كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

كتاب شرح نهج البلاغة14%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 279

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 37105 / تحميل: 6298
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

كان أدعى إلى نجاته من قريش و سلامة نفسه و بلوغ الغرض من نبذ العهد على يده أ لا ترى أن رسول الله ص في عمرة الحديبية بعث عثمان بن عفان إلى مكة يطلب منهم الإذن له في الدخول و إنما بعثه لأنه من بني عبد مناف و لم يكن بنو عبد مناف و خصوصا بني عبد شمس ليمكنوا من قتله و لذلك حمله بنو سعيد بن العاص على بعير يوم دخل مكة و أحدقوا به مستلئمين بالسلاح و قالوا له أقبل و أدبر و لا تخف أحدا بنو سعيد أعزة الحرم و أما القول في تولية رسول الله ص أبا بكر الصلاة فقد تقدم و ما رامه قاضي القضاة من الفرق بين صلاة أبي بكر بالناس و صلاة عبد الرحمن بهم مع كون رسول الله ص صلى خلفه ضعيف و كلام المرتضى أقوى منه فأما السؤال الذي سأله المرتضى من نفسه فقوي و الجواب الصحيح أن بعث براءة مع أبي بكر كان باجتهاد من الرسول ص و لم يكن عن وحي و لا من جملة الشرائع التي تتلقى عن جبرائيل ع فلم يقبح نسخ ذلك قبل تقضي وقت فعله و جواب المرتضى ليس بقوي لأنه من البعيد أن يسلم سورة براءة إلى أبي بكر و لا يقال له ما ذا تصنع بها بل يقال خذ هذه معك لا غير و القول بأن الكلام مشروط بشرط لم يظهر خلاف الظاهر و فتح هذا الباب يفسد كثيرا من القواعد

الطعن السادس

أن أبا بكر لم يكن يعرف الفقه و أحكام الشريعة فقد قال في الكلالة أقول

٢٠١

فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله و إن يكن خطأ فمني و لم يعرف ميراث الجد و من حاله هذه لا يصلح للإمامة أجاب قاضي القضاة بأن الإمام لا يجب أن يعلم جميع الأحكام و أن القدر الذي يحتاج إليه هو القدر الذي يحتاج إليه الحاكم و أن القول بالرأي هو الواجب فيما لا نص فيه و قد قال أمير المؤمنين ع بالرأي في مسائل كثيرة اعترض المرتضى فقال قد دللنا على أن الإمام لا بد أن يكون عالما بجميع الشرعيات و فرقنا بينه و بين الحاكم و دللنا على فساد الرأي و الاجتهاد و أما أمير المؤمنين ع فلم يقل قط بالرأي و ما يروى من خبر بيع أمهات الأولاد غير صحيح و لو صح لجاز أن يكون أراد بالرأي الرجوع إلى النصوص و الأدلة و لا شبهة عندنا أن قوله كان واحدا في الحالين و إن ظهر في أحدهما خلاف مذهبه للتقية قلت هذا الطعن مبني على أمرين أحدهما هل من شرط الإمامة أن يعلم الإمام كل الأحكام الشرعية أم لا و هذا مذكور في كتبنا الكلامية و الثاني هو القول في الاجتهاد و الرأي حق أم لا و هذا مذكور في كتبنا الأصولية

الطعن السابع

قصة خالد بن الوليد و قتله مالك بن نويرة و مضاجعته امرأته من ليلته و أن أبا بكر

٢٠٢

ترك إقامة الحد عليه و زعم أنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه مع أن الله تعالى قد أوجب القود و حد الزناء عموما و أن عمر نبهه و قال له اقتله فإنه قتل مسلما أجاب قاضي القضاة فقال إن شيخنا أبا علي قال إن الردة ظهرت من مالك بن نويرة لأنه جاء في الأخبار أنه رد صدقات قومه عليهم لما بلغه موت رسول الله ص كما فعله سائر أهل الردة فاستحق القتل فإن قال قائل فقد كان يصلي قيل له و كذلك سائر أهل الردة و إنما كفروا بالامتناع من الزكاة و اعتقادهم إسقاط وجوبها دون غيره فإن قيل فلم أنكر عمر قيل كان الأمر إلى أبي بكر فلا وجه لإنكار عمر و قد يجوز أن يعلم أبو بكر من الحال ما يخفى على عمر فإن قيل فما معنى ما روي عن أبي بكر من أن خالدا تأول فأخطأ قيل أراد عجلته عليه بالقتل و قد كان الواجب عنده على خالد أن يتوقف للشبهة و استدل أبو علي على ردته بأن أخاه متمم بن نويرة لما أنشد عمر مرثيته أخاه قال له وددت أني أقول الشعر فأرثي أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك فقال متمم لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك ما رثيته فقال عمر ما عزاني أحد بمثل تعزيتك فدل هذا على أن مالكا لم يقتل على الإسلام كما قتل زيد و أجاب عن تزويج خالد بامرأته بأنه إذا قتل على الردة في دار الكفر جاز تزويج امرأته عند كثير من أهل العلم و إن كان لا يجوز أن يطأها إلا بعد الاستبراء و حكي عن أبي علي أنه إنما قتله لأنه ذكر رسول الله ص فقال صاحبك و أوهم بذلك أنه ليس بصاحب له و كان عنده أن ذلك رده و علم عند المشاهدة

٢٠٣

المقصد و هو أمير القوم فجاز أن يقتله و إن كان الأولى ألا يستعجل و أن يكشف الأمر في ردته حتى يتضح فلهذا لم يقتله أبو بكر به فأما وطؤه لامرأته فلم يثبت فلا يصح أن يجعل طعنا فيه اعترض المرتضى فقال أما منع خالد في قتل مالك بن نويرة و استباحة امرأته و أمواله لنسبته إياه إلى ردة لم تظهر منه بل كان الظاهر خلافها من الإسلام فعظيم و يجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره و لم يقم فيه حكم الله تعالى و أقره على الخطإ الذي شهد هو به على نفسه و يجري مجراهما من أمكنه أن يعلم الحال فأهملها و لم يتصفح ما روي من الأخبار في هذا الباب و تعصب لأسلافه و مذهبه و كيف يجوز عند خصومنا على مالك و أصحابه جحد الزكاة مع المقام على الصلاة و هما جميعا في قرن لأن العلم الضروري بأنهما من دينه ع و شريعته على حد واحد و هل نسبة مالك إلى الردة مع ما ذكرناه إلا قدح في الأصول و نقض لما تضمنته من أن الزكاة معلومة ضرورة من دينه ع و أعجب من كل عجيب قوله و كذلك سائر أهل الردة يعني أنهم كانوا يصلون و يجحدون الزكاة لأنا قد بينا أن ذلك مستحيل غير ممكن و كيف يصح ذلك و قد روى جميع أهل النقل أن أبا بكر لما وصى الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذنوا و يقيموا فإن أذن القوم كأذانهم و إقامتهم كفوا عنهم و إن لم يفعلوا أغاروا عليهم فجعل أمارة الإسلام و البراءة من الردة الأذان و الإقامة و كيف يطلق في سائر أهل الردة ما أطلقه من أنهم كانوا يصلون و قد علمنا أن أصحاب مسيلمة و طليحة و غيرهما ممن كان ادعى النبوة و خلع الشريعة ما كانوا يرون الصلاة و لا شيئا مما جاءت به شريعتنا و قصة مالك معروفة عند من تأمل كتب السير و النقل لأنه كان على صدقات قومه بني

٢٠٤

يربوع واليا من قبل رسول الله ص و لما بلغته وفاة رسول الله ص أمسك عن أخذ الصدقة من قومه و قال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي ص و ننظر ما يكون من أمره و قد صرح بذلك في شعره حيث يقول:

