كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة13%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27360 / تحميل: 6927
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

يكشف عنها أبو الجلد؟ وهل كان السؤال عن السماء فيه من الغموض ما لم يكن يعرفه ابن عباس طيلة عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وما بعده حتّى نزل البصرة سنة 36 هـ بعد واقعة الجمل ، فتفطّن إلى أن يسأل أبا الجلد ـ الذي كان يأتيه طيلة سنتين ـ عن السماء ، فأجابه : موج مكفوف. أيّ كشف جديد هداه إليه أبو الجلد!!

ولا تقف مهزلة أبي الجلد عند هذا الحد ، بل اتسع الخرق فروى لنا أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب ( العظمة ) بسنده عن عامر ـ وهذا هو الشعبي ـ قال : ( أرسل ابن عباس ( رضي الله عنهما ) إلى أبي الجلد يسأله عن السماء من أيّ شيء هو (؟) وعن البرق والصواعق ، فقال : أمّا السماء فإنّها من ماء مكفوف ، وأمّا البرق فهو تلألؤ الماء ، وأمّا الصواعق فمخاريق يزجر بها السحاب اهـ )(1) .

ولقد مرّ بنا قريباً جواب أبي الجلد عن السماء وأنّه كان مشافهة يحدّثه بها ابن عباس في داره في السنتين اللتين زعم أنّه كان ابن عباس يحدثه بها. فما باله صار يرسل إليه ـ كما يقول الشعبي ـ فهل كان ابن عباس نسيّاً فأعاد السؤال؟ أو أنّها قضية مكذوبة ، ولقد كان الشعبي كذّاباً(2) ، على أنّ تفسيره البرق في روايته يختلف عما مرّ عنه ، فرواية عطاء عنه عند الطبري حيث فسّر البرق بالماء.

____________________

(1) العظمة 4 / 1287 ، قال عبد الرحمن بن يحيى العلمي اليماني في كتابه ( الانوار الكاشفة / 116 ط السلفية ) : كتاب العظمة تكثر فيه الرواية عن الكذابين والساقطين والمجاهيل ).

(2) راجع عليّ إمام البررة 2 / 323.

١٦١

وهكذا تبقى أساطير أبي الجلد مبثوثة في التراث الإسلامي بدون حدّ ، يتلقفها الزوامل ممّن لا يحسنون صنعاً في روايتها ، وصارت مدعاة لسخرية المستشرقين ، فدسّوا آنافهم في تقييم التراث الإسلامي الأصيل ، من خلال ما فيه من الدخيل ، من دون إنصاف ، وبصلف وإعتساف.

2 ـ رواية أبي نعيم في ترجمته بسنده عنه حديثاً رواه عن الصحابي معقل بن يسار ، مع أنّ ذلك الحديث النبوي الشريف كان يرويه عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ( إذا زالت الشمس ، وفاءت الأفياء ، وراحت الأرواح ، فاطلبوا إلى الله حوائجكم فإنّها ساعة الأوابين ثمّ تلا :( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ) (1) )(2) .

وأخيراً نستعرض للقارئ آراء آخرين في أبي الجلد ، وهم من فقهاء الحاكمين ، الذين خبطوا في تعيين الأئمة الاثني عشر الذين كلّهم من قريش منهم :

1 ـ قال ابن كثير في تاريخه ( البداية والنهاية ) : ( وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة عن أبي بحر قال : كان أبو الجلد جاراً لي فسمعته يقول يحلف عليه : إنّ هذه الأمة لن تهلك حتّى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدي ودين الحق ، منهم رجلان من أهل البيت أحدهما

____________________

(1) الإسراء / 25.

(2) التمهيد لابن عبد البر 19 / 22.

١٦٢

يعيش أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة(1) .

قال ابن كثير : ثمّ شرع البيهقي في ردّ ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الردّ ، وهذا عجيب منهم ، وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء ، ولعلّ قوله أرجح لما ذكرنا ، وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة ، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه : إنّ الله تعالى بشّر إبراهيم بإسماعيل وأنّه ينجيه ويكثّره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً )(2) .

أقول : وما ذكره ابن كثير عن البيهقي من قول أبي الجلد ، ومناقشته له بترجيح قوله لأنّه كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة ، من غريب القول! فإنّه يعلم وقد ذكر في كتابه الاثنين من أئمة أهل البيت وهما الإمام عليّ عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام ، وكلّ منهما عاش أكثر من المدّة التي ذكرها أبو الجلد ، فعليه يلزمه إخراجهما من الاثني عشر خليفة.

____________________

(1) أخرج البوصيري في مختصر إتحاف السادة المهرة رقم ( 8580 ) : ( عن أبي يونس ثنا بحر أن أبا الجلد حدثه وحلفه عليه : أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق ، منهم رجلان من أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعيش أحدهما أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة يكون خلفاء بعدهم ليسوا منهم ) رواه مسدد عن يحيى عنه به. وجاء في الهامش لا يعرف بهذه الكنية إلا جيلان بن فروة وثّقه أحمد ذكره ابن أبي حاتم. وأبو بحر هو عبد الرحمن بن عثمان البكراوي ضعيف جداً ( هامش المطالب العالية ).

(2) البداية والنهاية 6 / 250.

