كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 25659
تحميل: 5892


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25659 / تحميل: 5892
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

إذا خرجت و أما الغل الذي لا يخلع فبنت عمك السوداء القصيرة الفوهاء الدميمة التي قد نثرت لك بطنها إن طلقتها ضاع ولدك و إن أمسكتها فعلى جدع أنفك قال المغيرة بل أنفك قال فما تقول في أميرك المغيرة بن شعبة قال أعور زان فقال الهيثم بن الأسود فض الله فاك ويلك إنه الأمير المغيرة قال إنها كلمة تقال فانطلق به المغيرة إلى منزله و عنده يومئذ أربع نسوة و ستون أو سبعون أمه و قال ويحك هل يزني الحر و عنده مثل هؤلاء ثم قال لهن ارمين إليه بحليكن ففعلن فخرج بمل‏ء كسائه ذهبا و فضة.و إنما أوردنا هذين الخبرين ليعلم السامع أن الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس و لأنهما يتضمنان أدبا و كتابنا هذا موضوع للأدب.و إنما قلنا إن عمر لم يخطئ في درء الحد عنه لأن الإمام يستحب له ذلك و إن غلب على ظنه أنه قد وجب الحد عليه

روى المدائني أن أمير المؤمنين عليا ع أتي برجل قد وجب عليه الحد فقال أ هاهنا شهود قالوا نعم قال فأتوني بهم إذا أمسيتم و لا تأتوني إلا معتمين فلما أعتموا جاءوه فقال لهم نشدت الله رجلا ما لي عنده مثل هذا الحد إلا انصرف قال فما بقي منهم أحد فدرأ عنه الحد : ذكر هذا الخبر أبو حيان في كتاب البصائر في الجزء السادس منه : و الخبر المشهور الذي كاد يكون متواترا

أن رسول الله ص قال ادرءوا الحدود بالشبهات و من تأمل المسائل الفقهية في باب الحدود علم أنها بنيت على الإسقاط عند أدنى سبب و أضعفه أ لا ترى أنه لو أقر بالزناء ثم رجع عن إقراره قبل إقامة الحد أو في وسطه قبل رجوعه و خلي سبيله.

٢٤١

و قال أبو حنيفة و أصحابه يستحب للإمام أن يلقن المقر الرجوع و يقول له تأمل ما تقول لعلك مسستها أو قبلتها و يجب على الإمام أن يسأل الشهود ما الزناء و كيف هو و أين زنى و بمن زنى و متى زنى و هل رأوه وطئها في فرجها كالميل في المكحلة فإذا ثبت كل ذلك سأل عنهم فلا يقيم الحد حتى يعدلهم القاضي في السر و العلانية و لا يقام الحد بإقرار الإنسان على نفسه حتى يقر أربع مرات في أربعة مجالس كلما أقر رده القاضي و إذا تم إقراره سأله القاضي عن الزناء ما هو و كيف هو و أين زنى و بمن زنى و متى زنى.قال الفقهاء و يجب أن يبتدئ الشهود برجمه إذا تكاملت الشهادة فإن امتنعوا من الابتداء برجمه سقط الحد.قالوا و لا حد على من وطئ جارية ولده أو ولد ولده و إن قال علمت أنها على حرام و إن وطئ جارية أبيه أو أمه أو أخته و قال ظننت أنها تحل لي فلا حد عليه و من أقر أربع مرات في مجالس مختلفة بالزناء بفلانة فقالت هي بل تزوجني فلا حد عليه و كذلك إن أقرت المرأة بأنه زنى بها فلان فقال الرجل بل تزوجتها فلا حد عليها قالوا و إذا شهد الشهود بحد متقادم من الزناء لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إذا كان حد الزناء و إن شهدوا أنه زنى بامرأة و لا يعرفونها لم يحد لم تقبل شهادتهم إذا كان حد الزناء و إن شهدوا أنه زنى بامرأة و لا يعرفونها لم يحد و إن شهد اثنان أنه زنى بامرأة بالكوفة و آخران أنه زنى بالبصرة درئ الحد عنهما جميعا و إن شهد أربعة على رجل أنه زنى بامرأة بالنخيلة عند طلوع الشمس من يوم كذا و كذا و أربعة شهدوا بهذه المرأة عند طلوع الشمس ذلك اليوم بدير هند درئ الحد عنه و عنها و عنهم جميعا و إن شهد أربعة على شهادة أربعة بالزناء لم يحد المشهود عليه.

