كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٠

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 48647
تحميل: 5879


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 48647 / تحميل: 5879
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 10

مؤلف:
العربية

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَلدُّنْيَا تَغُرُّ اَلْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ اَلْمُخْلِدَ إِلَيْهَا وَ لاَ تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا وَ تَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا وَ اَيْمُ اَللَّهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوبٍ اِجْتَرَحُوهَا لِأَنَّ اَللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ وَ لَوْ أَنَّ اَلنَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ اَلنِّقَمُ وَ تَزُولَ عَنْهُمُ اَلنِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَ وَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ وَ أَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ وَ إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ وَ قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ وَ مَا عَلَيَّ إِلاَّ اَلْجُهْدُ وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ عَفَا اَللَّهُ عَمَّا سَلَفَ المخلد المائل إليها قال تعالى( وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اَلْأَرْضِ ) .و لا تنفس بمن نافس فيها لا تضن به أي من نافس في الدنيا فإن الدنيا تهينه و لا تضن به كما يضن بالعلق النفيس.ثم قال و تغلب من غلب عليها أي من غلب على الدنيا مقاهرة فسوف تغلبه الدنيا و تهلكه.ثم أقسم أنه ما كان قوم في غض نعمة أي في نعمة غضة أي طرية ناضرة فزالت عنهم

٦١

إلا بذنوب اجترحوها أي اكتسبوها و هذا يكاد يشعر بمذهب أهل التناسخ و من قال إن الألم لا يحسن أن يفعله الحكيم سبحانه و تعالى بالحيوانات إلا مستحقا فأما مذهب أصحابنا فلا يتخرج هذا الكلام عليه لأنه يجوز عندهم أن تزول النعم عن الناس لضرب من اللطف مضاف إلى عوض يعوضهم الله تعالى به في الآخرة فيجب أن يحمل هذا الكلام لا على عمومه بل على الأكثر و الأغلب.ثم قال ع لو أن الناس عند حلول النقم بهم و زوال النعم عنهم يلتجئون إلى الله تعالى تائبين من ذنوبهم لرفع عنهم النقمة و أعاد إليهم النعمة.و الوله كالتحير يحدث عند الخوف أو الوجد و الشارد الذاهب.قوله و إني لأخشى عليكم أن تكونوا في فترة أي في أمر جاهلية لغلبة الضلال و الجهل على الأكثرين منهم.و هذه خطبة خطب بها ع بعد قتل عثمان في أول خلافته ع و قد تقدم ذكر بعضها و الأمور التي مالوا فيها عليه اختيارهم عثمان و عدولهم عنه يوم الشورى.و قال لئن رد عليكم أمركم أي أحوالكم التي كانت أيام رسول الله ص من صلاح القلوب و النيات إنكم سعداء.و الجهد بالضم الطاقة.ثم قال لو أشاء أن أقول لقلت أي لو شئت لذكرت سبب التحامل علي وتأخري عن غيري ولكني لا أشاء ذلك و لا أستصلح ذكره.

٦٢

ثم قال عفا الله عما سلف لفظ مأخوذ من الكتاب العزيز( عَفَا اَللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اَللَّهُ مِنْهُ وَ اَللَّهُ عَزِيزٌ ذُو اِنْتِقامٍ ) .و هذا الكلام يدل على مذهب أصحابنا في أن ما جرى من عبد الرحمن و غيره في يوم الشورى و إن كان لم يقع على الوجه الأفضل فإنه معفو عنه مغفور لفاعله لأنه لو كان فسقا غير مغفور لم يقل أمير المؤمنين ع عفا الله عما سلف

