كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 279

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 279
المشاهدات: 35458
تحميل: 5459


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35458 / تحميل: 5459
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 11

مؤلف:
العربية

199 و من كلام له ع و قد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين

إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَ لَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَ ذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي اَلْقَوْلِ وَ أَبْلَغَ فِي اَلْعُذْرِ وَ قُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اَللَّهُمَّ اِحْقِنْ دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اِهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ اَلْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَ يَرْعَوِيَ عَنِ اَلْغَيِّ وَ اَلْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ السب الشتم سبه يسبه بالضم و التساب التشاتم و رجل مسب بكسر الميم كثير السباب و رجل سبه أي يسبه الناس و رجل سببه أي يسب الناس و رجل سب كثير السباب و سبك الذي يسابك قال

لا تسبنني فلست بسبي

إن سبي من الرجال الكريم

و الذي كرهه ع منهم أنهم كانوا يشتمون أهل الشام و لم يكن يكره منهم لعنهم إياهم و البذاءة منهم لا كما يتوهمه قوم من الحشوية فيقولون لا يجوز

٢١

لعن أحد ممن عليه اسم الإسلام و ينكرون على من يلعن و منهم من يغالي في ذلك فيقول لا ألعن الكافر و ألعن إبليس و إن الله تعالى لا يقول لأحد يوم القيامة لم لم تلعن و إنما يقول لم لعنت.و اعلم أن هذا خلاف نص الكتاب لأنه تعالى قال( إِنَّ اَللَّهَ لَعَنَ اَلْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ) .و قال( أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاَّعِنُونَ ) .و قال في إبليس( وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى‏ يَوْمِ اَلدِّينِ .و قال( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا ) .و في الكتاب العزيز من ذلك الكثير الواسع.و كيف يجوز للمسلم أن ينكر التبرؤ ممن يجب التبرؤ منه أ لم يسمع هؤلاء قول الله تعالى( قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اَلْعَداوَةُ وَ اَلْبَغْضاءُ أَبَداً ) و إنما يجب النظر فيمن قد اشتبهت حاله فإن كان قد قارف كبيرة من الذنوب يستحق بها اللعن و البراءة فلا ضير على من يلعنه و يبرأ منه و إن لم يكن قد قارف كبيرة لم يجز لعنه و لا البراءة منه.و مما يدل على أن من عليه اسم الإسلام إذا ارتكب الكبيرة يجوز لعنه بل يجب في وقت قول الله تعالى في قصة اللعان( فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ

٢٢

لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ وَ اَلْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ اَلْكاذِبِينَ ) .و قال تعالى في القاذف( إِنَّ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَناتِ اَلْغافِلاتِ اَلْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي اَلدُّنْيا وَ اَلْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) .فهاتان الآيتان في المكلفين من أهل القبلة و الآيات قبلهما في الكافرين و المنافقين و لهذا قنت أمير المؤمنين ع على معاوية و جماعة من أصحابه و لعنهم في أدبار الصلوات.فإن قلت فما صوره السب الذي نهى أمير المؤمنين ع عنه.قلت كانوا يشتمونهم بالآباء و الأمهات و منهم من يطعن في نسب قوم منهم و منهم من يذكرهم باللؤم و منهم من يعيرهم بالجبن و البخل و بأنواع الأهاجي التي يتهاجى بها الشعراء و أساليبها معلومة فنهاهم ع عن ذلك و قال إني أكره لكن أن تكونوا سبابين و لكن الأصوب أن تصفوا لهم أعمالهم و تذكروا حالهم أي أن تقولوا إنهم فساق و إنهم أهل ضلال و باطل.ثم قال اجعلوا عوض سبهم أن تقولوا اللهم احقن دماءنا و دماءهم.حقنت الدم أحقنه بالضم منعت أن يسفك أي ألهمهم الإنابة إلى الحق و العدول عن الباطل فإن ذلك إذا تم حقنت دماء الفريقين.فإن قلت كيف يجوز أن يدعو الله تعالى بما لا يفعله أ ليس من أصولكم أن الله تعالى لا يضطر المكلف إلى اعتقاد الحق و إنما يكله إلى نظره.قلت الأمر و إن كان كذلك إلا أن المكلفين قد تعبدوا بأن يدعوا الله تعالى