و قال رجال سدد اليوم مالك

و قال رجال مالك لم يسدد

فقلت دعوني لا أبا لأبيكم

فلم أخط رأيا في المقام و لا الندي

و قلت خذوا أموالكم غير خائف

و لا ناظر فيما يجي‏ء به غدي

فدونكموها إنما هي مالكم

مصورة أخلاقها لم تجدد

سأجعل نفسي دون ما تحذرونه

و أرهنكم يوما بما قلته يدي

فإن قام بالأمر المجدد قائم

أطعنا و قلنا الدين دين محمد

فصرح كما ترى أنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم و تقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه و قد روى جماعة من أهل السير و ذكره الطبري في تاريخه أن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات و فرقهم و قال يا بني يربوع إنا كنا قد عصينا أمراءنا إذ دعونا إلى هذا الدين و بطأنا الناس عنه فلم نفلح و لم ننجح و أني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتى لهؤلاء القوم بغير سياسة و إذا أمر لا يسوسه الناس فإياكم و معاداة قوم يصنع لهم فتفرقوا على ذلك إلى أموالهم و رجع مالك إلى منزله فلما قدم خالد البطاح بث السرايا و أمرهم بداعية الإسلام و أن يأتوه بكل من لم يجب و أمرهم إن امتنع أن يقاتلوه فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع و اختلف السرية في أمرهم و في السرية أبو قتادة الحارث بن ربعي فكان ممن شهد أنهم أذنوا و أقاموا و صلوا فلما اختلفوا فيهم

٢٠٥

أمر بهم خالد فحبسوا و كانت ليلة باردة لا يقوم لها شي‏ء فأمر خالد مناديا ينادي أدفئوا أسراءكم فظنوا أنهم أمروا بقتلهم لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل فقتل ضرار بن الأزور مالكا و تزوج خالد زوجته أم تميم بنت المنهال و في خبر آخر أن السرية التي بعث بها خالد لما غشيت القوم تحت الليل راعوهم فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا المسلمون فقالوا و نحن المسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قلنا فضعوا السلاح فلما وضعوا السلاح ربطوا أسارى فأتوا بهم خالدا فحدث أبو قتادة خالد بن الوليد أن القوم نادوا بالإسلام و أن لهم أمانا فلم يلتفت خالد إلى قولهم و أمر بقتلهم و قسم سبيهم و حلف أبو قتادة ألا يسير تحت لواء خالد في جيش أبدا و ركب فرسه شاذا إلى أبي بكر فأخبره الخبر و قال له إني نهيت خالدا عن قتله فلم يقبل قولي و أخذ بشهادة الأعراب الذين غرضهم الغنائم و أن عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر و قال إن القصاص قد وجب عليه و لما أقبل خالد بن الوليد قافلا دخل المسجد و عليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها ثم قال له يا عدو نفسه أ عدوت على امرئ مسلم فقتلته ثم نزوت على امرأته و الله لنرجمنك بأحجارك و خالد لا يكلمه و لا يظن إلا أن رأي أبي بكر مثل رأيه حتى دخل إلى أبي بكر و اعتذر إليه بعذره و تجاوز عنه فخرج خالد و عمر جالس في المسجد فقال هلم إلى يا ابن أم شملة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه و دخل بيته و قد روي أيضا أن عمر لما ولي جمع من عشيرة مالك بن نويرة من وجد منهم

٢٠٦

و استرجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم و أولادهم و نسائهم فرد ذلك عليهم جميعا مع نصيبه كان منهم و قيل إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحي دمشق و بعضهن حوامل فردهن على أزواجهن فالأمر ظاهر في خطإ خالد و خطإ من تجاوز عنه و قول صاحب الكتاب إنه يجوز أن يخفى عن عمر ما يظهر لأبي بكر ليس بشي‏ء لأن الأمر في قصة خالد لم يكن مشتبها بل كان مشاهدا معلوما لكل من حضره و ما تأول به في القتل لا يعذر لأجله و ما رأينا أبا بكر حكم فيه بحكم المتأول و لا غيره و لا تلافى خطأه و زلله و كونه سيفا من سيوف الله على ما ادعاه لا يسقط عنه الأحكام و يبرئه من الآثام و أما قول متمم لو قتل أخي على ما قتل عليه أخوك لما رثيته لا يدل على أنه كان مرتدا فكيف يظن عاقل أن متمما يعترف بردة أخيه و هو يطالب أبا بكر بدمه و الاقتصاص من قاتليه و رد سبيه و أنه أراد في الجملة التقرب إلى عمر بتقريظ أخيه ثم لو كان ظاهر هذا القول كباطنه لكان إنما يقصد تفضيل قتلة زيد على قتلة مالك و الحال في ذلك أظهر لأن زيدا قتل في بعث المسلمين ذابا عن وجوههم و مالك قتل على شبهة و بين الأمرين فرق و أما قوله في النبي ص صاحبك فقد قال أهل العلم إنه أراد القرشية لأن خالدا قرشي و بعد فليس في ظاهر إضافته إليه دلالة على نفيه له عن نفسه و لو كان علم من مقصده الاستخفاف و الإهانة على ما ادعاه صاحب الكتاب لوجب أن يعتذر خالد بذلك عند أبي بكر و عمر و يعتذر به أبو بكر لما طالبه عمر بقتله فإن عمر ما كان يمنع من قتل قادح في نبوة النبي ص و إن كان الأمر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر تأول فأخطأ و إنما تأول فأصاب إن كان الأمر على ما ذكر

٢٠٧

قلت أما تعجب المرتضى من كون قوم منعوا الزكاة و أقاموا على الصلاة و دعواه أن هذا غير ممكن و لا صحيح فالعجب منه كيف ينكر وقوع ذلك و كيف ينكر إمكانه أما الإمكان فلأنه لا ملازمة بين العبادتين إلا من كونهما مقترنتين في بعض المواضع في القرآن و ذلك لا يوجب تلازمهما في الوجود أو من قوله إن الناس يعلمون كون الزكاة واجبة في دين الإسلام ضرورة كما تعلمون كون الصلاة في دين الإسلام ضرورة و هذا لا يمنع اعتقادهم سقوط وجوب الزكاة لشبهة دخلت عليهم فإنهم قالوا إن الله تعالى قال لرسوله( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) قالوا فوصف الصدقة المفروضة بأنها صدقة من شأنها أن يطهر رسول الله ص الناس و يزكيهم بأخذها منهم ثم عقب ذلك بأن فرض عليه مع أخذ الزكاة منهم أن يصلي عليهم صلاة تكون سكنا لهم قالوا و هذه الصفات لا تتحقق في غيره لأن غيره لا يطهر الناس و يزكيهم بأخذ الصدقة و لا إذا صلى على الناس كانت صلاته سكنا لهم فلم يجب علينا دفع الزكاة إلى غيره و هذه الشبهة لا تنافي كون الزكاة معلوما وجوبها ضرورة من دين محمد ص لأنهم ما جحدوا وجوبها و لكنهم قالوا إنه وجوب مشروط و ليس يعلم بالضرورة انتفاء كونها مشروطة و إنما يعلم ذلك بنظر و تأويل فقد بان أن ما ادعاه من الضرورة ليس بدال على أنه لا يمكن أحد اعتقاد نفي وجوب الزكاة بعد موت الرسول و لو عرضت مثل هذه الشبهة في صلاة لصح لذاهب أن يذهب إلى أنها قد سقطت عن الناس فأما الوقوع فهو المعلوم ضرورة بالتواتر كالعلم بأن أبا بكر ولي الخلافة بعد الرسول ص ضرورة بطريق التواتر و من أراد الوقوف على ذلك فلينظر في كتب التواريخ

٢٠٨

فإنها تشتمل من ذلك على ما يشفي و يكفي و قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير بإسناد ذكره أن أبا بكر أقام بالمدينة بعد وفاة رسول الله ص و توجيهه أسامة في جيشه إلى حيث قتل أبوه زيد بن حارثة لم يحدث شيئا و جاءته وفود العرب مرتدين يقرون بالصلاة و يمنعون الصدقة فلم يقيل منهم و ردهم و أقام حتى قدم أسامة بعد أربعين يوما من شخوصه و يقال بعد سبعين يوما و روى أبو جعفر قال امتنعت العرب قاطبة من أداء الزكاة بعد رسول الله ص إلا قريشا و ثقيفا و روى أبو جعفر عن السري عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال ارتدت العرب و منعت الزكاة إلا قريشا و ثقيفا فأما هوازن فقدمت رجلا و أخرت أخرى أمسكوا الصدقة و روى أبو جعفر قال لما منعت العرب الزكاة كان أبو بكر ينتظر قدوم أسامة بالجيش فلم يحارب أحدا قبل قدومه إلا عبسا و ذبيان فإنه قاتلهم قبل رجوع أسامة و روى أبو جعفر قال قدمت وفود من قبائل العرب المدينة فنزلوا على وجوه الناس بها و يحملونهم إلى أبي بكر أن يقيموا الصلاة و ألا يؤتوا الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق و قال لو منعوني عقال بعير لجاهدتهم عليه و روى أبو جعفر شعرا للخطيل بن أوس أخي الحطيئة في معنى منع الزكاة و أن

