدل : هو الذي يجوز في الحكم ، ورجل عدل وقوم عدل وامرأة عدل ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

اللطيف :

العالم بغوامض الأشياء ، ثم يوصلها إلى المستصلح برفق دون العنف ، أو البرّ بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيّئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، قاله الشهيد في قواعده(71) .

وقيل : اللطيف فاعل اللطف ، وهو ما يقرب معه العبد من الطاعة ويبعد من المعصية ، واللطف من الله التوفيق.

وفي كتاب التوحيد(72) عن الصادقعليه‌السلام : أنّ معنى اللطيف هو :

__________________

ومنعته مما أراد ، وحكمته أيضاً إذا فوّضت إليه الحكم ، وفي حديث النخعي : حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك ، أي : امنعه من الفساد ، وقيل : أي حكّمه في ماله إذا صلح لذلك ، وفي الحديث : إنّ في الشعر لحكمة ، أي : من الشعر كلاماً نافعاً يمنع عن الجهل والسفه وينهى عنهما ، والحكم : الحكمة ، ومنه :( وآتيناه الحكم صبيّاً [ 19 : 12 ]) أي : الحكمة ، وقوله تعالى :( فوهب لي ربيّ حكماً [ 26 : 21 ]) أي : حكمة ، والصمت : حكم وقوله تعالى عن داودعليه‌السلام :( وآتيناه الحكمة [ 38 : 20 ]) قيل : هي الزبور ، وقيل : هي كلّ كلام وافق الحق ، والمحاكمة : المخاصمة إلى الحاكم ، من مغرب المطرزي ، وغريبي الهروي وصحاح الجوهري. منهرحمه‌الله ».

اُنظر : المغرب 1 : 133 حكم ، الصحاح 5 : 1901 حكم.

(71) القواعد والفوائد 2 : 170.

(72) كتاب التوحيد لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، شيخ الحفظة ووجه الطائفة المستحفظة ، ولد بدعاء مولانا صاحب الأمر روحي له الفداء ، وصفه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في التوقيع الخارج من الناحية المقدّسة بأنّه : فقيه خيِّر مبارك ينفع الله به ، فعّمت بركته ببركة الإمام وانتفع به الخاصّ والعامّ ، له عدّة مصنفات ، منها : هذا الكتاب ـ التوحيد ـ توفي سنة ( 381 ه‍ ) بالري ، وقبره قرب قبر عبد العظيم الحسني معروف.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الفصلُ الثاني

الفِكرُ الديني لدى الشيعة

٦١

١) معنى الفكر الديني.

٢) المصادر الرئيسيّة للفكر الديني في الإسلام.

٣) الطُرق التي يعرضها الإسلام للفكر الديني.

٤) الاختلاف بين هذه الطُرق الثلاثة.

٥) الطريق الأوّل: الظواهر الدينيّة، أقسام الظواهر الدينيّة، القرآن وأحاديث الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام).

٦) حديثُ الصحابة.

٧) بحثٌ آخر في الكتاب والسُنّة.

٨) ظاهرُ القرآن وباطنه.

٩) تأويلُ القرآن.

١٠) تتمّةُ البحث عن الحديث.

١١) الشيعةُ والعمل بالحديث.

١٢) التعلّمُ والتعليم العام في الإسلام.

١٣) الشيعةُ والعلوم النقليّة.

٦٢

١. معنى الفكر الديني

يُطلق هذا الاصطلاح على التحقيق والبحث في موضوعٍ من المواضيع الدينيّة، للحصول على نتيجة معيّنة.

كما أنّ المراد من الفكر الرياضي مثلاً: هو الفكر الذي يُعطي النتيجة لنظريّة رياضيّة معيّنة، أو يحلّ مسألة رياضيّة.

٢. المصادرُ الرئيسيّة للفكر الديني في الإسلام

من الطبيعي أنّ الفكر الديني كسائر الأفكار، يَعتمد على مصادر كي يستلهم منها موادّه وأُسسه، كما هو الحال في الفكر الرياضي لحلّ مسألة ما، فإنّه لابدّ من الاستعانة بمجموعة من النظريات والفرضيات، وبالنتيجة ينتهي إلى المعلومات الخاصّة به، والمصدر الوحيد الذي يعتمد عليه الإسلام (من جهة ارتباطه بالوحي السماوي) هو: القرآن الكريم ، إذ إنّه المصدر الرئيسي للنبوّة الشاملة للنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما يحتويه من الدعوة إلى الإسلام، فالقرآن لا ينفي المصادر الأخرى للفكر الصحيح والحُجج الواضحة كما سنتعرّض لها.