٢٣

بذلك لأن في دعائهم إياه بذلك لطفا لهم و مصالح في أديانهم كالدعاء بزيادة الرزق و تأخير الأجل.قوله و أصلح ذات بيننا و بينهم يعني أحوالنا و أحوالهم و لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين كما أنه لما كانت الضمائر ملابسة للصدور قيل ذات الصدور و كذلك قولهم اسقني ذا إنائك لما كان ما فيه من الشراب ملابسا له و يقولون للمتبرز قد وضع ذا بطنه و للحبلى تضع ألقت ذا بطنها.و ارعوى عن الغي رجع و كف.لهج به بالكسر يلهج أغرى به و ثابر عليه

٢٤

200 و من كلام له ع في بعض أيام صفين و قد رأى الحسن ابنه ع يتسرع إلى الحرب

اِمْلِكُوا عَنِّي هَذَا اَلْغُلاَمَ لاَ يَهُدَّنِي فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ يَعْنِي اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ ع عَلَى اَلْمَوْتِ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اَللَّهِ ص قال الرضي أبو الحسن رحمه الله قوله ع املكوا عني هذا الغلام من أعلى الكلام و أفصحه الألف في املكوا ألف وصل لأن الماضي ثلاثي من ملكت الفرس و العبد و الدار أملك بالكسر أي احجروا عليه كما يحجر المالك على مملوكه.و عن متعلقة بمحذوف تقديره استولوا عليه و أبعدوه عني و لما كان الملك سبب الحجر على المملوك عبر بالسبب عن المسبب كما عبر بالنكاح عن العقد و هو في الحقيقة اسم الوطء لما كان العقد طريقا إلى الوطء و سببا له.و وجه علو هذا الكلام و فصاحته أنه لما كان في املكوا معنى البعد أعقبه

٢٥

بعن و ذلك أنهم لا يملكونه دون أمير المؤمنين ع إلا و قد أبعدوه عنه أ لا ترى أنك إذا حجرت على زيد دون عمرو فقد باعدت زيدا عن عمرو فلذلك قال املكوا عني هذا الغلام و استفصح الشارحون قول أبي الطيب

إذا كان شم الروح أدنى إليكم

فلا برحتني روضة و قبول

قالوا و لما كان في فلا برحتني معنى فارقتني عدي اللفظة و إن كانت لازمة نظرا إلى المعنى.قوله لا يهدني أي لئلا يهدني فحذف كما حذف طرفه في قوله

ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى

أي لأن أحضر.و أنفس أبخل نفست عليه بكذا بالكسر.فإن قلت أ يجوز أن يقال للحسن و الحسين و ولدهما أبناء رسول الله و ولد رسول الله و ذرية رسول الله و نسل رسول الله.قلت نعم لأن الله تعالى سماهم أبناءه في قوله تعالى( نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ ) و إنما عنى الحسن و الحسين و لو أوصى لولد فلان بمال دخل فيه أولاد البنات و سمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم في قوله( وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ ) إلى أن قال( وَ يَحْيى‏ وَ عِيسى) و لم يختلف أهل اللغة في أن ولد البنات من نسل الرجل.