٢٠٩

أبا بكر رد سؤال العرب و لم يجبهم من جملته:

أطعنا رسول الله إذا كان بيننا

فيا لعباد الله ما لأبي بكر

أ يورثها بكر إذا مات بعده

و تلك لعمر الله قاصمة الظهر

فهلا رددتم وفدنا بإجابة

و هلا حسبتم منه راعية البكر

فإن الذي سألوكم فمنعتم

لكالتمر أو أحلى لحلف بني فهر

و روى أبو جعفر قال لما قدمت العرب المدينة على أبي بكر فكلموه في إسقاط الزكاة نزلوا على وجوه الناس بالمدينة فلم يبق أحد إلا و أنزل عليه ناسا منهم إلا العباس بن عبد المطلب ثم اجتمع إلى أبي بكر المسلمون فخوفوه بأس العرب و اجتماعها قال ضرار بن الأزور فما رأيت أحدا ليس رسول الله أملأ بحرب شعواء من أبي بكر فجعلنا نخوفه و نروعه و كأنما إنما نخبره بما له لا ما عليه و اجتمعت كلمة المسلمين على إجابة العرب إلى ما طلبت و أبى أبو بكر أن يفعل إلا ما كان يفعله رسول الله ص و أن يأخذ إلا ما كان يأخذ ثم أجلهم يوما و ليلة ثم أمرهم بالانصراف و طاروا إلى عشائرهم و روى أبو جعفر قال كان رسول الله ص بعث عمرو بن العاص إلى عمان قبل موته فمات و هو بعمان فأقبل قافلا إلى المدينة فوجد العرب قد منعت الزكاة فنزل في بني عامر على قرة بن هبيرة و قرة يقدم رجلا و يؤخر أخرى و على ذلك بنو عامر كلهم إلا الخواص ثم قدم المدينة فأطافت به قريش فأخبرهم أن العساكر معسكرة حولهم فتفرق المسلمون و تحلقوا حلقا و أقبل عمر بن الخطاب فمر بحلقة

٢١٠

و هم يتحدثون فيما سمعوا من عمرو و في تلك الحلقة علي و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد فلما دنا عمر منهم سكتوا فقال في أي شي‏ء أنتم فلم يخبروه فقال ما أعلمني بالذي خلوتم عليه فغضب طلحة و قال الله يا ابن الخطاب إنك لتعلم الغيب فقال لا يعلم الغيب إلا الله و لكن أظن قلتم ما أخوفنا على قريش من العرب و أخلقهم ألا يقروا بهذا الأمر قالوا صدقت فقال فلا تخافوا هذه المنزلة أنا و الله منكم على العرب أخوف مني عليكم من العرب قال أبو جعفر و حدثني السري قال حدثنا شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال نزل عمرو بن العاص بمنصرفه من عمان بعد وفاة رسول الله ص بقرة بن هبيرة بن سلمة بن يسير و حوله عساكر من أفنائهم فذبح له و أكرم منزلته فلما أراد الرحلة خلا به و قال يا هذا إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع و تطيع و إن أبيتم فإنها تجتمع عليكم فقال عمرو أ توعدنا بالعرب و تخوفنا بها موعدنا حفش أمك أما و الله لأوطئنه عليك الخيل و قدم على أبي بكر و المسلمين فأخبرهم و روى أبو جعفر قال كان رسول الله ص قد فرق عماله في بني تميم على قبض الصدقات فجعل الزبرقان بن بدر على عوف و الرباب و قيس بن عاصم على مقاعس و البطون و صفوان بن صفوان و سبرة بن عمرو على بني عمرو و مالك بن نويرة على بني حنظلة فلما توفي رسول الله ص ضرب صفوان إلى أبي بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبي ص بصدقات بني عمرو و بما ولي منها و ما ولي سبرة و أقام سبرة في قومه لحدث إن ناب و أطرق قيس بن عاصم ينظر ما الزبرقان صانع فكان له عدوا و قال و هو ينتظره و ينتظر ما يصنع و يلي عليه ما أدري ما أصنع إن أنا

٢١١

بايعت أبا بكر و أتيته بصدقات قومي خلفني فيهم فساءني عندهم و إن رددتها عليهم فليأتين أبا بكر فيسوءني عنده ثم عزم قيس على قسمتها في مقاعس و البطون ففعل و عزم الزبرقان على الوفاء فاتبع صفوان بصدقات عوف و الرباب حتى قدم بها المدينة و قال شعرا يعرض فيه بقيس بن عاصم و من جملته:

وفيت بأذواد الرسول و قد أبت

سعاة فلم يردد بعيرا أميرها

فلما أرسل أبو بكر إلى قيس العلاء بن الحضرمي أخرج الصدقة فأتاه بها و قدم معه إلى المدينة و في تاريخ أبي جعفر الطبري من هذا الكثير الواسع و كذلك في تاريخ غيره من التواريخ و هذا أمر معلوم باضطرار لا يجوز لأحد أن يخالف فيه فأما قوله كيف يصح ذلك و قد قال لهم أبو بكر إذا أذنوا و أقاموا كإقامتكم فكفوا عنهم فجعل أمارة الإسلام و البراءة من الردة الأذان و الإقامة فإنه قد أسقط بعض الخبر قال أبو جعفر الطبري في كتابه كانت وصيته لهم إذا نزلتم فأذنوا و أقيموا فإن أذن القوم و أقاموا فكفوا عنهم فإن لم يفعلوا فلا شي‏ء إلا الغارة ثم اقتلوهم كل قتلة الحرق فما سواه و إن أجابوا داعية الإسلام فاسألوهم فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم و إن أبوا فلا شي‏ء إلا الغارة و لا كلمة فأما قوله و كيف يطلق قاضي القضاة في سائر أهل الردة ما أطلقه من أنهم كانوا يصلون و من جملتهم أصحاب مسيلمة و طلحة فإنما أراد قاضي القضاة بأهل الردة هاهنا مانعي الزكاة لا غير و لم يرد من جحد الإسلام بالكلية فأما قصة مالك بن نويرة و خالد بن الوليد فإنها مشتبهة عندي و لا غرو فقد اشتهت على الصحابة و ذلك أن من حضرها من العرب اختلفوا في حال القوم هل كان

٢١٢

عليهم شعار الإسلام أو لا و اختلف أبو بكر و عمر في خالد مع شدة اتفاقهما فأما الشعر الذي رواه المرتضى لمالك بن نويرة فهو معروف إلا البيت الأخير فإنه غير معروف و عليه عمدة المرتضى في هذا المقام و ما ذكره بعد من قصة القوم صحيح كله مطابق لما في التواريخ إلا مويضعات يسيرة منها قوله إن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات فإن ذلك غير منقول و إنما المنقول أنه نهى قومه عن الاجتماع في موضع واحد و أمرهم أن يتفرقوا في مياههم ذكر ذلك الطبري و لم يذكر نهيه إياهم عن الاجتماع على منع الصدقة و قال الطبري إن مالكا تردد في أمره هل يحمل الصدقات أم لا فجاءه خالد و هو متحير سبح و منها أن الطبري ذكر أن ضرار بن الأزور قتل مالكا عن غير أمر خالد و أن خالدا لما سمع الواعية خرج و قد فرغوا منهم فقال إذا أراد الله أمرا أصابه قال الطبري و غضب أبو قتادة لذلك و قال لخالد هذا عملك و فارقه و أتى أبا بكر فأخبره فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه فيه عمر فلم يرض إلا أن يرجع إلى خالد فرجع إليه حتى قدم معه المدينة و منها أن الطبري روى أن خالدا لما تزوج أم تميم بنت المنهال امرأة مالك لم يدخل بها و تركها حتى تقضي طهرها و لم يذكر المرتضى ذلك و منها أن الطبري روى أن متمما لما قدم المدينة طلب إلى أبي بكر في سبيهم فكتب له برد السبي و المرتضى ذكر أنه لم يرد إلا في خلافة عمر فأما قول المرتضى إن قول متمم لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك لما رثيته

