كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 48650
تحميل: 5879


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48650 / تحميل: 5879
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

و إنما قال في مثل ما سأل إليه الرجعة من كان قبلكم كقوله سبحانه( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .و بنو سبيل أرباب طريق مسافرون.و أوذن فلان بكذا أعلم و آذنته أعلمته.و قد تقدم لنا كلام بالغ في التقوى و ماهيتها و تأكيد وصاة الخالق سبحانه و الرسول ع بها

نبذ و أقاويل في التقوى

روى المبرد في الكامل أن رجلا قال لعمر بن الخطاب اتق الله يا أمير المؤمنين فقال له رجل أ تألت على أمير المؤمنين أي أ تنتقصه فقال عمر دعه فلا خير فيهم إذا لم يقولوها و لا خير فينا إذا لم تقل لنا.و كتب أبو العتاهية إلى سهل بن صالح و كان مقيما بمكة أما بعد فأنا أوصيك بتقوى الله الذي لا غناء بك عن تقاته و أتقدم إليك عن الله و نذكرك مكر الله فيما دبت به إليك ساعات الليل و النهار فلا تخدعن عن دينك فإن ساعاتك أوقاتك إن ظفرت بذلك منك وجدت الله فيك أسرع مكرا و أنفذ فيك أمرا و وجدت ما مكرت به في غير ذات الله غير راد عنك يد الله و لا مانع لك من أمر الله و لعمري لقد ملأت عينك الفكر و اضطربت في سمعك أصوات العبر و رأيت آثار نعم الله نسختها آثار نقمه حين استهزئ بأمره و جوهر بمعاندته ألا إن في حكم الله

١٢١

أنه من أكرمه الله فاستهان بأمره أهانه الله السعيد من وعظ بغيره لا وعظك الله في نفسك و جعل عظتك في غيرك و لا جعل الدنيا عليك حسرة و ندامة برحمته.و

من كلام رسول الله ص لا كرم كالتقوى و لا مال أعود من العقل و لا وحدة أوحش من العجب و لا عقل كالتدبير و لا قرين كحسن الخلق و لا ميراث كالأدب و لا فائدة كالتوفيق و لا تجارة كالعمل الصالح و لا ربح كثواب الله و لا ورع كالوقوف عند الشبهة و لا زهد كالزهد في الحرام و لا علم كالتفكر و لا عبادة كأداء الفرائض و لا إيمان كالحياء و الصبر و لا حسب كالتواضع و لا شرف كالعلم و لا مظاهرة أوفق من المشورة فاحفظ الرأس و ما حوى و البطن و ما وعى و اذكر الموت و طول البلى : وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا اَلْجِلْدِ اَلرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى اَلنَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ اَلدُّنْيَا فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ اَلشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَ اَلْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَ اَلرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَ قَرِينَ شَيْطَانٍ أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى اَلنَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَ إِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ أَيُّهَا اَلْيَفَنُ اَلْكَبِيرُ اَلَّذِي قَدْ لَهَزَهُ اَلْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا اِلْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ اَلنَّارِ بِعِظَامِ اَلْأَعْنَاقِ وَ نَشِبَتِ اَلْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ اَلسَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اَللَّهَ مَعْشَرَ اَلْعِبَادِ وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي اَلصِّحَّةِ قَبْلَ اَلسُّقْمِ وَ فِي اَلْفُسْحَةِ قَبْلَ اَلضِّيقِ فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا

١٢٢

أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَ أَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَ اِسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَ أَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَ خُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لاَ تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ( إِنْ تَنْصُرُوا اَللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ) وَ قَالَ تَعَالَى( مَنْ ذَا اَلَّذِي يُقْرِضُ اَللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَ لَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اِسْتَنْصَرَكُمْ وَ لَهُ جُنُودُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ وَ اِسْتَقْرَضَكُمْ وَ لَهُ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ هُوَ اَلْغَنِيُّ اَلْحَمِيدُ وَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اَللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَ أَزَارَهُمْ مَلاَئِكَتَهُ وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَ صَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَ نَصَباً( ذلِكَ فَضْلُ اَللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اَللَّهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ ) أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَ أَنْفُسِكُمْ وَ هُوَ حَسْبُنَا وَ نِعْمَ اَلْوَكِيلُ الرمضاء الأرض الشديدة الحرارة و الرمض بالتحريك شدة وقع الشمس على الرمل و غيره و قد رمض يومنا بالكسر يرمض رمضا اشتد حره و أرض رمضة الحجارة و رمضت قدمه من الرمضاء احترقت.

