كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

كتاب شرح نهج البلاغة14%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 279

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37103 / تحميل: 6296
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بفلان و استأنست بمعنى و فلان أنيسي و مؤانسي و قد أنسني كله بمعنى أي كيف لم تستوحش من الأمور التي تؤدي إلى هلكة نفسك.و البلول مصدر بل الرجل من مرضه إذا برئ و يجوز أبل قال الشاعر:

إذا بل من داء به ظن أنه

نجا و به الداء الذي هو قاتله

و الضاحي لحر الشمس البارز و هذا داء ممض أي مؤلم أمضني الجرح إمضاضا و يجوز مضني.و روي و جلدك على مصائبك بصيغة الجمع.و بيات نقمة بفتح الباء طروقها ليلا و هي من ألفاظ القرآن العزيز.و تورط وقع في الورطة بتسكين الراء و هي الهلاك و أصل الورطة أرض مطمئنة لا طريق فيها و قد أورطه و ورطه توريطا أي أوقعه فيها.و المدارج الطرق و المسالك و يجوز انتصاب مدارج هاهنا لأنها مفعول به صريح و يجوز أن ينتصب على تقدير حرف الخفض و حذفه أي في مدارج سطواته.قوله و تمثل أي و تصور.و يتغمدك بفضله أي يسترك بعفوه و سمى العفو و الصفح فضلا تسمية للنوع بالجنس.قوله مطرف عين بفتح الراء أي زمان طرف العين و طرفها إطباق أحد

٢٤١

جفنيها على الآخر و انتصاب مطرف هاهنا على الظرفية كقولك وردت مقدم الحاج أي وقت قدومهم.قوله متوازيين في القدرة أي متساويين و روي متوازنين بالنون.و العظات جمع عظة و هو منصوب على نزع الخافض أي كاشفتك بالعظات و روي العظات بالرفع على أنه فاعل و روي كاشفتك الغطاء.و آذنتك أي أعلمتك.و على سواء أي على عدل و إنصاف و هذا من الألفاظ القرآنية.و الراجفة الصيحة الأولى و حقت بجلائلها القيامة أي بأمورها العظام و المنسك الموضع الذي تذبح فيه النسائك و هي ذبائح القربان و يجوز فتح السين و قد قرئ بهما في قوله تعالى( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً ) .فإن قلت إذا كان يلحق بكل معبود عبدته فالنصارى إذن تلحق بعيسى و الغلاة من المسلمين بعلي و كذلك الملائكة فما القول في ذلك.قلت لا ضرر في التحاق هؤلاء بمعبوديهم و معنى الالتحاق أن يؤمر الأتباع في الموقف بالتحيز إلى الجهة التي فيها الرؤساء ثم يقال للرؤساء أ هؤلاء أتباعكم و عبدتكم فحينئذ يتبرءون منهم فينجو الرؤساء و تهلك الأتباع كما قال سبحانه( أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ اَلْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) أي إنما كانوا يطيعون الشياطين المضلة لهم فعبادتهم في

٢٤٢

الحقيقة للشياطين لا لنا و إنهم ما أطاعونا و لو أطاعونا لكانوا مهتدين و إنما أطاعوا شياطينهم.و لا حاجة في هذا الجواب إلى أن يقال ما قيل في قوله تعالى( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللَّهِ ) من تخصيص العموم بالآية الأخرى و هي قوله تعالى( إِنَّ اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا اَلْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) .فإن قلت فما قولك في اعتراض ابن الزبعري على الآية هل هو وارد.قلت لا لأنه قال تعالى( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ ) و ما لما لا يعقل فلا يرد عليه الاعتراض بالمسيح و الملائكة و الذي قاله المفسرون من تخصيص العموم بالآية الثانية تكلف غير محتاج إليه.فإن قلت فما الفائدة في أن قرن القوم بأصنامهم في النار و أي معنى لذلك في زيادة التعذيب و السخط.قلت لأن النظر إلى وجه العدو باب من أبواب العذاب و إنما أصاب هؤلاء ما أصابهم بسبب الأصنام التي ضلوا بها فكلما رأوها معهم زاد غمهم و حسرتهم.و أيضا فإنهم قدروا أن يستشفعوا بها في الآخرة فإذا صادفوا الأمر على عكس ذلك لم يكن شي‏ء أبغض إليهم منها.قوله فلم يجر قد اختلف الرواة في هذه اللفظة فرواها قوم فلم يجر و هو مضارع جرى يجري تقول ما الذي جرى للقوم فيقول من سألته قدم الأمير من السفر فيكون المعنى على هذا فلم يكن و لم يتجدد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير و لا حقير إلا بالحق و الإنصاف و هذا مثل قوله تعالى( لا ظُلْمَ اَلْيَوْمَ إِنَّ اَللَّهَ سَرِيعُ

٢٤٣

اَلْحِسابِ ) و رواها قوم فلم يجز مضارع جاز يجوز أي لم يسغ و لم يرخص ذلك اليوم لأحد من المكلفين في حركة من الحركات المحقرات المستصغرات إلا إذا كانت قد فعلها بحق و على هذا يجوز فعل مثلها و رواها قوم فلم يجر من جار أي عدل عن الطريق أي لم يذهب عنه سبحانه و لم يضل و لم يشذ عن حسابه شي‏ء من أمر محقرات الأمور إلا بحقه أي إلا ما لا فائدة في إثباته و المحاسبة عليه نحو الحركات المباحة و العبثية التي لا تدخل تحت التكليف.و قال الراوندي خرق بصر مرفوع لأنه اسم ما لم يسم فاعله و لا أعرف لهذا الكلام معنى.و الهمس الصوت الخفي.قوله فتحر من أمرك تحريت كذا أي توخيته و قصدته و اعتمدته.قوله و تيسر لسفرك أي هيئ أسباب السفر و لا تترك لذاك عائقا.و الشيم النظر إلى البرق.و رحلت مطيتي إذا شددت على ظهرها الرحل قال الأعشى:

رحلت سمية غدوة أجمالها

غضبى عليك فما تقول بدا لها

و التشمير الجد و الانكماش في الأمر.و معاني الفصل ظاهرة و ألفاظه الفصيحة تعطيها و تدل عليها بما لو أراد المفسر أن يعبر عنه بعبارة غير عبارته ع لكان لفظه ع أولى أن يكون تفسيرا لكلام ذلك المفسر

٢٤٤

٢١٩ و من كلام له ع

وَ اَللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ اَلسَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي اَلْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ اَلْعِبَادِ وَ غَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ اَلْحُطَامِ وَ كَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى اَلْبِلَى قُفُولُهَا وَ يَطُولُ فِي اَلثَّرَى حُلُولُهَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَ قَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اِسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَ رَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ اَلشُّعُورِ غُبْرَ اَلْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَ عَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَ كَرَّرَ عَلَيَّ اَلْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَ أَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَ كَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ اَلثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَ تَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ اَلْأَذَى وَ لاَ أَئِنُّ مِنْ لَظَى وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَ مَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَقَالَ لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ وَ لَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ اَلْهَبُولُ أَ عَنْ دِينِ اَللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٌ أَمْ تَهْجُرُ وَ اَللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ اَلْأَقَالِيمَ اَلسَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اَللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ

٢٤٥

مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لاَ تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ اَلْعَقْلِ وَ قُبْحِ اَلزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ السعدان نبت ذو شوك يقال له حسك السعدان و حسكة السعدان و تشبه به حلمة الثدي فيقال سعدانة الثندوة و هذا النبت من أفضل مراعي الإبل و في المثل مرعى و لا كالسعدان و نونه زائدة لأنه ليس في الكلام فعلال غير مضاعف إلا خزعال و هو ظلع يلحق الناقة و قهقار و هو الحجر الصلب و قسطال و هو الغبار.و المسهد الممنوع النوم و هو السهاد.و الأغلال القيود و المصفد المقيد و الحطام عروض الدنيا و متاعها شبه لزواله و سرعة فنائه بما يتحطم من العيدان و يتكسر.ثم قال كيف أظلم الناس لأجل نفس تموت سريعا يعني نفسه ع.فإن قلت أ ليس قوله عن نفس يسرع إلى البلى قفولها يشعر بمذهب من قال بقدم الأنفس لأن القفول الرجوع و لا يقال في مذهبه للمسافرة قافلة إلا إذا كانت راجعة.قلت لا حاجة إلى القول بقدم الأنفس محافظة على هذه اللفظة و ذلك لأن النفس إذا كانت حادثة فقد كان أصلها العدم فإذا مات الإنسان عدمت نفسه فرجعت إلى العدم الأصلي و هو المعبر عنه بالبلى.

٢٤٦

و أملق افتقر قال تعالى( وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ) .و استماحني طلب مني أن أعطيه صاعا من الحنطة و الصاع أربعة أمداد و المد رطل و ثلث فمجموع ذلك خمسة أرطال و ثلث رطل و جمع الصاع أصوع و إن شئت همزت و الصواع لغة في الصاع و يقال هو إناء يشرب فيه.و العظلم بالكسرة في الحرفين نبت يصبغ به ما يراد اسوداده و يقال هو الوسمة و شعث الألوان أي غبر.و أصغيت إليه أملت سمعي نحوه.و أتبع قياده أطيعه و انقاد له.و أحميت الحديدة في النار فهي محماة و لا يقال حميت الحديدة.و ذي دنف أي ذي سقم مؤلم.و من ميسمها من أثرها في يده.و ثكلتك الثواكل دعاء عليه و هو جمع ثاكلة و فواعل لا يجي‏ء إلا جمع المؤنث إلا فيما شذ نحو فوارس أي ثكلتك نساؤك.قوله أحماها إنسانها أي صاحبها و لم يقل إنسان لأنه يريد أن يقابل هذه اللفظة بقوله جبارها.و سجرها بالتخفيف أوقدها و أحماها و السجور ما يسجر به التنور.قوله بملفوفة في وعائها كان أهدى له الأشعث بن قيس نوعا من الحلواء تأنق فيه و كان ع يبغض الأشعث لأن الأشعث كان يبغضه و ظن الأشعث أنه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوي كان في نفس الأشعث و كان أمير المؤمنين

٢٤٧

ع يفطن لذلك و يعلمه و لذلك رد هدية الأشعث و لو لا ذلك لقبلها لأن النبي ص قبل الهدية و قد قبل علي ع هدايا جماعة من أصحابه و دعاء بعض من كان يأنس إليه إلى حلواء عملها يوم نوروز فأكل و قال لم عملت هذا فقال لأنه يوم نوروز فضحك و قال نوروزا لنا في كل يوم إن استطعتم.و كان ع من لطافة الأخلاق و سجاحة الشيم على قاعدة عجيبة جميلة و لكنه كان ينفر عن قوم كان يعلم من حالهم الشنآن له و عمن يحاول أن يصانعه بذلك عن مال المسلمين و هيهات حتى يلين لضرس الماضغ الحجر.و قال بملفوفة في وعائها لأنه كان طبق مغطى.ثم قال و معجونة شنئتها أي أبغضتها و نفرت عنها كأنها عجنت بريق الحية أو بقيئها و ذلك أعظم الأسباب للنفرة من المأكول.و قال الراوندي وصفها باللطافة فقال كأنها عجنت بريق الحية و هذا تفسير أبعد من الصحيح.قوله أ صلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت الصلة العطية لا يراد بها الأجر بل يراد وصلة التقرب إلى الموصول و أكثر ما تفعل للذكر و الصيت و الزكاة هي ما تجب في النصاب من المال.و الصدقة هاهنا هي صدقة التطوع و قد تسمى الزكاة الواجبة صدقة إلا أنها هنا هي النافلة.فإن قلت كيف قال فذلك محرم علينا أهل البيت و إنما يحرم عليهم الزكاة الواجبة خاصة و لا يحرم عليهم صدقة التطوع و لا قبول الصلات قلت أراد بقوله أهل البيت الأشخاص الخمسة محمدا و عليا و فاطمة و حسنا و حسينا

٢٤٨

ع فهؤلاء خاصة دون غيرهم من بني هاشم محرم عليهم الصلة و قبول الصدقة و أما غيرهم من بني هاشم فلا يحرم عليهم إلا الزكاة الواجبة خاصة.فإن قلت كيف قلت إن هؤلاء الخمسة يحرم عليهم قبول الصلات و قد كان حسن و حسين ع يقبلان صلة معاوية.قلت كلا لم يقبلا صلته و معاذ الله أن يقبلاها و إنما قبلا منه ما كان يدفعه إليهما من جملة حقهما من بيت المال فإن سهم ذوي القربى منصوص عليه في الكتاب العزيز و لهما غير سهم ذوي القربى سهم آخر للإسلام من الغنائم.قوله هبلتك الهبول أي ثكلتك أمك و الهبول التي لها عادة بثكل الولد.فإن قلت ما الفرق بين مختبط و ذي جنة و يهجر.قلت المختبط المصروع من غلبه الأخلاط السوداوية أو غيرها عليه و ذو الجنة من به مس من الشيطان و الذي يهجر هو الذي يهذي في مرض ليس بصرع كالمحموم و المبرسم و نحوهما.و جلب الشعيرة بضم الجيم قشرها و الجلب و الجلبة أيضا جليدة تعلو الجرح عند البرء يقال منه جلب الجرح يجلب و يجلب و أجلب الجرح أيضا و يقال للجليدة التي تجعل على القتب جلبة أيضا.و تقضمها بفتح الضاد و الماضي قضم بالكسر

٢٤٩

نبذ من أخبار عقيل بن أبي طالب

و عقيل هو عقيل بن أبي طالب ع بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخو أمير المؤمنين ع لأمه و أبيه و كان بنو أبي طالب أربعة طالب و هو أسن من عقيل بعشر سنين و عقيل و هو أسن من جعفر بعشر سنين و جعفر و هو أسن من علي بعشر سنين و علي و هو أصغرهم سنا و أعظمهم قدرا بل و أعظم الناس بعد ابن عمه قدرا.و كان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبه سائر بنيه فلذلك قال للنبي ص و للعباس حين أتياه ليقتسما بنيه عام المحل فيخففا عنه ثقلهم دعوا لي عقيلا و خذوا من شئتم فأخذ العباس جعفرا و أخذ محمد ص عليا ع.و كان عقيل يكنى أبا يزيد

قال له رسول الله ص يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك مني و حبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك.أخرج عقيل إلى بدر مكرها كما أخرج العباس فأسر و فدي و عاد إلى مكة ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية و شهد غزوة مؤتة مع أخيه جعفر ع و توفي في خلافة معاوية في سنة خمسين و عمره ست و تسعون سنة.و له دار بالمدينة معروفة و خرج إلى العراق ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة و لم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين ع شيئا من حروبه أيام خلافته و عرض نفسه و ولده عليه فأعفاه و لم يكلفه حضور الحرب.و كان أنسب قريش و أعلمهم بأيامها و كان مبغضا إليهم لأنه كان يعد مساوئهم

