كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 48645
تحميل: 5879


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48645 / تحميل: 5879
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

ذكر بعض أحوال العارفين

و اعلم أن الوجد أمر شريف قد اختلف الناس فيه فقالت الحكماء فيه أقوالا و قالت الصوفية فيه أقوالا أما الحكماء فقالوا الوجد هو حالة تحدث للنفس عند انقطاع علائقها عن المحسوسات بغتة إذا كان قد ورد عليها وارد مشوق و قال بعضهم الوجد هو اتصال النفس بمبادئها المجردة عند سماع ما يقتضي ذلك الاتصال.و أما الصوفية فقد قال بعضهم الوجد رفع الحجاب و مشاهدة المحبوب و حضور الفهم و ملاحظة الغيب و محادثة السر و هو فناؤك من حيث أنت أنت و قال بعضهم الوجد سر الله عند العارفين و مكاشفة من الحق توجب الفناء عن الحق.و الأقوال فيه متقاربة في المعنى و إن اختلفت العبارة و قد مات كثير من الناس بالوجد عند سماع وعظ أو صفقة مطرب و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا و قد رأينا نحن في زماننا من مات بذلك فجأة.قوله كانت نفسه فيها أي مات و نفث الشيطان على لسانك أي تكلم بلسانك و أصله النفخ بالفم و هو أقل من التفل و إنما نهى أمير المؤمنين القائل فهلا أنت يا أمير المؤمنين لأنه اعترض في غير موضع الاعتراض و ذلك أنه لا يلزم من موت العامي عند وعظ العارف أن يموت العارف عند وعظ نفسه لأن انفعال العامي ذي الاستعداد التام للموت عند سماع المواعظ البالغة أتم من استعداد العارف عند سماع كلام

١٦١

نفسه أو الفكر في كلام نفسه لأن نفس العارف قوية جدا و الآلة التي يحفر بها الطين قد لا يحفر بها الحجر.فإن قلت فإن جواب أمير المؤمنين ع للسائل غير هذا الجواب قلت صدقت إنما أجابه من حيث يعلم هو و السامعون و تصل أفهامهم إليه فخرج معه إلى حديث الآجال و أنها أوقات مقدرة لا تتعداها و ما كان يمكنه ع أن يذكر الفرق بين نفسه و نفوسهم و لا كانت الحال تقتضيه فأجابه بجواب مسكت و هو مع إسكاته الخصم حق و عدل عن جواب يحصل منه اضطراب و يقع فيه تشويش و هذا نهاية السداد و صحة القول

١٦٢

187 و من خطبة له ع يصف فيها المنافقين

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ اَلطَّاعَةِ وَ ذَادَ عَنْهُ مِنَ اَلْمَعْصِيَةِ وَ نَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَ لِحَبْلِهِ بِحَبْلِهِ اِعْتِصَاماً وَ نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اَللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَ تَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ وَ قَدْ تَلَوَّنَ لَهُ اَلْأَدْنَوْنَ وَ تَأَلَّبَ عَلَيْهِ اَلْأَقْصَوْنَ وَ خَلَعَتْ عَلَيْهِ إِلَيْهِ اَلْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَدِ اَلدَّارِ وَ أَسْحَقِ اَلْمَزَارِ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ اَلنِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ اَلضَّالُّونَ اَلْمُضِلُّونَ وَ اَلزَّالُّونَ اَلْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ اِفْتِنَاناً وَ يَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ وَ يَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَ صِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ اَلْخَفَاءَ وَ يَدِبُّونَ اَلضَّراءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ اَلدَّاءُ اَلْعَيَاءُ حَسَدَةُ اَلرَّخَاءِ وَ مُؤَكِّدُو اَلْبَلاَءِ وَ مُقْنِطُو اَلرَّجَاءِ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ وَ إِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ وَ لِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ يَتَقَارَضُونَ اَلثَّنَاءَ وَ يَتَرَاقَبُونَ اَلْجَزَاءَ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا وَ إِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا وَ إِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا

١٦٣

قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً وَ لِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلاً وَ لِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلاً وَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَ لِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً يَتَوَصَّلُونَ إِلَى اَلطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ وَ يُنْفِقُوا بِهِ أَعْلاَقَهُمْ يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ وَ يَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا اَلطَّرِيقَ وَ أَضْلَعُوا اَلْمَضِيقَ فَهُمْ لُمَةُ اَلشَّيْطَانِ وَ حُمَةُ اَلنِّيرَانِ( أُولئِكَ حِزْبُ اَلشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اَلشَّيْطانِ هُمُ اَلْخاسِرُونَ ) الضمير في له و هو الهاء راجع إلى ما التي بمعنى الذي و قيل بل هو راجع إلى الله سبحانه كأنه قال نحمده على ما وفق من طاعته و الصحيح هو الأول لأن له في الفقرة الأولى بإزاء عنه في الفقرة الثانية و الهاء في عنه ليست عائدة إلى الله و ذاد طرد و المصدر الذياد.و خاض كل غمرة مثل قولك ارتكب كل مهلكة و تقحم كل هول و الغمرة ما ازدحم و كثر من الماء و كذلك من الناس و الجمع غمار.و الغصة الشجا و الجمع غصص.و تلون له الأدنون تغير عليه أقاربه ألوانا.و تألب عليه الأقصون تجمع عليه الأبعدون عنه نسبا.و خلعت إليه العرب أعنتها مثل معناه أوجفوا إليه مسرعين لمحاربته لأن الخيل إذا خلعت أعنتها كان أسرع لجريها.و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها كناية عن إسراع العرب نحوه للحرب

١٦٤

لأن الرواحل إذا ضربت بطونها لتساق كان أوحى لها و مراده أنهم كانوا فرسانا و ركبانا.قوله حتى أنزلت بساحته عداوتها أي حربها فعبر عنها بالعداوة لأن العداوة سبب الحرب فعبر بالسبب عن المسبب ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناك يعنون الماء لما كان اعتقادهم أن السماء سبب الماء.و أسحق المزار أبعده مكان سحيق أي بعيد و السحق بضم السين البعد يقال سحقا له و يجوز ضم الحاء كما قالوا عسر و عسر و سحق الشي‏ء بالضم أي بعد و أسحقه الله أبعده و المزار المكان الذي يزار منه أو المكان الذي يزار فيه و المراد هاهنا هو الأول و من قرأ كتب السيرة علم ما لاقى رسول الله ص في ذات الله سبحانه من المشقة و استهزاء قريش به في أول الدعوة و رميهم إياه بالحجارة حتى أدموا عقبيه و صياح الصبيان به و فرث الكرش على رأسه و فتل الثوب في عنقه و حصره و حصر أهله في شعب بني هاشم سنين عدة محرمة معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون جوعا لو لا أن بعض من كان يحنو لرحم أو لسبب غيره فهو يسرق الشي‏ء القليل من الدقيق أو التمر فيلقيه إليهم ليلا ثم ضربهم أصحابه و تعذيبهم بالجوع و الوثاق في الشمس و طردهم إياهم عن شعاب مكة حتى خرج من خرج منهم إلى الحبشة و خرج ع مستجيرا منهم تارة بثقيف و تارة ببني عامر و تارة بربيعة الفرس و بغيرهم ثم أجمعوا على قتله و الفتك به ليلا حتى هرب منهم لائذا بالأوس و الخزرج تاركا أهله و أولاده و ما حوته يده ناجيا بحشاشة نفسه حتى وصل إلى المدينة فناصبوه الحرب و رموه بالمناسر و الكتائب و ضربوا إليه آباط الإبل