٢٤٢

و هذه المسائل كلها مذهب أبي حنيفة و يوافقه الشافعي في كثير منها و من تأملها علم أن مبني الحدود على الإسقاط بالشبهات و إن ضعفت.فإن قلت كل هذا لا يلزم المرتضى لأن مذهبه في فروع الفقه مخالف لمذهب الفقهاء قلت ذكر محمد بن النعمان و هو شيخ المرتضى الذي قرأ عليه فقه الإمامية في كتاب المقنعة أن الشهود الأربعة إن تفرقوا في الشهادة بالزناء و لم يأتوا بها مجتمعين في وقت في مكان واحد سقط الحد عن المشهود عليه و وجب عليهم حد القذف.قال و إذا أقر الإنسان على نفسه بالزناء أربع مرات على اختيار منه للإقرار وجب عليه الحد و إن أقر مرة أو مرتين أو ثلاثا لم يجب عليه الحد بهذا الإقرار و للإمام أن يؤدبه بإقراره على نفسه حسب ما يراه فإن كان أقر على امرأة بعينها جلد حد القذف.قال و إن جعل في الحفرة ليرجم و هو مقر على نفسه بالزناء ففر منها ترك و لم يرد لأن فراره رجوع عن الإقرار و هو أعلم بنفسه.قال و لا يجب الرجم على المحصن الذي يعده الفقهاء محصنا و هو من وطئ امرأة في نكاح صحيح و إنما الإحصان عندنا من له زوجة أو ملك يمين يستغني بها عن غيرها و يتمكن من وطئها فإن كانت مريضة لا يصل إليها بنكاح أو صغيرة لا يوطأ مثلها أو غائبة عنه أو محبوسة لم يكن محصنا بها و لا يجب عليه الرجم.قال و نكاح المتعة لا يحصن عندنا و إذا كان هذا مذهب الإمامية فقد اتفق قولهم و أقوال الفقهاء في سقوط الرجم بأدنى سبب و الذي رواه أبو الفرج الأصفهاني أن زيادا لم يحضر في المجلس الأول و أنه حضر في مجلس ثان فلعل إسقاط الحد كان لهذا.ثم نعود إلى تصفح ما اعترض به المرتضى كلام قاضي القضاة.

٢٤٣

أما قوله كان الحد في حكم الثابت فإن الله تعالى لم يوجب الحد إلا إذا كان ثابتا و لم يوجبه إذا كان في حكم الثابت و يسأل عن معنى قوله في حكم الثابت هل المراد بذلك أنه قريب من الثبوت و إن لم يثبت حقيقة أم المراد أنه قد ثبت و تحقق فإن أراد الثاني قيل له لا نسلم أنه ثبت لأن الشهادة لم تتم و قد اعترف المرتضى بذلك و أقر بأن الشهادة لم تكمل و لكنه نسب ذلك إلى تلقين عمر و إن أراد الأول قيل له ليس يكفي في وحوب الحد أن يكون قريبا إلى الثبوت لأنه لو كفى ذلك لحد الإنسان بشهادة ثلاثة من الشهود.و أما قوله إن عمر لقنه و كره أن يشهد فلا ريب أن الأمر وقع كذلك و قد قلنا إن هذا جائز بل مندوب إليه و روينا عن أمير المؤمنين ما رويناه و ذكرنا قول الفقهاء في ذلك و إنهم استحبوا أن يقول القاضي للمقر بالزناء تأمل ما تقوله لعلك مسستها أو قبلتها.فأما قول المرتضى إنه درأ الحد عن واحد و كان درؤه عن ثلاثة أولى فقد أجاب قاضي القضاة عنه بأنه ما كان يمكن دفعه عنهم فأما قول المرتضى بل قد كان يمكن دفعه عنهم بألا يلقن الرابع الامتناع من الشهادة فقد أجاب قاضي القضاة عنه بأن الزناء و وسم الإنسان به أعظم و أشنع و أفحش من أن يوسم بالكذب و الافتراء و عقوبة الزاني أعظم من عقوبة الكاذب القاذف عند الله تعالى في دار التكليف يبين ذلك أن الله تعالى أوجب جلد ثلاثة من المسلمين لتخليص واحد شهد الثلاثة عليه بالزناء فلو لم يكن هذا المعنى ملحوظا في نظر الشارع لما أوجبه فكيف يقول المرتضى ليس لأحد الأمرين إلا ما في الآخر.و أما خبر السارق الذي رواه قاضي القضاة و قول المرتضى في الاعتراض عليه ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المكروه و قصة المغيرة تخالف هذا فليس بجيد

٢٤٤

لأن في دفع الحد عن السارق إضاعة مال المسلم الذي سرق السارق في زمانه و فيه أيضا إغراء أهل الفساد بالسرقة لأنهم إذا لم يقم الحد عليهم لمكان الجحود أقدموا على سرقة الأموال فلو لم يكن عناية الشارع بالدماء أكثر من عنايته بغيره من الأموال و الأبشار لما قال للمكلف لا تقر بالسرقة و لا بالزناء و لما رجح واحدا على ثلاثة و هان في نظره أن تضرب أبشارهم بالسياط و هم ثلاثة حفظا لدم واحد.و أما حديث صفوان و قول المرتضى فلا يشبه كل ما نحن فيه لأن الرسول ص بين أن ذلك القول يسقط الحد لو تقدم و ليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد.فجوابه أن قاضي القضاة لم يقصد بإيراد هذا الخبر إلا تشييد قول عمر أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين لأن عمر كره فضيحة المغيرة كما كره رسول الله ص فضيحة السارق الذي قال صفوان هو له و قال ع هلا قبل أن تأتيني به أي هلا قلت ذلك قبل أن تحضره فلم يفتضح بين الناس فإن قولك هو له و إن درأ الحد إلا أنه لا يدرأ الفضيحة.فأما ما حكاه قاضي القضاة عن أبي علي من أن القذف قد كان تقدم منهم و هم بالبصرة فقد ذكرنا في الخبر ما يدل على ذلك فبطل قول المرتضى أن ذلك غير معروف و أن الظاهر المروي خلافه.و أما قول عمر للمغيرة ما رأيتك إلا خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء فالظاهر أن مراده ما ذكره قاضي القضاة من التخويف و إظهار قوة الظن بصدق الشهود ليكون ردعا له و لذلك ورد في الخبر ما أظن أبا بكرة كذب عليك تقديره أظنه لم يكذب و لو كان كما قال المرتضى ندما و تأسفا على تفريط وقع لأقام الحد عليه و لو بعد حين و من الذي كان يمنعه من ذلك لو أراده.

