كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 48642
تحميل: 5879


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48642 / تحميل: 5879
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء العاشر

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل175 و من كلام له ع في معنى طلحة بن عبيد الله قَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لاَ أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ وَ أَنَا عَلَى مَا وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ اَلنَّصْرِ وَ اَللَّهِ مَا اِسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَ لَمْ يَكُنْ فِي اَلْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ اَلْأَمْرُ وَ يَقَعَ اَلشَّكُّ.وَ وَ اَللَّهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ لَئِنْ كَانَ اِبْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُؤازِرَ قَاتِلِيهِ وَ أَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ.وَ لَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اَلْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ وَ اَلْمُعَذِّرِينَ فِيهِ وَ لَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ اَلْخَصْلَتَيْنِ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَ يَرْكُدَ جَانِباً وَ يَدَعَ اَلنَّاسَ مَعَهُ فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ اَلثَّلاَثِ وَ جَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ

٣

كان هاهنا تامة و الواو واو الحال أي خلقت و وجدت و أنا بهذه الصفة كما تقول خلقني الله و أنا شجاع.و يجوز أن تكون الواو زائدة و تكون كان ناقصة و خبرها ما أهدد كما في المثل لقد كنت و ما أخشى بالذئب.فإن قلت إذا كانت ناقصة لزم أن تكون الآن بخلاف ما مضى فيكون الآن يهدد و يرهب.قلت لا يلزم ذلك لأن كان الناقصة للماضي من حيث هو ماض و ليس يشترط في ذلك أن يكون منقطعا بل قد يكون دائما كقوله تعالى( وَ كانَ اَللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) .ثم ذكر ع أنه على ما وعده ربه من النصر و أنه واثق بالظفر و الغلبة الآن كما كانت عادته فيما سبق.ثم شرح حال طلحة و قال إنه تجرد للطلب بدم عثمان مغالطة للناس و إيهاما لهم أنه بري‏ء من دمه فيلتبس الأمر و يقع الشك.و قد كان طلحة أجهد نفسه في أمر عثمان و الإجلاب عليه و الحصر له و الإغراء به و منته نفسه الخلافة بل تلبس بها و تسلم بيوت الأموال و أخذ مفاتيحها و قاتل الناس و أحدقوا به و لم يبق إلا أن يصفق بالخلافة على يده

٤

ذكر ما كان من أمر طلحة مع عثمان

ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب التاريخ قال حدثني عمر بن شبة عن علي بن محمد عن عبد ربه عن نافع عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال قال علي ع لطلحة و عثمان محصور أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان قال لا و الله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها.و روى الطبري أن عثمان كان له على طلحة خمسون ألفا فخرج عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة قد تهيأ مالك فاقبضه فقال هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك.قال فكان عثمان يقول و هو محصور جزاء سنمار.و روى الطبري أيضا أن طلحة باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة إن رجلا يبيت و هذه عنده و في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات و رسله تختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح و ما عنده منها درهم واحد.قال الطبري روى ذلك الحسن البصري و كان إذا روى ذلك يقول ثم جاء إلينا يطلب الدينار و الدرهم أو قال و الصفراء و البيضاء.

٥

و روى الطبري أيضا قال قال ابن عباسرحمه‌الله لما حججت بالناس نيابة عن عثمان و هو محصور مررت بعائشة بالصلصل فقالت يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا و عقلا أن تخذل الناس عن طلحة فقد بانت لهم بصائرهم في عثمان و أنهجت و رفعت لهم المنار و تحلبوا من البلدان لأمر قد حم و إن طلحة فيما بلغني قد اتخذ رجالا على بيوت الأموال و أخذ مفاتيح الخزائن و أظنه يسير إن شاء الله بسيرة ابن عمه أبي بكر فقال يا أمه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا فقالت إيها عنك يا ابن عباس إني لست أريد مكابرتك و لا مجادلتك.و روى المدائني في كتاب مقتل عثمان أن طلحة منع من دفنه ثلاثة أيام و أن عليا ع لم يبايع الناس إلا بعد قتل عثمان بخمسة أيام و أن حكيم بن حزام أحد بني أسد بن عبد العزى و جبير بن مطعم بن الحارث بن نوفل استنجدا بعلي ع على دفنه فأقعد طلحة لهم في الطريق ناسا بالحجارة فخرج به نفر يسير من أهله و هم يريدون به حائطا بالمدينة يعرف بحش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما صار هناك رجم سريره و هموا بطرحه فأرسل علي ع إلى الناس يعزم عليهم ليكفوا عنه فكفوا فانطلقوا به حتى دفنوه في حش كوكب.

