كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 48660
تحميل: 5879


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48660 / تحميل: 5879
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

و قال أ تريدون إماما غيري يوقفكم على الطريق التي تطلبونها حتى تطئوها و تسلكوها.ثم ذكر أنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا و هو الهدى و الرشاد فإنه كان في أيام رسول الله ص و خلفائه مقبلا ثم أدبر عند استيلاء معاوية و أتباعه و أقبل منها ما كان مدبرا و هو الضلال و الفساد و معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد قد طعن فيه ص و روى فيه شيخنا أبو عبد الله البصري في كتاب نقض السفيانية على الجاحظ و روى عنه أخبارا كثيرة تدل على ذلك و قد ذكرناها في كتابنا في مناقضة السفيانية.و روى أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار الملوك أن معاوية سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله فقالها ثلاثا فقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك باسم رب العالمين.قوله ع و أزمع الترحال أي ثبت عزمهم عليه يقال أزمعت الأمر و لا يقال أزمعت على الأمر هكذا يقول الكسائي و أجازه الخليل و الفراء.ثم قال ع إنه لم يضر إخواننا القتلى بصفين كونهم اليوم ليسوا بأحياء حياتنا المشوبة بالنغص و الغصص.و يقال ماء رنق بالتسكين أي كدر رنق الماء بالكسر يرنق رنقا فهو رنق و أرنقته أي كدرته و عيش رنق بالكسر أي كدر.ثم أقسم أنهم لقوا الله فوفاهم أجورهم و هذا يدل على ما يذهب إليه جمهور أصحابنا من نعيم القبر و عذابه.ثم قال ع أين إخواني ثم عددهم فقال أين عمار

١٠١

عمار بن ياسر و نسبه و نبذ من أخباره

و هو عمار بن ياسر بن عامر بن كنانة بن قيس العنسي بالنون المذحجي يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم.و نحن نذكر طرفا من أمره من كتاب الإستيعاب لأبي عمر بن عبد البر المحدث قال أبو عمر كان ياسر والد عمار عربيا قحطانيا من عنس في مذحج إلا أن ابنه عمارا كان مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا قدم مكة مع أخوين له يقال لهما مالك و الحارث في طلب أخ لهم رابع فرجع الحارث و مالك إلى اليمن و أقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمة يقال لها سمية فأولدها عمارا فأعتقه أبو حذيفة فمن هاهنا كان عمار مولى بني مخزوم و أبوه عربي لا يختلفون في ذلك و للحلف و الولاء الذي بين بني مخزوم و عمار و أبيه ياسر كان احتمال بني مخزوم على عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه زعموا و كسروا ضلعا من أضلاعه فاجتمعت بنو مخزوم فقالوا و الله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان.قال أبو عمر كان عمار بن ياسر ممن عذب في الله ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه و اطمأن الإيمان بقلبه فنزل فيه( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) و هذا مما أجمع عليه أهل التفسير.

١٠٢

و هاجر إلى أرض الحبشة و صلى إلى القبلتين و هو من المهاجرين الأولين ثم شهد بدرا و المشاهد كلها و أبلى بلاء حسنا ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا يومئذ و قطعت أذنه.قال أبو عمر و قد روى الواقدي عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة و قد أشرف عليها يصيح يا معشر المسلمين أ من الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي و أنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب و هو يقاتل أشد القتال.قال أبو عمر و كان عمار آدم طوالا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين لا يغير شيبة.قال و بلغنا أن عمارا قال كنت تربا لرسول الله ص في سنه لم يكن أحد أقرب إليه مني سنا.وقال ابن عباس في قوله تعالى( أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنَّاسِ ) إنه عمار بن ياسر( كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ) إنه أبو جهل بن هشام

قال و قال رسول الله ص إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه و يروى إلى أخمص قدميه و روى أبو عمر عن عائشة أنها قالت ما من أحد من أصحاب رسول الله ص

١٠٣

أشاء أن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر فإني سمعت رسول الله ص يقول إنه ملئ إيمانا إلى أخمص قدميه.قال أبو عمر و قال عبد الرحمن بن أبزى شهدنا مع علي ع صفين ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة و ستون منهم عمار بن ياسر.

قال أبو عمر و من حديث خالد بن الوليد أن رسول الله ص قال من أبغض عمارا أبغضه الله فما زلت أحبه من يومئذ.