٦٣

180 و من كلام له ع

وَ قَدْ سَأَلَهُ ذِعْلِبُ اَلْيَمَانِيُّ فَقَالَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع أَ فَأَعْبُدُ مَا لاَ أَرَى فَقَالَ وَ كَيْفَ تَرَاهُ قَالَ لاَ تُدْرِكُهُ اَلْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ اَلْعِيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ اَلْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ اَلْإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ اَلْأَشْيَاءِ غَيْرَ مُلاَمِسٍ مُلاَبِسٍ بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِنٍ مُتَكَلِّمٌ بِلاَ رَوِيَّةٍ لاَ بِرَوِيَّةٍ مَرِيدٌ لاَ بِهِمَّةٍ صَانِعٌ لاَ بِجَارِحَةٍ لَطِيفٌ لاَ يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ كَبِيرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ بَصِيرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ رَحِيمٌ لاَ يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ تَعْنُو اَلْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ وَ تَجِبُ اَلْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ الذعلب في الأصل الناقة السريعة و كذلك الذعلبة ثم نقل فسمي به إنسان و صار علما كما نقلوا بكرا عن فتى الإبل إلى بكر بن وائل.و اليماني مخفف الياء و لا يجوز تشديدها جعلوا الألف عوضا عن الياء الثانية و كذلك فعلوا في الشامي و الأصل يمني و شامي.و قوله ع أ فأعبد ما لا أرى مقام رفيع جدا لا يصلح أن يقوله غيره ع.

٦٤

ثم ذكر ماهية هذه الرؤية قال إنها رؤية البصيرة لا رؤية البصر.ثم شرح ذلك فقال إنه تعالى قريب من الأشياء غير ملامس لها لأنه ليس بجسم و إنما قربه منها علمه بها كما قال تعالى( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ ) .قوله بعيد منها غير مباين لأنه أيضا ليس بجسم فلا يطلق عليه البينونة و بعده منها هو عبارة عن انتفاء اجتماعه معها و ذلك كما يصدق على البعيد بالوضع يصدق أفضل الصدق على البعيد بالذات الذي لا يصح الوضع و الأين أصلا عليه.قوله متكلم بلا روية الروية الفكرة يرتئي الإنسان بها ليصدر عنه ألفاظ سديدة دالة على مقصده و البارئ تعالى متكلم لا بهذا الاعتبار بل لأنه إذا أراد تعريف خلقه من جهة الحروف و الأصوات و كان في ذلك مصلحة و لطف لهم خلق الأصوات و الحروف في جسم جمادي فيسمعها من يسمعها و يكون ذلك كلامه لأن المتكلم في اللغة العربية فاعل الكلام لا من حله الكلام و قد شرحنا هذا في كتبنا الكلامية.قوله مريد بلا همة أي بلا عزم فالعزم عبارة عن إرادة متقدمة للفعل تفعل توطينا للنفس على الفعل و تمهيدا للإرادة المقارنة له و إنما يصح ذلك على الجسم الذي يتردد فيها تدعوه إليه الدواعي فأما العالم لذاته فلا يصح ذلك فيه.قوله صانع لا بجارحة أي لا بعضو لأنه ليس بجسم.قوله لطيف لا يوصف بالخفاء لأن العرب إذا قالوا لشي‏ء إنه لطيف أرادوا أنه صغير الحجم و البارئ تعالى لطيف لا بهذا الاعتبار بل يطلق باعتبارين

٦٥

أحدهما أنه لا يرى لعدم صحة رؤية ذاته فلما شابه اللطيف من الأجسام في استحالة رؤيته أطلق عليه لفظ اللطيف إطلاقا للفظ السبب على المسبب.و ثانيهما أنه لطيف بعباده كما قال في الكتاب العزيز أي يفعل الألطاف المقربة لهم من الطاعة المبعدة لهم من القبيح أو لطيف بهم بمعنى أنه يرحمهم و يرفق بهم.قوله كبير لا يوصف بالجفاء لما كان لفظ كبير إذا استعمل في الجسم أفاد تباعد أقطاره ثم لما وصف البارئ بأنه كبير أراد أن ينزهه عما يدل لفظ كبير عليه إذا استعمل في الأجسام و المراد من وصفه تعالى بأنه كبير عظمة شأنه و جلالة سلطانه.قوله بصير لا يوصف بالحاسة لأنه تعالى يدرك إما لأنه حي لذاته أو أن يكون إدراكه هو علمه و لا جارحة له و لا حاسة على كل واحد من القولين.قوله رحيم لا يوصف بالرقة لأن لفظة الرحمة في صفاته تعالى تطلق مجازا على إنعامه على عباده لأن الملك إذا رق على رعيته و عطف أصابهم بإنعامه و معروفه.قوله تعنو الوجوه أي تخضع قال تعالى:( وَ عَنَتِ اَلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اَلْقَيُّومِ ) .قوله و تجب القلوب أي تخفق و أصله من وجب الحائط سقط و يروى توجل القلوب أي تخاف وجل خاف.و روي صانع لا بحاسة و روي لا تراه العيون بمشاهدة العيان عوضا عن لا تدركه