١٦٥

و لم يزل منهم في عناء شديد و حروب متصلة حتى أكرمه الله تعالى و نصره و أيد دينه و أظهره و من له أنس بالتواريخ يعلم من تفاصيل هذه الأحوال ما يطول شرحه.سمي النفاق نفاقا من النافقاء و هي بيت اليربوع له بابان يدخل من أحدهما و يخرج من الآخر و كذلك الذي يظهر دينا و يبطن غيره.و الضالون المضلون الذين يضلون أنفسهم و يضلون غيرهم و كذلك الزالون المزلون زل فلان عن الأمر أي أخطأ و أزله غيره.قوله يفتنون يتشعبون فنونا أي ضروبا.و يعمدونكم أي يهدونكم و يفدحونكم يقال عمده المرض يعمده أي هده و منه قولهم للعاشق عميد القلب.قوله بعماد أي بأمر فادح و خطب مؤلم و أصل العمد انشداخ سنام البعير و ماضيه عمد السنام بالكسر عمدا فهو عمد.و يرصدونكم يعدون المكايد لكم أرصدت أعددت و منه

في الحديث إلا أن أرصده لدين علي.و قلب دو بالتخفيف أي فاسد من داء أصابه و امرأة دوية فإذا قلت رجل دوي بالفتح استوى فيه المذكر و المؤنث و الجماعة لأنه مصدر في الأصل و من روى دوية بالتشديد على بعده فإنما شدده ليقابل نقية.و الصفاح جمع صفحة الوجه و هي ظاهره يقول باطنهم عليل و ظاهرهم صحيح يمشون الخفاء أي في الخفاء ثم حذف الجار فنصب و كذلك يدبون الضراء

١٦٦

و الضراء شجر الوادي الملتف و هذا مثل يضرب لمن يختل صاحبه يقال هو يدب له الضراء و يمشي له الخمر و هو جرف الوادي ثم قال وصفهم داء و قولهم شفاء و فعلهم الداء العياء أي أقوالهم أقوال الزاهدين العابدين و أفعالهم أفعال الفاسقين الفاجرين و الداء العياء الذي يعيي الأساة.ثم قال حسدة الرخاء يحسدون على النعم و مؤكدو البلاء إذا وقع واحد من الناس في بلاء أكدوه عليه بالسعايات و النمائم و إغراء السلطان به و لقد أحسن أبو الطيب في قوله يذم البشر:

و كأنا لم يرض فينا بريب الدهر

حتى أعانه من أعانا

كلما أنبت الزمان قناة

ركب المرء في القناة سنانا

و مقنطو الرجاء أي أهل الرجاء أي يبدلون بشرورهم و أذاهم رجاء الراجي قنوطا.قوله و إلى كل قلب شفيع يصف خلابة ألسنتهم و شدة ملقهم فقد استحوذوا على قلوب الناس بالرياء و التصنع.قوله و لكل شجو دموع الشجو الحزن أي يبكون تباكيا و تعملا لا حقا عند أهل كل حزن و مصاب.يتقارضون الثناء أي يثني زيد على عمرو ليثني عمرو عليه في ذلك المجلس أو يبلغه فيثني عليه في مجلس آخر مأخوذ من القرض.و يتراقبون الجزاء يرتقب كل واحد منهم على ثنائه و مدحه لصاحبه جزاء منه