٢٥٠

و كانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله ص فيصلي عليها و يجتمع إليه الناس في علم النسب و أيام العرب و كان حينئذ قد ذهب بصره و كان أسرع الناس جوابا و أشدهم عارضة.كان يقال إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب و أيام قريش و يرجع إلى قولهم عقيل بن أبي طالب و مخرمة بن نوفل الزهري و أبو الجهم بن حذيفة العدوي و حويط بن عبد العزى العامري.و اختلف الناس في عقيل هل التحق بمعاوية و أمير المؤمنين حي فقال قوم نعم و رووا أن معاوية قال يوما و عقيل عنده هذا أبو زيد لو لا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا و تركه فقال عقيل أخي خير لي في ديني و أنت خير لي في دنياي و قد آثرت دنياي أسأل الله خاتمة خير.و قال قوم إنه لم يعد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين ع و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته و الجواب الذي أجابه ع و قد ذكرناه فيما تقدم و سيأتي ذكره أيضا في باب كتبه ع و هذا القول هو الأظهر عندي و روى المدائني قال قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب هل من حاجة فأقضيها لك قال نعم جارية عرضت علي و أبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا فأحب معاوية أن يمازحه فقال و ما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا و أنت أعمى تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما قال أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف فضحك معاوية و قال مازحناك يا أبا يزيد و أمر فابتيعت له الجارية

٢٥١

التي أولد منها مسلما فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة و قد مات عقيل أبوه قال لمعاوية يا أمير المؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة و إني أعطيت بها مائة ألف و قد أحببت أن أبيعك إياها فادفع إلي ثمنها فأمر معاوية بقبض الأرض و دفع الثمن إليه.

فبلغ ذلك الحسين ع فكتب إلى معاوية أما بعد فإنك غررت غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعته إليه و اردد إلينا أرضنا.فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك و أقرأه كتاب الحسين ع و قال اردد علينا مالنا و خذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك فقال مسلم أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه فقال يا بني هذا و الله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أمك.ثم كتب إلى الحسين إني قد رددت عليكم الأرض و سوغت مسلما ما أخذ فقال الحسين ع أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما.و قال معاوية لعقيل يا أبا يزيد أين يكون عمك أبو لهب اليوم قال إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعا لعمتك أم جميل بنت حرب بن أمية.و قالت له زوجته ابنة عتبة بن ربيعة يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا أين عمي أين أخي كان أعناقهم أباريق الفضة ترى آنافهم الماء قبل شفاههم قال إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك.

٢٥٢

سأل معاوية عقيلا عن قصة الحديدة المحماة المذكورة فبكى و قال أنا أحدثك يا معاوية عنه ثم أحدثك عما سألت نزل بالحسين ابنه ضيف فاستسلف درهما اشترى به خبزا و احتاج إلى الإدام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن فأخذ منه رطلا فلما طلبها ع ليقسمها قال يا قنبر أظن أنه حدث بهذا الزق حدث فأخبره فغضب ع و قال علي بحسين فرفع عليه الدرة فقال بحق عمي جعفر و كان إذا سئل بحق جعفر سكن فقال له ما حملك أن أخذت منه قبل القسمة قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطيناه رددناه قال فداك أبوك و إن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم أما لو لا أني رأيت رسول الله ص يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه و قال اشتر به خير عسل تقدر عليه قال عقيل و الله لكأني أنظر إلى يدي علي و هي على فم الزق و قنبر يقلب العسل فيه ثم شده و جعل يبكي و يقول اللهم اغفر لحسين فإنه لم يعلم.فقال معاوية ذكرت من لا ينكر فضله رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله و أعجز من يأتي بعده هلم حديث الحديدة.

قال نعم أقويت و أصابتني مخمصة شديدة فسألته فلم تند صفاته فجمعت صبياني و جئته بهم و البؤس و الضر ظاهران عليهم فقال ائتني عشية لأدفع إليك شيئا فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي ثم قال أ لا فدونك فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنها صرة فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا فلما قبضتها نبذتها و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره فقال لي ثكلتك أمك هذا من حديدة

٢٥٣

أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ثم قرأ( إِذِ اَلْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ اَلسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ) .ثم قال ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى فانصرف إلى أهلك.فجعل معاوية يتعجب و يقول هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن مثله

٢٥٤

٢٢٠ و من دعاء له ع

اَللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَ لاَ تَبْذُلْ جَاهِي بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَ أُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ اَلْإِعْطَاءِ وَ اَلْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ صن وجهي باليسار أي استره بأن ترزقني يسارا و ثروة أستغني بهما عن مسألة الناس.و لا تبذل جاهي بالإقتار أي لا تسقط مروءتي و حرمتي بين الناس بالفقر الذي أحتاج معه إلى تكفف الناس.و روي أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجواد رقت حاله في آخر عمره لأن عبد الملك جفاه فراح يوما إلى الجمعة فدعا فقال اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها فإن كان ذلك قد انقضى فاقبضني إليك فلم يلحق الجمعة الأخرى.و كان الحسن بن علي ع يدعو فيقول اللهم وسع علي فإنه لا يسعني إلا الكثير.

٢٥٥

قوله فأسترزق منصوب لأنه جواب الدعاء كقولهم ارزقني بعيرا فأحج عليه بين ع كيفية تبذل جاهه بالإقتار و فسره فقال بأن أطلب الرزق ممن يطلب منك الرزق.و أستعطف الأشرار من الناس أي أطلب عاطفتهم و إفضالهم و يلزم من ذلك أمران محذوران أحدهما أن أبتلى بحمد المعطي.و الآخر أن أفتتن بذم المانع.قوله ع و أنت من وراء ذلك كله مثل يقال للمحيط بالأمر القاهر له القادر عليه كما نقول للملك العظيم هو من وراء وزرائه و كتابه أي مستعد متهيئ لتتبعهم و تعقبهم و اعتبار حركاتهم لإحاطته بها و إشرافه عليها.و ولي مرفوع بأنه خبر المبتدإ و يكون خبرا بعد خبر و يجوز أن يكون ولي هو الخبر و يكون من وراء ذلك جملة مركبة من جار و مجرور منصوبة الموضع لأنه حال

٢٥٦

٢٢١ و من خطبة له ع

دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ وَ بِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَ لاَ يَسْلَمُ نُزَّالُهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَ تَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ اَلْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَ اَلْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ وَ إِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدِفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَ تُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا وَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّكُمْ وَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ اَلدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً وَ أَعْمَرَ دِيَاراً وَ أَبْعَدَ آثَاراً أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَ رِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً وَ أَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً وَ دِيَارُهُمْ خَالِيَةً وَ آثَارُهُمْ عَافِيَةً فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ اَلْمَشَيَّدَةِ وَ اَلنَّمَارِقِ اَلْمُمَهَّدَةِ اَلصُّخُورَ وَ اَلْأَحْجَارَ اَلْمُسْنَدَةَ اَلْمُسَنَّدَةَ وَ اَلْقُبُورَ اَللاَّطِئَةَ اَلْمُلْحَدَةَ اَلَّتِي قَدْ بُنِيَ عَلَى اَلْخَرَابِ فِنَاؤُهَا وَ شُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَ سَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّةٍ مُوحِشِينَ وَ أَهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِينَ لاَ يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ وَ لاَ يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ اَلْجِيرَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ اَلْجِوَارِ وَ دُنُوِّ اَلدَّارِ وَ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ وَ قَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ اَلْبِلَى وَ أَكَلَتْهُمُ اَلْجَنَادِلُ وَ اَلثَّرَى وَ كَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ وَ اِرْتَهَنَكُمْ ذَلِكَ اَلْمَضْجَعُ وَ ضَمَّكُمْ ذَلِكَ اَلْمُسْتَوْدَعُ فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ اَلْأَمُورُ وَ بُعْثِرَتِ اَلْقُبُورُ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ

٢٥٧

نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اَللَّهِ مَوْلاهُمُ اَلْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ بالبلاء محفوفة قد أحاط بها من كل جانب.و تارات جمع تارة و هي المرة الواحدة و متصرفة منتقلة متحولة.و مستهدفة بكسر الدال منتصبة مهيأة للرمي و روي مستهدفة بفتح الدال على المفعولية كأنها قد استهدفها غيرها أي جعلها أهدافا.و رياحهم راكدة ساكنة و آثارهم عافية مندرسة.و القصور المشيدة العالية و من روى المشيدة بالتخفيف و كسر الشين فمعناه المعمولة بالشيد و هو الجص.و النمارق الوسائد.و القبور الملحدة ذوات اللحود.و روي و الأحجار المسندة بالتشديد.قوله ع قد بني على الخراب فناؤها أي بنيت لا لتسكن الأحياء فيها كما تبنى منازل أهل الدنيا.و الكلكل الصدر و هو هاهنا استعارة.و الجنادل الحجارة و بعثرت القبور أثيرت.و تبلو كل نفس ما أسلفت تخبر و تعلم جزاء أعمالها و فيه حذف مضاف و من

٢٥٨

قرأ تتلو بالتاء بنقطتين أي تقرأ كل نفس كتابها و ضل عنهم ما كانوا يفترون بطل عنهم ما كانوا يدعونه و يكذبون فيه من القول بالشركاء و أنهم شفعاء

ذكر بعض الآثار و الأشعار الواردة في ذم الدنيا

و من كلام بعض البلغاء في ذم الدنيا أما بعد فإن الدنيا قد عاتبت نفسها بما أبدت من تصرفها و إنبات عن مساوئها بما أظهرت عن مصارع أهلها و دلت على عوراتها بتغير حالاتها و نطقت ألسنة العبر فيها بزوالها و شهد اختلاف شئونها على فنائها و لم يبق لمرتاب فيها ريب و لا ناظر في عواقبها شك بل عرفها جل من عرفها معرفة يقين و كشفوها أوضح تكشيف ثم اختلجتهم الأهواء عن منافع العلم و دلتهم الآمال بغرور فلججت بهم في غمرات العجز فسبحوا في بحورها موقنين بالهلكة و رتعوا في عراصها عارفين بالخدعة فكان يقينهم شكا و علمهم جهلا لا بالعلم انتفعوا و لا بما عاينوا اعتبروا قلوبهم عالمة جاهلة و أبدانهم شاهدة غائبة حتى طرقتهم المنية فأعجلتهم عن الأمنية فبغتتهم القيامة و أورثتهم الندامة و كذلك الهوى حلت مذاقته و سمت عاقبته و الأمل ينسى طويلا و يأخذ وشيكا فانتفع امرؤ بعلمه و جاهد هواه أن يضله و جانب أمله أن يغره و قوي يقينه على العمل و نفى عنه الشك بقطع الأمل فإن الهوى و الأمل إذا استضعفا اليقين صرعاه و إذا تعاونا على ذي غفلة خدعاه فصريعهما لا ينهض سالما و خديعهما لا يزال نادما و القوي من قوي عليهما و الحازم من احترس منهما ألبسنا الله و إياكم جنة السلامة و وقانا و إياكم سوء العذاب.

٢٥٩

كان عمر بن عبد العزيز إذا جلس للقضاء قرأ أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ.قال منصور بن عمار لأهل مجلسه ما أرى إساءة تكبر على عفو الله فلا تيأس و ربما آخذ الله على الصغير فلا تأمن و قد علمت أنك بطول عفو الله عنك عمرت مجالس الاغترار به و رضيت لنفسك المقام على سخطه و لو كنت تعاقب نفسك بقدر تجاوزه عن سيئاتك ما استمر بك لجاج فيما نهيت عنه و لا قصرت دون المبالغة فيه و لكنك رهين غفلتك و أسير حيرتك.قال إسماعيل بن زياد أبو يعقوب قدم علينا بعبادان راهب من الشام و نزل دير ابن أبي كبشة فذكروا حكمة كلامه فحملني ذلك على لقائه فأتيته و هو يقول إن لله عبادا سمت بهم هممهم فهووا عظيم الذخائر فالتمسوا من فضل سيدهم توفيقا يبلغهم سمو الهمم فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريب أن تأخذوا ببعض أمرهم فإنهم قوم قد ملكت الآخرة قلوبهم فلم تجد الدنيا فيها ملبسا فالحزن بثهم و الدمع راحتهم و الدءوب وسيلتهم و حسن الظن قربانهم يحزنون بطول المكث في الدنيا إذا فرح أهلها فهم فيها مسجونون و إلى الآخرة منطلقون.فما سمعت موعظة كانت أنفع لي منها.و من جيد شعر أبي نواس في الزهد:

يا بني النقص و الغير

و بني الضعف و الخور

و بني البعد في الطباع

على القرب في الصور

٢٦٠

و الشكول التي تباين

في الطول و القصر

أين من كان قبلكم

من ذوي البأس و الخطر

سائلوا عنهم المدائن

و استبحثوا الخبر

سبقونا إلى الرحيل

و إنا لبالأثر

من مضى عبرة لنا

و غدا نحن معتبر

أن للموت أخذة

تسبق اللمح بالبصر

فكأني بكم غدا

في ثياب من المدر

قد نقلتم من القصور

إلى ظلمة الحفر

حيث لا تضرب القباب

عليكم و لا الحجر

حيث لا تطربون منه

للهو و لا سمر

رحم الله مسلما

ذكر الموت فازدجر

رحم الله مؤمنا

خاف فاستشعر الحذر

و من جيد شعر الرضي أبي الحسن رحمه الله في ذكر الدنيا و تقلبها بأهلها

و هل نحن إلا مرامي السهام

يحفزها نابل دائب

نسر إذا جازنا طائش

و نجزع إن مسنا صائب

ففي يومنا قدر لا بد

و عند غد قدر واثب

٢٦١

طرائد تطردها النائبات

و لا بد أن يدرك الطالب

أرى المرء يفعل فعل الحديد

و هو غدا حمأ لازب

عواري من سلب الهالكين

يمد يدا نحوها السالب

لنا بالردى موعد صادق

و نيل المنى موعد كاذب

حبائل للدهر مبثوثه

يرد إلى جذبها الهارب

و كيف نجاوز غاياتنا

و قد بلغ المورد القارب

نصبح بالكأس مجدحة

ذعافا و لا يعلم الشارب

و قال أيضا و هي من محاسن شعره:

ما أقل اعتبارنا بالزمان

و أشد اغترارنا بالأماني

وقفات على غرور و إقدام

على مزلق من الحدثان

في حروب مع الردى فكانا اليوم

في هدنة مع الأزمان

و كفانا مذكرا بالمنايا

علمنا أننا من الحيوان

كل يوم رزية بفلان

و وقوع من الردى بفلان

كم تراني أضل نفسا و ألهو

فكأني وثقت بالوجدان

قل لهذي الهوامل استوقفي السير

أو استنشدي عن الأعطان

و استقيمي قد ضمك اللقم النهج

و غني وراءك الحاديان

٢٦٢

كم محيدا عن الطريق وقد ضرح

خلج البرى و جذب العران

ننثني جازعين من عدوة الدهر

و نرتاع للمنايا الرواني

جفلة السرب في الظلام و قد ذعذع

روعا من عدوة الذؤبان

ثم ننسى جرح الحمام و إن كان

رغيبا يا قرب ذا النسيان

كل يوم تزايل من خليط

بالردى أو تباعد من دان

و سواء مضى بنا القدر الجد

عجولا أو ماطل العصران

و أيضا من هذه القصيدة:

قد مررنا على الديار خشوعا

و رأينا البنا فأين الباني

و جهلنا الرسوم ثم علمنا

فذكرنا الأوطار بالأوطان

التفاتا إلى القرون الخوالي

هل ترى اليوم غير قرن فان

أين رب السدير فالحيرة البيضاء

أم أين صاحب الإيوان

و السيوف الحداد من آل بدر

و القنا الصم من بني الريان

طردتهم وقائع الدهر عن لعلع

طرد السفاف عن نجران

و المواضي من آل جفنة أرسى

طنبا ملكهم على الجولان

يكرعون العقار في فلق الإبريز

كرع الظماء في الغدران

من أباة اللعن الذين يحيون

بها في معاقد التيجان

تتراءاهم الوفود بعيدا

ضاربين الصدور بالأذقان

٢٦٣

في رياض من السماح حوال

و جبال من الحلوم رزان

و هم الماء لذ للناهل الظمآن

بردا و النار للحيران

كل مستيقظ الجنان إذا أظلم

ليل النوامة المبطان

يغتدي في السباب غير شجاع

و يرى في النزال غير جبان

ما ثنت عنهم المنون يدا شوكاء

أطرافها من المران

عطف الدهر فرعهم فرءاه

بعد بعد الذرى قريب المجاني

وثنتهم بعد الجماح المنايا

في عنان التسليم و الإذعان

عطلت منهم المقاري و باخت

في حماهم مواقد النيران

ليس يبقى على الزمان جري‏ء

في إباء أو عاجز في هوان

لا شبوب من الصوار و لا أعنق

يرعى منابت العلجان

لا و لا خاضب من الربد يختال

بريط أحم غير يمان

يرتمي وجهة الرئال إذا آنس

لون الإظلام و الإدجان

و عقاب الملاع تلحم فرخيها

بإزليقة زلول القنان

نائلا في مطامح الجو هاتيك

و ذا في مهابط الغيطان

و هذا شعر فصيح نادر معرق في العربية.

٢٦٤

و من شعره الجيد أيضا في ذكر الدنيا و مصائبها:

أو ما رأيت وقائع الدهر

أفلا تسي‏ء الظن بالعمر

بينا الفتى كالطود تكنفه

هضباته و العضب ذي الأثر

يأبى الدنية في عشيرته

و يجاذب الأيدي على الفخر

و إذا أشار إلى قبائله

حشدت عليه بأوجه غر

يترادفون على الرماح فهم

سيل يعب و عارض يسري

إن نهنهوا زادوا مقاربة

فكأنما يدعون بالزجر

عدد النجوم إذا دعي بهم

يتزاحمون تزاحم الشعر

عقدوا على الجلى مآزرهم

سبطي الأنامل طيبي النشر

زل الزمان بوطء أخمصه

و مواطئ الأقدام للعثر

نزع الإباء و كان شملته

و أقر إقرارا على صغر

صدع الردى أعيا تلاحمه

من ألحم الصدفين بالقطر

جر الجياد على الوجى و مضى

أمما يدق السهل بالوعر

حتى التقى بالشمس مغمدة

في قعر منقطع من البحر

ثم انثنت كف المنون به

كالضغث بين الناب و الظفر

لم تشتجر عنه الرماح و لا

رد القضاء بماله الدثر

جمع الجنود وراءه فكأنما

لاقته و هو مضيع الظهر

و بنى الحصون تمنعا فكأنما

أمسى بمضيعة و ما يدري

و بري المعابل للعدا فكأنما

لحمامه كان الذي يبري

٢٦٥

إن التوقي فرط معجزة

فدع القضاء يقد أو يفري

و حمى المطاعم للبقا و ذي الآجال

مل‏ء فروجها تجري

لو كان حفظ النفس ينفعنا

كان الطبيب أحق بالعمر

الموت داء لا دواء له

سيان ما يوبي و ما يمري

و هذا من حر الكلام و فصيحه و نادره و لا عجب فهذه الورقة من تلك الشجرة و هذا القبس من تلك النار

٢٦٦

222 و من دعاء له ع

اَللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ اَلآْنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ وَ أَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ وَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَ تَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ اَلْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ وَ إِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ اَلْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى اَلاِسْتِجَارَةِ بِكَ عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّةَ اَلْأُمُورِ بِيَدِكَ وَ مَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ اَللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي وَ خُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ وَ لاَ بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ اَللَّهُمَّ اِحْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ وَ لاَ تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِكَ أنست ضد وحشت و الإيناس ضد الإيحاش و كان القياس أن يقول إنك آنس المؤنسين لأن الماضي أفعل و إنما الآنسون جمع آنس و هو الفاعل من أنست بكذا لا من آنست فالرواية الصحيحة إذن بأوليائك أي أنت أكثرهم أنسا بأوليائك و عطفا و تحننا عليهم.و أحضرهم بالكفاية أي أبلغهم إحضارا لكفاية المتوكلين عليهم و أقومهم بذلك

٢٦٧

تشاهدهم في سرائرهم أي تطلع على غيبهم و البصائر العزائم نفذت بصيرته في كذا أي حق عزمه.و قلوبهم إليك ملهوفة أي صارخة مستغيثه.و فههت عن مسألتي بالكسر عييت و الفهة و الفهاهة العي رجل أفه و رجل فه أيضا و امرأة فههة قال الشاعر:

فلم تلفني فها و لم تلف حاجتي

ملجلجة أبغي لها من يقيمها

و قد فههت يا رجل فهها أي عييت و يقال سفيه فهيه و فههه الله و خرجت لحاجة فأفهني عنها فلان أي أنسانيها.و يروى أو عمهت بالهاء و الميم المكسورة و العمه التحير و التردد عمه الرجل فهو عمه و عامه و الجمع عمه و أرض عمهاء لا أعلام بها.و النكر العجب و البدع المبتدع و منه قوله تعالى( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ اَلرُّسُلِ ) أي لم آت بما لم أسبق إليه.و مثل قوله ع اللهم احملني على عفوك و لا تحملني على عدلك قول المروانية للهاشمية لما قتل مروان في خبر قد اقتصصناه قديما ليسعنا عدلكم قالت الهاشمية إذن لا نبقي منكم أحدا لأنكم حاربتم عليا ع و سممتم الحسن ع و قتلتم الحسين و زيدا و ابنه و ضربتم علي بن عبد الله و خنقتم إبراهيم الإمام في جراب النورة.قالت قد يسعنا عفوكم قالت أما هذا فنعم