٢٦

فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى ما كانَ( مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ) قلت أسألك عن أبوته لإبراهيم بن مارية فكما تجيب به عن ذلك فهو جوابي عن الحسن و الحسين ع.و الجواب الشامل للجميع أنه عنى زيد بن حارثة لأن العرب كانت تقول زيد بن محمد على عادتهم في تبني العبيد فأبطل الله تعالى ذلك و نهى عن سنة الجاهلية و قال إن محمدا ع ليس أبا لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزي إليه بالنبوة و ذلك لا ينفي كونه أبا لأطفال لم تطلق عليهم لفظة الرجال كإبراهيم و حسن و حسين ع.فإن قلت أ تقول إن ابن البنت ابن على الحقيقة الأصلية أم على سبيل المجاز.قلت لذاهب أن يذهب إلى أنه حقيقة أصلية لأن أصل الإطلاق الحقيقة و قد يكون اللفظ مشتركا بين مفهومين و هو في أحدهما أشهر و لا يلزم من كونه أشهر في أحدهما ألا يكون حقيقة في الآخر.و لذاهب أن يذهب إلى أنه حقيقة عرفية و هي التي كثر استعمالها و هي في الأكثر مجاز حتى صارت حقيقة في العرف كالراوية للمزادة و السماء للمطر.و لذاهب أن يذهب إلى كونه مجازا قد استعمله الشارع فجاز إطلاقه في كل حال و استعماله كسائر المجازات المستعملة.و مما يدل على اختصاص ولد فاطمة دون بني هاشم كافة بالنبي ع أنه ما كان يحل له ع أن ينكح بنات الحسن و الحسين ع و لا بنات ذريتهما و إن بعدن و طال الزمان و يحل له نكاح بنات غيرهم من بني هاشم من الطالبيين و غيرهم و هذا يدل على مزيد الأقربية و هي كونهم أولاده لأنه ليس هناك من القربى غير

٢٧

هذا الوجه لأنهم ليسوا أولاد أخيه و لا أولاد أخته و لا هناك وجه يقتضي حرمتهم عليه إلا كونه والدا لهم و كونهم أولادا له فإن قلت قد قال الشاعر

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

و قال حكيم العرب أكثم بن صيفي في البنات يذمهن إنهن يلدن الأعداء و يورثن البعداء.قلت إنما قال الشاعر ما قاله على المفهوم الأشهر و ليس في قول أكثم ما يدل على نفي بنوتهم و إنما ذكر أنهن يلدن الأعداء و قد يكون ولد الرجل لصلبه عدوا قال الله تعالى( إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ) و لا ينفي كونه عدوا كونه ابنا.قيل لمحمد بن الحنفية ع لم يغرر بك أبوك في الحرب و لم لا يغرر بالحسن و الحسين فقال لأنهما عيناه و أنا يمينه فهو يذب عن عينيه بيمينه

٢٨

201 و من كلام له ع قاله لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة

يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرِي مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ حَتَّى نَهِكَتْكُمُ اَلْحَرْبُ وَ قَدْ وَ اَللَّهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَ تَرَكَتْ وَ هِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ.لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ اَلْيَوْمَ مَأْمُوراً وَ كُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ اَلْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَ قَدْ أَحْبَبْتُمُ اَلْبَقَاءَ وَ لَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ نهكتكم بكسر الهاء أدنفتكم و أذابتكم و يجوز فتح الهاء و قد نهك الرجل أي دنف و ضني فهو منهوك و عليه نهكه المرض أي أثرة الحرب مؤنثة.و قد أخذت منكم و تركت أي لم تستأصلكم بل فيكم بعد بقية و هي لعدوكم أنهك لأن القتل في أهل الشام كان أشد استحرارا و الوهن فيهم أظهر و لو لا فساد أهل العراق برفع المصاحف لاستؤصل الشام و خلص الأشتر إلى معاوية فأخذه بعنقه و لم يكن قد بقي من قوة الشام إلا كحركة ذنب الوزغة عند قتلها يضطرب يمينا و شمالا و لكن الأمور السماوية لا تغالب.فأما قوله كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا فقد قدمنا شرح حالهم من قبل و أن أهل العراق لما رفع عمرو بن العاص و من معه المصاحف على وجه المكيدة