١٦٣

ثمّ إنّا لسنا بحاجة في تعيين الأئمة الاثني عشر خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حقاً إلى الرجوع إلى التوراة والأنجيل المحرّفين! حتّى أنّ النص الذي ذكره هو أيضاً محرّف عما ورد في نسخة الكتاب المقدس ـ أيّ كتب العهد القديم والعهد الجديد ـ(1) .

فقد ورد في سفر التكوين : ( وأمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً ، أثنى عشر رئيساً يلد ، وأجعله أمّة كثيرة اهـ )(2) .

وبعد هذه الجولة في بطون الكتب لم نجد رواية ثابتة لابن عباس عن أبي الجلد ، حتّى أن نعيم بن حمّاد أخرج في كتابه ( الفتن ) بعض أخبار الملاحم بسنده عن أبي الجلد ، وليس في شيء منها رواية لابن عباس عنه(3) ، فراجع.

كما أنّ ابن أبي عاصم أخرج لأبي الجلد ستة أحاديث في كتابه ( الزهد ) ليس بينها حديث واحد ، رواه عنه ابن عباس(4) .

____________________

(1) الكتاب المقدس مترجم من اللغات الأصلية نشر جمعيات الكتاب المقدس المتحدة ساحة النجمة ط بيروت سنة 1951م.

(2) الكتاب المقدس الأصحاح السابع عشر العدد 20.

(3) راجع الصفحات التالية 31 / 213 / 419 من المطبوع بتحقيق الدكتور سهيل زكار نشر المكتبة التجارية بمكة ، وكذلك الصفحات التالية 39 / 54 / 176 طبعة المكتبة الحيدرية بقم بتحقيق أبو عبد الله أيمن محمّد محمّد عرفة.

(4) راجع الصفحات التالية 2 / 56 / 67 / 72 مكرر 86 / 105 ط مصر نشر دار الريان بالقاهرة سنة 1408 هـ بتحقيق عبد العلي عبد الحميد حامد.

١٦٤

وجميع تلك الأخبار يذكر فيها أنبياء بني إسرائيل موسى ، وعيسى ، وداوود ( عليهم السلام ) وليس بينها خبر واحد عن نبيّ الإسلام محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وختاماً قال المبرد في كامله : ( ويروى أنّ أبا الجلد اليشكري قال لنافع يوماً : يا نافع إنّ لجهنّم سبعة أبواب وانّ أشدّها حرّاً للباب الذي أعدّ للخوارج ، فإن قدرت أن لا تكون منهم فافعل )(1) .

ولمّا كان هذا الأثر تفوح منه رائحة فيح جهنّم الذي يشوي وجوه الخوارج على الحاكمين الذين يعيش أبو الجلد في كنفهم ويدافع عن حكمهم ، فقد حذّر نافعاً أن يكون من الخوارج كما صار عكرمة مولى ابن عباس من الأباضية.

ونهاية القول لقد أعطى ابن عباس رضي الله عنه ميزاناً بيد الناس لقبول حديثه فيما رواه عنه عاصم بن كليب أنّه قال : ( إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم تجدوا تصديقه في القرآن أو لم يكن حسناً في أخلاق الناس ، فأنا به كاذب )(2) ، وهذا كلام حسن في تصديق الحديث الشريف بالقرآن الكريم ، وأمّا حَسَنا في أخلاق الناس فهذا مع سلامة الفطرة فيما يراه هو في نفسه ، أمّا مع تبدّل الأخلاق والعادات في كلّ زمان فكيف يكون

____________________

(1) الكامل 3 / 222 ـ 283.

(2) قبول الأخبار ومعرفة الرجال لأبي القاسم الكعبي 1 / 78 ط دار الكتب العلمية بيروت ، ذم الكلام وأهله للهروي 2 / 77.

١٦٥

كذلك؟

وختاماً لهذه الفصل نذكر ما قاله أحمد محمد شاكر ردّاً على ابن كثير حيث اتهم ابن عباس رضي الله عنه بأنّه تلقى عن الاسرائيليات.

روى أحمد بن حنبل في مسنده : ( قال حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ـ يزيد أحدهما على الآخر ـ عن سعيد بن جبير ، قال ابن عباس : أوّل ما اتخذت النساء المنطَقَ من قِبَل أم إسماعيل ، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ـ فذكر الحديث ـ

قال ابن عباس : رحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم ، أو قال : لو لم تغرف من الماء ، لكانت زمزم عينا معينا.

قال ابن عباس : قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحبّ الإنس ، فنزلوا ، وأرسلوا إلى أهليهم ، فنزلوا معهم.

وقال في حديثه : فهبطت من الصفا ، حتّى إذا بلغت الوادي ، رفعت طرف درعها ثمّ سعت سعي الإنسان المجهود ، حتّى جاوزت الوادي ، ثمّ أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحداً ، فلم تر أحداً ، ففعلت ذلك سبع مرّات.

قال ابن عباس : قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( فلذلك سعى الناس بينهما ) )(1) .

____________________

(1) مسند أحمد بن حنبل 5 / 86 رقم 3250.

١٦٦

قال أحمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث : ( إسناده صحيح ، كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، ثقة قليل الحديث ، وكان شاعراً ، وترجمه البخاري في الكبير ( 4 / 1 / 211 ) ، وقد اختصر الإمام أحمد الحديث جداً ، فذكر منه مواضع متفرقة ، وقد رواه البخاري مطولا في ( 6 / 283 ـ 289 ) عن عبد الله بن محمد عن عبد الرزاق ، وروى بعضه في ( 5 / 33 ) بالإسناد نفسه ، ونقله ابن كثير في التاريخ ( 1 / 154 ـ 156 ) عن البخاري ).

