كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 25648
تحميل: 5892


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25648 / تحميل: 5892
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

فأما قوله فهلا قال في مرض رسول الله ص لما رأى جزعهم لموته قد أمنكم الله من موته فغير لازم لأن الشبهة لا تجب أن تخطر بالبال في كل الأوقات فلعله قد كان في ذلك الوقت غافلا عنها مشغول الذهن بغيرها و لو صح للمرتضى هذا لوجب أن يدفع و يبطل كل ما يتجدد و يطرأ على الناس من الشبهة في المذاهب و الآراء فنقول كيف طرأت عليهم هذه الشبهات الآن و لم تطرأ عليهم من قبل و هذا من اعتراضات المرتضى الضعيفة على أنا قد ذكرنا نحن في الجزء الأول من هذا الكتاب ما قصده عمر بقوله إن رسول الله لم يمت و قلنا فيه قولا شافيا لم نسبق إليه فليعاود ثم قال المرتضى فأما ما روي عن أمير المؤمنين ع من خبر الاستحلاف في الأخبار فلا يدل على عدم علم أمير المؤمنين بالحكم لأنه يجوز أن يكون استحلافه ليرهب المخبر و يخوفه من الكذب على النبي ص لأن العلم بصحة الحكم الذي يتضمنه الخبر لا يقتضي صدق المخبر و أيضا فلا تاريخ لهذا الحديث و يمكن أن يكون استحلافه ع للرواة إنما كان في حياة رسول الله ص و في تلك الحال لم يكن محيطا بجميع الأحكام.فأما حديث الدفن و إدخاله في باب أحكام الدين التي يجب معرفتها فطريف و قد يجوز أن يكون أمير المؤمنين ع سمع من النبي ص في باب الدفن مثل ما سمعه أبو بكر و كان عازما على العمل به حتى روى أبو بكر ما رواه فعمل بما كان يعلمه لا من طريق أبي بكر و ظن الناس أن العمل لأجله و يجوز أن يكون رسول الله ص خير وصيه ع في موضع دفنه و لم يعين له موضعا بعينه فلما روى أبو بكر ما رواه رأى موافقته فليس في هذا دلالة على أنه ع استفاد حكما لم يكن عنده.

٢٠١

و أما موالي صفية فحكم الله فيهم ما أفتى به أمير المؤمنين ع و ليس سكوته حيث سكت عند عمر رجوعا عما أفتى به و لكنه كسكوته عن كثير من الحق تقية و مداراة للقوم.و أما قوله ع سلوني قبل أن تفقدوني و قوله إن هاهنا لعلما جما إلى غير ذلك فإنه لا يدل على عظم المحل في العلم فقط على ما ظنه صاحب الكتاب بل هو قول واثق بنفسه آمن من أن يسأل عما لا يعلمه و كيف يجوز أن يقول مثله على رءوس الأشهاد و ظهور المنابر سلوني قبل أن تفقدوني و هو يعلم أن كثيرا من أحكام الدين يعزب عنه و أين كان أعداؤه و المنتهزون لفرصته و زلته عن سؤاله عن مشكل المسائل و غوامض الأحكام و الأمر في هذا ظاهر.فأما استبعاد أبي علي لما روي عنه ع من قوله لو ثنيت لي الوسادة للوجه الذي ظنه فهو البعيد فإنه لم يفطن لغرضه ع و إنما أراد أني كنت أقاضيهم إلى كتبهم الدالة على البشارة بنبينا ص و صحة شرعه فأكون حاكما حينئذ عليهم بما تقتضيه كتبهم من هذه الشريعة و أحكام هذا القرآن و هذا من جليل الأغراض و عظيمها

الطعن الثاني

أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ و قال إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فرجع عن حكمه و قال لو لا معاذ لهلك عمر و من يجهل هذا القدر لا يجوز أن يكون إماما لأنه يجري مجرى أصول الشرع بل العقل يدل عليه لأن الرجم عقوبة و لا يجوز أن يعاقب من لا يستحق.

