كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 290

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 25666
تحميل: 5892


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25666 / تحميل: 5892
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 12

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الثاني عشر

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

223 و من كلام له ع

لِلَّهِ بَلاَءُ بِلاَدُ فُلاَنٍ فَلَقَدْ قَوَّمَ اَلْأَوَدَ وَ دَاوَى اَلْعَمَدَ وَ أَقَامَ اَلسُّنَّةَ وَ خَلَّفَ اَلْفِتْنَةَ ذَهَبَ نَقِيُّ اَلثَّوْبِ قَلِيلَ اَلْعَيْبِ أَصَابَ خَيْرَهَا وَ سَبَقَ شَرَّهَا.أَدَّى إِلَى اَللَّهِ طَاعَتَهُ وَ اِتَّقَاهُ بِحَقِّهِ رَحَلَ وَ تَرَكَهُمْ فِي طُرُقِ مُتَشَعِّبَةٍ لاَ يَهْتَدِي بِهَا اَلضَّالُّ وَ لاَ يَسْتَيْقِنُ اَلْمُهْتَدِي العرب تقول لله بلاد فلان و لله در فلان و لله نادي فلان و لله نائح فلان و المراد بالأول لله البلاد التي أنشأته و أنبتته و بالثاني لله الثدي الذي أرضعه و بالثالث لله المجلس الذي ربي فيه و بالرابع لله النائحة التي تنوح عليه و تندبه ما ذا تعهد من محاسنه.و يروى لله بلاء فلان أي لله ما صنع و فلان المكنى عنه عمر بن الخطاب و قد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع نهج البلاغة و تحت فلان عمر

٣

حدثني بذلك فخار بن معد الموسوي الأودي الشاعر و سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر فقلت له أ يثني عليه أمير المؤمنين ع هذا الثناء فقال نعم أما الإمامية فيقولون إن ذلك من التقية و استصلاح أصحابه و أما الصالحيون من الزيدية فيقولون إنه أثنى عليه حق الثناء و لم يضع المدح إلا في موضعه و نصابه و أما الجارودية من الزيدية فيقولون إنه كلام قاله في أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له و التنقص لأعماله كما يمدح الآن الأمير الميت في أيام الأمير الحي بعده فيكون ذلك تعريضا به.فقلت له إلا أنه لا يجوز التعريض و الاستزادة للحاضر بمدح الماضي إلا إذا كان ذلك المدح صدقا لا يخالطه ريب و لا شبهة فإذا اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة و ذهب نقي الثوب قليل العيب و أنه أدى إلى الله طاعته و اتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون من المدح و فيه إبطال قول من طعن على عثمان بن عفان.فلم يجبني بشي‏ء و قال هو ما قلت لك.فأما الراوندي فإنه قال في الشرح إنه ع مدح بعض أصحابه بحسن السيرة و إن الفتنة هي التي وقعت بعد رسول الله ص من الاختيار و الأثرة.و هذا بعيد لأن لفظ أمير المؤمنين يشعر إشعارا ظاهرا بأنه يمدح واليا ذا رعية و سيرة أ لا تراه كيف يقول فلقد قوم الأود و داوى العمد و أقام السنة و خلف الفتنة و كيف يقول أصاب خيرها و سبق شرها و كيف يقول أدى إلى الله طاعته و كيف يقول رحل و تركهم في طرق متشعبة.

٤

و هذا الضمير و هو الهاء و الميم في قوله ع و تركهم هل يصح أن يعود إلا إلى الرعايا و هل يسوغ أن يقال هذا الكلام لسوقة من عرض الناس و كل من مات قبل وفاة النبي ص كان سوقة لا سلطان له فلا يصح أن يحمل هذا الكلام على إرادة أحد من الذين قتلوا أو ماتوا قبل وفاة النبي ص كعثمان بن مظعون أو مصعب بن عمير أو حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث و غيرهم من الناس و التأويلات الباردة الغثة لا تعجبني على أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري قد صرح أو كاد يصرح بأن المعني بهذا الكلام عمر قال الطبري لما مات عمر بكته النساء فقالت إحدى نوادبه وا حزناه على عمر حزنا انتشر حتى ملأ البشر و قالت ابنة أبي حثمة وا عمراه أقام الأود و أبرأ العمد و أمات الفتن و أحيا السنن خرج نقي الثوب بريئا من العيب.