٢٩

حين أحس بالعطب و علو كلمة أهل الحق ألزموا أمير المؤمنين ع بوضع أوزار الحرب و كف الأيدي عن القتال و كانوا في ذلك على أقسام فمنهم من دخلت عليه الشبهة برفع المصاحف و غلب على ظنه أن أهل الشام لم يفعلوا ذلك خدعة و حيلة بل حقا و دعاء إلى الدين و موجب الكتاب فرأى أن الاستسلام للحجة أولى من الإصرار على الحرب.و منهم من كان قد مل الحرب و آثر السلم فلما رأى شبهة ما يسوغ التعلق بها في رفض المحاربة و حب العافية أخلد إليهم.و منهم من كان يبغض عليا ع بباطنه و يطيعه بظاهره كما يطيع كثير من الناس السلطان في الظاهر و يبغضه بقلبه فلما وجدوا طريقا إلى خذلانه و ترك نصرته أسرعوا نحوها فاجتمع جمهور عسكره عليه و طالبوه بالكف و ترك القتال فامتنع امتناع عالم بالمكيدة و قال لهم إنها حيلة و خديعة و إني أعرف بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب قرآن و لا دين قد صحبتهم و عرفتهم صغيرا و كبيرا فعرفت منهم الإعراض عن الدين و الركون إلى الدنيا فلا تراعوا برفع المصاحف و صمموا على الحرب و قد ملكتموهم فلم يبق منهم إلا حشاشة ضعيفة و ذماء قليل فأبوا عليه و ألحوا و أصروا على القعود و الخذلان و أمروه بالإنفاذ إلى المحاربين من أصحابه و عليهم الأشتر أن يأمرهم بالرجوع و تهددوه إن لم يفعل بإسلامه إلى معاوية فأرسل إلى الأشتر يأمره بالرجوع و ترك الحرب فأبى عليه فقال كيف أرجع و قد لاحت أمارات الظفر فقولوا له ليمهلني ساعة واحدة و لم يكن علم صورة الحال كيف قد وقعت فلما عاد إليه الرسول بذلك غضبوا و نفروا و شغبوا و قالوا أنفذت إلى الأشتر سرا و باطنا تأمره بالتصميم و تنهاه عن الكف و إن لم تعده الساعة و إلا قتلناك كما قتلنا عثمان فرجعت الرسل إلى الأشتر فقالوا له أ تحب أن تظفر بمكانك و أمير المؤمنين قد سل عليه

٣٠

خمسون ألف سيف فقال ما الخبر قال إن الجيش بأسره قد أحدق به و هو قاعد بينهم على الأرض تحته نطع و هو مطرق و البارقة تلمع على رأسه يقولون لئن لم تعد الأشتر قتلناك قال ويحكم فما سبب ذلك قالوا رفع المصاحف قال و الله لقد ظننت حين رأيتها رفعت أنها ستوقع فرقة و فتنة.ثم كر راجعا على عقبيه فوجد أمير المؤمنين ع تحت الخطر قد ردده أصحابه بين أمرين إما أن يسلموه إلى معاوية أو يقتلوه و لا ناصر له منهم إلا ولداه و ابن عمه و نفر قليل لا يبلغون عشرة فلما رآهم الأشتر سبهم و شتمهم و قال ويحكم أ بعد الظفر و النصر صب عليكم الخذلان و الفرقة يا ضعاف الأحلام يا أشباه النساء يا سفهاء العقول فشتموه و سبوه و قهروه و قالوا المصاحف المصاحف و الرجوع إليها لا نرى غير ذلك فأجاب أمير المؤمنين ع إلى التحكيم دفعا للمحذور الأعظم بارتكاب المحظور الأضعف فلذلك قال كنت أميرا فأصبحت مأمورا و كنت ناهيا فصرت منهيا و قد سبق من شرح حال التحكيم و ما جرى فيه ما يغني عن إعادته

٣١

202 و من كلام له ع بالبصرة و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي

و هو من أصحابه يعوده فلما رأى سعة داره قال : مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسَعَةِ بِسِعَةِ هَذِهِ اَلدَّارِ فِي اَلدُّنْيَا أَمَا وَ أَنْتَ إِلَيْهَا فِي اَلآْخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ وَ بَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا اَلآْخِرَةَ تَقْرِي فِيهَا اَلضَّيْفَ وَ تَصِلُ فِيهَا اَلرَّحِمَ وَ تُطْلِعُ مِنْهَا اَلْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا اَلآْخِرَةَ فَقَالَ لَهُ اَلْعَلاَءُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ وَ مَا لَهُ قَالَ لَبِسَ اَلْعَبَاءَةَ اَلْعَبَاءَ وَ تَخَلَّى مِنَ عَنِ اَلدُّنْيَا قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اِسْتَهَامَ بِكَ اَلْخَبِيثُ أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَ وَلَدَكَ أَ تَرَى اَللَّهَ أَحَلَّ لَكَ اَلطَّيِّبَاتِ وَ هُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَ جُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ اَلْحَقِّ اَلْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ اَلنَّاسِ كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ

٣٢

كنت هاهنا زائدة مثل قوله تعالى( كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي اَلْمَهْدِ صَبِيًّا ) .و قوله و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة لفظ فصيح كأنه استدرك و قال و بلى على أنك قد تحتاج إليها في الدنيا لتجعلها وصلة إلى نبل الآخرة بأن تقري فيها الضيف و الضيف لفظ يقع على الواحد و الجمع و قد يجمع فيقال ضيوف و أضياف و الرحم القرابة.و تطلع منها الحقوق مطالعها توقعها في مظان استحقاقها.و العباء جمع عباءة و هي الكساء و قد تلين كما قالوا عظاءة و عظاية و صلاءة و صلاية.و تقول علي بفلان أي أحضره و الأصل أعجل به علي فحذف فعل الأمر و دل الباقي عليه.و يا عدي نفسه تصغير عدو و قد يمكن أن يراد به التحقير المحض هاهنا.و يمكن أن يراد به الاستعظام لعداوته لها و يمكن أن يخرج مخرج التحنن و الشفقة كقولك يا بني.و استهام بك الخبيث يعني الشيطان أي جعلك هائما ضالا و الباء زائدة.فإن قيل ما معنى قوله ع أنت أهون على الله من ذلك.قلت لأن في المشاهد قد يحل الواحد منا لصاحبه فعلا مخصوصا محاباة و مراقبة له

٣٣

و هو يكره أن يفعله و البشر أهون على الله تعالى من أن يحل لهم أمرا مجاملة و استصلاحا للحال معهم و هو يكره منهم فعله.و قوله هذا أنت أي فما بالنا نراك خشن الملبس و التقدير فها أنت تفعل كذا فكيف تنهى عنه.و طعام جشب أي غليظ و كذلك مجشوب و قيل إنه الذي لا أدم معه.قوله ع أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس أي يشبهوا و يمثلوا.و تبيغ الدم بصاحبه و تبوغ به أي هاج به و في الحديث عليكم بالحجامة لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله و قيل أصل يتبيغ يتبغى فقلب جذب و جبذ أي يجب على الإمام العادل أن يشبه نفسه في لباسه و طعامه بضعفة الناس جمع ضعيف لكيلا يهلك الفقراء من الناس فإنهم إذا رأوا إمامهم بتلك الهيئة و بذلك المطعم كان أدعى لهم إلى سلوان لذات الدنيا و الصبر عن شهوات النفوس

ذكر بعض مقامات العارفين و الزهاد

و روي أن قوما من المتصوفة دخلوا خراسان على علي بن موسى الرضا فقالوا له إن أمير المؤمنين فكر فيما ولاه الله من الأمور فرآكم أهل البيت أولى الناس أن تؤموا الناس و نظر فيك من أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك و الإمامة تحتاج إلى من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يركب الحمار و يعود المريض فقال لهم إن يوسف كان نبيا يلبس أقبية الديباج المزررة بالذهب و يجلس على متكآت آل فرعون ويحكم إنما يراد من الإمام قسطه و عدله إذا قال صدق