١٦٧

إما بالمال أو بأمر آخر نحو ثناء يثني عليه أو شفاعة يشفع له أو نحو ذلك.و الإلحاف في السؤال الاستقصاء فيه و هو مذموم قال الله تعالى( لا يَسْئَلُونَ اَلنَّاسَ إِلْحافاً ) .قوله و إن عذلوا كشفوا أي إذا عذلك أحدهم كشف عيوبك في ذلك اللوم و العذل و جبهك بها و ربما لا يستحي أن يذكرها لك بمحضر ممن لا تحب ذكرها بحضرته و ليسوا كالناصحين على الحقيقة الذين يعرضون عند العتاب بالذنب تعريضا لطيفا ليقلع الإنسان عنه.و إن حكموا أسرفوا إذا سألك أحدهم ففوضته في مالك أسرف و لم يقنع بشي‏ء و أحب الاستئصال.قد أعدوا لكل حق باطلا يقيمون الباطل في معارضة الحق و الشبهة في مصادمة الحجة و لكل دليل قائم و قول صحيح ثابت احتجاجا مائلا مضادا لذلك الدليل و كلاما مضطربا لذلك القول.و لكل باب مفتاحا أي ألسنتهم ذلقة قادرة على فتح المغلقات للطف توصلهم و ظرف منطقهم.و لكل ليل مصباحا أي كل أمر مظلم فقد أعدوا له كلاما ينيره و يضيئه و يجعله كالمصباح الطارد لليل.و يتوصلون إلى مطامعهم بإظهار اليأس عما في أيدي الناس و بالزهد في الدنيا و في الأثر شركم من أخذ الدنيا بالدين.ثم قال إنما فعلوا ذلك ليقيموا به أسواقهم أي لتنفق سلعتهم.

١٦٨

و الأعلاق جمع علق و هو السلعة الثمينة.يقولون فيشبهون يوقعون الشبه في القلوب.و يصفون فيموهون التمويه التزيين و أصله أن تطلي الحديدة بذهب يحسنها.قد هيئوا الطريق أي الطريق الباطل قد هيئوها لتسلك بتمويهاتهم.و أضلعوا المضيق أمالوه و جعلوه ضلعا أي معوجا أي جعلوا المسلك الضيق معوجا بكلامهم و تلبيسهم فإذا أسلكوه إنسانا اعوج لاعوجاجه.و اللمة بالتخفيف الجماعة و الحمة بالتخفيف أيضا السم و كنى عن إحراق النار بالحمة للمشابهة في المضرة

١٦٩

188 و من خطبة له ع

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ وَ جَلاَلِ كِبْرِيَائِهِ مَا حَيَّرَ مُقَلَ اَلْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَ رَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ اَلنُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانَ كُنْهِ صِفَتِهِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَ إِيقَانٍ وَ إِخْلاَصٍ وَ إِذْعَانٍ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَ أَعْلاَمُ اَلْهُدَى دَارِسَةٌ وَ مَنَاهِجُ اَلدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ وَ هَدَى إِلَى اَلرُّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلاً عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ وَ أَحْصَى إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ فَاسْتَفْتِحُوهُ وَ اِسْتَنْجِحُوهُ وَ اُطْلُبُوا إِلَيْهِ وَ اِسْتَمْنِحُوهُ فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ وَ لاَ أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ وَ إِنَّهُ إِنْهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَ فِي كُلِّ حِينٍ وَ أَوَانٍ وَ مَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَ جَانٍّ لاَ يَثْلِمُهُ اَلْعَطَاءُ وَ لاَ يَنْقُصُهُ اَلْحِبَاءُ وَ لاَ يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ وَ لاَ يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ وَ لاَ يَلْوِيهِ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ وَ لاَ يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ وَ لاَ تَحْجُزُهُ هِبَةٌ عَنْ سَلْبٍ وَ لاَ يَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ رَحْمَةٍ وَ لاَ تُولِهُهُ رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابٍ وَ لاَ يُجِنُّهُ اَلْبُطُونُ عَنِ اَلظُّهُورِ وَ لاَ يَقْطَعُهُ اَلظُّهُورُ عَنِ اَلْبُطُونِ قَرُبَ فَنَأَى وَ عَلاَ فَدَنَا وَ ظَهَرَ فَبَطَنَ وَ بَطَنَ فَعَلَنَ وَ دَانَ وَ لَمْ يُدَنْ لَمْ يَذْرَإِ اَلْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ وَ لاَ اِسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلاَلٍ

١٧٠

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّهَا اَلزِّمَامُ وَ اَلْقِوَامُ فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا وَ اِعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا تَؤُلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ اَلدَّعَةِ وَ أَوْطَانِ اَلسَّعَةِ وَ مَعَاقِلِ اَلْحِرْزِ وَ مَنَازِلِ اَلْعِزِّ فِي يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ اَلْأَبْصَارُ وَ تُظْلِمُ لَهُ اَلْأَقْطَارُ وَ تُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ اَلْعِشَارِ وَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ وَ تَبْكُمُ كُلُّ لَهْجَةٍ وَ تَذِلُّ اَلشُّمُّ اَلشَّوَامِخُ وَ اَلصُّمُّ اَلرَّوَاسِخُ فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَاقاً رَقْرَقاً وَ مَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً فَلاَ شَفِيعٌ يَشْفَعُ وَ لاَ حَمِيمٌ يَنْفَعُ وَ لاَ مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ أظهر سبحانه من آثار سلطانه نحو خلق الأفلاك و دخول بعضها في بعض كالمميل الذي يشتمل على المائل و فلك التدوير و غيرهما و نحو خلق الإنسان و ما تدل كتب التشريح من عجيب الحكمة فيه و نحو خلق النبات و المعادن و ترتيب العناصر و علاماتها و الآثار العلوية المتجددة حسب تجدد أسبابها ما حير عقول هؤلاء و أشعر بأنها إذا لم يحط بتفاصيل تلك الحكم مع أنها مصنوعة فالأولى ألا تحيط بالصانع الذي هو بري‏ء عن المادة و علائق الحس.و المقل جمع مقلة و هي شحمة العين التي تجمع السواد و البياض و مقلت الشي‏ء نظرت إليه بمقلتي و أضاف المقل إلى العقول مجازا و مراده البصائر.و ردع زجر و دفع و هماهم النفوس أفكارها و ما يهمهم به عند التمثيل و الروية في الأمر و أصل الهمهمة صويت يسمع لا يفهم محصوله.

١٧١

و العرفان المعرفة و كنه الشي‏ء نهايته و أقصاه و الإيقان العلم القطعي و الإذعان الانقياد و الأعلام المنار و الجبال يستدل بها في الطرقات.و المناهج السبل الواضحة و الطامسة كالدارسة و صدع بالحق بين و أصله الشق يظهر ما تحته و يقال نصحت لزيد و هو أفصح من قولك نصحت زيدا.و القصد العدل.و العبث ما لا غرض فيه أو ما ليس فيه غرض مثله و الهمل الإبل بلا راع و قد أهملت الإبل أرسلتها سدى.قوله علم مبلغ نعمه عليكم و أحصى إحسانه إليكم أي هو عالم بكمية إنعامه عليكم علما مفصلا و كل من علم قدر نعمته على غيره كان أحرى أن تشتد نقمته عليه عند عصيانه له و جرأته عليه بخلاف من يجهل قدر نعمته على الغير فإنه لا يشد غضبه لأنه لا يعلم قدر نعمته المكفورة.قوله فاستفتحوه أي اطلبوا منه الفتح عليكم و النصر لكم.و استنجحوه اطلبوا منه النجاح و الظفر.و اطلبوا إليه أي اسألوه يقال طلبت إلى زيد كذا و في كذا.و استمنحوه بكسر النون اطلبوا منه المنحة و هي العطية و يروى و استميحوه بالياء استمحت الرجل طلبت عطاءه و محت بالرجل أعطيته.ثم ذكر ع أنه لا حجاب يمنع عنه و لا دونه باب يغلق و أنه بكل مكان موجود و في كل حين و أوان و المراد بوجوده في كل مكان إحاطة علمه و هو معنى قوله