٦٣

٣. الطُرق التي يعرضها الإسلام للفكر الديني

فالقرآنُ الكريم يضعُ ثلاثة طُرق أمامَ متّبعيه للوصول إلى المفاهيم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة، ويوضِّح لهم أنّ الظواهر الدينيّة والحُجج العقليّة والإدراك المعنوي، لا يتأتّى إلاّ من الخلوص في العبادة.

إنّ الله سبحانه يخاطب الناس عامّة في القرآن، ويَعرض أموراً دون إقامة حجّة أو دليل، انطلاقاً من قدرة هيمنته كخالق، ويُطالب بقبول الأصول والأُسس الاعتقاديّة: كالتوحيد، والنبوّة، والمعاد، والأحكام العمليّة: كالصلاة، والصوم وغيرها، كما يأمر بالنهي والامتناع أحياناً، وإذا لم تكن الآيات لتعطي الحجيّة، لم يكن ليطالب الناس بقبولها واتّباعها، إذاً لابدّ من القول بأنّ هذه الآيات الواضحة الدلالة طريق لفهم المفاهيم الدينيّة والمعارف الإسلاميّة وإدراكها، ونسمّي هذا البيان اللفظي بالظواهر الدينيّة مثل: ( آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ) ، و ( أَقِيمُواْ الصَّلاةَ )

ونرى القرآن من جهةٍ أخرى في كثير من الآيات يدعو إلى الحُجيّة العقليّة، وذلك بدعوة الناس إلى التفكير والتدبّر في الآفاق والأنفس، وهو يسلك الاستدلال العقلي في بيان الحقائق.

وحقاً أنّ القرآن هو الوحيد من الكتب السماويّة الذي يُعرِّف للإنسان العلم والمعرفة بطريقة استدلاليّة، فالقرآن ببيانه هذا يَعتبر الحجّة العقليّة والاستدلال المنطقي من الأمور المُسلّمة، أي أنّه لا يطالِب بتقبّل المعارف الإسلاميّة دون نقاش،

٦٤

ثُمّ يَنتقل إلى الاحتجاج العقلي، ويستنتج منه المعارف الإسلاميّة، انطلاقاً من الاعتماد الكامل على واقعيّته إذ يقول: مَحِّصوا في الاحتجاج العقلي، واستنبطوا منه صحّة المعارف، ومن ثُمّ القبول والرضا.

وما يُسمع من كلامٍ عن الدعوة الإسلاميّة، يمكن التأمّل فيه والاستفسار عنه، والإصغاء إلى قول الخالق، وبالتالي فإنّ التصديق والإيمان يجب أن يُحصل عليه بدليل أو حجّة، وليس المراد الإيمان مسبقاً، ثُمّ إقامة الأدلّة وفقاً له، فالفكر الفلسفي طريق يدعمهُ القرآن الكريم ويُصادق عليه.

ومن جهةٍ أخرى، نرى القرآن الكريم وبأسلوبه الرائع، يوضِّح لنا أنّ جميع المعارف الحقيقيّة تنبع من التوحيد ومعرفة الله حقيقة، وما كمال معرفة الله جلّ وعلا، إلاّ لأولئك الذين جَعلهم الله من خير عباده، وخَصصهم لنفسه، وهم الذين قد قطعوا علائقهم وارتباطهم بهذا العالَم، ونَسوا كلّ شيء، وإثر الإخلاص والعبوديّة، وجّهوا قواهم إلى العالَم العُلوي، ونوّروا قلوبهم بنور الله سبحانه، ونظروا ببصيرتهم حقائق الأشياء، ومَلكوت السماوات والأرض؛ لأنّهم قد وصلوا إلى مرحلة اليقين، إثر إخلاصهم وعبوديّتهم، وعند حصولهم هذه المنزلة (اليقين)، انكشفَ لهم ملكوت السماوات والأرض، والحياة الخالدة في العالَم الخالد.

ويتّضح هذا الادّعاء مع الالتفات إلى الآيات الكريمة التالية:

قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ) (١) .

وقوله تعالى: ( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) (٢).

ويقول تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ

____________________

(١) سورة الأنبياء: الآية ٢٥، ويُفهم من الآية: أنّ العبادة في الدين فرعٌ للتوحيد، وعليه يُبنى.

(٢) سورة الصافات: الآية ١٥٩، إنّ الوصف فرع من المعرفة والإدراك، ويُفهم من الآية: أنّ المُخلصين فحسب، يعرفون الله حقّ معرفته، والله منزّه عن وصف الآخرين له.

٦٥

فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١).

ويقول سبحانه: ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )(٢) .

وقوله: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٣).

وقوله: ( كَلاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) (٤) .

وقوله تعالى أيضاً: ( كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ) (٥) .