٦

و روى الطبري نحو ذلك إلا أنه لم يذكر طلحة بعينه و زاد فيه أن معاوية لما ظهر على الناس أمر بذلك الحائط فهدم حتى أفضى به إلى البقيع و أمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين.و روى المدائني في هذا الكتاب قال دفن عثمان بين المغرب و العتمة و لم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم و ابنة عثمان و ثلاثة من مواليه فرفعت ابنته صوتها تندبه و قد جعل طلحة ناسا هناك أكمنهم كمينا فأخذتهم الحجارة و صاحوا نعثل نعثل فقالوا الحائط الحائط فدفن في حائط هناك.و روى الواقدي قال لما قتل عثمان تكلموا في دفنه فقال طلحة يدفن بدير سلع يعني مقابر اليهود.و ذكر الطبري في تاريخه هذا إلا أنه روى عن طلحة فقال قال رجل يدفن بدير سلع فقال حكيم بن حزام و الله لا يكون هذا أبدا و أحد من ولد قصي حي حتى كاد الشر يلتحم فقال ابن عديس البلوي أيها الشيخ و ما يضرك أين دفن قال لا يدفن إلا ببقيع الغرقد حيث دفن سلفه و رهطه فخرج به حكيم بن حزام في اثني عشر رجلا منهم الزبير بن العوام فمنعهم الناس عن البقيع فدفنوه بحش كوكب.

٧

و روى الطبري في التاريخ أن عثمان لما حصر كان علي ع بخيبر في أمواله فلما قدم أرسل إليه يدعوه فلما دخل عليه قال له إن لي عليك حقوقا حق الإسلام و حق النسب و حق ما لي عليك من العهد و الميثاق و و الله أن لو لم يكن من هذا كله شي‏ء و كنا في جاهلية لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو تيم ملكهم يعني طلحة فقال له ع سيأتيك الخبر ثم قام فدخل المسجد فرأى أسامة بن زيد جالسا فدعاه فاعتمد على يده و خرج يمشي إلى طلحة فدخل داره و هي دحاس من الناس فقام ع فقال يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه فقال يا أبا أحسن أ بعد ما مس الحزام الطبيين فانصرف علي ع و لم يحر إليه شيئا حتى أتى بيت المال فنادى افتحوا هذا الباب فلم يقدروا على فتحه فقال اكسروه فكسر فقال أخرجوا هذا المال فجعلوا يخرجونه و هو يعطي الناس و بلغ الذين في دار طلحة ما صنع علي ع فجعلوا يتسللون إليه حتى بقي طلحة وحده و بلغ الخبر عثمان فسر بذلك ثم أقبل طلحة يمشي عامدا إلى دار عثمان فاستأذن عليه فلما دخل قال يا أمير المؤمنين أستغفر الله و أتوب إليه لقد رمت أمرا حال الله بيني و بينه فقال عثمان إنك و الله ما جئت تائبا و لكن جئت مغلوبا و الله حسيبك يا طلحة.ثم قسم ع حال طلحة فقال لا يخلو إما أن يكون معتقدا حل دم عثمان أو حرمته أو يكون شاكا في الأمرين فإن كان يعتقد حله لم يجز له أن ينقض البيعة لنصرة إنسان حلال الدم و إن كان يعتقد حرمته فقد كان يجب عليه أن ينهنه عنه الناس أي يكفهم.

٨

و أن يعذر فيه بالتشديد أي يقصر و لم يفعل ذلك و إن كان شاكا فقد كان يجب عليه أن يعتزل الأمر و يركد جانبا و لم يعتزل و إنما صلي بنار الفتنة و أصلاها غيره.فإن قلت يمكن أن يكون طلحة اعتقد إباحة دم عثمان أولا ثم تبدل ذلك الاعتقاد بعد قتله فاعتقد أن قتله حرام و أنه يجب أن يقتص من قاتليه.قلت لو اعترف بذلك لم يقسم علي ع هذا التقسيم و إنما قسمه لبقائه على اعتقاد واحد و هذا التقسيم مع فرض بقائه على اعتقاد واحد صحيح لا مطعن فيه و كذا كان حال طلحة فإنه لم ينقل عنه أنه قال ندمت على ما فعلت بعثمان فإن قلت كيف قال أمير المؤمنين ع فما فعل واحدة من الثلاث و قد فعل واحدة منها لأنه وازر قاتليه حيث كان محصورا.قلت مراده ع أنه إن كان عثمان ظالما وجب أن يؤازر قاتليه بعد قتله يحامي عنهم و يمنعهم ممن يروم دماءهم و معلوم أنه لم يفعل ذلك و إنما وازرهم و عثمان حي و ذلك غير داخل في التقسيم