٢٤٥

و قوله لم يخاف أن يرمى بالحجارة و هو لم يدرأ الحد عن مستحق له جوابه أن هذا القول يجري مجرى التهويل و التخويف للمغيرة كيلا يقدم على أن يعرض نفسه لشبهه فيما بعد.فأما قول قاضي القضاة أنه غير ممتنع أن يحب ألا يفتضح لما كان متوليا للبصرة من قبله و قول المرتضى معترضا عليه إن كونه واليا من قبله لا يقتضي أن يدرأ عنه الحد فغير لازم لأن قاضي القضاة ما جعل كونه واليا من قبله مقتضيا أن يدرأ عنه الحد و إنما قاله في جواب من أنكر على عمر محبته لدرء الحد عنه فقال إنه غير قبيح و لا يحرم محبة درء الحد عنه لأنه وال من قبله فجعل الولاية للبصرة مسوغة لمحبة عمر لدفع الحد عنه لا مسوغة لدفع الحد عنه و بين الأمرين فرق واضح.و أما قول المرتضى إن الشرع حظر كتمان الشهادة فصحيح فيما عدا الحدود فأما في الحدود فلا و قد ورد في الخبر الصحيح من رأى على أخيه شيئا من هذه القاذورات و ستر ستره الله يوم يفتضح المجرمون.فأما قول المرتضى هب أن الحد سقط أ ما اقتضت الحال تأديب المغيرة بنوع من أنواع التعزير و إن خف فكلام لازم لا جواب عنه و لو فعله عمر لبرئ من التهمة براءة الذئب من دم يوسف و ما أدري كيف فاته ذلك مع تشدده في الدين و صلابته في السياسة و لعله كان له مانع عن اعتماد ذلك لا نعلمه

الطعن السابع

أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي أنه قضى في الجد بسبعين قضية و روي

٢٤٦

مائة قضية و أنه كان يفضل في القسمة و العطاء و قد سوى الله تعالى بين الجميع و أنه قال في الأحكام من جهة الرأي و الحدس و الظن.أجاب قاضي القضاة عن ذلك فقال مسائل الاجتهاد يسوغ فيها الاختلاف و الرجوع عن رأي إلى رأي بحسب الأمارات و غالب الظن و قد ذكر أن ذلك طريقة أمير المؤمنين ع في أمهات الأولاد و مقاسمة الجد مع الإخوة و مسألة الحرام.قال و إنما الكلام في أصل القياس و الاجتهاد فإذا ثبت ذلك خرج من أن يكون طعنا و قد ثبت أن أمير المؤمنين ع كان يولي من يرى خلاف رأيه كابن عباس و شريح و لا يمنع زيدا و ابن مسعود من الفتيا مع الاختلاف بينه و بينهما.فأما ما روي من السبعين قضية فالمراد به في مسائل من الجد لأن مسألة واحدة لا يوجد فيها سبعون قضية مختلفة و ليس في ذلك عيب بل يدل على سعة علمه.و قال قد صح في زمان الرسول ص مثل ذلك لأنه لما شاور في أمر الأسرى أبا بكر أشار ألا يقتلهم و أشار عمر بقتلهم فمدحهما جميعا فما الذي يمنع من كون القولين صوابا من المجتهدين و من الواحد في حالين.و بعد فقد ثبت أن اجتهاد الحسن ع في طلب الإمامة كان بخلاف اجتهاد الحسين ع لأنه سلم الأمر و تمكنه أكثر من تمكن الحسين ع و لم يمنع ذلك من كونهما ع مصيبين.