ثمّ قال : ( وهذا الحديث من كلام ابن عباس ، وموشح برفع بعضه ، وفي بعضه غرابة ، وكأنّه ممّا تلقاه ابن عباس عن الإسرائليات ). وهذا عجيب منه!! فما كان ابن عباس ممّن يتلقي الإسرائيليات ، ثمّ سياق الحديث يفهم منه ضمناً أنّه مرفوع كلّه ، ثمّ لو سلمنا أنّ أكثره موقوف ، ما كان هناك دليل أو شبه دليل على أنّه من الإسرائيليات ، بل يكون الأقرب ممّا عرفته قريش وتداولته على مرّ السنين ، من تاريخ جدهم إبراهيم وإسماعيل ، فقد يكون بعضه خطأ وبعضه صواباً ، ولكن الظاهر عندي أنّه مرفوع كلّه في المعنى. والله أعلم.

وختاماً نذكر للقارئ ما قاله ابن عباس رضي الله عنه في تحذيره من الأخذ عن أهل الكتاب ، وقد رواه ابن كثير في تفسيره قال : ( وقال الزهري : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، أنّه قال : ( يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتاب الله الذي أنزله

١٦٧

على نبيّه أحدث الأخبار ، تقرؤنه غضّاً لم يشَب ، وقد حدّثكم الله تعالى أنّ أهل الكتاب قد بدّلوا كتاب الله وغيرّوه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً ، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ، ولا والله ما رأينا فيهم أحداً قط سألكم عن الذي أنزل عليكم؟

قال ابن كثير رواه البخاري من طرق عن الزهري )(1) .

____________________

(1) تفسير ابن كثير 1 / 117 ط2 مطبعة الإستقامة بمصر 1373 هـ.

١٦٨

الباب الثاني

في مدارسه ومجالسه وعطائهما وفيه فصلان

١٦٩

١٧٠

الفصل الاول

في مدارسه

١٧١

١٧٢

قال سيد مير عليّ ( الهندي ) في كتابه ( روح الإسلام ) في حديثه عن ابن عباس : ( أمّا شهرته كفقيه ضليع ، ومفسّر للقرآن ، وعالم بالأحكام التي أصدرها الخلفاء الأربعة فمعروفة للقاصي والداني ، حتّى أن جماهير الناس من مختلف أجزاء البلاد الإسلامية كانوا يهرعون إلى المدينة لسماع دروسه.

وكان ابن عباس يلقي دروساً عامّة ، يوماً واحداً في الاسبوع حول تفسير القرآن ، ويوماً آخر عن تاريخ العرب ، وثالثاً في قواعد اللغة ، ورابعاً في أصول الشرع ، أمّا اليوم الخامس فيبحث فيه الشعر والأدب.

وقد ساهم مساهمة طيبة في هذا المجال بأن دفع قومه إلى تدارس الأدب الجاهلي وتاريخ العرب قبل الإسلام عن طريق تكرار اقتباسه لأشعار فحول الجاهليين. وكان يستعملها في شرح الآيات الغامضة وتوضيح الإشارات العسيرة الفهم من القرآن الكريم.

١٧٣

وكان من عادته أن يقول : ( إذا صادفت نصّاً مبهماً في القرآن فأنظر تفسيره في شعر العرب ، لأنّ الشعراء هم رواة التاريخ وحفظة الأدب )(1) )(2) .

وقال أيضاً في كتابه الآخر ( مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي ) : ( وفيما كان الإسلام ينتشر وتخفق رايته على ربوع تلك الأمصار كان عليّ بن أبي طالب يصرف جهوده في المدينة لتوجيه نشاط العنصر العربي الناشئ إلى الناحية العلمية ، فشرع مع ابن عمه عبد الله بن العباس في إلقاء محاضرات اسبوعية في المسجد الجامع في الفلسفة والمنطق والحديث والبلاغة والفقه ، بينما تفرّغ غيرهما إلى إلقاء محاضرات في شؤون أخرى.

وهكذا تألفت نواة الحركة العلمية التي ترعّرعت وزهت بعد حين في ( بغداد ) عاصمة العباسيين )(3) .

____________________

(1) هكذا وردت الكلمة في تعريبها وأصل الكلمة قوله : الشعر ديوان العرب إذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزل بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه ( البرهان في علوم القرآن للزركشي 1 / 293 ، الإتقان 1 / 121 ) ط مصطفى محمّد كما أنه ذكر المؤلف في الهامش رقم (2) ما تعريبه وقد سئل مرّة أنّى اكتسبت هذا العلم الواسع فأجاب ( بلسان يسأل وقلب ذكي مع ان أصل الكلمة قال : ( بلسان سؤول وقلب عقول ) وما ندري كم مثل هذا من تثريب وتخريب في التعريب.

(2) روح الإسلام / 304 تعريب عمر الديراوي ط دار العلم للملايين بيروت.

(3) مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي / 43 ، نقله إلى العربية رياض رأفت ط لجنة التاليف والترجمة والنشر سنة 1938.

١٧٤

وقال أيضاً وهو يتحدث عن العنصر النسوي : ( كما كنّ يحضرن خطب الخلفاء والمحاضرات التي كان يلقيها عليّ بن أبي طالب وابن العباس )(1) .