٩

176 من خطبة له ع

أَيُّهَا اَلنَّاسُ غَيْرُ اَلْمَغْفُولِ عَنْهُمْ وَ اَلتَّارِكُونَ وَ اَلْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنِ اَللَّهِ ذَاهِبِينَ وَ إِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَى مَرْعًى وَبِيٍّ وَ مَشْرَبٍ دَوِيٍّ وَ إِنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى لاَ تَعْرِفُ مَا ذَا يُرَادُ بِهَا إِذَا أُحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا وَ شِبَعَهَا أَمْرَهَا وَ اَللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص أَلاَ وَ إِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى اَلْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ اَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اِصْطَفَاهُ عَلَى اَلْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلاَّ صَادِقاً وَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَ بِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنْجَى مَنْ يَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا اَلْأَمْرِ وَ مَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنِي وَ أَفْضَى بِهِ إِلَيَّ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي وَ اَللَّهِ مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ إِلاَّ وَ أَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا وَ لاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلاَّ وَ أَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا خاطب المكلفين كافة و قال إنهم غافلون عما يراد بهم و منهم و ليسوا بمغفول عنهم بل أعمالهم محفوظة مكتوبة.

١٠

ثم قال و التاركون أي يتركون الواجبات.ثم قابل ذلك بقوله و المأخوذ منهم لأن الأخذ في مقابلة الترك و معنى الأخذ منهم انتقاص أعمارهم و انتقاض قواهم و استلاب أحبابهم و أموالهم.ثم شبههم بالنعم التي تتبع نعما أخرى.سائمة أي راعية و إنما قال ذلك لأنها إذا اتبعت أمثالها كان أبلغ في ضرب المثل بجهلها من الإبل التي يسيمها راعيها و المرعى الوبي ذو الوباء و المرض و المشرب الدوي ذو الداء و أصل الوبي اللين الوبي‏ء المهموز و لكنه لينه يقال أرض وبيئة على فعيلة و وبئة على فعلة و يجوز أوبأت فهي موبئة.و الأصل في الدوي دو بالتخفيف و لكنه شدده للازدواج.ثم ذكر أن هذه النعم الجاهلة التي أوقعت أنفسها في هذا المرتع و المشرب المذمومين كالغنم و غيرها من النعم المعلوفة.للمدى جمع مدية و هي السكين لا تعرف ما ذا يراد بها و تظن أن ذلك العلف إحسان إليها على الحقيقة.و معنى قوله تحسب يومها دهرها أي تظن أن ذلك العلف و الإطعام كما هو حاصل لها ذلك اليوم يكون حاصلا لها أبدا.و شبعها أمرها مثل ذلك أي تظن أنه ليس أمرها و شأنها إلا أن يطعمها أربابها لتشبع و تحسن و تسمن ليس يريدون بها غير ذلك.ثم خرج ع من هذا الفن إلى فن آخر فأقسم أنه لو شاء أن يخبر كل واحد منهم من أين خرج و كيفية خروجه من منزله و أين يلج و كيفية ولوجه و جميع شأنه من مطعمه و مشربه و ما عزم عليه من أفعاله و ما أكله و ما ادخره في بيته و غير ذلك من شئونه و أحواله لفعل.