٦٦

181 و من كلام له ع في ذم أصحابه

أَحْمَدُ اَللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَ عَلَى اِبْتِلاَئِي بِكُمْ أَيَّتُهَا اَلْفِرْقَةُ اَلَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَ إِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُهْمِلْتُمْ أُمْهِلْتُمْ خُضْتُمْ وَ إِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ وَ إِنِ اِجْتَمَعَ اَلنَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ وَ إِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ.لاَ أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَ اَلْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ اَلْمَوْتَ أَوِ اَلذُّلَّ لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ يَومِي وَ لَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَ بَيْنِكُمْ وَ أَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ وَ بِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَ لاَ حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ أَ وَ لَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو اَلْجُفَاةَ اَلطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَةٍ وَ لاَ عَطَاءٍ وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ وَ أَنْتُمْ تَرِيكَةُ اَلْإِسْلاَمِ وَ بَقِيَّةُ اَلنَّاسِ إِلَى اَلْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ اَلْعَطَاءِ فَتَتَفَرَّقُونَ فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَ تَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًا رِضًى فَتَرْضَوْنَهُ وَ لاَ سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَ إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لاَقٍ إِلَيَّ اَلْمَوْتُ قَدْ دَارَسْتُكُمُ اَلْكِتَابَ وَ فَاتَحْتُكُمُ اَلْحِجَاجَ وَ عَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ وَ سَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ لَوْ كَانَ اَلْأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ اَلنَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ

٦٧

وَ أَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ اَلْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ وَ مُؤَدِّبُهُمُ اِبْنُ اَلنَّابِغَةِ قضى و قدر في هذا الموضع واحد.و يروى على ما ابتلاني.و أهملتم خليتم و تركتم و يروى أمهلتم أي أخرتم.و خرتم ضعفتم و الخور الضعف رجل خوار و رمح خوار و أرض خوارة و الجمع خور و يجوز أن يكون خرتم أي صحتم كما يخور الثور و منه قوله تعالى( عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ) و يروى جرتم أي عدلتم عن الحرب فرارا.و أجئتم ألجئتم قال تعالى( فَأَجاءَهَا اَلْمَخاضُ إِلى‏ جِذْعِ اَلنَّخْلَةِ ) .و المشاقة المقاطعة و المصارمة.و نكصتم أحجمتم قال تعالى( فَلَمَّا تَراءَتِ اَلْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ ) أي رجع محجما أي دعيتم إلى كشف القناع مع العدو و جبنتم و هبتموه.قوله لا أبا لغيركم الأفصح لا أب بحذف الألف كما قال الشاعر:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم

و أما قولهم لا أبا لك بإثباته فدون الأول في الفصاحة كأنهم قصدوا الإضافة و أقحموا اللام مزيدة مؤكدة كما قالوا يا تيم تيم عدي و هو غريب لأن حكم

٦٨

لا أن تعمل في النكرة فقط و حكم الألف أن تثبت مع الإضافة و الإضافة تعرف فاجتمع فيها حكمان متنافيان فصار من الشواذ كالملامح و المذاكير و لدن غدوة.و قال الشيخ أبو البقاءرحمه‌الله يجوز فيها وجهان آخران.أحدهما أنه أشبع فتحة الباء فنشأت الألف و الاسم باق على تنكيره و الثاني أن يكون استعمل أبا على لغة من قالها أبا في جميع أحوالها مثل عصا و منه:

إن أباها و أبا أباها

قوله الموت أو الذل لكم دعاء عليهم بأن يصيبهم أحد الأمرين كأنه شرع داعيا عليهم بالفناء الكلي و هو الموت ثم استدرك فقال أو الذل لأنه نظير الموت في المعنى و لكنه في الصورة دونه و لقد أجيب دعاؤه ع بالدعوة الثانية فإن شيعته ذلوا بعد في الأيام الأموية حتى كانوا كفقع قرقر.ثم أقسم أنه إذا جاء يومه لتكونن مفارقته لهم عن قلى و هو البغض و أدخل حشوة بين أثناء الكلام و هي ليأتيني و هي حشوة لطيفة لأن لفظة إن أكثر ما تستعمل لما لا يعلم حصوله و لفظة إذا لما يعلم أو يغلب على الظن حصوله تقول إذا طلعت الشمس جئت إليك و لا تقول إن طلعت الشمس جئت إليك و تقول إذا احمر البسر جئتك و لا تقول إن احمر البسر جئتك فلما قال لئن جاء يومي أتى بلفظة دالة على أن الموضع موضع إذا لا موضع إن فقال و ليأتيني.