٣٤

و إذا حكم عدل و إذا وعد أنجز إن الله لم يحرم لبوسا و لا مطعما ثم قرأ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللَّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ الآية.و هذا القول مخالف للقانون الذي أشار أمير المؤمنين إليه و للفلاسفة في هذا الباب كلام لا بأس به و قد أشار إليه أبو علي بن سينا في كتاب الإشارات و عليه يتخرج قولا أمير المؤمنين و علي بن موسى الرضا ع قال أبو علي في مقامات العارفين العارفون قد يختلفون في الهمم بحسب ما يختلف فيهم من الخواطر على حسب ما يختلف عندهم من دواعي العبر فربما استوى عند العارف القشف و الترف بل ربما آثر القشف و كذلك ربما سوى عنده التفل و العطر بل ربما آثر التفل و ذلك عند ما يكون الهاجس بباله استحقار ما عدا الحق و ربما صغا إلى الزينة و أحب من كل شي‏ء عقيلته و كره الخداج و السقط و ذلك عند ما يعتبر عادته من صحبته الأحوال الظاهرة فهو يرتاد إليها في كل شي‏ء لأنه مزية خطوة من العناية الأولى و أقرب أن يكون من قبيل ما عكف عليه بهواه و قد يختلف هذا في عارفين و قد يختلف في عارف بحسب وقتين.و اعلم أن الذي رويته عن الشيوخ و رأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب رحمه الله أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه علي ع عائدا فقال كيف تجدك أبا عبد الرحمن قال أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه قال و ما قيمة بصرك عندك قال لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك إن الله تعالى يعطي على قدر الألم و المصيبة و عنده تضعيف كثير قال الربيع

٣٥

يا أمير المؤمنين أ لا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي قال ما له قال لبس العباء و ترك الملاء و غم أهله و حزن ولده فقال علي ادعوا لي عاصما فلما أتاه عبس في وجهه و قال ويحك يا عاصم أ ترى الله أباح لك اللذات و هو يكره ما أخذت منها لأنت أهون على الله من ذلك أ و ما سمعته يقول مَرَجَ اَلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ثم يقول يَخْرُجُ مِنْهُمَا اَللُّؤْلُؤُ وَ اَلْمَرْجانُ و قال وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها أما و الله إن ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال و قد سمعتم الله يقول وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ و قوله مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اَللَّهِ اَلَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ اَلطَّيِّباتِ مِنَ اَلرِّزْقِ إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ و قال يا أَيُّهَا اَلرُّسُلُ كُلُوا مِنَ اَلطَّيِّباتِ وَ اِعْمَلُوا صالِحاً و قال رسول الله ص لبعض نسائه ما لي أراك شعثاء مرهاء سلتاء.قال عاصم فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن و أكل الجشب قال إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوام كيلا يتبيغ بالفقير فقره فما قام علي ع حتى نزع عاصم العباء و لبس ملاءة.و الربيع بن زياد هو الذي افتتح بعض خراسان و فيه قال عمر دلوني على رجل إذا كان

٣٦

في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير و إذا كان في القوم ليس بأمير فكأنه الأمير بعينه و كان خيرا متواضعا و هو صاحب الوقعة مع عمر لما أحضر العمال فتوحش له الربيع و تقشف و أكل معه الجشب من الطعام فأقره على عمله و صرف الباقين و قد ذكرنا هذه الحكاية فيما تقدم.و كتب زياد ابن أبيه إلى الربيع بن زياد و هو على قطعة من خراسان أن أمير المؤمنين معاوية كتب إلي يأمرك أن تحرز الصفراء و البيضاء و تقسم الخرثي و ما أشبهه على أهل الحرب فقال له الربيع إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين ثم نادى في الناس أن اغدوا علي غنائمكم فأخذ الخمس و قسم الباقي على المسلمين ثم دعا الله أن يميته فما جمع حتى مات.و هو الربيع بن زياد بن أنس بن ديان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن مالك بن كعب بن الحارث بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد.و أما العلاء بن زياد الذي ذكره الرضي رحمه الله فلا أعرفه لعل غيري يعرفه

٣٧

203 و من كلام له ع و قد سأله سائل عن أحاديث البدع و عما في أيدي الناس من اختلاف الخبر