إذاً، إحدى طرق استيعاب المعارف الإلهيّة وإدراكها هي: تهذيب النفس، والإخلاص في العبوديّة.

٤. الاختلافُ بين هذه الطُرق الثلاثة

اتّضح ممّا سبق: أنّ القرآن الكريم يَعرض ثلاثة طُرق لفهم المعارف الدينيّة: الظواهر الدينيّة، والعقل، والإخلاص في العبوديّة، والذي مؤدّاه انكشاف الحقائق،

____________________

(١) سورة الكهف: الآية ١١، يُستنبط من الآية: أنّ الطريق للقاء الله هو التوحيد والعمل الصالح، ولا طريق سواه.

(٢) سورة الحجر: الآية ٩٩، ويُستفاد من الآية: أنّ عبادة الله تؤدّي إلى اليقين.

(٣) سورة الأنعام: الآية ٧٥، يُفهم من الآية: أنّ إحدى لوازم اليقين، مشاهدة مَلكوت السماوات والأرض.

٤) سورة المطفّفين: الآية ٢١، يُستفاد من الآيات: أنّ عاقبة (الأبرار) في كتابٍ يُدعى (علّيين) المرتفع جدّاً، ويُشاهده المقرّبون لله تعالى، عِلماً أنّ لفظ (يشهده) صريحٌ بأنّ المراد ليس الكتاب المخطوط، بل عالَم تقرّب وارتقاء.

(٥) سورة التكاثر: الآية ٥، يُستفاد من الآية: أنّ علم اليقين موروث لمشاهدة عاقبة حالة الأشقياء وهو الجحيم (جهنّم).

٦٦

والمشاهدة الباطنيّة لها، ولكن يجب أن نعلم أنّ هذه الطُرق الثلاثة، تتفاوت فيما بينها من جهاتٍ عدّة:

الأولى: إنّ الظواهر الدينيّة بيانات لفظيّة، تُستفاد من أبسط الألفاظ، وفي متناول أيدي الناس، وكلّ يستفيد (١) منها حسب قدرته وفهمه واستيعابه، على خلاف الطريقين الآخرَين، إذ يختصّان بجماعة خاصّة، ولم يكونا لعامّة الناس.

الثانية: إنّ طريق الظواهر الدينيّة لهوَ الطريق الموصِل إلى أصول المعارف الإسلاميّة وفروعها، ويمكن الحصول على المسائل الاعتقاديّة والأخلاقيّة، وكذا الكلّيات للمسائل العمليّة (فروع الدين)، ولكن جزئيات الأحكام ومصالحها الخاصّة بها لم تكن في متناوَل العقل، وخارجة عن نطاقها، وهكذا طريق تهذيب النفس؛ لأنّ نتيجتها انكشاف الحقائق، وهو عِلم لدُنّي (من قِبل الله تعالى)، ولا يسعنا أن نُحدِّد نتائجها والحقائق التي تنكشف عن هذه الموهبة الإلهيّة، وهؤلاء لمّا انفصلوا عن كلّ شيء ونسوه سوى الله تعالى، فإنّهم تحت رعاية الله بصورة مباشرة، وكلّ ما يريده (لا كلّ ما يريدونه) ينكشف لهم.

____________________

(١) ومن هنا يتّضح لنا قول النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواية ينقلها العامّة والخاصّة: (إنّا مَعاشر الأنبياء نكلِّم الناس على قَدَر عقولهم) البحار ج١: ٣٦.

٦٧

٥. الطريقُ الأوّل: الظواهر الدينيّة أقسامها

وكما سبقت الإشارة إليه: أنّ القرآن الكريم والذي يُعتبر مصدراً أساسيّاً للفكر الديني الإسلامي، قد أعطى للسامعين حُجيّة واعتبار ظواهر الألفاظ، وأنّ هذه الظواهر للآيات قد جَعلت أقوال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المرحلة الثانية بعد القرآن، وتُعتبر حجّة كالآيات القرآنيّة، ويؤيّده قوله تعالى:

( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) (١) .

وقوله جلّ شأنه: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (٢) .

وقوله أيضاً: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٣) .

فإذا لم تكن أقوال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأفعاله وحتّى صَمته وإقراره، حجّة كالقرآن الكريم، لم نجد مفهوماً صحيحاً للآيات المذكورة، لذا فإنّ أقواله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حجّة لازمة الإتّباع، للذين قد سَمعوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،

____________________

(١) سورة النحل: الآية ٤٤.

(٢) سورة الجمعة: الآية ٢.

(٣) سورة الأحزاب: الآية ٢١.