٦٩

و الواو في قوله و أنا لصحبتكم واو الحال و كذلك الواو في قوله و بكم غير كثير و قوله غير كثير لفظ فصيح و قال الشاعر:

لي خمسون صديقا

بين قاض و أمير

لبسوا الوفر فلم

أخلع بهم ثوب النفير

لكثير هم و لكني

بهم غير كثير

قوله لله أنتم لله في موضع رفع لأنه خبر عن المبتدإ الذي هو أنتم و مثله لله در فلان و لله بلاد فلان و لله أبوك و اللام هاهنا فيها معنى التعجب و المراد بقوله لله أنتم لله سعيكم أو لله عملكم كما قالوا لله درك أي عملك فحذف المضاف و أقيم الضمير المنفصل المضاف إليه مقامه.فإن قلت أ فجاءت هذه اللام بمعنى التعجب في غير لفظ لله قلت لا كما أن تاء القسم لم تأت إلا في اسم الله تعالى.قوله ع أ ما دين يجمعكم ارتفاع دين على أنه فاعل فعل مقدر له أي أ ما يجمعكم دين يجمعكم اللفظ الثاني مفسر للأول كما قدرناه بعد إذا في قوله سبحانه( إِذَا اَلسَّماءُ اِنْشَقَّتْ ) و يجوز أن يكون حمية مبتدأ و الخبر محذوف تقديره أ ما لكم حمية و الحمية الأنفة.و شحذت النصل أحددته.فإن قلت كيف قال إن معاوية لم يكن يعطي جنده و إنه هو ع كان يعطيهم و المشهور أن معاوية كان يمد أصحابه بالأموال و الرغائب قلت إن معاوية لم يكن يعطي جنده على وجه المعونة و العطاء و إنما كان يعطي رؤساء القبائل من اليمن و ساكني الشام الأموال الجليلة يستعبدهم بها و يدعو أولئك

٧٠

الرؤساء أتباعهم من العرب فيطيعونهم فمنهم من يطيعهم حمية و منهم من يطيعهم لأياد و عوارف من أولئك الرؤساء عندهم و منهم من يطيعهم دينا زعموا للطلب بدم عثمان و لم يكن يصل إلى هؤلاء الأتباع من أموال معاوية قليل و لا كثير.و أما أمير المؤمنين ع فإنه كان يقسم بين الرؤساء و الأتباع على وجه العطاء و الرزق و لا يرى لشريف على مشروف فضلا فكان من يقعد عنه بهذا الطريق أكثر ممن ينصره و يقوم بأمره و ذلك لأن الرؤساء من أصحابه كانوا يجدون في أنفسهم من ذلك أعني المساواة بينهم و بين الأتباع فيخذلونه ع باطنا و إن أظهروا له النصر و إذا أحس أتباعهم بتخاذلهم و تواكلهم تخاذلوا أيضا و تواكلوا أيضا و لم يجد عليه ص ما أعطى الأتباع من الرزق لأن انتصار الأتباع له و قتالهم دونه لا يتصور وقوعه و الرؤساء متخاذلون فكان يذهب ما يرزقهم ضياعا.فإن قلت فأي فرق بين المعونة و العطاء.قلت المعونة إلى الجند شي‏ء يسير من المال برسم ترميم أسلحتهم و إصلاح دوابهم و يكون ذلك خارجا عن العطاء المفروض شهرا فشهرا و العطاء المفروض شهرا فشهرا يكون شيئا له مقدار يصرف في أثمان الأقوات و مئونة العيال و قضاء الديون.و التريكة بيضة النعام تتركها في مجثمها يقول أنتم خلف الإسلام و بقيته كالبيضة التي تتركها النعامة.فإن قلت ما معنى قوله لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه و لا سخط فتجتمعون عليه قلت معناه أنكم لا تقبلون مما أقول لكم شيئا سواء كان مما يرضيكم أو مما يسخطكم بل لا بد لكم من المخالفة و الافتراق عنه