قال أبو عمر و من حديث علي بن أبي طالب ع أن عمارا جاء يستأذن على رسول الله ص يوما فعرف صوته فقال مرحبا بالطيب المطيب يعني عمارا ائذنوا له

قال أبو عمر و من حديث أنس عن النبي ص اشتاقت الجنة إلى أربعة علي و عمار و سلمان و بلال.قال أبو عمر و فضائل عمار كثيرة جدا يطول ذكرها.قال و روى الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال شهدنا مع علي ع صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية و لا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد ص يتبعونه كأنه علم لهم و سمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة يا هاشم تقدم الجنة تحت البارقة

اليوم ألقى الأحبة

محمدا و حزبه

و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قال

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

١٠٤

ضربا يزيل الهام عن مقيله

و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق على سبيله

فلم أر أصحاب محمد ص قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ.قال و قد قال أبو مسعود البدري و طائفة لحذيفة حين احتضر و قد ذكر الفتنة إذا اختلف الناس فبمن تأمرنا قال عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فإنه يزول مع الحق حيث زال.قال أبو عمر و بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا.قال أبو عمر و روى الشعبي عن الأحنف أن عمارا حمل يوم صفين فحمل عليه ابن جزء السكسكي و أبو الغادية الفزاري فأما أبو الغادية فطعنه و أما ابن جزء فاحتز رأسه.قلت هذا الموضع مما اختلف فيه قول أبي عمررحمه‌الله فإنه ذكر في كتاب الكنى من الإستيعاب أبا الغادية بالغين المعجمة و قال إنه جهني من جهينة و جهينة من قضاعة و قد نسبه هاهنا فزاريا.و قال في كتاب الكنى إن اسم أبي الغادية يسار و قيل مسلم.و قد ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف عن أبي الغادية أنه كان يحدث عن نفسه بقتل عمار و يقول إن رجلا طعنه فانكشف المغفر عن رأسه فضربت رأسه فإذا رأس عمار قد ندر.و كيفية هذا القتل تخالف الكيفية التي رواها ابن عبد البر.قال أبو عمر و قد روى وكيع عن شعبة عن عبد بن مرة عن عبد الله بن سلمة

١٠٥

قال لكأني أنظر إلى عمار يوم صفين و هو صريع فاستسقى فأتي بشربة من لبن فشرب فقال

اليوم ألقى الأحبة

إن رسول الله ص عهد إلي أن آخر شربة أشربها في الدنيا شربة من لبن ثم استسقى ثانية فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح من لبن فقال حين شربه الحمد لله الجنة تحت الأسنة و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قاتل حتى قتل.قال أبو عمر و قد روى حارثة بن المضراب قرأت كتاب عمر إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عمارا أميرا و عبد الله بن مسعود معلما و وزيرا و هما من النجباء من أصحاب محمد فاسمعوا لهما و اقتدوا بهما فإني قد آثرتكم بعبد الله على نفسي أثرة.قال أبو عمر و إنما قال عمر هما من النجباء

لقول رسول الله ص إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة من أصحابه نجباء وزراء فقهاء و إني قد أعطيت أربعة عشر حمزة و جعفرا و عليا و حسنا و حسينا و أبا بكر و عمر و عبد الله بن مسعود و سلمان و عمارا و أبا ذر و حذيفة و المقداد و بلالا

قال أبو عمر و تواترت الأخبار عن رسول الله ص أنه قال تقتل عمارا الفئة الباغية و هذا من إخباره بالغيب و أعلام نبوته ص و هو من أصح الأحاديث.و كانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع و ثلاثين و دفنه علي ع في ثيابه و لم يغسله.