٢١٣

لا يدل على ردته فصحيح و لا ريب أنه قصد تقريظ زيد بن الخطاب و أن يرضي عمر أخاه بذلك و نعما قال المرتضى إن بين القتلتين فرقا ظاهرا و إليه أشار متمم لا محالة فأما قول مالك صاحبك يعني النبي ص فقد روى هذه اللفظة الطبري في التاريخ قال كان خالد يعتذر عن قتله فيقول إنه قال له و هو يراجعه ما إخال صاحبكم إلا قال كذا و كذا فقال له خالد أ و ما تعده لك صاحبا و هذه لعمري كلمة جافية و إن كان لها مخرج في التأويل إلا أنه مستكره و قرائن الأحوال يعرفها من شاهدها و سمعها فإذا كان خالد قد كان يعتذر بذلك فقد اندفع قول المرتضى هلا اعتذر بذلك و لست أنزه خالدا عن الخطإ و أعلم أنه كان جبارا فاتكا لا يراقب الدين فيما يحمله عليه الغضب و هوى نفسه و لقد وقع منه في حياة رسول الله ص مع بني خذيمة بالغميصاء أعظم مما وقع منه في حق مالك بن نويرة و عفا عنه رسول الله ص بعد أن غضب عليه مدة و أعرض عنه و ذلك العفو هو الذي أطمعه حتى فعل ببني يربوع ما فعل بالبطاح

الطعن الثامن

قولهم إن مما يؤثر في حاله و حال عمر دفنهما مع رسول الله ص في بيته و قد منع الله تعالى الكل من ذلك في حال حياته فكيف بعد الممات بقوله تعالى( لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ اَلنَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ) . أجاب قاضي القضاة بأن الموضع كان ملكا لعائشة و هي حجرتها التي كانت

٢١٤

معروفة بها و الحجر كلها كانت أملاكا لأزواج النبي ص و قد نطق القرآن بذلك في قوله( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) و ذكر أن عمر استأذن عائشة في أن يدفن في ذلك الموضع و حتى قال إن لم تأذن لي فادفنوني في البقيع و على هذا الوجه يحمل ما روي عن الحسن ع أنه لما مات أوصى أن يدفن إلى جنب رسول الله ص و إن لم يترك ففي البقيع فلما كان من مروان و سعيد بن العاص ما كان دفن بالبقيع و إنما أوصى بذلك بإذن عائشة و يجوز أن يكون علم من عائشة أنها جعلت الموضع في حكم الوقف فاستباحوا ذلك لهذا الوجه قال و في دفنه ع في ذلك الموضع ما يدل على فضل أبي بكر لأنه ع لما مات اختلفوا في موضع دفنه و كثر القول حتى روى أبو بكر عنه ص أنه قال ما يدل على أن الأنبياء إذا ماتوا دفنوا حيث ماتوا فزال الخلاف في ذلك اعترض المرتضى فقال لا يخلو موضع قبر النبي ص من أن يكون باقيا على ملكه ع أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة على ما ادعاه فإن كان الأول لم يخل أن يكون ميراثا بعده أو صدقة فإن كان ميراثا فما كان يحل لأبي بكر و لا لعمر من بعده أن يأمرا بدفنهما فيه إلا بعد إرضاء الورثة الذين هم على مذهبنا فاطمة و جماعة الأزواج و على مذهبهم هؤلاء و العباس و لم نجد واحدا منهما خاطب أحدا من هؤلاء الورثة على ابتياع هذا المكان و لا استنزله عنه بثمن و لا غيره و إن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين و يبتاعه منهم هذا إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى و إن كان انتقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله و الحجة فيه فإن فاطمة ع لم يقنع منها في انتقال فدك إلى ملكها بقولها و لا بشهادة من

٢١٥

شهد لها فأما تعلقه بإضافة البيوت إليهن في قوله( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فمن ضعيف الشبهة لأنا قد بينا فيما مضى من هذا الكتاب أن هذه الإضافة لا تقتضي الملك و إنما تقتضي السكنى و العادة في استعمال هذه اللفظة فيما ذكرناه ظاهرة قال تعالى( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) و لم يرد الله تعالى إلا حيث يسكن و ينزلن دون حيث يملكن و ما أشبهه و أظرف من كل شي‏ء تقدم قوله إن الحسن ع استأذن عائشة في أن يدفن في البيت حتى منعه مروان و سعيد بن العاص لأن هذه مكابرة منه ظاهرة فإن المانع للحسن ع من ذلك لم يكن إلا عائشة و لعل من ذكره من مروان و سعيد و غيرهما أعانها و اتبع في ذلك أمرهما و روي أنها خرجت في ذلك اليوم على بغل حتى قال ابن عباس يوما على بغل و يوما على جمل فكيف تأذن عائشة في ذلك و هي مالكة الموضع على قولهم و يمنع منه مروان و غيره ممن لا ملك له في الموضع و لا شركة و لا يد و هذا من قبيح ما يرتكب و أي فضل لأبي بكر في روايته عن النبي ص حديث الدفن و عملهم بقوله إن صح فمن مذهب صاحب الكتاب و أصحابه العمل بخبر الواحد العدل في أحكام الدين العظيمة فكيف لا يعمل بقول أبي بكر في الدفن و هم يعملون بقول من هو دونه فيما هو أعظم من ذلك قلت أما أبو بكر فإنه لا يلحقه بدفنه مع الرسول ص ذم لأنه ما دفن نفسه و إنما دفنه الناس و هو ميت فإن كان ذلك خطأ فالإثم و الذم لاحقان بمن فعل به ذلك و لم يثبت عنه بأنه أوصى أن يدفن مع رسول الله ص و إنما قد يمكن أن يتوجه هذا الطعن إلى عمر لأنه سأل عائشة أن يدفن في الحجرة مع رسول الله ص و أبي بكر و القول عندي مشتبه في أمر حجر الأزواج

٢١٦

هل كانت على ملك رسول الله ص إلى أن توفي أم ملكها نساؤه و الذي تنطق به التواريخ أنه لما خرج من قباء و دخل المدينة و سكن منزل أبي أيوب اختط المسجد و اختط حجر نسائه و بناته و هذا يدل على أنه كان المالك للمواضع و أما خروجها عن ملكه إلى الأزواج و البنات فمما لم أقف عليه و يجوز أن تكون الصحابة قد فهمت من قرائن الأحوال و مما شاهدوه منه ع أنه قد أقر كل بيت منها في يد زوجة من الزوجات على سبيل الهبة و العطية و إن لم ينقل عنه في ذلك صيغة لفظ معين و القول في بيت فاطمة ع كذلك لأن فاطمة ع لم تكن تملك مالا و علي ع بعلها كان فقيرا في حياة رسول الله ص حتى أنه كان يستقي الماء ليهود بيده يسقي بساتينهم لقوت يدفعونه إليه فمن أين كان له ما يبتاع به حجرة يسكن فيها هو و زوجته و القول في كثير من الزوجات كذلك أنهن كن فقيرات مدقعات نحو صفية بنت حيي بن أخطب و جويرية بنت الحارث و ميمونة و غيرهن فلا وجه يمكن أن يتملك منه هؤلاء النسوة و البنت الحجر إلا أن يكون رسول الله ص وهبها لهن هذا إن ثبت أنها خرجت عن ملكيته ع و إلا فهي باقية على ملكيته باستصحاب الحال و القول في حجرة زينب بنت رسول الله ص كذلك لأنه أقدمها من مكة مفارقة لبعلها أبي العاص بن الربيع فأسكنها بالمدينة في حجرة منفردة خالية عن بعل فلا بد أن تكون تلك الحجرة بمقتضى ما يتغلب على الظن ملكا له ع فيستدام الحكم بملكه لها إلى أن نجد دليلا ينقلنا عن ذلك و أما رقية و أم كلثوم زوجتا عثمان فإن كان مثريا ذا مال فيجوز أن يكون ابتاع حجرة سكنت فيها الأولى منهما ثم الثانية بعدها