قال الطبري فروى صالح بن كيسان عن المغيرة بن شعبة قال لما دفن عمر أتيت عليا ع و أنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئا فخرج ينفض رأسه و لحيته و قد اغتسل و هو ملتحف بثوب لا يشك أن الأمر يصير إليه فقال رحم الله ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة ذهب بخيرها و نجا من شرها أما و الله ما قالت و لكن قولت.و هذا كما ترى يقوي الظن أن المراد و المعني بالكلام إنما هو عمر بن الخطاب.

٥

قوله فلقد قوم الأود أي العوج أود الشي‏ء بالكسر يأود أودا أي أعوج و تأود العود يتأود.و العمد انفضاخ سنام البعير و منه يقال للعاشق عميد القلب و معموده.قوله أصاب خيرها أي خير الولاية و جاء بضميرها و لم يجر ذكرها لعادة العرب في أمثال ذلك كقوله تعالى( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) .و سبق شرها أي مات أو قتل قبل الأحداث و الاختلاط الذي جرى بين المسلمين.قوله و اتقاه بحقه أي بأداء حقه و القيام به.فإن قلت و أي معنى في قوله و اتقاه بأداء حقه و هل يتقى الإنسان الله بأداء الحق إنما قد تكون التقوى علة في أداء الحق فأما أن يتقي بأدائه فهو غير معقول.قلت أراد ع أنه اتقى الله و دلنا على أنه اتقى الله بأدائه حقه فأداء الحق علة في علمنا بأنه قد اتقى الله سبحانه.ثم ذكر أنه رحل و ترك الناس في طرق متشعبة متفرقة فالضال لا يهتدي فيها و المهتدي لا يعلم أنه على المنهج القويم و هذه الصفات إذا تأملها المنصف و أماط عن نفسه الهوى علم أن أمير المؤمنين ع لم يعن بها إلا عمر لو لم يكن قد روي لنا توقيفا و نقلا أن المعني بها عمر فكيف و قد رويناه عمن لا يتهم في هذا الباب

نكت من كلام عمر و سيرته و أخلاقه

و نحن نذكر في هذا الموضع نكتا من كلام عمر و سيرته و أخلاقه.

٦

أتي عمر بمال فقال له عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمر يحدث فقال كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني حجتها و وقاني فتنتها أعصي الله العام مخافة قابل أعد لهم تقوى الله قال الله سبحانه( وَ مَنْ يَتَّقِ اَللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .استكتب أبو موسى الأشعري نصرانيا فكتب إليه عمر اعزله و استعمل بدله حنيفيا فكتب له أبو موسى إن من غنائه و خيره و خبرته كيت و كيت فكتب له عمر ليس لنا أن نأتمنهم و قد خونهم الله و لا أن نرفعهم و قد وضعهم الله و لا أن نستنصحهم في الدين و قد وترهم الإسلام و لا أن نعزهم و قد أمرنا بأن يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون.فكتب أبو موسى أن البلد لا يصلح إلا به فكتب إليه عمر مات النصراني و السلام.و كتب إلى معاوية إياك و الاحتجاب دون الناس و ائذن للضعيف و أدنه حتى ينبسط لسانه و يجترئ قلبه و تعهد الغريب فإنه إذا طال حبسه و دام إذنه ضعف قلبه و ترك حقه عزل عمر زيادا عن كتابة أبي موسى الأشعري في بعض قدماته عليه فقال له عن عجز أم عن خيانة فقال لا عن واحدة منهما و لكني أكره أن أحمل على العامة فضل عقلك.