٢٦٨

أدعية فصيحة من كلام أبي حيان التوحيدي

و من الدعوات الفصيحة المستحسنة فصول من كلام أبي حيان التوحيدي نقلتها.فمنها اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك و من الأمل إلا فيك و من التسليم إلا لك و من التفويض إلا إليك و من التوكل إلا عليك و من الطلب إلا منك و من الرضا إلا عنك و من الذل إلا في طاعتك و من الصبر إلا على بلائك و أسألك أن تجعل الإخلاص قرين عقيدتي و الشكر على نعمك شعاري و دثاري و النظر إلى ملكوتك دأبي و ديدني و الانقياد لك شأني و شغلي و الخوف منك أمني و إيماني و اللياذ بذكرك بهجتي و سروري.اللهم تتابع برك و اتصل خيرك و عظم رفدك و تناهى إحسانك و صدق وعدك و بر قسمك و عمت فواضلك و تمت نوافلك و لم تبق حاجة إلا و قد قضيتها أو تكلفت بقضائها فاختم ذلك كله بالرضا و المغفرة إنك أهل ذلك و القادر عليه و الملي به.و منها اللهم إني أسألك خفايا لطفك و فواتح توفيقك و مألوف برك و عوائد إحسانك و جاه المقدسين من ملائكتك و منزلة المصطفين من رسلك و مكاثرة الأولياء من خلقك و عاقبة المتقين من عبادك.و أسألك القناعة برزقك و الرضا بحكمك و النزاهة عن محظورك و الورع في شبهاتك و القيام بحجتك و الاعتبار بما أبديت و التسليم لما أخفيت و الإقبال على ما أمرت و الوقوف عما زجرت حتى أتخذ الحق حجة عند ما خف و ثقل و الصدق سنة فيما عسر و سهل و حتى أرى أن شعار الزهد أعز شعار و منظر الباطل أشوه منظر

٢٦٩

فأتبختر في ملكوتك بفضفاض الرداء بالدعاء إليك و أبلغ الغاية القصوى بين خلقك بالثناء عليك.و منها اللهم إليك أرفع عجري و بجري و بك أستعين في عسري و يسري و إياك أدعو رغبا و رهبا فإنك العالم بتسويل النفس و فتنة الشيطان و زينة الهوى و صرف الدهر و تلون الصديق و بائقة الثقة و قنوط القلب و ضعف المنة و سوء الجزع.فقني اللهم ذلك كله و اجمع من أمري شمله و انظم من شأني شتيته و احرسني عند الغنى من البطر و عند الفقر من الضجر و عند الكفاية من الغفلة و عند الحاجة من الحسرة و عند الراحة من الفسولة و عند الطلب من الخيبة و عند المنازلة من الطغيان و عند البحث من الاعتراض عليك و عند التسليم من التهمة لك.و أسألك أن تجعل صدري خزانة توحيدك و لساني مفتاح تمجيدك و جوارحي خدم طاعتك فإنه لا عز إلا في الذل لك و لا غنى إلا في الفقر إليك و لا أمن إلا في الخوف منك و لا قرار إلى في القلق نحوك و لا روح إلا في الكرب لوجهك و لا ثقة إلا في تهمة خلقك و لا راحة إلا في الرضا بقسمك و لا عيش إلا في جوار المقربين عندك.و منها اللهم ببرهانك الصادع و بنور وجهك الساطع صل على محمد نبيك نبي الرحمة و قائد الأمة و إمام الأئمة و احرس علي إيماني بك بالتسليم لك و خفف عني مئونة الصبر على امتحانك و واصل لي أسباب المزيد عند الشكر على نعمتك و اجعل بقية عمري في غنى عن خلقك و رضا بالمقدم من رزقك.

٢٧٠

اللهم إنك إن آخذتنا بذنوبنا خسفت الأرض بنا و إن جازيتنا على ظلمنا قطعت دوابرنا فإنك قلت( فَقُطِعَ دابِرُ اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا وَ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اَلْعالَمِينَ ) اللهم إليك نشكو قسوة قلوبنا و غل صدورنا و فتنة أنفسنا و طموح أبصارنا و رفث ألسنتنا و سخف أحلامنا و سوء أعمالنا و فحش لجاجنا و قبح دعوانا و نتن أشرارنا و خبث أخيارنا و تلزق ظاهرنا و تمزق باطننا.اللهم فارحمنا و ارأف بنا و اعطف علينا و أحسن إلينا و تجاوز عنا و اقبل الميسور منا فإننا أهل عقوبة و أنت أهل مغفرة و أنت بما وصفت به نفسك أحق منا بما وسمنا به أنفسنا فإن في ذلك ما اقترن بكرمك و أدى إلى عفوك و من قبل ذلك و بعده فألب عيشنا بنعمتك و أرح أرواحنا من كد الأمل في خلقك و خذ بأزمتنا إلى بابك و أله قلوبنا عن هذه الدار الفانية و ازرع فيها محبة الدار الباقية و قلبنا على بساط لطفك و حثنا بالإحسان إلى كنفك و رفهنا عن التماس ما عند غيرك و اغضض عيوننا من ملاحظة ما حجب من غيرك و صل بيننا و بين الرضا عنك و ارفع عنا مئونة العرض عليك و خفف علينا كل ما أوصلنا إليك و أذقنا حلاوة قربك و اكشف عن سرائرنا سواتر حجبك و وكل بنا الحفظة و ارزقنا اليقظة حتى لا نقترف سيئة و لا نفارق حسنة إنك قائم على كل نفس بما كسبت و أنت بما نخفي و ما نعلن خبير بصير.و منها اللهم أنت الحي القيوم و الأول الدائم و الإله القديم و البارئ المصور و الخالق المقدس و الجبار الرفيع و القهار المنيع و الملك الصفوح و الوهاب المنوح

٢٧١

و الرحمن الرءوف و الحنان العطوف و المنان اللطيف مالك الذوائب و النواصي و حافظ الأداني و الأقاصي و مصرف المطيع و العاصي.اللهم أنت الظاهر الذي لا يجحدك جاحد إلا زايلته الطمأنينة و أسلمه اليأس و أوحشه القنوط و رحلت عنه العصمة و تردد بين رجاء قد نأى عنه التوفيق و أمل قد حفت به الخيبة و طمع يحوم على أرجاء التكذيب و سر قد أطاف به الشقاء و علانية قد أناف عليها البلاء موهون المنة منسوخ العقدة مسلوب العدة تشنؤه العين و تقليه النفس عقله عقل طائر و لبه لب حائر و حكمه حكم جائر لا يروم قرارا إلا أزعج عنه و لا يستفتح بابا إلا أرتج دونه و لا يقتبس ضرما إلا أجج عليه عثرته موصولة بالعثرة و حسرته مقرونة إلى حسرة إن سمع زيف و إن قال حرف و إن قضى خرف و إن احتج زخرف و لو فاء إلى الحق لوجد ظله ظليلا و أصاب تحته مثوى و مقيلا و أنت الباطن الذي لا يرومك رائم و لا يحوم على حقيقتك حائم إلا غشيه من نور إلهيتك و عز سلطانك و عجيب قدرتك و باهر برهانك و غرائب غيوبك و خفي شأنك و مخوف سطوتك و مرجو إحسانك ما يرده خاسئا من مزحزحه عن الغاية خجلا مبهورا و يرده إلى عجزه ملتحفا بالندم مرتديا بالاستكانة راجعا إلى الصغار موقوفا مع الذلة فظاهرك يدعو إليك بلسان الاضطرار و باطنك يحير فيك لسعة قضاء الاعتبار و فعلك يدل عليك الأسماع و الأبصار و حكمتك تعجب منك الألباب و الأسرار لك السلطان و الملكة و بيدك النجاة و الهلكة فإليك المفر و معك المقر و منك صنوف الإحسان و البر أسألك بأصح سر و أكرم لفظ و أفصح لغة و أتم إخلاص و أشرف همة و أفضل نية و أطهر عقيدة و أثبت يقين أن تصد عني