ولم نجد حرجاً في موافقة هذا الباحث الضليع على ما قاله ، بل ربّما أمكننا أن نستدل أيضاً بما قاله ( فؤاد سزكين ) على حقيقة تفوّق ابن عباس في مجالاته العلمية ، حيث يقول : ( وترتبط قضية مدى إتقانه للمجالات التي ينسب إليه علمه بها ( وهي الفقه الإسلامي وتاريخ الجاهلية وآثارها واللغة والشعر ) وأنّه عني بها تدريساً وبحثاً ، إرتباطاً وثيقاً بقضايا أخرى تتصل بالتراث العربي ( والإسلامي ) ، منها قضية وجود تراث عربي مدوّن في الجاهلية ، ومنها قضية إشتغال بعض شباب الصحابة وكبار التابعين بمسائل علمية ، ومنها قضية ما إذا كان التطور العام لحركة التأليف بالعربية يسير مع هذا النشاط العلمي المبكر على قدم واحد فإنّ الشك في اشتغال عبد الله بن العباس بمجالات العلم المختلفة ليس له ما يبرّره )(2) .

ونزيد نحن على ذلك ، إثبات ذلك التفوق بثمار عطائه المبارك ، إذ لا يمكن أن يكون ذلك كلّه من فراغ ، أو ممّا تزيّده الرواة في أيام العباسيين تزلفاً لأبنائه. فلقد كان لحبر الأمة وترجمان القرآن ـ طيلة سنيّ عمره التي جاوزت السبعين ـ آثاراً تشهد له بما فاض عنه من العطاء النافع المكثار ،

____________________

(1) المصدر نفسه / 60.

(2) تأريخ التراث العربي 1 / 64 في علوم القرآن والحديث.

١٧٥

فأينع حتّى زكت منه الثمار ، كما سيأتي الحديث عما بقي له من التراث.

وعلينا كباحثين أن نشير إلى أبرز أدواره الحافلة بالعطاء في العلم والعمل ، في الشكل والمضمون ، واستجلاء تلك الأدوار إنّما يتم من خلال معرفة مدارسه التي كان له فيها حوزات ينهل تلاميذه فيها من نمير علومه ، كلّ حسب قابليته ، فكانوا من بعده إمتداداً لمدرسته ، ومؤشراً معروفاً ، بل معلَما ماثلاً على قدراته على الصعيد التربوي.

والآن إلى لمحات عن مدارسه ومن ثمّ عن تلامذته :

١٧٦

مجالسه مدارسه

لم تكن مدارسه على ما يتخيله القارئ ذات بناء مخصوص للدراسة ، بل كان هو بقدراته العلمية مدرسة سيارة ، فما مدارسه إلاّ مجالسه.

قال يزيد بن الأصم : ( خرج معاوية حاجّاً معه ابن عباس ، فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممّن يطلب العلم )(1) .

فحيثما كان فله نشاط علمي ملحوظ في كلّ البلاد التي حلّ بها ، فكان له في كلّ من مكة والمدينة والطائف والبصرة ، وحتّى في الشام ومصر معهد علم فيه حديث يروى وأخبار تذكر ، فكان له في مساجدها كما له في بيته ومحل إقامته حيث أقام ما يصح أن نسمّيه مدرسة ، لما له فيها من عطاء مبارك في التعليم ، لكثرة من باركه ذلك العطاء من أهلها والوافدين عليها فاستفادوا منها ، وقد حدّث كثير من أصحابه الذين أخذوا عنه عن شواهد على ذلك العطاء ، ولمّا كانت المدينة المنوّرة هي دار هجرته وموطنه الذي أقام فيه نحواً من أربعين سنة متواصلة تقريباً ، فهي بحق تعدّ أولى مدارسه التي بثّ فيها معارفه قرابة ربع قرن ، بدءاً من أيام عمر ومروراً بأيام عثمان وانتهاءاً بأوائل خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

____________________

(1) سير أعلام النبلاء 4 / 451.

١٧٧

لقد كان في المدينة يعلّم ويفتي ويزدحم عليه روّاد المعرفة ، حتّى إذا خرج مع الإمام عليه السلام إلى العراق فقد تحوّل نشاطه العلمي إلى البصرة حيث ولاّه الإمام عليه السلام عليها فأقام فيها طيلة خمس سنوات ، حتّى خرج منها بعد مهادنة الإمام الحسن عليه السلام ـ كما مرّ في الحلقة الأولى ـ فكانت البصرة مدّة مكثه فيها المدرسة الثانية من مدارسه ، ولمّا رجع إلى المدينة عادت مدرسته الأولى في المدينة إلى سابق عهدها به.

ولمّا تطوّرت الأحداث أيام معاوية ومن بعده من الحاكمين فقد أقام بمكة ، وله ما يبرّر إقامته فيها لتولّيه أمر السقاية للحجاج أيام الحج في كلّ عام. مضافاً إلى أنّها مثابة للناس وحرماً آمناً ، وقد مرّ بنا في الحلقة الأولى أنّه قضى بمكة جلّ أيام حكومة يزيد ، ومن هناك كان وجوده ثقيلاً على ابن الزبير الذي كان يدعو الناس إلى بيعته ، ويريد منه أن يبايعه فلم يفعل ، فأخرجه إلى الطائف وبقي هناك حتّى توفي.

ومدرسة الطائف كانت آخر مدارسه التي ما برح طلاب العلم من التابعين ينهلون منها نمير علومه.