٢٤٧

اعترض المرتضى هذا الجواب فقال لا شك أن التلون في الأحكام و الرجوع من قضاء إلى قضاء إنما يكون عيبا و طعنا إذا أبطل الاجتهاد الذي يذهبون إليه فأما لو ثبت لم يكن ذلك عيبا فأما الدعوى على أمير المؤمنين ع أنه تنقل في الأحكام و رجع من مذهب إلى آخر فإنها غير صحيحة و لا نسلمه و نحن ننازعه فيها و هو لا ينازعنا في تلون صاحبه و تنقله فلم يشتبه الأمران.و أظهر ما روي في ذلك خبر أمهات الأولاد و قد بينا فيما سلف من الكتاب ما فيه و قلنا إن مذهبه في بيعهن كان واحدا غير مختلف و إن كان قد وافق عمر في بعض الأحوال لضرب من الرأي فأما توليته لمن يرى خلاف رأيه فليس ذلك لتسويغه الاجتهاد الذي يذهبون إليه بل لما بيناه من قبل أنه ع كان غير متمكن من اختياره و أنه يجري أكثر الأمور مجراها المتقدم للسياسة و التدبير و هذا السبب في أنه لم يمنع من خالفه في الفتيا.فأما قوله إن السبعين قضية لم تكن في مسألة واحدة و إنما كانت في مسائل من الجد فكلا الأمرين واحد فيما قصدناه لأن حكم الله تعالى لا يختلف في المسألة الواحدة و المسائل فأما أمر الأسارى فإن صح فإنه لا يشبه أحكام الدين المبنية على العلم و اليقين لأنه لا سبيل لأبي بكر و عمر إلى المشورة في أمر الأسارى إلا من طريق الظن و الحسبان و أحكام الدين معلومة و إلى العلم بها سبيل.و ما ادعاه من اجتهاد الحسن بخلاف اجتهاد الحسين ليس على ما ظنه لأن ذلك لم يكن عن اجتهاد و ظن بل كان عن علم و يقين فمن أين له أنهما عملا على الظن فما نراه اعتمد على حجة و من أين له أن تمكن الحسن كان أكثر من تمكن الحسين

٢٤٨

على أن هذا لو كان على ما قاله لم يحسن من هذا التسليم و من ذاك القتال لأن المقاتل قد يكون مغررا ملقيا بيديه إلى التهلكة و المسالم مضيعا للأمر مفرطا و إذا كان عند صاحب الكتاب التسليم و القتال إنما كانا عن ظن و أمارات فليس يجوز أن يغلب على الظن بأن الرأي في القتال مع ارتفاع أمارات التمكن و لا أن يغلب في الظن المسالمة مع قوة أمارات التمكن.قلت أما القول في صحة الاجتهاد و بطلانه فله مواضع غير هذا الموضع و كذلك القول في تقية الإمام و استصلاحه و فعله ما لا يسوغ لضرب من السياسة و التدبير.و أما مسائل الجد فلم يعترض المرتضى قول قاضي القضاة فيها و أما قاضي القضاة فقد استبعد بل أحال أن تكون مسألة واحدة بعينها تحتمل سبعين حكما مختلفة فحمل الحديث على أن عمر أفتى في باب ميراث الأجداد و الجدات بسبعين فتيا في سبعين مسألة مختلفة الصور و ذلك دليل على علمه و فقهه و تمكنه من البحث في تفاريع المسائل الشرعية هذا هو جواب قاضي القضاة فكيف يعترض بقوله كلا الأمرين واحد فيما قصدناه لأن حكم الله لا يختلف في المسألة الواحدة و المسائل المتعددة أ ليس هذا اعتراض من ظن أن قاضي القضاة قد اعترض بتناقض أحكامه و لكن لا في مسألة بعينها بل في مسائل من باب ميراث الجد و لم يقصد قاضي القضاة ما ظنه و الوجه أن يعترض قاضي القضاة فيقال إن الرواة كلهم اتفقوا على أن عمر تلون تلونا شديدا في الجد مع الإخوة كيف يقاسمهم و هي مسألة واحدة فقضى فيها بسبعين قضية فأخرجوا الرواية مخرج التعجب من تناقض فتاويه و لم يخرج أحد من المحدثين الرواية مخرج المدح له بسعة تفريعه في الفقه و المسائل فلا يجوز صرف الرواية عن الوضع الذي وردت عليه.

٢٤٩

و قول قاضي القضاة كيف تحتمل مسألة واحدة سبعين وجها جوابه أنه لم يقع الأمر بموجب ما توهمه بل المراد أن قوما تحاكموا إليه في هذه المسألة مثلا اليوم فأفتى فيها بفتيا نحو أن يقول في جد و بنت و أخت للبنت النصف و الباقي بين الجد و الأخت للذكر مثل حظ الأنثيين و هو قول زيد بن ثابت ثم يتحاكم إليه بعد أيام في هذه المسألة بعينها قد وضعت لقوم آخرين فيقول للبنت النصف و للجد السدس و الباقي للأخت و هو المذهب المحكي عن علي ع و ذلك بأن يتغلب على ظنه ترجيح هذه الفتيا على ما كان أفتى به من قبل ثم تقع هذه المسألة بعينها بعد شهر آخر فيفتي فيها بفتيا أخرى فيقول للبنت النصف و الباقي بين الجد و الأخت نصفين و هو مذهب ابن مسعود ثم تقع المسألة بعينها بعد شهر آخر فيقضي فيها بالفتيا الأولى و هي مذهب زيد بأن يعود ظنه مترجحا متغلبا لمذهب زيد ثم تقع المسألة بعينها بعد وقت آخر فيفتي فيها بقول علي ع و هكذا لا تزال المسألة بعينها تقع و أقواله فيها تختلف و هي ثلاثة لا مزيد عليها إلا أنه لا يزال يفتي فيها فتاوى مختلفة إلى أن توفي فأحصيت فكانت سبعين فتيا.فأما احتجاج قاضي القضاة بقصة أسرى بدر فجيد و أما ما اعترض به المرتضى فليس بجيد لأن المسألة من باب الشرع و هو قتل الأسرى أو تخليتهم بالفداء و القتل و إراقة الدم من أهم المسائل الشرعية و قد علم من الشارع شدة العناية بأمر الدنيا فإن كانت أحكام الشرع لا يجوز أن تتلقى و أن يفتي فيها إلا بطريق معلومة و أن الظن و الاجتهاد لا مدخل له في الشرع كما يذهب إليه المرتضى فكيف جاز من رسول الله ص أن يشاور في أحكام شرعية من لا طريق له إلى العلم و إنما قصارى أمره الظن و الاجتهاد و الحسبان و كيف مدحهما جميعا و قد اختلفا و لا بد أن يكون أحدهما مخطئا.