٧١

ثم ذكر أن أحب الأشياء إليه أن يلقى الموت و هذه الحال التي ذكرها أبو الطيب فقال:

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

و حسب المنايا أن تكن أمانيا

تمنيتها لما تمنيت أن ترى

صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا

قوله قد دارستكم الكتاب أي درسته عليكم دارست الكتب و تدارستها و أدرستها و درستها بمعنى و هي من الألفاظ القرآنية.و فاتحتكم الحجاج أي حاكمتكم بالمحاجة و المجادلة و قوله تعالى( رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا ) أي احكم و الفتاح الحاكم.و عرفتكم ما أنكرتم بصرتكم ما عمي عنكم.و سوغتكم ما مججتم يقال مججت الشراب من فمي أي رميت به و شيخ ماج يمج ريقه و لا يستطيع حبسه من كبره و أحمق ماج أي يسيل لعابه يقول ما كانت عقولكم و أذهانكم تنفر عنه من الأمور الدينية أوضحته لكم حتى عرفتموه و اعتقدتموه و انطوت قلوبكم عليه و لم يجزم ع بحصول ذلك لهم لأنه قال لو كان الأعمى يلحظ و النائم يستيقظ أي إني قد فعلت معكم ما يقتضي حصول الاعتقادات الحقيقية في أذهانكم لو أزلتم عن قلوبكم ما يمنع من حصولها لكم و المانع المشار إليه هو الهوى و العصبية و الإصرار على اللجاج و محبة نصرة عقيدة قد سبقت إلى القلب و زرعها التعصب

٧٢

و مشقة مفارقة الأسلاف الذين قد انغرس في النفس تعظيمهم و مالت القلوب إلى تقليدهم لحسن الظن بهم.ثم قال أقرب بقوم أي ما أقربهم من الجهل كما قال تعالى أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ أي ما أسمعهم و أبصرهم.فإن قلت قد كان يجب أن يقول و أقرب بقوم قائدهم معاوية و مؤدبهم ابن النابغة من الجهل فلا يحول بين النكرة الموصوفة و صفتها بفاصل غريب و لم يقل ذلك بل فصل بين الصفة و الموصوف بأجنبي منهما.قلت قد جاء كثير من ذلك نحو قوله تعالى( وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ اَلْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى اَلنِّفاقِ ) في قول من لم يجعل مردوا صفة أقيمت مقام الموصوف لأنه يجعل مردوا صفة القوم المحذوفين المقدرين بعد الأعراب و قد حال بين ذلك و بين مردوا قوله وَ مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ.و نحوه قوله( أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ اَلْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً ) .فإن قيما حال من الكتاب و قد توسط بين الحال و ذي الحال وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً و الحال كالصفة و لأنهم قد أجازوا مررت برجل أيها الناس طويل و النداء أجنبي على أنا لا نسلم أن قوله من الجهل أجنبي لأنه متعلق بأقرب و الأجنبي ما لا تعلق له بالكلام

٧٣

182 و من كلام له ع

وَ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ اَلْكُوفَةِ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ وَ كَانُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ ع فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ اَلرَّجُلُ قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا فَقَالَ اَلرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ اَلْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ وَ صُبَّتِ اَلسُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِنَّ اَلشَّيْطَانَ اَلْيَوْمَ قَدِ اِسْتَفَلَّهُمْ وَ هُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَ مُتَخَلٍّ عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ مِنَ اَلْهُدَى وَ اِرْتِكَاسِهِمْ فِي اَلضَّلاَلِ وَ اَلْعَمَى وَ صَدِّهِمْ عَنِ اَلْحَقِّ وَ جِمَاحِهِمْ فِي اَلتِّيهِ قد ذكرنا قصة هؤلاء القوم فيما تقدم عند شرحنا قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني و قطن الرجل بالمكان يقطن بالضم أقام به و توطنه فهو قاطن و الجمع قطان و قاطنة و قطين أيضا مثل غاز و غزي و عازب للكلأ البعيد و عزيب.و ظعن صار الرجل ظعنا و ظعنا و قرئ بهما( يَوْمَ ظَعْنِكُمْ ) و أظعنه سيره و انتصب بعدا على المصدر.