٦٨

أو قد نُقل إليهم عن طريق رواة ثقات، وكذلك يُنقل عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن طُرق متواترة قطعيّة، أنّ أقوال أهل بيته كأقواله، وبموجب هذا الحديث والأحاديث النبويّة القطعيّة الأخرى، تصبح أقوال أهل البيت تالية لأقوال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وواجبة الاتّباع، وأنّ أهل البيت لهم المرجعيّة العلميّة في الإسلام، ولم يخطأوا في تبيان المعارف والأحكام الإسلاميّة، فأقوالهم حجّة يُعتمد عليها سواء كانت مشافهةً أو نقلاً.

يتّضح من هذا التفصيل: أنّ الظواهر الدينيّة والتي تُعتبر مصدراً في الفكر الإسلامي على قسمين: الكتاب، والسُنّة، والمراد بالكتاب: ظواهر الآيات القرآنيّة الكريمة، والمقصود بالسُنّة: الأحاديث المرويّة عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام).

٦. حديثُ الصحابة

أمّا الأحاديث التي تُنقل عن الصحابة، فإذا كانت متضمّنة أقوال الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو أفعاله، ولم تُخالف أحاديث أهل البيت، تؤخَذ بنظر الاعتبار، وإذا كانت متضمّنة لرأي الصحابي فحسب، فليست لها حجيّة، ويُعتبر الصحابي كسائر المسلمين، عِلماً بأنّ الصحابة أنفسهم كانوا يَعتبرون الصحابي كبقيّة المسلمين، ويُعاملونه معاملتهم.

٦٩

٧. بحثٌ آخر في الكتاب والسُنّة

يُعتبر كتاب الله (القرآن الكريم) هو المصدر الأساسي للفكر الإسلامي، وهو الذي يُعطي الاعتبار والحُجيّة للمصادر الدينيّة الأخرى، لذا يجب أن يكون قابلاً للفهم لعامّة الناس.

وفضلاً عن هذا، فإنّ القرآن الكريم يُعلن أنّه نور موضِّح لكلّ شيء، وفي مقام التحدّي يُطالِب بتدبّر آياته، إذ ليس فيه أيّ اختلاف أو تناقض، وإذا كان باستطاعتهم معارضته والإتيان بمثله، لفَعلوا ذلك.

وواضحٌ أنّ القرآن لو لم يكن مفهوماً لدى العامّة، فإنّ مثل هذه الآيات لا اعتبار لها.

وليس هناك مجال للظن، أنّ هذا الموضوع (القرآن يفهمهُ عامّة الناس)، يتنافى مع الموضوع السابق (أنّ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته هم مراجع علميّة للمعارف الإسلاميّة، والتي هي حقيقة يدلّ عليها القرآن الكريم).

إنّ بعضاً من المعارف الإسلاميّة، وهي الأحكام والقوانين التشريعيّة، فإنّ القرآن الكريم يشير إلى الكلّيات منها، ويتوقّف تفصيلها بالرجوع إلى السُنّة (حديث أهل البيت (عليهم السلام)) مثل: أحكام الصلاة، والصوم، والمعاملات، وسائر العبادات.

والبعض الآخر: كالاعتقادات، والأخلاق، وإن كانت مضامينها وتفاصيلها يفهمها العامّة، لكن إدراك وفهم معانيها يستلزم اتّخاذ نهج أهل البيت، مع الاستعانة بالآيات، فإنّها تُفسِّر بعضها بعضاً، ولا يمكن الاستعانة برأي خاص، والذي أصبحَ من العادات والتقاليد، وباتت النفس تستأنس به.

٧٠

يقول الإمام علي (عليه السلام): (كتابُ الله تُبصرون به، وتَنطقون به، وتَسمعون به ويَنطق بعضهُ ببعضه، ويشهدُ بعضهُ على بعض) (١) .

يقول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (القرآن يُصدِّق بعضه بعضاً) (٢) ، وكذا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن فسّر القرآن برأيه، فليتبوّأ مقعدهُ من النار) (٣) .

هناك أمثلة بسيطة لتفسير القرآن بعضهُ ببعض، وذلك في قوله تعالى في قصّة لوط: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ) (٤) .

وفي آيةٍ أخرى جاءت كلمة (ساء) بكلمة (حجارة) كما في الآية الكريمة: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) (٥) .

يتّضح من الآية الثانية: أنّ المراد من الآية الأولى ( فَسَاء مَطَرُ ) هو ( حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ) ، والذي يُتابع أحاديث أهل البيت بدقّة وكذا الروايات المنقولة عن مفسّري الصحابة والتابعين، لا يتردّد بأنّ طريقة تفسير القرآن بالقرآن تنحصر في طريقة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

٨. ظاهرُ القرآن وباطنه

اتّضح أنّ القرآن الكريم بألفاظه وبيانه، يوضِّح الأغراض الدينيّة، ويُعطي الأحكام اللازمة للناس في الاعتقادات والعمل بها، ولكن لا تنحصر أغراض القرآن بهذه المرحلة،

____________________

(١) نهج البلاغة: خطبة رقم ١٣٣.