٧

و قال إني و الله لا أدع حقا لله لشكاية تظهر و لا لضب يحتمل و لا محاباة لبشر و إنك و الله ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.و كتب إلى سعد بن أبي وقاص يا سعد سعد بني أهيب إن الله إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس و اعلم أن ما لك عند الله مثل ما لله عندك.و سأل رجلا عن شي‏ء فقال الله أعلم فقال قد شقينا إن كنا لا نعلم أن الله أعلم إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل لا أدري.و قال عبد الملك على المنبر أنصفونا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة أبي بكر و عمر و لم تسيروا في أنفسكم و لا فينا سيرة أبي بكر و عمر نسأل الله أن يعين كلا على كل.و دخل عمر على ابنه عبد الله فوجد عنده لحما عبيطا معلقا فقال ما هذا اللحم قال اشتهيت فاشتريت فقال أ و كلما اشتهيت شيئا أكلته كفى بالمرء سرفا أن أكل كل ما اشتهاه.مر عمر على مزبلة فتأذى بريحها أصحابه فقال هذه دنياكم التي تحرصون عليها.

٨

و من كلامه للأحنف يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته و من مزح استخف به و من أكثر من شي‏ء عرف به و من كثر كلامه كثر سقطه و من كثر سقطه قل حياؤه و من قل حياؤه قل ورعه و من قل ورعه مات قلبه.و قال لابنه عبد الله يا بني اتق الله يقك و أقرض الله يجزك و اشكره يزدك و اعلم أنه لا مال لمن لا رفق له و لا جديد لمن لا خلق له و لا عمل لمن لا نية له.و خطب يوم استخلف فقال أيها الناس إنه ليس فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له و لا أضعف من القوي حتى آخذ الحق منه.و قال لابن عباس يا عبد الله أنتم أهل رسول الله و آله و بنو عمه فما تقول منع قومكم منكم قال لا أدري علتها و الله ما أضمرنا لهم إلا خيرا قال اللهم غفرا إن قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوة و الخلافة فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا و لعلكم تقولون إن أبا بكر أول من أخركم أما إنه لم يقصد ذلك و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل و لو لا رأي أبي بكر في لجعل لكم من الأمر نصيبا و لو فعل ما هنأكم مع قومكم إنهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره.و كان يقول ليت شعري متى أشفى من غيظي أ حين أقدر فيقال لي لو عفوت أم حين أعجل فيقال لو صبرت.و رأى أعرابيا يصلي صلاة خفيفة فلما قضاها قال اللهم زوجني الحور العين فقال له لقد أسأت النقد و أعظمت الخطبة.و قيل له كان الناس في الجاهلية يدعون على من ظلمهم فيستجاب لهم و لسنا نرى

٩

ذلك الآن قال لأن ذلك كان الحاجز بينهم و بين الظلم و أما الآن فالساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر.و من كلامه من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن و من كتم سره كانت الخيرة بيده.ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك و لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم شرا و أنت تجد لها في الخير محملا أو عليك بإخوان الصدق و كيس أكياسهم فإنهم زينة في الرخاء و عدة عند البلاء و لا تتهاونن بالخلق فيهينك الله و لا تعترض بما لا يعنيك و اعتزل عدوك و تحفظ من خليلك إلا الأمين فإن الأمين من الناس لا يعادله شي‏ء و لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره و لا تفش إليه سرك و استشر في أمرك أهل التقوى و كفى بك عيبا أن يبدو لك من أخيك ما يخفى عليك من نفسك و أن تؤذي جليسك بما تأتي مثله.و قال ثلاث يصفين لك الود في قلب أخيك أن تبدأه بالسلام إذا لقيته و أن تدعوه بأحب أسمائه إليه و أن توسع له في المجلس.و قال أحب أن يكون الرجل في أهله كالصبي و إذا أصيخ إليه كان رجلا.بينا عمر ذات يوم إذا رأى شابا يخطر بيديه فيقول أنا ابن بطحاء مكة كديها و كداها فناداه عمر فجاء فقال إن يكن لك دين فلك كرم و إن يكن لك عقل فلك مروءة و إن يكن لك مال فلك شرف و إلا فأنت و الحمار سواء.