٢٠٢

اعتذر قاضي القضاة عن هذا فقال إنه ليس في الخبر أنه أمر برجمها مع علمه بأنها حامل لأنه ليس ممن يخفى عليه هذا القدر و هو أن الحامل لا ترجم حتى تضع و إنما ثبت عنده زناها فأمر برجمها على الظاهر و إنما قال ما قال في معاذ لأنه نبهه على أنها حامل.ثم سأل نفسه فقال فإن قيل إذا لم تكن منه معصية فكيف يهلك لو لا معاذ و أجاب بأنه لم يرد لهلك من جهة العذاب و إنما أراد أنه كان يجري بقوله قتل من لا يستحق القتل و يجوز أن يريد بذلك تقصيره في تعرف حالها لأن ذلك لا يمتنع أن يكون بخطيئة و إن صغرت.اعترض المرتضى على هذا الاعتذار فقال لو كان الأمر على ما ظننته لم يكن تنبيه معاذ له على هذا الوجه بل كان يجب أن ينبهه بأن يقول له هي حامل و لا يقول له إن كان لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها لأن هذا قول من عنده أنه أمر برجمها مع العلم بحملها و أقل ما يجب لو كان الأمر كما ظنه صاحب الكتاب أن يقول لمعاذ ما ذهب علي أن الحامل لا ترجم و إنما أمرت برجمها لفقد علمي بحملها فكان ينفي بهذا القول عن نفسه الشبهة و في إمساكه عنه مع شدة الحاجة إليه دليل على صحة قولنا و قد كان يجب أيضا أن يسأل عن الحمل لأنه أحد الموانع من الرجم فإذا علم انتفاءه و ارتفاعه أمر بالرجم و صاحب الكتاب قد اعترف بأن ترك المسألة عن ذلك تقصير و خطيئة و ادعى أنها صغيرة و من أين له ذلك و لا دليل يدل عنده في غير الأنبياء ع أن معصية بعينها صغيرة.فأما إقراره بالهلاك لو لا تنبيه معاذ فإنه يقتضي التعظيم و التفخيم لشأن الفعل و لا يليق ذلك إلا بالتقصير الواقع إما في الأمر برجمها مع العلم بأنها حامل أو ترك البحث عن ذلك

٢٠٣

و المسألة عنه و أي لوم عليه في أن يجري بقوله قتل من لا يستحق القتل إذا لم يكن ذلك عن تفريط منه و لا تقصير.قلت أما ظاهر لفظ معاذ فيشعر بما قاله المرتضى و لم يمتنع أن يكون عمر لم يعلم أنها حامل و أن معاذا قد كان من الأدب أن يقول له حامل يا أمير المؤمنين فعدل عن هذا اللفظ بمقتضى أخلاق العرب و خشونتهم فقال له إن كان لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها فنبهه على العلة و الحكم معا و كان الأدب أن ينبهه على العلة فقط.و أما عدول عمر عن أن يقول أنا أعلم أن الحامل لا ترجم و إنما أمرت برجمها لأني لم أعلم أنها حامل فلأنه إنما يجب أن يقول مثل هذا من يخاف من اضطراب حاله أو نقصان ناموسه و قاعدته أن لم يقله و عمر كان أثبت قدما في ولايته و أشد تمكنا من أن يحتاج إلى الاعتذار بمثل هذا.و أما قول المرتضى كان يجب أن يسأل عن الحمل لأنه أحد الموانع من الرجم فكلام صحيح لازم و لا ريب إن ترك السؤال عن ذلك نوع من الخطإ و لكن المرتضى قد ظلم قاضي القضاة لأنه زعم أنه ادعى أن ذلك صغيرة ثم أنكر عليه ذلك و من أين له ذلك و أي دليل دل على أن هذه المعصية صغيرة و قاضي القضاة ما ادعى أن ذلك صغيرة بل قال لا يمتنع أن يكون ذلك خطيئة و إن صغرت و العجب أنه حكى لفظ قاضي القضاة بهذه الصورة ثم قال إنه ادعى أنها صغيرة و بين قول القائل لا يمتنع أن يكون صغيرة و قوله هي صغيرة لا محالة فرق عظيم.و أما قول عمر لو لا معاذ لهلك عمر فإن ظاهر اللفظ يشعر بما يريده المرتضى و ينحو إليه و لا يمتنع أن يكون المقصود به ما ذكره قاضي القضاة و إن كان مرجوحا فإن القائل خطأ

٢٠٤

قد يقول هلكت ليس يعني به العقاب يوم القيامة بل لوم الناس و تعنيفهم إياه على ترك الاحتراس و إهمال التثبت

الطعن الثالث

خبر المجنونة التي أمر برجمها فنبهه أمير المؤمنين ع و قال إن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق فقال لو لا علي لهلك عمر و هذا يدل على أنه لم يكن يعرف الظاهر من الشريعة.أجاب قاضي القضاة فقال ليس في الخبر أنه عرف جنونها فيجوز أن يكون الذي نبه عليه هو جنونها دون الحكم لأنه كان يعلم أن الحد لا يقام في حال الجنون و إنما قال لو لا علي لهلك عمر لا من جهة المعصية و الإثم لكن لأن حكمه لو نفذ لعظم غمه و يقال في شدة الغم إنه هلاك كما يقال في الفقر و غيره و ذلك مبالغة منه لما كان يلحقه من الغم الذي زال بهذا التنبيه على أن هذا الوجه مما لا يمتنع في الشرع أن يكون صحيحا و أن يقال إذا كانت مستحقة للحد فإقامته عليها تصح و إن لم يكن لها عقل لأنه لا يخرج الحد من أن يكون واقعا موقعه و يكون قوله ع رفع القلم عن ثلاث يراد به زوال التكليف عنهم دون زوال إجراء الحكم عليهم و من هذه حاله لا يمتنع أن يكون مشتبها فرجع فيه إلى غيره و لا يكون الخطأ فيه مما يعظم فيمنع من صحة الإمامة.اعترض الشريف المرتضى هذا فقال لو كان أمر برجم المجنونة من غير علم بجنونها لما قال له أمير المؤمنين أ ما علمت أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق بل كان يقول له بدلا من ذلك هي مجنونة و كان ينبغي أن يقول عمر متبرئا من الشبهة ما علمت بجنونها و لست ممن يذهب عليه أن المجنون لا يرجم فلما رأيناه استعظم ما أمر به و قال لو لا