١٠٦

و روى أهل الكوفة أنه صلى عليه و هو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون و لكن يصلى عليهم.قال أبو عمر و كانت سن عمار يوم قتل نيفا و تسعين سنة و قيل إحدى و تسعين و قيل اثنتين و تسعين و قيل ثلاثا و تسعين

ذكر أبي الهيثم بن التيهان و طرف من أخباره

ثم قال ع و أين ابن التيهان هو أبو الهيثم بن التيهان بالياء المنقوطة باثنتين تحتها المشددة المكسورة و قبلها تاء منقوطة باثنتين فوقها و اسمه مالك و اسم أبيه مالك أيضا ابن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر الأنصاري أحد النقباء ليلة العقبة و قيل إنه لم يكن من أنفسهم و إنه من بلي بن أبي الحارث بن قضاعة و إنه حليف لبني عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة و شهد بدرا.قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب اختلف في وقت وفاته فذكر خليفة عن الأصمعي قال سألت قومه فقالوا مات في حياة رسول الله ص.قال أبو عمر و هذا لم يتابع عليه قائله.و قيل إنه توفي سنة عشرين أو إحدى و عشرين.و قيل إنه أدرك صفين و شهدها مع علي ع و هو الأكثر.و قيل إنه قتل بها.ثم قال أبو عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال

١٠٧

حدثنا الدولابي قال حدثنا أبو بكر الوجيهي عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال و ممن قتل بصفين عمار و أبو الهيثم بن التيهان و عبد الله بن بديل و جماعة من البدريين رحمهم الله.ثم روى أبو عمر رواية أخرى فقال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق بن علي قال قال أبو نعيم أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك و اسم التيهان عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع علي يوم صفين.قال أبو عمر هذا قول أبي نعيم و غيره.قلت و هذه الرواية أصح من قول ابن قتيبة في كتاب المعارف و ذكر قوم أن أبا الهيثم شهد صفين مع علي ع و لا يعرف ذلك أهل العلم و لا يثبتونه فإن تعصب ابن قتيبة معلوم و كيف يقول لا يعرفه أهل العلم و قد قاله أبو نعيم و قاله صالح بن الوجيه و رواه ابن عبد البر و هؤلاء شيوخ المحدثين

ذكر ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت و طرف من أخباره

ثم قال ع و أين ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس جعل رسول الله ص

١٠٨

شهادته كشهادة رجلين لقصة مشهورة يكنى أبا عمارة شهد بدرا و ما بعدها من المشاهد و كانت راية بني خطمة بيده يوم الفتح.قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب و شهد صفين مع علي بن أبي طالب ع فلما قتل عمار قاتل حتى قتل.قال أبو عمر و قد روي حديث مقتله بصفين من وجوه كثيرة ذكرناها في كتاب الإستيعاب عن ولد ولده و هو محمد بن عمارة بن خزيمة ذي الشهادة و أنه كان يقول في صفين

سمعت رسول الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية ثم قاتل حتى قتل.قلت و من غريب ما وقعت عليه من العصبية القبيحة أن أبا حيان التوحيدي قال في كتاب البصائر إن خزيمة بن ثابت المقتول مع علي ع بصفين ليس هو خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين بل آخر من الأنصار صحابي اسمه خزيمة بن ثابت و هذا خطأ لأن كتب الحديث و النسب تنطق بأنه لم يكن في الصحابة من الأنصار و لا من غير الأنصار خزيمة بن ثابت إلا ذو الشهادتين و إنما الهوى لا دواء له على أن الطبري صاحب التاريخ قد سبق أبا حيان بهذا القول و من كتابه نقل أبو حيان و الكتب الموضوعة لأسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه ثم أي حاجة لناصري أمير المؤمنين أن يتكثروا بخزيمة و أبي الهيثم و عمار و غيرهم لو أنصف

١٠٩

الناس هذا الرجل و رأوه بالعين الصحيحة لعلموا أنه لو كان وحده و حاربه الناس كلهم أجمعون لكان على الحق و كانوا على الباطل.ثم قال ع و أين نظراؤهم من إخوانهم يعني الذين قتلوا بصفين معه من الصحابة كابن بديل و هاشم بن عتبة و غيرهما ممن ذكرناه في أخبار صفين.و تعاقدوا على المنية جعلوا بينهم عقدا و روي تعاهدوا.و أبرد برءوسهم إلى الفجرة حملت رءوسهم مع البريد إلى الفسقة للبشارة بها و الفجرة هاهنا أمراء عسكر الشام تقول قد أبردت إلى الأمير فأنا مبرد و الرسول بريد و يقال للفرانق البريد لأنه ينذر قدام الأسد.قوله أوه على إخواني ساكنة الواو مكسورة الهاء كلمة شكوى و توجع و قال الشاعر:

فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها

و من بعد أرض دونها و سماء

و ربما قلبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا آه على كذا و ربما شددوا الواو و كسروها و سكنوا الهاء فقالوا أوه من كذا و ربما حذفوا الهاء مع التشديد و كسروا الواو فقالوا أو من كذا بلا مد و قد يقولون آوه بالمد و التشديد و فتح الألف و سكون الهاء لتطويل الصوت بالشكاية و ربما أدخلوا فيه الياء تارة يمدونه و تارة لا يمدونه فيقولون أوياه و آوياه و قد أوه الرجل تأويها و تأوه تأوها إذا قال أوه و الاسم منه الآهة بالمد قال المثقب العبدي

إذا ما قمت أرحلها بليل

تأوه آهة الرجل الحزين

١١٠

قوله ع و وثقوا بالقائد فاتبعوه يعني نفسه أي وثقوا بأني على الحق و تيقنوا ذلك فاتبعوني في حرب من حاربت و سلم من سالمت.قوله الجهاد الجهاد منصوب بفعل مقدر.و إني معسكر في يومي أي خارج بالعسكر إلى منزل يكون لهم معسكرا

ذكر سعد بن عبادة و نسبه

و قيس بن سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي صحابي يكنى أبا عبد الملك روى عن رسول الله ص أحاديث و كان طوالا جدا سبطا شجاعا جوادا و أبوه سعد رئيس الخزرج و هو الذي حاولت الأنصار إقامته في الخلافة بعد رسول الله ص و لم يبايع أبا بكر حين بويع و خرج إلى حوران فمات بها قيل قتلته الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا و رووا بيتين من شعر قيل إنهما سمعا ليلة قتله و لم ير قائلهما

نحن قتلنا سيد الخزرج

سعد بن عبادة

و رميناه بسهمين

فلم نخطئ فؤاده

و يقول قوم إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا و هو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الإمام و قد قال بعض المتأخرين في ذلك:

يقولون سعد شكت الجن قلبه

ألا ربما صححت دينك بالغدر

و ما ذنب سعد أنه بال قائما

و لكن سعدا لم يبايع أبا بكر

و قد صبرت من لذة العيش أنفس

و ما صبرت عن لذة النهي و الأمر

١١١

و كان قيس بن سعد من كبار شيعة أمير المؤمنين ع و قائل بمحبته و ولائه و شهد معه حروبه كلها و كان مع الحسن ع و نقم عليه صلحه معاوية و كان طالبي الرأي مخلصا في اعتقاده و وده و أكد ذلك عنده فوات الأمر أباه و ما نيل يوم السقيفة و بعده منه فوجد من ذلك في نفسه و أضمره حتى تمكن من إظهاره في خلافة أمير المؤمنين و كما قيل عدو عدوك صديق لك

ذكر أبي أيوب الأنصاري و نسبه

و أما أبو أيوب الأنصاري فهو خالد بن يزيد بن كعب بن ثعلبة الخزرجي من بني النجار شهد العقبة و بدرا و سائر المشاهد و عليه نزل رسول الله ص لما خرج عن بني عمرو بن عوف حين قدم المدينة مهاجرا من مكة فلم يزل عنده حتى بنى مسجده و مساكنه ثم انتقل إليها و يوم المؤاخاة آخى رسول الله ص بينه و بين مصعب بن عمير.و قال أبو عمر في كتاب الإستيعاب إن أبا أيوب شهد مع علي ع مشاهده كلها و روي ذلك عن الكلبي و ابن إسحاق قالا شهد معه يوم الجمل و صفين و كان مقدمته يوم النهروان.قوله تختطفها الذئاب الاختطاف أخذك الشي‏ء بسرعة و يروى تتخطفها قال تعالى تَخافُونَ أَنْ( يَتَخَطَّفَكُمُ اَلنَّاسُ ) .و يقال إن هذه الخطبة آخر خطبة أمير المؤمنين ع قائما

١١٢

184 من خطبة له ع

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ اَلْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ اَلْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ وَ اِسْتَعْبَدَ اَلْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَ سَادَ اَلْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَ هُوَ اَلَّذِي أَسْكَنَ اَلدُّنْيَا خَلْقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَ لْيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَ لِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَ أَسْقَامِهَا وَ حَلاَلِهَا وَ حَرَامِهَا وَ مَا أَعَدَّ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَ اَلْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَ نَارٍ وَ كَرَامَةٍ وَ هَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اِسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً وَ لِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلاً وَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً المنصبة بالفتح و النصب التعب و الماضي نصب بالكسرة و هم ناصب في قول النابغة