١٠

و قال يا معشر المهاجرين لا تكثروا الدخول على أهل الدنيا و أرباب الإمرة و الولاية فإنه مسخطة للرب و إياكم و البطنة فإنها مكسلة عن الصلاة و مفسدة للجسد مورثة للسقم و إن الله يبغض الحبر السمين و لكن عليكم بالقصد في قوتكم فإنه أدنى من الإصلاح و أبعد من السرف و أقوى على عبادة الله و لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه.و قال تعلموا أن الطمع فقر و أن اليأس غنى و من يئس من شي‏ء استغنى عنه و التؤدة في كل شي‏ء خير إلا ما كان من أمر الآخرة.و قال من اتقى الله لم يشف الله غيظه و من خاف الله لم يفعل ما يريد و لو لا يوم القيامة لكان غير ما ترون.و قال إني لأعلم أجود الناس و أحلم الناس أجودهم من أعطى من حرمه و أحلمهم من عفا عمن ظلمه.و كتب إلى ساكني الأمصار أما بعد فعلموا أولادكم العوم و الفروسية رووهم ما سار من المثل و حسن من الشعر.و قال لا تزال العرب أعزة ما نزعت في القوس و نزت في ظهور الخيل و قال و هو يذكر النساء أكثروا لهن من قول لا فإن نعم مفسدة تغريهن على المسألة.و قال ما بال أحدكم يثني الوسادة عند امرأة معزبة إن المرأة لحم على وضم إلا ما ذب عنه.

١١

و كتب إلى أبي موسى أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله أن يدركني و إياك عمياء مجهولة و ضغائن محمولة و أهواء متبعة و دنيا مؤثرة أقم الحدود و اجلس للمظالم و لو ساعة من نهار و إذا عرض لك أمران أحدهما لله و الآخر للدنيا فابدأ بعمل الآخرة فإن الدنيا تفنى و الآخرة تبقى و كن من مال الله عز و جل على حذر و اجف الفساق و اجعلهم يدا و يدا و رجلا و رجلا و إذا كانت بين القبائل نائرة يا لفلان يا لفلان فإنما تلك نجوى الشيطان فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا إلى أمر الله و تكون دعواهم إلى الله و إلى الإسلام و قد بلغني أن ضبة تدعو يا لضبة و إني و الله أعلم أن ضبة ما ساق الله بها خيرا قط و لا منع بها من سوء قط فإذا جاءك كتابي هذا فأنهكهم ضربا و عقوبة حتى يفرقوا إن لم يفقهوا و الصق بغيلان بن خرشة من بينهم و عد مرضى المسلمين و اشهد جنائزهم و افتح لهم بابك و باشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير إن الله قد جعلك أثقلهم حملا و قد بلغني أنه فشا لك و لأهل بيتك هيئة في لباسك و مطعمك و مركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله بن قيس أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصيب فلم يكن لها همة إلا السمن و إنما حظها من السمن لغيرها و اعلم أن للعامل مردا إلى الله فإذا زاغ العامل زاغت رعيته و إن أشقى الناس من شقيت به نفسه و رعيته و السلام و خطب عمر فقال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى و يفنى ما سواه و الذي بطاعته ينفع أولياءه و بمعصيته يضر أعداءه إنه ليس لهالك هلك عذر في تعمد ضلالة حسبها هدى و لا ترك حق حسبه ضلالة قد ثبتت الحجة و وضحت الطرق و انقطع العذر و لا حجة لأحد على الله عز و جل ألا إن أحق ما تعاهد به الراعي