٢٥٠

و أما قول المرتضى من أين لقاضي القضاة أن ما اعتمده الحسن و الحسين من الكف و الإقدام كان عن الاجتهاد فجيد و جواب صحيح على أصول الإمامية لأنه ليس بمستحيل أن يعتمدا ذلك بوصية سابقة من أبيهما ع.و أما قوله لقاضي القضاة كلامك مضطرب لأنك أسندت ما اعتمداه إلى الاجتهاد ثم قلت و قد كان تمكن الحسن أكثر من تمكن الحسين ع و هذا يؤدي إلى أن أحدهما غرر بنفسه و الآخر فرط في تسليم حقه فليس بجيد و الذي أراده قاضي القضاة الدلالة على جواز الاجتهاد و أنه طريقة المسلمين كلهم و أهل البيت ع و أومأ إلى ما اعتمده الحسن من تسليم الأمر إلى معاوية و ما اعتمده الحسين من منازعة يزيد الخلافة فعملا فيها بموجب اجتهادهما و ما غلب على ظنونهما من المصلحة و قد كان تمكن الحسن ع في الحال الحاضرة أكثر من تمكن الحسين ع في حاله الحاضرة لأن جند الحسن كان حوله و مطيفا به و هم كما روي مائة ألف سيف و لم يكن مع الحسين ع ممن يحيط به و يسير بمسيره إلى العراق إلا دون مائة فارس و لكن ظنهما في عاقبة الأمر و مستقبل الحال كان مختلفا فكان الحسن يظن خذلان أصحابه عند اللقاء و الحرب و كان الحسين ع يظن نصرة أصحابه عند اللقاء و الحرب فلذلك أحجم أحدهما و أقدم الآخر فقد بان أن قول قاضي القضاة غير مضطرب و لا متناقض

الطعن الثامن

ما روي عن عمر من قوله متعتان كانتا على عهد رسول الله ص أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما و هذا اللفظ قبيح لو صح المعنى فكيف إذ فسد لأنه ليس ممن

٢٥١

يشرع فيقول هذا القول و لأنه يوهم مساواة الرسول ص في الأمر و النهي و أن اتباعه أولى من اتباع رسول الله ص.أجاب قاضي القضاة فقال أنه إنما عنى بقوله و أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما كراهته لذلك و تشدده فيه من حيث نهى رسول الله ص عنهما بعد أن كانتا في أيامه منبها بذلك على حصول النسخ فيهما و تغير الحكم لأنا نعلم أنه كان متبعا للرسول متدينا بالإسلام فلا يجوز أن نحمل قوله على خلاف ما تواتر من حاله و حكي عن أبي علي أن ذلك بمنزلة أن يقول إني أعاقب من صلى إلى بيت المقدس و إن كان صلي إلى بيت المقدس في حياة رسول الله ص و اعتمد في تصويبه على كف الصحابة عن النكير عنه و ادعى أن أمير المؤمنين ع أنكر على ابن عباس إحلال المتعة و روى عن النبي ص تحريمهما فأما متعة الحج فإنما أراد ما كانوا يفعلون من فسخ الحج لأنه كان يحصل لهم عنده التمتع و لم يرد بذلك التمتع الذي يجري مجرى تقدم العمرة و إضافة الحج إليها بعد ذلك لأنه جائز لم يقع فيه قبح.اعترض المرتضى هذا الكلام فقال ظاهر الخبر المروي عن عمر في المتعتين يبطل هذا التأويل لأنه قال متعتان كانتا على عهد رسول الله ص أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما فأضاف النهي إلى نفسه و لو كان الرسول نهى عنهما لأضاف النهي إليه فكان آكد و أولى فكان يقول فنهى عنهما أو نسخهما و أنا من بعده أنهى عنهما و أعاقب عليهما و ليس يشبه ما ذكره من الصلاة إلى بيت المقدس أن نسخ