٢٠٥

علي لهلك عمر دلنا على أنه كان تأثم و تحرج بوقوع الأمر بالرجم و أنه مما لا يجوز و لا يحل و إلا فلا معنى لهذا الكلام و أما ذكر الغم فأي غم كان يلحقه إذا فعل ما له أن يفعله و لم يكن منه تفريط و لا تقصير لأنه إذا كان جنونها لم يعلم به فكانت المسألة عن حالها و البحث لا يجبان عليه فأي وجه لتألمه و توجعه و استعظامه لما فعله و هل هذا إلا كرجم المشهود عليه بالزناء في أنه لو ظهر للإمام بعد ذلك براءة ساحته لم يجب أن يندم على فعله و يستعظمه لأنه وقع صوابا مستحقا.و أما قوله إنه كان لا يمتنع في الشرع أن يقام الحد على المجنون و تأوله الخبر المروي على أنه يقتضي زوال التكليف دون الأحكام فإن أراد أنه لا يمتنع في العقل أن يقام على المجنون ما هو من جنس الحد بغير استخفاف و لا إهانة فذلك صحيح كما يقام على التائب و أما الحد في الحقيقة و هو الذي تضمنه الاستخفاف و الإهانة فلا يجوز إلا على المكلفين و مستحقي العقاب و بالجنون قد أزيل التكليف فزال استحقاق العقاب الذي تبعه الحد.و قوله لا يمتنع أن يرجع فيما هذه حاله من المشتبه إلى غيره فليس هذا من المشتبه الغامض بل يجب أن يعرفه العوام فضلا عن العلماء على أنا قد بينا أنه لا يجوز أن يرجع الإمام في جلي و لا مشتبه من أحكام الدين إلى غيره.و قوله إن الخطأ في ذلك لا يعظم فيمنع من صحة الإمامة اقتراح بغير حجة لأنه إذا اعترف بالخطإ فلا سبيل للقطع على أنه صغير.قلت لو كان قد نقل أن أمير المؤمنين قال له أما علمت لكان قول المرتضى قويا ظاهرا إلا أنه لم ينقل هذه الصيغة بعينها و المعروف المنقول أنه قال له قال رسول الله ص رفع القلم عن ثلاث فرجع عن رجمها و يجوز أن يكون أشعره بالعلة

٢٠٦

و الحكم معا لأن هذا الموضع أكثر اشتباها من حديث رجم الحامل فغلب على ظن أمير المؤمنين أنه لو اقتصر على قوله أنها مجنونة لم يكن ذلك دافعا لرجمها فأكده برواية الحديث و اعتذار قاضي القضاة بالغم جيد و قول المرتضى أي غم كان يلحقه إذا فعل ما له أن يفعله ليس بإنصاف و لا مثل هذا يقال فيه أنه فعل ما له أن يفعله و لا يقال في العرف لمن قتل إنسانا خطأ أنه فعل ما له أن يفعله و المرجوم في الزناء إذا ظهر للإمام بعد قتله براءة ساحته قد يغتم بقتله غما كثيرا بالطبع البشرى و يتألم و إن لم يكن آثما و ليس من توابع الإثم و لوازمه.و قول المرتضى لم يجب أن يندم على ما فعله كلام خارج عما هو بصدده لأنه لم يجر ذكر للندم و إنما الكلام في الغم و لا يلزم أن يكون كل مغتم نادما.و أما اعتراضه على قاضي القضاة في قوله لا يمتنع في الشرع أن ترجم المجنونة فلما اشتبه على عمر الأمر سأل غيره عنه بقوله إن أردت الحد الحقيقي فمعلوم و إن أردت ما هو جنس الحد فمسلم فليس بجيد لأن هذا إنما يكون طعنا على عمر بتقدير ثلاثة أمور أحدها أن يكون

النبي ص قد قال أقيموا الحد على الزاني بهذا اللفظ أعني أن يكون في لفظ النص ذكر الحد و ثانيها أن يكون الحد في اللغة العربية أو في عرف الشرع الذي يتفاهمه الصحابة هو العقوبة المخصوصة التي يقارنها الاستخفاف و الإهانة و ثالثها ألا يصح إهانة المجنون و الاستخفاف به و أن يعلم عمر ذلك فإذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة ثم أمر عمر بأن يقام الحد على المجنونة فقد توجه الطعن و معلوم أنه لم تجتمع هذه الأمور الثلاثة فإنه ليس في القرآن و لا في السنة ذكر الحد بهذا اللفظ و لا الحد في اللغة العربية هو العقوبة التي يقارنها الاستخفاف و الإهانة و لا عرف الشرع و مواضعه الصحابة يشتمل على ذلك و إنما هذا شي‏ء استنبطه المتكلمون المتأخرون بأذهانهم و أفكارهم ثم بتقدير تسليم هذين المقامين لم قال إن المجنون