(٢) الدرّ المنثور ج٢: ٦.

(٣) تفسير الصافي: صفحة ٨، البحار ج١٩: ٢٨.

(٤) سورة الشعراء: الآية ١٧٣.

(٥) سورة الحجر: الآية ٧٤.

٧١

فإنّ في كُنه هذه الألفاظ وهذه الأغراض، تستقرّ مرحلة معنويّة، وأغراض أكثر عُمقاً، والذي يُدركه الخواص بقلوبهم الطاهرة المنزّهة.

فالنبيّ العظيم، وهو المعلّم الإلهي للقرآن يقول: (ظاهرٌ أنيق وباطنٌ عميق) (١) ، ويقول أيضاً: (للقرآن بطنٌ وظهر ولبطنه بطن، إلى سبعة بطون) (٢) ، وقد وردَ الكثير عن باطن القرآن في أقوال أهل البيت (عليهم السلام) (٣) .

فالأصل في هذه الروايات، هو التشبيه الذي قد ذكرهُ الله تعالى في سورة الرعد الآية ١٧، يُشبّه فيه الإفاضات السماويّة بالمطر الذي يَهطل من السماء بقوله:

( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ) .

وتشير هذه الآية: إلى أنّ استيعاب الناس وقدرتهم على اكتساب المعارف السماويّة والتي تُنير النفوس، وتمنحها الحياة متفاوتة.

فهناك مَن لا يُعطي الأصالة لهذا العالَم - الذي سرعان ما يزول - إلاّ للمادّة والحياة الماديّة، ولا يرجو سوى ما تشتهيه نفسه من الحياة الماديّة، ولا يخشى إلاّ الحرمان منها، وهؤلاء على اختلافٍ في مراتبهم.

وغاية ما يمكن قبوله من المعارف السماويّة: هو الاعتقاد بمُجملٍ من المعتقدات، وأداء أحكام الإسلام العمليّة ظاهراً، ومن ثُمّ عبادة الله جلّ شأنه أملاً في الثواب وخوفاً من العقاب.

____________________

(١) تفسير الصافي: صفحة ٤.

(٢) سفينةُ البحار، تفسير الصافي: ص ١٥، الكافي، معاني الأخبار، وروايات أخرى.

(٣) البحار ج١: ١١٧.

٧٢

وهناك أُناس إثر صفاء فطرتهم لا يرونَ السعادة بالركون إلى لذائذ هذه الحياة بأيّامها القليلة الزائلة، وما الفائدة والضرر، والبهجة والبؤس في الحياة هذه إلاّ ظن مغرٍ، وما أولئك الذين كانوا بالأمس سُعداء، وأصبحوا اليوم قَصصاً تُروى، سوى دروس عِبَر لهم تُلقى في أذهانهم باستمرار وعلى الدوام.

وهؤلاء بالطبع يتّجهون بقلوبهم المنزّهة إلى العالَم الأبدي، وينظرون إلى هذا العالَم بما فيه من مظاهر مختلفة، بأنّها دلالات وإشارات لا غير، وليست فيها أيّة أصالة أو استقلال.

وعندما تُفتح لهم أبواب من المعرفة والإدراك المعنوي للآيات والظواهر الأرضيّة والسماويّة، وتَشرق في نفوسهم أنوار غير متناهية من عظمة وجلال الخالق سبحانه، وتَعجب نفوسهم وقلوبهم الطاهرة برموز الخليقة إعجاباً، فتعرج أرواحهم في الفضاء غير المتناهي للعالَم الأبدي، بدلاً من انغماسها في مصالحها الماديّة الخاصّة.

وعندما يستمعون عن طريق الوحي الإلهي، أنّ الله تعالى قد نهى عن عبادة الأوثان، وظاهر الآية مثلاً التعظيم أمام الأصنام، فإنّهم يُدركون أنّ العبادة تختصّ بالله سبحانه، وليس لأحدٍ سواه؛ لأنّ حقيقة العبادة هي العبوديّة المطلقة، وأكثر من هذا، فهم يُدركون على أنّ الخوف والرجاء لا يكون إلاّ من الله ولله وحده، ويجب ألاّ يستسلموا لأهواء النفس، ولا يجوز التوجّه إلاّ لله تعالى.