فقال ع : إِنَّ فِي أَيْدِي اَلنَّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلاً وَ صِدْقاً وَ كَذِباً وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ عَامّاً وَ خَاصّاً وَ مُحْكَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ حِفْظاً وَ وَهَماً وَهْماً وَ قَدْ لَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ اَلنَّارِ وَ إِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلاَمِ لاَ يَتَأَثَّمُ وَ لاَ يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ ص مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ اَلنَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَ لَكِنَّهُمْ قَالُوا صَاحِبُ رَسُولِ اَللَّهِ ص رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ لَقِفَ عَنْهُ فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ وَ قَدْ أَخْبَرَكَ اَللَّهُ عَنِ اَلْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ اَلضَّلاَلَةِ وَ اَلدُّعَاةِ إِلَى اَلنَّارِ بِالزُّورِ وَ اَلْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ اَلْأَعْمَالَ وَ جَعَلُوهُمْ حُكَّاماً عَلَى رِقَابِ اَلنَّاسِ فَأَكَلُوا بِهِمُ اَلدُّنْيَا وَ إِنَّمَا اَلنَّاسُ مَعَ اَلْمُلُوكِ وَ اَلدُّنْيَا إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اَللَّهُ فَهَذَا أَحَدُ اَلْأَرْبَعَةِ وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَوَهِمَ فِيهِ وَ لَمْ يَتَعَمَّدْ

٣٨

كَذِباً فَهُوَ فِي يَدَيْهِ وَ يَرْوِيهِ وَ يَعْمَلُ بِهِ وَ يَقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَلَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَرَفَضَهُ وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْ‏ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لاَ يَعْلَمُ فَحَفِظَ اَلْمَنْسُوخَ وَ لَمْ يَحْفَظِ اَلنَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَ لَوْ عَلِمَ اَلْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ وَ آخَرُ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اَللَّهِ وَ لاَ عَلَى رَسُولِهِ مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اَللَّهِ وَ تَعْظِيماً لِرَسُولِ اَللَّهِ ص وَ لَمْ يَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ سَمْعِهِ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ فَهُوَ حَفِظَ اَلنَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَ حَفِظَ اَلْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ وَ عَرَفَ اَلْخَاصَّ وَ اَلْعَامَّ وَ اَلْمُحْكَمَ وَ اَلْمُتَشَابِهَ فَوَضَعَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ مَوْضِعَهُ وَ قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ ص اَلْكَلاَمُ لَهُ وَجْهَانِ فَكَلاَمٌ خَاصٌّ وَ كَلاَمٌ عَامٌّ فَيَسْمَعُهُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ مَا عَنَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَ لاَ مَا عَنَى رَسُولُ اَللَّهِ ص فَيَحْمِلُهُ اَلسَّامِعُ وَ يُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَ مَا قَصَدَ قُصِدَ بِهِ وَ مَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ وَ لَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ ص مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَ يَسْتَفْهِمُهُ حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِي‏ءَ اَلْأَعْرَابِيُّ وَ اَلطَّارِئُ فَيَسْأَلَهُ ع حَتَّى يَسْمَعُوا وَ كَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذَلِكَ شَيْ‏ءٌ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ اَلنَّاسُ فِي اِخْتِلاَفِهِمْ وَ عِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ

٣٩

الكلام في تفسير الألفاظ الأصولية و هي العام و الخاص و الناسخ و المنسوخ و الصدق و الكذب و المحكم و المتشابه موكول إلى فن أصول الفقه و قد ذكرناه فيما أمليناه من الكتب الأصولية و الإطالة بشرح ذلك في هذا الموضع مستهجنة.قوله ع و حفظا و وهما الهاء مفتوحة و هي مصدر وهمت بالكسر أوهم أي غلطت و سهوت و قد روي وهما بالتسكين و هو مصدر وهمت بالفتح أوهم إذا ذهب وهمك إلى شي‏ء و أنت تريد غيره و المعنى متقارب.و قول النبي ص فليتبوأ مقعده من النار كلام صيغته الأمر و معناه الخبر كقوله تعالى( قُلْ مَنْ كانَ فِي اَلضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ اَلرَّحْمنُ مَدًّا ) و تبوأت المنزل نزلته و بوأته منزلا أنزلته فيه.و التأثم الكف عن موجب الإثم و التحرج مثله و أصله الضيق كأنه يضيق على نفسه.و لقف عنه تناول عنه.و جنب عنه أخذ عنه جانبا.و إن في قوله حتى إن كانوا ليحبون مخففة من الثقيلة و لذلك جاءت اللام في الخبر.و الطارئ بالهمز الطالع عليهم طرأ أي طلع و قد روي عللهم بالرفع عطفا على وجوه و روي بالجر عطفا على اختلافهم

٤٠