١٧٢

تعالى( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) و قوله سبحانه( وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ ) .قوله لا يثلمه العطاء بالكسر لا ينقص قدرته.و الحباء النوال و لا يستنفده أي لا يفنيه.و لا يستقصيه لا يبلغ الجود أقصى مقدوره و إن عظم الجود لأنه قادر على ما لا نهاية له.و لا يلويه شخص عن شخص لا يوجب ما يفعله لشخص أو مع شخص إعراضا و ذهولا عن شخص آخر بل هو عالم بالجميع لا يشغله شأن عن شأن لوى الرجل وجهه أي أعرض و انحرف و مثل هذا أراد بقوله و لا يلهيه صوت عن صوت ألهاه كذا أي شغله.و لا تحجزه بالضم هبة عن سلب أي لا تمنعه أي ليس كالقادرين بالقدرة مثلنا فإن الواحد منا يصرفه اهتمامه بعطية زيد عن سلب مال عمرو حالما يكون مهتما بتلك العطية لأن اشتغال القلب بأحد الأمرين يشغله عن الآخر.و مثل هذا قوله و لا يشغله غضب عن رحمة و لا تولهه رحمة عن عقاب أي لا تحدث الرحمة لمستحقها عنده ولها و هو التحير و التردد و تصرفه عن عقاب المستحق و ذلك لأن الواحد منا إذا رحم إنسانا حدث عنده رقة خصوصا إذا توالت منه الرحمة لقوم متعددين فإنه تصير الرحمة كالملكة عنده فلا يطيق مع تلك الحال أن ينتقم و البارئ تعالى بخلاف ذلك لأنه ليس بذي مزاج سبحانه.و لا يجنه البطون عن الظهور و لا يقطعه الظهور عن البطون هذه كلها مصادر بطن

١٧٣

بطونا أي خفي و ظهر ظهورا أي تجلى يقول لا يمنعه خفاؤه عن العقول أن تدركه عند ظهوره بأفعاله و إن لم يكن ظاهرا بذاته و كذلك لا يقطعه ظهوره بأفعاله عن أن يخفى كنهه عن إبصار العقول و إدراكها له و يقال اجتننت كذا أي سترته و منه الجنين و الجنة للترس و سمي الجن جنا لاستتارهم.ثم زاد المعنى تأكيدا فقال قرب فنأى أي قرب فعلا فنأى ذاتا أي أفعاله قد تعلم و لكن ذاته لا تعلم.ثم قال و علا فدنا أي لما علا عن أن تحيط به العقول عرفته العقول لا أنها عرفت ذاته لكن عرفت أنه شي‏ء لا يصح أن يعرف و ذلك خاصته سبحانه فإن ماهيته يستحيل أن تتصور للعقل لا في الدنيا و لا في الآخرة بخلاف غيره من الممكنات.ثم أكد المعنى بعبارة أخرى قال و ظهر فبطن و بطن فعلن و هذا مثل الأول و دان غلب و قهر و لم يدن لم يقهر و لم يغلب.ثم قال لم يذرأ الخلق باحتيال أي لم يخلقهم بحيلة توصل بها إلى إيجادهم بل أوجدهم على حسب علمه بالمصلحة خلقا مخترعا من غير سبب و لا واسطة.قال و لا استعان بهم لكلال أي لإعياء أي لم يأمر المكلفين بالجهاد لحاجته في قهر أعدائه و جاحدي نعمته إليهم و ليس بكال و لا عاجز عن إهلاكهم و لكن الحكمة اقتضت ذلك قال سبحانه( وَ لَوْ لا دَفْعُ اَللَّهِ اَلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ اَلْأَرْضُ ) أي لبطل التكليف.ثم ذكر أن التقوى قوام الطاعات التي تقوم بها و زمام العبادات لأنها تمسك و تحصن كزمام الناقة المانع لها من الخبط.