١٢

رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله تعالى عليهم في وظائف دينهم الذي هداهم به و إنما علينا أن نأمركم بالذي أمركم الله به من طاعته و ننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته و أن نقيم أمر الله في قريب الناس و بعيدهم و لا نبالى على من قال الحق ليتعلم الجاهل و يتعظ المفرط و يقتدي المقتدي و قد علمت أن أقواما يتمنون في أنفسهم و يقولون نحن نصلي مع المصلين و نجاهد مع المجاهدين إلا أن الإيمان ليس بالتمني و لكنه بالحقائق إلا من قام على الفرائض و سدد نيته و اتقى الله فذلكم الناجي و من زاد اجتهادا وجد عند الله مزيدا.و إنما المجاهدون الذين جاهدوا أهواءهم و الجهاد اجتناب المحارم ألا إن الأمر جد و قد يقاتل أقوام لا يريدون إلا الذكر و قد يقاتل أقوام لا يريدون إلا الأجر و إن الله يرضى منكم باليسير و أثابكم على اليسير الكثير.الوظائف الوظائف أدوها تؤدكم إلى الجنة و السنة السنة الزموها تنجكم من البدعة.تعلموا و لا تعجزوا فإن من عجز تكلف و إن شرار الأمور محدثاتها و إن الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في الضلالة فافهموا ما توعظون به فإن الحريب من حرب دينه و إن السعيد من وعظ بغيره.و قال و عليكم بالسمع و الطاعة فإن الله قضى لهما بالعزة و إياكم و التفرق و المعصية فإن الله قضى لهما بالذلة.أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم.بعث سعد بن أبي وقاص أيام القادسية إلى عمر قباء كسرى و سيفه و منطقته

١٣

و سراويله و تاجه و قميصه و خفيه فنظر عمر في وجوه القوم عنده فكان أجسمهم و أمدهم قامة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال يا سراق قم فالبس قال سراقة طمعت فيه فقمت فلبست فقال أدبر فأدبرت و قال أقبل فأقبلت فقال بخ بخ أعرابي من بني مدلج عليه قباء كسرى و سراويله و سيفه و منطقته و تاجه و خفاه رب يوم يا سراق لو كان فيه دون هذا من متاع كسرى و آل كسرى لكان شرفا لك و لقومك انزع فنزعت فقال اللهم إنك منعت هذا نبيك و رسولك و كان أحب إليك مني و أكرم و منعته أبا بكر و كان أحب إليك مني و أكرم ثم أعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي ثم بكى حتى رحمه من كان عنده.و قال لعبد الرحمن بن عوف أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي فما أدركه المساء إلا و قد بيع و قسم ثمنه على المسلمين.جي‏ء بتاج كسرى إلى عمر فاستعظم الناس قيمته للجواهر التي كانت عليه فقال إن قوما أدوا هذا لأمناء فقال علي ع إنك عففت فعفوا و لو رتعت لرتعوا.كان عمر يعس ليلا فنزلت رفقة من التجار بالمصلى فقال لعبد الرحمن بن عوف هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم و يصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فأصغى نحوه فطال بكاؤه فتوجه إليه فقال لأمه اتقي الله و أحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فأتى أمه فقال ويحك إني لأراك أم سوء لا أرى ابنك يقر منذ الليلة فقالت يا عبد الله لقد آذيتني منذ الليلة إني أريغه

١٤

على الفطام فيأبى قال و لم قالت لأن عمر لا يفرض لرضيع و إنما يفرض للفطيم قال و كم له قالت اثنا عشر شهرا قال ويحك لا تعجليه فصلى الفجر و ما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء عليه فلما سلم قال يا بؤسا لعمركم كم قتل من أولاد المسلمين فطلب مناديا فنادى ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع و لا تفطموا قبل أوان الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام.و كتب بذلك إلى سائر الآفاق.مر عمر بشاب من الأنصار و هو ظمآن فاستسقاه فخاض له عسلا فرده و لم يشرب و قال إني سمعت الله سبحانه يقول( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا وَ اِسْتَمْتَعْتُمْ ) بِها فقال الفتى إنها و الله ليست لك فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى اَلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا ) أ فنحن منهم فشرب و قال كل الناس أفقه من عمر.و أوصى عمر حين طعنه أبو لؤلؤة من يستخلفه المسلمون بعده من أهل الشورى فقال أوصيك بتقوى الله لا شريك له و أوصيك بالمهاجرين الأولين خيرا أن تعرف لهم سابقتهم و أوصيك بالأنصار خيرا أقبل من محسنهم و تجاوز عن مسيئهم و أوصيك بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء العدو و جباة الفي‏ء لا تحمل فيئهم إلى غيرهم إلا عن فضل منهم و أوصيك بأهل البادية خيرا فإنهم أصل العرب و مادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم فيرد على فقرائهم و أوصيك بأهل الذمة خيرا أن تقاتل