٢٥٢

الصلاة إلى بيت المقدس معلوم ضرورة من دينه ص و ليس كذلك المتعة على أنه لو قال إن الصلاة إلى بيت المقدس كانت في أيام النبي ص جائزة و أنا الآن أنهى عنها لكان قبيحا شنيعا مثل ما استقبحنا من القول الأول و ليس هذا القول منه ردا على الرسول ص لأنه لا يمتنع أن يكون استحسن حظرها في أيامه لوجه لم يكن فيما تقدم و اعتقد أن الإباحة في أيام رسول الله ص كان لها شرط لم يوجد في أيامه و قد روي عنه أنه صرح بهذا المعنى فقال إنما أحل الله المتعة للناس على عهد رسول الله ص و النساء يومئذ قليلة و لذلك روي عنه في متعة الحج أنه قال قد علمت أن رسول الله ص فعلها و أصحابه و لكن كرهت أن يظلوا بها معرسين تحت الأراك ثم يرجعوا بالحج تقطر رءوسهم.و أما اعتماده على الكف عن النكير فقد تقدم أنه ليس بحجة إلا على شرائط شرحناها على أنه قد روي أن عمر قال بعد نهيه عن المتعة لا أوتي بأحد تزوج متعة إلا عذبته بالحجارة و لو كنت تقدمت فيها لرجمت و ما وجدنا أحدا أنكر عليه هذا القول لأن المتمتع عندهم لا يستحق الرجم و لم يدل ترك النكير على صوابه.فأما ادعاؤه على أمير المؤمنين ع أنه أنكر على ابن عباس إحلالها فالأمر بخلافه و عكسه فقد روي عنه ع من طرق كثيرة أنه كان يفتي بها و ينكر على محرمها و الناهي عنها و روى عمر بن سعد الهمداني عن حبيش بن المعتمر قال سمعت عليا ع يقول لو لا ما سبق من ابن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي و روى أبو بصير قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر ع يروي عن جده أمير المؤمنين ع لو لا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي و قد أفتى بالمتعة

٢٥٣

جماعة من الصحابة و التابعين كعبد الله بن عباس و عبد الله بن مسعود و جابر بن عبد الله الأنصاري و سلمة بن الأكوع و أبي سعيد الخدري و سعيد بن جبير و مجاهد و غير ما ذكرناه ممن يطول ذكره فأما سادة أهل البيت ع و علماؤهم فأمرهم واضح في الفتيا بها كعلي بن الحسين زين العابدين و أبي جعفر الباقر ع و أبي عبد الله الصادق ع و أبي الحسن موسى الكاظم و علي بن موسى الرضا ع و ما ذكرنا من فتيا من أشرنا إليه من الصحابة بها يدل على أوضح بطلان ما ذكره صاحب الكتاب من ارتفاع النكير لتحريمها لأن مقامهم على الفتيا بها نكير فأما متعة الحج فقد فعلها النبي ص و الناس أجمع من بعده و الفقهاء في أعصارنا هذه لا يرونها خطأ بل صوابا.فأما قول صاحب الكتاب إن عمر إنما أنكر فسخ الحج فباطل لأن ذلك أولا لا يسمى متعة و لأن ذلك ما فعل في أيام النبي ص و لا فعله أحد من المسلمين بعده و إنما هو من سنن الجاهلية فكيف يقول عمر متعتان كانتا على عهد رسول الله ص و كيف يغلظ و يشدد فيما لم يفعل و لا فعل.قلت لا شبهة أن الظاهر من كلام عمر إضافة النهي إلى نفسه لكنا يجب علينا أن نترك ظاهر اللفظ إذا علمنا من قائله ما يوجب صرف اللفظ عن الظاهر كما يعتمده كل أحد في القرائن المقترنة بالألفاظ و المعلوم من حال عمر أنه لم يكن يدعي أنه ناسخ لشريعة

٢٥٤

الرسول ص و أنه كان متدينا بالإسلام و تابعا للرسول الذي جاء به فوجب أن يحمل كلامه على أنه أراد أنهما كانتا ثم حرمتا ثم أنا الآن أعاقب من فعلهما لأنه قد كان بلغه عن قوم من المسلمين بعد علمهم بالتحريم و قول المرتضى لعله كان اعتقد أن الإباحة أيام رسول الله ص كانت مشروطة بشرط لم يوجد في أيامه قول يبطل طعنه في عمر و يمهد له عذرا و يصير المسألة اجتهادية.و أما طعنه في الاحتجاج على تصويب عمر بترك الإنكار عليه و قوله فهلا أنكروا عليه قوله لا أرى أحدا يستمتع إلا رجمته فليس بطعن مستقيم و إنما يكون طعنا صحيحا لو كان أتى بمتمتع فأمر برجمه فأما أن ينكروا عليه وعيده و تهديده لا لإنسان معين بل كلاما مطلقا و قولا كليا يقصد به حسم المادة في المتعة و تخويف فاعلها فإنه ليس بمحل للإنكار عليه و ما زالت الأئمة و الصالحون يتوعدون بأمر ليس في نفوسهم فعله على طريق التأديب و التهذيب على أن قوما من الفقهاء قد أوجبوا إقامة الحد على المتمتع فلا يمتنع أن يكون عمر ذاهبا إلى هذا المذهب.فأما ما رواه عن أمير المؤمنين ع و عن الطاهرين من أولاده من تحليل المتعة فلسنا في هذا المقام نناكره في ذلك و ننازعه فيها و المسألة فقهية من فروع الشريعة و ليس كتابنا موضوعا لذكره و لا الموضع الذي نحن فيه يقتضي الحجاج فيها و البحث في تحليلها و تحريمها و إنما الموضع موضع الكلام في حال عمر و ما نقل عنه من الكلمة هل يقتضي ذلك الطعن في دينه أم لا.فأما متعة الحج فقد اعتذر لنفسه و قال ما قدمنا ذكره من أن الحج بهاء من بهاء الله و أن التمتع يكسفه و يذهب نوره و رونقه و أنهم يظلون معرسين تحت الأراك ثم