٢١٧

فأما احتجاج قاضي القضاة بقوله( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فاعتراض المرتضى عليه قوي لأن هذه الإضافة إنما تقتضي التخصيص فقط لا التمليك كما قال( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) و يجوز أن يكون أبو بكر لما روى قوله نحن لا نورث ترك الحجر في أيدي الزوجات و البنت على سبيل الإقطاع لهن لا التمليك أي أباحهن السكنى لا التصرف في رقاب الأرض و الأبنية و الآلات لما رأى في ذلك من المصلحة و لأنه كان من المتهجن القبيح إخراجهن من البيوت و ليس كذلك فدك فإنها قرية كبيرة ذات نخل كثير خارجة عن المدينة و لم تكن فاطمة متصرفة فيها من قبل نفسها و لا بوكيلها و لا رأتها قط فلا تشبه حالها حال الحجر و أيضا لإباحة هذه الحجر و نزارة أثمانهن فإنها كانت مبنية من طين قصيرة الجدران فلعل أبا بكر و الصحابة استحقروها فأقروا النساء فيها و عوضوا المسلمين عنها بالشي‏ء اليسير مما يقتضي الحساب أن يكون من سهم الأزواج و البنت عند قسمة الفي‏ء و أما القول في الحسن و ما جرى من عائشة و بني أمية فقد تقدم و كذلك القول في الخبر المروي في دفن الرسول ع فكان أبو المظفر هبة الله بن الموسوي صدر المخزن المعمور كان في أيام الناصر لدين الله إذا حادثته حديث وفاة رسول الله ص و رواية أبي بكر ما رواه من قوله ع الأنبياء يدفنون حيث يموتون يحلف أن أبا بكر افتعل هذا الحديث في الحال و الوقت ليدفن النبي ص في حجرة ابنته ثم يدفن هو معه عند موته علما منه أنه لم يبق من عمره إلا مثل ظم‏ء الحمار و أنه إذا دفن النبي ص في حجرة ابنته فإن ابنته تدفنه لا محالة في حجرتها عند بعلها و إن دفن النبي ص في موضع

٢١٨

آخر فربما لا يتهيأ له أن يدفن عنده فرأى أن هذا الفوز بهذا الشرف العظيم و هذا المكان الجليل مما لا يقتضي حسن التدبير فوته و إن انتهاز الفرصة فيه واجب فروى لهم الخبر فلا يمكنهم بعد روايته ألا يعملوا به لا سيما و قد صار هو الخليفة و إليه السلطان و النفع و الضرر و أدرك ما كان في نفسه ثم نسج عمر على منواله فرغب إلى عائشة في مثل ذلك و قد كان يكرمها و يقدمها على سائر الزوجات في العطاء و غيره فأجابته إلى ذلك و كان مطاعا في حياته و بعد مماته و كان يقول وا عجبا للحسن و طمعه في أن يدفن في حجرة عائشة و الله لو كان أبوه الخليفة يومئذ لما تهيأ له ذلك و لا تم لبغض عائشة لهم و حسد الناس إياهم و تمالؤ بني أمية و غيرهم من قريش عليهم و لهذا قالوا يدفن عثمان في حش كوكب و يدفن الحسن في حجرة رسول الله ص فكيف و الخليفة معاوية و الأمراء بالمدينة بنو أمية و عائشة صاحبة الموضع و الناصر لبني هاشم قليل و الشانئ كثير و أنا أستغفر الله مما كان أبو المظفر يحلف عليه و أعلم و أظن ظنا شبيها بالعلم أن أبا بكر ما روى إلا ما سمع و أنه كان أتقى لله من ذلك

الطعن التاسع

قولهم إنه نص على عمر بالخلافة فخالف رسول الله ص على زعمه لأنه كان يزعم هو و من قال بقوله أن رسول الله ص لم يستخلف

٢١٩

و الجواب أن كونه لم يستخلف لا يدل على تحريم الاستخلاف كما أنه من لم يركب الفيل لا يدل على تحريم ركوب الفيل فإن قالوا ركوب الفيل فيه منفعة و لا مضرة فيه و لم يرد نص بتحريمه فوجب أن يحسن قيل لهم و الاستخلاف مصلحة و لا مضرة فيه و قد أجمع المسلمون أنه طريق إلى الإمامة فوجب كونه طريقا إليها و قد روي عن عمر أنه قال إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله ص فأما الاجتماع المشار إليه فهو أن الصحابة أجمعوا على أن عمر إمام بنص أبي بكر عليه و أنفذوا أحكامه و انقادوا إليه لأجل نص أبي بكر لا لشي‏ء سواه فلو لم يكن ذلك طريقا إلى الإمامة لما أطبقوا عليه و قد اختلف الشيخان أبو علي و أبو هاشم في أن نص الإمام على إمام بعده هل يكفي في انعقاد إمامته فقال أبو علي لا يكفي بل لا بد من أن يرضى به أربعة حتى يجري عهده إليه مجرى عقد الواحد برضا أربعة فإذا قارنه رضا أربعة صار بذلك إماما و يقول في بيعة عمر أن أبا بكر أحضر جماعة من الصحابة لما نص عليه و رجع إلى رضاهم بذلك و قال أبو هاشم بل يكفي نصه ع و لا يراعى في ذلك رضا غيره به و لو ثبت أن أبا بكر فعله لكان على طريق التبع للنص لا أنه يؤثر في إمامته مع العهد و لعل أبا بكر إن كان فعل ذلك فقد استطاب به نفوسهم و لهذا لم يؤثر فيه كراهية طلحة حين قال وليت علينا فظا غليظا و يبين ذلك أنه لم ينقل استئناف العقد من الصحابة لعمر بعد موت أبي بكر و لا اجتماع جماعة لعقد البيعة له و الرضا به فدل على أنهم اكتفوا بعهد أبي بكر إليه

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بفلان و استأنست بمعنى و فلان أنيسي و مؤانسي و قد أنسني كله بمعنى أي كيف لم تستوحش من الأمور التي تؤدي إلى هلكة نفسك.و البلول مصدر بل الرجل من مرضه إذا برئ و يجوز أبل قال الشاعر:

إذا بل من داء به ظن أنه

نجا و به الداء الذي هو قاتله

و الضاحي لحر الشمس البارز و هذا داء ممض أي مؤلم أمضني الجرح إمضاضا و يجوز مضني.و روي و جلدك على مصائبك بصيغة الجمع.و بيات نقمة بفتح الباء طروقها ليلا و هي من ألفاظ القرآن العزيز.و تورط وقع في الورطة بتسكين الراء و هي الهلاك و أصل الورطة أرض مطمئنة لا طريق فيها و قد أورطه و ورطه توريطا أي أوقعه فيها.و المدارج الطرق و المسالك و يجوز انتصاب مدارج هاهنا لأنها مفعول به صريح و يجوز أن ينتصب على تقدير حرف الخفض و حذفه أي في مدارج سطواته.قوله و تمثل أي و تصور.و يتغمدك بفضله أي يسترك بعفوه و سمى العفو و الصفح فضلا تسمية للنوع بالجنس.قوله مطرف عين بفتح الراء أي زمان طرف العين و طرفها إطباق أحد

٢٤١

جفنيها على الآخر و انتصاب مطرف هاهنا على الظرفية كقولك وردت مقدم الحاج أي وقت قدومهم.قوله متوازيين في القدرة أي متساويين و روي متوازنين بالنون.و العظات جمع عظة و هو منصوب على نزع الخافض أي كاشفتك بالعظات و روي العظات بالرفع على أنه فاعل و روي كاشفتك الغطاء.و آذنتك أي أعلمتك.و على سواء أي على عدل و إنصاف و هذا من الألفاظ القرآنية.و الراجفة الصيحة الأولى و حقت بجلائلها القيامة أي بأمورها العظام و المنسك الموضع الذي تذبح فيه النسائك و هي ذبائح القربان و يجوز فتح السين و قد قرئ بهما في قوله تعالى( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً ) .فإن قلت إذا كان يلحق بكل معبود عبدته فالنصارى إذن تلحق بعيسى و الغلاة من المسلمين بعلي و كذلك الملائكة فما القول في ذلك.قلت لا ضرر في التحاق هؤلاء بمعبوديهم و معنى الالتحاق أن يؤمر الأتباع في الموقف بالتحيز إلى الجهة التي فيها الرؤساء ثم يقال للرؤساء أ هؤلاء أتباعكم و عبدتكم فحينئذ يتبرءون منهم فينجو الرؤساء و تهلك الأتباع كما قال سبحانه( أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ اَلْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) أي إنما كانوا يطيعون الشياطين المضلة لهم فعبادتهم في