١٢٣

و الطابق بالفتح الآجرة الكبيرة و هو فارسي معرب.و ضجيع حجر يومئ فيه إلى قوله تعالى( وَقُودُهَا اَلنَّاسُ وَ اَلْحِجارَةُ ) قيل إنها حجارة الكبريت.و قرين شيطان يومئ فيه إلى قوله تعالى( قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ ) .و حطم بعضها بعضا كسره أو أكله و الحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ما تلقى و منه سمي الرجل الكثير الأكل حطمة.و اليفن الشيخ الكبير و لهزه خالطه و يقال له حينئذ ملهوز ثم أشمط ثم أشيب و لهزت القوم خالطتهم و دخلت بينهم.و القتير الشيب و أصله رءوس المسامير في الدروع تسمى قتيرا.و التحمت أطواق النار بالعظام التفت عليها و انضمت إليها و التصقت بها.و الجوامع جمع جامعة و هي الغل لأنها تجمع اليدين إلى العنق.و نشبت علقت و السواعد جمع ساعد و هو الذراع.و في من قوله في الصحة قبل السقم متعلقة بالمحذوف الناصب لله و هو اتقوا أي اتقوه سبحانه في زمان صحتكم قبل أن ينزل بكم السقم و في فسحة أعماركم قبل أن تبدل بالضيق.و فكاك الرقاب بفتح الفاء عتقها قبل أن تغلق رهائنها يقال غلق الرهن بالكسر إذا استحقه المرتهن بألا يفكه الراهن في الوقت المشروط و كان ذلك من شرع الجاهلية فنهى عنه النبي ص و قال لا يغلق الرهن.

١٢٤

و خذوا من أجسادكم أي أتعبوها بالعبادة حتى تنحل.و القل القلة و الذل الذلة.و حسيس النار صوتها و اللغوب النصب

طرف و أخبار

و نظير قوله ع استقرضكم و له خزائن السماوات و الأرض ما رواه المبرد في الكامل عن أبي عثمان المازني عن أبي زيد الأنصاري قال وقف علينا أعرابي في حلقة يونس النحوي فقال الحمد لله كما هو أهله و أعوذ بالله أن أذكر به و أنساه خرجنا من المدينة مدينة الرسول ص ثلاثين رجلا ممن أخرجته الحاجة و حمل على المكروه و لا يمرضون مرضاهم و لا يدفنون ميتهم و لا ينتقلون من منزل إلى منزل و إن كرهوه و الله يا قوم لقد جعت حتى أكلت النوى المحرق و لقد مشيت حتى انتعلت الدم و حتى خرج من قدمي بخص و لحم كثير أ فلا رجل يرحم ابن سبيل و فل طريق و نضو سفر فإنه لا قليل من الأجر و لا غنى عن ثواب الله و لا عمل بعد الموت و هو سبحانه يقول( مَنْ ذَا اَلَّذِي

١٢٥

يُقْرِضُ اَللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ) ملي وفي ماجد واجد جواد لا يستقرض من عوز و لكنه يبلو الأخيار.قال المازني فبلغني أنه لم يبرح حتى أخذ ستين دينارا.و من كلام علي بن عبيدة الريحاني الأيام مستودعات الأعمال و نعم الأرضون هي لمن بذر فيها الخير و العمل الصالح.و خطب الحجاج فقال أيها الناس إنكم أغراض حمام و فرص هلكة قد أنذركم القرآن و نادى برحيلكم الجديدان ها إن لكم موعدا لا تؤخر ساعته و لا تدفع هجمته و كان قد دلفت إليكم نازلته فتعلق بكم ريب المنون و علقت بكم أم اللهيم الحيزبون فما ذا هيأتم للرحيل و ما ذا أعددتم للنزيل من لم يأخذ أهبة الحذر نزل به مرهوب القدر