٢٧٢

كل ما يصد عنك و تصلني بكل ما يصل بك و تحبب إلي كل ما يحبب إليك فإنك الأول و الثاني و المشار إليه في جميع المعاني لا إله إلا أنت.و منها اللهم إني أسألك جدا مقرونا بالتوفيق و علما بريئا من الجهل و عملا عريا من الرياء و قولا موشحا بالصواب و حالا دائرة مع الحق و فطنة عقل مضروبة في سلامة صدور و راحة جسم راجعة إلى روح بال و سكون نفس موصولا بثبات يقين و صحة حجة بعيدة من مرض شبهة حتى تكون غايتي في هذه الدنيا موصولة بالأمثل فالأمثل و عاقبتي عندك محمودة بالأفضل فالأفضل من حياة طيبة أنت الواعد بها و نعيم دائم أنت المبلغ إليه.اللهم لا تخيب رجاء هو منوط بك و لا تصفر كفا هي ممدودة إليك و لا تعذب عينا فتحتها بنعمتك و لا تذل نفسا هي عزيزه بمعرفتك و لا تسلب عقلا هو مستضي‏ء بنور هدايتك و لا تخرس لسانا عودته الثناء عليك فكما كنت أولا بالتفضل فكن آخرا بالإحسان.الناصية بيدك و الوجه عان لك و الخير متوقع منك و المصير على كل حال إليك.ألبسني في هذه الحياة البائدة ثوب العصمة و حلني في تلك الدار الباقية بزينة الأمن و أفطم نفسي عن طلب العاجلة الزائدة و أجرني على العادة الفاضلة و لا تجعلني ممن سها عن باطن ما لك عليه بظاهر ما لك عنده فالشقي من لم تأخذ بيده و لم تؤمنه من غده و السعيد من آويته إلى كنف نعمتك و نقلته حميدا إلى منازل رحمتك غير مناقش في الحساب و لا سائق له إلى العذاب فإنك على ذلك قدير.و منها اللهم اجعل غدونا إليك مقرونا بالتوكل عليك و رواحنا عنك موصولا

٢٧٣

بالنجاح منك و إجابتنا لك راجعة إلى التهالك فيك و ذكرنا إياك منوطا بالسكون معك و ثقتنا بك هادئة إلى التفويض إليك و لا تخلنا من يد تستوعب الشكر و من شكر يمتري خلف المزيد و من مزيد يسبق اقتراح المقترحين و صنع يفوق ذرع الطالبين حتى نلقاك مبشرين بالرضا محكمين في المنى غير مناقشين و لا مطرودين.اللهم أعذنا من جشع الفقير و ريبة المنافق و تجليح المعاند و طيشة العجول و فترة الكسلان و حيلة المستبد و فتور العقل و حيرة المخرج و حسرة المحوج و فلتة الذهول و حرقة النكول و رقة الخائف و طمأنينة المغرور و غفلة الغرور.و اكفنا مئونة أخ يرصد مسكونا إليه و يمكر موثوقا به و يخيس معتمدا عليه.و صل الكفاية بالسلوة عن هذه الدنيا و اجعل التهافنا عليها حنينا إلى دار السلام و محل القرار و غلب إيماننا بالغيب على يقيننا بالعيان و احرسنا من أنفسنا فإنها ينابير الشهوة و مفاتيح البلوى.و أرنا من قدرتك ما يحفظ علينا هيبتك و أوضح لنا من حكمتك ما يقلبنا في ملكوتك و أسبغ علينا من نعمتك ما يكون لنا عونا على طاعتك و أشع في صدورنا من نورك ما تتجلى به حقائق توحيدك و اجعل ديدننا ذكرك و عادتنا الشوق إليك و علمنا النصح لخلقك و اجعل غايتنا الاتصال بك و احجبنا عن قول يبرئ من رضاك و عمل يعمى صاحبه عن هداك و ألف بيننا و بين الحق و قربنا من معادن الصدق و اعصمنا من بوائق الخلق و انقلنا من مضايق الرق و اهدنا إلى فوائد العتق.اللهم إنك بدأت بالصنع و أنت أهله فعد بالتوفيق فإنك أهله.

٢٧٤

اللهم إنا نتضاءل لك عند مشاهدة عظمتك و ندل عليك عند تواتر برك و نذل لك عند ظهور آياتك و نلح عليك عند علمنا بجودك.و نسألك من فضلك ما لا يرزؤك و لا ينكؤك و نتوسل إليك بتوحيد لا ينتمي إليه خلق و لا يفارقه حق.و منها اللهم عليك أتوكل و بك أستعين و فيك أوالي و بك أنتسب و منك أفرق و معك أستأنس و لك أمجد و إياك أسأل لسانا سمحا بالصدق و صدرا قد ملئ من الحق و أملا منقطعا عن الخلق و حالا مكنونها يبوئ الجنة و ظاهرها يحقق المنة و عاقبة تنسي ما سلف و تتصل بما يتمنى و يتوكف.و أسألك اللهم كبدا رجوفا خئوفا و دمعا نطوفا شوقا إليك و نفسا عزوفا إذعانا لك و سرا ناقعا ببرد الإيمان بك و نهارا مشتملا على ما كسب من مرضاتك و ليلا مالئا بما أزلف لديك.أشكو إليك اللهم تلهفي على ما يفوتني من الدنيا و إنني في طاعة الهوى جاهلا بحقك ساهيا عن واجبك ناسيا ما تكرره من وعظك و إرشادك و بيانك و تنبيهك حتى كان حلاوة وعدك لم تلج أذني و لم تباشر فؤادي و حتى كأني مرارة عتابك و لائمتك لم تهتك حجابي و لم تعرض علي أوصابي.اللهم إليك المفر من دار منهومها لا يشبع و حائمها لا ينقع و طالبها لا يربع و واجدها لا يقنع و العيش عنك رقيق و للأمل فيك تحقيق.اللهم كما ابتليت بحكمتك الخفية التي أشكلت على العقول و حارت معها البصائر فعاف برحمتك اللطيفة التي تطاولت إليها الأعناق و تشوفت نحوها السرائر و خذ معنا بالفضل الذي إليك هو منسوب و عنك هو مطلوب و أفطم نفوسنا من رضاع الدنيا