أمّا مدرسته في الشام فقد كانت أيام وفوده على معاوية ، وسيأتي الحديث عنها وكذلك عن مدرسته بمصر.

والآن إلى معرفة شيء عن ثمار تلك المدارس

١٧٨

نماذج ومناهج

مدرسته في المدينة المنورة

لقد كان له الحضور العلمي الواضح من خلال بعض تلامذته الذين كانوا يسكنون المدينة المنورة ، ولعلّ أشهرهم وأظهرهم هو أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي ، فهذا ـ كما ستأتي ترجمته في حرف العين ـ من تلامذته ، كان مبرّزاً ومميّزاً عند ابن عباس حتّى كان يرفعه معه على السرير وقريش أسفل من السرير فيتغامزون به ، فيقول ابن عباس : ( هكذا العلم يزيد الشريف شرفاً ويجلس المملوك على الأسرة )(1) .

ودونه شهرة محمّد بن كعب القرظي الذي روى عن عليّ وابن مسعود وابن عباس. وهو من حلفاء الأوس.

وسوى هذين فثمة جماعة من مواليه المعدودين في المدنيين كما في طبقات ابن سعد(2) ، بدءاً من عكرمة ومروراً بكريب بن أبي مسلم ، وأبي معبد ، ودفيف ، وأبي عبيد الله ، وأبي عبيد ، ومقسم ـ وهذا لم يكن من مواليه حقيقة وإنّما قيل له مولى ابن عباس للزومه إيّاه وانقطاعه إليه

____________________

(1) أنظر سير أعلام النبلاء 4 / 208.

(2) طبقات ابن سعد 5 / 212 فما بعدها.

١٧٩

وروايته عنه ـ ، ومن جملة مواليه أيضاً شعبة.

وله حضور وإمتداد من خلال بقية الرواة عنه من المدنيين ، ولعلّ جلّهم من الموالي أيضاً ، فمنهم محمّد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى لآل الأخنس ابن شريق الثقفي ، وكان ثقة كثير الحديث(1) ، وعبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب ، وكان ثقة وليس بكثير الحديث(2) ، وعمير مولى أم الفضل بنت الحارث الهلالية ـ وهي زوجة العباس ـ وقد يقال له مولى ابن عباس وإنّما هو مولى أمه ، روى عنه في صلاة الخوف.

وأمّا غير هؤلاء من غير الموالي فكثير ، أذكرهم في بحث تلاميذه إن شاء الله تعالى.

مدرسته في البصرة

كان أوّل من جمع الناس بالبصرة في المسجد يوم عرفة هو عبد الله ابن عباس ، كما قاله الحسن البصري لمن سأله عن ذلك على ما ذكره ابن سعد في طبقاته ، قال : ( أخبرنا عفان بن مسلم ، قال : حدّثنا سليم بن أخضر ، عن سليمان التيمي سمعه ، قال : أنبأني من أرسله الحكم بن أيوب إلى

____________________

(1) المصدر نفسه 5 / 208.

(2) المصدر نفسه 5 / 211.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

كانت هذه حاله و هو رعية و سوقة فكيف يكون و هو خليفة قد ملك مشارق الأرض و مغاربها و خطب له على مائة ألف منبر و لو أراد عمر أن يخطب بالخلافة لأبي هريرة لما خالفه أحد من الناس أبدا فكيف يقول المرتضى لما ذا يتعسف عمر أبعد الطريقين و غرضه يتم من أقربهما.و العجب منه كيف يقول خاف شناعة التصريح فمن لم يخف عندهم شناعة المخالفة لرسول الله ص و هو يعلم أن المسلمين يعلمون أنه مخالف لله تعالى و لرسوله قائم في مقام لم يجعله الله تعالى له كيف يخاف شناعة التصريح باسم عثمان لو كان يريد استخلافه إن هذا لأعجب من العجب

الطعن العاشر

قولهم إنه أبدع في الدين ما لا يجوز كالتراويح و ما عمله في الخراج الذي وضعه على السواد و في ترتيب الجزية و كل ذلك مخالف للقرآن و السنة لأنه تعالى جعل الغنيمة للغانمين و الخمس منها لأهل الخمس فخالف القرآن و كذلك السنة تنطق في الجزية أن على كل حالم دينارا فخالف في ذلك السنة و أن الجماعة لا تكون إلا في المكتوبات فخالف السنة.أجاب قاضي القضاة عن ذلك بأن قيام شهر رمضان قد روي عن النبي ص أنه عمله ثم تركه و إذا علم أن الترك ليس بنسخ صار سنة يجوز أن يعمل بها و إذا كان ما لأجله تركه من التنبيه بذلك على أنه ليس بفرض و من تخفيف التعبد