٢٠٧

لا يصح عليه الاستخفاف و الإهانة فمن الجائز أن يصح ذلك عليه و إن لم يتألم بالاستخفاف و الإهانة كما يتألم بالعقوبة و إذا صح عليه أن يألم بالعقوبة صح عليه أن يألم بالاستخفاف و الإهانة لأن الجنون لا يبلغ و إن عظم مبلغا يبطل تصور الإنسان لإهانته و لاستخفافه و بتقدير ألا يصح على المجنون الاستخفاف و الإهانة من أين لنا أن عمر علم أن ذلك لا يصح عليه فمن الممكن أن يكون ظن أن ذلك يصح عليه لأن هذا مقام اشتباه و التباس.فأما قوله قد بينا أنه لا يجوز أن يرجع الإمام أصلا إلى غيره فهو مبني على مذهبهم و قواعدهم و قوله معترضا على كلام قاضي القضاة أن الخطأ في ذلك قد لا يعظم ليمنع من صحة الإمامة أن هذا اقتراح بغير حجة لأنه إذا اعترف بالخطإ فلا سبيل إلى القطع على أنه صغير غير لازم لأن قاضي القضاة لم يقطع بأنه صغير بل قال لا يمتنع و إذا جاز أن يكون صغيرا لم نكن قاطعين على فساد الإمامة به.فإن قال المرتضى كما أنكم لا تقطعون على أنه صغير فتكون الإمامة مشكوكا فيها قيل له الأصل عدم الكبير فإذا حصل الشك في أمر هل هو صغير أم كبير تساقط التعارض و رجعنا إلى الأصل و هو عدم كون ذلك الخطإ كبيرا فلا يمنع ذلك من صحة الإمامة

الطعن الرابع

حديث أبي العجفاء و أن عمر منع من المغالاة في صدقات النساء اقتداء بما كان من النبي ص في صداق فاطمة حتى قامت المرأة و نبهته بقوله تعالى( وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) على جواز ذلك فقال كل النساء أفقه من عمر

٢٠٨

و بما روي أنه تسور على قوم و وجدهم على منكر فقالوا له إنك أخطأت من جهات تجسست و قال الله تعالى( وَ لا تَجَسَّسُوا ) و دخلت بغير إذن و لم تسلم.أجاب قاضي القضاة فقال علمنا بتقدم عمر في العلم و فضله فيه ضروري فلا يجوز أن يقدح فيه بأخبار أحاديث غير مشهورة و إنما أراد في المشهور أن المستحب الاقتداء برسول الله ص و أن المغالاة فيها ليس بمكرمة ثم عند التنبيه علم أن ذلك مبني على طيب النفس فقال ما قاله على جهة التواضع لأن من أظهر الاستفادة من غيره و إن قل علمه فقد تعاطى الخضوع و نبه على أن طريقته أخذ الفائدة أينما وجدها و صير نفسه قدوة في ذلك و أسوة و ذلك حسن من الفضلاء و أما حديث التجسس فإن كان فعله فقد كان له ذلك لأن للإمام أن يجتهد في إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل و إنما لحقه على ما يروى في الخبر الخجل لأنه لم يصادف الأمر على ما ألقي إليه في إقدامهم على المنكر اعترض المرتضى على هذا الجواب فقال له أما تعويلك على العلم الضروري بكونه من أهل العلم و الاجتهاد فذلك إذا صح لم ينفعك لأنه قد يذهب على من هو بهذه الصفة كثير من الأحكام حتى ينبه عليها و يجتهد فيها و ليس العلم الضروري ثابتا بأنه عالم بجميع أحكام الدين فيكون قاضيا على هذه الأخبار فأما تأوله الحديث و حمله على الاستحباب فهو دفع للعيان لأن المروي أنه منع من ذلك و حظره حتى قالت المرأة ما قالت و لو كان غير حاظر للمغالاة لما كان في الآية حجة و لا كان لكلام المرأة موقع و لا كان يعترف لها بأنها أفقه منه بل كان الواجب أن يرد عليها و يوبخها و يعرفها أنه ما حظر لذلك و إنما تكون

٢٠٩

الآية حجة عليه لو كان حاظر مانعا فأما التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح و تصويب الخطإ و لو كان الأمر على ما توهمه صاحب الكتاب لكان هو المصيب و المرأة مخطئة فكيف يتواضع بكلام يوهم أنه المخطئ و هي المصيبة فأما التجسس فهو محظور بالقرآن و السنة و ليس للإمام أن يجتهد فيما يؤدي إلى مخالفة الكتاب و السنة و قد كان يجب إن كان هذا عذرا صحيحا أن يعتذر به إلى من خطأه في وجهه و قال له إنك أخطأت السنة من وجوه فإنه بمعاذير نفسه أعلم من صاحب الكتاب و تلك الحال حال تدعو إلى الاحتجاج و إقامة العذر.قلت قصارى هذا الطعن أن عمر اجتهد في حكم أو أحكام فأخطأ فلما نبه عليها رجع و هذا عند المعتزلة و أكثر المسلمين غير منكر و إنما ينكر أمثال هذا من يبطل الاجتهاد و يوجب عصمة الإمام فإذا هذا البحث ساقط على أصول المعتزلة و الجواب عنه غير لازم علينا