٢٤٢

الحقيقة للشياطين لا لنا و إنهم ما أطاعونا و لو أطاعونا لكانوا مهتدين و إنما أطاعوا شياطينهم.و لا حاجة في هذا الجواب إلى أن يقال ما قيل في قوله تعالى( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللَّهِ ) من تخصيص العموم بالآية الأخرى و هي قوله تعالى( إِنَّ اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا اَلْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) .فإن قلت فما قولك في اعتراض ابن الزبعري على الآية هل هو وارد.قلت لا لأنه قال تعالى( إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ ) و ما لما لا يعقل فلا يرد عليه الاعتراض بالمسيح و الملائكة و الذي قاله المفسرون من تخصيص العموم بالآية الثانية تكلف غير محتاج إليه.فإن قلت فما الفائدة في أن قرن القوم بأصنامهم في النار و أي معنى لذلك في زيادة التعذيب و السخط.قلت لأن النظر إلى وجه العدو باب من أبواب العذاب و إنما أصاب هؤلاء ما أصابهم بسبب الأصنام التي ضلوا بها فكلما رأوها معهم زاد غمهم و حسرتهم.و أيضا فإنهم قدروا أن يستشفعوا بها في الآخرة فإذا صادفوا الأمر على عكس ذلك لم يكن شي‏ء أبغض إليهم منها.قوله فلم يجر قد اختلف الرواة في هذه اللفظة فرواها قوم فلم يجر و هو مضارع جرى يجري تقول ما الذي جرى للقوم فيقول من سألته قدم الأمير من السفر فيكون المعنى على هذا فلم يكن و لم يتجدد في ديوان حسابه ذلك اليوم صغير و لا حقير إلا بالحق و الإنصاف و هذا مثل قوله تعالى( لا ظُلْمَ اَلْيَوْمَ إِنَّ اَللَّهَ سَرِيعُ

٢٤٣

اَلْحِسابِ ) و رواها قوم فلم يجز مضارع جاز يجوز أي لم يسغ و لم يرخص ذلك اليوم لأحد من المكلفين في حركة من الحركات المحقرات المستصغرات إلا إذا كانت قد فعلها بحق و على هذا يجوز فعل مثلها و رواها قوم فلم يجر من جار أي عدل عن الطريق أي لم يذهب عنه سبحانه و لم يضل و لم يشذ عن حسابه شي‏ء من أمر محقرات الأمور إلا بحقه أي إلا ما لا فائدة في إثباته و المحاسبة عليه نحو الحركات المباحة و العبثية التي لا تدخل تحت التكليف.و قال الراوندي خرق بصر مرفوع لأنه اسم ما لم يسم فاعله و لا أعرف لهذا الكلام معنى.و الهمس الصوت الخفي.قوله فتحر من أمرك تحريت كذا أي توخيته و قصدته و اعتمدته.قوله و تيسر لسفرك أي هيئ أسباب السفر و لا تترك لذاك عائقا.و الشيم النظر إلى البرق.و رحلت مطيتي إذا شددت على ظهرها الرحل قال الأعشى:

رحلت سمية غدوة أجمالها

غضبى عليك فما تقول بدا لها

و التشمير الجد و الانكماش في الأمر.و معاني الفصل ظاهرة و ألفاظه الفصيحة تعطيها و تدل عليها بما لو أراد المفسر أن يعبر عنه بعبارة غير عبارته ع لكان لفظه ع أولى أن يكون تفسيرا لكلام ذلك المفسر

٢٤٤

٢١٩ و من كلام له ع

وَ اَللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ اَلسَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي اَلْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ اَلْعِبَادِ وَ غَاصِباً لِشَيْ‏ءٍ مِنَ اَلْحُطَامِ وَ كَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى اَلْبِلَى قُفُولُهَا وَ يَطُولُ فِي اَلثَّرَى حُلُولُهَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَ قَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اِسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَ رَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ اَلشُّعُورِ غُبْرَ اَلْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَ عَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَ كَرَّرَ عَلَيَّ اَلْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَ أَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَ كَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ اَلثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَ تَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ اَلْأَذَى وَ لاَ أَئِنُّ مِنْ لَظَى وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَ مَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَقَالَ لاَ ذَا وَ لاَ ذَاكَ وَ لَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ اَلْهَبُولُ أَ عَنْ دِينِ اَللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٌ أَمْ تَهْجُرُ وَ اَللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ اَلْأَقَالِيمَ اَلسَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اَللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ

٢٤٥

مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لاَ تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ اَلْعَقْلِ وَ قُبْحِ اَلزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ السعدان نبت ذو شوك يقال له حسك السعدان و حسكة السعدان و تشبه به حلمة الثدي فيقال سعدانة الثندوة و هذا النبت من أفضل مراعي الإبل و في المثل مرعى و لا كالسعدان و نونه زائدة لأنه ليس في الكلام فعلال غير مضاعف إلا خزعال و هو ظلع يلحق الناقة و قهقار و هو الحجر الصلب و قسطال و هو الغبار.و المسهد الممنوع النوم و هو السهاد.و الأغلال القيود و المصفد المقيد و الحطام عروض الدنيا و متاعها شبه لزواله و سرعة فنائه بما يتحطم من العيدان و يتكسر.ثم قال كيف أظلم الناس لأجل نفس تموت سريعا يعني نفسه ع.فإن قلت أ ليس قوله عن نفس يسرع إلى البلى قفولها يشعر بمذهب من قال بقدم الأنفس لأن القفول الرجوع و لا يقال في مذهبه للمسافرة قافلة إلا إذا كانت راجعة.قلت لا حاجة إلى القول بقدم الأنفس محافظة على هذه اللفظة و ذلك لأن النفس إذا كانت حادثة فقد كان أصلها العدم فإذا مات الإنسان عدمت نفسه فرجعت إلى العدم الأصلي و هو المعبر عنه بالبلى.

٢٤٦

و أملق افتقر قال تعالى( وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ) .و استماحني طلب مني أن أعطيه صاعا من الحنطة و الصاع أربعة أمداد و المد رطل و ثلث فمجموع ذلك خمسة أرطال و ثلث رطل و جمع الصاع أصوع و إن شئت همزت و الصواع لغة في الصاع و يقال هو إناء يشرب فيه.و العظلم بالكسرة في الحرفين نبت يصبغ به ما يراد اسوداده و يقال هو الوسمة و شعث الألوان أي غبر.و أصغيت إليه أملت سمعي نحوه.و أتبع قياده أطيعه و انقاد له.و أحميت الحديدة في النار فهي محماة و لا يقال حميت الحديدة.و ذي دنف أي ذي سقم مؤلم.و من ميسمها من أثرها في يده.و ثكلتك الثواكل دعاء عليه و هو جمع ثاكلة و فواعل لا يجي‏ء إلا جمع المؤنث إلا فيما شذ نحو فوارس أي ثكلتك نساؤك.قوله أحماها إنسانها أي صاحبها و لم يقل إنسان لأنه يريد أن يقابل هذه اللفظة بقوله جبارها.و سجرها بالتخفيف أوقدها و أحماها و السجور ما يسجر به التنور.قوله بملفوفة في وعائها كان أهدى له الأشعث بن قيس نوعا من الحلواء تأنق فيه و كان ع يبغض الأشعث لأن الأشعث كان يبغضه و ظن الأشعث أنه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوي كان في نفس الأشعث و كان أمير المؤمنين

٢٤٧

ع يفطن لذلك و يعلمه و لذلك رد هدية الأشعث و لو لا ذلك لقبلها لأن النبي ص قبل الهدية و قد قبل علي ع هدايا جماعة من أصحابه و دعاء بعض من كان يأنس إليه إلى حلواء عملها يوم نوروز فأكل و قال لم عملت هذا فقال لأنه يوم نوروز فضحك و قال نوروزا لنا في كل يوم إن استطعتم.و كان ع من لطافة الأخلاق و سجاحة الشيم على قاعدة عجيبة جميلة و لكنه كان ينفر عن قوم كان يعلم من حالهم الشنآن له و عمن يحاول أن يصانعه بذلك عن مال المسلمين و هيهات حتى يلين لضرس الماضغ الحجر.و قال بملفوفة في وعائها لأنه كان طبق مغطى.ثم قال و معجونة شنئتها أي أبغضتها و نفرت عنها كأنها عجنت بريق الحية أو بقيئها و ذلك أعظم الأسباب للنفرة من المأكول.و قال الراوندي وصفها باللطافة فقال كأنها عجنت بريق الحية و هذا تفسير أبعد من الصحيح.قوله أ صلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت الصلة العطية لا يراد بها الأجر بل يراد وصلة التقرب إلى الموصول و أكثر ما تفعل للذكر و الصيت و الزكاة هي ما تجب في النصاب من المال.و الصدقة هاهنا هي صدقة التطوع و قد تسمى الزكاة الواجبة صدقة إلا أنها هنا هي النافلة.فإن قلت كيف قال فذلك محرم علينا أهل البيت و إنما يحرم عليهم الزكاة الواجبة خاصة و لا يحرم عليهم صدقة التطوع و لا قبول الصلات قلت أراد بقوله أهل البيت الأشخاص الخمسة محمدا و عليا و فاطمة و حسنا و حسينا