٢٨١

ليس بقائم في فعل عمر لم يمتنع أن يدوم عليه و إذا كان فيه الدعاء إلى الصلاة و التشدد في حفظ القرآن فما الذي يمنع أن يعمل به.فأما أمر الخراج فأصله السنة لأن النبي ص بين أن لمن يتولى الأمر ضربا من الاختيار في الغنيمة و لذلك فصل بين الرجال و الأموال فجعل الاختيار في الرجال إلى الإمام في القتل و الاسترقاق و المفاداة و فصل بينه و بين المال و إن كان الجميع غنيمة.ثم ذكر أن الغنيمة لم تضف إلى الغانمين إضافة الملك و إنما المراد أن لهم في ذلك من الاختصاص و الحق ما ليس لغيرهم فإذا عرض ما يقتضي تقديم أمر آخر جاز للإمام أن يفعله و رأى عمر في أمر السواد الاحتياط للإسلام بأن يقر في أيديهم على الخراج الذي وضعه و إن كان في الناس من يقول فعل ذلك برضا الغانمين و بأن عوض و يدل على صحة فعله إجماع الأمة و رضاهم به و لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين ع تركه على جملته و لم يغيره.ثم ذكر في الجزية أن طريقها الاجتهاد فإن الخبر المروي في هذا الباب ليس بمقطوع به و لا معناه معلوم.اعترض المرتضى هذا الجواب فقال أما التراويح فلا شبهة أنها بدعة و قد روي عن النبي ص أنه قال أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة و صلاة الضحى بدعة ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان في النافلة و لا تصلوا صلاة الضحى فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة ألا و إن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة سبيلها في النار

٢٨٢

و قد روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المسجد فقال ما هذا فقيل له إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع فقال بدعة فنعمت البدعة فاعترف كما ترى بأنها بدعة و قد شهد الرسول ص أن كل بدعة ضلالة.و قد روي أن أمير المؤمنين ع لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم و عرفهم أن ذلك خلاف السنة فتركوه و اجتمعوا لأنفسهم و قدموا بعضهم فبعث إليهم ابنه الحسن ع فدخل عليهم المسجد و معه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب و صاحوا وا عمراه.قال فأما ادعاؤه أن قيام شهر رمضان كان في أيام الرسول ص ثم تركه فمغالطة منه لأنا لا ننكر قيام شهر رمضان بالنوافل على سبيل الانفراد و إنما أنكرنا الاجتماع على ذلك فإن ادعى أن الرسول ص صلاها جماعة في أيامه فإنها مكابرة ما أقدم عليها أحد و لو كان كذلك ما قال عمر إنها بدعة و إن أراد غير ذلك فهو مما لا ينفعه لأن الذي أنكرناه غيره.قال و الذي ذكره من أن فيه التشدد في حفظ القرآن و المحافظة على الصلاة ليس بشي‏ء لأن الله تعالى و رسوله بذلك أعلم و لو كان كما قاله لكانا يسنان هذه الصلاة و يأمران بها و ليس لنا أن نبدع في الدين بما نظن أن فيه مصلحة لأنه لا خلاف في أن ذلك لا يسوغ و لا يحل.و أما أمر الخراج فهو خلاف لنص القرآن لأن الله تعالى جعل الغنيمة في وجوه مخصوصة فمن خالفها فقد أبدع و ليس للإمام و لا لغيره أن يجتهد فيخالف النص فبطل قوله أنه رأى من الاحتياط للإسلام أن يقر في أيديهم على الخراج لأن خلاف النص

٢٨٣

لا يكون من الاحتياط و رسوله أعلم بالاحتياط منه و لو كان لرضا الغانمين عن ذلك أو عوضهم منه على ما ادعاه صاحب الكتاب لوجب أن يظهر ذلك و يعلم و ما عرفنا في ذلك شيئا و لا نقله الناقلون.و أما ما ادعاه من الإجماع فمعوله فيه على ترك النكير و قد تقدم الكلام عليه و تكرر و كذلك قد تقدم الكلام في وجه إقرار أمير المؤمنين ع ما أقره من أحكام القوم و ما ادعاه أن خبر الجزية غير معلوم و لا مقطوع به فهب أن ذلك مسلم على ما فيه أ ليس من مذهبه أن أخبار الآحاد في الشريعة يعمل بها و إن لم تكن معلومة فهلا عمل عمر بالخبر المروي في هذا الباب و عدل عن اجتهاده الذي أداه إلى مخالفة الله تعالى.أما كون صلاة التراويح بدعة و إطلاق عمر عليها هذا اللفظ فإن لفظ البدعة يطلق على مفهومين أحدهما ما خولف به الكتاب و السنة مثل صوم يوم النحر و أيام التشريق فإنه و إن كان صوما إلا أنه منهي عنه.و الثاني ما لم يرد فيه نص بل سكت عنه ففعله المسلمون بعد وفاة رسول الله ص فإن أريد بكون صلاة التراويح بدعة المفهوم الأول فلا نسلم أنها بدعة بهذا التفسير و الخبر الذي رواه المرتضى غير معروف و لا يمكنه أن يسنده إلى كتاب من كتب المحدثين و لو قدر على ذلك لأسنده و لعله من أخبار أصحابه من محدثي الإمامية و الأخباريين منهم و الألفاظ التي في آخر الحديث و هي