الطعن الخامس

أنه كان يعطي من بيت المال ما لا يجوز حتى أنه كان يعطي عائشة و حفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة و منع أهل البيت خمسهم الذي يجري مجرى الواصل إليهم من قبل رسول الله ص و أنه كان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال على سبيل القرض.أجاب قاضي القضاة بأن دفعه إلى الأزواج جائز من حيث إن لهن حقا في بيت

٢١٠

المال و للإمام أن يدفع ذلك على قدر ما يراه و هذا الفعل قد فعله من قبله و من بعده و لو كان منكرا لما استمر عليه أمير المؤمنين ع و قد ثبت استمراره عليه و لو كان ذلك طعنا لوجب إذا كان يدفع إلى الحسن و الحسين و إلى عبد الله بن جعفر و غيرهم من بيت المال شيئا أن يكون في حكم الخائن و كل ذلك يبطل ما قالوه لأن بيت المال إنما يراد لوضع الأموال في حقوقها ثم الاجتهاد و إلى المتولي للأمر في الكثرة و القلة.فأما أمر الخمس فمن باب الاجتهاد و قد اختلف الناس فيه فمنهم من جعله حقا لذوي القربى و سهما مفردا لهم على ما يقتضيه ظاهر الآية و منهم من جعله حقا لهم من جهة الفقر و أجراهم مجرى غيرهم و إن كانوا قد خصوا بالذكر كما أجرى الأيتام و إن خصوا بالذكر مجرى غيرهم في أنهم يستحقون بالفقر و الكلام في ذلك يطول فلم يخرج عمر بما حكم به عن طريقة الاجتهاد و من قدح في ذلك فإنما يقدح في الاجتهاد الذي هو طريقة الصحابة.فأما اقتراضه من بيت المال فإن صح فهو غير محظور بل ربما كان أحوط إذا كان على ثقة من رده بمعرفة الوجه الذي يمكنه منه الرد و قد ذكر الفقهاء ذلك و قال أكثرهم أن الاحتياط في مال الأيتام و غيرهم أن يجعل في ذمة الغني المأمون لبعده عن الخطر و لا فرق بين أن يقرض الغير أو يقترضه لنفسه و من بلغ في أمره أن يطعن على عمر بمثل هذه الأخبار مع ما يعلم من سريرته و تشدده في ذات الله و احتياطه فيما يتصل بملك الله و تنزهه عنه حتى فعل بالصبي الذي أكل من تمر الصدقة واحدة ما فعل و حتى كان يرفع نفسه عن الأمر الحقير و يتشدد على كل أحد حتى على ولده فقد أبعد في القول.اعترض المرتضى فقال أما تفصيل الأزواج فإنه لا يجوز لأنه لا سبب فيهن

٢١١

يقتضي ذلك و إنما يفضل الإمام في العطاء ذوي الأسباب المقتضية لذلك مثل الجهاد و غيره من الأمور العام نفعها للمسلمين.و قوله إن لهن حقا في بيت المال صحيح إلا أنه لا يقتضي تفضيلهن على غيرهن و ما عيب بدفع حقهن إليهن و إنما عيب بالزيادة عليه و ما يعلم أن أمير المؤمنين ع استمر على ذلك و إن كان صحيحا كما ادعى فالسبب الداعي إلى الاستمرار عليه هو السبب الداعي إلى الاستمرار على جميع الأحكام فأما تعلقه بدفع أمير المؤمنين إلى الحسن و الحسين و غيرهما شيئا من بيت المال فعجب لأنه لم يفضل هؤلاء في العطية فيشبه ما ذكرناه في الأزواج و إنما أعطاهم حقوقهم و سوى بينهم و بين غيرهم.فأما الخمس فهو للرسول و لأقربائه على ما نطق به القرآن و إنما عنى تعالى بقوله( وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ ) من كان من آل الرسول خاصة لأدلة كثيرة لا حاجة بنا إلى ذكرها هاهنا و قد روى سليم بن قيس الهلالي قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول نحن و الله الذين عنى الله بذي القربى قرنهم الله بنفسه و نبيه ص فقال ما( أَفاءَ اَللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرى‏ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ ) كل هؤلاء منا خاصة و لم يجعل لنا سهما في الصدقة أكرم الله تعالى نبيه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس و روى يزيد بن هرم قال كتب نجده إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو فكتب إليه كتبت تسألني عن الخمس لمن هو و إنا كنا نزعم أنه لنا فأبى قومنا علينا ذلك فصبرنا عليه.قال و أما الاجتهاد الذي عول عليه فليس عذرا في إخراج الخمس عن أهله فقد أبطلناه.