١٧٤

و الوثائق جمع وثيقة و هي ما يوثق به و حقائقها جمع حقيقة و هي الراية يقال فلان حامي الحقيقة.قوله تؤل بالجزم لأنه جواب الأمر أي ترجع.و الأكنان جمع كن و هو الستر و الدعة الراحة السعة الجدة و المعاقل جمع معقل و هو الملجأ و الحرز الحفظ و تشخص الأبصار تبقى مفتوحة لا تطرف.و الأقطار الجوانب و الصروم جمع صرم و صرمة و هي القطعة من الإبل نحو الثلاثين.و العشار النوق أتى عليها من يوم أرسل الفحل فيها عشرة أشهر فزال عنها اسم المخاض و لا يزال ذلك اسمها حتى تضع و الواحدة عشراء و هذا من قوله تعالى( وَ إِذَا اَلْعِشارُ عُطِّلَتْ ) أي تركت مسيبة مهملة لا يلتفت إليها أربابها و لا يحلبونها لاشتغالهم بأنفسهم.و تزهق كل مهجة تهلك و تبكم كل لهجة أي تخرس رجل أبكم و بكيم و الماضي بكم بالكسر.و الشم الشوامخ الجبال العالية و ذلها تدكدكها و هي أيضا الصم الرواسخ.فيصير صلدها و هو الصلب الشديد انصلابه سرابا و هو ما يتراءى في النهار فيظن ماء.و الرقراق الخفيف و معهدها ما جعل منها منزلا للناس قاعا أرضا خالية و السملق الصفصف المستوي ليس بعضه أرفع و بعضه أخفض

١٧٥

189 و من خطبة له ع

بَعَثَهُ حِينَ لاَ عَلَمٌ قَائِمٌ وَ لاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ وَ لاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اَللَّهِ بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ أُحَذِّرُكُمُ اَلدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ وَ مَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ وَ قَاطِنُهَا بَائِنٌ تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ اَلسَّفِينَةِ تَقْصِفُهَا اَلْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ اَلْبِحَارِ فَمِنْهُمُ اَلْغَرِقُ اَلْوَبِقُ وَ مِنْهُمُ اَلنَّاجِي عَلَى بُطُونِ اَلْأَمْوَاجِ تَحْفِزُهُ اَلرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا وَ تَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ وَ مَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ عِبَادَ اَللَّهِ اَلآْنَ فَاعْلَمُوا وَ اَلْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ وَ اَلْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَ اَلْأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ وَ اَلْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ وَ اَلْمَجَالُ عَرِيضٌ قَبْلَ إِرْهَاقِ اَلْفَوْتِ وَ حُلُولِ اَلْمَوْتِ فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ وَ لاَ تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ يقول بعث الله سبحانه محمدا ص لما لم يبق علم يهتدي به المكلفون لأنه كان زمان الفترة و تبدل المصلحة و اقتضاء وجوب اللطف عليه سبحانه تجديدا لبعثته ليعرف المبعوث المكلفين الأفعال التي تقربهم من فعل الواجبات العقلية و تبعدهم عن المقبحات الفعلية.

١٧٦

و المنار الساطع المرتفع سطع الصبح سطوعا ارتفع.و دار شخوص دار رحلة شخص عن البلد رحل عنه.و الظاعن المسافر و القاطن المقيم و البائن البعيد يقول ساكن الدنيا ليس بساكن على الحقيقة بل هو ظاعن في المعنى و إن كان في الصورة ساكنا و المقيم بها مفارق و إن ظن أنه مقيم.و تميد بأهلها تتحرك و تميل و الميدان حركة و اضطراب.و تصفقها العواصف تضربها بشدة ضربا بعد ضرب و العواصف الرياح القوية اللجج جمع لجة و هي معظم البحر.الوبق الهالك وبق الرجل بالفتح يبق وبوقا هلك و الموبق منه كالموعد مفعل من وعد يعد و منه قوله تعالى( وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ) و فيه لغة أخرى وبق الرجل يوبق وبقا و فيه لغة ثالثة وبق الرجل بالكسر يبق بالكسر أيضا و أوبقه الله أي أهلكه.و تحفزه الرياح تدفعه ضرب ع لأهل الدنيا مثلا براكبي السفينة في البحر و قد مادت بهم فمنهم الهالك على الفور و منهم من لا يتعجل هلاكه و تحمله الرياح ساعة أو ساعات ثم مآله إلى الهلاك أيضا.ثم أمر ع بالعمل وقت الإمكان قبل ألا يمكن العمل فكنى عن ذلك بقوله و الألسن منطلقة لأن المحتضر يعتقل لسانه و الأبدان صحيحة لأن المحتضر سقيم البدن و الأعضاء لدنة أي لينة أي قبل الشيخوخة و الهرم و يبس