كل بدعة ضلالة و كل ضلالة

٢٨٤

في النار مروية مشهورة و لكن على تفسير البدعة بالمفهوم الأول و قول عمر إنها لبدعة خبر مروي مشهور و لكن أراد به البدعة بالتفسير الثاني و الخبر الذي رواه أمير المؤمنين ع ينفرد هو و طائفته بنقله و المحدثون لا يعرفون ذلك و لا يثبتونه.فأما إنكاره أن تكون نافلة شهر رمضان صلاها رسول الله ص في جماعة فإنكار لست أرتضيه لمثله فإن كتب المحدثين مشحونة برواية ذلك و قد ذكره أحمد بن حنبل في مسنده غير مرة بعدة طرق و رواه الفقهاء ذكره الطحاوي في كتاب إختلاف الفقهاء و ذكره أبو الطيب الطبري الشافعي في شرحه كتاب المزني و قد ذكره المتأخرون أيضا ذكره الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين و قال إن رسول الله ص صلى التراويح في شهر رمضان في جماعة ليلتين أو ثلاثا ثم ترك و قال أخاف أن يوجب عليكم و أجاز لي الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي بروايته عن شيخه محمد بن ناصر عن شيوخه و رجاله أن رسول الله ص صلى نافلة شهر رمضان في جماعة يأتمون به ليالي ثم لم يخرج و قام في بيته و صلى الناس فرادى بقية أيامه و أيام أبي بكر و صدرا من خلافة عمر فخرج عمر ليلة فرأى الناس أوزاعا يصلون في المسجد فقال لو جمعتهم على إمام فأمر أبي بن كعب أن يصلي بهم فصلى بهم تلك الليلة ثم خرج فرآهم مجتمعين إلى أبي بن كعب يصلي بهم فقال بدعة و نعمة البدعة أما إنها لفضل و التي ينامون عنها أفضل.قال يعني قيام آخر الليل فإنه أفضل من قيام أوله.و أما قول قاضي القضاة أن في التراويح فائدة و هي التشدد في حفظ القرآن و الدعاء إلى الصلاة و اعتراض المرتضى إياه بقوله الله أعلم بالمصلحة و ليس لنا أن نسن ما لم يسنه

٢٨٥

الله و رسوله فإنه يقال له أ ليس يجوز للإنسان أن يخترع من النوافل صلوات مخصوصة بكيفيات مخصوصة و أعداد ركعات مخصوصة و لا يكون ذلك مكروها و لا حراما نحو أن يصلي ثلاثين ركعة بتسليمة واحدة و يقرأ في كل ركعة منها سورة من قصار المفصل أ فيقول أحد إن هذا بدعة لأنه لم يرد فيه نص و لا سبق إليه المسلمون من قبل فإن قال هذا يسوغ فإنه داخل تحت عموم ما ورد في فضل صلاة النافلة قيل له و التراويح جائزة و مسنونة لأنها داخلة تحت عموم ما ورد في فضل صلاة الجماعة.فإن قال كيف تكون نافلة و هي جماعة قيل له قد رأينا كثيرا من النوافل تصلى جماعة نحو صلاة العيد و صلاة الكسوف و صلاة الاستسقاء و صلاة الجنازة إذا لم يتعين للمصلي بأن يقوم غيره مقامه فيها.فأما ما أشار إليه قاضي القضاة من التشدد في حفظ القرآن فهو أنه روي أن عمر أتي بسارق فأمر بقطعه فقال لم أعلم أن الله أوجب القطع في السرقة و لو علمت لم أسرق فأحلفه على ذلك و سن التراويح جماعة ليتكرر سماع القرآن على أسماع المسلمين.و قد اختلف الفقهاء أيما أفضل في نافلة شهر رمضان الاجتماع عليها أم صلاتها فرادى فقال قوم الجماعة أفضل لأن الاجتماع بركة و له فضيلة و لو لا فضيلته لم يسن في المكتوبة و لأنه ربما يكسل في الانفراد و ينشط عند مشاهدة الجمع.و قال قوم الانفراد أفضل لأنها سنة ليست من الشعائر كالعيدين فإلحاقها بتحية المسجد أولى و قد جرت العادة بأن يدخل المسجد جمع معا ثم لم يصلوا التحية بالجماعة.و روى القائلون بهذا القول عن النبي ص أنه قال فضل صلاة المتطوع في بيته على صلاة المتطوع في المسجد كفضل صلاة المكتوبة في المسجد على صلاته في البيت

٢٨٦

و قد روي عنه ع أن أفضل النوافل ركعتان يصليهما المسلم في زاوية بيته لا يعلمهما إلا الله وحده.قالوا و لأنها إذا صليت فرادى كانت الصلاة أبعد من الرياء و التصنع و بالجملة الاختلاف في أيهما أفضل فأما تحريم الصلاة و لزوم الإثم بفعلها فمما لم يذهب إليه إلا الإمامية و قد روى الرواة أن عليا ع خرج ليلا في شهر رمضان في خلافة عثمان بن عفان فرأى المصابيح في المساجد و المسلمون يصلون التراويح فقال نور الله قبر عمر كما نور مساجدنا و الشيعة يروون هذا الخبر و لكن بحمل اللفظ على معنى آخر.فأما حديث الخراج فقد ذكره أرباب علم الخراج و الكتاب و ذكره الفقهاء أيضا في كتبهم و ذكره أرباب السيرة و أصحاب التاريخ قال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج اختلف الفقهاء في أرض العنوة فقال بعضهم تخمس ثم تقسم أربعة أخماس على الذين افتتحوها و قال بعضهم ذلك إلى الإمام إن رأى أن يجعلها غنيمة ليخمسها و يقسم الباقي كما فعل رسول الله ص بخيبر فذلك إليه و إن رأى أن يجعلها فيئا فلا يخمسها و لا يقسمها بل تكون موقوفة على سائر المسلمين كما فعل عمر بأرض السواد و أرض مصر و غيرهما مما افتتحه عنوة فعلى الوجهين جميعا فيهما قدوة و متبع لأن النبي ص قسم خيبر و صيرها غنيمة و أشار الزبير بن العوام على عمر في مصر و بلاد الشام بمثل ذلك و هو مذهب مالك بن أنس و جعل عمر السواد و غيره فيئا موقوفا على المسلمين من كان منهم حاضرا في وقته و من أتى بعده و لم يقسمه و هو رأي رآه علي بن أبي طالب ع و معاذ بن جبل و أشارا عليه و به كان يأخذ سفيان بن سعيد و ذلك رأي من جعل الخيار إلى الإمام في تصيير أرض العنوة غنيمة أو فيئا راجعا للمسلمين في كل سنة.