٢١٢

و أما الاقتراض من بيت المال فهو مما يدعو إلى الريبة و من كان من التشدد و التحفظ و التقشف على الحد الذي ذكره كيف تطيب نفسه بالاقتراض من بيت المال و فيه حقوق و ربما مست الحاجة إلى الإخراج منها و أي حاجة لمن كان جشب المأكل خشن الملبس يتبلغ بالقوت إلى اقتراض الأموال.فأما حكايته عن الفقهاء أن الاحتياط أن يحفظ مال الأيتام في ذمة الغني المأمون فذلك إذا صح لم يكن نافعا له لأن عمر لم يكن غنيا و لو كان غنيا لما اقترض فقد خرج اقتراضه عن أن يكون من باب الاحتياط و إنما اشترط الفقهاء مع الأمانة الغنى لئلا تمس الحاجة إليه فلا يمكن ارتجاعه و لهذا قلنا إن اقتراضه لحاجته إلى المال لم يكن صوابا و حسن نظر للمسلمين.قلت أما قوله لا يجوز للإمام أن يفضل في العطاء إلا لسبب يقتضي ذلك كالجهاد فليست أسباب التفضيل مقصورة على الجهاد وحده فقد يستحق الإنسان التفضيل في العطاء على غيره لكثرة عبادته أو لكثرة علمه أو انتفاع الناس به فلم لا يجوز أن يكون عمر فضل الزوجات لذلك.و أيضا فإن الله تعالى فرض لذوي القربى من رسول الله ص نصيبا في الفي‏ء و الغنيمة ليس إلا لأنهم ذوو قرابته فقط فما المانع من أن يقيس عمر على ذلك ما فعله في العطاء فيفضل ذوي قرابة رسول في ذلك على غيرهم ليس إلا لأنهم ذوو قرابته و الزوجات و إن لم يكن لهن قربى النسب فلهن قربى الزوجية و كيف يقول المرتضى ما جاز أن يفضل أحدا إلا بالجهاد و قد فضل الحسن و الحسين على كثير من أكابر المهاجرين و الأنصار و هما صبيان ما جاهدا و لا بلغا الحلم بعد و أبوهما أمير المؤمنين

٢١٣

موافق على ذلك راض به غير منكر له و هل فعل عمر ذلك إلا لقربهما من رسول الله ص.و نحن نذكر ما فعله عمر في هذا الباب مختصرا نقلناه من كتاب أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المحدث في أخبار عمر و سيرته.روى أبو الفرج عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال استشار عمر الصحابة بمن يبدأ في القسم و الفريضة فقالوا ابدأ بنفسك فقال بل أبدأ بآل رسول الله ص و ذوي قرابته فبدأ بالعباس قال ابن الجوزي و قد وقع الاتفاق على أنه لم يفرض لأحد أكثر مما فرض له.و روي أنه فرض له اثني عشر ألفا و هو الأصح ثم فرض لزوجات رسول الله ص لكل واحدة عشرة آلاف و فضل عائشة عليهن بألفين فأبت فقال ذلك بفضل منزلتك عند رسول الله ص فإذا أخذت فشأنك و استثنى من الزوجات جويرية و صفية و ميمونة ففرض لكل واحدة منهن ستة آلاف فقالت عائشة إن رسول الله ص كان يعدل بيننا فعدل عمر بينهن و ألحق هؤلاء الثلاث بسائرهن ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا لكل واحد خمسة آلاف و لمن شهدها من الأنصار لكل واحد أربعة آلاف.و قد روي أنه فرض لكل واحد ممن شهد بدرا من المهاجرين أو من الأنصار أو من غيرهم من القبائل خمسة آلاف ثم فرض لمن شهد أحدا و ما بعدها إلى الحديبية أربعة آلاف ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد الحديبية ثلاثة آلاف ثم فرض لكل من شهد المشاهد بعد وفاة رسول الله ص ألفين و خمسمائة و ألفين و ألفا

٢١٤

و خمسمائة و ألفا واحدا إلى مائتين و هم أهل هجر و مات عمر على ذلك.قال ابن الجوزي و أدخل عمر في أهل بدر ممن لم يحضر بدرا أربعة و هم الحسن و الحسين و أبو ذر و سلمان ففرض لكل واحد منهم خمسة آلاف.قال ابن الجوزي و روى السدي أن عمر كسا أصحاب النبي ص فلم يرتض في الكسوة ما يستصلحه للحسن و الحسين ع فبعث إلى اليمن فأتي لهما بكسوة فاخرة فلما كساهما قال الآن طابت نفسي.قال ابن الجوزي فأما ما اعتمده في النساء فإنه جعل نساء أهل بدر على خمسمائة و نساء من بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة و نساء من بعد ذلك على ثلاثمائة و جعل نساء أهل القادسية على مائتين مائتين ثم سوى بين النساء بعد ذلك.و لو لم يدل على تصويب عمر فيما فعله إلا إجماع الصحابة و اتفاقهم عليه و ترك الإنكار لذلك كان كافيا.فأما الخمس و الخلاف فيه فإنها مسألة اجتهادية و الذي يظهر لنا فيه و يغلب عندنا من أمرها أن الخمس حق صحيح ثابت و أنه باق إلى الآن على ما يذهب إليه الشافعي و أنه لم يسقط بموت رسول الله ص و لكنا لا نرى ما يعتقده المرتضى من أن الخمس لآل الرسول ص و أن الأيتام أيتامهم و المساكين مساكينهم و ابن السبيل منهم لأنه على خلاف ما يقتضيه ظاهر الآية و العطف و يمكن أن يحتج على ذلك بأن قوله تعالى في سورة الحشر( لِلْفُقَراءِ اَلْمُهاجِرِينَ ) يبطل هذا القول لأن هذه اللام لا بد أن تتعلق بشي‏ء و ليس قبلها ما تتعلق به أصلا إلا أن تجعل بدلا من اللام التي قبلها في قوله ما( أَفاءَ اَللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرى‏ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ

٢١٥

وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ ) و ليس يجوز أن تكون بدلا من اللام في اَللَّهُ و لا من اللام في قوله وَ لِلرَّسُولِ فبقي أن تكون بدلا من اللام في قوله و( لِذِي اَلْقُرْبى ) أما الأول فتعظيما له سبحانه و أما الثاني فلأنه تعالى قد أخرج رسوله من الفقراء بقوله( وَ يَنْصُرُونَ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ ) و لأنه يجب أن يرفع رسول الله ص عن التسمية بالفقير و أما الثالث فإما أن يفسر هذا البدل و ما عطف عليه المبدل منه أو يفسر هذا البدل وحده دون ما عطف عليه المبدل منه و الأول لا يصح لأن المعطوف على هذا البدل ليس من أهل القرى و هم الأنصار أ لا ترى كيف قال سبحانه( لِلْفُقَراءِ اَلْمُهاجِرِينَ اَلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ) الآية ثم قال سبحانه( وَ اَلَّذِينَ تَبَوَّؤُا اَلدَّارَ وَ اَلْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) و هم الأنصار و إن كان الثاني صار تقدير الآية أن الخمس لله و للرسول و لذي القربى الذين وصفهم الله و نعتهم بأنهم هاجروا و أخرجوا من ديارهم و للأنصار فيكون هذا مبطلا لما يذهب إليه المرتضى في قصر الخمس على ذوي القربى.و يمكن أن يعترض هذا الاحتجاج فيقال لم لا يجوز أن يكون قوله( وَ اَلَّذِينَ تَبَوَّؤُا اَلدَّارَ وَ اَلْإِيمانَ ) ليس بعطف و لكنه كلام مبتدأ و موضع الذين رفع بالابتداء و خبره يحبون.و أيضا فإن هذه الحجة لا يمكن التمسك بها في آية الأنفال و هو قوله تعالى( وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) .فأما رواية سليم بن قيس الهلالي فليست بشي‏ء و سليم معروف المذهب و يكفي في رد روايته كتابه المعروف بينهم المسمى كتاب سليم.

٢١٦

على أني قد سمعت من بعضهم من يذكر أن هذا الاسم على غير مسمى و أنه لم يكن في الدنيا أحد يعرف بسليم بن قيس الهلالي و أن الكتاب المنسوب إليه منحول موضوع لا أصل له و إن كان بعضهم يذكره في اسم الرجال و الرواية المذكورة عن ابن عباس في كتابه إلى نجدة الحروري صحيحة ثابتة و ليس فيها ما يدل على مذهب المرتضى من أن الخمس كله لذوي القربى لأن نجدة إنما سأله عن خمس الخمس لا عن الخمس كله.و ينبغي أن يذكر في هذا الموضع اختلاف الفقهاء في الخمس أما أبو حنيفة فعنده أن قسمة الخمس كانت في عهد رسول الله ص على خمسة أسهم سهم لرسول الله ص و سهم لذوي قرباه من بني هاشم و بني المطلب دون بني عبد شمس و نوفل استحقوه حينئذ بالنصرة و المظاهرة لما روي عن عثمان بن عفان و جبير بن مطعم أنهما قالا لرسول الله ص هؤلاء إخوتك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم أ رأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم و حرمتنا و إنما نحن و هم بمنزلة واحدة

فقال ص إنهم لم يفارقونا في جاهلية و لا إسلام إنما بنو هاشم و بنو المطلب شي‏ء واحد و شبك بين أصابعه و ثلاثة أسهم ليتامى المسلمين و مساكينهم و أبناء السبيل منهم و أما بعد رسول الله ص فسهمه ساقط بموته و كذلك سهم ذوي القربى و إنما يعطون لفقرهم فهم أسوة سائر الفقراء و لا يعطى أغنياؤهم فيقسم الخمس إذن على ثلاثة أسهم اليتامى و المساكين و ابن السبيل.و أما الشافعي فيقسم الخمس عنده بعد وفاة رسول الله ص على خمسة أسهم سهم لرسول الله ص يصرف إلى ما كان يصرفه إليه رسول الله ص أيام حياته من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الكراع و السلاح