خطبة لأبي الشخباء العسقلاني

قلت و قد شغف الناس في المواعظ بكلام كاتب محدث يعرف بابن أبي الشخباء

١٢٦

العسقلاني و أنا أورد هاهنا خطبة من مواعظه هي أحسن ما وجدته له ليعلم الفرق بين الكلام الأصيل و المولد.أيها الناس فكوا أنفسكم من حلقات الآمال المتعبة و خففوا ظهوركم من الآصار المستحقبة و لا تسيموا أطماعكم في رياض الأماني المتشعبة و لا تميلوا صغواكم إلى زبارج الدنيا المحببة فتظل أجسامكم في هشائمها عاملة نصبة أ ما علمتم أن طباعها على الغدر مركبة و أنها لأعمار أهلها منتهبة و لما ساءهم منتظرة مرتقبة في هبتها راجعة متعقبة فانضوا رحمكم الله ركائب الاعتبار مشرقة و مغربة و أجروا خيول التفكر مصعدة و مصوبة هل تجدون إلا قصورا على عروشها خربة و ديارا معطشة من أهلها مجدبة أين الأمم السالفة المتشعبة و الجبابرة الماضية المتغلبة و الملوك المعظمة المرجبة أولو الحفدة و الحجبة و الزخارف المعجبة و الجيوش الحرارة اللجبة و الخيام الفضفاضة المطنبة و الجياد الأعوجية المجنبة و المصاعب الشدقمية المصحبة و اللدان المثقفة المدربة و الماذية الحصينة المنتخبة طرقت و الله خيامهم غير منتهبة و أزارتهم من الأسقام سيوفا معطبة و سيرت إليهم الأيام من نوبها كتائب مكتبة فأصبحت أظفار المنية من مهجهم قانية مختضبة و غدت أصوات النادبات عليهم مجلبة و أكلت لحومهم هوام الأرض السغبة ثم إنهم مجموعون ليوم لا يقبل فيه عذر و لا معتبة و تجازى كل نفس بما كانت مكتسبة فسعيدة مقربة تجري من تحتها الأنهار مثوبة و شقية معذبة في النار مكبكبة.هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب و هي كما تراها ظاهرة التكلف بينة التوليد تخطب على نفسها و إنما ذكرت هذا لأن كثيرا من أرباب الهوى يقولون إن كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة و ربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن و غيره و هؤلاء قوم أعمت العصبية أعينهم فضلوا عن النهج الواضح

١٢٧

و ركبوا بنيات الطريق ضلالا و قلة معرفة بأساليب الكلام و أنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط فأقول

رأي للمؤلف في كتاب نهج البلاغة

لا يخلو إما أن يكون كل نهج البلاغة مصنوعا منحولا أو بعضه و الأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين ع و قد نقل المحدثون كلهم أو جلهم و المؤرخون كثيرا منه و ليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك و الثاني يدل على ما قلناه لأن من قد أنس بالكلام و الخطابة و شدا طرفا من علم البيان و صار له ذوق في هذا الباب لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك و الفصيح و بين الفصيح و الأفصح و بين الأصيل و المولد و إذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط فلا بد أن يفرق بين الكلامين و يميز بين الطريقتين أ لا ترى أنا مع معرفتنا بالشعر و نقده لو تصفحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام و نفسه و طريقته و مذهبه في القريض أ لا ترى أن العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر و كذلك حذفوا من شعر أبي نواس شيئا كثيرا لما ظهر لهم أنه ليس من ألفاظه و لا من شعره و كذلك غيرهما من الشعراء و لم يعتمدوا في ذلك إلا على الذوق خاصة.و أنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماء واحدا و نفسا واحدا و أسلوبا واحدا كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفا لباقي الأبعاض في الماهية و كالقرآن العزيز أوله كأوسطه و أوسطه كآخره و كل سورة منه و كل آية مماثلة في

١٢٨

المأخذ و المذهب و الفن و الطريق و النظم لباقي الآيات و السور و لو كان بعض نهج البلاغة منحولا و بعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم أن هذا الكتاب أو بعضه منحول إلى أمير المؤمنين ع.و اعلم أن قائل هذا القول يطرق على نفسه ما لا قبل له به لأنا متى فتحنا هذا الباب و سلطنا الشكوك على أنفسنا في هذا النحو لم نثق بصحة كلام منقول عن رسول الله ص أبدا و ساغ لطاعن أن يطعن و يقول هذا الخبر منحول و هذا الكلام مصنوع و كذلك ما نقل عن أبي بكر و عمر من الكلام و الخطب و المواعظ و الأدب و غير ذلك و كل أمر جعله هذا الطاعن مستندا له فيما يرويه عن النبي ص و الأئمة الراشدين و الصحابة و التابعين و الشعراء و المترسلين و الخطباء فلناصري أمير المؤمنين ع أن يستندوا إلى مثله فيما يروونه عنه من نهج البلاغة و غيره و هذا واضح