٢٨٧

قال قدامةرحمه‌الله فأما ما فعله رسول الله ص من تصييره خيبر غنيمة فإنه ع اتبع فيه آية محكمة و هي قوله تعالى( وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ ) فهذه آية الغنيمة و هي لأهلها دون الناس و بها عمل رسول الله ص و أما الآية التي عمل بها عمر و ذهب إليها علي ع و معاذ بن جبل فيما أشارا عليه به فهي قوله تعالى ما( أَفاءَ اَللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرى‏ فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ إلى قوله لِلْفُقَراءِ اَلْمُهاجِرِينَ وَ اَلَّذِينَ تَبَوَّؤُا اَلدَّارَ وَ اَلْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ اَلَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ) انتهت ألفاظ قدامة.و روى محمد بن جرير الطبري في تاريخه أن عمر هم أن يقسم أرض السواد بين الغانمين كما يقسم الغنائم ثم قال فكيف بالآجام و مناقع المياه و الغياض و الهضب المرتفع و الغائط المنخفض و كيف يصنع هؤلاء بالماء و قسمته بينهم أخاف أن يضرب بعضهم وجوه بعض ثم جمع الغانمين فقال لهم ذلك فرضوا أن تقر الأرض حبيسا لهم يولونها من تراضوا عليه ثم يقتسمون غلتها كل عام فقال عمر اللهم إني قد اجتهدت و قد قضيت ما علي اللهم إني أشهدك عليهم فاشهد.فأما قول قاضي القضاة إن النبي ص جعل لمتولي أمر الأمة ضربا من الاختيار في الغنيمة و ما ذكره من الفرق بين الرجال و الأموال و ما ذكره من أن الغانمين ليسوا مالكي الغنيمة ملكا صريحا و إنما هو ضرب من الاختصاص فكله جيد لا كلام عليه و لم يعترضه المرتضى بشي‏ء و لا تعرض له.و أما قول قاضي القضاة إنه روي أن عمر فعل ما فعل برضا الغانمين و بأن عوضهم

٢٨٨

عنه و إنكار المرتضى وقوع ذلك و قوله أنه لم ينقل فقد بينا أن الطبري ذكر في تاريخه أن عمر فعل ذلك برضا الغانمين و بعد أن جمعهم و قال لهم ما استصلحه و ما أدى إليه اجتهاده فرضوا به و أشهدوا الله عليهم و الحاضرين.و قد ذكر كثير من الفقهاء أن عمر عوض الغانمين عن أرض السواد و وقفه على مصالح المسلمين و هذا ما رواه الشافعي و ذكر حديث التعريض أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي في كتاب الحاوي في الفقه و ذكره أيضا أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري في شرح المزني.و أما تعلق قاضي القضاة بإجماع المسلمين فتعلق صحيح و طعن المرتضى فيه بالتقية و موافقة الإمام المعصوم على الباطل طعن يسمج التعلق به و للبحث فيه سبح طويل.و أما أمر الجزية فطريقه الاجتهاد و للإمام أن يرى فيه رأيه بمشاورة الصلحاء و الفقهاء و قد قال قاضي القضاة إن الخبر الذي ذكره المرتضى و ذكر أنه مرفوع و هو

على كل حالم دينار خبر مظنون غير معلوم و اعتراض المرتضى عليه بقوله هب أن الأمر كذلك أ لستم تزعمون أن خبر الواحد معمول عليه في الفروع فهلا عمل عمر بهذا الخبر و إن كان خبر واحد اعتراض ليس بلازم لأنه إذا كان خبر واحد عندنا لم يلزم أن يكون أيضا خبر واحد عند عمر بل من الجائز أن يكون مفتعلا بعد وفاة عمر و لو كان قد ثبت أن عمر سمع هذا الخبر من واحد أو اثنين من الصحابة ثم لم يعمل به كان الاعتراض لازما و لكن ذلك مما لم يثبت.

٢٨٩

الفهرس

کتاب شرح نهج البلاغة الجزء الثاني عشر ابن ابي الحديد ١

نكت من كلام عمر و سيرته و أخلاقه ٦

خطب عمر الطوال ١٠٨

نبذ من كلام عمر ١١٦

أخبار عمر مع عمرو بن معديكرب ١١٨

فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة ١٢٠

ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر ١٧٧

ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر ١٨٢

تاريخ موت عمر و الأخبار الواردة في ذلك ١٨٤

فصل في ذكر ما طعن به على عمر و الجواب عنه ١٩٥

الطعن الأول ١٩٥

الطعن الثاني ٢٠٢

الطعن الثالث ٢٠٥

الطعن الرابع ٢٠٨

الطعن الخامس ٢١٠

الطعن السادس ٢٢٧

الطعن السابع ٢٤٦

الطعن الثامن ٢٥١

الطعن التاسع ٢٥٦

روى أبو مخنف أيضا أن عمارا قال هذا البيت ذلك اليوم ٢٦٥

الطعن العاشر ٢٨١

كل بدعة ضلالة و كل ضلالة ٢٨٤

الفهرس ٢٩٠

٢٩٠