وعندما يُتلى عليهم حُكم وجوب الصلاة، وظاهر الحُكم إقامة العبادة الخاصّة، لكن بحسب الباطن يدركون أنّ هذه العبادة يجب أن تتحقّق بقلوبهم وبكلّ وجودهم، وأكثر من هذا يجب أن ينسوا أنفسهم، فهم لا شيء تجاه الخالق، ويتفانوا في عبادة الله وحده.

٧٣

وكما هو واضح، أنّ المعنى الباطني المستفاد من المثالين السابقين، لم يكن مدلولاً لفظيّاً للأمر أو النهي بذاته - للذي جَعَل مجال فكره متّسعاً - يُرجِّح النظر إلى العالَم والكون على النظر في نفسه، وما تنطوي عليه من أنانيّة وحُبّ للذات.

ومع هذا البيان، يتبيّن معنى ظاهر القرآن وباطنه، وكذلك يتّضح أنّ باطن القرآن لا يُلغي ولا يُبطل ظاهره، بل إنّه بمنزلة الروح التي تمنح الجسم الحياة، وبما أنّ الإسلام دين عام شامل وأبدي، يهتمّ أوّلاً وقَبل كلّ شيء بإصلاح المجتمع البشري، ولا يتخلّى عن الأحكام الظاهريّة والتي مؤدّاها إصلاح المجتمع، وكذا لا يتخلّى عن الاعتقادات البسيطة والتي تُعتبر حارسة للأحكام المشار إليها.

وكيف يمكن لمجتمع أن ينال السعادة بالاقتناع أنّ الانسان يكفيه أن يكون منزّهاً، وليس هناك ثمّة اعتبار للعمل، ويعيش في حياة مُحاطة بعدم التنظيم والاستقرار؟

وكيف يمكن لفكرٍ سقيم وأقوال سقيمة أن تخلق قلوباً طاهرة زكيّة، أو أن يُظهر من قلبٍ زكي، أقوالاً سقيمة؟

ويقول تعالى في كتابه العزيز: ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) .

ويقول أيضاً: ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً... ) (١) .

ويُستفاد ممّا ذَكرنا: أنّ للقرآن الكريم ظاهراً وباطناً، وباطنهُ أيضاً ذو مراتب مختلفة، والحديث هو المبيّن لمفاهيم القرآن الكريم.

____________________

(١) سورة الأعراف: الآية ٥٨.

٧٤

٩. تأويلُ القرآن

وممّا كان مشهوراً عند إخواننا أهل السُنّة في صدر الإسلام، هو إمكان الرجوع عن ظاهر القرآن الكريم إذا وجِدَ دليل، وأن تُحمل الآية على خلاف الظاهر، هذا ما يسمّى بـ (التأويل) ، فكلمةُ التأويل في القرآن الكريم، كانت تُفسّر بهذا المعنى.

وممّا يُشاهد في كُتب أهل السُنّة: أنّ المناظرات الدينيّة المختلفة، كانت تؤيَّد بإجماع علماء المذاهب، أو بدليلٍ آخر، فإذا ما خالفت ظاهر آية من الآيات القرآنيّة، كانوا يلجأون إلى تأويل الآية، حَملاً لخلاف ظاهرها، وأحياناً كان يلجأ كلّ من الطرفين المتخاصمين لقولين متضاربَين، إلى الآيات القرآنيّة والاحتجاج بها، وكلّ منهما كان يُؤوّل آية الطرف المتخاصم.

قلّما تسرّب هذا النوع من الاحتجاج إلى الشيعة، وقد ذُكر في بعض كُتبهم في علم الكلام…

وممّا يُستفاد من الآيات القرآنيّة وأحاديث أهل البيت بعد تدبّرها: أنّ القرآن الكريم مع صراحته ووضوح بيانه، لا يريد أن تكون الآيات مُبهمة وتبقى لغزاً دون حلٍ، وكلّ ما جاء إلى الناس من أحكام ومسائل، فهي بألفاظ تُناسب ذلك الموضوع.

وما يذكرهُ القرآن بكلمة (تأويل)، لم يكن مدلولاً للفظ، بل حقائق وواقعيّات أعلى شأناً من فهم عامّة الناس، وهي الأساس للمسائل الاعتقاديّة والأحكام العَمَليّة للقرآن.

نعم، إنّ لكلّ آيات القرآن تأويلاً، ولا يُدرَك تأويلهُ عن طريق التفكّر مباشرة، ولا يتّضح ذلك من ألفاظه، وينحصر فهمه وإدراكه للأنبياء والصالحين من عباد الله،

٧٥

الذين نزّهوا أنفسهم من كلّ رجسٍ، فإنّهم يستطيعون إدراكه عن طريق المشاهدة، نعم، إنّ تأويل القرآن سوف ينكشف يوم تقوم الساعة.