١٢٩

185 و من كلام له ع قاله للبرج بن مسهر الطائي

و قد قال له بحيث يسمعه لا حكم إلا الله و كان من الخوارج : اُسْكُتْ قَبَحَكَ اَللَّهُ يَا أَثْرَمُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ ظَهَرَ اَلْحَقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلاً شَخْصُكَ خَفِيّاً صَوْتُكَ حَتَّى إِذَا نَعَرَ اَلْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ اَلْمَاعِزِ البرج بن مسهر بضم الميم و كسر الهاء بن الجلاس بن وهب بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك بن جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طي بن داود بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان شاعر مشهور من شعراء الخوارج نادى بشعارهم بحيث يسمعه أمير المؤمنين ع فزجره.و قبحك الله لفظة معناها كسرك يقال قبحت الجوزة أي كسرتها و قيل قبحه نحاه عن الخير و كان البرج ساقط الثنية فأهانه بأن دعاه به كما يهان الأعور بأن يقال له يا أعور.و الضئيل الدقيق الخفي ضؤل الرجل بالضم ضآلة نحف و ضؤل رأيه صغر و رجل متضائل أي شخت و كذلك ضؤلة.

١٣٠

و نعر الباطل صاح و المراد أهل الباطل و نعر فلان في الفتنة نهض فيها.و نجم طلع أي طلع بلا شرف و لا شجاعة و لا قدم بل على غفلة كما ينبت قرن الماعز و هذا من باب البديع و هو أن يشبه الأمر يراد إهانته بالمهين و يشبه الأمر يراد إعظامه بالعظيم و لو كان قد تكلم في شأن ناجم يريد تعظيمه لقال نجم نجوم الكوكب من تحت الغمام نجوم نور الربيع من الأكمام و نحو ذلك

١٣١

186 و من خطبة له ع

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلاً عَابِداً فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ اَلْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتَثَاقَلَ ع عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا هَمَّامُ اِتَّقِ اَللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَ( إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا وَ اَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا اَلْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ ص ثُمَّ قَالَ ع أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ اَلْخَلْقَ حَيْثُ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ اَلدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ اَلْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ اَلصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ اَلاِقْتِصَادُ وَ مَشْيُهُمُ اَلتَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى اَلْعِلْمِ اَلنَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي اَلْبَلاَءِ كَالَّذِي نُزِّلَتْ فِي اَلرَّخَاءِ وَ لَوْ لاَ اَلْأَجَلُ اَلَّذِي كَتَبَ اَللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى اَلثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ اَلْعِقَابِ

١٣٢

عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَ اَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ اَلنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَ أَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ اَلدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اَللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ اَلْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَ يَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَ تَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَ ظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَ شَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَ أَكُفِّهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَ أَمَّا اَلنَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ اَلْخَوْفُ بَرْيَ اَلْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ اَلنَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَ مَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَ يَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ اَلْقَلِيلَ وَ لاَ يَسْتَكْثِرُونَ اَلْكَثِيرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اَللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اِجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَ اِغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ

١٣٣

همام المذكور في هذه الخطبة هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة بن عمرو بن جابر بن يحيى بن الأصهب بن كعب بن الحارث بن سعد بن عمرو بن ذهل بن مران بن صيفي بن سعد العشيرة.و كان همام هذا من شيعة أمير المؤمنين ع و أوليائه و كان ناسكا عابدا قال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى أصير بوصفك إياهم كالناظر إليهم.فتثاقل عن جوابه أي أبطأ.فعزم عليه أي أقسم عليه و تقول لمن يكرر عليك الطلب و السؤال قد عزم علي أي أصر و قطع و كذلك تقول في الأمر تريد فعله و تقطع عليه عزمت عزما و عزمانا و عزيمة و عزيما.فإن قلت كيف جاز له ع أن يتثاقل عن جواب المسترشد.قلت يجوز أن يكون تثاقل عن جوابه لأنه علم أن المصلحة في تأخير الجواب و لعله كان حضر المجلس من لا يحب أن يجيب و هو حاضر فلما انصرف أجاب و لعله رأى أن تثاقله عن الجواب يشد تشوق همام إلى سماعه فيكون أنجع في موعظته و لعله كان من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة لا من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة و لعله تثاقل عن الجواب ليرتب المعاني التي خطرت له في ألفاظ مناسبة لها ثم ينطق بها كما يفعله المتروي في الخطبة و القريض.فإن قلت فما معنى إجابته له أولا بقوله يا همام اتق الله و أحسن ف( إِنَّ اَللَّهَ مَعَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا وَ اَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) و أي جواب في هذا عن سؤال همام.

١٣٤

قلت كأنه لم ير في بادئ الحال شرح صفات المتقين على التفصيل فقال لهمام ماهية التقوى معلومة في الجملة فاتق الله و أحسن فإن الله قد وعد في كتابه أن يكون وليا و ناصرا لأهل التقوى و الإحسان و هذا كما يقول لك قائل ما صفات الله الذي أعبده أنا و الناس فتقول له لا عليك ألا تعرف صفاته مفصلة بعد أن تعلم أنه خالق العالم و أنه واحد لا شريك له فلما أبى همام إلا الخوض فيما سأله على وجه التفصيل قال له إن الله تعالى خلق الخلق حين خلقهم و يروى حيث خلقهم و هو غني عن طاعتهم لأنه ليس بجسم فيستضر بأمر أو ينتفع به.و قسم بين الخلق معايشهم كما قال سبحانه( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا ) .و في قوله وضعهم مواضعهم معنى قوله( وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) فكأنه ع أخذ الألفاظ فألغاها و أتى بمعناها.فلما فرغ من هذه المقدمة شرع في ذكر صفات المتقين فقال إنهم أهل الفضائل ثم بين ما هذه الفضائل فقال منطقهم الصواب.فإن قلت أي فائدة في تقديم تلك المقدمة و هي كون البارئ سبحانه غنيا لا تضره المعصية و لا تنفعه الطاعة.قلت لأنه لما تضمنت الخطبة مدح الله تعالى للمتقين و ما أعده لهم من الثواب و ذمه للعاصين و ما أعده لهم من العقاب العظيم فربما يتوهم متوهم أن الله تعالى ما رغب في الطاعة

١٣٥

هذا الترغيب البالغ و خوف من المعصية هذا التخويف البالغ إلا و هو منتفع بالأولى مستضر بالثانية فقدم ع تلك المقدمة نفيا لهذا الوهم

فصل في فضل الصمت و الاقتصاد في المنطق

و اعلم أن القول في خطر الكلام و فضل الصمت و فضل الاقتصار في المنطق وسيع جدا و قد ذكرنا منه طرفا فيما تقدم و نذكر الآن منه طرفا آخر.

قال النبي ص من صمت نجا و قال أيضا الصمت حكم و قليل فاعله و قال له ص بعض أصحابه أخبرني عن الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحدا بعدك فقال قل آمنت بالله ثم استقم قال فما أتقي فأومأ بيده إلى لسانه و قال له ع عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة قال املك عليك لسانك و ابك على خطيئتك و ليسعك بيتك و روى سهل بن سعد الساعدي عنه ص من يتوكل لي بما بين لحييه و رجليه أتوكل له بالجنة و قال من وقي شر قبقبه و ذبذبه و لقلقه فقد وقي و روى سعيد بن جبير مرفوعا إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تشكو

١٣٦

اللسان تقول أي بني آدم اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا و إن اعوججت اعوججنا.و قد روي أن عمر رأى أبا بكر و هو يمد لسانه فقال ما تصنع قال هذا الذي أوردني الموارد