١١

و هذا كقول المسيح ع( وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) .قال إلا أني أخاف أن تكفروا في برسول الله ص أي أخاف عليكم الغلو في أمري و أن تفضلوني على رسول الله ص بل أخاف عليكم أن تدعوا في الإلهية كما ادعت النصارى ذلك في المسيح لما أخبرهم بالأمور الغائبة.ثم قال ألا و إني مفضيه إلى الخاصة أي مفض به و مودع إياه خواص أصحابي و ثقاتي الذين آمن منهم الغلو و أعلم أنهم لا يكفرون في بالرسول ص لعلمهم أن ذلك من إعلام نبوته إذ يكون تابع من أتباعه و صاحب من أصحابه بلغ إلى هذه المنزلة الجليلة.ثم أقسم قسما ثانيا أنه ما ينطق إلا صادقا و أن رسول الله ص عهد بذلك كله إليه و أخبره بمهلك من يهلك من الصحابة و غيرهم من الناس و بنجاة من ينجو و بمآل هذا الأمر يعني ما يفضي إليه أمر الإسلام و أمر الدولة و الخلافة و أنه ما ترك شيئا يمر على رأسه ع إلا و أخبره به و أسره إليه

فصل في ذكر بعض أقوال الغلاة في علي

و اعلم أنه غير مستحيل أن تكون بعض الأنفس مختصة بخاصية تدرك بها المغيبات و قد تقدم من الكلام في ذلك ما فيه كفاية و لكن لا يمكن أن تكون نفس تدرك كل المغيبات لأن القوة المتناهية لا تحيط بأمور غير متناهية و كل قوة في نفس حادثة فهي متناهية فوجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع لا على أن يريد به عموم العالمية

١٢

بل بعلم أمورا محدودة من المغيبات مما اقتضت حكمة البارئ سبحانه أن يؤهله لعلمه و كذلك القول في رسول الله ص إنه إنما كان يعلم أمورا معدودة لا أمورا غير متناهية و مع أنه ع قد كتم ما علمه حذرا من أن يكفروا فيه برسول الله ص فقد كفر كثير منهم و ادعوا فيه النبوة و ادعوا فيه أنه شريك الرسول في الرسالة و ادعوا فيه أنه هو كان الرسول و لكن الملك غلط فيه و ادعوا أنه هو الذي بعث محمدا ص إلى الناس و ادعوا فيه الحلول و ادعوا فيه الاتحاد و لم يتركوا نوعا من أنواع الضلالة فيه إلا و قالوه و اعتقدوه و قال شاعرهم فيه من أبيات:

و من أهلك عادا و

ثمودا بدواهيه

و من كلم موسى فوق

طور إذ يناديه

و من قال على المنبر

يوما و هو راقيه

سلوني أيها الناس

فحاروا في معانيه

و قال بعض شعرائهم:

إنما خالق الخلائق من زعزع

أركان حصن خيبر جذبا

قد رضينا به إماما و مولى

و سجدنا له إلها و ربا

جملة من إخبار علي بالأمور الغيبية

و قد ذكرنا فيما تقدم من إخباره ع عن الغيوب طرفا صالحا و من عجيب ما وقفت عليه من ذلك قوله في الخطبة التي يذكر فيها الملاحم و هو يشير إلى القرامطة

١٣

ينتحلون لنا الحب و الهوى و يضمرون لنا البغض و القلى و آية ذلك قتلهم وراثنا و هجرهم أحداثنا.و صح ما أخبر به لأن القرامطة قتلت من آل أبي طالب ع خلقا كثيرا و أسماؤهم مذكورة في كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.و مر أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي في جيشه بالغري و بالحائر فلم يعرج على واحد منهما و لا دخل و لا وقف.و في هذه الخطبة قال و هو يشير إلى السارية التي كان يستند إليها في مسجد الكوفة كأني بالحجر الأسود منصوبا هاهنا ويحهم إن فضيلته ليست في نفسه بل في موضعه و أسسه يمكث هاهنا برهة ثم هاهنا برهة و أشار إلى البحرين ثم يعود إلى مأواه و أم مثواه.و وقع الأمر في الحجر الأسود بموجب ما أخبر به ع.و قد وقفت له على خطب مختلفة فيها ذكر الملاحم فوجدتها تشتمل على ما يجوز أن ينسب إليه و ما لا يجوز أن ينسب إليه و وجدت في كثير منها اختلالا ظاهرا و هذه المواضع التي أنقلها ليست من تلك الخطب المضطربة بل من كلام له وجدته متفرقا في كتب مختلفة و من ذلك

أن تميم بن أسامة بن زهير بن دريد التميمي اعترضه و هو يخطب على المنبر و يقول سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها و سائقها و لو شئت لأخبرت كل واحد منكم بمخرجه و مدخله و جمع شأنه فقال فكم في رأسي طاقة شعر فقال له أما و الله إني لأعلم ذلك و لكن أين برهانه لو أخبرتك به و لقد أخبرتك بقيامك و مقالك و قيل لي إن على كل