٢١٧

و نحو ذلك و سهم لذوي القربى من أغنيائهم و فقرائهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين من بني هاشم و بني المطلب و الباقي للفرق الثلاث.و أما مالك بن أنس فعنده أن الأمر في هذه المسألة مفوض إلى اجتهاد الإمام إن رأى قسمه بين هؤلاء و إن رأى أعطاه بعضهم دون بعض و إن رأى الإمام غيرهم أولى و أهم فغيرهم.و بقي الآن البحث عن معنى قوله سبحانه و تعالى( فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ ) و ما المراد بسهم الله سبحانه و كيف يقول الفقهاء الخمس مقسوم خمسة أقسام و ظاهر الآية يدل على ستة أقسام فنقول يحتمل أن يكون معنى قوله سبحانه( فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ ) لرسول الله كقوله( وَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) أي و رسول الله أحق و مذهب أبي حنيفة و الشافعي يجي‏ء على هذا الاحتمال.و يحتمل أن يريد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلى وجه من وجوه القرب و مذهب أبي العالية يجي‏ء على هذا الاحتمال لأنه يذهب إلى أن الخمس يقسم ستة أقسام أحدها سهمه تعالى يصرف إلى رتاج الكعبة و قد روي أن رسول الله ص كان يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة و يقول سهم الله تعالى ثم يقسم ما بقي على خمسة أقسام.و قال قوم سهم الله لبيت الله.و يحتمل احتمالا ثالثا و هو أن يراد بقوله( فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ) أن من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه سبحانه لا غير ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة تفضيلا لها

٢١٨

على غيرها كقوله وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ و مذهب مالك يجي‏ء على هذا الاحتمال و قد روي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه أنه كان على ستة لله و للرسول سهمان و سهم لأقاربه و ثلاثة أسهم للثلاثة حتى قبض ع فأسقط أبو بكر ثلاثة أسهم و قسم الخمس كله على ثلاثة أسهم و كذلك فعل عمر و روي أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس و قال إنما لكم أن نعطي فقيركم و نزوج أيمكم و نخدم من لا خادم له منكم و أما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غني لا يعطى شيئا و لا يتيم موسر و قد روي عن زيد بن علي ع مثل ذلك قال ليس لنا أن نبني منه القصور و لا أن نركب منه البراذين فأما مذهب الإمامية فإن الخمس كله للقرابة.و يروون عن أمير المؤمنين ع أنه قال أيتامنا و مساكيننا فإن صح عنه ذلك فقوله عندنا أولى بالاتباع و إنما الكلام في صحته.فأما اقتراض عمر من بيت المال ثمانين ألفا فليس بمعروف و المعروف المشهور أنه كان يظلف نفسه عن الدرهم الواحد منه.و قد روى ابن سعد في كتاب الطبقات أن عمر خطب فقال إن قوما يقولون إن هذا المال حلال لعمر و ليس كما قالوا لاها الله إذن أنا أخبركم بما أستحل منه يحل لي منه حلتان حلة في الشتاء و حلة في القيظ و ما أحج عليه و أعتمر من الظهر و قوتي و قوت أهلي كقوت رجل من قريش ليس بأغناهم و لا أفقرهم ثم أنا بعد رجل من المسلمين يصيبني ما أصابهم.

٢١٩

و روى ابن سعد أيضا أن عمر كان إذا احتاج أتى إلى صاحب بيت المال فاستقرضه فربما عسر عليه القضاء فيأتيه صاحب بيت المال فيتقاضاه فيحتال له و ربما خرج عطاؤه فقضاه و لقد اشتكى مرة فوصف له الطبيب العسل فخرج حتى صعد المنبر و في بيت المال عكة فقال إن أذنتم لي فيها أخذتها و إلا فهي علي حرام فأذنوا له فيها ثم قال إن مثلي و مثلكم كقوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم لينفق عليهم فهل يحل له أن يستأثر منها بشي‏ء.و روى ابن سعد أيضا قال مكث عمر زمانا لا يأكل من مال المسلمين شيئا حتى أصابته خصاصة فأرسل إلى أصحاب رسول الله ص فاستشارهم فقال لهم قد شغلت نفسي بأمركم فما الذي يصلح أن أصيبه من مالكم فقال عثمان كل و أطعم و كذلك قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فتركهما و أقبل على علي ع فقال ما تقول أنت قال غداء و عشاء قال أصبت و أخذ بقوله و روى أبو الفرج بن الجوزي في كتاب سيرة عمر عن نائلة عن ابن عمر قال جمع عمر الناس لما انتهى إليه فتح القادسية و دمشق فقال إني كنت امرأ تاجرا يغني الله عيالي بتجارتي و قد شغلتموني عن التجارة بأمركم فما ترون أنه يحل لي من هذا المال فقال القوم فأكثروا و علي ع ساكت فقال عمر ما تقول أنت يا أبا الحسن قال ما أصلحك و أصلح عيالك بالمعروف و ليس لك من هذا المال غيره فقال القول ما قاله أبو الحسن و أخذ به.و روى عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أن عبد الله و عبيد الله ابني عمر مرا بأبي موسى و هو على العراق و هما مقبلان من أرض فارس فقال مرحبا بابني أخي

٢٢٠