٢٥٥

يهلون بالحج و رءوسهم تقطر و إذا كان قد اعتذر لنفسه فقد كفانا مئونة الاعتذار

الطعن التاسع

ما روي عنه من قصة الشورى و كونه خرج بها عن الاختيار و النص جميعا و أنه ذم كل واحد بأن ذكر فيه طعنا ثم أهله للخلافة بعد أن طعن فيه و أنه جعل الأمر إلى ستة ثم إلى أربعة ثم إلى واحد قد وصفه بالضعف و القصور و قال إن اجتمع علي و عثمان فالقول ما قالاه و إن صاروا ثلاثة و ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن و ذلك لعلمه بأن عليا و عثمان لا يجتمعان و أن عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه و ابن عمه و أنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة أيام و أنه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم أو الذين فيهم عبد الرحمن.أجاب قاضي القضاة عن ذلك فقال الأمور الظاهرة لا يجوز أن يعترض عليها بأخبار غير صحيحة و الأمر في الشورى ظاهر و أن الجماعة دخلت فيها بالرضا و لا فرق بين من قال في أحدهم أنه دخل فيها لا بالرضا و بين من قال ذلك في جميعهم و لذلك جعلنا دخول أمير المؤمنين ع في الشورى أحد ما يعتمد عليه في أن لا نص يدل عليه أنه المختص بالإمامة لأنه قد كان يجب عليه أن يصرح بالنص على نفسه بل يحتاج إلى ذكر فضائله و مناقبه لأن الحال حال مناظرة و لم يكن الأمر مستقرا لواحد فلا يمكن أن يتعلق بالتقية و المتعالم من حاله أنه لو امتنع من هذا الأمر في الشورى أصلا لم يلحقه الخوف فضلا عن غيره و معلوم أن دلالة الفعل أحسن من دلالة القول من حيث كان الاحتمال فيه أقل و المروي أن عبد الرحمن أخذ الميثاق على الجماعة

٢٥٦

بالرضا بمن يختاره و لا يجب القدح في الأفعال بالظنون بل يجب حملها على ظاهر الصحة دون الاحتمال كما يجب مثله في غيرها و يجب إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي حسن الظن به أن يحمل فعله على ما يطابقها و قد علمنا أن حال عمر و ما كان عليه من النصيحة للمسلمين منع من صرف أمره في الشورى إلى الأغراض التي يظنها أعداؤه فلا يصح لهم أن يقولوا كان مراده في الشورى بأن يجعل الأمر إلى الفرقة التي فيها عبد الرحمن عند الخلاف أن يتم الأمر لعثمان لأنه لو كان هذا مراده لم يكن هناك ما يمنعه من النص على عثمان كما لم يمنع ذلك أبا بكر لأن أمره إن لم يكن أقوى من أمر أبي بكر لم ينقص عنه و ليس ذلك بدعة لأنه إذا جاز في غير الإمام إذا اختار أن يفعل ذلك بأن ينظر في أماثل القوم فيعلم أنهم عشرة ثم ينظر في العشرة فيعلم أن أمثلهم خمسة ثم ينظر في واحد من الخمسة فما الذي يمنع من مثله في الإمام و هو في هذا الباب أقوى اختيارا لأن له أن يختار واحدا بعينه.ثم ذكر أنه إنما حصره في الجماعة الذين انتهى إليهم الفضل و جعله شورى بينهم ثم بين أن الانتقال من الستة إلى الأربعة و من الأربعة إلى الثلاثة لا يكون متناقضا لأن الأقوال مختلفة و ليست واحدة و لو كانت أيضا واحدة لكان كالرجوع و للإمام أن يرجع في مثل ذلك لأنه في حكم الوصية.قال و قولهم أنه كان يعلم أن عثمان و عليا لا يجتمعان و أن عبد الرحمن يميل إلى عثمان قلة دين لأن الأمور المستقبلة لا تعلم و إنما يحصل فيها أمارة قال و الأمارات توجب أنه لم يكن فيهم حرص شديد على الإمامة بل الغالب من حالهم طلب الاتفاق و الائتلاف و الاسترواح إلى قيام الغير بذلك و إنما جعل عمر الأمر إلى عبد الرحمن عند الاختلاف لعلمه بزهده في الأمر و أنه لأجل ذلك أقرب أن يتثبت لأن الراغب