١٤

شعرة من شعر رأسك ملكا يلعنك و شيطانا يستفزك و آية ذلك أن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله ص و يحض على قتله.فكان الأمر بموجب ما أخبر به ع كان ابنه حصين بالصاد المهملة يومئذ طفلا صغيرا يرضع اللبن ثم عاش إلى أن صار على شرطة عبيد الله بن زياد و أخرجه عبيد الله إلى عمر بن سعد يأمره بمناجزة الحسين ع و يتوعده على لسانه إن أرجأ ذلك فقتل ع صبيحة اليوم الذي ورد فيه الحصين بالرسالة في ليلته.و من ذلك قوله ع للبراء بن عازب يوما يا براء أ يقتل الحسين و أنت حي فلا تنصره فقال البراء لا كان ذلك يا أمير المؤمنين.فلما قتل الحسين ع كان البراء يذكر ذلك و يقول أعظم بها حسرة إذ لم أشهده و أقتل دونه.و سنذكر من هذا النمط فيما بعد إذا مررنا بما يقتضي ذكره ما يحضرنا إن شاء الله

١٥

177 و من خطبة له ع

اِنْتَفِعُوا بِبَيَانِ اَللَّهِ وَ اِتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اَللَّهِ وَ اِقْبَلُوا نَصِيحَةَ اَللَّهِ فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ وَ أَخَذَ اِتَّخَذَ عَلَيْكُمُ اَلْحُجَّةَ وَ بَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ اَلْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ مِنْهَا لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ وَ تَجْتَنِبُوا هَذِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص كَانَ يَقُولُ إِنَّ اَلْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وَ إِنَّ اَلنَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اَللَّهِ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي كُرْهٍ وَ مَا مِنْ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ اَلنَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْ‏ءٍ مَنْزِعاً وَ إِنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى وَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ اَلْمُؤْمِنَ لاَ يُمْسِي وَ لاَ يُصْبِحُ لاَ يُصْبِحُ وَ لاَ يُمْسِي إِلاَّ وَ نَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ فَلاَ يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَ مُسْتَزِيداً لَهَا فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ وَ اَلْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ قَوَّضُوا مِنَ اَلدُّنْيَا تَقْوِيضَ اَلرَّاحِلِ وَ طَوَوْهَا طَيَّ اَلْمَنَازِلِ أعذر إليكم أوضح عذره في عقابكم إذا خالفتم أوامره و الجلية اليقين و إنما أعذر إليهم بذلك لأنه مكنهم من العلم اليقيني بتوحيده و عدله و أوجب عليهم ذلك في

١٦

عقولهم فإذا تركوه ساغ في الحكمة تعذيبهم و عقوبتهم فكأنه قد أبان لهم عذره أن لو قالوا لم تعاقبنا.و محابه من الأعمال هي الطاعات التي يحبها و حبه لها إرادة وقوعها من المكلفين و مكارهه من الأعمال القبائح التي يكرهها منهم و هذا الكلام حجة لأصحابنا على المجبرة و الخبر الذي رواه ع مروي في كتب المحدثين و هو قول رسول الله ص حجبت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات و من المحدثين من يرويه حفت فيهما و ليس منهم من يرويه حجبت في النار و ذلك لأن لفظ الحجاب إنما يستعمل فيما يرام دخوله و ولوجه لمكان النفع فيه و يقال حجب زيد عن مأدبة الأمير و لا يقال حجب زيد عن الحبس.ثم ذكر ع أنه لا طاعة إلا في أمر تكرهه النفس و لا معصية إلا بمواقعة أمر تحبه النفس و هذا حق لأن الإنسان ما لم يكن متردد الدواعي لا يصح التكليف و إنما تتردد الدواعي إذا أمر بما فيه مشقة أو نهي عما فيه لذة و منفعة.فإن قلت أ ليس قد أمر الإنسان بالنكاح و هو لذة قلت ما فيه من ضرر الإنفاق و معالجة أخلاق النساء يربي على اللذة الحاصلة فيه مرارا.ثم قال ع رحم الله امرأ نزع عن شهوته أي أقلع.و قمع هوى نفسه أي قهره.ثم قال فإن هذه النفس أبعد شي‏ء منزعا أي مذهبا قال أبو ذؤيب:

و النفس راغبة إذا رغبتها

و إذا ترد إلى قليل تقنع

١٧

و من الكلام

المروي عنه ع و يروى أيضا عن غيره أيها الناس إن هذه النفوس طلعة فإلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية.و قال الشاعر:

و ما النفس إلا حيث يجعلها الفتى

فإن أطمعت تاقت و إلا تسلت

ثم قال ع نفس المؤمن ظنون عنده الظنون البئر التي لا يدرى أ فيها ماء أم لا فالمؤمن لا يصبح و لا يمسي إلا و هو على حذر من نفسه معتقدا فيها التقصير و التضجيع في الطاعة غير قاطع على صلاحها و سلامة عاقبتها.و زاريا عليها عائبا زريت عليه عبت.ثم أمرهم بالتأسي بمن كان قبلهم و هم الذين قوضوا من الدنيا خيامهم أي نقضوها و طووا أيام العمر كما يطوي المسافر منازل طريقه : وَ اِعْلَمُوا أَنَّ هَذَا اَلْقُرْآنَ هُوَ اَلنَّاصِحُ اَلَّذِي لاَ يَغُشُّ وَ اَلْهَادِي اَلَّذِي لاَ يُضِلُّ وَ اَلْمُحَدِّثُ اَلَّذِي لاَ يَكْذِبُ وَ مَا جَالَسَ هَذَا اَلْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ اَلْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَ لاَ لِأَحَدٍ قَبْلَ اَلْقُرْآنِ مِنْ

١٨

غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَ اِسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ اَلدَّاءِ وَ هُوَ اَلْكُفْرُ وَ اَلنِّفَاقُ وَ اَلْغَيُّ وَ اَلضَّلاَلُ فَاسْأَلُوا اَللَّهَ بِهِ وَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَ لاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ اَلْعِبَادُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَ اِعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَ قَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ اَلْقُرْآنُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَ مَنْ مَحَلَ بِهِ اَلْقُرْآنُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَ عَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثِةِ اَلْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ وَ اِسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ وَ اِسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ اِتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَ اِسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ غشه يغشه بالضم غشا خلاف نصحه و اللأواء الشدة.و شفع له القرآن شفاعة بالفتح و هو مما يغلط فيه العامة فيكسرونه و كذلك تبعت كذا بكذا أتبعته مفتوح أيضا.و محل به إلى السلطان قال عنه ما يضره كأنه جعل القرآن يمحل يوم القيامة عند الله بقوم أي يقول عنهم شرا و يشفع عند الله لقوم أي يثني عليهم خيرا.و الحارث المكتسب و الحرث الكسب و حرثة القرآن المتاجرون به الله.و استنصحوه على أنفسكم أي إذا أشار عليكم بأمر و أشارت عليكم أنفسكم بأمر يخالفه.

١٩

فاقبلوا مشورة القرآن دون مشورة أنفسكم و كذلك معنى قوله و اتهموا عليه آراءكم و استغشوا فيه أهواءكم

فصل في القرآن و ذكر الآثار التي وردت بفضله

و اعلم أن هذا الفصل من أحسن ما ورد في تعظيم القرآن و إجلاله و قد قال الناس في هذا الباب فأكثروا.و من الكلام المروي عن أمير المؤمنين ع في ذكر القرآن أيضا ما رواه ابن قتيبة في كتاب عيون الأخبار عنه ع أيضا و هو مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب و طعمها طيب و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب و لا ريح لها و مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب و طعمها مر و مثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر و ريحها منتنة و قال الحسنرحمه‌الله قراء القرآن ثلاثة رجل اتخذه بضاعة فنقله من مصر إلى مصر يطلب به ما عند الناس و رجل حفظ حروفه و ضيع حدوده و استدر به الولاة و استطال به على أهل بلاده و قد كثر الله هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله و رجل قرأ القرآن فبدأ بما يعلم من دواء القرآن فوضعه على داء قلبه فسهر ليله و انهملت عيناه و تسربل بالخشوع و ارتدى بالحزن فبذاك و أمثاله يسقى الناس الغيث و ينزل النصر و يدفع البلاء و الله لهذا الضرب من حملة القرآن أعز و أقل من الكبريت الأحمر

٢٠