إن رسول الله ص قال ليس شي‏ء في الجسد إلا يشكو إلى الله تعالى اللسان على حدته و سمع ابن مسعود يلبي على الصفا و يقول يا لسان قل خيرا تغنم أو اصمت تسلم من قبل أن تندم فقيل له يا أبا عبد الرحمن أ هذا شي‏ء سمعته أم تقوله من تلقاء نفسك قال بل سمعت رسول الله ص يقول أكثر خطايا ابن آدم من لسانه و روى الحسن مرفوعا رحم الله عبدا تكلم فغنم أو سكت فسلم و قالت التلامذة لعيسى ع دلنا على عمل ندخل به الجنة قال لا تنطقوا أبدا قالوا لا نستطيع ذلك قال فلا تنطقوا إلا بخير و قال النبي ص إن الله عند لسان كل قائل فاتقى الله امرؤ علم ما يقول و كان يقول لا شي‏ء أحق بطول سجن من لسان و كان يقال لسانك سبع إن أطلقته أكلك.في حكمة آل داود حقيق على العاقل أن يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شانه.و كان يقال من علم أن كلامه من عمله أقل كلامه فيما لا ينفعه.و قال محمد بن واسع حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار و الدرهم.

١٣٧

اجتمع أربعة حكماء من الروم و الفرس و الهند و الصين فقال أحدهم أنا أندم على ما قلت و لا أندم على ما لم أقل و قال الآخر إذا تكلمت بالكلمة ملكتني و لم أملكها و إذا لم أتكلم ملكتها و لم تملكني و قال الآخر عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته و إن لم ترجع لم تنفعه و قال الرابع أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.

ذكر الآثار الواردة في آفات اللسان

و اعلم أن آفات اللسان كثيرة فمنها الكلام فيما لا يعنيك و هو أهون آفات اللسان و مع ذلك فهو عيب

قال النبي ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه و روي أنه ع مر بشهيد يوم أحد فقال أصحابه هنيئا له الجنة قال و ما يدريكم لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه و قال ابن عباس خمس هي أحسن و أنفع من حمر النعم لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل لا آمن عليه الوزر و لا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا فرب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فأساء و لا تمار حليما و لا سفيها فإن الحليم يقليك و السفيه يؤذيك و اذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به و أعفه عما تحب أن يعفيك عنه و اعمل عمل رجل يرى أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالجرائم.و منها فضول الكلام و كثرته و ترك الاقتصار و كان يقال فضول المنطق و زيادته نقص في العقل و هما ضدان متنافيان كلما زاد أحدهما نقص الآخر.

١٣٨

و قال عبد الله بن مسعود إياكم و فضول الكلام حسب امرئ ما بلغ به حاجته و كان يقال من كثر كلامه كثر سقطه.و قال الحسن فضول الكلام كفضول المال كلاهما مهلك.و منها الخوض في الباطل و الحديث فيما لا يحل كحديث النساء و مجالس الخمر و مقامات الفساق و إليه الإشارة بقوله تعالى( وَ كُنَّا نَخُوضُ مَعَ اَلْخائِضِينَ ) .و منها المراء و الجدال

قال ع دع المراء و إن كنت محقا و قال مالك بن أنس المراء يقسي القلب و يورث الضغائن.و قال سفيان الثوري لو خالفت أخي في رمانة فقال حلوة و قلت حامضة لسعي بي إلى السلطان.و كان يقال صاف من شئت ثم أغضبه بالجدال و المراء فليرمينك بداهية تمنعك العيش.و قيل لميمون بن مهران ما لك لا تفارق أخا لك عن قلى قال لأني لا أشاريه و لا أماريه.و منها التقعر في الكلام بالتشدد و التكلف في الألفاظ

قال النبي ص

١٣٩

أبغضكم إلي و أبعدكم مني مجالس يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون المتشدقون و قال ع هلك المتنطعون...ثلاث مرات و التنطع هو التعمق و الاستقصاء و قال عمر إن شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان.و منها الفحش و السب و البذاء

قال النبي ص إياكم و الفحش فإن الله لا يحب الفحش و لا يرضى الفحش و قال ع ليس المؤمن بالطعان و لا باللعان و لا بالسباب و لا البذي‏ء و قال ع لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء و منها المزاح الخارج عن قانون الشريعة و كان يقال من مزح استخف به و كان يقال المزاح فحل لا ينتج إلا الشر.و منها الوعد الكاذب و قد قال النبي ص العدة دين و قد أثنى الله سبحانه على إسماعيل فقال( إِنَّهُ كانَ صادِقَ اَلْوَعْدِ ) و قال سبحانه( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .

١٤٠