نحنُ نعلم جيّداً أنّ احتياج المجتمع المادّي، دَفعَ الإنسان إلى الكلام ووضْعِ الكلمات، وكذا كيفيّة الاستفادة من الألفاظ، فالإنسان في حياته الاجتماعيّة مُضطرّ أن يُبدي ما في ضميره من مفاهيم إلى أبناء نوعه، ويستمدّ العونَ في هذا عن طريق الصوت والأُذن، وقلّما استفاد من الإشارة أو حركة العين.

ومن هنا نجد أنّ التفاهم لا يحصل بين أفرادٍ صُم عُمي؛ لأنّ ما يقولهُ الأعمى لا يسمعهُ الأصمّ، وما يقوم به الأصمّ من الإشارات لا يراها الأعمى، فعلى هذا، فإنّ وضعَ الكلمات وتسمية الأشياء، ما هو إلاّ لرفع الاحتياجات الماديّة، وقد اصطُنعت الكلمات للأشياء والأوضاع والأحوال الماديّة التي تقع في متناول الحِسّ، أو على مَقربة من المحسوس، وكما نشاهد في موارد، إذا كان المخاطَب فاقداً لإحدى الحواس، وأردنا التكلّم معهُ عن طريق ذلك الحسّ المفقود، نلجأ إلى نوعٍ من التمثيل والتشبيه، فعلى سبيل المثال: إذا أردنا أن نصف لشخصٍ أعمى منذ الولادة النور والضياء، وإذا أردنا أن نصف لطفلٍ لم يبلغ سِنّ البلوغ لذّة العمل الجنسي، فإنّنا نقوم بنوع من المقارنة والتشبيه المناسب.

فعليه، إذا افترضنا أنّ هناك في الكون واقعيّات ليست بمادّة (وواقع الأمر هكذا)، فهناك من البشر في كلّ عصر، لا يتجاوز عددهم عدد الأصابع، لهم القدرة على إدراكها ومشاهدتها، وهذه الأمور لا يمكن توضيحها للآخرين عن طريق البيان اللفظي والفكر الاعتيادي، ولا يَسعنا الإشارة إليه إلاّ بالتمثيل والتشبيه، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (١) ، أي لا يتوصّل إليه الفهم الاعتيادي، ولا يبلغهُ.

____________________

(١) سورة الزُخرف: الآية ٣، ٤.

٧٦

ويقول ايضاً: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (١) .

ويقول أيضاً ‎ في شأن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام): ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢) .

وِفقاً لدلالات هذه الآيات، فإنّ القرآن الكريم يَصدر من ناحية تَعجز أفهام الناس من الوصول إليها، والتوغّل فيها، فلا يُدركها إلاّ مَن كان من المُخلَصين وعباده المقرّبين، وأوليائه الصالحين، فأهل بيت النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)خيرُ مصداقٍ لذلك.

ويقول عزّ مَن قائل: ( بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (٣) ، أي ترى الأشياء بالعَيان يوم القيامة.

ويقول أيضاً في آية أخرى: ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) (٤) .

____________________

(١) سورة الواقعة: الآية ٧٧ - ٧٩.

(٢) سورة الأحزاب: الآية ٣٣.

(٣) سورة يونس: الآية ٣٩.

(٤) سورة الأعراف: الآية ٥٣.

٧٧

١٠. تتمّةُ البحث عن الحديث

إنّ اعتبار أصالة الحديث، والذي يؤيّده القرآن الكريم، تقرّه الشيعة وسائر المذاهب الإسلاميّة، ولكنّ أثر التفريط الذي حَصلَ من الولاة والحُكّام في صدر الإسلام في حفظه، والإفراط الذي حَدثَ من الصحابة والتابعين في نشر الأحاديث، كانت عاقبة الحديث مؤسفة مؤلِمة.

فمن جهةٍ، منعَ خلفاء الوقت من كتابة الحديث وتدوينه، إذ كانوا يُحرقون الأوراق التي دوِّنت فيها الأحاديث، ما وَسَعهم ذلك، وأحياناً كانوا يَمنعون من نقل الأحاديث، هذا ما أدّى إلى أنّ الكثير من الأحاديث أصابها التغيير والتحريف والنسيان، ونُقلت الأحاديث بمضامينها.

ومن جهةٍ أخرى، قامَ صحابة النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - الذين حضروا مجلسه، واستمعوا إلى حديثه، وكانوا مورد احترام خلفاء الوقت وعامّة المسلمين - بنشر الأحاديث، حتّى آلَ الأمر إلى أن يصبح الحديث ذا أهميّة أكثر من القرآن، فأحياناً كان الحديث يَنسخ الآية (١) .

وكان يتّفق أنّ نَقَلة الأحاديث، يتحمّلون مصاعب الطريق والسفر لاستماع حديث واحد.