١٧٧

الأعضاء و الأعصاب و المنقلب فسيح و المجال عريض أي أيام الشبيبة و في الوقت و الأجل مهلة قبل أن يضيق الوقت عليكم.قبل إرهاق الفوت أي قبل أن يجعلكم الفوت و هو فوات الأمر و تعذر استدراكه عليكم مرهقين و المرهق الذي أدرك ليقتل قال الكميت:

تندى أكفهم و في أبياتهم

ثقة المجاور و المضاف المرهق

قوله فحققوا عليكم نزوله و لا تنتظروا قدومه أي اعملوا عمل من يشاهد الموت حقيقة لا عمل من ينتظره انتظارا و يطاول الأوقات مطاولة فإن التسويف داعية التقصير

١٧٨

190 و من خطبة له ع

وَ لَقَدْ عَلِمَ اَلْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ص أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اَللَّهِ وَ لاَ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي اَلْمَوَاطِنِ اَلَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا اَلْأَبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ فِيهَا اَلْأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِيَ اَللَّهُ بِهَا وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اَللَّهِ ص وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ ص وَ اَلْمَلاَئِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ اَلدَّارُ وَ اَلْأَفْنِيَةُ مَلاٌ يَهْبِطُ وَ مَلاٌ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ وَ لْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ اَلْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ اَلْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَ لَكُمْ يمكن أن يعني بالمستحفظين الخلفاء الذين تقدموا لأنهم الذين استحفظوا الإسلام أي جعلوا حافظين له و حارسين لشريعته و لحوزته و يجوز أن يعني به العلماء و الفضلاء من الصحابة لأنهم استحفظوا الكتاب أي كلفوا حفظه و حراسته.

١٧٩

و الظاهر أنه يرمز في قوله ع لم أرد على الله و لا على رسوله ساعة قط إلى أمور وقعت من غيره كما جرى يوم الحديبية عند سطر كتاب الصلح فإن بعض الصحابة أنكر ذلك و قال يا رسول الله أ لسنا المسلمين قال بلى قال أ و ليسوا الكافرين قال بلى قال فكيف نعطي الدنية في ديننا فقال ص إنما أعمل بما أومر به فقال قوم من الصحابة أ لم يكن قد وعدنا بدخول مكة و ها نحن قد صددنا عنها ثم ننصرف بعد أن أعطينا الدنية في ديننا و الله لو أجد أعوانا لم أعط الدنية أبدا فقال أبو بكر لهذا القائل ويحك الزم غرزه فو الله إنه لرسول الله ص و إن الله لا يضيعه.ثم قال له أ قال لك إنه سيدخلها هذا العام قال لا قال فسيدخلها فلما فتح النبي ص مكة و أخذ مفاتيح الكعبة دعاه فقال هذا الذي وعدتم به.و اعلم أن هذا الخبر صحيح لا ريب فيه و الناس كلهم رووه و ليس عندي بقبيح و لا مستهجن أن يكون سؤال هذا الشخص لرسول الله ص عما سأله عنه على سبيل الاسترشاد و التماسا لطمأنينة النفس فقد قال الله تعالى لخليله إبراهيم( أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) و قد كانت الصحابة تراجع رسول الله ص في الأمور و تسأله عما يستبهم عليها و تقول له أ هذا منك أم من الله و قال له السعدان رحمهما الله يوم الخندق و قد عزم على مصالحة الأحزاب ببعض تمر المدينة أ هذا من الله أم رأي رأيته من نفسك قال بل من نفسي قالا لا و الله لا نعطيهم منها تمرة واحدة و أيدينا في مقابض سيوفنا.

١٨٠