١٥

من ورائهم و لا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمسلمين طوعا أو عن يد و هم صاغرون.و أوصيك بتقوى الله و شدة الحذر منه و مخافة مقته أن يطلع منك على ريبة و أوصيك أن تخشى الله في الناس و لا تخشى الناس في الله و أوصيك بالعدل في الرعية و التفرغ لحوائجهم و ثغورهم و ألا تعين غنيهم على فقيرهم فإن في ذلك بإذن الله سلامة لقلبك و حطا لذنوبك و خيرا في عاقبة أمرك و أوصيك أن تشتد في أمر الله و في حدوده و الزجر عن معاصيه على قريب الناس و بعيدهم و لا تأخذك الرأفة و الرحمة في أحد منهم حتى تنتهك منه مثل جرمه و اجعل الناس عندك سواء لا تبال على من وجب الحق لا تأخذك في الله لومة لائم و إياك و الأثرة و المحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المسلمين فتجور و تظلم و تحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك فإنك في منزلة من منازل الدنيا و أنت إلى الآخرة جد قريب فإن صدقت في دنياك عفة و عدلا فيما بسط لك اقترفت رضوانا و إيمانا و إن غلبك الهوى اقترفت فيه سخط الله و مقته.و أوصيك ألا ترخص لنفسك و لا لغيرك في ظلم أهل الذمة.و اعلم أني قد أوصيتك و خصصتك و نصحت لك أبتغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة و دللتك على ما كنت دالا عليه نفسي فإن عملت بالذي وعظتك و انتهيت إلى الذي أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا و حظا وافيا و إن لم تقبل ذلك و لم تعمل و لم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضي الله به سبحانه عنك يكن ذاك بك انتقاصا و يكن رأيك فيه مدخولا فالأهواء مشتركة و رأس الخطيئة إبليس الداعي إلى كل هلكة قد أضل القرون السالفة قبلك و أوردهم النار و لبئس الثمن أن يكون حظ امرئ من دنياه موالاة عدو الله الداعي إلى معاصيه اركب الحق و خض إليه الغمرات و كن واعظا لنفسك.

١٦

و أنشدك لما ترحمت إلى جماعة المسلمين و أجللت كبيرهم و رحمت صغيرهم و قربت عالمهم لا تضربهم فيذلوا و لا تستأثر عليهم بالفي‏ء فتغضبهم و لا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم و لا تجمرهم في البعوث فتقطع نسلهم و لا تجعل الأموال دولة بين الأغنياء منهم و لا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم.هذه وصيتي إياك و أشهد الله عليك و أقرأ عليك السلام و الله على كل شي‏ء شهيد.و خطب عمر فقال لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول الله ص إلا ارتجعت ذلك منها فقامت إليه امرأة فقالت و الله ما جعل الله ذلك لك إنه تعالى يقول( وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) فقال عمر أ لا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت ناضلت إمامكم فنضلته.و كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب و تسور فرأى رجلا عند امرأة و زق خمر فقال يا عدو الله أ ظننت أن الله يسترك و أنت على معصيته فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و قد تجسست و قال( وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها )

١٧

و قد تسورت و قال( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) و ما سلمت فقال هل عندك من خير إن عفوت عنك قال نعم و الله لا أعود فقال اذهب فقد عفوت عنك.و خطب يوما فقال أيها الناس ما الجزع مما لا بد منه و ما الطمع فيما لا يرجى و ما الحيلة فيما سيزول و إنما الشي‏ء من أصله و قد مضت قبلكم الأصول و نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله.إنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتبل فيهم المنايا نصب المصائب في كل جرعة شرق و في كل أكلة غصص لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى و لا يستقبل معمر من عمره يوما إلا بهدم آخر من أجله و هم أعوان الحتوف على أنفسهم فأين المهرب مما هو كائن ما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الفائدة غدا و ما أعظم خيبة الخائب و خسران الخاسر( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اَللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) .و أكثر الناس روى هذا الكلام لعلي ع و قد ذكره صاحب نهج البلاغة و شرحناه فيما سبق.حمل من العراق إلى عمر مال فخرج هو و مولى له فنظر إلى الإبل فاستكثرها فجعل يقول الحمد لله يكررها و يرددها و جعل مولاه يقول هذا من فضل الله و رحمته و يكررها و يرددها.فقال عمر كذبت لا أم لك أظنك ذهبت إلى أن هذا هو ما عناه سبحانه

١٨

بقوله( قُلْ بِفَضْلِ اَللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) و إنما ذلك الهدى أ ما تسمعه يقول( هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) و هذا مما يجمعون.و روى الأحنف بن قيس قال قدمنا على عمر بفتح عظيم نبشره به فقال أين نزلتم قلنا في مكان كذا فقام معنا حتى انتهينا إلى مناخ ركابنا و قد أضعفها الكلال و جهدها السير فقال هلا اتقيتم الله في ركابكم هذه أ ما علمتم أن لها عليكم حقا هلا احترموها هلا حللتم بها فأكلت من نبات الأرض فقلنا يا أمير المؤمنين إنا قدمنا بفتح عظيم فأحببنا التسرع إليك و إلى المسلمين بما يسرهم.فانصرف راجعا و نحن معه فأتى رجل فقال يا أمير المؤمنين إن فلانا ظلمني فأعدني عليه فرفع في السماء درته و ضرب بها رأسه و قال تدعون عمر و هو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر المسلمين أتيتموه أعدني أعدني فانصرف الرجل يتذمر فقال عمر علي بالرجل فجي‏ء به فألقى إليه المخفقة فقال اقتص قال بل أدعه لله و لك قال ليس كذلك بل تدعه إما لله و إرادة ما عنده و إما تدعه لي قال أدعه لله قال انصرف ثم جاء حتى دخل منزله و نحن معه فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس فقال يا ابن الخطاب كنت وضيعا فرفعك الله و كنت ضالا فهداك الله و كنت ذليلا فأعزك الله ثم حملك على رقاب الناس فجاء رجل يستعديك على من ظلمه فضربته ما ذا تقول لربك غدا فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض.

١٩

و ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث أن رجلا أتى عمر يسأله و يشكو إليه الفقر فقال هلكت يا أمير المؤمنين فقال أ هلكت و أنت تنث نثيث الحميت أعطوه فأعطوه ربعة من مال الصدقة تبعها ظئراها ثم أنشأ يحدث عن نفسه فقال لقد رأيتني و أختا لي نرعى على أبوينا ناضحا لنا قد ألبستنا أمنا نقبتها و زودتنا يمنتيها هبيدا فنخرج بناضحنا فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي و خرجت أسعى عريان فنرجع إلى أمنا و قد جعلت لنا لفيته من ذلك الهبيد فيا خصباه.و روى ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال دخلت على عمر في أول خلافته و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة و أقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب من جر كان عنده و استلقى على مرفقه له و طفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال من أين جئت يا عبد الله قلت من المسجد قال كيف خلفت ابن عمك فظننته يعنى عبد الله بن جعفر قلت خلفته يلعب مع أترابه قال لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت قلت خلفته يمتح بالغرب على نخيلات من فلان و هو يقرأ القرآن قال يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه

٢٠