٢٤٨

ع فهؤلاء خاصة دون غيرهم من بني هاشم محرم عليهم الصلة و قبول الصدقة و أما غيرهم من بني هاشم فلا يحرم عليهم إلا الزكاة الواجبة خاصة.فإن قلت كيف قلت إن هؤلاء الخمسة يحرم عليهم قبول الصلات و قد كان حسن و حسين ع يقبلان صلة معاوية.قلت كلا لم يقبلا صلته و معاذ الله أن يقبلاها و إنما قبلا منه ما كان يدفعه إليهما من جملة حقهما من بيت المال فإن سهم ذوي القربى منصوص عليه في الكتاب العزيز و لهما غير سهم ذوي القربى سهم آخر للإسلام من الغنائم.قوله هبلتك الهبول أي ثكلتك أمك و الهبول التي لها عادة بثكل الولد.فإن قلت ما الفرق بين مختبط و ذي جنة و يهجر.قلت المختبط المصروع من غلبه الأخلاط السوداوية أو غيرها عليه و ذو الجنة من به مس من الشيطان و الذي يهجر هو الذي يهذي في مرض ليس بصرع كالمحموم و المبرسم و نحوهما.و جلب الشعيرة بضم الجيم قشرها و الجلب و الجلبة أيضا جليدة تعلو الجرح عند البرء يقال منه جلب الجرح يجلب و يجلب و أجلب الجرح أيضا و يقال للجليدة التي تجعل على القتب جلبة أيضا.و تقضمها بفتح الضاد و الماضي قضم بالكسر

٢٤٩

نبذ من أخبار عقيل بن أبي طالب

و عقيل هو عقيل بن أبي طالب ع بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخو أمير المؤمنين ع لأمه و أبيه و كان بنو أبي طالب أربعة طالب و هو أسن من عقيل بعشر سنين و عقيل و هو أسن من جعفر بعشر سنين و جعفر و هو أسن من علي بعشر سنين و علي و هو أصغرهم سنا و أعظمهم قدرا بل و أعظم الناس بعد ابن عمه قدرا.و كان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبه سائر بنيه فلذلك قال للنبي ص و للعباس حين أتياه ليقتسما بنيه عام المحل فيخففا عنه ثقلهم دعوا لي عقيلا و خذوا من شئتم فأخذ العباس جعفرا و أخذ محمد ص عليا ع.و كان عقيل يكنى أبا يزيد

قال له رسول الله ص يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا لقرابتك مني و حبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك.أخرج عقيل إلى بدر مكرها كما أخرج العباس فأسر و فدي و عاد إلى مكة ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية و شهد غزوة مؤتة مع أخيه جعفر ع و توفي في خلافة معاوية في سنة خمسين و عمره ست و تسعون سنة.و له دار بالمدينة معروفة و خرج إلى العراق ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة و لم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين ع شيئا من حروبه أيام خلافته و عرض نفسه و ولده عليه فأعفاه و لم يكلفه حضور الحرب.و كان أنسب قريش و أعلمهم بأيامها و كان مبغضا إليهم لأنه كان يعد مساوئهم

٢٥٠

و كانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله ص فيصلي عليها و يجتمع إليه الناس في علم النسب و أيام العرب و كان حينئذ قد ذهب بصره و كان أسرع الناس جوابا و أشدهم عارضة.كان يقال إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب و أيام قريش و يرجع إلى قولهم عقيل بن أبي طالب و مخرمة بن نوفل الزهري و أبو الجهم بن حذيفة العدوي و حويط بن عبد العزى العامري.و اختلف الناس في عقيل هل التحق بمعاوية و أمير المؤمنين حي فقال قوم نعم و رووا أن معاوية قال يوما و عقيل عنده هذا أبو زيد لو لا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا و تركه فقال عقيل أخي خير لي في ديني و أنت خير لي في دنياي و قد آثرت دنياي أسأل الله خاتمة خير.و قال قوم إنه لم يعد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين ع و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته و الجواب الذي أجابه ع و قد ذكرناه فيما تقدم و سيأتي ذكره أيضا في باب كتبه ع و هذا القول هو الأظهر عندي و روى المدائني قال قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب هل من حاجة فأقضيها لك قال نعم جارية عرضت علي و أبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا فأحب معاوية أن يمازحه فقال و ما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا و أنت أعمى تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما قال أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك بالسيف فضحك معاوية و قال مازحناك يا أبا يزيد و أمر فابتيعت له الجارية

٢٥١

التي أولد منها مسلما فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة و قد مات عقيل أبوه قال لمعاوية يا أمير المؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة و إني أعطيت بها مائة ألف و قد أحببت أن أبيعك إياها فادفع إلي ثمنها فأمر معاوية بقبض الأرض و دفع الثمن إليه.

فبلغ ذلك الحسين ع فكتب إلى معاوية أما بعد فإنك غررت غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعته إليه و اردد إلينا أرضنا.فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك و أقرأه كتاب الحسين ع و قال اردد علينا مالنا و خذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك فقال مسلم أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه فقال يا بني هذا و الله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أمك.ثم كتب إلى الحسين إني قد رددت عليكم الأرض و سوغت مسلما ما أخذ فقال الحسين ع أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما.و قال معاوية لعقيل يا أبا يزيد أين يكون عمك أبو لهب اليوم قال إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعا لعمتك أم جميل بنت حرب بن أمية.و قالت له زوجته ابنة عتبة بن ربيعة يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا أين عمي أين أخي كان أعناقهم أباريق الفضة ترى آنافهم الماء قبل شفاههم قال إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك.

٢٥٢

سأل معاوية عقيلا عن قصة الحديدة المحماة المذكورة فبكى و قال أنا أحدثك يا معاوية عنه ثم أحدثك عما سألت نزل بالحسين ابنه ضيف فاستسلف درهما اشترى به خبزا و احتاج إلى الإدام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن فأخذ منه رطلا فلما طلبها ع ليقسمها قال يا قنبر أظن أنه حدث بهذا الزق حدث فأخبره فغضب ع و قال علي بحسين فرفع عليه الدرة فقال بحق عمي جعفر و كان إذا سئل بحق جعفر سكن فقال له ما حملك أن أخذت منه قبل القسمة قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطيناه رددناه قال فداك أبوك و إن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم أما لو لا أني رأيت رسول الله ص يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه و قال اشتر به خير عسل تقدر عليه قال عقيل و الله لكأني أنظر إلى يدي علي و هي على فم الزق و قنبر يقلب العسل فيه ثم شده و جعل يبكي و يقول اللهم اغفر لحسين فإنه لم يعلم.فقال معاوية ذكرت من لا ينكر فضله رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله و أعجز من يأتي بعده هلم حديث الحديدة.

قال نعم أقويت و أصابتني مخمصة شديدة فسألته فلم تند صفاته فجمعت صبياني و جئته بهم و البؤس و الضر ظاهران عليهم فقال ائتني عشية لأدفع إليك شيئا فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي ثم قال أ لا فدونك فأهويت حريصا قد غلبني الجشع أظنها صرة فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا فلما قبضتها نبذتها و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره فقال لي ثكلتك أمك هذا من حديدة

٢٥٣

أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ثم قرأ( إِذِ اَلْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ اَلسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ ) .ثم قال ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى فانصرف إلى أهلك.فجعل معاوية يتعجب و يقول هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن مثله

٢٥٤

٢٢٠ و من دعاء له ع

اَللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَ لاَ تَبْذُلْ جَاهِي بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ وَ أَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَ أُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَ أُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ اَلْإِعْطَاءِ وَ اَلْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ صن وجهي باليسار أي استره بأن ترزقني يسارا و ثروة أستغني بهما عن مسألة الناس.و لا تبذل جاهي بالإقتار أي لا تسقط مروءتي و حرمتي بين الناس بالفقر الذي أحتاج معه إلى تكفف الناس.و روي أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الجواد رقت حاله في آخر عمره لأن عبد الملك جفاه فراح يوما إلى الجمعة فدعا فقال اللهم إنك عودتني عادة جريت عليها فإن كان ذلك قد انقضى فاقبضني إليك فلم يلحق الجمعة الأخرى.و كان الحسن بن علي ع يدعو فيقول اللهم وسع علي فإنه لا يسعني إلا الكثير.