٧٤

و ثمود إذا أردت القبيلة غير مصروف و إذا أردت الحي أو اسم الأب مصروف و يقال إنه ثمود بن عابر بن آدم بن سام بن نوح قيل سميت ثمود لقلة مائها من الثمد و هو الماء القليل و كانت مساكنهم الحجر بين الحجاز و الشام إلى وادي القرى.و أشرعت الرمح إلى زيد أي سددته نحوه و شرع الرمح نفسه و صبت السيوف على هاماتهم استعارة من صببت الماء شبه وقع السيوف و سرعة اعتوارها الرءوس بصب الماء.و استفلهم الشيطان وجدهم مفلولين فاستزلهم هكذا فسروه.و يمكن عندي أن يريد أنه وجدهم فلا لا خير فيهم و الفل في الأصل الأرض لا نبات بها لأنها لم تمطر قال حسان يصف العزى:

و إن التي بالجذع من بطن نخلة

و من دانها فل من الخير معزل

أي خال من الخير.و يروى استفزهم أي استخفهم.و الارتكاس في الضلال الرجوع كأنه جعلهم في ترددهم في طبقات الضلال كالمرتكس الراجع إلى أمر قد كان تخلص منه.و الجماح في التيه الغلو و الإفراط مستعار من جماح الفرس و هو أن يعتز صاحبه و يغلبه جمح فهو جموح

٧٥

183 و من خطبة له ع

رُوِيَ عَنْ نَوْفٍ اَلْبَكَالِيِّ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِهِ اَلْخُطْبَةِ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ع بِالْكُوفَةِ وَ هُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةٍ نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ اَلْمَخْزُومِيُّ وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفٌ وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلاَنِ مِنْ لِيفٍ وَ كَأَنَّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِيرٍ فَقَالَ ع اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ اَلْخَلْقِ وَ عَوَاقِبُ اَلْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَ نَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَ نَوَامِي فَضْلِهِ وَ اِمْتِنَانِهِ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً وَ لِشُكْرِهِ أَدَاءً وَ إِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَ لِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً وَ نَسْتَعِينُ بِهِ اِسْتِعَانَةً رَاجٍ لِفَضْلِهِ مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَ اَلْقَوْلِ وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً وَ أَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً وَ خَنَعَ لَهُ مُذْعِناً وَ أَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً وَ عَظَّمَهُ مُمَجِّداً وَ لاَذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً

نوف البكالي

قال الجوهري في الصحاح نوف البكالي بفتح الباء كان حاجب علي ع ثم قال و قال ثعلب هو منسوب إلى بكالة قبيلة.

٧٦

و قال القطب الراوندي في شرح نهج البلاغة بكال و بكيل شي‏ء واحد و هو اسم حي من همدان و بكيل أكثر قال الكميت

فقد شركت فيه بكيل و أرحب

و الصواب غير ما قالاه و إنما بنو بكال بكسر الباء حي من حمير منهم هذا الشخص هو نوف بن فضالة صاحب علي ع و الرواية الصحيحة الكسر لأن نوف بن فضالة بكالي بالكسر من حمير و قد ذكر ابن الكلبي نسب بني بكال الحميريين فقال هو بكال بن دعمي بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير

نسب جعدة بن هبيرة

و أما جعدة بن هبيرة فهو ابن أخت أمير المؤمنين ع أمه أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم و أبوه هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب و كان جعدة فارسا شجاعا فقيها و ولي خراسان لأمير المؤمنين ع و هو من الصحابة الذين أدركوا رسول الله ص يوم الفتح مع أمه أم هانئ بنت أبي طالب و هرب أبو هبيرة بن أبي وهب ذلك اليوم هو و عبد الله بن الزبعرى إلى نجران.