وقد تزيّ البعض من غير المسلمين بزيّ الإسلام، وتلبّس به، وذهبَ بعضٌ من أعداء الإسلام إلى وضع الأحاديث وتغييرها، حيث أسقطوا الحديث

____________________

(١) موضوع نَسخ القرآن بالحديث أحد مواضيع علم الأصول، ويؤيّده جَمع من علماء أهل السُنّة، ويتّضح من قضيّة (فدك) أنّ الخليفة الأوّل يؤيّد ذلك أيضاً.

٧٨

من الاعتبار، والوثوق به (١) .

ولهذا السبب، فكّر علماء الإسلام ومُفكروهم لوضع حلّ لهذه المُعضلة، فوضعوا عِلمَين: عِلمُ الرجال، وعِلم الدراية؛ ليميّزوا الحديث الصحيح من السقيم.

والشيعة فضلاً عن أنّهم يسعونَ لتنقيح سند الحديث، يرونَ وجوب مطابقة الحديث للقرآن الكريم في صحّة اعتباره.

وقد وردَ في أخبار كثيرة (٢) وبأسانيدٍ قطعيّة عن طريق الشيعة، عن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أنّ الحديث الذي يُخالف القرآن لا اعتبارَ له، والحديث المُعتبر هو ما وافقَ القرآن، فوفقاً لهذه الأخبار الشيعيّة، لا يُعمل بالأحاديث التي تُخالف القرآن.

أمّا الأخبار التي (٣) لا يُعلم مدى مخالفتها أو موافقتها، فإنّها توضَع جانباً، دون ردٍّ أو قبول، وتُعتبر مسكوتاً عنها، ويُستدلّ على هذا الأمر بأحاديثٍ أخرى لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يخفى أنّ هناك فئة من الشيعة، مثلَ ما عند أهل السُنّة، يعملونَ بأيّ حديثٍ يقع في متناول أيديهم.

١١. الشيعةُ والعمل بالحديث

الأحاديثُ التي سُمعت من النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) دون واسطة، حُكمها حُكم القرآن الكريم.

____________________

(١) ما يؤيِّد هذا القول: مصنّفات كثيرة وضَعها العلماء في الأحاديث الموضوعة، وكذا في كُتب الرجال اشتهرَ جماعة من الرواة بأنّهم كذّابون وضّاعون.

(٢) البحار ج١: ١٣٩.

(٣) البحار ج١: ١٧١.

٧٩

أمّا الأحاديث التي وصلت إلينا بواسطة، فإنّ الشيعة تعمل بها كالآتي:

فيما يتعلّق بالمسائل الاعتقاديّة والذي يُصرِّح به القرآن، يستلزم العلم والقطع بالخبر المتواتر، أو الخبر الذي تتوفّر في صحّته الشواهد القطعيّة، فإنّه يُعمل به، وعدا هذين النوعين، والذي يسمّى الخبر الواحد، فلا اعتبارَ له.

ولكنّ في استنباط (١) الأحكام الشرعيّة، نظراً للأدلّة القائمة، فضلاً عن الخبر المتواتر والخبر القطعي، فإنّه يُعمل أيضاً بالخبر الواحد الذي يكون موثّقاً.

إذاً، فالخبرُ المتواتر والخبر القطعي مطلقاً عند الشيعة، يكون حجّة ولازم الإتّباع، أمّا الخبر غير القطعي (الخبر الواحد) فإنّه حُجّة بشرط أن يكون موثّقاً في نوعه، وينحصر ذلك في الأحكام الشرعيّة.

١٢. التعلّمُ والتعليم العام في الإسلام

تحصيلُ العلم إحدى الوظائف الدينيّة في الإسلام، وخيرُ دليلٍ على ذلك: قول النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (طَلبُ العلم فريضةٌ على كلّ مسلم ومسلمة)، ووفقاً للأخبار التي تؤيَّد بالشواهد القطعيّة، أنّ المراد من العلم: هو معرفة أصول الدين الثلاثة: (التوحيد، والنبوّة، والمعاد) مع ما يلازمها، ومعرفة الأحكام والقوانين الإسلاميّة بصورة مفصّلة، كلّ حَسب احتياجه.

وواضحٌ أنّ تحصيل العلم في أصول الدين، وإن كان مع دليلٍ مُجمل، فهو ميسور للجميع، ولكنّ تحصيل العلم مع تفاصيل الأحكام والقوانين الدينيّة، لا يتحقّق إلاّ من الاستفادة والاستنباط الفنّي من المصادر الأصليّة،

____________________

(١) مبحثُ حجيّة الخبر الواحد في علم الأصول.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206