٢٥٥

قوله فأسترزق منصوب لأنه جواب الدعاء كقولهم ارزقني بعيرا فأحج عليه بين ع كيفية تبذل جاهه بالإقتار و فسره فقال بأن أطلب الرزق ممن يطلب منك الرزق.و أستعطف الأشرار من الناس أي أطلب عاطفتهم و إفضالهم و يلزم من ذلك أمران محذوران أحدهما أن أبتلى بحمد المعطي.و الآخر أن أفتتن بذم المانع.قوله ع و أنت من وراء ذلك كله مثل يقال للمحيط بالأمر القاهر له القادر عليه كما نقول للملك العظيم هو من وراء وزرائه و كتابه أي مستعد متهيئ لتتبعهم و تعقبهم و اعتبار حركاتهم لإحاطته بها و إشرافه عليها.و ولي مرفوع بأنه خبر المبتدإ و يكون خبرا بعد خبر و يجوز أن يكون ولي هو الخبر و يكون من وراء ذلك جملة مركبة من جار و مجرور منصوبة الموضع لأنه حال

٢٥٦

٢٢١ و من خطبة له ع

دَارٌ بِالْبَلاَءِ مَحْفُوفَةٌ وَ بِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ لاَ تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَ لاَ يَسْلَمُ نُزَّالُهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَ تَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ اَلْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَ اَلْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ وَ إِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدِفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَ تُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا وَ اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّكُمْ وَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ اَلدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً وَ أَعْمَرَ دِيَاراً وَ أَبْعَدَ آثَاراً أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَ رِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً وَ أَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً وَ دِيَارُهُمْ خَالِيَةً وَ آثَارُهُمْ عَافِيَةً فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ اَلْمَشَيَّدَةِ وَ اَلنَّمَارِقِ اَلْمُمَهَّدَةِ اَلصُّخُورَ وَ اَلْأَحْجَارَ اَلْمُسْنَدَةَ اَلْمُسَنَّدَةَ وَ اَلْقُبُورَ اَللاَّطِئَةَ اَلْمُلْحَدَةَ اَلَّتِي قَدْ بُنِيَ عَلَى اَلْخَرَابِ فِنَاؤُهَا وَ شُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَ سَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّةٍ مُوحِشِينَ وَ أَهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِينَ لاَ يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ وَ لاَ يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ اَلْجِيرَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ اَلْجِوَارِ وَ دُنُوِّ اَلدَّارِ وَ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ وَ قَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ اَلْبِلَى وَ أَكَلَتْهُمُ اَلْجَنَادِلُ وَ اَلثَّرَى وَ كَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ وَ اِرْتَهَنَكُمْ ذَلِكَ اَلْمَضْجَعُ وَ ضَمَّكُمْ ذَلِكَ اَلْمُسْتَوْدَعُ فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ اَلْأَمُورُ وَ بُعْثِرَتِ اَلْقُبُورُ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ

٢٥٧

نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اَللَّهِ مَوْلاهُمُ اَلْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ بالبلاء محفوفة قد أحاط بها من كل جانب.و تارات جمع تارة و هي المرة الواحدة و متصرفة منتقلة متحولة.و مستهدفة بكسر الدال منتصبة مهيأة للرمي و روي مستهدفة بفتح الدال على المفعولية كأنها قد استهدفها غيرها أي جعلها أهدافا.و رياحهم راكدة ساكنة و آثارهم عافية مندرسة.و القصور المشيدة العالية و من روى المشيدة بالتخفيف و كسر الشين فمعناه المعمولة بالشيد و هو الجص.و النمارق الوسائد.و القبور الملحدة ذوات اللحود.و روي و الأحجار المسندة بالتشديد.قوله ع قد بني على الخراب فناؤها أي بنيت لا لتسكن الأحياء فيها كما تبنى منازل أهل الدنيا.و الكلكل الصدر و هو هاهنا استعارة.و الجنادل الحجارة و بعثرت القبور أثيرت.و تبلو كل نفس ما أسلفت تخبر و تعلم جزاء أعمالها و فيه حذف مضاف و من

٢٥٨

قرأ تتلو بالتاء بنقطتين أي تقرأ كل نفس كتابها و ضل عنهم ما كانوا يفترون بطل عنهم ما كانوا يدعونه و يكذبون فيه من القول بالشركاء و أنهم شفعاء

ذكر بعض الآثار و الأشعار الواردة في ذم الدنيا

و من كلام بعض البلغاء في ذم الدنيا أما بعد فإن الدنيا قد عاتبت نفسها بما أبدت من تصرفها و إنبات عن مساوئها بما أظهرت عن مصارع أهلها و دلت على عوراتها بتغير حالاتها و نطقت ألسنة العبر فيها بزوالها و شهد اختلاف شئونها على فنائها و لم يبق لمرتاب فيها ريب و لا ناظر في عواقبها شك بل عرفها جل من عرفها معرفة يقين و كشفوها أوضح تكشيف ثم اختلجتهم الأهواء عن منافع العلم و دلتهم الآمال بغرور فلججت بهم في غمرات العجز فسبحوا في بحورها موقنين بالهلكة و رتعوا في عراصها عارفين بالخدعة فكان يقينهم شكا و علمهم جهلا لا بالعلم انتفعوا و لا بما عاينوا اعتبروا قلوبهم عالمة جاهلة و أبدانهم شاهدة غائبة حتى طرقتهم المنية فأعجلتهم عن الأمنية فبغتتهم القيامة و أورثتهم الندامة و كذلك الهوى حلت مذاقته و سمت عاقبته و الأمل ينسى طويلا و يأخذ وشيكا فانتفع امرؤ بعلمه و جاهد هواه أن يضله و جانب أمله أن يغره و قوي يقينه على العمل و نفى عنه الشك بقطع الأمل فإن الهوى و الأمل إذا استضعفا اليقين صرعاه و إذا تعاونا على ذي غفلة خدعاه فصريعهما لا ينهض سالما و خديعهما لا يزال نادما و القوي من قوي عليهما و الحازم من احترس منهما ألبسنا الله و إياكم جنة السلامة و وقانا و إياكم سوء العذاب.

٢٥٩

كان عمر بن عبد العزيز إذا جلس للقضاء قرأ أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ.قال منصور بن عمار لأهل مجلسه ما أرى إساءة تكبر على عفو الله فلا تيأس و ربما آخذ الله على الصغير فلا تأمن و قد علمت أنك بطول عفو الله عنك عمرت مجالس الاغترار به و رضيت لنفسك المقام على سخطه و لو كنت تعاقب نفسك بقدر تجاوزه عن سيئاتك ما استمر بك لجاج فيما نهيت عنه و لا قصرت دون المبالغة فيه و لكنك رهين غفلتك و أسير حيرتك.قال إسماعيل بن زياد أبو يعقوب قدم علينا بعبادان راهب من الشام و نزل دير ابن أبي كبشة فذكروا حكمة كلامه فحملني ذلك على لقائه فأتيته و هو يقول إن لله عبادا سمت بهم هممهم فهووا عظيم الذخائر فالتمسوا من فضل سيدهم توفيقا يبلغهم سمو الهمم فإن استطعتم أيها المرتحلون عن قريب أن تأخذوا ببعض أمرهم فإنهم قوم قد ملكت الآخرة قلوبهم فلم تجد الدنيا فيها ملبسا فالحزن بثهم و الدمع راحتهم و الدءوب وسيلتهم و حسن الظن قربانهم يحزنون بطول المكث في الدنيا إذا فرح أهلها فهم فيها مسجونون و إلى الآخرة منطلقون.فما سمعت موعظة كانت أنفع لي منها.و من جيد شعر أبي نواس في الزهد:

يا بني النقص و الغير

و بني الضعف و الخور

و بني البعد في الطباع

على القرب في الصور

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279