٧٧

و روى أهل الحديث أن أم هانئ كانت يوم الفتح في بيتها فدخل عليها هبيرة بن أبي وهب بعلها و رجل من بني عمه هاربين من علي ع و هو يتبعهما و بيده السيف فقامت أم هانئ في وجهه دونهما و قالت ما تريده منهما و لم تكن رأته من ثماني سنين فدفع في صدرها فلم تزل عن موضعها و قالت أ تدخل يا علي بيتي و تهتك حرمتي و تقتل بعلي و لا تستحيي مني بعد ثماني سنين فقال إن رسول الله ص أهدر دمهما فلا بد أن أقتلهما فقبضت على يده التي فيها السيف فدخلا بيتا ثم خرجا منه إلى غيره ففاتاه

و جاءت أم هانئ إلى رسول الله ص فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين و فاطمة ابنته تستره بثوبها فوقفت حتى أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف فقال مرحبا و أهلا بأم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر بعلها و ابن عمه و دخول علي ع بيتها بالسيف فجاء علي ع و رسول الله ص يضحك فقال له ما صنعت بأم هانئ فقال سلها يا رسول الله ما صنعت بي و الذي بعثك بالحق لقد قبضت على يدي و فيها السيف فما استطعت أن أخلصها إلا بعد لأي و فاتني الرجلان فقال ص لو ولد أبو طالب الناس كلهم لكانوا شجعانا قد أجرنا من أجارت أم هانئ و أمنا من أمنت فلا سبيل لك عليهما.فأما هبيرة فلم يرجع و أما الرجل الآخر فرجع فلم يعرض له.قالوا و أقام هبيرة بن أبي وهب بنجران حتى مات بها كافرا و روى له محمد بن إسحاق في كتاب المغازي شعرا أوله:

أ شاقتك هند أم أتاك سؤالها

كذاك النوى أسبابها و انفتالها

يذكر فيه أم هانئ و إسلامها و أنه مهاجر لها إذ صبت إلى الإسلام و من جملته

٧٨

فإن كنت قد تابعت دين محمد

و قطعت الأرحام منك حبالها

فكوني على أعلى سحوق بهضبة

ململمة غبراء يبس قلالها

و قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب ولدت أم هانئ لهبيرة بن أبي وهب بنين أربعة جعدة و عمرا و هانئا و يوسف و قال و جعدة الذي يقول:

أبي من بني مخزوم إن كنت سائلا

و من هاشم أمي لخير قبيل

فمن ذا الذي ينأى علي بخاله

كخالي علي ذي الندى و عقيل

المدرعة الجبة و تدرع لبسها و ربما قالوا تمدرع.و ثفنة البعير واحدة ثفناته و هو ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ فيغلظ و يكثف كالركبتين و غيرهما و يقال ذو الثفنات الثلاثة لعلي بن الحسين و علي بن عبد الله بن العباس ع و لعبد الله بن وهب الراسبي رئيس الخوارج لأن طول السجود كان قد أثر في ثفناتهم قال دعبل

٧٩

ديار علي و الحسين و جعفر

و حمزة و السجاد ذي الثفنات

و مصائر الأمور جمع مصير و هو مصدر صار إلى كذا و معناه المرجع قال تعالى( وَ إِلَى اَللَّهِ اَلْمَصِيرُ ) فأما المصدر من صار الشي‏ء كذا فمصير و صيرورة و القياس في مصدر صار إليه أي رجع مصارا كمعاش و إنما جمع المصدر هاهنا لأن الخلائق يرجعون إلى الله تعالى في أحوال مختلفة في الدنيا و في الدار الآخرة فجمع المصدر و إن كان يقع بلفظه على القليل و الكثير لاختلاف وجوهه كقوله تعالى( وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ اَلظُّنُونَا ) .و عواقب الأمر جمع عاقبة و هي آخر الشي‏ء.ثم قسم الحمد فجعله على ثلاثة أقسام أحدها الحمد على عظيم إحسانه و هو أصول نعمه تعالى كالحياة و القدرة و الشهوة و غيرها مما لا يدخل جنسه تحت مقدور القادر.و ثانيها الحمد على نير برهانه و هو ما نصبه في العقول من العلوم البديهية المفضية إلى العلوم النظرية بتوحيده و عدله.و ثالثها الحمد على أرزاقه النامية أي الزائدة و ما يجري مجراها من إطالة الأعمار و كثرة الأرزاق و سائر ضروب الإحسان الداخلة في هذا القسم.ثم بالغ في الحمد حمدا يكون لحقه قضاء و لشكره أداء و ذلك لأن الحمد و الشكر و لو بلغ

٨٠