كليني لهم يا أميمة ناصب

ذو نصب مثل رجل تامر و لابن و يقال هو فاعل بمعنى مفعول فيه لأنه ينصب

١١٣

فيه و يتعب كقولهم ليل نائم أي ينام فيه و يوم عاصف أي تعصف فيه الريح و استعبدت فلانا اتخذته عبدا و الضراء الشدة.و معتبر مصدر بمعنى الاعتبار و مصاحها جمع مصحة مفعلة من الصحة كمضار جمع مضرة وصفه سبحانه بأنه معروف بالأدلة لا من طريق الرؤية كما تعرف المرئيات و بأنه يخلق الأشياء و لا يتعب كما يتعب الواحد منا فيما يزاوله و يباشر من أفعاله خلق الخلائق بقدرته على خلقهم لا بحركة و اعتماد و أسبغ النعمة عليهم أوسعها و استعبد الذين يدعون في الدنيا أربابا بعزه و قهره.و ساد كل عظيم بسعة جوده و أسكن الدنيا خلقه كما ورد في الكتاب العزيز( إِنِّي جاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً ) .و بعث رسله إلى الجن و الإنس كما ورد في الكتاب العزيز( يا مَعْشَرَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ) .قال ليكشفوا لهم عن غطاء الدنيا أي عن عوراتها و عيوبها المستورة و ليخوفوهم من مضرتها و غرورها المفضي إلى عذاب الأبد.و ليضربوا لهم أمثالها كالأمثال الواردة في الكتاب العزيز نحو قوله تعالى( إِنَّما مَثَلُ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ اَلسَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ اَلْأَرْضِ ...) الآية.قوله و ليهجموا عليهم هجمت على الرجل دخلت عليه بغتة يقول ليدخلوا عليهم بما في تصاريف الدنيا من الصحة و السقم و ما أحل و ما حرم على طريق الابتلاء.

١١٤

ثم قال و ما أعد الله سبحانه للمطيعين منهم و العصاة يجوز أن تكون ما معطوفة على عيوبها فيكون موضعها نصبا و يجوز أن يكون موضعها جرا و يكون من تتمة أقسام ما يعتبر به و الأول أحسن.ثم قال ع إني أحمد الله كما استحمد إلى خلقه استحمد إليهم فعل ما يوجب عليهم حمده.ثم قال إنه سبحانه جعل لكل شي‏ء من أفعاله قدرا أي فعله مقدرا محدود الغرض اقتضى ذلك القدر و تلك الكيفية كما قال سبحانه( وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .و جعل لكل شي‏ء مقدر وقتا ينتهي إليه و ينقطع عنده و هو الأجل.و لكل أجل كتابا أي رقوما تعرفها الملائكة فتعلم انقضاء عمر من ينقضي عمره و عدم ما ألطافهم في معرفة عدمه : مِنْهَا فِي ذِكْرِ اَلْقُرْآنِ فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وَ صَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ وَ اِرْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ أَتَمَّ نُورَهُ وَ أَكْرَمَ بِهِ دِينَهُ وَ قَبَضَ نَبِيَّهُ ص وَ قَدْ فَرَغَ إِلَى اَلْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ اَلْهُدَى بِهِ فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ وَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلاَّ وَ جَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً وَ آيَةً مُحْكَمَةً تَزْجُرُ عَنْهُ أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ فَرِضَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَ سَخَطُهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ

١١٥

وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْ‏ءٍ سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ لَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيْ‏ءٍ رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ إِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَرٍ بَيِّنٍ وَ تَتَكَلِّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلٍ قَدْ قَالَهُ اَلرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ قَدْ كَفَاكُمْ مَئُونَةَ دُنْيَاكُمْ وَ حَثَّكُمْ عَلَى اَلشُّكْرِ وَ اِفْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ اَلذِّكْرَ وَ أَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى وَ جَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ وَ حَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ وَ نَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ وَ تَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ وَ إِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ قَدْ وَكَّلَ بِذَلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً وَ لاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اَللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ اَلْفِتَنِ وَ نُوراً مِنَ اَلظُّلَمِ وَ يُخَلِّدْهُ فِيمَا اِشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَ يُنْزِلْهُ مَنْزِلَ اَلْكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارٍ اِصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ظِلُّهَا عَرْشُهُ وَ نُورُهَا بَهْجَتُهُ وَ زُوَّارُهَا مَلاَئِكَتُهُ وَ رُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ فَبَادِرُوا اَلْمَعَادَ وَ سَابِقُوا اَلآْجَالَ فَإِنَّ اَلنَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ اَلْأَمَلُ وَ يَرْهَقَهُمُ اَلْأَجَلُ وَ يُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ اَلتَّوْبَةِ فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ اَلرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ أَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَ قَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالاِرْتِحَالِ وَ أُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ جعل القرآن آمرا و زاجر لما كان خالقه و هو الله سبحانه آمرا زاجرا به فأسند الأمر و الزجر إليه كما تقول سيف قاتل و إنما القاتل الضارب به و جعله صامتا ناطقا لأنه من حيث هو حروف و أصوات صامت إذ كان العرض يستحيل أن يكون ناطقا

١١٦

لأن النطق حركة الأداة بالكلام و الكلام يستحيل أن يكون ذا أداة ينطق بالكلام بها و هو من حيث يتضمن الإخبار و الأمر و النهي و النداء و غير ذلك من أقسام الكلام كالناطق لأن الفهم يقع عنده و هذا من باب المجاز كما تقول هذه الربوع الناطقة و أخبرتني الديار بعد رحيلهم بكذا.ثم وصفه بأنه حجة الله على خلقه لأنه المعجزة الأصلية.أخذ سبحانه على الخلائق ميثاقه و ارتهن عليه أنفسهم لما كان سبحانه قد قرر في عقول المكلفين أدلة التوحيد و العدل و من جملة مسائل العدل النبوة و يثبت نبوة محمد ص عقلا كان سبحانه بذلك كالآخذ ميثاق المكلفين بتصديق دعوته و قبول القرآن الذي جاء و جعل به نفسهم رهنا على الوفاء بذلك فمن خالف خسر نفسه و هلك هلاك الأبد.هذا تفسير المحققين و من الناس من يقول المراد بذلك قصة الذرية قبل خلق آدم ع كما ورد في الأخبار و كما فسر قوم عليه الآية.ثم ذكر ع أن الله تعالى قبض رسوله ص و قد فرغ إلى الخلق بالقرآن من الإكمال و الإتمام كقوله تعالى( اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) و إذا كان قد أكمله لم يبق فيه نقص ينتظر إتمامه.قال فعظموا من الله ما عظم من نفسه لأنه سبحانه وصف نفسه بالعظمة و الجلال في أكثر القرآن فالواجب علينا أن نعظمه على حسب ما عظم نفسه سبحانه.ثم علل وجوب تعظيمه و حسن أمره لنا بتعظيمه سبحانه بكونه لم يخف عنا شيئا من أمر ديننا و ذلك لأن الشرعيات مصالح المكلفين و إذا فعل الحكيم سبحانه بنا

١١٧

ما فيه صلاحنا فقد أحسن إلينا و من جملة صلاحنا تعريفنا من الشرعيات ما فعله لطف و مفض بنا إلى الثواب و هذا أبلغ ما يكون من الإحسان و المحسن يجب تعظيمه و شكره.قال لم يترك شيئا إلا و جعل له نصا ظاهرا يدل عليه أو علما يستدل به عليه أي إما منصوص عليه صريحا أو يمكن أن يستنبط حكمه من القرآن إما بذكره أو بتركه فيبقى على البراءة الأصلية و حكم العقل.قوله فرضاه فيما بقي واحد معناه أن ما لم ينص عليه صريحا بل هو في محل النظر ليس يجوز للعلماء أن يجتهدوا فيه فيحله بعضهم و يحرمه بعضهم بل رضا الله سبحانه أمر واحد و كذلك سخطه فليس يجوز أن يكون شي‏ء من الأشياء يفتي فيه قوم بالحل و قوم بالحرمة و هذا قول منه ع بتحريم الاجتهاد و قد سبق منه ع مثل هذا الكلام مرارا.قوله و اعلموا أنه ليس يرضى عنكم الكلام إلى منتهاه معناه أنه ليس يرضى عنكم بالاختلاف في الفتاوي و الأحكام كما اختلف الأمم من قبلكم فسخط اختلافهم قال سبحانه( إِنَّ اَلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ‏ءٍ ) .و كذلك ليس يسخط عليكم بالاتفاق و الاجتماع الذي رضيه ممن كان قبلكم من القرون.و يجوز أن يفسر هذا الكلام بأنه لا يرضى عنكم بما سخطه على الذين من قبلكم من الاعتقادات الفاسدة في التوحيد و العدل و لا يسخط عليكم بما تعتقدونه من الاعتقادات الصحيحة التي رضيها ممن كان قبلكم في التوحيد و العدل فيكون الكلام مصروفا إلى الأصول لا إلى الفروع.