٢٥٧

عن الشي‏ء يحصل له من التثبت ما لا يحصل للراغب فيه و من كانت هذه حاله كان القوم إلى الرضا به أقرب.و حكي عن أبي علي أن المخادعة إنما تظن بمن قصده في الأمور طريق الفساد و عمر بري‏ء من ذلك.قال و الضعف الذي وصف به عبد الرحمن إنما أراد به الضعف عن القيام بالإمامة لا ضعف الرأي و لذلك رد الاختيار و الرأي إليه و حكي عن أبي علي ضعف ما روي من أمره بضرب أعناق القوم إذا تأخروا عن البيعة و أن ذلك لو صح لأنكره القوم و لم يدخلوا في الشورى بهذا الشرط ثم تأوله إذ سلم صحته على أنهم إن تأخروا عن البيعة على سبيل شق العصا و طلب الأمر من غير وجهه و قال و لا يمتنع أن يقول ذلك على طريق التهديد و إن بعد عنده أن يقدموا عليه كما قال تعالى( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) .اعترض المرتضى هذا الكلام فقال إن الذي رتبه عمر في قصة الشورى من ترتيب العدد و اتفاقه و اختلافه يدل أولا على بطلان مذهب أصحاب الاختيار في عدد العاقدين للإمامة و أنه يتم بعقد واحد لغيره برضا أربعة و أنه لا يتم بدون ذلك فإن قصة الشورى تصرح بخلاف هذا الاعتبار فهذا أحد وجوه المطاعن فيها.و من جملتها أنه وصف كل واحد منهم بوصف زعم أنه يمنع من الإمامة ثم جعل الأمر فيمن له تلك الأوصاف و قد روى محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال قال عمر لا أدري ما أصنع بأمة محمد ص و ذلك قبل أن يطعن فقلت و لم تهتم و أنت تجد من تستخلفه

٢٥٨

عليهم قال أ صاحبكم يعني عليا قلت نعم هو لها أهل في قرابته من رسول الله ص و صهره و سابقته و بلائه قال إن فيه بطالة و فكاهة فقلت فأين أنت من طلحة قال فأين الزهو و النخوة قلت عبد الرحمن قال هو رجل صالح على ضعف فيه قلت فسعد قال ذاك صاحب مقنب و قتال لا يقوم بقرية لو حمل أمرها قلت فالزبير قال وعقة لقس مؤمن الرضا كافر الغضب شحيح و إن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف رفيق في غير ضعف و جواد في غير سرف قلت فأين أنت من عثمان قال لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس و لو فعلها لقتلوه.و قد يروى من غير هذا الطريق أن عمر قال لأصحاب الشورى روحوا إلي فلما نظر إليهم قال قد جاءني كل واحد منهم يهز عفريته يرجو أن يكون خليفة أما أنت يا طلحة أ فلست القائل إن قبض النبي ص أنكح أزواجه من بعده فما جعل الله محمدا أحق ببنات أعمامنا منا فأنزل الله تعالى فيك( وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اَللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) و أما أنت يا زبير فو الله ما لان قلبك يوما و لا ليلة و ما زلت جلفا جافيا و أما أنت يا عثمان فو الله لروثة خير منك و أما أنت يا عبد الرحمن فإنك رجل عاجز تحب قومك جميعا و أما أنت يا سعد فصاحب عصبية و فتنة و أما أنت يا علي فو الله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجحهم فقام علي موليا يخرج فقال عمر و الله إني لأعلم مكان رجل لو وليتموه

٢٥٩

أمركم لحملكم على المحجة البيضاء قالوا من هو قال هذا المولي من بينكم قالوا فما يمنعك من ذلك قال ليس إلى ذلك سبيل.و في خبر آخر رواه البلاذري في تاريخه أن عمر لما خرج أهل الشورى من عنده قال إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق فقال عبد الله بن عمر فما يمنعك منه يا أمير المؤمنين قال أكره أن أتحملها حيا و ميتا.فوصف كما ترى كل واحد من القوم بوصف قبيح يمنع من الإمامة ثم جعلها في جملتهم حتى كان تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع و نحن نعلم أن الذي ذكره إن كان مانعا من الإمامة في كل واحد على الانفراد فهو مانع من الاجتماع مع أنه وصف عليا ع بوصف لا يليق به و لا ادعاه عدو قط بل هو معروف بضده من الركانة و البعد عن المزاح و الدعابة و هذا معلوم ضرورة لمن سمع أخباره ع و كيف يظن به ذلك و قد روي عن ابن عباس أنه قال كان أمير المؤمنين علي ع إذا أتى هبنا أن نبتدئه بالكلام و هذا لا يكون إلا من شدة التزمت و التوقر و ما يخالف الدعابة و الفكاهة.و مما تضمنته قصة الشورى من المطاعن أنه قال لا أتحملها حيا و ميتا و هذا إن كان علة عدوله عن النص إلى واحد بعينه فهو قول متلمس متخلص لا يفتات على الناس في آرائهم ثم نقض هذا بأن نص على ستة من بين العالم كله ثم رتب العدد ترتيبا مخصوصا يؤول إلى أن اختيار عبد الرحمن هو المقدم و أي شي‏ء يكون من التحمل أكثر من هذا و أي فرق بين أن يتحملها بأن ينص على واحد بعينه و بين أن يفعل ما فعله من الحصر و الترتيب.

٢٦٠