٢٧٥

و الطف بما أنت له أهل إنك على كل شي‏ء قدير.اللهم قدنا بأزمة التوحيد إلى محاضر طاعتك و اخلطنا في زمرة المخلصين لذكرك و اجعل إجابتك من قبيل ما يتصل بكرم عفوك و لا تجعل خيبتنا من قبل جهلنا بقدرك و إضرابنا عن أمرك فلا سائل أحوج منا و لا مسئول أجود منك.اللهم احجر بيننا و بين كل ما دل على غيرك ببيانك و دعا إلى سواك ببرهانك و انقلنا عن مواطن العجز مرتقيا بنا إلى شرفات العز فقد استحوذ الشيطان و خبثت النفس و ساءت العادة و كثر الصادون عنك و قل الداعون إليك و ذهب المراعون لأمرك و فقد الواقفون عند حدودك و خلت ديار الحق من سكانها و بيع دينك بيع الخلق و استهزئ بناشر مجدك و أقصي المتوسل بك.اللهم فأعد نضارة دينك و أفض بين خلقك بركات إحسانك و امدد عليهم ظل توفيقك و اقمع ذوي الاعتراض عليك و اخسف بالمقتحمين في دقائق غيبك و اهتك أستار الهاتكين لستر دينك و القارعين أبواب سرك القائسين بينك و بين خلقك اللهم إني أسألك أن تخصني بإلهام اقتبس الحق منه و توفيق يصحبني و أصحبه و لطف لا يغيب عني و لا أغيب عنه حتى أقول إذا قلت لوجهك و أسكت إذا سكت بإذنك و أسأل إذا سألت بأمرك و أبين إذا أبنت بحجتك و أبعد إذا بعدت بإجلالك و أقرب إذا قربت برحمتك و أعبد إذا عبدت مخلصا لك و أموت إذا مت منتقلا إليك اللهم فلا تكلني إلى غيرك و لا تؤيسني من خيرك.و منها اللهم إنا بك نعز كما إنا بغيرك نذل و إياك نرجو كما إنا من غيرك نيأس و إليك نفوض كما إنا من غيرك نعرض أذنت لنا في دعائك و أدنيتنا إلى فنائك و هيأتنا لعطائك و خصصتنا بحبائك و وسمتنا بولائك و عممتنا بآلائك و غمستنا في نعمائك و ناغيتنا بألسن ملكوتك عن دفائن ما في عالمك و لاطفتنا بظاهر قولك

٢٧٦

و توليتنا بباطن فعلك فسمت نحوك أبصارنا و شامت بروق جودك بصائرنا فلما استقر ما بيننا و بينك أرسلت علينا سماء فضلك مدرارا و فتحت لنا منا أسماعا و أبصارا فرأينا ما طاح معه تحصيلنا و سمعنا ما فارقنا عنده تفضيلنا فلما سرنا إلى خلقك من ذلك ذروا اتخذونا من أجله لعبا و هزوا فبقدرتك على بلوانا بهم أرنا بك الغنى عنهم اللهم قيض لنا فرجا من عندك و أنح لنا مخلصا إليك فإنا قد تعبنا بخلقك و عجزنا عن تقويمهم لك و نحن إلى مقاربتهم في مخالفتك أقرب منا إلى منابذتهم في موافقتك لأنه لا طاقة لنا بدهمائهم و لا صبر لنا على بلوائهم و لا حيلة لنا في شفائهم فنسألك بالضراعة التامة و بالإخلاص المرفود إلا أخذت بأيدينا و أرسلت رحمتك علينا فما أقدرك على الإجابة و ما أجودك بكل مصون يا ذا الجلال و الإكرام.و منها اللهم إنا قربنا بك فلا تنئنا عنك و ظهرنا لك فلا تبطنا دونك و وجدناك بما ألقيت إلينا من غيب ملكوتك و عزفنا عن كل ما لوانا عن بابك و وثقنا بكل ما وعدتنا في كتابك و توكلنا بالسر و العلن على لطيف صنعك.اللهم إليك نظرت العيون فعادت خاسئة عبرى و فيك تقسمت الظنون فانقلبت يائسة حسرى و في قدرتك حارت الأبصار و في حكمتك طاحت البصائر و في آلائك غرقت الأرواح و على ما كان منك تقطعت الأنفاس و من أجل إعراضك التهبت الصدور و لذكر ما مضى منك هملت الدموع اللهم تولنا فيما وليتنا حتى لا نتولى عنك و أمنا مما خوفتنا حتى نقر معك و أوسعنا رحمتك حتى نطمئن إلى ما وعدتنا في كتابك و فرق بيننا و بين الغل حتى لا نعامل به خلقك و أغننا بك حتى لا نفتقر إلى عبادك فإنك إذا يسرت أمرا تيسر و مهما بلوتنا فلا تبلنا بهجرك و لا تجرعنا مرارة سخطك لا قد اعترفنا بربوبيتك

٢٧٧

عبودية لك فعرفنا حقيقتها بالعفو عنا و الإقبال علينا و الرفق بنا يا رحيم.و منها اللهم إن الرغبات بك منوطة و الوسائل إليك متداركة و الحاجات ببابك مرفوعة و الثقة بك مستحصفة أي مستحكمة و الأخبار بجودك شائعة و الآمال نحوك نازعة و الأماني وراءك منقطعة و الثناء عليك متصل و وصفك بالكرم معروف و الخلائق إلى لطفك محتاجة و الرجاء فيك قوي و الظنون بك جميلة و الأعناق لعزك خاضعة و النفوس إلى مواصلتك مشتاقة و الأرواح لعظمتك مبهوته لأنك لإله العظيم و الرب الرحيم و الجواد الكريم و السميع العليم تملك العالم كله و ما بعده و ما قبله و لك فيه تصاريف القدرة و خفيات الحكمة و نوافذ الإرادة و لك فيه ما لا ندريه مما تخفيه و لا تبديه جللت عن الإجلال و عظمت عن التعظيم و قد أزف ورودنا عليك و وقوفنا بين يديك و ظننا ما قد علمت و رجاؤنا ما قد عرفت فكن عند ظننا بك و حقق رجاءنا فيك فما خالفناك جرأة عليك و لا عصيناك تقحما في سخطك و لا اتبعنا هوانا استهزاء بأمرك و نهيك و لكن غلبت علينا جواذب الطينة التي عجنتنا بها و بذور الفطرة التي أنبتنا منها فاسترخت قيودنا عن ضبط أنفسنا و عزبت ألبابنا عن تحصيل حظوظنا و لسنا ندعي حجة و لكن نسألك رأفة فبسترك السابغ الذيال و فضلك الذي يستوعب كل مقال إلا تممت ما سلف منك إلينا و عطفت بجودك الفياض علينا و جذبت بأضباعنا و أقررت عيوننا و حققت آمالنا إنك أهل ذلك و أنت على كل شي‏ء قدير.

٢٧٨

الفهرس

کتاب شرح نهج البلاغة الجزء الحادي عشر ابن ابي الحديد 1

من أخبار طلحة و الزبير 10

ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى 26

ذكر بعض مقامات العارفين و الزهاد 34

ذكر بعض أحوال المنافقين بعد وفاة محمد ع 41

ذكر بعض ما مني به آل البيت من الأذى و الاضطهاد 43

فصل فيما وضع الشيعة و البكرية من الأحاديث 48

ذكر بعض أحوال العارفين و الأولياء 72

فصل في الرياضة النفسية و أقسامها 134

فصل في أن الجوع يؤثر في صفاء النفس 137

قلم أصاب من الدواة مدادها 153

بعض الأشعار و الحكايات في وصف القبور و الموتى 156

إيراد أشعار و حكايات في وصف الموت و أحوال الموتى 168

بيان أحوال العارفين 181

و ينبغي أن يكون الدعاء بعد المعرفة 230

و منها الفقر و هو شعار الصالحين 232

نبذ من أخبار عقيل بن أبي طالب 250

ذكر بعض الآثار و الأشعار الواردة في ذم الدنيا 259

أدعية فصيحة من كلام أبي حيان التوحيدي 269

الفهرس 279

٢٧٩