١١٨

قال و إنما تسيرون في أثر بين أي إن الأدلة واضحة و ليس مراده الأمر بالتقليد و كذلك قوله و تتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم يعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله قد قالها الموحدون من قبل هذه الملة لا تقليدا بل بالنظر و الدليل فقولوها أنتم كذلك.ثم ذكر أنه سبحانه قد كفى الخلق مئونة دنياهم قال الحسن البصري إن الله تعالى كفانا مئونة دنيانا و حثنا على القيام بوظائف ديننا فليته كفانا مئونة ديننا و حثنا على القيام بوظائف دنيانا.قوله و افترض من ألسنتكم الذكر افترض عليكم أن تذكروه و تشكروه بألسنتكم و من متعلقة بمحذوف دل عليه المصدر المتأخر تقديره و افترض عليكم الذكر من ألسنتكم الذكر.ثم ذكر أن التقوى المفترضة هي رضا الله و حاجته من خلقه لفظة حاجته مجاز لأن الله تعالى غني غير محتاج و لكنه لما بالغ في الحث و الحض عليها و توعد على تركها جعله كالمحتاج إلى الشي‏ء و وجه المشاركة أن المحتاج يحث و يحض على حاجته و كذلك الآمر المكلف إذا أكد الأمر.قوله أنتم بعينه أي يعلم أحوالكم و نواصيكم بيده الناصية مقدم شعر الرأس أي هو قادر عليكم قاهر لكم متمكن من التصرف فيكم كالإنسان القابض على ناصية غيره.و تقلبكم في قبضته أي تصرفكم تحت حكمه لو شاء أن يمنعكم منعكم فهو كالشي‏ء في قبضة الإنسان إن شاء استدام القبض عليه و إن شاء تركه.ثم قال إن أسررتم أمرا علمه و إن أظهرتموه كتبه ليس على أن الكتابة غير العلم بل هما شي‏ء واحد و لكن اللفظ مختلف.

١١٩

ثم ذكر أن الملائكة موكلة بالمكلف و هذا هو نص الكتاب العزيز و قد تقدم القول في ذلك.ثم انتقل إلى ذكر الجنة و الكلام يدل على أنها في السماء و أن العرش فوقها.و معنى قوله اصطنعها لنفسه إعظامها و إجلالها كما قال لموسى( وَ اِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) و لأنه لما تعارف الناس في تعظيم ما يصنعونه أن يقول الواحد منهم لصاحبه قد وهبتك هذه الدار التي اصطنعتها لنفسي أي أحكمتها و لم أكن في بنائها متكلفا بأن أبنيها لغيري صح و حسن من البليغ الفصيح أن يستعير مثل ذلك فيما لم يصطنعه في الحقيقة لنفسه و إنما هو عظيم جليل عنده.قوله و نورها بهجته هذا أيضا مستعار كأنه لما كان إشراق نورها عظيما جدا نسبه إلى بهجة البارئ و ليس هناك بهجة على الحقيقة لأن البهجة حسن الخلقة قال تعالى( وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) أي من كل صنف حسن.قوله و زوارها ملائكته قد ورد في هذا من الأخبار كثير جدا و رفقاؤها رسله من قوله تعالى( وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) .و يوشك بكسر الشين فعل مستقبل ماضيه أوشك أي أسرع.و رهقه الأمر بالكسر فاجأه.و يسد عنهم باب التوبة لأنه لا تقبل عند نزول الموت بالإنسان من حيث كان يفعلها خوفا فقط لا لقبح القبيح قال تعالى( وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ ) .

١٢٠